حرية الإرادة الوطنية بين الشكل والمضمون
د.عصمت سيف الدولة .
جريدة السفير بتاريخ 4 / 8 / 1975 .
من مشكلات السياسة التي ظهرت منذ بداية الخمسينات من هذا
القرن ، مشكلة مدى تحقيق حرية الإرادة الوطنية في القرارات التي تصدرها
السلطة في أي دولة ..
فمن قبل ، وعلى وجه خاص ، قبل الحرب العالمية الأخيرة ، لم يكن
إسناد القرارات التي تصدرها السلطة في أي دولة الى الإرادة الوطنية ، أو
عدم إسنادها ، يثير أي لبس . كان العالم منقسما الى دول مستعمرة ودول
خاضعة للاستعمار . وكانت الدول المستعمرة تمارس سيطرتها
على الدول الخاضعة ممارسة ظاهرة ، وتنفذ إرادتها تحت
حماية القوات العسكرية المرابطة في ارض الدول الخاضعة . كان
ذلك عصر الاستعمار القديم وأسلوبه المكشوف ، ولم يكن احد يخطئ في
معرفة صاحب الإرادة في صدور أو نفاذ أي قرار . فمن حيث الشكل كان
صدور القرار الذي يبدأ بزيارة من ممثل الدولة المستعمرة
الى الحاكم المحلي لتبليغه مضمون القرار الذي يريد أن يصدر .
وقد يطلبه كتابة ، وقد يأخذ شكل البلاغ العلني أو حتى الإنذار المصحوب
بتهديد باستعمال القوة كما حدث في مصر في فبراير 1942 .. أما من حيث
المضمون فقد كانت القرارات كلها ذات مضامين تخدم مصالح المستعمرين بالدرجة الأولى
..
ثم جاءت الحرب العالمية الثانية وانتهت تاركة أثرين خطيرين :
ـ أولهما أن الدول الاستعمارية التقليدية قد أنهكتها الحرب
ماليا واقتصاديا وبشريا ، وأصبحت في أشد الحاجة الى توفير
نفقات الاحتلال المباشر ومصروفات إنشاء القواعد العسكرية أو
المحافظة عليها ، فكان لا بد من أن تنهي الوجود المادي الظاهر للاستعمار
في الدول الخاضعة له ..
ـ ثانيهما خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب اقوى عسكريا وماليا واقتصاديا من وقت دخولها ، وتوليها قيادة المعسكر الاستعماري بدلا من القوى التقليدية المنهكة ..
وأدّى هذان الأثران الى تغير في شكل الاستعمار الرأسمالي .. فهو
موجود لكنه في أشكال خفية ، وتتولى الولايات المتحدة الحفاظ عليه ، ولكن
بأساليب غير مباشرة . هذا التغيير أدى بدوره الى تغيير في
الشكل السياسي الذي كانت تعيش فيه المستعمرات ، فقد كسبت تلك
المستعمرات ـ الكثير منها أو اغلبها ـ التحرر من التبعية الظاهرة ،
فكسبت الاستقلال الظاهر .. أعني جلت عن أرضها الجيوش المحتلة
، وتشكلت فيها حكومات " وطنية " ، واختارت أعلامها ، وأنشأت
علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى ، وتحصلت على اعتراف الدول الأخرى بذلك الاستقلال ، وحظيت بمقاعدها في هيئة الأمم المتحدة .. وأصبح
الاستقلال الوطني في كل شكلياته الدولية والدستورية حقيقة معترفا بها ..
وبه انتهى أيضا عهد إملاء الإرادة على السلطات الوطنية ، وأصبحت
كل القرارات التي تصدرها السلطة في أية دولة
" مستقلة " تستند من حيث الشكل الى الإرادة الوطنية
..
بقيت مشكلة المضمون .. أي مدى اتفاق مضمون تلك القرارات مع
المصالح الوطنية . وفي هذا انقسمت الدول المتحررة حديثا الى قسمين رئيسيين وان
كانا متداخلين .
فمجموعة كبيرة من الدول التي "استقلت" شكلا بقيت خاضعة
"موضوعا" للاستعمار في شكله الجديد . والشكل الجديد هو
التبعية الاقتصادية والمالية والثقافية . فمع بقاء
المصالح الاستعمارية بالرغم من الاستقلال الشكلي ، أصبحت الإرادة الوطنية
محكومة في مضمونها بما يتفق مع الحفاظ وتنمية تلك المصالح ،
وانقلبت السلطة الوطنية الى حارس وطني للاستعمار بدلا
من الجيوش التي جلت عن ارض الوطن .. وكان هذا أقصى ما يتفق مع إرادة
المستعمرين .. حيث تتحمل الدول المستقلة تكاليف وأعباء الحفاظ وتنمية
مصالحهم ، فتحمل الاستعمار اقل تكلفة وبالتالي تزيد
من معدلات الربح ..
مجموعة أخرى من الدول التي "استقلت" شكلا أرادت أن تستقل مضمونا
. أن تتحرر اقتصاديا وماليا وثقافيا من الدول الاستعمارية . والواقع أنها لم تكن
تطمح الى مقاطعة تلك الدول والدخول معها في صدام انتقامي يعوض مذلة السنين الطويلة
. بل كان همها الأول أن تحوّل الاستقلال الوطني الذي تم شكلا الى استقلال حقيقي .
استقلال اقتصادي ومالي وثقافي . وكانت على استعداد لأن تلتمس أسباب تقدّمها
الاقتصادي والاجتماعي في أي مكان من العالم المتقدم بما فيه الدول الرأسمالية
الاستعمارية . أي أن أقصى ما كانت تطمح اليه السلطة الوطنية في تلك الدول هو أن
تتعامل مع كل القوى ولكن بدون "تبعية" مع اعترافها بان العزلة أو
الانعزال عن العالم ودوله ومصالحه – في هذا العصر – غير ممكن وغير مفيد ، وبالتالي
استعدادها لتبادل الخدمات والمعلومات والمعونات والمصالح عند نقاط التقائها مع اية
دولة ولكن بدون تبعية .
ولم يكن هذا الاتجاه ليعجب المستعمرين . المستعمرون لا يتعاملون ولا
يتبادلون ولكن يستولون ويأخذون ما يريدون عنوة وخفية . ولا يهم المستعمرين أن تعبر
أي دولة بأقصى ما يتيحه لها استقلالها من وسائل التعبير عن ارادتها الوطنية في
اتخاذ قراراتها . ولكن الذي يهمها ولا يمكن أن تتساهل فيه هو أن تكون مضامين تلك
القرارات غير مناقضة لمصالحها اذا لم تكن مطابقة لها . وهكذا بدأ الصدام بين
القيادات الوطنية التي تريد أن تحتفظ بحرية ارادتها الوطنية شكلا ومضمونا وبين
القوى الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي قد تسمح بالشكل الوطني
للإرادة ولكنها لا تسمح بان يكون مضمونها وطنيا .
وبدأ الصدام ودار جزؤه الأكبر على الأرض العربية .
فقد كانت مصر تحت قيادة عبد الناصر ، هي المحك الذي كشف طبيعة الاستعمار الجديد وأساليبه المبتكرة . واستفادت دول كثيرة في العالم من ذلك الدور القيادي الرائد الذي وضعت به مصر تحت قيادة عبد الناصر ، قوى الاستعمار الجديد وعلى راسه الولايات المتحدة الامريكية موضع الاختبار السلمي والعنيف معا ، لتعرف الدول المتحررة حديثا مدى حقيقة استقلالها ومدى استعداد القوى الاستعمارية لاحترام هذا الاستقلال .
فمنذ 1952 بدأت القيادة الوطنية في مصر تتجه بقوة الى حل مشكلات
التخلف الاقتصادي والاجتماعي بالتركيز على مشروعات التنمية الصناعية والزراعية
وتوسيع فرص التعليم لتحضير القوى البشرية المؤهلة لبناء الدولة الجديدة . وكان
الاتجاه رأسماليا لا شك فيه بالرغم من الإصلاح الزراعي الذي استهدف القضاء على
كبار الاقطاعيين وتحرير الفلاحين من القهر الاجتماعي بدون مساس بعلاقات الإنتاج .
ولجأت الثورة في سنواتها الأولى الى الدول الرأسمالية عامة . والى الولايات
المتحدة خاصة ، تلتمس عندها رؤوس الأموال والخبرة . وأصدرت قوانين
"مثالية" لجذب رؤوس الأموال الأجنبية حتى متطلبات التسليح - حفاظا على
الاستقلال – حاولت الحصول عليها من الولايات المتحدة الأمريكية أولا . لم تحصل على
ما تريد وان كانت قد بقيت تحاول الى أن بدأت مشكلة بناء السد العالي تبينت القيادة
الوطنية في مصر ما الذي تريده الولايات المتحدة الامريكية .. تبينته لأنه أبلغ
اليها واضحا وصريحا في بنود محددة . الولايات المتحدة الامريكية تريد أن تحتفظ مصر
المستقلة بحرية اتخاذ القرارات تأكيدا لاستقلالها الوطني على أن تكون مضامين تلك
القرارات متفقة مع المصالح الامريكية لا مع مصالح الشعب العربي في مصر . انها لا
تقدم المعونات بدون مقابل . ولا تعطي رؤوس الأموال في مقابل الفائدة . لا تبيع في
مقابل الثمن ، ولا تبادل فائضا بفائض كما يحدث بين الدول المستقلة . ولكنها تريد
أن تختار هي نوع المعونات والمشروعات التي تستثمر فيها رؤوس الأموال ونوع البضائع
التي تبيعها ، ونوع الفائض الذي تقبله .
ورفضت مصر تحت قيادة عبد الناصر أن تبيع استقلالها مقابل تنميتها اقتصاديا
على وجه تكون ملحقا وامتدادا للسوق الأمريكي استثمارا وانتاجا واستهلاكا .. فسحبت
أمريكا عرضها بتمويل السد العالي . فأمم عبد الناصر القناة للحصول على موارد مالية
لبناء السد .
هنا تدخل الاستعمار التقليدي بأساليبه العتيقة وحدث العدوان الثلاثي سنة
1956 واشتركت فيه إنجلترا وفرنسا وإسرائيل . وكان لا بد به من أن يفشل لأن أساليب
العصر قد تجاوزته . واشتركت الولايات المتحدة الامريكية في افشاله . افشاله كأسلوب
غير مناسب لتحقيق الغاية منه وليس افشال غايته . فقد طالبت – مثلا – بجلاء القوات
المعتدية ولكنها قررت – هي – تجميد أرصدة مصر المالية في الولايات المتحدة . ذلك
لان الولايات المتحدة الامريكية كانت تدرك أن عصر املاءات القرارات على الدول بقوة
السلاح قد انقضى ، وأنه يجب أن يحتفظ لكل سلطة وطنية بحق اتخاذ قراراتها في دولتها
، مع ضمان أن تأتي تلك القرارات التي اتخذتها الدولة وهي في كامل سلطتها ، ويتخذها
الحكام وهم في كامل قواهم العقلية ، متفقة في مضمونها مع ما يريده المستعمرون .
كيف ؟
بـ " السوبرنطيقا " . علم التحكم غير المباشر . وهو علم نما ونضج في ممارسات الحرب العالمية الثانية ثم امتد بعدها ليطبق بنجاح في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وتطبقه الولايات المتحدة بمهارة في سياستها الدولية .
يبدأ الأسلوب بالسؤال : ماذا تريد السلطة الوطنية في الدولة المعنية ؟ .. وفي الإجابة على هذا السؤال تستعمل كل أساليب البحث العلمي والعقول الالكترونية ، ولا يقتصر البحث على الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية وعادات وتقاليد وتراث كل شعب فحسب ، بل يمتد وبعناية بالغة لدراسة "أشخاص" القادة في أدق تفاصيلها . ومن أول نوع القراءات والهوايات والامزجة الى اخر السلامة العقلية والنفسية والجسدية والمحيط الاسري أيضا . كل هذا يبدأ بالتخطيط البعيد المدى واصطناع وقائع في داخل الدول المعنية أو خارجها ، وعلى مستويات فردية ومستويات عامة .. ليصلوا في النهاية الى أن " تريد " السلطة الوطنية ـ بكامل استقلالها وحريتها في الاختيار ـ ذاك الذي يريده المستعمرون .. وبينما تكون عجلة الدولة تحت قيادتها الوطنية منطلقة على الطريق الذي اختارته ، تتفادى مخاطره ، وتلف مع منحنياته وهي حريصة تماما على سلامة القيادة ، مفتحة العينين حتى آخرهما ، فخورة بإرادتها الحرة ، تجد نفسها في النهاية في الموقع الذي كان يراد لها أن تصل اليه من قبل .. فمن بين كل الطرق عبّد لها طريق بعينه .. وعلى الطريق وضعت لها علامات : " من أجل سلامتك ، هدئ السرعة " .. " أمامك منحني خطير ".. " الاتجاه الى اليمين " .. " الطريق الجانبي مغلق ".. الخ .. وهي التي اختارت ... وهي التي سارت ... وهي التي احتاطت ... وهي التي وصلت ... ولكن الى حيث يراد لها ..
ولقد بدأت استعمال هذا الأسلوب مع مصر أيضا عندما عجزت الولايات المتحدة
الامريكية على اسقاط عبد الناصر بالطرق المباشرة . ودرست ظروف مصر ودرست شخصية
الرئيس الراحل وبدأ التخطيط الذي اشتركت فيه قوى كثيرة وهي في كامل وعيها وبدون أن
تدري وانتهى بها جميعا الى كارثة 1967
.. التصالح بين عبد الناصر وقيادة النظام القائم في سورية بعد صراع طويل . ثم
معاهدة دفاع مشترك مع ذات القيادة . ثم تصعيد الموقف بين سورية وإسرائيل . ثم
معاهدة دفاع مشترك مع ذات القيادة . ثم تصعيد الموقف بين سورية وإسرائيل . ثم
تهديد إسرائيل بغزو دمشق . ثم استغاثة سورية . ثم – وهنا حصيلة دراسة شخصية الرئيس
الراحل وشعوره الحميم تجاه سورية – أمر الرئيس عبد الناصر بتحريك القوات الى سيناء
. وكادت الخطة تفشل عندما قبل يوثانت أمين هيئة الأمم طلب عبد الناصر انسحاب قوات
الامن الدولية من القطاع الشمالي من الجبهة فقط . فطار بانش الأمريكي ومساعد يوثانت
في ذلك الوقت الى مواقع قوات الامن الدولية ليقنع الأمين العام الدولي بأن يطلب من
عبد الناصر اما التراجع عن طلب سحب القوات أو أن تنسحب من كل الجبهة . وكانوا
يعرفون مقدما ماذا سيكون رد فعل عبد الناصر . فلما أن انسحبت قوات الامن الدولي من
كل الجبهة ، أتموا اكمال الخطة بإثارة الملاحة في خليج العقبة .. ثم ، تحطيم
القوات المسلحة العربية في ضربة خاطفة . وكان ذلك هو المقصود قبل الأخير . فقد
كانت نهاية حساباتهم سقوط عبد الناصر فور الهزيمة . ولكن جماهير الامة العربية
أحبطت الخطة في جزئيتها الأخيرة . وفرضت الصمود وبدأت مرحلة صراع جديدة .
ونستطيع أن نضرب مما يدور في الوطن العربي حاليا ،
عشرات الأمثلة الأخرى . قادة وساسة وأحزاب وأفراد وصحف .. كلها تتحرك وهي في كامل
وعيها وتتخذ مواقفها بكامل ارادتها ، ولكنها لا تنفذ في الواقع الا ما يراد لها
ولا تقف الا الموقف الذي أوصلتها اليه قوى عاتية حريصة على الا تمس من قريب أو من
بعيد شعور الاعتزاز باستقلال الإرادة الوطنية . الاستقلال الشكلي . ما دامت تلك الإرادة
تحقق لها ما تريد .
هل هي عمالة ؟
ليس بالضرورة . ان العملاء الذين ينشطون بناء على تعليمات صادرة إليهم من الولايات المتحدة الأمريكية في مقابل أجور معلومة كثيرون في الوطن العربي ، ولكن ليس كل من ينشط لتحقيق ما تريده الولايات المتحدة عميلا لها . انه فقط ضحية عجز كفاءته عن أدراك أصول ومخاطر لعبة السياسة الدولية في عصر " السوبرنطيقا " .. وحتى العملاء الصريحون لم يعودوا يعملون بناء على عقود ثنائية الأطراف معقودة مع مخابرات الولايات المتحدة الأمريكية . يكفي بألف طريق وطرق غير مباشرة ، أن يستدرج الى نشاط اقتصادي أو مالي كشريك أو سمسار أو وكيل لأحدى المؤسسات الرأسمالية في أوروبا أو أمريكا وأن ينجح .. أي أن يمكنوه من تحقيق مزيد من الأرباح ، ليجد نفسه وقد " اقتنع " بأن المصلحة الوطنية لا تتحقق الا بالاقتصاد الحر ، ثم بالتعامل مع العالم الغربي ، ثم مع أقوى دول العالم الغربي أمريكا ، ثم ـ من أجل المصلحة الوطنية ـ لا بد من الحفاظ على مصالح أمريكا .. فيصبح "عميلا" موضوعيا بالرغم من أنه لا يقبض أجر عمالة ، ولم يمل عليه أحد آراءه ، ولم يحدد له أحد موقفه تحديدا مباشرا ..
كيف يمكن الافلات من هذه النتيجة الجهنمية ..؟
أولا ، وقبل كل شيء بان ندرك بأن أساليب الاستعمار قد تغيرت وتقدمت فلا
ننخدع فنتصور أنه ما دامت القوى الأجنبية لم "تطلب" منا أو
"تشير" علينا باتخاذ قرار ما فان هذا القرار يكون قد صدر ونحن نمارس
كامل ارادتنا الوطنية . لأننا عندما ننخدع يكون غرورنا هو الثغرة
"المدروسة" لتمر المضامين التي اخترناها بعد أن اختيرت لنا بعناية كبيرة
.
ثانيا ، ان نستغل الى أقصى درجة نقطة الضعف في أسلوب التحكم غير المباشر :
فله هو أيضا نقاط ضعف من كل أسلوب اخر . ونقطة ضعفه أنه يدفع بنا الى مواقف
استراتيجية غير معلنة من خلال ثغرات تكتيكية ، جزئية او مرحلية . يضع أمامنا في كل
جزئية أو في كل مرحلة أهدافا مغرية لنختارها ثم ينتقل بنا الى اهداف أخرى .. وهكذا
في سلسلة من الجزئيات نجد أنفسنا بعدها وقد أصبحنا أمام أمر واقع ولا بد لنا من أن
نقبله بعد أن قطعنا كل تلك المراحل اليه ونحن في كامل قوانا العقلية وبملء ارادتنا
. ان الاستغراق في التكتيك وفرحة تحقيق الانتصارات الشكلية أو الجزئية يرشحان أحسن
الناس نية ليكون ضحية سهلة للتحكم المباشر في حركته ، وبالتالي فان وسيلة الإفلات من
هذا الشرك هو الأهداف الاستراتيجية في كل مرحلة . واتخاذها مقياسا حاضرا في كل حين
لقياس مدى سلامة أية خطوة . التركيز – مثلا – على هدف استرداد أرض فلسطين المحتلة
منذ 1948 . سيضرب كل خطط التحكم غير المباشر التي تحاول الولايات المتحدة
الامريكية أن تصل بنا من خلالها الى الاعتراف بإسرائيل . ان الولايات المتحدة
الامريكية لن تطلب من منظمة تحرير فلسطين مثلا ان تعترف بإسرائيل . انها حتى لا
تعترف بمنظمة تحرير فلسطين . ولكن .. من مذبحة أيلول عام 1970 الى مذابح لبنان عام
1975 ، جرت وتجري أحداث في أماكن كثيرة من الوطن العربي بقصد أن تختار منظمة تحرير
فلسطين بكامل حرية ارادتها الوطنية أن ترسم على الخرائط الحدود الفاصلة بين دولتها
"الفلسطينية" والدول المجاورة ومن بينها إسرائيل ..
فهل ننتبه ، أم نذهب الى الهاوية
بكامل ارادتنا الوطنية ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق