الصفحات

الأحد، 27 يناير 2013

ثنائية العـقل والحرية في الاسلام ..



ثنائية العـقل والحرية في الاسلام ..  


 ان عظمة الدين الاسلامي تكمن في اعـتماده على العـقـل تجسيدا لحرية الانسان . لذلك لم يكلـّـف الله الا العاقل البالغ ، فجعل شرط التكليف اكتمال العـقل .. ثم اعـتمد في ما أمر به من تكليف  على الحجج العـقلية والاقناع .. و قد ورد هذا المعـنى في العديد من آيات القرآن . قال تعالى : " قـل سيـروا في الأرض فانظـروا كيف بدأ الخلق ( العـنكبوت . 20 ) .. وحتى الترهيب والترغيب من خلال وصف النعيم في الجنة أو وصف العذاب في النار، ذكـره سبحانه ليكون  ذلك جزءا من اختيار الانسان .. فـتـكون وقـتها مسألة الكفـر والايمان ، او مسألة الطاعة والمعصية ، هي مسألة تقـرير مصير يقـرّره الانسان بنـفسه وهو يعـلم كل كـبيـرة وصغـيرة لما سيترتب عن اختياره .. ولو لم يكن ذلك كذلك لما صحّ  اصلا مبدأ العـقـاب والثواب . قال تعالى :" وَمَا كُـنَّا مُعَذِّبِيـنَ حَـتَّى نَبْعـَثَ رَسُولًا  " ( الاسراء 15 ) . قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية : إخبار عن عدله تعالى، وأنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه ( انتهى ) .

 لذلك فان التشدّد المفرط في وصف الناس بالكفـر والدعاء عليهم وقـذفهم وتعـنيفهم ، هو من اكثر الاساليب تعارضا مع الدين لانه يمثل مصادرة بالغـيب لما منحه الله لعـباده رأفة بهم ، واغلاقا دون مبرر لباب تركه الله مفـتوحا مدى الحياة وهو باب التوبة ... فمن ادرانا بأن من نسمّيه كافرا سيموت على الكفر ؟ وان آيات القرآن الكريم لتغـني عن الكلام . قال تعالى :  وَلاَ تَـقُـولُوا لِمَنْ أَلْـقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً . ( النساء : ٩٤  )  وقال سبحانه : لَعَـلـّـَـكَ بَاخِعٌ نَـفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِـنِـيـنَ ، إِنْ نَـشَأْ نـُنـَزِّلْ عَـلَيْهِـمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَـظَـلـَّـتْ أَعـْنَـاقُـهُمْ لَهَا خَاضِعـِيـنَ  . ( الشعراء 3 و 4 )   قال بن كثير مفسّرا  : " وقوله :  ( لعلك باخع  ) أي : مهلك  نفسك  .  أي : مما تحرص [ عليهم ] وتحزن عليهم ( ألا يكونوا مؤمنين  ) ، وهذه تسلية من الله لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، في عـدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار ، كما قال تعالى :  ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) )  فاطر : 8 ) ، وقال :  " فلعـلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) الكهف : 6 ) " .  ثم قال تعالى :  ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فـظـلـّـت أعناقهم لها خاضعـين  ) أي :  ( لو شئنا لأنزلنا آية تضطـرّهم إلى الإيمان قهرا ، ولكنا لا نفعل ذلك  ،  لأنا لا نريد من أحد إلا الإيمان الاخـتـياري ، وقال تعالى :  ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تــُـكره الناس حتى يكونوا مؤمنين  )  ) يونس : 99  ) ، وقال :  ( ولو شاء ربــّـك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) )  هود : 118 ، 119 ) ، فـنفـذ قدره ، ومضت حكمته ، وقامت حجــّـته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم ، وإنزال الكتب عليهم " ( انتهى ) ..  
والله أعلم .. 

 

 ( نشرية القدس العدد 56 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق