الوحدة أساس النصر والهزيمة .
د.عصمت سيف الدولة .
لن نتحدث في الذكرى الحادية عشرة لوحدة ١٩٥٨ إلى الذين يبحون حن الوحدة .. مع من أو عن الوحدة .. كيف ومتى .
بل سيكون حديثنا إلى الذين يحاولون ولو بالدم ، أن يجدوا الإجابة عن أخطر الأسئلة المطروحة في الوطن العربي وأكثرها واقعية : كيف ننتصر ؟
أولا لمن الحديث عن الوحدة ؟
واليوم تعود ذكرى وحدة ١٩٥٨ ، وقد أضافت الأيام التي انقضت منذ حزيران / يويو 1967 أبعادا جديدة للصراع ، أضيفت الى مسؤولية استرداد الأرض التي احتلت ، مسؤولية منع استقرار العدو على الأرض المحتلة حتى تسترد ، وأضيفت الي ساحة المعركة التي دار عليها القتال في الأسبوع الأسود من حزيران / يونيو ١٩٦٧ ساحات جديدة ، في داخل فلسطين السليبة ، وفي كل مكان من الوطن العربي واينما استطاع المناضلون العرب ان يبطشوا بأعدائهم من الصهاينة في أي مكان من العالم . ولم يعد أحد يذكر حتى الأسباب التي كانت ذريعة القتال في حزيران / يونيو ١٦٦٧، فذ عرت الأيام نيات المعتدين وكشفت حتى لأقصر الناس نظرا أعماقا جديدة للمعركة ، فلا هي معركة أمن الحدود الإسرائيلية ولا هي معركة الملاحة خليج العقبة ، ولكنها معركة تدور- بلا مواربة - حول الوجود والمصير . هذا ، وكل يبذل كل ما يستطيع إعدادا لجولة قادمة ستفرض ذاتها على الذين يريدونها والذين لا يريدونها ، وسيدفع كل طرف فيها الثمن المناسب لطموحه ؛ ولن يكون النصر فيها رخيصا .
نحن ، إذن ، على أبواب مرحلة عاصفة تفرض علينا أن نحشد لها كل فكرة ، كل كلمة ، كل حركة ، كل قوة ، إذ فيها سنخوض واحدة من اخطر معارك المستقبل العربي . إن هذا يلقي على الجادين من الناس مسؤوليات جسيمة وملحة تحجب قضايا الماضي وتحيل الحديث عنه إلى نوع من الاجترار الكسول الذي لا تطيقه الظروف الخطيرة التي تمر بها أمتنا العربية . فلماذا الحديث عن الوحدة ، ولمن الحديث عن الوحدة ؟
لقد كانت وحدة ١٩٥٨ قمة انتصار النضال العربي . نعم ولكن الا ينبغي أن نتلمم كيف نكون " واقعيين " فنشغل أنفسنا بالمشكلات الجسيمة التي يطرحها علينا الواقع المهزوم بدلا من إعادة الحديث عن أيام النصر الذي انقضى .
لقد كانت وحدة ١٩٥٨ ” نواة " دولة الوحدة العربية الكبرى . نعم ، ولكن أليس أجدى علينا من الحديث عن " نواة ” الدولة التي كنا نريد أن نغرسها في الأرض العربية أن ننتبه إلى القوى التي تغتصب منا الأرض قطعة قطعة ؟
ألا يعني طرح السؤال أو البحث عن إجابة عنه – الآن - أننا ننكأ جروحا قديمة بينما جروح ؛ المعركة تنزف ؛ وتخلخل جبهة الخطر الداهم بما نثيره من أسباب التمييز المستفز ؟
ألا يعني طرح السؤال أو البحث عن إجابة عنه ـ الآن - أننا نشد انتباه المناضلين في ساحة المعركة المحتدمة الى ساحات معارك أخرى غير قائمة ، وأننا نشغلهم عن المواجهة المسلحة ضد الصهيونية بمواجهة كلامية ضد الإقليمية .
ألا يعني طرح السؤال أو البحث عن إجابة عنه - الآن ـ أننا نحاول الهروب من المسؤوليات المحددة التي تطرحها الظروف التي نحياها الى تاريخ الوحدة في مرحلة انتهت أو إلى آمال الوحدة في مرحلة لم تحل . من أجل هذا كله ، لن نتحدث في الذكرى الحادية عشرة لوحدة ١٩٥٨ إلى الذين يبحثون عن الوحدة ..
مع من ؟ أو عن الوحدة .. كيف ؟ أو عن الوحدة .. متى ؟ ولن نتحدث حديثا ينكأ الجروح ويثير الفرقة ، او يصرف انتباه المناضلين عن ساحة المعركة المحتدمة ، أو يفتح أبواب الهروب من مسؤوليات المرحلة التاريخية التي نواجهها ؛ بل سيكون حديثا الى الذين يحاولون ، ولو بالدم ، أن يجدوا الإجابة عن أخطر الأسئلة المطروحة في الوطن العربي ، وأكثرها " واقعية " كيف ننتصر ؟
فان رأينا ، رغم كل شيء أن الحديث عن المعركة الدامية والنصر المأمول يعود فيدور عن الوحدة العربية ، فتلك ؛ إذن ؛ ضرورة تفرضها العلاقة الموضوعية بين الوحدة والنصر لا حيلة لأحد فيه ، وبالتالي لا جدوى لأحد في الهروب منها . عندئذ يكون على الذين يعتقدون أن الحديث عن الوحدة العربية بينما المعركة محتدمة حديث عير واقعي ، أن يكونوا هم أنفسهم أكثر معرفة بواقع المعركة التي نخوضها ، وبما يعنيه النصر الذي يريدون .
ثانيا : لماذا يجب أن نقاتل ؟
لا يمكن أن يستحق النصر كل من يتمناه ، ولكن يستحقه ويقدر عليه من يعرف لماذا يريده لأنه عندئذ يكون قد اختار الغاية التي يناضل من أجلها ، وتكون المعركة بالنسبة أليه محنة متوقعة على طريق غايته ، فلا يفاجأ بها ؛ ولا يستدرج إليه ولا تقرض عليه ، وإنما يخوضها في الوقت الذي يريد هو ، ويعلم لماذا يخوضها ولماذا يخوضها في هذا الوقت بالذات . نريد أن نقول إن الذي يعرف معرفة اليقين لماذا يقاتل يملك أهم أسباب النصر : معرفة حقيقة المعركة ، وطبيعة القوى المشتركة فيها ، ونوع وحجم القوة اللازمة لها ، والوقت المناسب لاستعمالها ، وأهم من هذا لا تحجب عنه مناورات الصراع الغاية التي يريدها ، فلا يرتد عنها ولا يساوم عليها ، ولا يتوقف دونها ، يكون مالكا ، دائما ، زمام المبادرة كما يقولون . فلماذا يجب أن نقاتل الصهيونية ؟
قد يبدو أن الإجابة بسيطة فنحن نقاتل الصهيونية لأن إسرائيل قد اعتدت علينا واحتلت سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان ، فنحن نخوض المعركة أو يجب أن نخوضها " لإزالة آثار العدوان " إن هذا يعني أننا عندما نزيل آثار عدوان ه حزيران / يونيو ١٩٦٧ نكون قد حققنا النصر وأنهينا المعركة ضد الصهيونية لصالحنا . وهذا لا يكون صحيحا الا إذا كانت المعركة بيننا وبين الصهيونية قد بدأت في ه حزيران / يونيو ١٩٦٧ ، وأن غايتنا منه أن تعود قوى العدوان الى المواقع التي كانت فيها قبل ذلك اليوم المشؤوم . ولكن هذا غير صحيح فلا المعركة بدأت يوم حزيران / يونيو ١٩٦٧ ، ولا كانت غاية أعدائنا منه احتلال سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان ، ولا تعتبر منتهية بالنسبة إلينا ، أو بالنسبة اليهم ، بعودة الأمور الى ما كانت عليه قبل العدوان الأخير .
ذلك لأن المعركة بدأت قبل ذلك بسنين طويلة ، لتحقيق غايات محددة ثابتة ، لم تتغير تبعا لنتائج المعارك العسكرية التي نشبت منذ سنة ١٩٤٨، لأن تلك المعارك العسكرية لم تكن مقصودة لذاتها ولكنها كانت التحامات دموية بين قوى متصارعة تحاول كل منها أن تشق طريقها الى غايتها .
فقبل أن تستقر الصهيونية العالمية على تحديد اغتصاب فلسطين وإقامة دولة إسرائيل على الأرض العربية غاية لها ، أي حتى عندما كانوا يبحثون عن أي مكان في الأرض يقيمون عليه دولتهم ، كانت القوى الاستعمارية قد استقرت على إقامة دولة حاجزة بين المشرق العربي والمغرب العربي ، غايتها أن تحول دون وحدة الأمة العربية وتسيطر لحساب الإمبريالية الغربية على كل الممر المائي البالغ الأهمية الذي يبدأ من باب المندب حتى بور سعيد يشمل البحر الأحمر وقناة السويس . أن الوثائق الدولية التي كشفت هذا المخطط الاستعماري وغايته المحددة : " الحيلولة دون الوحدة العربية " لا حصر لها ، ولم تدخل الصهيونية طرفا منفذا في هذا المخطط إلا لأن الغاية المحددة منه كانت تقتضي أن تكون الدولة الحاجزة من تكوين بشري غير عربي . ومن المعروف ، ان بريطانيا كانت قد بدأت في حشد إحدى الطوائف الدينية العربية في فلسطين لتكون دولة مستقلة حاجزة ، ثم عدلت عن المشروع لما ثبت لديه أن النزوع العربي الوحدوي سيهزم في المدى الطويل العزلة الطائفية فتحقق الوحدة عندئذ قدمت الصهيونية الغربية الأداة البشرية ، وأصبحت إقامة دولة إسرائيلية
حاجزة على أرض فلسطين حلا موفقا يحقق غايات الصهيونية والإمبريالية معا .
في سنة ١٩٣٧ نشر باللغة الفرنسية بعنوان الله أكبر ألفه محمد أسعد بك وهو اسم مستعار لأحد عملاء الصهيونية ، والكتاب عبارة عن تقرير مقدم الى أحد قادة الحركة الصهيونية العالمية ، وهو المستشرق النمساوي فولفقانغ فايست . يقول كاتبه :
" إن خلاصة الأسباب والجدية للكفاح من أجل الأرض المقدسة هو موقعها الاستراتيجي وتأثيره في مستقبل المنطقة فلو عادت فلسطين الى دولة عربية موحدة تضم مصر لقامت لعناك قوة عربية مسلحة تستطيع ان تتحكم في قناة السويس والطريق الى الهند " .
" أما إذا ظلت فلسطين مستقلة ، أو أصبحت دولة يهودية ، فإنها ستقوم عقبة في سبيل إنشاء هذه الدولة الكبرى ؛ حتى لو تمت الوحدة بين دولة عربية وأخرى على جانبي فلسطين . إن دولة صغيرة "حاجزة " تقوم على ١٠٠٠٠ كيلومتر مربع على ضفتي نهر الأردن ستحمي كل دولة عربية ضد تدخل أية دولة عربية أخرى ... "
" إن توازن القوى حول قناة السويس يتوقف ، إذن على حيدة فلسطين بالنسبة إلى العالم العربي يتوقف على دولة في فلسطين تكون كسويسرا عند ملتقى القارات الثلاث . إن هذه الحيدة تتفق تماما مع طموح الاستعمار اليهودي ؛ ذلك لأن اليهود وحدهم هم الذين ستكون لهم مصلحة في هذه الحيدة وليس العرب المسلمون ، إذ ، ان هؤلاء سيكونون من الدعاة المتحمسين للاندماج في دولة عربية كبرى " .
فلنسمع إذن ماذا يقول الصهاينة في التاريخ الحديث :
ـ فى تشرين الثاني / نوفمبر ١٩٥٨ - قيام وحدة ١٩٥٨- نشرت مجلة الابزرفاتور دو موايان أوريان الصهيونية مقالا بمناسبة الذكرى الثانية لعدوان ١٩٥٦ قالت فيه :
" إن التفوق الإسرائيلي في المنطقة دعامة للسلام . فمن نتائجه أن ساد على الحدود الإسرائيلية هدوء لم يكن معروفا من قبل . كما انه قدم ضمانا لحماية الوضع القائم ضد المحاولات " الوحدوية " لقد أصبح واضحا أن حفظ التوازن في ما بين الدول العربية المجاورة لإسرائيل والدول العربية عموما مهمة يتولاها الإسرائيليون وتدخل في نطاق واجبا تهم . إننا نقوم هنا ، إذا صح التعبير، على تنفيذ " مبدأ مونرو" الخاص بالشرق الأوسط . إن القرار الذي اتخذناه بهذا الخصوص منذ عشر سنوات (أي منذ ١٩٤٨ ؟) قد أدى إلى الاستقرار والسلام بدلا من الخوف ..." .
ـ وفي كانون الأول / ديسمبر ١٩٦٦، قال أبا ايبان في تصريح له في لندن : " يجب أن يكون واضحا أن مصير المنطقة العربية لا يمكن أن يكون " الوحدة " ، بالعكس انه في الاستقلال القائم على التجزئة . إن المواجهة ليست بين " الوطن العربى" وبين إسرائيل ، ولكن بين أولئك الذين يريدون السيطرة على الدول العربية (يعني القوى الوحدوية ) وبين الذين يقاومون تلك المحاولة . ان محاولة تعميم العداء بين العرب وإسرائيل قد فشلت ... ان هذا يقدم دليلا على فاعلية سياستنا القائمة على القوة من ناحية والتجزئة من ناحية أخرى ..."
ـ وأخيرا، فان غاية الصهيونية كما تعلنها هي أن تقيم دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل . وهي غاية مضافة إلى وظيفتها في خدمة الإمبريالية الغربية ، وان كانت غاية خاصة بالحركة الصهيونية . ولأن إسرائيل لا تخفى هذه الغاية ، فإننا في غير حاجة إلى أن نعيد سرد ما يعلنه الصهاينة من تصميم على تحقيقها . ولكننا قد نكون في حاجة إلى أن نشير إلى أن إسرائيل قد أعلنت مرارا أنها لا تعارض في تجميع اللاجئين العرب في دولة فلسطينية تكون اتحادا مع إسرائيل يكون تحت سيطرة الإسرائيليين ؛ ويحقق الغاية الأساسية وهي عزل فلسطين أرضا ، وبشرا إن أمكن ، عن الأمة العربية والوطن العربي ، بل ان بعض الذين يتشدقون بالتقدمية في إسرائيل يذهبون في هذا إلى حد النفاق مع أبناء فلسطين بما يقدمونه من عروض خبيثة وان كانت تخدم في النهاية الغاية التي قامت إسرائيل من أجلها .
خامسا : دعم تجزئة الوطن العربي
يقول أوري افتيري رئيس منظمة " حركة القوى الجديدة " التي تدعو إلى الوحدة السامية (وليست العربية) وتصدر نسخة باللغة العربية باسم هذا العالم من صحيفتها هالوم هنري في مقال كتبه لمجلة الأزمنة الجديدة ؛ التي يصدرها سارتر: " أن أي سلام عربي - إسرائيلي يجب أن يتفق عليه بين إسرائيل و(الأمة) الفلسطينية وليس ثمة أي فرصة للسلام مع إنكار وجود تلك (الأمة) ... إننا نعترف بوجود ( الأمة) الفلسطينية ، ولكننا نتمنى أن تتحرر هي من الوصاية الأجنبية ( وصاية الدول العربية) وان تتقدم كطرف في الحوار بشخصيتها المستقلة . ان عروضنا من أجل السلام مقدمة إلى هذه الأمة وليس الى العالم العربي .. " .
طبيعي أن أوري افتيري يخادع حتى في هذا ، ولكننا أردنا أن نؤكد من أقواله ، أنه أيا كانت الاتجاهات في إسرائيل ، فان هناك غاية ثابتة للوجود الإسرائيلي هي شطر الأمة العربية بحاجز بشري ذي كيان سياسي مستقل يقوم حاجزا دون (الوحدة العربية) .
ان آلافا من الأغراض التكتيكية والمرحلية الأخرى قامت وتقوم كأهداف للمعارك التي تخوضها الصهيونية في سبيل تحقيق غايتها الأساسية . بدأت بشراء الأرض ، ثم باغتصاب فلسطين ، ثم بعدوان ١٩٥٦ ، ثم بعدوان ١٩٦٧ ، وفى كل مرحلة ، وفي كل معركة تحاول الصهيونية والقوى المتحالفة معها أن توهم العالم - ونحن منه - بأن تلك آخر معركة ، وأن ما حققته هو أقصى ما تريد ، وإنها لا تطلب إلا أن يعترف لها بما فعلت ثم يسود السلام إلى الأبد . وفي كل مرحلة ، وفي كل معركة ينخدع بعض الناس فيعتقدون أن الصراع ضد الصهيونية قائم حول حقوق اللاجئين في أرضهم ومزارعهم ، أو حول حقوق العرب في العودة إلى فلسطين ، أو حول تأمين الحدود ضد العدوان الإسرائيلي أو حول إزالة آثار العدوان . وطبيعي أن الذين ينخدعون يفقدون أول أسباب النصر في المعركة التي يخوضونها وهو المعرفة الصحيحة بحقيقة الأغراض التي يدور حولها الصراع بين الحركة العربية القومية وبين الحركة الصهيونية ، تلك الأغراض التي سيتحدد في ضوئها النصر أو الهزيمة في ذلك الصراع الطويل .
وقد عرفنا مما سبق أن الغاية النهائية الشاملة لكل الغايات المرحلية ، هي الحيلولة دون وحدة الدول العربية . هذا ما يريده الأعداء وما يقاتلون من أجله . فما الذي نريده نحن ؟
سادسا : ماذا نريد ؟
عندما بدأ التسلل الصهيوني الى فلسطين كنا نريد أن نحول دون الهجرة الإسرائيلية وعندما انسحب البريطانيون قاتلنا من أجل تصفية العصابات الصهيونية ومنذ ذلك الوقت ونحن نخوض المعارك دفاعا ضد التوسع الإسرائيلي . وقد هزمنا مربين ، والمعركة تتسع عاما بعد عام ، وتنتقل من أغراض محددة إلى أغراض أشمل ، وتتخطى مرحلة الى مرحلة .
ومنذ حزيران / يونيو ١٩٦٧ جذب الصراع العربي الصهيوني الى ساحته أفرادا وجماعات ودولا وشعوبا من أطراف الأرض جميعا . بحيث يمكن أن يقال ـ دون أية مبالغة - إن كل القوى النشيطة في العالم أصبحت أطرافا نشيطة في صراع أصبح شاملا وعالميا معا ولكل قوة نشيطة غاية تريدها . ففي صف المكافحين ضد الصهيونية من يقاتلون من أجل استرداد أموالهم ومزارعهم ، ومن يقاتلون في سبيل العودة الى أراضهم ، ومن يقاتلون من أجل إزالة آثار العدوان ، ومن يقاتلون من أجل استرداد أرض فلسطين لحساب دولة فلسطينية مستقلة ، ثم من يقاتلون من أجل استرداد فلسطين من أجل إقامة دولة الوحدة العربية .
كلهم رفاق في المعركة . وكلهم يساهم بما يبذل في سبيل هزيمة الصهيونية ، ومن هنا فكلهم سواء في شرف القتال ضد المستعمر على الأرض العربية ، إلا أن هذا لا يعني أبدا أن للصراع العربي الصهيوني غايات متعددة بتعدد المساهمين فيه مرحليا ، أو أن النضال العربي ضد إسرائيل ذو أهداف بديلة يغني بعضها عن بعض ، ويدخل بعضها في سوق المساومة على الأهداف الأخرى، ذلك لأن غاية الصراع ، وموضوع المعركة ، وحقيقتها ، محددة بموضوع التناقض الأساسي ، بين الحركة القومية العربية والحركة الصهيونية :
الوحدة العربية ، أي أننا موضوعيا وتاريخيا ، خضنا ونخوض معركة الوحدة العربية ضد قوة معتدية خاضت وتخوض معركة ضد الوحدة العربية .
هل يستطيع أي واحد في الصف العربي أن يغير من هذه الحقيقة ؟ لا ! ..
يستطيع أن يجهل ، أو يتجاهل ، أو ينسحب من العركة ، أو يرضى بنصيب منها ، ولكن هذا سينهي المعركة بالنسبة إليه ، وقد يحقق نصره الخاص ويكتفي به ، وتبقى المعركة دائرة حول موضوعها الحقيقي بين التوى التي تريد أن تحقق دولة الوحدة العربية وبين الصهيونية التي تريد أن تقيم دولتها على الأرض ذاتها التي يدور حولها الصراع . هكذا بدأت المعارك ، حتى قبل أن تجذب إلى ساحتها كثيرا من القوى المشتبكة فيها متذ 5 حزيران ١٩٦٧؛ وهكذا ستنتهي المعارك ، بالرغم من كل المحاولات التي تريد ان تصطنع سلاما مؤقتا على الأرض العربية . وهكذا لن يكون ثمة نصر عربي يستحق الهتاف له إلا يوم تنتصر الحركة القومية فتقيم دولة الوحدة . وعندئذ فقط ستكف الصهيونية ومن هم وراءها عن العدوان لأن غايتهم التي قاتلوا ويقاتلون من أجلها تكون قد انهزمت نهائيا .
إن هذه المعرفة بحقيقة المعركة بين الأمة العربية وأعدائها لازمة كشرط أولي وأساسي للقدرة على النصر .
إنها تكشف لنا مدى ضراوة المعركة فنعد لها أنفسنا ومعداتنا ، وتكشف لنا مدى طول الصراع فنخطط في ضوئه مستقبلنا ، وتكشف لنا غايته فنقيس عليها مواقفنا ومواقف أصدقائنا وأعدائنا ؛ وأهم من هذا كله تضع بين أيدينا المحك الذي نفرق به بين النصر والهزيمة ، بين النضال والاستسلام ، فنعرف معرفة اليقين أنه مهما تكن المواقف التكتيكية التي تضطرنا إليها تطورات الصراع ، فان القبول بإنهاء المعركة ضد الصهيونية قبل أن تتحقق دولة الوحدة العربية ، هو قبول بالغايات التي قامت من أجلها إسرائيل ؛ فهو هزيمة واستسلام حتى لو دمرنا قوة إسرائيل العسكرية ثم توقفنا دون غايتنا القومية التي قاتلنا ونقاتل من أجلها .
هل ثمة حيلة لأحد في أن أي حديث موضوعي لأية مشكلة عربية بقصد حلها لا يلبث حتى يصبح حديثا عن الوحدة العربية ؟ ألم تكن وحدة ١٩٥٨- إذن ـ التعبير الصحيح عن الحل التقدمي لمشكلات الوطن العربي كله ؟ ألم يكن الانفصال خيانة معدة مقدما لشهدائنا في سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان ؟
بلى ، فتحية لكل الوحدويين ولتسقط الإقليمية الصهيونية .
(*) المصدر : الفكر المعاصر، العدد ٤٨( شباط / فبراير ١٩٦٩) ، ص ٦- ١١ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق