بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

لقاء مع الدكتور عصمت سيف الدولة / مجلة الشراع .




مجلة الشراع اللبنانية بتاريخ 11 / 9 / 1989 .

لقاء مع الدكتور عصمت سيف الدولة .



"الشراع" تستطلع آراء نخبة من المفكرين السياسيين :


د.عصمت سيف الدولة :
التجمعات نقيض الوحدة وخطوة على طريقها !

القاهرة ، الشراع .

مازال هناك الكثير ليقال عن التجمعات العربية الثلاثة : مجلس التعاون الخليجي ، الاتحاد المغاربي ، ومجلس التعاون العربي . 
فإذا كان حلم الجماهير العربية في الوحدة الشاملة قد تعرض لنكسات كثيرة ، لأسباب متعددة داخلية وخارجية ، فان مرحلة التشرذم والإغراق في فكرة الدولة الإقليمية قد أثبتت عقمها منذ السبعينات حتى اليوم ، في كافة المجالات عسكريا واقتصاديا وسياسيا . ورغم أن المجالس الثلاثة قد نشأت لمواجهة عوامل خارجية طارئة وليست من أجل الوحدة فقط ، الا أنها في النهاية أفضل كثيرا من حالة التشرذم والانقسام التي عاشتها معظم الدول العربية سابقا . خاصة أنها جاءت في وقت ينضو فيه العالم باتجاه التكتل والوحدة ، على غرار الوحدة الأوروبية التي ستكتمل في سنة 1992 .. 
الشراع تستطلع آراء نخبة من الخبراء والمفكرين السياسيين حول أهمية هذه التجمعات وما اذا كانت تتناقض مع الوحدة العربية الشاملة ، أو أنها مرحلة مفيدة لها . والآراء الواردة في هذا الاستطلاع قد تتباين فيما بينها ، وقد يتباين معها رأي أي قارئ ، ولكنها تظل قادرة على التعبير على الإلحاح الذي يستشعره كل عربي أينما كان لتحقيق الوحدة الشاملة لمواجهة تحديات المستقبل .

التجمعات الاقليمية نمط سائد ..

ينظر المفكر د.عصمت سيف الدولة الى التجمعات على أنها اتفاقات متعدّدة تنظم كل منها نوعا من التوافق أو التعاون بين دول عربية عدة ويستقل كل تجمع عن غيره أطرافا ومضمونا ، دون أن يكون في نوايا أطرافه ، أو في غايات تجمعهم الوصول الى تكامل اقتصادي أو وحدة شاملة أو غير شاملة ، فهذا نمط سائد في علاقات التعاون الدولي . ويبدو أن مصدره هو وجود تصور بأن تجمع بعض الدول العربية في تجمعات مختلفة يمكن أن يؤدي الى تكامل أو الى وحدة . من هنا لا بد لنا أولا من اختبار هذا التصور ، ليس من ناحية نوايا تلك التجمعات ، ولا فيما أحيط بها من دعاية وإعلام ، إنما من ناحية قدرتها على إيجاد علاقة ولو مستقبلية بين التجمعات لبلوغ التكامل العربي أو الوحدة العربية . 

التجمعات نقيض للوحدة  ..

ويرى د.عصمت سيف الدولة أن هناك أمرين جديرين بالملاحظة : 
الأمر الأول : كل تجمع من تلك التجمعات قد استقطب دولا معينة رأت في هذا التجمع ما يحقق مصالح الحكومات فيها ، وهذه علاقة نمطية من العلاقات الدولية السائدة .
الأمر الثاني : أن هذا التعدد في التجمعات وفي أطرافه وأهدافه يؤكد على وجود قومي واحد هو الأمة العربية . كواقع تاريخي موضوعي وبدون دخول في تفاصيل فكرية فإننا نستطيع القول أن وحدة الوجود القومي للأمة يعني وحدة مشاكلها ، ووحدة مصالحها ، ووحدة مستقبلها ، أو ما يسمّى وحدة المصير ..
وبناء على هذين الأمرين يكون التعدد في الوحدة الموضوعية نقيضا لهذه للوحدة ، وتكون هذه التجمعات قد قامت بين دول التجزئة الإقليمية التي هي النقيض السياسي لوحدة الأمة الموضوعية . فيكون التعريف الصحيح لهذه التجمعات ، قياسا الى وحدة الأمة العربية ووحدة مصيرها ومصالحها ، أنها تجمعات إقليمية حتى لو ضم كل تجمع منها أكثر من دولة عربية .. هذا هو الموقف المبدئي من هذه التجمعات
ورغم ذلك هناك معيار آخر لتقييم هذه التجمعات ، على ضوء دورها كمساعد أو معوق لحركة التطور الاجتماعي ، التي تحكم مسيرة الأمة الواحدة . من وحدة الوجود القومي الى وحدة الدولة القومية . ذلك ان من يتطلع من المنظور القومي يرى وحدة الأمة ويتطلع الى وحدة دولتها القومية . ولكنه بالمقابل لا يعقل أو يتجاهل العقبات الواقعية القائمة على الطريق الى الوحدة . على ضوء هذا يمكن ملاحظة أن هذه التجمعات المتعدّدة موضوعيا هي انشقاقات استقلالية جماعية عن الجامعة العربية . فكل المضامين التي تمت عليها تلك الاتفاقات ، سياسيا واجتماعيا مقننة في ميثاق الجامعة العربية ، وفي اتفاقات التعاون الاقتصادي والدفاع المشترك والنشاط الاجتماعي ايضا ..   

الجامعة العربية الفقيدة ..

ويضيف د.عصمت سيف الدولة ، أنه ليس لهذه التجمعات دلالة سياسية ، الا أن بعض الدول العربية أرادت أن تفلت بمصيرها المشترك من القيود التي يفرضها عليها الانتماء الموحدة لجامعة الدول العربية . وخاصة مبدأ إصدار القرارات بالإجماع ، فهي تقسم بين أفراد أسرة الجامعة العربية . ومن هنا نستطيع أن نقرر أن قيام هذه التجمعات هو إنهاء فعلي لجامعة الدول العربية ، التي ستبقى شكلا بدون فاعلية بعد ان ذهبت فاعليتها وتوزعت بين ثلاث مجموعات من أعضائها .
ويقول د. عصمت سيف الدولة ، أنه لم يفاجئ بهذا المصير " التعيس " لجامعة الدول العربية التي أعاقت مسيرة الوحدة نحو نصف قرن حين توهم أصحابها أنها بديل عن الوحدة . وهذا لا يعني أن التجمعات أو الصيغة الجديدة في علاقات الدول العربية ستكون أقل إعاقة للوحدة ومسيرتها من الجامعة .. فالتعامل سيكون كما يحدث في الاتفاقات التجمعية المحددة الأعضاء . فأعضاؤها سيعتبرون ما يحققونه أدلة جديدة على أن تلك الصيغة بديلة حقا عن الوحدة ، قبل أن يكتشفوا أنها ليست أقل فشلا من الجامعة الفقيدة . والى أن يتم ذلك سيلعبون دور المعوّق الجماعي للوحدة العربية ، رغم أنهم يقرّبون يوم الوحدة التي يريدون إعاقتها . 

انقاذ دول التجزؤ .. 

ويؤكد د.عصمت سيف الدولة أن كل دولة عربية منفردة لم تعد بحاجة لإثبات فشلها في تحمل أعباء التحرر والمحافظة على الحدود والتنمية والتقدم والوفاء بالوعود التي قدمتها للشعب العربي على جميع المستويات . فوجود كل دولة مستقلة عن الأخريات لا يعني ألا تتعمق للمأساة في جميع النواحي .. لذا جاءت التجمعات الثلاثة كمحاولة لإنقاذ دول التجزؤ من السقوط في هاوية الفشل .. 
وباختصار ليست هناك دولة عربية واحدة لا تدرك الآن عجزها الكامل عن تحقيق الاستقلال ، وحمايته بمعزل عن بقية الدول العربية .. اذن فالتجمعات العربية الحديثة تتضمن بذاتها إدانة للوجود المستقل لأعضائها .. وتلك خطوة كبيرة على طريق الوحدة ، رغم أنها مضادة للوحدة . وليس هذا عجبا ، بل دليلا على ممارسة التناقض الأصيل بين وحدة الأمة وتعدّد الدول فيها . فمن أين يأتي الأمل بأن يكون ـ بصرف النظر عن نوايا أطراف التجمعات ـ يوم الوحدة القومية قد بات وشيكا ؟ 
هذا الأمل ينبع من أمرين : الأول هو أن مستقبل هذه التجمعات لن يرتد الى التفتيت مرة أخرى باعتبارها محاولة إنقاذ تلك الدول من تفتتها . الأمر الثاني ، أن هذه التجمعات محكوم عليها بالفشل في تحقيق غايتها الى ان يأتي وقت لا يبقى فيه أمام الشعب العربي في كل هذه الدول ، الا طريق واحد مفتوح للحرية والتقدم ، الطريق الى الوحدة . بمعنى أنه اذا كانت تجربة الجامعة العربية قد تم إحراقها كبديل عن الوحدة ، فان الممارسة الحية ستحرق هذه التجمعات أيضا كبديل للوحدة ، فلا يبقى الا الوحدة أملا سواء رغبوا في ذلك أم لم يرغبوا . لأن الحقائق الموضوعية أقوى أثرا من الحيل الموضوعية .. 
الأمر في النهاية كما يرى د.عصمت سيف الدولة ، يتوقف على وعي الشعب العربي وقدرته على فرض إرادته ، وإقامة دولته على كامل وطنه القومي ، شرط أن يعي دائما من تجاربه المريرة أن اللازم موضوعيا لتحقيق الوحدة ليست الجامعة العربية أو التجمعات الإقليمية بين الدول العربية ، وإنما النضال الشعبي المنظم الذي ينطلق من وجود قومي لتحقيق مصير قومي واحد ..     

                        ذهاب الى صفحة عصمت سيف الدولة








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق