نظرية
الثورة العربية
د .عصمت سيف الدولة
عرض
وتعليق حبيب
عيسى .
•
الدولة القومية طريق العرب
إلى التقدم ..
• التجزئة
تؤدي إلى التخلف فتضعف الأمة
وتتعرض لموجات الغزو ..
بعد ” 400 ”
عام من الاحتلال العثماني
، وجد الوطن العربي نفسه تحت رحمة الاستعمار الأوروبي ، الأكثر ذكاء ، وخبرة ومقدرة
.
وفي
الربع الثاني من هذا القرن
بدأت الارهاصات الأولى لحركة الثورة العربية المعاصرة في واقع يحاصرها ، ويحاول
اجهاضها بكل ما فيه من الماضي السحيق ، وما أضيف إليه من التراث
الاستعماري الحديث .
فالاحتلال
العثماني كان قد خلف وراءه أمة عربية فرض عليها الجهل ، وعدم المعرفة ،
والاغراق في التخلف ، والقهر
، والفقر ، والاحتلال الأوروبي حمل إلى هذه الأمة كل مستحضراته العصرية في احتلال
الأرض ، وقهرالأمم
، فرسم حدوداً على الأرض العربية تحمي مصالحه ، وتحقق أهدافه ، و شارك في بناء
حركات إقليمية لتحمي تلك الحدود ، وزرع الصهيونية في القلب العربي لتحمي كل ذلك
.
أمام
هذا الواقع ، ودفعة واحدة
، وجدت الثورة العربية نفسها وجهاً لوجه أمام المستعمر مباشرة في بعض المواقع ،
أو أمام تركته في مواقع أخرى بالاضافة
إلى عوامل التخلف الأخرى المزروعة في الواقع العربي.
وطرح
الثوارالعرب
على أنفسهم السؤال :
•
كيف ننتصر ، والقوى المعادية للثورة بهذه القوة .. ؟ !
وكان
ثمة اجابتان على
السؤال :
–
الأولى تمثلت في الإجابة التي
قدمتها الحركات الاقليمية العربية بألوانها المتعددة كله والتي ارتضت الحدود التي رسمها
المستعمر ، ووافقت أن تكون حركتها سجينة
لتلك الحدود ، وانحرفت بذلك عن مسيرة الثورة العريية وأهدافها
.
– الثانية
وتمثلت في الجواب الذي قدمته فصائل الثورة العربية برفع هدف بناء دولة
العرب الوحدوية الاشتراكية الديمقراطية ، وهذا الجواب مبرر تاريخياً ، وعلمياً
واجتماعياً وحضارياً … غير أن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمرالسهل
، والعادي . فحركة الثورة
العربية مطالبة أن تخوض معارك قاسية ، وغير عادية حتى تعبر الطريق
الطويل … الممتد بين التجزئة العربية
، والوحدة العربية .
وحتى تنتصرهذه الثورة في تحقيق هدفها الكبير لابد أن تمتلك سمات أساسية ـ تمكنها من مجابهة الصعاب ، والسير على الطريق الشائك ـ من اول امتلاك وحدة في التفكير ، وفهم الظواهر ، والأحداث ، إلى آخر بناء كوادر منظمة للثورة العربية تعرف أهدافها ، وتفهم طبيعة الصراع الدائر ، وتعرف بالتالي الطريق الذي يؤهلها من فعل كل ذلك بنجاح .
وهكذا
وجد الثوار أنفسهم مرة أخرى أمام السؤال الملح
!
• ما
هو المنهج العلمي
الثوري الذي يجب ان تمتلكه حركة الثورة العربية .. ؟ !
وكان
ثمة إجابات عديدة ومختلفة على هذا السؤال ، ورغم ان هذا الحديث ليس مطالباً
بدراسة هذه المناهج وتقويمها ومتابعة حركتها في الواقع العربي ، فإنه يمكننا القول
وباختصار
شديد أن هذه الإجابات لم تحل المشكلة ، إن لم نقل أنها
زادتها تعقيداً .
ان
هذا الحديث سيحاول بقدر ما يستطيع أن يقترب من محاولة أخرى لها سمات خاصة ، مميزة
، ومتميزة قدمها لنا الدكتورعصمت سيف الدولة لحل أزمة المنهج ، والنظرية في
الفكر الثوري المعاصر .
يقع
كتاب ” نظرية الثورة العربية ” في -667 -
صفحة من الحجم الكبير ، وقد صدر
عن دار الفكر في بيروت عام ” 1971 ″
. ويتألف من قسمين أساسيين :
• الأول في
المنهج .
• والثاني في النظرية .
– في المنهج –
يعالج
الدكتور عصمت سيف الدولة في هذا القسم من الكتاب مشكلة المنهج . لكن ، وحتى نضع
هذا البحث في مكانه الطبيعي لا بد من القول : ان الحديث
الموجود في كتاب ” نظرية الثورة العربية ” عن المنهج جاء تتويجاً
لدراسة طويلة ، واسعة بدأها الدكتور سيف الدولة منذ عام 1963 عندما ظهر كتابه الأول ” أسس
الاشتراكية العربية ” .
لقد
كان ذلك الكتاب كله مخصصاً لطرح “جدل الانسان” ـ وللمرة الأولى ـ كمنهج واختبار
صحته في عديد من القضايا : الحرية ، الديمقراطية ، حركة التاريخ
، الاشتراكية ، الأمة ، القومية ، الوحدة ، التنظيم .. الخ . وكان من بين
وسائل اختباره الاحتكام إليه ثم إلى ” الجدلية المادية ” في فهم بعض تلك القضايا
لمعرفة أيهما يصدق مع حصيلة الممارسة .
ومنذ
ذلك الحين ـ أي منذ عام 1963 ـ
وحتى ظهور كتابه الأخير ” نظرية الثورة العربية ” صدر للدكتور عصمت
سيف الدولة مؤلفات عديدة حاول فيها متابعة الحوارمع
المناهج السائدة ، ذلك الحوار الذي بدأه في ” أسس الاشتراكية
العربية ” لإثبات صحة
المنهج الجدلي الإنساني ، كما حاول ان يفسر
الظواهرالطبيعية ، والمشاكل الاجتماعية ، وقضية تطور الإنسان على أسس جدلية
الإنسان ، وأولويته في قيادة حركة التطور .
وحاول
الدكتور سيف الدولة بعد ذلك أن يدرس الواقع العربي ، ويحلل مشاكله ، ويقدم حلولاً
صحيحة لهذه المشاكل على أساس الجدلية الانسانية
نفسها في مؤلفاته ” الطريق إلى الاشتراكية العربية ” و ” الطريق إلى الوحدة
العربية ” و ” وحدة القوى العربية التقدمية ” و ” ما العمل ؟ ” و ” الطريق إلى الديمقراطية ”
. بالإضافة إلى مقالات ومحاضرات أخرى نشرها الدكتور سيف
الدولة في مجلات : الطليعة ، والكاتب ، والفكر
المعاصر ، والآداب ، وغيرها .
وهكذا يمكن
القول : ان عصمت سيف الدولة بقي حوالي عشرة أعوام يختبر صحة منهجه ” جدل الانسان
” ويدرس ، ويناقش ، ويحلل ، قبل ان يبدأ ببناء نظرية مقترحة
للثورة العربية على أساسه .
***
وفي
القسم الأول من كتاب ” نظرية
الثورة العربية” يحدد الدكتو سيف الدولة موقفاً واضحاً من مشكلة المنهج
، والمنهج الليبرالي ، ومناهج التطور ، والمنهج
الاسلامي ، والمحاولات التلفيقية بين المناهج ، ويتابع المؤلف حركة هذه
المناهج في الوطن العربي
، والفشل الذي منيت به ، والذي تستحقه .
ثم
يصل بعد ذلك إلى دراسة
أزمة الفكر القومي فيقول :
” ان
الذي يعنينا هو الفكو المسمى
قومياً تقدمياً أو ما ينسب إليه وهو كثير . وأزمة المنهج
فيه واضحة. ففيه يتحدثا
الكنيرون عن الأمة العربية
والقومية العربية ، وعن الوحدة العربية وعما يجب أو لا يجب في الوطن
العربي .. دون أن نستطيع معرفة
كيف توصلوا إلى ما يتحدثون فيه ، إلا أن يكون ترجمة لشعورهم
بالانتماء القومي ، والشعور بالانتماء القومي قد يكون ذا دلالة صحيحة على وجود امة
ينتمي إليها المتحدث ، ولكنه لا يصلح
مصدراً لمعرفة منطلقات تطوير الواقع القومي وغايته وأسلوبه .
ويقول
: ان الوحدة
الفكرية بين القوميين التقدميين متوقفة على حل مشكلة المنهج في
الفكرالقومي التقدمي .. اننا في حاجة إلى معرفة كيف يكون الوجود القومي الذي هو محصلة تاريخ
ماض ضابطاً لحركة تصنع المستقبل . كيف يكون الانتماء القومي السلبي التزاماً
حركياً ايجابياً ، ونحن لا نعرف هذا
إلا إذا عرفنا القوانين التي تضبط حركة المجتمعات من الماضي إلى المستقبل ، ومن
معرفة مفتقرة في أكثر الاجتهادات التي تنسب الى الفكر القومي
التقدمي .
ويضيف
: لقا عرفنا من
حصيلة الممارسة على هدي مناهج عدة أن تحرر الانسان شرط أولي لإمكان
تغيير الواقع الاجتماعي
، إلا أن التطور الاجتماعي لا يحدث تلقائياً
نتيجة ممارسة الحرية الفردية ”الليبرالية” وأن انتظار ان تتغير المجتمعات ليدخل
الانسان في سياق حركتها التاريخية لاتؤدي إلى تطويرها “الماركسية” بل
على الناس إن أرادوا التقدم الاجتماعي أن يتصدوا ايجابياً لحركة مجتمعاتهم ليقطعوا
مسيرتها التلقائية ويطوروها إلى ما يريدون حتى تتطور .
– جدل الانسان –
ان
عصمت سيف الدولة يأخذ قوانين
الجدل – كما وضعها هيغل و طبقهاعلى ” الفكر المجرد ” ثم أخذها عنه
ماركس وطبقها على ” المادة الصماء ” ليطبقها على الانسان باعتباره
ظاهرة نوعية تنفرد بأنها ” وحدة من الذكاء والمادة ” . وبذلك يقوم ” جدل الانسان ”
على القواعد التالية :
• إن
كل الأشياء
والظواهر منضبطة حركتها من الماضي إلى المستقبل بقوانين حتمية معروفة ،
أوتمكن معرفتها ، وان
الإنسان نفسه لا تفلت حركته من هذا الانضباط .
• كل
الأشياء والظواهر يؤثو بعضها في بعض خلال حركتها التي لاتتوقف فتلحقها تغيرات مستمرة
، وهذا قانون كلي يضبط حركة
كل الأشياء والظواهر بما فيها الانسان .
• في
نطاق القوانين
الكلية السابقة ” التأثير المتبادل ” ، والحركة ، والتغير ” تخضع حركة كل شيء
لقوانينه النوعية .
•
ينفرد الانسان بالجدل قانوناً نوعياً ” لتطوره ” وذلك لأن الجدل قانون تطور
الإنسان وحده ، والمجتمعات
البشرية وحدها تتطور ، أما الأشياء والظواهو الطبيعية الأخرى فهي ”
تتحول ” وبذلك نصل إلى النتيجة القائلة : ان ” التغيرات ” التي تصيب الأشياء
والظواهرعامة تتضمن نوعين :
–
أولهما : ” التحول ”
وهو ما يصيب كل الأشياء والظواهر من تغيرات تلقائية بفعل التأثير المتبادل فيما
بينها خلال حركتها التي لاتتوقف.
وثانيهما
: ” التطور” وهو اضافة للأشياء والظواهرما ~ن لها أن في
تلقائيا
بفعل التاثير المتبادل بين الأشياء والظواهر خلال حركتها التي لا تتوقف إلا بتدخل
” واع ” بفعالية القوانين التي تضبط حركة الأشياء ، والظواهر و ”
قادر” على استخدامها
لتغيير الأشياء والظواهر
الى ما ” يريد ” .
وبذلك
يمكن القول : ان
” التحول ” يصيب المادة في كل جزئياتها وأنواعها من أول الذرات إلى
آخرالمجرات .. أما ”
التطور” فلا يصيب إلا الظواهرالانسانية حيث تخضع حركة الانسان وحده
لقانون ” الجدل ” بالاضافة إلى خضوعه للقوانين الأخرى .
ان
اعظم دروس الجدل على الاطلاق هو : ” أولوية الانسان ” لا بأي مفهوم ميتافيزيقي أومثالي أو
اخلاقى ، ولكن في حركة التطور الاجتماعي يعتبر الانسان وحده ، هو
أداة تغيير واقعه وأن الناس وحدهم ، هم أداة الخلق في التطور الاجتماعي وبذلك نقول
: يتوقف التطور الاجتماعي من حيث مضمونه واتجاهه ،
ومعدل سرعته ، ونصيبه من النجاح أو الفشل على العنصرالبشري في أي مجتمع ، و كل ما
عداه من قوى الطبيعة وموادها فهي امكانيات متاحة ، والبشر وحدهم قادرون على
استخدام كل القوى والمواد في
صنع التطور الاجتماعي .
اما
كيف يسير قانون
الجدل في الانسان .. ؟ فيقول :
” في
الانسان نفسه يتناقضر الماضي والمستقبل ويتولى الإنسان نفسه حل التناقض بالعمل
اضافة فيهما من الماضي والمستقبل ولكن تتجاوزهما إلى خلق جديد .
و ”
النقيضان في جدل الانسان
هما الماضي والمستقبل اللذان يتبع أحدهما الآخر ، ويلغيه ، ولا يلتقي به قط
، ومع هذا يجمعهما الإنسان ويضعهما وجهاً لوجه في ذاته ” .
وعندها
نرد الفرد ” الانسان ” الى مجتمعه لنرى
ما يؤثر في فعالية قانونه وما يتأثر بها نجد : أن الواقع الاجتماعي هو محصلة تطور
تاريخي ، وهو الذي يسهم في إثارة
المشكلات ، وهو محدّد موضوعياً ، لذلك فإن الحل الصحيح لأية مشكلة
اجتماعية محددة موضوعياً ، والانسان يشق
طريقه الحتمي الى الحرية بقدر ما يكتشف ذلك الحل الصحيح وينفذه ، ويفشل في تحقيق
الحرية بقدر ما يجهل ذلك الحل
الصحيح فلا ينفذه بالعمل
، ويهتدي الناس في مجتمع معين الى الحل الصحيح بالجدل المشترك أو ما نسميه بـ
” الجدل الاجتماعي ” أي المعرفة المشتركة بالمشكلات المشتركة ، والرأي
المشترك في حلها ، والعمل المشترك تنفيذا للحل . فتتحقق به اضافة تحل بها المشكلات
الاجتماعية وتثور بها مشكلات
اجتماعية جديدة فتحل … وهكذا .. ! فالمجتمعات تتطورمن خلال حل مشكلات
الناس فيها .
وبما
أن الناس يختلفون في درجة معرفتهم ، وفي تقديم
الحلول الصحيحة لمشاكلهم فإنه ينشب بينهم صراع اجتماعي ، و” الصراع
الاجتماعي ” يكون حتمياً لإزاحة أي عقبة تقف في سببل الجدل الاجتماعي ، ويتوقف التطور
الاجتماعي بقدر
ما يستنفذ ” الصراع الاجتماعي” من قوة إلى أن تزاح العقبة التي أقامها موقف
الذين حاولوا تعويقه .
ان
التطور الاجتماعي يبدأ من الواقع
الاجتماعي كما هو ، بالمجتمع كما هو ، بالبشر في واقعهم المعين المشترك كماهم ، ولا يتم
التطور إلا بقدر ما يشارك الناس في طرح المشكلات الاجتماعية ومناقشتها
ومحاولة معرفة
حلولها الصحيحة ، والمساهمة في العمل المناسب لحلها .
بعد
كل ذلك يمكن تحديد صيغة
واحدة لقانون التطورالاجتماعي كما يلي :
في
الكل الشامل للطبيعة والانسان
كل شيء مؤثر في غيره متأثر به ، وكل شيء في
حركة
دائمة ، و كل شىء في تغير مستمر . و في هذا الاطار الشامل يتحول كل شىء
طبقاً لقانونه النوعي، وينفرد الانسان بالجدل قانوناً نوعياً لتطوره، وفي الانسان
نفسه يتناقض الماضي والمستقبل ، ويتولى الانسان نفسه حل التناقض بالعمل ، اضافة
فيها من الماضي ومن المستقبل ، ولكن تتجاوزهما إلى خلق جديد”.
ويختتم
المؤلف هذا القسم من كتاب ” نظرية الثورة العربية ” بالقول وبوضوح تام :
”
طبقاً لجدل الانسان
” طبقاً لمنطق التطور الاجتماعي سنجتهد فيما يلي لنصيغ نظرية
تغيير واقعنا.. ان كان هذا المنهج خاطئاً فكل ما سنقوله سيكون خطأ ، ولن يصح مما
نقول الا بقدر ماهو
صحيح في المنهج ، أما إذا كان ” جدل الانسان
” صحيحاً فإن أي خطأ في النظرية يكون مرجعه الى قصور في معرفة واقعنا معرفة
صحيحة ، وهو خطأ يمكن تصحيحه طبقاً لجدل
الانسان ذاته ” .
– في النظرية –
ان
أية محاولة ” لتغيير الواقع ” على ضوء التسليم بأن الانسان هو العامل الاساسي في
عملية التغيير تفرض علينا أن نبدأ بتحديا واقعنا البشري من خلال الاجابة
على السؤال :
من
نحن .. ؟ نحن مجتمع من البشر . اذن : فما هو مجتمعنا ؟ وعندما نعرف من
نحن وما هو
مجتمعنا لن تكون عملية التغيير تجريداً .
• المنطلقات .
يناقش المؤلف
في هذا الفصل منطلقات النضال العربي وأسسه تحت العناوين التالية : الوجود القومي ،
وحدة الوجود
القومي ، وحدة المصير القومي
، وحدة الدولة القومية ، القومية ، القومية والانسانية ، القومية
والاسلام ، القومية والأممية ، الأمة والطبقة ، القومية والاقليمية ، المؤسساتا
الاقليمية ، الأمة
والأقليات ، القومية والفردية ، مصير الأمة .
ينطلق
المؤلف في بحثه لكل الفصول السابقة من دراسة
تطورالجماعات البشرية حتى تكونت الأمم ، ويقول أن لكل امة ابعاداً
ثلاثة هي :
–
البعد الأول يحددها من حيث
علاقتها بالجماعات البشرية الخارجة عنها .
–
البعد الثاني يحددها من حيث علاقتها
بالجماعات الانسانية الداخلة فيها .
–
البعد الثالث يحددها من حيث مسيرتها كأمة .
بالاضافة
إلى حدها الرابع
” الحد الزماني ” الذي هو الواقع الاجتماعي للأمة في وقت معين .
وبما
اننا أمة عربية ” مكتملة التكوين ” منذ زمن بعيد فإن منطلقاتنا هي الغاء
آثار المستعمرين على أرضنا ، وبناء دولة الوحدة القومية ، ويدين المؤلف بشدة
الحركات الاقليمية في الوطن العربي ويقول :
لما
كانت ” الاقليمية ” قائمة على أساس استقلال كل اقليم بذاته ومصيره فإن
الاقليميين لا يتفقون في
تبرير موقفهم الموحد ضد الوحدة العربية ، فلا يجمعهم إلا رفض الوحدة
العربية ، فهم قوة
واحدة في مواجهة القوى القومية ، ولكنهم فيما
يتجاوزون هذا مختلفون فكراً وحركة اختلافاً قد
يصل الى حد الصراع العنيف فمنهم :
– الشعوبيون : الذين يقبلون دولتهم
الاقليمية لأنها تجسد ـ فيما يقولون ـ الشعب العريق الذي كان
موجوداً منذ آلاف السنين وما يزال موجوداً فيهم ، وبذلك يريدون الغاء ثلاثة
عشر قرناً أو أكثر من التاريخ ليعودوا الى شعوبهم
العريقة .
–
ومن الاقليميين
من يبررون موقفهم من دولهم الاقليمية بقدرما تجسد روابطهم العشائرية أوالقبلية
أوالطائفية .
–
ومنهم عملاء الاستعمارالذين
يحرسون تركته .
–
ومنهم الرأسماليون الذين يتبعون
مصالحهم التي تمت على أساس التجزئة .
– ومنهم ذلك
البعض من دعاة ” الاشتراكية ” الذين تجمدوا على رفض القومية
وأعماهم التعصب الفكري عن أن يروا في التجزئة آثار صنعة الامبريالية التي يزعمون أنهم ابطال
النضال ضدها . وكلهم سواء في موقفهم ضد الوحدة .
والاقليمية
رابطة تضم كل الاقليميين وتضعهم جميعاً في مواجهة الشعب العربي في موقف مضاد
لوحدته القومية ، ويجسد الاقليميون موقفهم هذا في مجالات واشكال عديدة من أول كتابة
التاريخ العربي مجزأ إلى آخر محاولات
الصعود باللهجات المحلية الى مستوى اللغة العربية .
• الغايات :
على
النظرية أن تعين للجهد
الانساني غايات على قدرمن الوضوح والواقعية تصلح به أن تكون محلا
للالتقاء عليها بين متعددين والالتزام بها في الممارسة
والاحتكام اليها عند الاختلاف .
ان
الأمة العربية هي ” الشعب ´” العربي ، والوطن العربي ” الأرض ” وفيهما تتمثل
الامكانيات المتاحة للتطور العربي
، ويمثل الشعب العربي بما يملكه من قوة العمل اليدوي والذهني الامكانيات البشرية
المتاحة ، ويمثل الوطن
العربي بما فيه من مصادر الثروة الامكانيات المادية المتاحة ، ويتم
التطور بأن يتولى الشعب العربي بما يملكه من قوة العمل اليدوي والذهني تحويل
ما في الوطن العربى من مصادرالثروة الى ثروة متاحة .
وعندما
نعرف ان الاستعمار
والتجزئة والاستغلال تمثل معاً ذلك الواقع المسؤول عن عجز أمتنا عن التقدم
الاجتماعي الممكن موضوعياً ، نعرف لماذا نختار لأمتنا
العربية : دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية . فنعرف أننا لم نخترها
لأننا نريد دولة كبرى ندخل بها سباق القوة فنصبح أقوى دولة ، أو لأننا نريد بها
وفيها فرض الوصاية على الشعب العربي ، بل اخترناها من أجل تحقيق غاية في مستوى
تواضع وواقعية الفلاح العربي
: المقدرة على الحياة بما هو متاح في الأرض .
وبعد
أن يجيب المؤلف على الأسئلة الثلاثة : أين ؟ ومتى
؟ ولماذا ؟ يجب ان نخوض نضالاً شاقاً ومريراً لقهر التجزئة
والاستغلال والاستعمار ، ويدرس
مشكلات التطور ، والتنمية ، والتخلف يحدد أهداف
النضال العربي بالأهداف الثلاثة التالية :
الحرية :
يدرس
المؤلف تحت عنوان ” الحرية ”
مشكلات التحرر العربي ، ومشكلة فلسطين ، والموقف القومي ، والموقف الصهيوني ،
والحل القومي ، ومشكلة
الاستعمار، المعركة والقائد .
ويقول
بعد ذلك : أن قضية الحرية في الوطن العربي هي استرداد الأرض العربية للشعب
العربي ، كل الأرض العربية لكل الشعب العربي ، ونحن نعوف ان مجتمعنا هو الأمة
العربية ، وانه ارضاً وبشراً ، ذو حدود تاريخية
وان الاستعمار والصهيونية والاقليمية المستغلة سلبوا كل أو بعض امكانيات الشعب العربي
لتسخيرها لأغراضهم الخاصة .
الوحدة :
ان
التجزئة في كل الظروف هي مشكلة تخلف في الأمة العربية ، والدولة
الوحيدة التي تتفق مع اشتراك الشعب في وطنه ، وتجسد وحدة الوجود القومي
هي الدولة الواحدة
، دولة واحدة لشعب واحد ، ووطن واحد لأمة واحدة .
ثم يناقش المؤلف
قضايا الوحدة تحت العناوين التالية : الوحدة والتحرر مشكلة التجزئة ، التجزئة
والبطالة ، التعاون أم
الوحدة ، دولة الوحدة العربية ، مشكلة الديمقراطية ، دولة العرب
الديمقراطية .
ويقول بعد
ذلك :
” ان
وحدة الدولة القومية شرط لازم لإمكان معرفة حقيقة المشكلات الاجتماعية في المجتمع
القومي وحلولها
الصحيحة المحددة موضوعياً بالواقع الاجتماعي ذاته وتنفيذ تلك الحلول في
الواقع . ان هذا لا يعني ان الناس في الدولة القومية سيعرفون حتماً حقيقة المشكلات
الاجتماعية وحلولها
الصحيحة أو انهم سيحلونها فعلاً ، انما يعني ان كل هذا سيكون متاحا .
الاشتراكية :
ان
الاشتراكية التي بدأت فكرا منذ
أكثر من قرن ، وطبقت نظاماً منذ أكثر من نصف قرن ، ومنها في كل مجتمع معاصر قدر
نام من الفكر والتطبيق ، وتقوم خبرة الاتحاد السوفياتي فيها دليلا ، ليس وحيداً ،
على التقدم لمن يريد أن يتقدم ، لا يمكن ان تكون ” لغزاً ” تختلف في حله كل هذه
الشلل التي تملأ الوطن العربي ضجيجاً باسم الاشتراكية ، لا يمكن ان تكون المضامين
الاشتراكية ، بعد خبرة الشعوب الكثيرة قبلنا ، غامضة الى الحد الذي
يجعل الحديث عنها في الوطن العربي حديثاً ” بابلياً ” وان كان يدور بلغة واحدة
تستعمل فيها ذات الالفاظ للدلالة على مفاهيم مختلفة .
ثم يناقش
المؤلف قضايا الاشتراكية في الوطن العربي تحت العناوين التالية : لماذا الاشتراكية
؟ الاشتراكية والديمقراطية ، سيطرة الشعب على وسائل الانتاج ، التخطيط
الاقتصادي ، الملكية الخاصة والاشتراكية ، الملكية الاشتراكية ، ما هو
الاستغلال ؟ الاستغلال بين
الرأسمالية والاشتراكية ، الاشتراكية العربية ، القومية والاشتراكية ،
الملكية القومية للأرض ، دولة الوحدة
الديمقراطية الاشتراكية .
ويقول بعد ذلك
:
عندما
يتحدث اللاقوميون الاقليميون عن الاشتراكية
، أو يرفعون شعار تعدد التجارب الاشتراكية في الوطن العربي لا يعني هذا أكثر من
تكريس الانفصال
وستر التجزئة بلافتات اشتراكية زائفة .
الاسلوب :
قد
لا يختلف اثنان من التقدميين
في الوطن العربي على الغاية التي انتهينا اليها : دولة الوحدة الديمقراطية
الاشتراكية ، ولكنهما يختلفان ، ويختلف كثير غيرهم في الاجابة على السؤال :
كيف تتحقق ؟
وهذه هي الثغرة القاتلة التي تفتك بأمل الشعب العربي في اقامته دولته
الوحدوية الديمقراطية الاشتراكية ، ومصدر
هذه الثغرة يتمثل فيما يسببه القصور في الفكر القومي التقدمي من اضطراب داخل
الحركة القومية ذاتها . حيث تؤدي غيبة المنهج في الفكرالقومي
التقدمي الى عجزه عن توحيد القوى العريضة التي تتبناه وترفع شعاراته .
ثم
يناقش المؤلف قضايا ” الاسلوب ” تحت العناوين التالية : مشكلة الاسلوب
، لتفرز القوى ، مشكلة الأحزاب ، ولكن ما هي التقدمية ، الحزب القومي ، لماذا حزب
قومي ؟ وحدة القوى العربية التقدمية ، الجبهة أم الحزب ، الحزب أم الدولة ، حزب
واحد أم أحزاب متعددة ، الاستراتيجية
، لماذا الثورة العربية.. ؟ التكتيك ، أيهما أولاً .
ويختتم
المؤلف كتابه بالقول : هنا
وهناك على امتداد الوطن العربي في مواقع العمل أو في مواقع البطالة توجد ملايين
المشكلات الاجتماعية التي يثيرها التناقض بين الواقع العربي وما يريده الشعب
العربي. وهي كلها مشكلات تقدم .. تلك هي الغاية الاصيلة للحزب
القومي الديمقراطي الاشتراكي ، وذلك هو الميدان الأصيل الذي يعبر به عن
ولائه لأمته العربية عن طريق معايشة الشعب العربي وحل مشكلاته اليومية .
”
حتم على الانسان أن يستهدف
دائماً حريته ” .
كلمة أخيرة :
كان ما تقدم
عرضاً سريعاً لكتاب ” نظرية الثورة العربية ” للدكتورعصمت سيف
الدولة ، وهذا العرض السريع لا يمكن أن يغني عن قراءة الكتاب فهو ضخم ليس في حجمه
فقط ، وانما بمحتواه ايضاً .
واذا كان لابد
من كلمة أخيرة تعليقا على هذا الكتاب فإنني
اقول وباختصارشديد :
• إن
الكتاب محاولة جادة ، ومتماسكة فكرياً ومنهجياً ، ونظرياً لحل أزمة المنهج
والنظرية في الفكر الثوري القومي العربي المعاصر .
•
الكتاب بمحتواه الفكري ، كسائر مؤلفات الدكتور سيف الدولة منسجم تماماً مع
المنهج الجدلي الانساني ، وما يترتب على ذلك من منطلقات قومية اشتراكية ديمقواطية
واضحة ، ومحددة
المعالم والأسس والغايات والاسلوب .
• إني لا أملك
الحق بالحكم على ما وود في كتاب الدكتولا سيف الدولة من حيث الصواب والخطأ
فهذا يحتاج إلى نقاش جاد بين جماهير الشباب العربي المعنيون بمستقبل الثورة
في الوطن العربي ، لكنني استطيع ومن وجهة نظرشخصية القول : ان
عصمت سيف الدولة اعاد مشكلة التطور الى مكانها
الطبيعي الى الانسان المسؤول عن التقدم والتخلف في المجتمعات البشرية .
• كل
هذه الأموروغيرها
كثير .. تجعل من محاوللأ الدكتور عصمت سيف الدولة محاولة فذة تستحق كل تقدير ،
وتجعل الحوار معها ودراستها من كل الجوانب بعقل علمي منهجي قادر على التقييم
الصحيح أمراً مفيداً
وضرورياً للشباب العربي المطالب بشق طريقه الى دولة الوحدة الاشتراكية
الديمقراطية وسط ملايين
المشكلات الموروثة والمزروعة والمضافة على أرضنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق