القدس عنوانها وفلسطين بوصلتها

القدس عنوانها وفلسطين بوصلتها
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

حوار مع مجلة فلسطين الثورة .

 

د.عصمت سيف الدولة في حوار مع مجلة فلسطين الثورة .

بتاريخ 1 / 1 / 1991 .

المناضل والمفكر القومي العربي عصمت سيف الدولة لفلسطين الثورة : الأمة العربية تتطوّر من ماضي رديء الى مستقبل واقعي جميل يرونه بعيدا وأراه قريبا .

على مدار حياته ، ومنذ ريعان شبابه أخذت فكرة القومية والعروبة تنمو معه ، وتجري في عروقه وكأنها الاكسير الذي يمنحه الحياة ، العزيمة ، الصلابة ، المواجهة ، شب مناضلا قوميا يقاتل الإقليمية ويمقتها ، حالما بوطن عربي كبير موحد ومستقل ، انه علّامة وصاحب نظرية ، هكذا بدأ وهكذا ظل وعاش ، رغم مغريات الحياة وقساوة السنين . "فلسطين الثورة" أصرت أن تلتقي بهذا الشيخ الجليل ، شيخ الطريقة ، شيخ القوميين ، الأستاذ الدكتور عصمت سيف الدولة .

القرن القادم هو قرن انتصار القوميات تصحيحا لما عاناه البشر من مذابح وقهر واستغلال .

- بين حلم الماضي الجميل وواقع الزمن الرديء الذي نعيشه كيف يرى شيخنا الجليل ويقيّم حال الامة ، وماذا يقول ؟

- أشكر لمجلة "فلسطين الثورة" ما قدّمت به لسؤالها ثم أعتذر عن قبول ما جاء في السؤال تقريبا لما أسميته "حلم الماضي الجميل وواقع الزمن الرديء" في حديث عن حال الامة ، أعني وتعني المجلة حال الأمة العربية ، ذاك لأنني بقدر ما أعرف من تاريخ الأمة العربية لا أتذكر حلما ماضيا جميلا أو أقل رداءة من الزمن الواقع ، بل اراها منذ اكتمالها أمة تتطور من ماضي رديء متجهة الى مستقبل جميل يرونه بعيدا وأراه قريبا .

لقد بدأ تكوين الامة العربية جنينيا في رحم الإسلام فور الهجرة الى المدينة "23 أيلول 622" وفيها تحولت الجماعات القبلية من المسلمين وغير المسلمين الى شعب ذي وطن خاص به مقصور عليه هو المدينة ، أعني وطنا مشتركا عليه حاكم واحد هو محمد بن عبد الله الذي اختير باتفاق راي الشعب ، وهو يحكمه طبقا "لدستور" واحد ملزم لكل من فيه عرف في التاريخ باسم "الصحيفة" . ولما كانت الامة بالدلالة الحديثة لهذا الاسم تتكون من عناصر ثلاثة ، شعب معين ، مستقر على ارض معينة خاصة به ومقصورة عليه ، وحضارة تميزه هي ناتج التفاعل بين الشعب وأرضه ، فان الأمة العربية بقيت نامية ولكن في طور التكوين لم تكتمل طول حركة الفتح الإسلامي وانضمام شعوب وقبائل الى شعب المدينة واتساع الأرض حتى شملت كل ما هو معروف اليوم بالوطن العربي .. وتم التفاعل الحر بين الشعوب والأرض المشتركة ، تفاعلا سلميا تارة وغير سلمي تارة ، وخلاله تعربت باقي الشعوب في الوطن الواحد ، واستطاعت على مدى قرون أن توحّد حضارتها بفعل وحدة الأرض ووحدة الدين ، حتى جاءت الحروب الصليبية واشترك كل المقيمين في الوطن العربي في الدفاع عن وطنهم المشترك على مدة قرن من 1086 الى 1192 ميلادية فاكتملت الامة تكوينا وتلاشت أو اندثرت التجمعات القبلية والشعوبية ، وبدأ ازدهار الأمة العربية وابداعها المبكر علميا وثقافيا وفنيا وفكريا وحملت بنجاح رسالة الإسلام سلميا الى اقصى الأرض ، اذ كان الرحالة والتجار من العرب قدوة إسلامية لكل من اتصلوا بهم من الشعوب . ولم يكن ذلك حلما بل كان ذلك واقعا الى درجة أن الترك في ذلك الوقت وهم مجتمعات قبلية كعهد الاعراب قبل الهجرة أي متخلفون عن العرب بخمسة قرون حضارية ، وكانوا قد حققوا انتصارات كاسحة ضد الروس والبلغار وفي المجر والنمسا واليونان وحاصروا القسطنطينية عاصمة ما تبقى من الإمبراطورية البيزنطية فاراد بيازيد الأول رابع قادة الترك من بني عثمان أن يتوج تلك الانتصارات بلقب مثل الذي كان يحمله قادة العرب فأوفد من يلتمس لدى الخليفة أن يمنحه لقب "سلطان الروم" فمنحه إياه عام 1394 .

ثم انقضّت جحافل قبائل الترك المسلمين على الامة العربية التي علمتهم الإسلام عام 1517 . لم يكن فتحا إسلاميا كما كان يفتح العرب ، بل كان بغيا متخلفا جاهلا مدمّرا ـ فبذروا في الأرض العربية بذور الاستعمار وباعوا السيادة قطعة قطعة بما يسمى الامتيازات لفرنسا (1535) ثم لأنجلترا (1579) ثم لهولاندا (1598) ثم لروسيا (1700) ثم لنابولي (1740) ثم للسويد (1737) ثم للدنمارك (1756) ثم لاسبانيا (1783) ثم للولايات المتحدة الامريكية (1830) ثم لبلجيكيا (1831) ثم للبرتغال (1848) ثم لليونان (1854) .. وفي ظل سلطتهم احتلت فرنسا الجزائر (1830) وتونس (1881) واحتلت إنجلترا جنوب الجزيرة العربية (1838) والاحساء (1871) ومصر (1882) ومسقط (1892) والكويت (1899) واحتلت إيطاليا ليبيا (1912) .. وحينما انهزمت دولة الترك في الحرب الأوروبية الأولى (1914 – 1918) تخلت للمستعمرين عن باقي أقطار الأمة العربية الذين حولوا كل قدر منها الى دولة مستعمرة .

وهكذا نرى ان الامة العربية لم تكن طرفا في الصراع حول مصيرها شعبا ووطنا ، موحدة القوى ، موحدة القيادة الا ما لا يزيد عن 3 قرون سابقة على الغزو التركي ، ولقد هزمت الامة العربية الحملات الصليبية والعاصمة القاهرة قلب الوطن العربي ، والحكام من اقصى غرب الوطن العربي ، والقادة من شرق الوطن العربي . فما ان تجاوزت الامة العربية وتحولت الحدود الإدارية التي رسمها العثمانيون الى حدود دولية بمعرفة المستعمرين ، حتى خرجت الامة العربية بخصائصها التي عرفناها من ساحة الصراع الذي يدور فوق وطنها على شعبها الى درجة أن انقضّت جماعات محدودة من الصهاينة على فلسطين فمكنهم الانجليز منها قبل ان يغادروها واعترف بهم الامريكان دولة قبل أن تحسم المعارك بين أصحاب الوطن والمغتصبين ، واكتفت الدول العربية "القريبة" بعد جولة مناورات مسرحية بمراقبة حدودها حتى لا يعبرها عربي الى جزء من وطن الامة العربية يسمى فلسطين ، والباقي معروف وما يزال باقيا ومستمرا .

اذن فليس في تاريخ الامة العربية أحلاما جميلة على الأقل منذ خمسة قرون اذ لم يسمح لها العثمانيون ثم الاستعماريون ثم الاقليميون بان تكون حاضرة فاعلة قائدة في مصيرها ومسؤولة عنه كأمة ، وانهزم العرب أفرادا أو جماعات أو دولا وكان السبب ألأول لهزيمتهم أنهم لم يدخلوا المعارك كأمة ، بل دخلوها افرادا وجماعات أو أقاليم أو دولا . فانهزموا .

- على ضوء هذا هل نرى واقع زمن الامة رديئا ؟

- أنا لا اراه رديئا بل بالعكس مع العلم بأن الواقع عندي هو نقطة التقاء الماضي بالمستقبل على مسار الزمان الذي لا يتوقف ، أو ما نقدّره نحن شعوريا بأنه واقع لأنه يصاحبنا ، في حين أنه مثلنا يتجه بدون توقف الى المستقبل . زمن الأمة اذن هو ماضيها ومستقبلها . ولقد عرفنا الماضي وحصيلته فهل مستقبل الأمة رديء .. أنا لا أراه رديئا لأسباب عدة :

أولها وأهمها سبب منهجي حاسم ، كيف يحقق الانسان ما يريد ؟ بان يعرف كيف يتحقق . هذا بديهي . والأمة جمع من الناس . وما دامت أمة فهي تريد بحكم وحدتها الحضارية أن تحقق مستقبلا موحدا شكله طبقا للغة العصر "دولة واحدة" تدافع عن الوطن الواحد ، وتستثمر إمكانات الطبيعة وجهد شعبها الواحد في اشباع احتياجات كل فرد فيه . لماذا ؟ ما هو الدليل على صحة المقولة ؟

الدليل اما من العلم المجرد . واما من التجربة الواقعية .

أما من العلم فمنذ نصف قرن لم يكف العلماء والمفكرون والمثقفون في الوطن العربي عن التأكيد على ان لكل امة الحق في تقرير مصيرها أي اختيار دولتها . ويتخذون من اعتراف العالم في 1919 بهذا الحق دليلا على صحته . وفي الفكر القومي العربي بالذات دراسات علمية اقتصادية ومالية وثقافية على انه مع ثبات المجهود ، فان الناتج الحدّي في ظل دولة الوحدة أعلى من اناتج الحدّي في ظل التجزئة بمراحل ، ولهم أدلة أخرى من التاريخ المقارن للشعوب والأمم الأخرى ، غير أن التجربة الواقعية المشهود بها من الكافة أقوى دلالة على صحة المقولة . فتاريخ أمتنا وسيرتها يقدمان كل يوم ، وفي كل مكان ، بصيغ ملموسة ، انه منذ أن تجزأت الأمة العربية دولا ، لم تستطع اية دولة فيها التحرر من الاستعمار أو الهيمنة أو التبعية للدول الأجنبية ، والتي تحررت لم تستطع أن تحافظ على حريتها فعادت الى التبعية . وأنها لم تستطع جميعا أن تحقق للشعب العربي فيها حياة افضل بدرجة تتفق مع إمكانيات الامة الموحدة . وانها جميعا تحمي التستر على عجزها بالاستبداد في رعاياها . وان منها من باع استقلاله صفقة واحدة . ومنها من بدّد موارده لرفاهية القلة من شعبه . ومنها – او كلها – باعت جزءا من الوطن العربي للصهاينة "جزية" مقابل اتقاء شره . ومنهم من باع شعبه ووطنه مقابل سكنى بعض شعبه في جزء من وطنه وبارك الاخرون الصفقة بعد ان كانوا وسطاءها .. بالاختصار لم يعد الشعب العربي في اية دولة عربية راضيا عن دولته فاين المفر ؟

غدا او بعد غد سيعرف الشعب العربي أن الواقع الذي يكرهه هو الناتج الطبيعي لتجزئة امته .. حينئذ ستصبح الوحدة العربية هدفا شعبيا ملحا ، بعده سيأتي السؤال كيف نبنيها فيأتيه الجواب على أطلال الدول الإقليمية . يقولون كيف ؟ ليس من حق أحد أن يسال هذا السؤال الا من كان وحدويا . فانتظروا القرن الواحد والعشرين ، ففيه ، ربما قبل منتصفه ستقوم على الأرض العربية دولة الوحدة العربية فوق أطلال الإقليمية المندثرة . اننا ونحن في العقد الأخير من القرن العشرين لا يجوز لنا موضوعيا وعمليا الا الاعداد وتدريب وتنظيم القوى القومية للاستفادة من الفرص القومية القادمة مع القرن الواحد والعشرين ، لذ أن القرن الواحد والعشرين هو قرن انتصار القوميات تصحيحا لما عاناه البشر من مذابح وقهر واستغلال بإهدار ما اتفق العالم عليه من أن لكل أمة الحق في إقامة دولتها المستقلة "حق تقرير المصير" . ولقد بدأت ثورة القوميات منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ، قوميات عديدة كانت تحت السيطرة الروسية ما ان تحررت من القهر الروسي حتى استقلت بأوطانها القومية بعد قرن ونصف من اخضاعها وادماجها في دولة موحدة . ولا شك في ان تلك القوميات المستقلة قد عانت وستعاني متاعب اقتصادية بسبب الاستقلال ولكنها كسبت الحرية . ولم تكن الحرية عندهم ، كما هي عند كل الأمم ، مجرد الحرية الفردية أو الحرية الاقتصادية أو الاجتماعية ، بل قبل هذا وفوقه حرية الانتماء القومي فاختاروها أولا . والعجيب أنه بعد قرن ونصف من الخضوع والاندماج لم تبذل اية قومية أي جهد في التعرف على وطنها القومي ، ارض الإباء والاجداد فثبت أنها مرسومة في قلوبهم حتى وهم حيث يعملون في ارجاء الاتحاد السوفييتي الواسعة . وفي تشيكسلوفاكيا وهي دولة متقدمة اقتصاديا ، جلس رجلان وقال أحدهما للآخر أنتم أمة التشيك ونحن امة السلاف وقد اصطنع منا الحلفاء المنتصرون بعد حرب (1914 – 1918) دولة واحدة . ولقد عشنا سويا ثمانين عاما بدون مشكلات ، ولكنك تعرف كما اعرف أنا تماما أنكم أمة التشيك ونحن امة السلاف وأن كلا منا يفتقد دولته القومية فيفقد حرية الانتماء الى قومه . وها قد جاءت الفرصة فدعنا نعود الى اصولنا القومية ، فوقعا ورقة وانفصلت الامتان كل امة بوطنها وشعبها ودولتها القومية . وفي المانيا دمر الزلزال القومي حائط برلين وتوحدت المانيا دولة واحدة لأمة واحدة . ولم يتوقف احد ليحذر من بعض المشكلات الاقتصادية والإنسانية والفكرية التي حدثت اثر الوحدة . وفيما كان يسمى يوغسلافيا تدور حرب ضروس بين القوميات التي اصطنع الحلفاء منها بعد حرب  (1914 – 1918) دولة واحدة كل قومية تقاتل من اجل قيام دولة قومية على وطنها القومي الذي لم تنسه الأجيال المتعاقبة منذ ثمانين عاما .. حتى في المكسيك انتفضت بقايا الهنود الحمر وأنشأوا جيشا قوميا من أجل استرداد أرض الإباء والاجداد التي اغتصبت منذ قرون .. الخ . ويتحدثون الان في الولايات المتحدة الامريكية ويكتبون وينشرون محذرين من خطر القومية الذي يجتاح العالم ، ذلك لانهم يعرفون أن سكان الولايات المتحدة ليسوا أمة بل مجموعات اثنية تنتمي كل منها الى امة ، وأن اجتياح الثورة القومية العالمي "سيفكك" الولايات المتحدة الى دويلات قومية تعيش متجاورة ربما في اتحاد كونفدرالي كما سيحدث في كندا .. لقد كان ما قام به الاستعمار الأوروبي حين أنشأوا الدول والدويلات التي استولوا عليها بقوة السلاح ورسموا حدودها عند أقدام قواتهم بدون التفات الى الانتماء القومي وحدوده التاريخية انتهاكا لأسمى حريات البشر ، حرية الانتماء القومي .. الان بدأ تصحيح اثار تلك الجريمة البشعة ، وغدا او بعد غد لن توجد دولة على الأرض الا أن تكون قومية الوطن والبشر ، ولا يصح في النهاية الا الصحيح ز فلنستعد ونعد ما استطعنا من قوة لتصحيح اثار جريمة الاستعمار حين جزّأ أمتنا الواحدة دولا شتى .

- يتهافت العديد من المفكرين والكتاب والفنانين وبأغطية مختلفة لتنفيذ سياسة التطبيع المرفوضة قاعديا مع العدو الصهيوني وأهم هذه الاغطية وأخطرها مقولة "نقتلهم بالسلام" أو نتركهم يذوبون بيننا فهم قلة ، الى اخر المقولات "ان السلام سيحل مشاكل الامة" ، ما هو الموقف قوميا من هؤلاء ؟

لست اعرف من قال ما تقول من المفكرين والكتاب والفنانين ولا اريد أن أحدد الموقف القومي من هؤلاء فهم على الأرجح دعاة يبشرون بدعوة مصنوعة لهم مأجورين لإذاعتها ، وهي وظيفة للارتزاق لا علاقة لها بالملكات السامية وناتجها من فكر أو كتابة او فن . انهم أتفه من أن يكونوا أطرافا في حوار قومي ، انما يهمني ان انبه الى أن "الطبع" هو السجية التي جبل عليها الانسان . فالدعوة الى "التطبيع" تحمل في ذاتها دلالة الاكراه أو التزييف وفي الحالتين تشويه طبع الانسان اذ هي ضد طبيعته .. وعلى أننا لا بد ان نقول لهؤلاء وغيرهم من دعاة التطبيع أننا كقوميين لا نريد أن نقتل الصهاينة لا بالحرب ولا بالسلام ، ولا نريد أن نتركهم يذوبون بيننا فهم قلة ، هذه أفكار لا تدور الا في عقول مريضة ، فلا نحن قتلة ولا نحن غزاة ، نحن نريد أن نسترد قطعة من وطننا وسنقاتل من أجل ذلك اذا ما اضطررنا الى القتال بصرف النظر عن جنسية أو ديانة المغتصبين ، فاذا كان الصهاينة هم المغتصبون فهم المسؤولون عن وضع انفسهم موضع الغاصبين ولسنا نحن المسؤولين . فنحن لم ندعوهم الى القتال لا في الحرب ولا بسلام . ولم نجمعهم من شتات الأرض ليقيموا في ارضنا . ولم ننصحهم بان يغتصبوها ، ولسنا نريد على أي وجه أن يذوبوا بيننا لانهم قلة ، اذ لا يعوزنا البشر في الامة العربية .. أما ان السلام سيحل مشاكل الأمة فنعم ، نعم أيضا ان الاستسلام سيفاقم مشكلات الامة . وما يدعوننا اليه ، وما قبله منا هو استسلام لأنه تفريط وتنازل عن الأرض العربية فلسطين التي هي جزء من الوطن العربي ، والوطن العربي ملكية تاريخية مشتركة للامة العربية وأجيالها المتعاقبة فلا يملك أي جيل عربي التفريط فيها ، وبشكل خاص لا يملك سكانها الفلسطينيون التنازل عنها أو عن جزء منها للغير "صهاينة أو غير صهاينة" ولو تم التنازل  بالإجماع ، ان ذلك لن يؤدي في النهاية الا الى مزيد من القتل والقتال والحروب يشنها القوميون لاسترداد فلسطين ولو على مدى مائة عام كما فعلوا مع الصليبيين وسيكون الصهاينة هم المسؤولون عن اهدار دماءهم ودماء القوميين معا .

- العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة ، كيف يمكن أن يتوحد العروبيون والاسلاميون وعلى أي الأسس لمواجهة المؤامرة الكبرى التي تستهدف الامة ؟

- أرجو أن تسمح لي بالتصحيح الاعتراضي على بعض التعبيرات الواردة في السؤال ..

أولا العروبة تعبير عن انتماء الى الأمة العربية ، والإسلام تعبير عن دين كثير من الأمم . الإسلام أوسع من العروبة ، انما تتميز الامة العربية عن باقي الأمم الإسلامية بأن الإسلام هو الذي أنشأها جنينا في المدينة فور الهجرة كما قلنا من قبل ، نمت في ظله فصاغ حضارتها أي أكمل تكوينها اذ الامة شعب وأرض وحضارة ، فهنا لا تكون العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة ، بل تكوّنان سبيكة واحدة ، هذه هي حصيلة الماضي وصنعة التاريخ لم يصطنعه أحد ، وعلى أساسه لا يقبل العربي ، لأنه لا يفهم ، كيف يكون عربيا متميزا عن المسلم ، كما لا يقبل لأنه لا يفهم كيف يكون مسلما متميزا عن العربي ، ان محاولة خلق ازدواجية في انتمائه هي محاولة تخريب شخصيته فلا يكون عربيا ولا يكون مسلما ، وهذا يصدق على العربي ولكن لا يصدق على المسلمين من غير العرب . وقد أوفى الفكر القومي العربي هذه المفارقة بحثا ودرسا وتفسيرا فله عليها دلالات كثيرة ، منها دلالة من تجربة باكستان ، فحين استقلت هذه الدولة عن الهند كان الإسلام عنوان ومحور استقلالها ، وقد صاغت منه دستورا وقوانين عدة ، ولكن لم يمض وقت طويل حتى انشطرت تلك الدولة الى دولتين اثر حرب ضروس بينهما ، اذ استقلت بنجلادش بارضها القومية وشعبها ذي اللغة الخاصة عن باكستان بارضها القومية وشعبها ذي اللغة الخاصة وبقيت كلتاهما اسلاميتين نظاما وتنظيما ، ذلك لان الانتماء الموحد الى دين واحد لم يمنع تمايزهما في الشعب والأرض والحضارة المتأثرة بتمايزها في اللغة ، وعاء الحضارة وحافظها .

التجربة من أفغانستان ، لقد تطوّع الاف من الشباب العربي في حرب تحرير أفغانستان من الهيمنة الروسية انتصارا للإسلام ضد الغزو الشيوعي ، وقدّموا هناك ضحايا عديدين وامتزجت دماؤهم بدم إخوانهم في الدين ، فما أن انتصروا معا على العدو الديني المشترك حتى وجدوا أنفسهم بعيدين عن وطنهم القومي ، الأمة العربية ، وأنهم غرباء في الوطن القومي الافغاني ، ولعل كثيرا منهم لم يلتفتوا الى انه في نطاق وحدة الانتماء الديني الى الامة الإسلامية تتميز الأمم قوميا ..على أي حال لم يلبث الأفغان ان لفتوهم بقسوة الى انهم عرب ليسوا أفغان وأخرجوهم من أفغانستان يحملون لقب "العرب الأفغان" ويدفعون ثمنا لا يستحقونه من أجل الدفاع عن أفغانستان ولكن استحقوه بسبب تجاهلهم أنهم عرب .

ومنذ نحو نصف قرن فطن الامام الشهيد حسن البنا مؤسس مدرسة "الاخوان المسلمين" التي تخرج فيها أغلب أولئك المجاهدين وغيرهم في الأمم الأخرى الى ضرورة تحديد العلاقة الاستراتيجية بين العروبة والإسلام ، فبعد أن كان قانون "الاخوان المسلمين" الأول يتضمن "هدف تقوية روابط التعاون والاخاء بين الشعوب الإسلامية كافة بالتأليف بين قلوبهم والعمل الدائب على إزالة أسباب الفرقة والانقسام من صفوف المسلمين" ، عاد "الاخوان المسلمون" بعد تسع عشرة سنة (1948) من النمو والخبرة والجهاد البطولي في فلسطين فأضافوا الى قانونهم هدفا محددا وهو "تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعا ، والوطن الإسلامي بكل اجزائه من كل سلطان اجنبي ، ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان ، وتأييد الوحدة العربية تأييدا كاملا والسير الى الوحدة الإسلامية" .

الجملة الأخيرة تتضمن تخطيطا لاستراتيجية الجهاد موجها الى المنتمين الى الجماعة ، ومنهم أغلب المجاهدين في الوطن العربي ، المرحلة الاستراتيجية الأولى تحقيق الوحدة العربية تحقيقا كاملا ، والمرحلة الثانية السير الى الوحدة الإسلامية ، وهي جواب على سؤالك "كيف يمكن أن يتوحد العروبيون والاسلاميون وعلى أي الأسس" .. يتوحدون على الجهاد في سبيل تحقيق الوحدة العربية ، ثم التزام الوحدة العربية بالعمل على الوحدة الإسلامية لتستأنف دورها الذي بدأته في حمل الإسلام الى الأمم الأخرى  واني كقومي أو شيخ طريقة كما جاء تقديمك للحديث أدعو كل القوميين الى ان يبادروا على ذات الصيغة التي وضعها الامام حسن البنا لاستراتيجية الجهاد الإسلامي على المجاهدين الإسلاميين .

والله الموفق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق