بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

رحلة عقيمة إلى الأرض الطهور

pdf


حول مؤتمر الوحدة الإسلامية في باكستان .


رحلة عقيمة الى "الأرض الطهور" .


د.عصمت سيف الدولة .

في مساء اليوم الثالث من شهر فبراير (١٩٨٨) عدت إلى مكتبي في القاهرة فوجدت بطاقة رفيق شباب ودراسة وسياسة يوم ان كنا شبابا ، على البطاقة كتابة تقول " " أخي الحبيب .. جئت أحمل إليك دعوة حضور مؤتمر الوحدة الإسلامية في إسلام  أباد في الفترة من ١٦ الى ١٨ فبراير فلم أجدك . أرجو أن تترك لي جواز سفرك للحصول على الفيزا مع باقي المسافرين من مصر للمؤتمر .

ولقد تركت لك نسخة من البرنامج لكي تفكر فيه علما بأن مصاريف السفر والإقامة يتحملها المؤتمر . وسيكون السفر ان شاء الله يوم ١٤ فبراير على الطائرة الباكستانية وسأتصل بك للتفاصيل ".

لقاء رفاق الشباب والدراسة بعد أن تفرقت بهم السبل يحمل إلي دائما غبطة عاطفية هي بعض مما كان يجيش بنا من عواطف . فقبلت الدعوة يحملها رفيق صديق إلى مؤتمر ينعقد تحت عنوان الوحدة الإسلامية وأعرف من بين الأسماء المطبوعة في البرنامج أن سيحضره المناضل أحمد بن بيللا ، وهو من تمنيت دائماً أن التقي به  ففرحت .

ثم ان هذا المؤتمر الموصوف بأنه عن الوحدة الإسلامية كان فرصة أترقبها لأدفع عن الوحدة الإسلامية والوحدة العربية كلتيهما عدوان الذين يناهضون إحداهما بالأخرى ، استمرارا لدفاعي فيما كتبته " عن العروبة والإسلام " ولقد توقعت أن ستكون معركة فقهية فكرية مثيرة ينتصر فيها الحق . والمعارك الفكرية ذوات جاذبية لا أستطيع مقاومتها .

ثم أن المؤتمر سينعقد في باكستان . ولقد كانت باكستان بالذات مصدرا رئيسيا في إغناء معرفتي بالظاهرة القومية وعلاقتها الموضوعية بظاهرة " الدولة " ومختبرا لصحة ما انتهت اليه دراستي عن علاقة الإسلام بالأمة العربية ووحدة دولتها القومية كان ذلك قبل عام ١٩٦٥ الذي أخرجت فيه للناس أول كتبي متضمنا إضافة إلى ما تعلمته من رواد الفكر القومي عن أسباب نشوء وتطور واكتمال تكوين الأمة العربية والدور الخلاق الذي لعبه الاسلام ديناً وشريعة وحضارة في هذا التكوين . وهي إضافة اكسبتني الجرأة على القول بأن الأمة العربية خاصة . ودون الأمم المسلمة جميعا ، هي امة الإسلام ، بمعنى أنها من صنعه ولم تكن من قبله إلا أعرابا وقبائل وشعوباً متفرقة . ولقد أعددت للمؤتمر ما استطعت من قوة العلم وتوثبت ٠

باختصار ذهبت ملبياً نداء " حوار" حول الوحدة الإسلامية في الأرض الطهور( "باك" تعني باللغة الأوردية " طهور" و" ستان " تعني " أرض " ) لأعرض على كل مسلم وافد من أرض مسلمين أن الوحدة القومية خطوة لازمة على الطريق إلى الوحدة الإسلامية ، ثم أجزىء ، حسب الظروف لاعلان أن وحدة الأمة العربية على وجه التخصيص هي الخطوة الأولى على طريق الوحدة الإسلامية ، وبالتالي على كل الذين يجاهدون صادقين في سبيل الوحدة الإسلامية أن ينتصروا لوحدة الأمة العربية ، ثم لأضرب لهم جميعاً مثلا من تاريخ باكستان " حيث ينعقد المؤتمر ...

فلقد كان تاريخ باكستان منذ بدايته حتى الآن مفاضلة بين هدفين حول أيهما أولا : الوحدة القومية أم الوحدة الإسلامية ..

باكستان ومشكلة التعارض بين الوحدة القومية والإسلامية .

 بدأت بذرة باكستان تنمو في أرضية دعوة إلى الوحدة الإسلامية ( الجامعة الإسلامية ) . كان أول من دعا إليها الفيلسوف الشاعر محمد إقبال بعد حوار طويل مع أستاذه وداعية الوحدة الإسلامية الأكبر جمال الدين الأفغاني . لما دعي لرئاسة الاجتماع السنوي " للعصبة الإسلامية " عام ١٩٣٠ قال ( إنني أتمنى أن أرى البنجاب والسند وبلوشيستا ( ثلاث مقاطعات في باكستان الآن ) موحدة في دولة واحدة . ان إقامة دولة واحدة تضم المسلمين في الهند يبدو المصير النهائي للمسلمين " . وأضاف " ان تطبيق الشريعة الإسلامية وتطويرها محال في هذه البلد ( الهند ) دون دولة أو دول إسلامية متحررة . وقد كان ذلك هو اقتناعي الأمين منذ سنين طويلة وما زلت اعتقد أنه السبيل الوحيد لحل مشكلات حياة المسلمين ونشر الإسلام في الهند " .

أما " العصبة الإسلامية " فقد تأسست في داكا ( عاصمة بنجلاديش حالياً ) في ٢٨ ديسمبر ١٩٠٦ كجمعية لرعاية المسلمين في الهند من كبار أثرياء المسلمين ومثقفيهم خريجي الجامعات الانجليزية وشاغلي المناصب العليا في الهند تحت الحكم الانجليزي ، ثم تحولت فيما بعد إلى حزب ، يواري وينافس حزب المؤتمر الهندي ، ويحاول عن طريق تأييده للحكم الانجليزي الدفاع عن مصالح المسلمين ضد الاعتداءات الهندوسية !

ولقد تولى محمد علي جناح ( يسمونه في باكستان القائد الأعظم ) رئاسة منظمة العصبة الإسلامية بينما كان ما يزال يدرس القانون في جامعة كامبردج بانجلترا عام ١٩٣٤ ـ فلما عاد عام ١٩٣٥ لاحظ للوهلة الأولى انصراف اهتمام الجماهير المسلمة عن " العصبة " . ولم يكن هو - غير محام مثقف على الطريقة الانجليزية يعتبر الهند كلها أمة واحدة ، ويطرح أفكاراً قومية " علمانية " على الطراز الأوروبي حيث لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة . الغريب ان الذي لفت المحامي الأنيق القادم من الغرب الى خطأ استعارته هو المهاتما غاندي . فمنه تعلم أنه فى شبه القارة الهندية حيث الدين نظام اجتماعي وحضارة لا يمكن فصل الدين عن السياسة ... ثم تعلم درسا آخر من محمد إقبال خلاصته أن أية جماعة ترفع لواء الإسلام ولكن لا تهتم بمشاكل عامة المسلمين وفقرائهم لا تستحق اهتمام المسلمين . كتب إليه خطابا يوم ٢٨ مايو ١٩٣٧ يعلق على ما لاحظه من عزلة " العصبة الإسلامية " وانصراف المسلمين عن الاهتمام بها قال فيه : " على العصبة في النهاية ان تقرر ما إذا كانت ستبقى ممثلة للطبقات العليا من مسلمي الهند أم الجماهير المسلمة التي ما زالت بحق منصرفة عن الاهتمام بها واني شخصيا أعتقد أن أية منظمة سياسية لا تمثل وعدا بتحسن أحوال المسلم العادي لا يمكن ان تجذب إليها الجماهير " .

ولقد وعى القائد الأعظم الدرسين ، وقال " العصبة الإسلامية " من قصور الأثرياء ومثقفي الصالونات إلى شوارع وقرى المسلمين في الهند ، وقبله أغلب قادتها يقيمون الصلاة مع الفقراء ويشاركونهم " الأذكار" ويعمرون المساجد وينشئون المساكن للمشردين ويطالبون بـ " دولتهم القومية " باسم الإسلام ( بيان لاهور عام ١٩٤٠ الذي حدد باكستان هدفا تختص فيها بالأرض الطهور أغلبية المسلمين فيها .. ولم بحدّدها دولة تضم كل المسلمين في الهند ) . قال البيان أن باكستان تتكون من المناطق التي تسكنها أغلبية مسلمة .

وهكذا نرى كيف جاءت باكستان حلا لمشكلة التعارض الظاهري ، المفتعل ، بين الوحدة الإسلامية والوحدة القومية . لم تقم على أساس الوحدة الإسلامية الشاملة كل المسلمين فجاءت مستقلة عن أفغانستان وإيران وكلتاهما دولة مسلمة ، ولم تقم على أساس قومي غير إسلامي فجاءت دولة إسلامية ذات حكومة إسلامية ودستور إسلامي كما ذكر بيان " العصبة الإسلامية " .

وقد حدد محمد علي جناح مفهوم الإسلام في باكستان وذلك . في كلمته التي ألقاها في مؤتمر لاهور قال : " انه لمن الصعوبة البالغة أن نعرف لماذا يفشل أصدقاؤنا الهندوس في فهم الطبيعة الحقيقية للإسلام وللهندوسية . إنهما ليسا دينين بالمعنى الحرفي للكلمة . إنهما في الحقيقة  والواقع مختلفان ومتميزان في النظام الاجتماعي . وانه لوهم ان ينتمي الهندوس والمسلمون إلى امة (قومية ) واحدة .

ان كلا من الهندوس والمسلمين ينتمي الى فلسفة دينية وتقاليد اجتماعية ، وثقافة مختلفة ، إنهما لا يتزاوجون ولا يتعايشون معا . إنهما ينتمون حقا الى حضارتين مختلفتين ".

وهكذا ادخل محمد علي جناح و " العصبة الإسلامية " ومن ورائها أغلبية المسلمين في الهند ، الحضارة الإسلامية مميزا قومياً لباكستان عن الحضارة الهندوسية . ومن هذا المنطلق أبدع محمد علي جناح نظريته التي صيغت لباكستان وتحددت أرضاً وبشرا على أساسها ، وهي نظرية " الأمتين " بعد ان كان قد وقف يوماً أمام الجمعية التشريعية في الهند يقول " انني أقف ألان لأقول ، بضمير راض، انني قومي أولا وقومي ثانياً ، وقومي ثالثاً .. انني أدعو هذا المجلس مرة أخرى ، مسلميه وهنوده ، ألا يعمموا علينا الجدل حول المسائل الإقليمية " .

وكما يحدث عادة ، وكما هو حادث في الوطن العربي . اتهمت جماعة " العلماء في الهند محمد علي جناح بأنه يستغل اسم الإسلام من اجل أهدافه الخاصة ، وانه وهو ليس من العلماء المتفقهين في الدين عاجز عن فهم الإسلام ليطبقه وان الدولة الإسلامية لا بد ان تشمل كل المسلمين مما لا يتفق على اقتصارها على المناطق التي يسكنها أغلبية مسلمين وترك باقي المسلمين في الهند تحت رحمة الأغلبية الهندية . كما ان هذا سيعوق نشر الإسلام بين الهنود ...الخ .

وقاد الحملة ضد مولد باكستان وقائدها رئيس " جماعة العلماء في الهند " مولانا حسين أحمد مدني . وكان رد محمد علي جناح " دعونا نقيم دولة لأمة بدون أرض ولا حكومة . بعدئذ سيكون أمامنا كل الوقت لنختلف ونتفق على شؤوننا الخاصة " . فلما لم يهدأ مولانا حسين أحمد مدني انفض من حوله اغلب أعضاء الجمعية وأسسوا " جماعة علماء الإسلام " بقيادة مولانا شابير احمد عثماني ... فاكتسحت " العصبة الإسلامية " انتخابات ١٩٤٦ .. وكان من بين الأئمة المرموقين الذين ناهضوا " العصبة الإسلامية " في أول الأمر ثم أيدوها بعد ذلك مولانا أبو الأعلى المودودي .

ولم تنته الأزمة بعد استقلال باكستان بأغلبية المسلمين من الهند . ذلك لأن الرابطة القومية الموضوعية لا تقبل أنصاف الحلول .

ما تزال باقية مشكلة اللغة القومية كمكون أساسي للأمة ( القومية ) . ولقد قامت باكستان ومكونها القومي الحضاري هو الإسلام ولكنها ضمت إليها وشملت شعوباً وقبائل مشتركة في الحضارة الإسلامية ولكنها مفترقة لغة . وهذا ما يعني انه قد شملت أمما مسلمة ولكنها متميزة في مضمون الحضارة الإسلامية ذاتها بحكم اختلاف اللغة ( حاملة الحضارة ) . ضمت شعب البنغال في الجزء الشرقي منها حيت تسود اللغة البنغالية . وضمت شعب البنجاب في الجزء الغربي حيت تسود اللغة البنجابية . وضمت مجموعات قبلية ذوات لغات خاصة . وان كانت جميعها تتعامل باللغة الرسمية الاوردية . فكان لا بد لتكتمل الباكستان أمة ، أو لتبقى قابلة للاكتمال أن تكون لها لغة قومية .

وكانت اللغة العربية هي المرشحة الأولى لتكوين اللغة القومية لباكستان . أولا لأنها لغة القرآن ( لها ، أي اللغة ، مسحة من القدسية حتى لو لم يكن مضمون الحديث دينيا إلى درجة أنه اذا استمع الباكستاني للغة العربية يتحشم في جلسته ) ، وقد قبل كل الباكستانيين اللغة العربية . وتنازلت حتى شرق باكستان ( بنجلاديش ) عن لغتها من أجل اللغة العربية . واختار مجلس العصبة الإسلامية اللغة العربية بأغلبية ٤٨ صوتا الى ٣٦ . حتى آغا خان صوت تأييدا لهذا الاختيار . ولكن محمد علي جناح القائد الأعظم كما يسميه الباكستانيون حتى اليوم أعلن في اجتماع عام انعقد في دكا في باكستان الشرقية يوم ٢١ مارس ١٩٤٨ اختيار اللغة الأوردية . قال : " ان لشعب كل منطقة ، في النهاية أن يختار لغته ولكن دعوني أوضح لكم ان لغة دولة باكستان ستكون هي الأوردية ولا لغة غيرها . ان كل من يريد ان يضللكم في هذا الأمر هو عدو لباكستان . اذ بدون لغة واحدة في الدولة لن تبقى أية امة متماسكة " .

وقد كان .

عاد شعب البنغال ، الذي تنازل عن لغته القومية لمصلحة اللغة العربية ، إلى التمسك بلغته القومية " ما دام شعب البنجاب قد اختار لغة غيرها " . كل قبيل يعلي لغة لتكون لغة باكستان ، فبدا الصراع بين الشعوب في الدولة الإسلامية الواحدة على أساس المميزات الاثنية او القومية . وتصاعد الصراع الى أن اندلعت حرب ١٩٧١ وانتهت بانفصال بنجلاديش (الجزء الشرقي من باكستان ) وإقامة دولة قومية ولكن إسلامية . أو دولة إسلامية الحضارة ، قومية الأرض والبشر . وبقيت باكستان ( الجزء الغربي من باكستان الإسلامية الشاملة ) تعاني منذ نشأتها من الصراع بين شعوبها وقبائلها حول عديد من المسائل أهمها كيف يكون الدستور إسلاميا .  كانت أول محاولة لوضع دستور ١٩٥٦ ثم ألغي عام ١٩٥٨ وفرضت الأحكام العسكرية على الشعب . ثم انفصلت بنجلاديش ، فوضع الدستور الثالث عام ١٩٧٣ ثم أوقف وقام الحكم العسكري ، وأعيد مرة أخرى بعد إدخال التعديل الثامن عليه عام ١٩٨٥ ( والتاسع عام ١٩٨٥ والعاشر عام ١٩٨٧ ) هذا بالرغم من ان كل تلك الدساتير تتضمن المقدمة التي تقول : " لما كانت السيادة على الوجود كله لله تعالى وحده ، وان السلطة التي يمارسها شعب
باكستان فى الحدود التي شرعها سبحانه أمانة مقدسة.. وبما ان مبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة والتسامح والعدل الاجتماعي كما عددها الإسلام ستكون مرعية رعاية كاملة ، ويما انه سيكون للمسلمين ان ينظموا حياتهم الفردية والجماعية طبقا لتعاليم ومتطلبات الإسلام كما وردت بالقرآن المقدس والسنة ... الخ .

متى تنتهي ازمة باكستان الداخلية ؟ !

بالوصول إلى الحل الصحيح لمشكلة الدولة ونظامها الداخلي ٠

أما عن الدولة فليس ثمة دولة مستقرة أو قابلة للاستقرار بدون صراع داخلي الا الدولة القومية ، دولة واحدة لكل امة واحدة . أما النظام الداخلي فإذا ما تركنا ، أو نجونا من التخريب والتغريب ، وأصبح الناس أحرارا حقا في اختيار نظام حياتهم الداخلي فسيختارونه تلقائيا ، بدون دعوة او دعاة ، نظاماً متفقاً مع حضارتهم القومية كما يحسونها من أنفسهم ويستجيبون لقيمها بدون إكراه . حينئذ سيكون النظام الداخلي في كل دولة قومية ، أغلبية شعبها سلم ، نظاما إسلاميا . فقط دعوا الناس أحرارا ليختاروا لأنفسهم ... أما الوحدة الإسلامية فهي وحدة الأسرة المسلمة على التراحم خطوة أولى ، ثم هي وحدة الشعب على البر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خطوة ثانية ، ثم هي وحدة الأمة في دولتها القومية خطوة ثالثة ، ثم تأتي الوحدة الإسلامية التي ترتضيها الشعوب في دولها وتختار صيغتها تتويجا لمسيرة حضارية في اجلها " ولكل اجل كتاب " ...

وقبل كل هذا أن يصبح الناس أحرارا من القهر الداخلي والتبعية الخارجية ..

ولسنا نملك من وحي باكستان إلا ان نختم بنداء القائد الأعظم محمد علي جناح الى المختلفين في أيامه " الى الأمام يا خادمي الإسلام ، نظموا حياة الشعب اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا واني لواثق أنكم ستصبحون قوة يعترف بها الجميع " .

انهاء الحرب

كنت أود أن أقول كل هذا في مؤتمر الوحدة الإسلامية " الذي دعيت إليه . ولكنني لم أفعل . فما أن انقضى اليوم الأول للمؤتمر بعد طقوس الافتتاح واجتمع المدعوون جميعا في فندق " إسلام أباد " ( خصصوا فندق هوليداي ان الفاخر لضيوف مختارين لم أكن من بينهم ) حتى استطعت ان اكتشف ، ( الواقع أنها كانت مكشوفة ) أننا قد دعينا باسم الوحدة الإسلامية لتنسب إلينا قرارات معدة من قبل في لندن تتضمن إدانة للعراق ، انكشف الأمر بشكل فاضح في جلسة المناقشة الأولى حاول بعض المدعوين أن يردوا فلم تستجب لهم المنصة ، حاولت التدخل فلم استطع . أعلنت للداعية في نهاية الجلسة أنني كنت على استعداد للحضور والمشاركة في مناقشة أي موضوع  ولكنني لا أقبل ان استدرج إلى مؤشر يحمل " أسمى عنوان " لتغطية قرارات متحيزة . ولولا ما أشاعه الرجل الطيب الأستاذ إبراهيم شكري من حلم على الموقف لنسبت إليّ حماقة تخريب المؤتمر . على أي حال في اليوم الأخير لم يحتمل كثير من المدعوين استدراجهم فتحولت الجلسة الأخيرة إلى معركة تقريبا ..

قبل اليوم الأخير كان الوفد القادم من مصر قد تواصى بأن يعد كلمة واحدة يلقيها
الأستاذ إبراهيم شكري تتضمن " أفكار" بقية الأعضاء . لم يشارك الوافدون من جماعة " الإخوان المسلمون " وعلى رأسهم المرشد العام فيها . ولم يقدم احد أفكارا فانفرد بصياغتها الأستاذ فهمي هويدي ، وراجعها معي بعد ان قبل أن يضمنها بعض الأفكار التي قدمتها إليه :

الفكرة الأولى هي وحدة الأمة العربية وكل الأمم المسلمة قبل الوحدة الإسلامية وخطوة إليها .

الفكرة الثانية أننا كمسلمين لا نستطيع ان نقضي فيما بين العراق وإيران الا طبقا للشريعة الإسلامية وإلا ناقضنا ديننا وأنفسنا . والشريعة الإسلامية تنفرد عن باقي الشرائع بأنها تدين " المباشر" للفعل الممنوع و" المتسبب فيه " معا . أما المباشر فهو من أوقع الفعل . وأما المتسبب فهو الذي اختلق الظروف التي دفعت المباشر الى فعل ما وقع منه .. وقد تضمنت كلمة الأستاذ إبراهيم شكري الفكرتين .

وكانت ثمة فكرة أخرى مستمدة من حكم القرآن في البغي . الآية الكريمة تقول صراحة : " وان طائفتان من المسلمين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " . قلت للأستاذ فهمي هويدي ان وصف البغي في الآية ينصب على من يرفض الصلح ولا ينصب على من بدأ القتال فآثر الأستاذ فهمي ان يتجنب احتمالات تفسيرات أخرى واكتفى بإدانة العراق لما " ظهر (وهي كلمة مضافة مني ) من بدء العراق بالحرب وإدانة إيران لرفضها الصلح .

ولم يمض المؤتمر، بالرغم من ذلك بدون دروس مفيدة ، أولها وأهمها في النظر الموضوعي ، ان جميع الوفود وقادة الحركات الإسلامية في العالم ، من اول الفلبين على ماليزيا ، الى السودان ( ما عدا الوافدين من المشرق العربي ) طرحت مشكلاتها القومية باعتبارها عقبات في سبيل الوحدة الإسلامية . والثاني هو ـ وأرجو ان يأخذ الأخوة العرب في العراق هذا في عين الاعتبار ـ ان إيران باتت مستعدة نفسيا وعقليا لقبول نهاية للحرب . فبالرغم من كل ما يقال وما قيل ، لا يعقل ان ينعقد مؤتمر باسم الوحدة الإسلامية يشارك في افتتاحه مندوب رسمي عن الحكومة الإيرانية ومندوب رسمي عن السعودية ليصدر قرارات تتضمن إنهاء الحرب باسم المسلمين جميعا ، الا إذا كانت إيران قد أصبحت " جاهزة " لإيقاف الحرب .

ولم تكن إدانة العراق بأنه البادئ بالقتال إلا لستر التراجع عن شروط كثيرة سابقة .

والله اعلم .

عصمت سيف الدولة

١٩٨٨/٣/١٨

ذهاب الى صفحة عصمت سيف الدولة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق