بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاباحة / د.عصمت سيف الدولة .


الاباحة .


الدكتور عصمت سيف الدولة .


( من دفاعه فى قضية ثورة مصر )


( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم )


صدق الله العظيم



السادة المستشارون ،

249 ـ في بداية هذا الجزء الاخير من دفاعانا نريد ان نعيد ونحمد ما قاله المستشار عبد المجيد محمود المحامي العام فى بداية مرافعته يوم 10/4/1990 ، قال سيادته انه من المقررات والمسلمات والبدهيات ان اسرائيل هي اداة الصهيونية فى غزو الارض العربية من النيل الى الفرات ولن تقف دون هذا الهدف اتفاقيات ثنائية عقدتها اسرائيل مع مصر ولا السعي المتعثر لعقد مؤتمر دولي لتقرير سلام في المنطقة ووضع حد للمشكلة الفلسطينية انما يوقفه تكاتف الجهود العربية ووحدة الامة العربية . وقال سيادته انه من المقررات والمسلمات والبدهيات ان الثورة العربية فى فلسطين المحتلة قامت ولازالت وستستمر حتى تحقق املها فى النصر بازالة الكيان الصهيوني من على ارض فلسطين . واضاف سيادته انه من المقررات والمسلمات والبدهيات ايضا ان مصر وقفت خلف كل الاشكال النضالية التي تسعى لتحرير الارض العربية .
الدفاع يشيد بما قاله المحامي العام ممثل النيابة : ويتفق معه ، وهو سعيد ، فى ان كل تلك مقررات ومسلمات وبدهيات . لان كل تلك عناوين التاريخ الحي الذي عشناه ونعيشه جميعا ، ونلتقي كل يوم من حياتنا حتى هذا اليوم اضافة من احداثه . ولأننا عشناه عملا او عشناه علما ، وارتوينا به املا ، واكتوينا به الما ، ولم نزل ، فان مفردات احداثه على مداه منذ بدايته والى امد لا نعرف نهايته هي مكونات اساسية ورئيسية لعلمنا العام . ولقد كنا تحدثنا واطلنا فى بداية الدفاع عن العلم العام وحجيته في ثبوت الوقائع لاننا كنا نقدم من تلك البداية لهذه النهاية .
المشكلة التي تواجه الدفاع الآن هي كيف يدخل هذا التاريخ الطويل العريض فى حدود الدعوى الضيقة وفاء بما وعد من بقائه ـ حتى النهاية ـ داخل حدودها اشخاصا واسبابا وموضوعا . وكيف لاءم بين ما يليق به من مساندة دفاعه بما يعرف من احداث التاريخ وشجونه ، وبين ما لا يليق به من الحديث اليكم عن احداث التاريخ الذي تعرفونه ، اذ انتم تعيشونه . منذ اسابيع تشغلنا هذه المشكلة . ولقد تداولت فيها مع الزميل الكبير الاستاذ فريد عبد الكريم المحامي الذي اتعاون معه في الدفاع عن المتهم الاول . تداولنا ساعات طويلة واياما ، وانتهينا متفقين الى ان نقدم اليكم من هذا التاريخ الذي تعرفونه جملة وتفصيلا ما نستند اليه في الدفع باباحة الافعال المسندة الى المتهم الاول ، وباقي المتهمين ، بدون اخلال بالدفوع الخاصة ببطلان اسنادها .
والمعروف ان اسباب الاباحة في القانون تتطلب دائما طرفين : طرف ينشئ بفعله خطرا مهددا وطرف يرد بفعله هذا الخطر . وقد حاولنا ان نحدد الطرفين في تاريخنا المعلوم لنا جميعا . وانتهينا الى ان ثمة فريق المنظمة الصهيونية العالمية واداتها اسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الامريكية . وفى مواجهته فريق الامة العربية وقاعدتها وقائدتها  مصر الشعب وفلسطين المغتصبة وعلى هذا سيتحدث اليكم الزميل الاستاذ فريد عبد الكريم عن الموقف العربي وتكييفه القانوني فى علاقته بالدعوى . وذلك بعد ان انهي دفاعي بالحديث عن الموقف الصهيوني وتكييفه القانوني فى علاقته بالدعوى . فعسى ان يكون ما انتهينا اليه مرضيا .

الصهيونية ودولتها : 

250 ـ يهمني قبل ان استطرد ان اعود الى البدهية الاولى التي ذكرها المستشار عبد المجيد محمود . قال ان اسرائيل اداة الصهيونية . هذا قول على اكبر قدر من الجدية . وله اثار حاسمة فى هذه الدعوى . صحيح انه متداول منذ بداية الصراع فى كل ما كتب عن الصراع فى العالم ، فهو بدهي ، ولكن القدر المتيقن  من مصدر البداهة مستمد من ان الصهيونية سبقت دولتها اسرائيل تاريخيا وهي التي انشأتها ولكن يبقى ان نعرف معرفة يقينية علاقة الصهيونية بالدولة بعد ان انشأتها . من الفاعل ومن الأداة ؟ او من التابع ومن المتبوع ، ام انهما شيء واحد ؟ .. 
نبدأ بالصهيونية .

 

الصهيونية : 



251- نقول ، باختصار لان ما نقوله وأكثر معروف للكافة ، ان الاصل فى الصهيونية انها عقيدة . انها ليست رأيا ، ولا سياسة ، ولا موقفا . انها " عقيدة " مثل كل العقائد التي يؤمن بها اصحابها فتتلبسهم فيصبحون بها ، هم انفسهم ، ادوات طيعة لعقيدتهم حيث يحل الايمان محل الوعي محركا للارادة وبالتالي يصبح الحوار بقصد تغيير المواقف او السياسات او الاراء عبثا . فالعقائديون ـ كل العقائديين ـ لايجدي معهم الحوار ، الا اذا كانت عقائدهم ذاتها تدعوهم الى الحوار مع من يخالفهم بالحسنى كما هي عقديتنا الاسلامية . " وجادلهم بالتي هي أحسن " (صدق الله العظيم ) وكما هي العقيدة المسيحية ايضا اكثر العقائد تسامحا مع المعتدين " من ضربك على خدك الايمن فادر له خدك الايسر " او " احبوا اعدائكم ". لا نقارن هنا بين العقائد . هي لا تحصى عددا ، ولكنا نريد ان نؤكد ان الصهيونية عقيدة ؛ وهي عقيدة عند اصحابها مقدسة ؛ فهي قائمة على أسس من نصوص مختارة من كتاب "التوراة " التي  يتداوله اليهود وهو كتاب ظهر لاول مرة فى عهد الملك اليهودي يوشيا بعد وفاة موسى بن عمران عليه السلام بسبعة قرون كاملة .
هذا ثابت في ذات الكتاب المسمّى توراة ؛ سفرالملوك الثاني ؛ الاصحاح الثاني والعشرون ؛ حين يقص نبأ ما أمر به الملك يوشيا الكاهن الاعظم حلقيا من اعادة بناء الهيكل المتهدم فيقول في الاية 8 وما بعدها " قال حلقيا الكاهن الاعظم لشافان الكاتب (كاتب الملك) قد وجدت سر الشريعة في بيت الرب . وسلم حلقيا السفر لشافان فقرأه . وجاء شافان الكاتب الى الملك رد على الملك جوابا . قد أفرغ عبيدك الفضة الموجودة في البيت ودفعوها الى يد عاملي الشغل وكلاء بيت الرب . وأخبر شافان الكاتب الملك قائلا قد أعطانى الكاهن سفرا . وقرأه شافان أمام الملك . فلما سمع الملك كلام سفر الشريعة مزق ثيابه …" " لانه عظيم غضب الرب الذي اشتعل علينا من أجل ان آباءنا لم يسمعوا لكلام هذا السفر ليعملوا حسب كل ما هو مكتوب علينا  ".
المهم أن تلك الايات المنتقاه من التوراة المتداولة والمكونة للعقيدة الصهيونية تعلم المؤمنين بها أنهم " شعب الله المختار " وتضعهم فى موضع العزلة الممتازة من الشعوب الاخرى . وتسند التوراة هذا الاختيار الى اعجاب الله بقوة يعقوب ولذلك تحدّد لليهود المضمون العقائدي لامتيازهم على الاخرين بأنهم أقوى من غيرهم . ذلك لان الله اختارهم وأسمى يعقوب جدهم الاعلى باسم " اسرائيل" على أثر مصارعة قامت بين يعقوب وهو في طريقه الى أرض كنعان وبين الله ذاته فى صورة انسان ؛ لم ينهزم فيها يعقوب فأعجب به الله وباركه وأختاره . يقول كتابهم فى سفر التكوين ؛ الاصحاح الثاني والثلاثين الاية 25 وما بعدها " وصارعه انسان حتى طلوع الفجر ؛ ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه . وقال اطلقني لانه قد طلع الفجر فقال لا اطلقك ان لم تباركني ؛ فقال له ما أسمك فقال : يعقوب . فقال لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل اسرائيل ؛ لانك جاهدت مع الله والناس وقدرت . وسأل يعقوب وقال اخبرني بأسمك . فقال لماذا تسأل عن أسمى وباركه هناك . فدعى يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلا لانى نظرت الله وجها لوجه ونجيت نفسي ".
وهكذا أصبح المكون الاساسي للعقيدة الصهيونية " الايمان " بأن اليهود شعب قوي ممتاز اختاره الله فاختصه برعايته من دون البشر أجمعين . وحذره من الاختلاط بالشعوب الاخرى حتى لا تلوث نقاءه " اني أدفع الى ايديك سكان الارض فتطردهم من أمامك ؛ لا تقطع معهم ولا مع آلهتهم عهدا . لا يسكنوا في أرضك لئلا يجعلوك تخطئ " (سفر الخروج . اصحاح 23 آية 22 و 23) .
من هنا كانت الصهيونية عقيدة عنصرية ؛ وهو ما ستقرره الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد عشرات القرون ؛ لا استنادا الى تلك الآيات التوراتية ؛ ولكن حكم من أمم الارض عليها استنادا الى ممارسة معتنقيها . اذ لم يحدث ابدا أن خالف صهيونى واحد عقيدته الصهيونية .

252- المكون الاساسي الثاني من اركان العقيدة الصهيونية ان الله قد وعدهم بارض لهم خاصة دون البشر . أين هذه الارض من الارض . جاء تحديدها فى الآية 18 من الاصحاح 15 من سفر التكوين بالصيغة التالية :" فى ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام ( الاسم القديم لابراهيم ) ميثاقا قائلا لنسلك اعطي هذه الارض من نهر مصر الى النهر الكبير فى الفرات ، القينيين والقدوميين والحيثيين والفريزيين والرائييين والأموريين والكنعايين والجرجاشيين واليبوسيين ".
تلك ارض مسكونة . يبدو ان ثمة مشكلة .
ابدا . مفيش مشاكل .
فقد وعد الرب شعبه المختار بأن يقوده " الى الارض التي حلف لابائك ابراهيم واسحق ويعقوب ان يعطيك . الى مدن عظيمة لم تبنها وبيوت مملوءة كل خير لم تملآها وآبار محفورة لم تحفرها وكروم وزيتون لم تغرسها ". ( التثنية ـ الاصحاح 6 آية 10 ) .
كيف يتم هذا ؟.
سنعرف فيما بعد .
المهم ان نعرف الان ان احد اركان العقيدة الصهيونية ان لهم حقا الهيا فى الارض الممتدة من النيل الى الفرات بكل مافيها من ثروات وخيرات . فنفهم ، يجب ان نفهم حتى لانخطئ في حق انفسنا ، ان من يتوقع من معتنقي الصهيونية قبول ماهو اقل اتساعا من الارض الممتدة من النيل الى الفرات ، هو واهم عابث لا يخادع الا نفسه ، لانه يتوقع ان يغير الصهاينة عقيدتهم او يخونوها ..
بقيت مشكلة صغيرة . مشكلة ميراث .
فقد كان لابراهيم ولدان . اسحق من سارة  واسماعيل من هاجر والمفروض ، طبقا للوعد ، ان يكون لاسماعيل نصف الارض من النيل الى الفرات بصفته من نسل ابراهيم . 
لا . مفيش مشاكل والمسألة محلولة . 
فقد جاء في سفر التكوين اصحاح 21 ( آية 9 ـ 15) :" ورأت سارة ابن هاجر المصرية ( اسماعيل ) الذي ولدته لابراهيم يمزح . فقالت لابراهيم اطرد هذه الجارية وابنها لان ابن هذه الجارية لايرث مع ابني اسحق . فقبح الكلام جدا في عيني ابراهيم لسبب ابنه . فقال الله لابراهيم لا يقبح في عينيك من اجل الغلام ومن اجل جاريتك . في كل ما تقوله لك سارة اسمع لقولها ، لانه باسحق يدعى لك نسل ".
وهكذا حرم جدنا من الميراث .. ويا ليبت الامر وقف عند هذا الحد .

السادة المستشارون ،

253- ليست تلك الايات هي التي اتخذها الصهاينة عقيدة هي كل ماجاء في التوراة التي يؤمن بها اليهود وبعض المسيحيين اذ يسمونها العهد القديم ، ويتعصب لها بعضهم من معتنقي المذهب البروتستانتي . ومن هنا نفهم واقعة غير منكورة . هي انه اغلبية اليهود ، وعددهم نحو خمسة عشر مليونا ، ليسوا صهاينة ، اي لا يؤمنون بان لهم وعدا مازل قائما منذ ابراهيم بان تكون لهم ارض خارج الاوطان التي يعيشون فيها . بل ان فريقا منهم متعصبين ضد الصهيونية ، ومن رجال الدين . اولئك الذين يعتقدون ان اليهودية دين تنزل على اليهود ليحملوه الى البشرية جميعا ويكونوا هم قدوة لهم فى التقوى .
منهم الحاخام امرام بلاو الذي يعيش في فلسطين المحتلة قد كتب في " الجريدة اليهودية " فى 19 ابريل 1974 يقول :" انا نجد انفسنا في الارض المقدسة في وضع تعس ماديا وروحيا . ماديا لانننا نجد انفسنا محصورين في دولة قومية مستقلة تسمى يهودية تتناقض اسسها جميعا وطرقها مع عقيدتنا . لقد حذرنا حكماؤنا من هذه الظاهرة منذ الفي سنة مضت . ماتزال الدولة منذ ان قامت في حرب مستمرة واراقة دماء . لقد عاش اليهود دائما مع جيرانهم العرب . واننا على يقين اننا كنا قادرين على الحياة فى سلام مع جيراننا العرب في الارض المقدسة . اننا ندين بشدة اراقة الدماء في تلك الحرب المضادة لارادتنا وعقيدتنا . اننا نتطلع برعب للمستقبل الذي تنبأ به حكماؤنا لهذه الدولة المستقلة ".
ومنهم الحاخام د. كوهين الذي نشر في جريدة نيويورك تايمز يوم 29 يناير 1970 قوله :" ان مجرد اقامة دولة يهودية حديثة هو خرق للتقاليد اليهودية والقانون كما هو منصوص عليه فى التلمود . ان كبار الحاخامات من الجيلين الماضيين قد ادانوا الصهيونية منذ ظهورها كتشويه كامل لليهودية . ان اليهود ملزمون بحكم قوانينهم الدينية بالولاء للبلاد التى هم مواطنون فيها . انهم يأسفون للافعال والسياسات التي يرتكبها اولئك الذين ـ باستغلالهم  اسم اسرائيل ـ قد احلوا القومية الشوفينية ( المتعصبة ) محل التوراة التي تمثل الميراث المقدس للشعب اليهودي . ان الساسة الصهاينة ، ومن جرى مجراهم لا يعبرون عن الشعب اليهودي بل الحقيقة ان التآمر الصهيوني ضد التقاليد اليهودية والقانون يجعل من الصهيونية بكل نشاطاتها ورموزها اعتى عدو للشعب اليهودي في هذه الايام . ".
وغيرهما كثيرون …
اذن فليس كل يهودي صهيونيا ..
ولكن في مقابل هذا ليست الصهيونية مقصورة على اليهود . وان هذا لنذير الى كل الذين يخادعون انفسهم قبل ان يخدعوا غيرهم . ان كل من يعتنق ، او يقبل ، او يؤيد ، او يعترف بان لليهود جملة او لبعضهم حقا تاريخيا في الارض العربية الممتدة من النيل الى الفرات ، او في جزء منها هو صهيوني ولو لم يقبل فكرة الشعب المختار ، ولو لم يكن يهوديا ، ولو كان مسيحيا كما يجاهر تشرشل بأنه صهيوني ، ولو كان مسلما ، ولو كان عربيا ، ولو كان فلسطينيا .
على اي حال فان اعتناق الصهيونية ادى باصحابها الى ان يعيشوا معا في احياء خاصة بهم لا يختلطون بغيرهم . انها تلك الاحياء التي عرفت باسم " الجيتو " التي انتشرت في اوروبا في القرون الوسطى . وساعدهم على عزلتهم وثبت عقيدتهم انهم كانوا فى اوروبا محاصرين بتعصب كنسي يظن ان له ثأرا قديما : صلب المسيح ، ومازالوا على ذاك الوضع حتى بعد قيام الثورة الفرنسية وانتشار المذهب الليبرالي العلماني . وفى ظله استطاع ضابط يهودي ان يصل الى رتبة قيادية فى جيش نابليون الملك . ولكنه لم يلبث ان ضبط واتهم بتهمة الخيانة العظمى لنقله معلومات الى جيش النمسا اثناء الحرب ، انه جريفوس الشهير . فأقام اليهود الدنيا ولم يقعدوها حتى اعيدت محاكمته . ومع ان تهمته قد ثبتت مرة اخرى الا ان الحملة نجحت فى اطلاق سراحه . حينئذ اصدر صحفي من النمسا يدعى هرتزل كتابا اسماه " دولة اليهود " ودعا فيه الى ان حل مشكلة العداء الذي يلاقيه اليهود في اوروبا لا يكون الا بان يغتصبوا بموطن قومي لهم يقيمون فيه . وتلقف الكتاب المقيمون فى كهوف الجيتو وهكذا انعقد مؤتمر منهم فى بال بسويسرا فى عام 1897 اسفر عن انشاء " المنظمة الصهيونية العالمية " كاطار منظم لنشاط كل اليهود فى العالم بهدف اقامة الدولة الصهيونية . فتحولت العقيدة الى قوة منظمة .
254- وتتكون المنظمة من المؤتمر الصهيوني الذي يضم كل الصهاينة بالاضافة الى ممثلي مختلف المنظمات الصهيونية في العالم بما فى ذلك  المنظمات الحزبية يجتمع مرة كل اربع سنوات . ثم المجلس الصهيوني العام  الذي يقوم بدور المؤتمر  ما بين فترات الانعقاد ، وينعقد مرة واحدة على الاقل كل عام ، ثم اللجنة التنفيذية وهي الجهاز التنفيذي الرئاسي للمنظمة وتجتمع اسبوعيا . وتتبع اللجنة التنفيذية عدة اقسام عمل متخصصة :1- قسم الهجرة والاستيعاب .2- قسم هجرة الشباب . 3- قسم الشباب والريادة .4- قسم الاستيطان . 5- قسم التنظيم . 6- قسم الاعلام . 7- قسم العلاقات الخارجية .8- قسم التعليم والثقافة .9- قسم الخزانة . 10- قسم الادارة .
هذه المنظمة هي  التي اختارت فلسطين العربية عام 1904 لاقامة دولتها ورفضت ما كان معروضا على الصهاينة من اماكن اخرى لتكون وطنا قوميا مثل قبرص ، واوغندا ، والارجنتين . ولم يكن الصهاينة من قبل 1904 قد استقر رايهم على الارض التي يريدون اقامة " دولة اسرائيل " فيها حتى هرتزل نفسه الداعية الاول لاقامة الدولة . وحسمت المنظمة العالمية الصهيونية الامر فاختارت الارض العربية فلسطين قبل ما يقال له الاضطهاد اليهودي في روسيا القيصرية باعوام وقبل ما يقال له الاضطهاد اليهودي في المانيا النازية باكثر من ربع قرن . وحين اختارت المنظمة العالمية الصهيونية اغتصاب ارض فلسطين العربية اختارتنا نحن العرب لنكون ضحاياها . وفلسطين طبقا لعقيدتها ليست الا نقطة انطلاق الى ارض الميعاد من الفرات الى النيل .
هذه المنظمة هي التي تتقاضى اشتراكا ثابتا من كل صهيوني في العالم ، وتتلقى التبرعات وتبتز المعونات من كل يهودي وغير يهودي في العالم افرادا وجماعات ودولا . وهي التي انشأت " صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار " عام 1899 مقره الرسمي في اوروبا وجهازه العامل فى يافا . وهي التي انشأت " الصندوق القومى اليهودي " الذي ابتزت  الى موارده اموال اثرياء اليهود فى العالم وعلى راسهم اسرة روتشلد لشراء الاراضى في فلسطين لمنفعة الصهاينة المقيمين في فلسطين والمتجلبين اليها . وهي التي حصلت  من بلفور الوزير  الانجليزي على وعد باقامة موطن  قومي  لليهود في فلسطين العربية عام 1907 . وعد الذي لا يملك لمن لا يستحق كما قال الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر . وهي ، المنظمة العالمية الصهيونية التي جندت ودربت وسلحت جيشا سريا اسمته " الهاجناه "عام 1921 في فلسطين الذي بلغ عدد قواته عام 1946 ستين الف فرد و 700 ضابطا . ذلك الجيش الذي اغتصب جزءا من فلسطين بالقوة عام 1948 قبل ان يصبح علنيا فيغتصب باقي فلسطين والمرتفعات السورية المعروفة باسم " الجولان" وارض سيناء في سلسلة من الحروب العدوانية مالاتزال مستمرة .
وهي ، اي المنظمة العالمية الصهيونية ، التي اقامت على الارض المغتصبة  مؤسستها الصهيونية المسماة " اسرائيل " ، وهي التي تشرف وتوجه وتدبر تلك المؤسسة .
ما هو الدليل ؟..
255- الدليل الذي يستحق ان يطرح عليكم ، ايها السادة المستشارون ، لتدخلوه فى بناء حكمكم لا بد ان يكون مستمدا من التكوين الدستوري  والقانوني للدولة الصهيونية . ولقد ارهقنا العثور على مرجع قانوني موثوق بلغة ممكن ان نقرأها . هذه الدراسة  ، اي دراسة النظام القانوني والاساسي للدولة الصهيونية من الداخل مفتقدة تماما باللغة العربية . ويبدو ان الضمير العربي حتى لدى شراح القانون وفقهاءه ، اذ يرفض قيام دولة صهيونية على الارض العربية ، قد حول اهتمام اساتذة القانون عن مثل تلك الدراسة . على اي حال ، استطعنا ، بارشاد كتاب الفيلسوف الفرنسى رجاء جارودى عن " اسرائيل الصهيونية السياسية " الذى ترجم الى العربية تحت عنوان " المأزق " ان نعثر فى مخازن احدى دور النشر فى باريس على نسخة من كتاب نشر هناك عام 1977 ونفذ منذ سنين . مؤلف الكتاب الاستاذ كلود كلاين استاذ القانون فى الجامعة العبرية فى القدس ، ومدير معهد القانون المقارن بها . عنوان الكتاب " الطابع اليهودى لدولة اسرائيل ". الحقيقة ان هذه الترجمة لا تعبر بدقة عن معنى العنوان بالفرنسية وان كانت ترجمة حرفية له . الترجمة الدقيقة هي " الطابع اليهودى للدولة الخاصة باسرائيل " حيث تعنى كلمة اسرائيل هنا الشعب اليهودي وهو الاستعمال الشائع لها ، كقولهم عن الارض العربية " ارض اسرائيل " وهذا واضح مما تضمنه الكتاب من استناد الى بيان ديفيد بن جوريون رئيس وزراء الصهاينة فى مجلسهم المسمى الكنيست حين مناقشة قانون العودة عام 1950 اذ قال : " ليست اسرائيل دولة يهودية لمجرد ان اليهود يشكلون الاغلبية . انها دولة لليهود اينما يكونون ولكل يهودي يريدها .. ليست الدولة اليهودية هي التي تمنح اليهود حق العودة الى اسرائيل . هذا الحق سابق على وجود الدولة وهو الذى أوجدها ".
غاية الكتاب كما يبدو من مضمونه هو التدليل على أن الدولة صهيونية ولكن ليست عنصرية ولكن ؛ بالرغم من ذكاء المؤلف ؛ فان استناده الى وثائق تأسيس الدولة وقوانينها تكشف لنا ما نريد أن نكتشفه من تبعية الدولة للمنظمة الصهيونية .
256- ففي الفصل الاول من الكتاب يتحدث عن اعلان استقلال دولة اسرائيل الذي صدر يوم 14 مايو 1948 ؛ فيقول انه وثيقة موقعة من 37 عضوا هم أعضاء مجلس الشعب . فى الهامش من الصفحة ذاتها (صفحة 11 ) يذكر انه صدر في 14 مايو سنه 1948 وليس يوم 15 مايو سنة 1948 اليوم المحدد لانتهاء الانتداب البريطاني ؛ لان يوم 15 كان يوم سبت محرم العمل فيه دينيا نعرف من اللحظة الاولى قسوة التحكم الديني حتى فى أخطر أحداث نشأة الدولة . وفي هامش آخر في الصفحة ذاتها يبرز اسم " الوكالة الدولية " كمؤسس  و " الوكالة اليهودية " هي الاسم الذى كان يطلق على قيادة المنظمة الصهيونية العالمية فى فلسطين قبل عام 1948 .
وحين يتعرض الاستاذ كلاين لاعلان الاستقلال في صفحة 12 ؛ يقول : " الحقيقة ان الجزء الاول من الاعلان ليس الا استعادة للعقيدة الصهيونية العودة الى ارض اسرائيل " فاذا رجعنا الى نص الاعلان الملحق بالكتاب (صفحة 153) نجده يجرى هكذا :
" ان ارض اسرائيل هي الموقع الذي عاش فيه الشعب اليهودي . هناك تكون طابعه الروحي ؛ والديني والوطني ؛ وهناك حصل على استقلاله وخلق حضارات ذات ابعاد قومية وعالمية معا . وهناك كتب الكتاب المقدس وجعل منه منحة للعالم ". واكتسب هذا النص قوة دستورية من خلال تطبيق القضاء له . فى عام 1965؛ اصدرت المحكمة العليا حكما قالت فيه : " لا يمكن أن يثور اى شك ؛ كما جاء فى اعلان الاستقلال ؛ ان دولة اسرائيل ليس مجرد دولة ذات سيادة ؛ ومستقلة ؛ ومتحررة وقائمة على اساس سلطة الشعب ؛ بل هي ايضا قائمة على اساس انها دولة يهودية على ارض اسرائيل وان قيامها قد تحقق طبقا للحق الطبيعى والتاريخي للشعب اليهودي " ( صفحة 16 ) .
257- هكذا اقامت المنظمة الصهيونية العالمية دولتها على اساس من عقيدته الصهيونية أرضا وبشرا وسيادة . أما عن السيادة فمصدرها النصوص الدينية ؛ واما عن البشر فانها دولة اليهود جميعا وليست دولة المقيمين فيها فقط . وقد قننت الدولة هذا المبدأ الصهيونى بقانون العودة الصادر عام 1952 الذي تقول المادة الاولى منه : " لكل يهودي الحق في ان يهاجر الى اسرائيل ". واما عن الارض قد صدر قانون 24 نوفمبر 1953 بأن تؤول الى الدولة كل الاراضى التي كانت قد اشترته أو تملكته اوحازتها المنظمة الصهيونية .
وتحولت عام 1960 بمقتضى قانون  دستوري الى ارض الوطن التي لا يجوز تملكها أو التصرف فيها او أن يعمل فيها غير اليهود وأطلق عليها اسم " أرض اسرائيل ". وفى 10 يناير 1956 صدر قانون باعتبار اموال المنظمة الصهيونية وهي تحت يدها اموالا عامة مملوكة للدولة وجزء من ماليتها . كل هذا في اطار القانون الصادر فى 24 نوفمبر 1952 الخاص بالمنظمة الصهيونية ويحمل عنوانها والذي قنن واقع ان المنظمة المفتوحة عضويتها ، لكل اليهود ، السابقة تاريخيا على قيام الدولة هي التي اقامت الدولة  .. فنص في  المادة الاولى منه على ان " تعتبر دولة اسرائيل انجازا حققه الشعب اليهودي كله ". وتشير المادة 7 من القانون الى ان سيصدر اتفاق تفصيلي عن العلاقة بين الدولة وبين المنظمة الصهيونية . لم يورده الاستاذ كلود كلاين في كتابه .
يكفينا ان نعرف عن تلك الدراسة المتخصصة ان في الارض المحتلة سلطتين منظمتين . احداهما ، الاقدم وجودا ، والتي تمثل الشعب اليهودي في العالم اجمع وهي المنظمة الصهيونية العالمية ، التي انشأت الدولة . والمنظمة الثانية  هي الدولة القائمة على جزء من ارض الشعب اليهودي الموعودة  ويحمل جنسيتها  المقيمون بها وان كانت مفتوحة لكل يهودي يريد ان يقيم . نعرف ان المرجع الاخير لما تقوم به الدولة يعود الى المنظمة الصهيونية . اذ هي تمثل كل الشعب صاحب الدولة ، في حين ان الدولة لا يتبعها الا بعض هذا الشعب .
ارجو ان يكون هذا واضحا .
258- حينما اتخذت المنظمة الصهيونية العالمية قرارها عام 1904 بالاستيلاء على فلسطين ، كنقطة انطلاق شرقا الى الفرات وغربا الى النيل لم تكن في تلك الارض العربية ما بين النيل والفرات دولة ، اية دولة ،. لا ولا كانت ثمة دول من النيل غربا حتى حدود المغرب . المغرب فقط هو الذي كان دولة مستقلة . اما باقى الارض العربية  بما عليها من تنظيمات ومنظمات ادارية فقد كانت اجزاء من الامبراطورية العثمانية يتمتع بعضها بنسب متفاوته من الاستقلال الادارى الذاتى . وكانت مصر تحت الاحتلال البريطانى . من هنا يمكن القول بان التخطيط الصهيونى كان منذ بدايته يستهدف الارض ، ولا يستهدف اية دولة عربية . الامر اختلف حين بدأ الصهاينة ينفذون مخططهم بالاستيلاء على ارض فلسطين ، فلقد كانت اكثر الاقاليم العربية ، وعلى راسها مصر ، قد اصبحت عام 1948 دولا .
فشنت المنظمة الصهيونية ودولة الولايات المتحدة الامريكية على مصر سلسلة من الاعتداءات المسلحة .
259- اما بالنسبة للاولى فان واقعات الحرب تتلخص فى ان مصر والعالم العربي كله قد فوجئ بعد تأميم القناة بتآمر الصهاينة ، الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى القناة ، ومهاجمتهم مصر واحتلالهم سيناء حتى قبل ان تطأها قدم انجليزية او فرنسية . وانتهت تلك المعركة سياسيا باسترداد سيناء ثم جاء يوم الخامس من يونية 1967 فشنت مؤسسة الصهاينة " اسرائيل " هجوما عسكريا مباغتا ضد مصر . فدخلت القتال فورا كل من سورية والمملكة الاردنية الهاشمية تنفيذا لمعاهدة الدفاع المشترك العربى واتفاقيات دفاع ثنائية معقودة بينهما ومصر ودول عربية اخرى . واستطاعت مؤسسة الصهاينة " اسرائيل " ، خلال ستة ايام ان تدمر القدر الاكبر من قوات الدول الثلاث وان تحتل من ارض مصر شبه جزيرة سيناء حتى قناة السويس غربا . ومن الارض التى لمصر عليها سلطة الادارة : قطاع غزة  ومن المملكة الاردنية الهاشمية ما كان قد تبقى من ارض فلسطين غربى نهر الاردن . ومن سورية المرتفعات السورية المسماة " الجولان " . وفى يوم 8 من يونية 1967 اصدر مجلس الامن الدولي قرارا بوقف اطلاق النار . وابتداء من يوم اول عام 1969 استأنفت مصر القتال فيما عرف بحرب الاستنزاف وتوقف القتال مرة اخرى لمدة ثلاثة اشهر تبدأ من الاول من اغسطس 1970 ثم تجددت المدة مرتين . هذا وبقيت حالة  الحرب قائمة الى ان جاء 6 من اكتوبر 1973 وفيه شنت القوات المصرية والسورية هجوما مشتركا ، تدخلت فيه بعد بدئه كل الدول العربية ، انتهى بالنسبة لمصر بتحرير القناة وتدمير حصون العدو المعروفة باسم " خط بارليف " ، والتقدم في الارض المحتلة مسافة تتراوح بين 7 و17 كيلو مترا شرقي القناة . وفي اثنائه اخترقت قوات العدو خط القتال وعبرت القناة غربا من منطقة " الدفرسوار " واتجهت بعض فصائلها الى مدينة السويس . وفي الجبهة الشمالية استردت المرتفعات التي حررتها القوات السورية في الايام الاولى للقتال وتقدمت الى ما يلي خط بدء القتال الى قرب قرية سعسع . وفي يوم 19 اكتوبر 1973 قبل السيد انور السادات ايقاف اطلاق النار فاصدر مجلس الامن يوم 22 اكتوبر 1973 قرارا برقم 338 دعا فيه الاطراف المتحاربة الى وقف اطلاق النار فنفذته مصر ولم ينفذه الصهاينة . فاصدر المجلس قرارا رقم 339 يوم 23 اكتوبر 1973 ، وقرارا ثالثا 340 يوم 25 اكتوبر 1973 انشأ به قوات الطوارئ الدولية لفض اشتباك القوات المتحاربة واعادتها الى مواقعها التي كانت فيها يوم 22 من اكتوبر 1973 فلم ينفذه الصهاينة . هنا تخابرت حكومة مصر مع حكومة الولايات المتحدة الامريكية تخابرا انتهى الى اتفاقية فض الاشتباك التى وقعت يوم 18 من يناير 1974 . كان من اثارها المعلنة انسحاب القوات المحتلة من غرب القناة الى شرقها على بعد 17 كيلو مترا ، وتراجع القوات المصرية عن الارض التي حررتها مسافة عشرة كيلو مترات اصبحت منطقة عازلة رابطت فيها قوات الطوارئ .
اما بالنسبة للثانية ، دولة الولايات المتحدة الامريكية ، فقد برز دورها كشريك في الحرب في مجلس الامن الدولى . فعلى اثر العدوان الصهيوني انعقد المجلس وحاولت كل الدول الممثلة فيه ودول كثيرة اخرى ، ان يصدر قرارا بايقاف اطلاق النار وعودة القوات المتحاربة الى مواقعها السابقة على الخامس من يونية 1967 اعمالا لنصوص المواد الاولى والثانية والثالثة من ميثاق الامم المتحدة التي تحرم العدوان المسلح والاستيلاء على الاراضي بالقوة . ولكن الولايات المتحدة الامريكية ، وهي احدى الدول الخمس التي لها حق الاعتراض ( الفيتو ) على قرارات مجلس الامن اصرت وحالت باصرارها دون اصدار مثل هذا القرار الذي يعتبر ذا صيغة تقليدية لم يشذ عنها المجلس ابدا في الحالات المماثلة السابقة . وفرضت الولايات المتحدة ارادتها ببقاء الاحتلال الصهيوني وحمايته فاصدر المجلس قرارا بايقاف اطلاق النار بدون نص على الانسحاب .هكذا بدأ واستمر احتلال سيناء وقطاع غزة والمرتفعات السورية والضفة الغربية بدعم سياسي مباشر من الولايات المتحدة الامريكية . الا انه قد تبين فيما بعد ان الولايات المتحدة الامريكية  كانت شريكة فى الاعداد والتوقيت والتخطيط لعدوان يونية 1967 وانها كانت قد حاولت اكراه مصر بالوسائل غير العسكرية على قبول سيطرتها فلما فشلت بيتت النية لتنفيذ ارادتها بالقوة المسلحة . وانها اشتركت قبل العدوان اشتراكا مباشرا في نشاط يعتبر من صميم العمليات الحربية وذلك بخديعة مصر لتمكين القوات المسلحة المعتدية من مفاجأتها بالضربة الاولى التي أطاحت بسلاح الطيران وحسمت المعركة منذ البداية وانها قد تولت توقيت بدء القتال ، أما عن محاولة اكراه مصر عن غير الطريق العسكري على قبول سيطرتها وفشلها واتجاه نيتها الى القتال بعد هذا فقد اعترف به واعلنه السيد انور السادات فى حديثه الذي نشرته مجلة " الحوادث " اللبنانية يوم 8 من اغسطس 1975 عندما قال :" معركة المواجهة الطويلة التي دارت بعد 1965  بين مصر وامريكا هي التي جعلت واشنطن تتحفز اولا ثم تقطع المعونة عام 1965 ثانيا . لقد ارسلوا وكيل وزارة الخارجية ( تاليوت ) في اوائل 1965 بانذار كان الاول من نوعه . كانوا يريدون تحديد عدد القوات المسلحة وكانوا يطالبون بحق التفتيش عليها بكذا وكذا . كان انذارا استفزازيا جعل عبد الناصر يرفضه رفضا كاملا . وقطعت المعونة ودخلت المواجهة في دور شديد صحيح ان المواجهة كانت قد بدأت قبل ذلك ولكن في هذه الفترة دخلت في دور متطور او دور نستطيع ان نقول عنه نقطة اللاعودة " . فسئل : " يعني اصبحت امريكا طرفا فى المواجهة ". فقال "بالضبط " اما نشاط امريكا المخادع بقصد تمكين القوات المسلحة المهاجمة من مفاجأة القوات المصرية فقد اعترف به واعلنه السيد انور السادات في خطابه يوم 11 يناير 1971 حين قال :" ان امريكا نفت ونسيت وتجاهلت ابلاغها الرسمي لنا بضمان السلام قبل حرب 1967 وانها ضد من يبدأ  العدوان . لكن احنا مش ناسيين ، وله حساب ، وضروري له حساب ". اما عن تولي الولايات المتحدة امر تحديد بدء القتال عام 1967 فقد اعترف به واعلنه السيد انور السادات في خطابه المشار اليه بقوله :" على امريكا ان تعلم ان الذي اعطى اشارة البدء بالحرب هو الرئيس الامريكي جونسون ولن ننساه ".
وقد استمر الموقف الامريكى على هذا الوجه حتى حرب اكتوبر 1973 وازداد ضراوة فاشتركت الولايات المتحدة الامريكية في تلك الحرب اشتراكا مباشرا . فقد اعترف السيد انور السادات واعلن في خطابه امام المؤتمر القومي يوم 12 من نوفمبر 1970 :" اعلنت امريكا على لسان وزير خارجيتها  ان لاسرائيل ان تأخذ ما تشاء من اسلحة من ميزانية وزارة الدفاع الامريكية ماعدتش محتاجة الى قرار لا من الكونجرس ولا من مجلس الشيوخ بتاعهم وكأنها الولاية الواحدة والخمسين ". وفي الخطاب ذاته قال :" ما بقتش امريكا بتتبني ادعاءات اسرائيل . لا. ابتدأت فى شن حملة نفسية كبيرة جدا ضدنا وما اكتفوش بكده ابتدأوا يعطلوا في اجتماعات الدول الكبرى ونسفها ". وقال في خطابه امام المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى يوم 3 من بناير 1971 :" ان امريكا انتهزت فرصة وقف اطلاق النار وفرصة احداث الاردن .. وما بعدها فى الايام السوداء ونحن فى مأتم فضغطوا ضغطا عنيفا كعادة التجار الذين لا خلق لهم ولا ضمير ". وقال فى خطابه الذى القاه فى اسيوط يوم 10 من يناير 1971 :" ان امريكا تقف خلف اسرائيل بأن لا تجلو من اي شبر ". و " الامريكان هم الاعداء الاصليين وليس الاسرائيليين لان اسرائيل خط الدفاع الاول لمصالح امريكا في المنطقة ". وقال فى اليوم التالى 11 من يناير 1971 في خطاب بالمدينة ذاتها :" امريكا تعطي السلاح وتريد ان تذل كرامتنا ". وقال في  خطابه في افتتاح الدورة الاولى لمجلس الشعب بتاريخ 11 من نوفمبر 1971 : " اننا نعتبر الولايات المتحدة الامريكية هي المسؤول الاول عن اسرائيل . ان سيل الاموال الذي يتدفق في الاقتصاد الاسرائيلي والسلاح الذي تمسك به اسرائيل يجىء به كله من الولايات المتحدة الامريكية . ان طائرات الفانتوم التي اغارت  على مدننا ومصانعنا وعلى مدارسنا ليست مجرد صناعة امريكية فحسب ، ولكنها عطاء امريكي لاسرائيل ". ونشرت جريدة الاهرام يوم 2 من ابريل 1972 قوله :" نحن نعرف اين تقف امريكا وما هي سياستها واهدافها ، امريكا تدعم اسرائيل لتحافظ على استغلالها لثروة العرب ". وقال في خطابه في الاسكندرية يوم 27 يونية 1972 :" ان موقف امريكا هو عملية استدراج لكي نسلم ولكن امريكا بعساكرها ليست ربنا " . وقال في خطابه المنشور يوم 29 من ديسمبر 1972 في جريدة الجمهورية :" نحن نواجه امريكا مع اسرائيل ". وفي 9 من يناير 1973 قال في حديثه مع نقيب الصحافيين اللبنانيين : " انه لا امل في ان يكون لامريكا نظرتها الموضوعية ازاء مشكلة الشرق الاوسط وذلك ان امريكا تمد اسرائيل بسيل جارف من الاسلحة ". وقال في خطابه في عيد الثورة 23 يوليو 1973 :" ان سياسة امريكا تنطلق من منطلق واحد وهو تجميد الموقف وفرض الامر الواقع . جونسون هو نيكسون . سياسة واحدة وتخطيط واحد . وسيسير من يخلف نيكسون على نفس الخط ". وفي يوم 29 من سبتمبر 1973 قبل معركة اكتوبر باسبوع واحد قال في تصريح نشرته جريدة الاهرام :" ان تحرير الارض المحتلة ليس موضع مناقشة ولا مساومة مع امريكا وان استخدام الفيتو في مجلس الامن لحماية اسرائيل خير دليل لتحديد موقف امريكا بالكامل ".
ثم جاءت معركة اكتوبر 1973 فقال بعد بدء القتال بعشرة ايام في خطاب القاه امام مجلس الشعب يوم 16 اكتوبر 1973 :" ان الولايات المتحدة ، بعد ان فتحنا طريق الحق بقوة السلاح اندفعت الى سياسة لا نستطيع ان نسكت عليها او تسكت عليها امتنا العربية ذلك انها اقامت جسرا سريعا تنقل به المعونات والمساعدات العسكرية لاسرائيل . ان الولايات المتحدة تقيم جسرا بحريا وجويا لتتدفق منه على اسرائيل  دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة ، وصواريخ جديدة والكترونيات جديدة ". وكشف السيد انور السادات فيما نشرته مجلة "الحوادث " اللبنانية يوم 8 من اغسطس 1975 عن موقف امريكا فى احرج المواقف العسكرية فقال :" حادثة اخرى ارويها لك تؤكد الالتزام الامريكى مع اسرائيل . ففى 11-12 ديسمبر 1973 جاءنى الدكتور كيسنجر ليبحث معي موضوع عقد مؤتمر جنيف بالدرجة الاولى وكان جيب " الدفرسوار " موجودا ، وكان لنا حول الجيب 800 دبابة ، بخلاف خمس فرق كاملة حشدناها شرق القناة منها الفرقتان التابعتان للجيش الثالث .
وهذه الفرق الخمس بكامل اسلحتها ودباباتها ومعداتها تكون حلقة تحيط باليهود مع حائط صواريخ اروع من الحائط الذي اشتكت منه اسرائيل ". وسألني كيسنجر انت  ناوي تعمل ايه ؟.. فقلت : هذه اعظم فرصة لتصفية الجيب الاسرائيلي لقد تورطوا فى دخول منطقة لا تتسع لاكثر من لواء او لوائين من الدبابات فادخلوا اربعة الوية ، على اساس انها عملية سياسية او كما سميتها من قبل "معركة تلفزيونية " فلا هم قادرون على الدخول الى الكثافة السكانية  في مصر ، وليس من السهل ان ينجحوا في قطع المائة كيلو متر حتى يصلوا الى القاهرة  عن طريق الصحراء . وفرقي جاهزة لتقفل الممر الذي اوجدوه بين قواتي في اقل وقت ممكن ، والخطة موضوعة وجاهزة تنتظر صدور الاوامر . وقال كيسنجر : كل ما تقوله صحيح ، وقد تلقيت من البنتاغون قبل ان احضر لاقابلك تقريرا كاملا بعدد الدبابات التى اعددتموها . عندك دبابات كذا وعدد بطارياتك وصواريخك كذا ، والقوات المحتشدة حول الجيب قادرة فعلا على تصفية الجيب ولكن لا بد من ان تعرف ماهو موقف امريكا . اذا اقدمت على هذه المعركة فستضرب . هذه هي السياسة الموضوعة لم تتغير ". واخيرا اعترف السيد انور السادات واعلن باكثر الكلمات صراحة يوم 16 من سبتمبر 1975 انه في ليلة 19 من اكتوبر 1973 : " في هذه الليلة بالذات كان بقي لي عشرة ايام اواجه امريكا بذاتها . اتخذت من العريش  خلف خطوطنا مباشرة بكل وضوح قاعدة وكانت بتنزل في العريش  علشان الامدادات  تروح للجبهة في اقل وقت ممكن . طبعا كل شيء كان فى خدمة اسرائيل وبعدها عرفت انه كان القمر الصناعي الامريكي بيصور كل يوم ولما انتقلت فرقة من فرقنا المدرعة من الغرب الى الشرق كطلب سوريا لتكثيف عملنا العسكري علشان نجدتها على جبهتنا احنا صوروا الامريكان هذا ونقلوه للاسرائيليين ووضعت عملية الثغرة من وقتها وكل الكلام ده قاله اليعازر فى مذكراته مش محتاج ان احنا نستشهد باحد عليه ـ رئيس الاركان الاسرائيلى المعزول ـ قاله فى مذكراته ... يوم 19 اكتوبر لقيت انني احارب امريكا عشرة ايام لوحدي فى الميدان ونزلت امريكا بكل ثقلها ".
260- ولقد اقر بالاشتراك في حرب 1973 ضد مصر ريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة الامريكية الاسبق ، فقال في كتاب " 1999 نصر بلا حرب " : " لقد امرت في حرب 1973 ببناء جسر جوى ضخم للمعدات والمواد التى مكنت اسرائيل من وقف تقدم سوريا ومصر على جبهتين ". هذا الكتاب مترجم ومنشور باللغة العربية نقدمه الى المحكمة الموقرة . اعده وقدم له المشير محمد عبد الحليم ابو غزالة . وشهد علنا فى مقدمته على ان " ماكتبه الرئيس الامريكى السابق نيكسون عن اسرائيل يستلزم منا قراءة متعمقة . فهو صاحب قرار الجسر الجوي الامريكي الرهيب الذي حمل لاسرائيل المواد والمعدات العسكرية التى أنقذت آداءها العسكرى في أكتوبر 1973 . يقول الرئيس نيكسون ان هناك التزاما امريكيا ببقاء وامن اسرائيل . وذلك امر نعرفه ". 

السادة المستشارون ،

261- ان المادة 17 من الاتفاقية الخامسة من اتفاقيات لاهاي الخاصة بالحرب التي ابرمتها الدول عام 1907 وما تزال مرجعهم في تحديد المواقف القانونية من الحرب والسلام تنص على ان الدولة المحايدة تصبح شريكة في الحرب اذا قامت باعمال عدائية  نحو احد المتحاربين . ومن بين الاعمال العدائية التي تنفي موقف الحياد كما حددتها تلك الاتفاقيات الاشتراك في القتال الفعلي او تقديم المساعدات او الذخائر الحربية او الاعانات المالية او نقل المهمات الحربية . وتنص المادة السادسة من الاتفاقية الثالثة عشرة صراحة على انه محرم على الدولة المحايدة ان تقدم لدولة محاربة ، مباشرة او بالواسطة اي مراكب حربية او ذخيرة او مهمات عسكرية .
بناء على ما تقدم لا شبهة  اطلاقا فى ان الولايات المتحدة الامريكية كانت مع مؤسسة الصهاينة "اسرائيل " في حالة حرب ضد مصر ، واقعيا وقانونيا وطبقا للاتفاقيات الدولية .
كما لايمكن ان تقوم شبهة في ان قرار مجلس الامن الصادر يوم 8 من يونيو 1967 بايقاف اطلاق النار بدون نص على الانسحاب ، وقرار مجلس الامن رقم 242 الصادر في يوم 21 من نوفمبر 1967 الذي علق الانسحاب على شروط اخرى ، قد جاءا مخالفين لميثاق الامم المتحدة اذ انطويا على مخالفة المادة الثانية منه عندما قبلا ضمنا او صراحة استيلاء مؤسسة الصهاينة "اسرائيل " بالقوة على الارض العربية فهما باطلان وغير ملزمين بالنسبة لمصر بالذات . يرجع هذا الى انه عندما عرض ميثاق الامم  المتحدة للتصديق على مجلس الشيوخ المصري في دور الانعقاد غير العادي يوم 11 من اكتوبر 1945 ابدى على الميثاق تحفظين قبلتهما الحكومة  وتصدق عليه في ظلها . التحفظ الثانى منهما نصه :" ليس فى احكام هذا الميثاق ما يتعارض او يمكن ان يؤدي الى حالة تتعارض مع استقلال اية دولة من الدول الموقعة عليه استقلالا كاملا منجزا بل المفروض من هذه الاحكام وبخاصة احكام المادة الاولى والمادة الثانية والمادة الرابعة عشرة  والمادة 103 ان الميثاق يرمي الى ان يكفل بعملية مشتركة الاستقلال الكامل المنجز لجميع هذه الدول على قدم المساواة " ( اقترح التحفظ المرحوم محمد صبري ابو علم وقبله من الحكومة رئيسها المرحوم محمود فهمي النقراشي وثبت في مضبطة جلسة 11 من اكتوبر 1945)  وادراكا لتناقض هذين القرارين مع ميثاق الامم المتحدة وبالتالي عدم نيلهما من حق مصر في الدفاع الشرعي عن نفسها عن طريق القوة المسلحة لم يتردد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الذي كان قد قبلهما في ظروف عجز كامل عن المقاومة ، في اطراحهما وعدم الاعتداد بهما واستئناف القتال ابتداء من اول سنة 1969 ، بمجرد ان تيسرت له امكانيات القتال المادية .

السادة المستشارون ، 

262- لماذا تحاربنا الولايات المتحدة الامريكية . ولماذا اشتركت في حرب عدوانية شنتها مؤسسة الصهاينة ودولتها دون انسحابها بالضغط السياسي مرات وبالقتال مرات وبالتهديد بالقتال مرات وبامداد الشريكة الصغيرة بمعدات القتال دائما . هل هي خدمة للصهاينة او لانهما  فريق واحد ضد الامة العربية يتشاركان في قهرها ليحقق كل منهما اهدافه الخاصة ؟. وماهي اهداف امريكا حينئذ ؟.
يجيب الرئيس السابق انور السادات وهو يتحدث من موقع المسؤولية الدستورية من رئاسة الجمهورية حيث تتجمع كل المعلومات السرية والعلنية  فيقول في 3 يناير 1971 : " هدف واستراتيجية امريكا واسرائيل يتشكل في هدفين :
1- عدم تنفيذ قرار مجلس الامن الذى ينص فى اول كلمة منه على عدم شرعية الاستيلاء على الارض بالقوة .
2-            جعل وقف اطلاق النار وقفا دائما لان هذا هو انسب وضع يمكن ان تعيش فيه امريكا واسرائيل ليدخلوا القضية في الحرب الباردة وتبقى عشرين سنة اخرى ". وقال في خطابه بمدينة اسيوط يوم 11 من يناير 1971 :" ان امريكا تطالبنا بتنازلات . انني اعلن ان هذا موقف ابتزازي رخيص نرد عليه باننا نريد ان نرد على ما حدث للسويس والاسماعيلية ". وقال فى خطابه بمناسبة انتهاء العمل في السد العالى بتاريخ 15 من يناير 1971 :" ان الوعد الامريكى المكسور المنقوص في السد العالى حلقة من سلسلة مستمرة بما لا يترك مجالا للاعتقاد الا بأن ما نحسه هو خط سياسي امريكي مرسوم يعادي آمال الامة العربية ويهدد تطلعاتها المشروعة في تطور سلمي يبني الحياة ولا يستنزف نفسه في الحرب ". وقال في خطابه في افتتاح الدورة الاولى لمجلس الشعب بتاريخ 11 من نوفمبر 1971 :" اوضح الاهداف الامريكية في المنطقة هي :
1-            اخراج الاتحاد السوفيتى منها ونحن نرى ان الاتحاد السوفيتى صديقنا في الحرب وصديقنا في السلام .
2-            عزل مصر عن الامة العربية . ونحن لا نستطيع القبول تاريخيا ومصيريا بمثل ذلك لان مصر جزء من الامة العربية قدرا ومستقبلا .
3-            ضرب التجربة الاشتراكية فى مصر . ونحن نؤمن بطريقنا في التطور ونصمم عليه الى آخر المدى . اننا نعتبر الولايات المتحدة الامريكية هي المسئول الاول عن اسرائيل . ان سيل الاموال التي تتدفق في الاقتصاد الاسرائيلي والسلاح الذي تمسك به اسرائيل يجيء الان كله من الولايات المتحدة . ان طائرات الفانتوم التي اغارت على مدننا ومصانعنا وعلى مدارسنا ليست مجرد صناعة امريكية فحسب ولكنها عطاء امريكي لاسرائيل . ومع معرفتنا لنوايا الولايات المتحدة الامريكية ازاء الشرق الاوسط بالذات فان امريكا نحت جانبا قرار مجلس الامم ثم تجاوزت دور السكرتير العام للامم المتحدة وتجاهلت دور الدول الاربعة الكبرى في تنفيذ قرار مجلس الامن ".
تلك هي الحرب الظاهرة لم نبدأها نحن … فهل نقاتلهم أو لا نقاتلهم .
هذا هو السؤال ..

السلام .

السادة المستشارون .

263 ـ ويقولون السلام . وتتحدث النيابة طويلا عن العدالة والامن والاستقرار الذي جنى عليه المتهمون بعد ان اختاره فقبله فارتضاه الشعب . تعني الشعب العربي في مصر . اما السلام القومي العربي فقد اجتنبت الحديث عنه .
ماعلينا ..
اولا ، ايها السادة المستشارون ، اذا كانت ثمة امة في الارض يمكن ان تختص بنسبة السلام اليها فهي الامة العربية ، اذ السلام عنصر من تكوينها الحضاري الاسلامي . دخل نسيجه منذ بداية تكوينه . فهي منذ البداية امة " الطلقاء " . قاتلنا اعداؤنا الكافرون يوم فتح مكة ، وجزوا منا الرقاب ، وهتكوا جدر صدورنا بالحراب ، ومازلنا نقاتلهم حتى هزمناهم فاستسلموا امامنا ونحن وهم واقفون في برك من الدماء ، دمائنا ودمائهم ، تحيط بنا جثث القتلى والشهداء ، قتلاهم  وشهدائنا . قالوا ما انتم فاعلون بنا . فقال قائدنا ورسول الله ، اذهبوا فانتم الطلقاء . فاصبح العفو عند المقدرة سنه من سنن ديننا وقيمة من قيم حضارتنا .
ومنذ ذلك اليوم العظيم ، وعلى مدى تكوين حضارتنا وامتنا ونحن نستمع ونردد ونصلى بآيات الله البينات التي تحبب الينا العفو وتختاره لنا بديلا عن الانتقام ." وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم "( التغابن ـ 14 ) ."وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله "(الشورى ـ 42) " وليعفوا وليصفحوا الا تحبون ان يغفر الله لكم "( النور ـ  24 ) .
ولم يكتب علينا القتال الا في حالات ثلاث :الاولى : دفاعا ." وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا "( البقرة ـ 190 ) . والثانية للحفاظ على الدين والوطن ." لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم "( الممتحنة 8 و9 ) . والحكم فيها " واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم "( البقرة 191 ) . ثم الحالة الثالثة رفع الظلم عن غير القادرين على رفعه " ومالكم لاتقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان "( النساء ـ 75 ) .
فمن ذا الذي يدعي ان امتنا تحتاج الى من ينصحها بالسلام وهي امته .
المشكلة ليست هنا ، المشكلة ان ثمة في الارض شعوب وحكومات ودولا تريد وتعمل على ان تفرض علينا الاستسلام بالحرب ثم توهمنا بانه السلام . انها خديعة . ونحن اول امة تلقت درس " ان الحرب خديعة ". وحديث العدالة والامن والاستقرار حديث دفعت امتنا ثمنا لما فيه من مخادعة . اعظم حكامنا على الاطلاق . عمر بن الخطاب . قالوا ومازلنا نتذكر ماقاله عربي مخاطبا اول امير للمؤمنين :"حكمت فعدلت فأمنت فنمت " . ومازلنا بما نقول فرحين . ولو قرأنا تاريخنا قراءة شاملة لقلنا " حكمت فعدلت فأمنت فنمت .. فقتلت ".. اذ ماجدوى الامن والسلام والاستقرار اذا كانت قد سلطت علينا شعوب ودول خطرة ومقاتلة ومخربة ؟.
264- الذين يتحدثون عن السلام بيننا وبين الصهاينة ، والذين اعتبروا ان " معاهدة السلام" التي ابرمها رئيس الجمهورية السابق ، حدثا تاريخيا فذا غير مسبوق ينسون اننا كنا مع تلك المنظمة الجهنمية مسالمين الى حد الغفلة قبل ان نفيق واذا بها وقد اخرجتنا من ديارنا واستولت على جزء من وطننا . نحن نقص عليكم قصة تجربة السلام الطويلة التي مكنت الصهاينة منا ومن ارضنا ..

التجربة المرة للسلام .

265- كان المقر المعلن للمنظمة الصهيونية العالمية المانيا ثم انجلترا ثم الى القدس تحت اسمها الحركي " الوكالة اليهودية " . اما في مصر العربية فكان آباؤنا يعرفونها باسمها الاقرب الى الصراحة :" الاتحاد الصهيونى " ومقره 116 شارع عماد الدين بالقاهرة وشعاره المعلن " نشر الاهداف الصهيونية في فلسطين ".
نعم ايها السادة المستشارون ،
فقد استطاعت هذه المنظمة الجهنمية ان تنشئ لها فرعا في القاهرة عام 1917 تحت رئاسة ليون كاسترو وسكرتيرها الخطير اميل نجار المحامى وتصدر مجلة تنطق باسمها عنوانها " المجلة الصهيونية " وتتخذ من نجمة داوود المطبوعة حاليا على علم اسرائيل شعارا مطبوعا على صفحاتها الاولى ، وتكتب صراحة في عددها الصادر يوم 11/1/1918 ان هدفها :" خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يتحدث فيه اليهود بلغتهم ويحققون لانفسهم بداخله الحرية والعدالة ويجعلون من القدس قلب اليهود النابض ".
ثم توالي المنظمة العالمية الصهيونية التغلغل في العقل العربي في مصر عن طريق صحف تنشرها جريدة " الاتحاد الاسرائيلى " عام 1924 ، وجريدة " الشمس " عام 1934 ، وجريدة "المنبر اليهودي " عام 1936 ، وجريدة "الكليم " ، وجريدة " اسرائيل " لصاحبها الصهيوني الكبير البرت موصيري وشعارها الدعوة الى النضال من اجل اسرائيل ، وجريدة " التسعيرة " لصاحبها البير مزراحى التي كانت تنافس الصحف الصهيونية الاخرى في نشر اعلانات بيع قطع ارض من فلسطين بالتقسيط المريح .
وتدفع المنظمة الجهنمية بعملائها الى مواقع التأثير في توجيه الراي العام في مصر . فالسكرتير العام لنقابة الصحفيين المصرية وكان اسمها " رابطة الصحفيين " هو جاك رايان صاحب جريدة " المنبر اليهودي " ومدير شركة الاعلانات الشرقية التي تصدر صحفا بالانجليزية والفرنسية هو هنري حاييم ، ورئيس تحرير جريدة " البورص " والمستشار المالي لجريدة " جورنال دي ايجبت " هو روبن بلوم . ومدير مكتب جريدة المصري بالاسكندرية الصهيوني ايلي بوليني ، ومدير الاعلانات بجريدة الاهرام صهيوني ، وفي جريدة الاساس يكمن الصهيوني المسمى كوهين .
اما اصحاب مجلة " الكاتب المصري " والدار التي تصدرها " دار الكاتب المصري للطباعة والنشر" التي كان يكتب فيها عدد من المصريين المرموقين فهم عائلة هراري الصهيونية بدون شريك .
كيف استطاعت المنظمة الجهنمية تسخير عدد من المفكرين والكتاب النابهين في مصر لاغراضها بدون ان يدرك واحد منهم وهم من هم علما وذكاء ماهم مسخرون من اجله . يقول الاستاذ محمد فهمي عبد اللطيف " بالطبع لم يكن هدف اصحاب هذه المجلة الدعاية للصهيونية ولكن كان هدفهم اسمى واخطر من ذلك ، ففي بلد عربي كبير مثل مصر .. كان لا بد من القيام بمحاولات لاسكات الالسن والاقلام عن توجيه اي هجوم على اليهود او نقدهم او اثارة مشكلة فلسطين على صفحات الجرائد  المصرية ". وهكذا نرى كيف تفكر المنظمة الصهيونية وكيف تدبر .. تنشئ مجلة ودار نشر لجذب واحتكار نفر من خلاصة المفكرين في مصر حتى تحرم الصحف الاخرى من اقلامهم بدون ان تطلب منهم الا الموقف السلبى من نشاطها .. اي تجمد مواقفهم على صفحاتها وقد استعصوا عليها ابواقا ولكنهم مسالمون .
ثم ايها السادة المستشارون ..
تستشري فروع المنظمة في مصر العربية تحت مسميات شتى : مكتب استعلامات صهيوني في القنطرة لتنظيم الهجرة الى فلسطين ابتداء من عام 1932 ،  النادي الصهيوني عام 1935 ، جمعية الشباب اليهودي المصريين 1935 ، الاتحاد العالمي للشبيبة الاسرائيلية 1935 ، جمعية مكس نوردو التي كان هدفها المعلن " بث الروح الصهيونية وتنبيه ابناء الطائفة الى واجبات فلسطين عليهم وجمع التبرعات لشراء الارض في فلسطين ". اللجنة اليهودية للترفيه عن البحارة والجنود والطيارين برئاسة الصهيوني الخطير اوفاديا سالم  الذي سيمثل المنظمة في التفاوض مع فاروق ويجند كريم  ثابت ويصل الى حد التاثيرفي اسماعيل صدقي فيما بعد . ثم " وكالة جرتبرج للسفريات " لتسفير المهاجرين الى فلسطين ، ثم مؤسسة سينمائية  يملكها ويديرها الصهيوني توجو مزراحي تعرض في القاهرة افلاما صهيونية مثل فيلم " بيت ابي " وفيلم " ارض الامل " الخ .
اما حلقة الاتصال بين المنظمة العالمية الصهيونية وفروعها ورجالها في مصر فقد كان موسى شيرتوك المعروف باسم موسى شاريت الذى كان يأتي الى مصر حاملا توجيهات المنظمة واوامرها كل ستة شهر .. انه موسى شاريت الذي سيصبح اول وزير خارجية للمؤسسة الصهيونية المسماة اسرائيل .. وفي مصر استقبل الصهاينة واحتفوا بكل قادة المنظمة العالمية الصهيونية . احتفوا بهم علنا  في مؤتمرات حضر بعضها رجال من المسئولين في الدولة .
فقد جاء الى مصر وألقى خطبا فيها رئيس المنظمة العالمية الصهيونية نفسه ، حاييم وايزمان عام 1925 وعلق دبلوماسي بريطاني على اسلوب حاييم وايزمان في مخاطبة الشعب العربي في مصر بقوله : " انه يسوق الصيد الى المذبح " .
وقد جاء وراء وايزمان وفد من المعلمين والمعلمات في المستعمرات الصهيونية في فلسطين فنزلوا في ضيافة وزارة المعارف العمومية واقيمت لهم حفلة صاخبة في فندق الكونتنتال حضرها وزير المعارف وكبار رجال التعليم وحاييم وايزمان أيضا . وزيادة فى كرم الغافلين أقام على ماهر مأدبة غذاء " للضيوف " فى مدرسة الاورمان بالجيزة . وايزمان هذا سيصبح أول رئيس لدولة الصهاينة .
ووفد الى مصر بتدبير من المنظمة العالمية الصهيونية ودعوة من فرعها في مصر اسحق بن زيفي ليحاضر ويخطب في مؤتمر صهيوني اقيم في الاسكندرية في شارع النبي دانيال يوم 29 مارس 1942 لجمع التبرعات الكافية لانشاء مستعمرة في فلسطين وبقي عشرة أيام الى ان اجتمع له من المال ما أراد .. وعاد فأقام مستعمرته المسماه " كفايد يدياه " .. احدى المستعمرات التي خرج منها المجرمون من الهاجناه ليقتلوا ابناء مصر في غزة عام 1954 . وهو اسحق بن زيفي الذي سيصبح الرئيس الثاني لدولة الصهاينة .
أما اميل نجار المحامي سكرتير المنظمة الصهيونية في مصر ، فسيكون أول سفير لدولة الصهاينة في ايطاليا …
وجاء الى مصر عام 1937 فيلسوف الارهاب الاول في تاريخ البشرية فلاديمير جابوتنسكى ليلقي محاضرة على أعضاء المنظمة الصهيونية يوم 5 يونيو 1937 في فندق سيسل بالاسكندرية عقد بعدها مؤتمرا صحفيا قال فيه حرفيا :" لايمكن الحصول على موافقة العرب الا بعد اقامة الدولة الصهيونية قسرا وجبرا وفرضها فرضا على معارضيه " . جابوتنسكى هذا هو مؤسس وقائد منظمة "الارجون " الارهابية التي ارتكبت المذابح الجماعية ضد العرب في دير ياسين وغيرها  انها قاتلة الرجال باقرة بطون النساء ذابحة الاطفال . ولقد خلفه في قيادتها تلميذه الصهيوني مناحم بيجين ثم انشق عنها من هو اكثر منهما صهيونية ودموية اسحق شامير ليقود المنظمة الارهابية " ليحي ".. بعد 1948 تحولت الارجون وليحي الى حزب هو حزب " حيروت " الذى يحكم المؤسسة الصهيونية المسماه اسرائيل منذ 1977 حتى الآن . مبدأه الاساسي ما أورده الصهيوني مناحم بيجين فى كتابه "الثورة " نصه : " لن يكون سلام لشعب اسرائيل ولا لارض اسرئيل ولا حتى للعرب ما دمنا لم نحرر وطننا بأجمعه حتى لو وقعنا مع العرب معاهدة صلح وسلام " . هذا البيجن هو الذي وقع مع أنور السادات تلك النصوص التي يحلو لبعضنا أن يسميها معاهدة السلام … ولا حد لاحلام النيام ، ولا شفاء من مرض الاوهام يقول الاستاذ محمود عوض فى كتابه " وعليكم السلام " الذي رجعنا اليه  كثيرا فيما سبق كما رجعنا الى رسالة الماجستير المقدمة من الاستاذة سهام عبد الرازق الى كلية الاعلام جامعة القاهرة عن " صحافة اليهود العربية "- يقول : " لقد استخف الآباء وأغمضوا اعينهم وأداروا وجوههم فى الاتجاه الاخر . وفى احيان كثيرة ساهموا بقصد او بغير قصد ، بجهل او بعلم ، وبالسكون او بالعمل على قيام هذا الخطر في فلسطين .. والان جاء الدور على الابناء لكي يسدّدوا ثمن خطايا الآباء .. من دمائهم ( صفحة 122 ) .
نحن نقول : لا .
لم تكن مصر الدولة او مصر الشعب غافلة او نائمة ، ولكنها كانت تتبع في رؤيتها وتقديرها  وموقفها قيما حضارية مغروسة في افئدة شعبها يتبعها على السجية حتى بدون ان يدركها . اذ مصر جزء من الامة العربية امة السلام .
فلما افاقت مصر الى ان العرب من فلسطين قد اخرجوا من ديارهم واصبحوا من المستضعفين في الارض رجالا ونساء وولدانا  قاتلت فلما غلبت غيرت نفسها :" ولايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم" فقام المقاتلون في فلسطين بثورة عام 1952 ، وصبروا على الهزيمة مسالمين حتى يعدوا ما يستطيعون من قوة ، فاذا شياطين الصهاينة يستغلون نزاعا لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، ثار بين مصر من ناحية وفرنسا وانجلترا من ناحية اخرى عام 1956 فيهاجمون مصر بغتة ويحتلون سيناء . وتنتبه مصر الى اوكار الخيانة التي عششت داخلها في تجربة السلام الطويلة فجمعتهم وطردتهم من ارضها .. وهكذا بدأت سلسة الحروب التي لم تنته . واصبح الحديث عن السلام مع الصهاينة دعوة الى العودة الى الغفلة .

نظرية الحرب الصهيونية :

266- ويقولون ان الحرب متواترة بين الشعوب والدول وهي تدور في هذا العصر فى مجتمع منظم فى هيئة الامم المتحدة يحكم العلاقات الدولية فيها ميثاق حرم الحرب الا ان تكون دفاعا ، وكل حرب تنتهي مع الهزيمة او النصر بالسلام . وها هو نموذج السلام بين المانيا وفرنسا اللتين لم تتوقف الحرب بينهما على مدى قرن سابق على عام 1945 . نقول لان الصهاينة لم يكونوا طرفا الا في حروبهم ضد العرب . والصهاينة يقولون انهم غير باقي الامم ونحن نقول ايضا ، من تجربتنا المرة ، انهم كذلك . ذلك لانه ايا ماكان مفهوم الحرب او النزاع المسلح في القانون الدولي فان للصهيونية نظرية  عقائدية اخرى في الحرب والقتال والابادة . ولقد كان من حظنا التاريخي السئ ان نكون نحن العرب محور نظرتهم . سنعرض امام حضراتكم مختصرا موثقا لهذه النظرية ، وسنثبت لكم ان الصهاينة مايزالون حتى هذه اللحظة والى مستقبل غير منظور يلتزمونها سواء اردنا نحن ام لم نرد ، ونتوقع منكم وانتم قضاة عدل ان تحكموا بالحق فيما بيننا وبين هؤلاء البشر، وان تدلونا ، ان كنا مخطئين على اي اسلوب ترونه للتعامل مع هؤلاء البشر غير قتالهم . وان تقولوا لنا ماذا نفعل وقد كتب القتال علينا وهو كره لنا ، اذا كان للصهاينة بحكم صفتهم هذه ، وبحكم دينهم وبحكم حضارتهم ، وبحكم حاضرهم ، هم الذين يقاتلونا ويقتلونا سواء كنا محاربين او مسالمين ، سواء كنا عسكريين او مدنيين ، سواء كنا رجالا او نساء او اطفالا . دلونا ، ايها السادة المستشارون ، على طريق ، اي طريق ، يقينا مخاطر القتال المفروض علينا .
نشر كاتب صهيوني في فلسطين المحتلة يدعى يشابا هوين بوروط في عدد جريدة " يديعوت احرانوت " الصادر يوم 14/7/1974 يقول :" ثمة حقيقة اولى هي انه لن يوجد استيطان صهيوني ولن توجد دولة يهودية بدون طرد العرب ومصادرة اراضيهم ومنع عودتهم . الحقيقة الثانية انه في الحرب ضد العرب بما فيهم الارهابيون فان اسرائيل لم تلزم نفسها بشيء ، ولايمكن ان تلزم نفسها بالا تؤذي الا المقاتلين نظاميين او غير نظاميين ".
هذا صهيوني عادي ولو كان كاتبا . وبدهي أنه لا يكفي وقد لا يصلح ان يكون حجة على شعب صهيوني ودولة صهيونية . ان اقراره الاجرامي بان دولته الصهيونية غير ملزمة ولا يمكن ان تكون ملزمة بايذاء غير المقاتلين يبدو فاحش الانكار والتنكر لكل مبادئ الحرب ومبادئ السلام التى عرفتها  الانسانية .
فلا بد ان يكون ثمة من رد عليه او ردعه خاصة من الاساتذة والمثقفين .
نسأل الدكتور الداد استاذ العلوم الانسانية فى المعهد العالي في حيفا . ماذا يقول الصهيوني الذي يعلم النشئ هناك وهو متخصص فى العلوم الانسانية ؟.
يقول : لو لم يحدث ما حدث في دير ياسين لكان نصف مليون عربي يعيشون الان في دولة اسرائيل ولما كانت دولة اسرائيل قد وجدت اصلا . يجب علينا الا نتجاهل هذا مع ادراكنا المسؤولية المترتبة على ذلك .. ان الحروب وحشية . ولا محيص عن هذا . ولكن هذه البلاد اما تكون ارض اسرائيل باغلبية يهودية ساحقة واقلية قليلة من العرب ، او ان تكون ارض اسماعيل وتبدأ الهجرة مرة اخرى اذا لم نطرد العرب بطريقة او باخرى . وعلى رجال الدين ان يقولوا لنا كيف نفعل ذلك .
لنلاحظ اولا ان العالم المتخصص في العلوم الانسانية يستعيد التاريخ ، التاريخ كما دونوه هم ، وانه يحاول البحث عن تبرير ما حدث في دير ياسين . ما الذى حدث في دير ياسين ، ايها السادة المستشارون ، اننا لا ننساه من فرط وحشيته ، ولكن يقتضي سياق ما قاله الاستاذ المتخصص فى العلوم الانسانية ، ان نذكره باختصار :
دير ياسين قرية صغيرة ، تقع على ربوة عالية غربى مدينة القدس ، على بعد اربعة كيلو مترات ، تحيط بها المستوطنات من ثلاث جهات ، تبلغ مساحتها 1800 دونم ، وبلغ عدد سكانها عشية المجزرة ، الف نسمة .
وفي فجر 9 نيسان 1948 ، هاجمت قوات ليحي ( التى يقودها الارهابى شامير رئيس وزراء الصهاينة حاليا ) واتسل ( التي يقودها مناحم بيجين رئيس وزراء الصهاينة سابقا ) قرية دير ياسين ، وواجهت القوات المهاجمة في البداية مقاومة من سكان القرية ، كبدت اهلها اربعة قتلى ، واثنين وثلاثين جريحا اما تفاصيل المجزرة الرهيبة التي حدثت بعد ذلك في قرية دير ياسين ـ  فقد نشرتها صحيفة يديعوت احرانوت الصادرة فى 4/4/1973 فقد نشرت نص تقرير كتبه محارب صهيونى يدعى مئير فليبسكى ، وعرف فيما بعد باسم مئير باعيل   ، ووصفته الصحيفة بانه شاهد العيان الوحيد من خارج صفوف منظمتي ليحي واتسل ، الذي شارك في ارتكاب المجزرة ودون ما شاهده وسمعه . يقول مئير باعيل في تقريره :
" خلال نيسان ـ ايار عام 1948 ، وفي ذروة المعارك في منطقة القدس ، انسحبت منظمتنا ليحي واتسل من المعركة الى قرية دير ياسين ، وكان هناك ، فى رأيه ـ رأى مئير باعيل ـ شيء غامض وراء هذا الانسحاب .
ففى ليلة 8-9 نيسان 1948 ، اقتربت وحدات من اتسل وليحي من قرية دير ياسين ، وخرجت قوات اتسل من حي بيت هكيرم ، وهاجمت القرية من الجنوب الشرقي ، في حين هاجمتها قوات ليحي من الشمال الشرقي ، وعند الفجر وصلت القوتان الى ضاحية القرية ، وارسلت وحدة ليحي في اتجاه القرية سيارة مصفحة تحمل مكبرا للصوت تدعو السكان الى الاستسلام .
كان الوقت ظهرا ، عندما انتهت المعركة  وتوقف اطلاق النار ، وغادر محاربوا اتسل وليحي الاماكن التى اختبأوا فيها ، وبدأوا ينفذون عملية تطهير لمنازل القرية ، واطلقوا النار على كل من شاهدوه في الطرقات والمنازل ، وحدثت مجزرة مخجلة بين السكان الرجال والشيوخ والنساء والاطفال دون تمييز ، بتوقيف السكان بجانب الجدران والزوايا واطلاق النار عليهم . ولم يحاول القادة منع اعمال القتل المخجلة .
وفي تلك الاثناء ، اخرج من داخل المنازل نحو خمسة وعشرون رجلا ، نقلوا في سيارة شحن ، واقتيدوا في جولة انتصار ، وفي حي محانية يهودا وزخرون يوسف ، وفي نهاية الجولة ، احضروا الى مقلع للحجارة يقع بين غفعات شاؤول ودير ياسين ، واطلق عليهم الرصاص بدم بارد ، ثم اصعد محاربوا اتسل وليحي النساء والاطفال ، الذين استطاعوا البقاء على قيد الحياة ، الى سيارة شحن  ونقلوهم  الى بوابة مندلباوم . ورفض قادة ليحي واتسل  الطلب الذي وجه اليهم ، بان يدفن محاربوهم 254 ضحية عربية كانت مبعثرة فى شوارع وازقة وداخل منازل القرية ".
هل كان سكان دير ياسين مقاتلين او محاربين لليهود ؟ يتحدث عكيبا ازولاي فيما نشرته جريدة "عل همشار " الصادرة فى 8/4/1983 وقد كان قائدا لمنطقة غفعات شاؤول انذاك ، ونائب رئيس بلدية القدس فيما بعد ، وهو الان محال على التقاعد فيقول : " كانت العلاقات بيننا وبين سكان قرية دير ياسين ممتازة ، وكان بيننا اتفاق موقع من قبل ضابط الشرطة ناحوم بوشمى ، باسم الوكالة اليهودية ، ومختار الحي اليهودي بري بريدمان وانا حيث كنت اشغل انذاك منصب قائد المنطقة ووقع على الاتفاق باسم قرية دير ياسين المختار ووجهاء القرية ، وقد نص الاتفاق على الالتزام بعدم مهاجمة احدنا الآخر .
ويضيف عكيبا ازولاي ، بان سكان دير ياسين قد حافظوا على الاتفاق ، وقال نيسان هريز ، الذي كان ضمن قوة الهاجانة التي وصلت القرية ، عندما دخلنا قرية دير ياسين ، كانت رائحة الجثث المحروقة تملا اجواء القرية ، ولم نعثر فى القرية على احياء ، حيث كانت القرية مهجورة تماما ، وآلاف الحقائب مبعثرة هنا وهناك ، وعند المساء صدر الامر لقسم من القوة بجمع ودفن الضحايا ، وخلال عملية جمع الضحايا ، تكشف لنا حجم عمليات القتل التى جرت في القرية ، فقد عثر على عشرات الجثث لرجال ونساء وشيوخ واطفال داخل البيوت وقد قتل كثير منهم في اسرتهم ، وكانت تبدو اثار اطلاق النار على الجدران ، وفي عدد كبير من البيوت وجدنا عائلات كاملة مقتولة ، وجثث الاطفال ملقاة على الارض هنا وهناك .
الدكتور الداد استاذ العلوم الانسانية في المؤسسة الصهيونية المسماة اسرائيل ، يشعر ان تبريره للمذبحة الوحشية غير كاف يستنجد برجال الدين ليقولوا له ولغيره من الصهاينة كيف وبأي حق ومصدر الحق في ابادة العرب في دير ياسين .. ولكن دير ياسين غير مذكورة في كتابهم المسمى توراة . هنا يطرح رجال الدين الصهاينة نظريتهم في الحرب والابادة وقتل الرجال والنساء والاطفال . فينشر الحاخام يهودا جرشوني في عدد 2 يناير 1971 من المجلة الفصلية "اورها مزراح" التي يصدرها قسم دراسة التوراة في المنظمة الصهيونية العالمية بالاشتراك مع الحزب الوطنى الديني " ما فدال " الذي يمثله عشرة اعضاء في الكينست ، فتوى رجال الدين التي طلبها استاذ العلوم الانسانية الدكتور الداد .
تفرق الفتوى ابتداء بين الحرب المقدسة وحرب الغزو النفعية فتقول :
" لا يحتاج الملك ( الحاكم ) الى اذن من الهيئات الدينية ليشن حربا مقدسة بل يستطيع ان يبدأ الحرب بنفسه في اي وقت وان يحمل شعبه على ان يتبعه الى ميدان القتال ـ اما حرب الغزو النفعية فانه لا يملك ان يخرج اليها بالشعب الا باذن مجلس من 71 من رجال الدين ".

علم .. وبعد ،

هل حربهم ضد العرب حرب مقدسة ام حرب نفعية . هذا هو ما يهمنا .
" لقد كتب موسى بن ميمون في كتابه قوانين الملوك ، انها فريضة على الاسرائيليين ان يدمروا الامم السبعة كما هو وارد فى سفر التثنية اصحاح 20 اية 17 " انه " يجب عليك ان تدمرهم " وكل من تتاح له فرصة ان يقتل واحدا منهم ولا يفعل فانه يخرق الشريعة اذ انه مكتوب " يجب لاتترك منهم نفسا حيه " ( التثنية اصحاح 20 آية 16 ) ومكتوب " انها فريضة عليك ان تجتث ذكرى عماليق (التثنية اصحاح 25 آية 19 ) وانها لفريضة ان تتذكر دائما خطاياهم ومجازرهم وان تؤجج كراهيتهم كما هو مكتوب " تذكر ما فعل بك عماليق " ( التثنية اصحاح 25 آية 17 ) وقد تعلمنا ـ كما تقول الفتوى ـ ان كلمة تذكر ولا تنسى بالذات تعني ان لا ننسى عدواتهم وكراهيتهم .
يحسن ان نتوقف هنا ، قبل ان نصل الى نهاية الفتوى ، لنورد نص الايات التى تشير اليها الفتوى وكله من سفر التثنية اصحاح 20 ( من الاية 10 الى 18 ) والاصحاح 25 ( من الاية 17 الى 19) . 
تقول الايات الاولى من 10 الى 18 من الاصحاح رقم 20 سفر التثنية :
" حين تقترب من مدينة لكي تحاربها ادعها الى الصلح . فان استجابت الى الصلح وفتحت لك ابوابها فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك . وان لم تسألك بل عملت معك حربا فحاصرها . واذا دفعها الرب الهك الى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف . واما النساء والاطفال والبهائم وكل ما فى المدينة كل غنيمتها فتغنمها لنفسك وتأكل غنيمة عدائك التى اعطاك الرب الهك . وهكذا تفعل بجميع المدن البعيدة جدا منك التى ليست من مدن هؤلاء  الشعوب التى يعطيك الرب الهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة بل تحرمها ( تقتلها ) تحريما الحيثيين والاموريين والكنعانيين والفريزيين والحدويين واليبوسيين كما امرك الرب ".
واضح من هذا النص ثلاثة قواعد من قواعد حرب الصهاينة :
1-            فى الغزو لمنفعة ( جميع المدن البعيدة جدا منك ) يعرض الصلح على المدينة قبل غزوها ، فان قبلت وفتحت ابوابها فيستعبد ويسخر شعبها للغزاة .
2-            وهذا هو المعنى التوراتى او الصهيونى للصلح ، ولا يوجد فى التوراة او التلمود ، او عند حكماء صهيون ، او فى اية مرحلة من تاريخ الصهاينة معنى الصلح غير هذا . نعنى أن ذكر الصلح من أجل السلام والتعايش بدون حرب أو استعباد أو سخره غير وارد أصلا فى التراث الصهيونى .
3-            هذا في الغزو لمنفعة ، الا ان هناك امما معينة باسمائها هم الحيثيون والاموريين والكنعانيون والفريزيون والحويون واليبوسيون فحربهم مقدسة وبالتالى فالقاعدة الحاكمة لحربهم هي " لا تستبقى منهم نسمة ".. يقتلون رجالا ونساء واطفالا .
نلاحظ ان موسى بن ميمون الذى استندت اليه الفتوى ونقلت عنه قد اشار الى امم سبعة ، في حين ان الاصحاح رقم 20 من سفر التثنية الذي اوردناه قد حدد ست امم . فاين الامة السابعة ؟ هذا ما تتناوله الفتوى الصادرة عام 1971 ، وما يهمنا نحن العرب الانتباه له .. ففى هذا الجزء الهام تستند الفتوى الى سفر الخروج ، اصحاح 17( اية من 8 الى 16 ) وسفر التثنية اصحاح 25 ( اية 17و19) ..
نورد هذه النصوص اولا لنعرف كيف يبرر الصهاينة المتوحشون جرائمهم . القصة كلها تتصل بقبائل كانت تقاتلهم في الطريق من مصر الى فلسطين  تسمى " عماليق " .. وهم الامة السابعة التى امرهم آلههم كما يزعمون ألا يبقوا منهم نسمة .. وتخصهم توراتهم بان الاله قد امرهم بمطاردة هذه الامة بالذات في اي مكان من الارض وابادتها جيلا بعد جيل ..
تبدأ القصة في سفر الخروج اصحاح 17 ( آية 8- 16 ) بالقول :
" واتى عماليق وحارب اسرائيل في رفيديم فقال موسى ليشوع انتخب لنا رجالا واخرج حارب عماليق . وغدا اقف انا على التلة وعصا الله في يدي ، ففعل يشوع كما قال موسى ليحارب عماليق . واما موسى وهارون وحور فصعدوا على راس التلة . وكان اذ رفع موسى يده ان اسرائيل تغلب واذا خفض يده ان عماليق يغلب . فلما صارت يدا موسى ثقيلتين اخذا حجرا ووضعاه تحته فجلس عليه ودعم هارون وحور يديه الواحد من هنا والاخر من هناك ، فكانت يداه ثابتتين  الى غروب الشمس  فهزم يشوع عماليق وقومه بحد السيف . فقال الرب لموسى اكتب هذا تذكارا فى الكتاب وضعه فى مسامع يشوع فانى سوف امحو ذكر عماليق من تحت السماء . فبنى موسى مذبحا ودعا اسمه يهوه نسى وقال ان اليد على كرسي الرب . للرب حرب مع عماليق من جيل الى جيل ".
حرب من جيل الى جيل بالرغم من ان يشوع قد هزمهم بحد السيف . فليكن . لقد اصبح نصر الاسرئيليين بداية حرب ابدية تلاحق المنهزمين من جيل الى جيل ينمحي اسمهم من تحت السماء بامر الرب الههم . ما مبررات هذه الحرب وكيف تتم ؟
الجواب عن المبرر في سفر التثنية اصحاح 25 الاية 17 التى تقول :" اذكر ما فعله بك عماليق في الطريق عند خروجك من مصر . كيف لاقاك في الطريق وقطع من مؤخرتك كل المستضعفين وراءك وانت كليل ومتعب ولم يخف الله ".
هذه اذن حرب انتقامية ابدية . فمتى وكيف تبدأ وتستمر . تقول الاية 19 من اصحاح 25 سفر التثنية :" متى اراحك الرب الهك من جميع اعدائك حولك من الارض التي يعطيك الرب الهك نصيبا لكى تمتلكها تمحو ذكر العماليق من تحت السماء . لا تنسىْ "..
اذن فأمر الههم اليهم ، انه بعد ان ينتصروا ويستولوا على الارض عليهم ان يستمروا في الحرب ضد عماليق جيلا بعد جيل الى ان تنمحى ذكراهم . فليكن . ما لنا نحن العرب وهذا ؟ لقد اندثرت قبائلهم ولم يعد يذكرهم احد الا كتاب حاخامات الصهاينة ، وهم يذكرونهم لان العرب عندهم قد حلوا محل عماليق الذين اندثروا ، فاصبحت اوامر الههم بحرب الابادة جيلا بعد جيل ، بعد الانتصار على كل الاعداء والاستيلاء على الارض ، موجهة فرضا من عند الرب ضد العرب .. تستطرد الفتوى الصادرة عام 1971 ، استنادا الى ماقاله الحاخام حكيم البرسكي الحافظ لكلمات موسى بن ميمون كما يصفونه انه تساءل : لماذا حين اشار الحاخام موسى بن ميمون في حديثه عن الامم الستة الى ان ذكراهم قد تلاشت مع انه لا شك فى ان امة عماليق لم يعد لها وجود اذ استوعبتهم الامم الاخرى . تقول الفتوى ان الحاخام حكيم البرسكي قد استخلص من هذا ان تعبير عماليق لا يدل على جنس من الاحياء فحسب بل ان اية امة تحذو حذو عماليق وتستهدف اسرائيل تعتبر من عماليق .
بناء على هذا تقول الفتوى ، ان العرب الذين يستهدفون تدمير اسرائيل والقاءهم فى البحر هم طائفة من عماليق فهم من بين المعنيين بالحرب المقدسة لابادة عماليق كما انهم من بين المعنيين بالحرب المقدسة ضد من يهاجمنا ، وهكذا فحتى الكهنة الذين لا يقيمون في ارض اسرائيل وبالتالي ليسوا معنيين بفريضة حرب الغزو ما يزالون مكلفين بفريضة ابادة عماليق والقتال ضد العدو الذي هاجمنا .
وقد جاء فى كتاب وصاياها نوح :" ان قتلهم وابادتهم من على ظهر الارض واجب على كل فرد يهودى ". وجاء فى كتاب سفر برجيم :" بناء على هذا فان الحرب مستمرة في ارضنا المقدسة  ضد الاعداء العرب ، وهي حرب من نوع الحرب ضد عماليق ، كما اوضحنا ، فهي لا تتطلب اذنا بها اذ انها ما تزال مستمرة منذ موسى ".
انتهت الفتوى .. ولما كانت بدايتها قد بعدت عنا قليلا فلنعد ذكرها . في الحرب المقدسة تكون الغاية المقدسة للاسرائيليين ، عدم الابقاء على نسمة ومطاردة العرب وابادتهم جيلا بعد جيل الى ان تنمحي ذكراهم ..
هذه حرب ابدية لم نخترها نحن .. فهل نقاتلهم او لانقاتلهم .
هذا هو السؤال .

معاهدة السلام .

السادة المستشارون ،

267- ويقولون لقد ابرمنا معهم معاهدة سلام و" ياللى فى البحيرة وياللى فى الصعيد سينا رجعت  تانى لينا ومصر اليوم في عيد ".. يقصدون تلك الاتفاقية التي وقعها رئيس الجمهورية السابق انور السادات واصدر بها قراره الجمهوري رقم 153 لسنة 1979 .

السادة المستشارون ،

لست اريد ان اجور على وقت زملائى بأكثر مما جرت . واعتقد انني من الذين لا يمكن ان ينسب اليهم تقصير في نقد تلك المعاهدة بل لعلي اولهم . فقد كان من حظي ان احصل ـ قبل غيري ـ على وثائقها . وقبل ان تعرض على مجلس الشعب . وقد انكببت عليها دارسا موضوعيا كما تعلمنا في حياتنا القانونية ، وانتهيت من خلال التفسير والتحليل لنصوصها الى ما افزعني ففزعت الى رئيس مجلس الشعب ، وكان في ذلك الوقت زميل سني الدراسة في كلية الحقوق ، وسلمته يوم 10 ابريل 1979 رسالة مني الى مجلس الشعب استعمالا للحق المقرر في المادة 63 من الدستور وطلبت اليه عرض الرسالة على مجلس الشعب قبل ان يتخذ في المعاهدة قرارا . فلما لم تعرض ووقع الفأس في الرأس ، نشرتها بمقدمة مني في كتاب يحمل عنوان " هذه المعاهدة " ، اتشرف بتقديم نسخة منه والتمس ضمه الى اوراق الدعوى باعتباره جزءا لا يتجزأ من دفاعي في هذه الدعوى ومكملا له ..
كل ما استأذنكم واستأذن زملائى فيه ان اقرأ جزءا من بداية الرساله اعتبره ـ اى ذاك الجزء ـ على قدر كبير وخاص من الاهمية ويستحق ان يتلى علنا في هذه الدعوى .. قلت :
" ان اتفاق 26 مارس 1979 بالرغم من تعقيداته الموضوعية وغموضه يقع على الشعب موقعا مناقضا لخلفية فكرية ونفسية ثابتة . فهو اولا يرد على مسألة وطنية . والوطنية ، على المستوى النفسي ،شعور مستقر بالانتماء التاريخي المصحوب بعاطفة قوية من الحب والحرص موضوعها الوطن مجسدا في ارضه وابنائه . ولا شك في ان وقوع اي حدث على المشاعر الوطنية المستقرة يهزها ويثير فيها الاضطراب والقلق . انها المشاعر الانسانية التي تصاحب اعادة اختيار المسلمات  واختيار مكونات نفسية جديدة . هذا بشكل انسانى عام . ويزيد اتفاق 26 مارس 1979 ، ثانيا ، ما يضاعف الاضطراب والقلق فيكاد يعصف بالمشاعر الوطنيه المستقرة . انه يرد على بناء فكري ونفسي نشأ عليه جيلان من البشر . فخلال ثلاثين عاما على الاقل تلقى الناس جيلا جيلا ، دروسا دموية من الاحداث التي لم تنقطع ومن الضحايا الذين استشهدوا ومن التضحيات التي بذلت ، ومن افواه الامهات ، ووصايا الاباء ، ومعلمي المدارس ، واساتذة الجامعات ، ومن الكتاب ، ومن الفنانين ، ومن كل سبيل تربوي ما رباهم على ان عدوا عنصريا وافادا قد اغتصب بالقوة الوحشية ارض فلسطين وانه يتخذ منها ـ علنا ـ نقطة انطلاق الى تقويض الواقع العربي الاسلامي الذي استقر منذ قرون . ولم يترك العدو نفسه اية فرصة ، على مدى ثلاثين عاما بدون ان يؤكد صحة هذه التربية .
ويشهد علماء الدين ويبلغون الشعب المسلم فتواهم التي صدرت يوم 9 مارس 1970 بأن الصلح مع اسرائيل اثم منكر وان الاتفاق مع الولايات المتحدة الامريكية خطيئة كبيرة  وان الجهاد ضد الصهيونية من اجل تحرير فلسطين جهاد في سبيل الله . طوبى للذين تكتب لهم فيه الشهادة .. ويقدمون لكل هذا حججا دامغة  من القرآن والحديث . ويشهد بابا الكرازة المرقسية ويبلغ القبط من شعب مصر بلاغا مطولا من كتابهم المقدس يحرم فيه مهادنة الصهاينة او الصلح معهم ( محاضرة يوم 26 يونيو 1966 ) . واخيرا يشهد المجتمع الدولي كله بان الصهيونية حركة عنصرية تستحق ادانة الشعوب والدول في قرار شهير اصدرته هيئة الامم المتحدة برقم 2159 في 17 اكتوبر . ويصب كل هذا السيل نهرا في اذان الشيوخ والكهول والاباء والامهات والشباب والاطفال على مدى ثلاثين عاما . ويؤدي كل هذا مجتمعا الى صياغة البناء الفكري النفسي والوجداني للشعب العربي في مصر على وجه يصبح رفض الصهيونية ودولتها ، في وجدان الشعب ، عقيدة وجدانية اخلاقية .
وطبيعى انه مهما تكن مقدرة الاداء الاعلامي ، ومهما تكن فاعلية الاساليب  العصرية وادواتها الحديثة فائقة التأثير في صياغة الرأي العام ، فانها لا تستطيع ان تمحو تربية شب عليها جيلان من البشر . لا تستطيع ان تحمل جيلا اول على ان ينكر قيم صاغت حياته كلها . ولا نستطيع ان نقنع اسر الشهداء بأن ابناءهم لم يكونوا ابطالا في معركة مقدسة من اجل حق مشروع ردا لعدوان باغ كما كانوا يعتقدون بل كانوا ضحايا اخطاء سياسية حمقاء . ولن يستطيع هذا الجيل الاول ، من آباء وامهات ، ان يعتذروا لابنائهم الذين شبوا على الطوق بانهم كانوا كاذبين ومخدوعين في كل ما قالوا لهم عن العدو الصهيوني . ولن يستطيع الاساتذة والكتاب والمعلمون من هذا الجيل الاول ان يشكوا في صدقهم مع انفسهم وصدقهم مع من استمع اليهم واخذ عنهم  وتربى على ايديهم ووثق بما قالوا وماكتبوا . وكيف يستطيعون وتراث ثلاثين عاما من الفكر والعلم والمناهج ما يزال ثابت فى كتب مطبوعة منشورة تملأ المكتبات وتعمر بها البيوت . اولئك لن تكفي بقية اعمارهم لتقبل صيغة 26 مارس 1979 ولو اكرهوا على قبولها .
اما الجيل الجديد من الشباب  الذين قامت تربيتهم الفكرية والنفسية والخلقية على ما تلقوه من الاولين فقد يشكون ويتهيأون لاستقبال الصيغة الجديدة . ولكن فيم يكون ؟  في صدق ابائهم وامهاتهم واساتذتهم ومعلميهم . في صدق التاريخ والصحافة والثقافة والفن . وسيحتقرون  الى حد التمزق ذلك القدر الذى انقضى من اعمارهم والذي يقال لهم الآن انه زائف كله . ذلك جيل  لن ينقضى عمره قبل ان ينقصم تكوينه الفكري والنفسي . سيكون جيلا كاملا من المصابين "بالشيزوفرنيا " لو قبل ان يصاغ ما يلحق من حياته على نقيض ما سبق منها . فان لم يقبل فسيلوذ ـ دفاعا عن وحدته النفسية ـ بالمقاومة والتشبث باكمال بنائه على الاسس التي بدأ بها . حينئذ سيدفع اثمانا فادحة فى معركته التي لابد منها دفاعا عن النفس ..".

السادة المستشارون ،

268- انقضت عشر سنوات على معاهدة السلام . ونحن نعلم ما يجري في بلدنا الآن . انه تمرد الجيل الثانى على كل ما يمثله الجيل الاول من عقائد ومذاهب وافكار وتقاليد وآداب وقانون . فمنهم من اصابه الهوس الذي يسببه انفصام الشخصية ، ومنهم من هرب من واقعه الى دنيا خيالية تنسج من دخان المخدرات ، ومنهم من يندفع الى العنف الى حد الانتحار . ذلك لأن الذين ابرموا معاهدة السلام قد يكونون اقاموا موازين لكل شيء في مصر وفي العالم العربى ، ولكنهم لم يقيموا وزنا "للانسان " العربي المصري ، من حيث هو انسان .
ولاحول ولا قوة الا بالله .
ولكن ماعلاقة هذا بالدعوى اشخاصا واسبابا وموضوعا .
269- علاقته انه يكشف عن ان معاهدة السلام جريمة ارتكبها الصهاينة والامريكيون . لقد وقعت تلك المعاهدة في وقت كان الصهاينة والامريكيون يحتلون سيناء ، بينما باقي مصر تديره حكومة شرعية . مثل هذا الوضع تماما مرت به فرنسا بعد عام 1940 . فقد احتلت المانيا النازية جزءا من فرنسا بما فيه العاصمة باريس فانتقلت الحكومة الشرعية الى فيشي ، حيث انتخبت انتخابا دستوريا الماريشال بيتان رئيسا لفرنسا واتخذ من بيير  لافال رئيسا للحكومة . فهادنت الحكومة الجديدة المحتلين الالمان ، بينما استمرت المقاومة الشعبية للمحتلين داخل فرنسا وخارجها . مقاومة شعبية بالرفض طرحت على رجال القانون الدستوري مشكلة الرأي فيما كانت قد اصدرته حكومة فيشي من قوانين وقرارات وما ابرمته من اتفاقات مع المحتلين . وكانت النقطة الاولى التي تشغل فقهاء القانون ببحثها هي شرعية حكومة فيشي . وانتهى البحث الدستوري الى ما ذكره كبير فقهاء فرنسا جورج بوردو في كتاب " القانون الدستوري والمؤسسات السياسية "، طبعة 1972 صفحة 353 . قال ( في ظل حكومة ديجول )" ان ما يؤكده الجنرال ديجول من ان حكومة فيشي كانت مغتصبة للسلطة لا يمكن ان يكون له معنى الا التمييز بين " شرعية الحكومة " و " مشروعيتها". ان الحكومة التى شكلها المارشال بيتان بمقتضى القانون الدستوري الصادر فى 10 يوليو 1940 ، كانت حكومة شرعية ، اذ انها تشكلت بمقتضى قانون دستوري لا مطعن عليه . ولكن هذه الواقعة التي لا خلاف عليها لا تفترض على اي وجه مشروعية الحكومة . ان الشرعية وصف للشكل اما المشروعية فتنصب على وصف الموضوع . ان هذه المشروعية التي تستند الى القبول الشعبي اي الى ان الحكومة تعبر فعلا عن فكرة القانون الوطني لم تكن تتوفر لحكومة فيشي . ان حكومة فيشي كانت اذن شرعية وغير مشروعة في الوقت ذاته ( واقعية ) ان هذا التناقض نادر الحدوث اذ لا يحدث الا قليلا ان تكون ثمة حكومة تولت الحكم بطريقة شرعية في حين ان مبادئها واهدافها ليست استجابة للرأي العام ". و " لقد حدد مرسوم 9 اغسطس 1944 نهاية الحكومة غير المشروعة . لماذا ؟ لانه في هذا التاريخ لم يكن لحكومة الماريشال بيتان الا هدف واحد محدد هو مهادنة المحتلين فاصبحت بهذا وحده غير مشروعة .. وبناء على هذا نص المرسوم الصادر فى 9 اغسطس 1944 في مادته الثانية على ان :" باطلة وباطله اثارها كل التصرفات الدستورية والتشريعية واللائحية وكذلك كل القرارات التي اصدرتها السلطة التنفيذية ايا كانت تسميتها التي صدرت في فرنسا قبل يوم 16 يونيو 1944 وحتى تشكيل الحكومة المؤقتة . وتصدر قرارات بطلانها ". هل الى هذا الحد تفقد الحكومة مشروعيتها اذا ما هادنت المحتلين جزءا من ارض الوطن حتى لو لم تكن قادرة على القتال ؟.
نعم واكثر . اما نعم فلأنه الاختبار الاكبر لمبدأ سيادة القانون ،  وهو مبدأ ارسته الثورة الفرنسية ولم تتخلى عنه فرنسا في اي وقت . وهو مبدأ مصوغ فى دستورنا . اورده في الباب الثالث الخاص بالحريات والحقوق والواجبات العامة ، فنصت المادة 58 على ان " الدفاع عن الوطن وارضه واجب مقدس ". هكذا مطلقا بدون توقف على ان يكون بقانون او بناء على قانون . انه يستمد مشروعيته من الدستور مباشرة . كذلك الامر في فرنسا التى نقلنا عنها كثيرا من مواد دستورية . نعجز عن الدفاع ممكن . اما  مهادنة العدو المحتل فلا يمكن .
هذا نعم اما ماهو اكثر فهو الاتي : 
270- ذلك لانه قد تبع ذلك تقديم بيير لافال للمحاكمة كما قدم اليها كثيرون من اعضاء حكومته وكبار المسئولين  في عهده متهمين بمهادنة المحتلين او التعاون او حتى التعاطف معهم بدون أن يكونوا مكرهين . وحوكم بيير لافال امام محكمة عليا ، وتولى اتهامه النائب العام شخصيا ، وصدر الحكم يوم 11 اكتوبر 1945 قاضيا باعدام لافال . واعدم لافال .
السادة المستشارون ،
لقد احضرت لكم مرافعة النائب العام الفرنسى ونص الحكم كما نشر وقتها . اقدمهما . ويهمنى ان اتلو علنا جزءا مما قاله النائب العام في مرافعته واخذت به المحكمة لانه قريب مما ادى الى معاهدة السلام  وما اسفر عنها . قال :
".. ان الجريمة العظمى التي ارتكبها لافال هي تعريض فرنسا لشبهة خيانة حلفائها .
" يقال ان التاريخ قد شهد امثلة لتغيير الحلفاء . ولكن في القرن العشرين حيث بلغت الشعوب الرشد لم يعد من الممكن طرح هذا القول . انه خيانة . لقد تطهرت فرنسا من تلك الشبهة بدماء رجال المقاومة ، وبشهدائها ، وبجنودها . ولولا هذا لتحملت عار سياسة حكومة فيشي . بالنسبة الى هذه الجريمة التي لا تغتفر فانني اطالب باسم الوطن الغاضب وباسم شهدائه ، وحتى باسم اولئك الذين ادانتهم العدالة لطاعتهم اوامر لافال ، بعقوبة واحدة : الموت " .
واعدم  لافال . لأنه اراد مهادنة محتلي جزء من وطنه . لانه اراد ان يتحالف مع اعداء وطنه . لانه كاد ينسب الى وطنه تهمة خيانة حلفائه في الحرب .

الاكراه .

271- هل كانت معاهدة السلام مع اسرائيل مثل مهادنة لافال مع المانيا ؟ موضوعيا ودستوريا وقانونيا كانت اكثر فقد تجاوزت المهادنة الى الصلح . ولكن السادات لم يكن مثل لافال . لا. لا نقول هذا امامكم عن رجل فى ذمة الله . لقد عارضناه فى حياته ودفعنا الثمن . ونشرنا في حياته كتابا تحت عنوان " حكم بالخيانة " اثبتنا فيه ان ثمة جريمة عظمى قد ارتكبت في حق الوطن وختمناه بارجاء الحكم الى ان يستطيع المشتبه فيهم الدفاع عن انفسهم في محاكمة علنية عادلة . فاولى بنا الا نتهم رجلا كان من قادة ثورة 23 يوليو ولم يعد قادرا على ان يدافع عن نفسه ، خاصة وان الذين حاولوا الدفاع عنه قد اساءوا اليه اكثر من خصومه .
المسألة في نظرنا ، هي ان رئيس جمهوريتنا السابق كان ضحية الصهيونية والولايات المتحدة الامريكية . فقد استدرجوه الى كامب ديفيد ، واحتجزوه ورفاقه هناك ، ثم اكرهوه او خدعوه فوقع الاتفاقية . وقد بدأ الاكراه بأن اتخذوا سيناء رهينة حتى يكرهوا مصر الدولة ومصر الشعب على الخضوع لهم . وقد انتقلت سيناء من ذمة جمال عبد الناصر الى ذمة انور السادات وهي رهينة . ثم حرموه من ان يحقق النصر الذي كان يتطلع اليه فى معركة 1973 بالجسر الجوي من المعدات الذي تدفق على الجبهة من الولايات المتحدة الامريكية . ثم أمدّت الولايات المتحدة الامريكية الصهاينة بالمعلومات الملتقطة بالاقمار الصناعية فمكنتهم من فتح ثغرة الدفرسوار ونقل المعركة الى غرب القناة ثم تواطآ بعد صدور قرار مجلس الامن بعودة القوات الى مواقعها لتتاح للصهاينة فرصة الالتفاف حول الجيش الثالث والوصول الى مشارف السويس . ثم لما ان حشدت مصر القوة الكافية لتصفية الثغرة جاء كيسنجر وقال له صراحة ، اذا فعلت " فستضرب " . وبدأ انور السادات المتلهف على ان ينقذ ما يمكن انقاذه  يردد  ان 99% من اوراق اللعبة فى يد الامريكان ، ومازالوا  به يعظمونه ثم يطعمونه خططهم المسمومة خطوة خطوة  حتى ذهب الى كامب ديفيد . هناك في لحظة صحوة التفت الرئيس الراحل الى ما كانوا يستدرجونه اليه ليكرهوه عليه . توقيع وثيقة تحقق للصهاينة والامريكان ما اخفقوا في تحقيقه  منذ 1967 . فقرر قطع المحادثات ومغادرة كامب ديفيد . كان ذلك يوم 15 سبتمبر 1978 . يقول جيمى كارتر في كتابه عن مذكراته المعنون " الاحتفاظ بالايمان" المنشور عام 1982 انه في ذلك اليوم بينما كان يعمل في مكتبه اندفع الى داخل الحجرة وزير خارجيته فانس ، وكان وجهه ابيضا من الشحوب . وقال له :" ان السادات مغادر . لقد حزم هو ومعاونوه امتعتهم وطلب مني ان استدعي هليوكوبتر ". يقول كارتر : لقد كانت لحظة فظيعة . فحتى الامل في مغادرة هادئة قد تبدّد . فجلست هادئا وحدّدت مدلول هذا التطور . انها قطيعة بين السادات وبيني ونتائجها بالنسبة الى بلدي وموازين القوى في الشرق الاوسط وتوقعت تحالفا لا بد ان يحدث بين اغلب الدول العربية وبين الاتحاد السوفيتى ، وربما تلحق به مصر بعد بضعة اشهر . وقلت لفانس ان افضل شيء نعمله الآن هو ان ننقذ ما يمكن انقاذه لمجرد ان نختم المحادثات ثم نعلن اننا قد فعلنا اقصى ما استطعنا وفشلنا . وطلبت من فانس وبراون ان يتركاني . بعد ان انصرفا بقيت وحدي في المكتب الصغير الذي دارت فيه اغلب المفاوضات . تحركت الى النافذة ونظرت الى جبال كاتوكتين وصليت بحرارة  لبضعة دقائق لنهتدي الى السلام .
" ثم ، لسبب ما ، استبدلت بملابسي ، ملابس اكثر رسمية قبل ان اذهب الى السادات . كان هناك على مدخل مقره مع خمسة او ستة مع مساعديه . وكان معهم فانس وبراون للوداع .
" اومأت براسي تحية لهم ثم دخلت المقر . وتبعني السادات . وشرحت له النتائج بالغة الخطورة التي تترتب على انهائه المفاوضات من جانب واحد ، وان عمله هذا سيضر بالعلاقة بين مصر والولايات المتحدة الامريكية ، وانه بذلك يكون قد نكث بوعوده الشخصية لي ، وان مسئولية الفشل سيتحملها هو . وشرحت التطور الممكن في المستقبل لصداقة مصر وروابطها ابتداء منا الى الدول العربية المعتدلة ثم الراديكالية ثم الاتحاد السوفيتي . وقلت له انه يدمر واحدا من اغلى واثمن ما املك ، صداقته وثقتنا المتبادلة ".
يقول كارتر :
" وقد كان السادات عنيدا ولكننى كنت جادا الى اقصى حد وكان هو يعرف ذلك . الواقع انني لم اكن جادا في اي يوم من حياتى اكثر من ذلك اليوم . فاخذت اعيد عليه  بعض الحجج ذات التأثير عليه التي استعملتها من قبل حين تقابلنا في حمام السباحة . انه سيفقد علنا بعض ارصدته الذاتية ، ويدمر سمعته كرائد عالمي لصنع السلام ، ويسلم بان زيارته الشهيرة  الى القدس كانت عقيمة . وان ستثبت صحة ما قاله اسوأ اعدائه في العالم العربي من انه قد ارتكب خطأ غبيا …" (صفحة 291- 292).
ما الذي حدث بعد هذا .. ؟
272- النتيجة . وهي ما شهد بها وزير الخارجية حينئذ محمد ابراهيم كامل في جلسة 8/11/1988 صفحة 358 من محاضر الجلسات . اذا قال كان مقررا ان يقدم السفير الامريكى لنا نسخة من المشروع الامريكى وقدموه  على انه مشروع امريكى ولكنه في الحقيقة اسرائيلي واعتقد ان ذلك كان نتيجة ضغط من الجانب الاسرائيلي على الامريكان .
سئل : هل تعتبر ذلك غشا للمفاوض المصري من جانب الولايات المتحدة الامريكية .
اجاب : انا ما اعرفش غش ولا ايه وانما ده ضغط من الجانب الاسرائيلي .
السادة المستشارون ،
273- نلاحظ ان الاستاذ محمد ابراهيم كامل ، وهو صديق قديم ، وشريك نضال وطني سئل عنه امامكم فأكده ، فهو من المرموقين ، نلاحظ انه كان صادقا ولكنه لم يكن موضوعيا تماما حين سئل عما وقع على السادات من اكراه وما كان ضحيته من غش . انه ما يزال يحمل جراح ما تعرض له هو شخصيا من استدراج الى موقع المسؤولية  فى فترة من تاريخ الوطن ما كان محمد ابراهيم كامل الذي نعرفه ليقبل التورط في مسؤولياتها لولا ان دعى اليها من صديق له قديم . انه يشعر ، كما هو واضح من كتابه الذي ضم الى اوراق الدعوى ، ان صديقه قد استغله ، فاتجه من حيث لا يشعر الى ان يحمله المسؤولية ، كل المسؤولية ، مع علمه بانه ضحية . والا فلماذا استقال الاستاذ محمد ابراهيم كامل فى اليوم التالي لتهديد كارتر لرئيس جمهورية مصر ؟.
قال في صفحة 581 من كتابه " السلام الضائع " المرفق باوراق الدعوى ان السادات قد قال بعد المقابلة مع كارتر :" ساوقع على اي شيء يقترحه الرئيس الامريكي كارتر دون ان اقرأه " فسأله :"ولماذا ياريس توقع عليه دون ان تقرأه . اذا اعجبنا فعلنا والا فلا نوقع ".
يقول الاستاذ محمد ابرهيم كامل في كتابه : وهب السادات واقفا وقال بصوت ملؤه التحدي " بل سأوقع عليه دون ان اقرأه . واستدار وغادر التراس الى داخل استراحته ".
كيف لم يلتفت محمد ابراهيم كامل مع ما فيه من فطنة وذكاء الى ان رئيسا يقول هذا لا بد ان يكون قد فقد ارادته كلها او جلها قبل ذلك .
على اي حال تقدير الغش والاكراه يعود اخيرا الى المحكمة . ولا شك فى انها حين تقدر ما لاقاه السادات من الصهاينة والامريكيين من غش واغراء وتهديد في كامب ديفيد ، سنقدره باعتباره واقعا على " انسان " تعرض لما يكره من احداث اكراه سابقة ، ارتهنوا قطعة من وطنه ، ثم حرموه من ثمرة النصر العسكري الذي حققته قواته ، ثم هددوه " بالضرب " حين هم بان يحرر غرب القناة ، ثم استدرجوه الى حيث احتجزوه في كامب ديفيد ، فلما اراد ان يفلت هددوه في شخصه وفي وطنه وحملوه على التوقيع على ما اسموها معاهدة السلام .
ما يؤخذ على السادات ، وهو مأخذ انساني ، انه بعد ان عاد لم تتوفر له الشجاعة ليعلن للشعب ما لاقاه في كامب ديفيد من غش واغراء وتهديد . ولو كان فعل لسلم هو وسلمت امته . ولكنه بدلا من هذا تحول الى محام يدافع عن قضيته الخاسرة . وهو عيب انساني ايضا خاصا بسيادته ، فما كان من المتوقع ان يحرم ذاته الاضواء المبهرة التى سلطت على ذاته . وقد عرفنا من قبل تأثير الاضواء المبهرة على اي انسان .
274- على اي حال ،
" معاهدة السلام " ، باطلة طبقا للمادة 46 فقرة اولى من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تنص على البطلان  في حالة ما اذا تضمنت اخلالا واضحا بقاعدة ذات اهمية جوهرية من قواعد القانون الداخلي وهي هنا المادة 58 من الدستور . وباطلة طبقا للمادة 50 لافساد ممثلي الدولة بالاغراء المباشر بما هو تمجيد شخصي . والمادة 51 لصدورها نتيجة اكراه وتهديدات لشخص انور السادات ، والمادة 52 لابرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة او استخدامها في حماية الاستيلاء على الارض بالقوة .
وسيشرح الزملاء كل هذا بجلاء .
مؤدى  كل هذا اننا لا نزال في حالة حرب مع الصهاينة والامريكيين وان ما يغاير هذا من مظاهر هو اثر من آثار المعاهدة الباطلة فهو غير مشروع .
فهل نقاتلهم او لا نقاتلهم
هذا هو السؤال .

اخيرا : القوم المفسدون :

275- واخيرا ايها السادة المستشارون ، فوراء الصراع تناقض حضاري . ويقول علماء الاجتماع والحضارات المقارن ان الهيكل الحضاري للشخصية يكتمل تكوينا قبل ان يبلغ الشخص السادسة عشرة من عمره . تنتقل القيم الحضارية المميزة للامم من خلال الامهات الى اطفالهن بعد ان يكن قد تلقينها وهن اطفال من امهاتهن . بعد السادسة عشرة يبدأ كل شخص في ان يكتسب من تجربته الخاصة ما يضيفه الى هيكله ، ولا يستطيع شخص اي شخص ان يغير هيكله حتى لو طمس معالمه بما اكتسب . انه حيئنذ يغترب كما يقول علماء الاجتماع .
من هنا فان شعوبا كاملة تتميز بحضارات روحية او مثالية ، او مادية ، او انسانية ، او فردية . ومن الشعوب ما يتميز بحضارة وحشية . جاء ذكر احدهما في القرآن . قال تعالى " ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض " ( الكهف ـ 94 ) . لم يقل جل جلاله انهم افسدوا او انهم يفسدون او انهم سيفسدون . لان الأية  لا تحكم على اعمالهم الماضية والحاضرة او المستقبلة . بل قال جل شأنه انهم " مفسدون في الارض " لانه ينبئ بما هم عليه من طبيعة غير قابلة للتغير حسب الازمان . وهي طبيعة وان تكن شريرة الا انها قيمة حضارية فهي تنتقل من خلال الامهات الى اطفالهن وتصاحب الشعب المفسد حتى فنائه ، لا حيلة له في هذا . ويقول المؤرخون ان اولئك المفسدين يأجوج ومأجوج هم الشعب وحشي الطباع المعروف باسم الخزر والذي كانت تقيم قبائله العديدة في الجزء الجنوبي من الاتحاد السوفيتي الحالي .
ويقول المؤرخ المعاصر الفريد ليتنتال في كتابه " التجمع الصهيوني الثاني " المنشور عام 1983 " ان الخزر وهم شعب من الرعاة الوثنيين كان يقيم في جنوب روسيا ما بين نهر الفولجا والدون انتشر على شواطئ البحر الاسود وبحر قزوين وبحر آزون . ولقد لجأ اليهم اليهود الذين طردوا من القسطنطينية ايام الحاكم البيزنطي ليو الثالث ونافسوا المبشرين المسيحيين والمسلمين وكسبوا الخاقان بولان حاكم  الخزر لليهودية نحو عام 740 ميلادية . فتبعه الى اليهودية صفوة شعبه ثم شعبه كله . وان بعض  تفاصيل تلك الاحداث قد تضمنته رسائل متبادلة بين الخاقان جوزيف الخزري وبين الحاخام حسداي بن شروط (915 - 970 ) .. فلما اجتاح المغول بلاد الخزر هرب اليهود الاشكناز الى روسيا والمانيا والبلطيق وبولندا واصبح هؤلاء الاشكيناز الطاغين عددا على اليهود الذين وصلوا الى اوروبا من طرق اخرى . وهكذا فان الاغلبية العظمى من يهود شرق اوروبا ليسوا يهودا ساميين اصلا ".
القصة ذاتها بتفاصيل اكثر او اقل واردة فى دائرة المعارف الامريكية الجزء 13 . وفي كتاب المؤرخ ارثر كوستلر المعنون " القبيلة الثالثة عشرة " المنشور فى لندن عام 1976 الذي ينقل عن ابراهام بولياك ، رئيس قسم تاريخ اليهود في القرون الوسطى ـ جامعة تل ابيب . قوله :" ولهذا فان بعض المتعلمين من اليهود الخزر يسمون انفسهم اشكنازي عندما يهاجرون من بولندا ".
والآن ،
من هم قوام الحركة الصهيونية من بين اليهود ؟ اليهود الشرقيون او الاشكناز . ومن هم الحاكمون رجال دولة الصهاينة ؟ الاشكناز . ومتى دخل الاشكناز الديانة اليهودية ؟ في القرن الثامن الميلادي . ومن اين جاءوا الى فلسطين ؟ من روسيا وبولندا والمانيا ودول البلطيق . وماهو اصلهم الحضاري ؟.
انهم يأجوج ومأجوج الذين وصفهم الله بانهم " مفسدون الارض ".
فهل نقاتلهم او لانقاتلهم
هذا هو السؤال .

الضرورة :

وبعد ،

276- فقد قدمنا اليكم من الحضارة ، والتاريخ القديم ، والتاريخ الحديث ، ومن الحرب الخفية ، ومن الحرب الظاهرة ، ومن العقيدة الصهيونية التي تحملهم حملا على ان يبيدوا العرب ، ومن نظريتهم في الحرب والسلام ، ومن اغتصابهم الارض العربية ، ومن خططهم للاستيلاء على ما بين النيل والفرات ومن قتلهم ابنائنا ، وحتى من استدراجهم رئيسنا واكراهه وغشه للحصول منه على اعتراف بدولة الصهاينة واقامة علاقات دبلوماسية معها ، لنقول لكم ان الامة العربية ارضا وشعبا تعيش مهدّدة بخطر ماحق خلقه ، وينميه ، ويزيد من آثره المهلكة الصهاينة الاشكناز الخزر ياجوج ومأجوج .
فهل لهذا تكييف قانونى .
نعم .
انها المادة 61 من قانون العقوبات التي تنص على ان " لاعقاب على من ارتكب جريمة الجأته الى ارتكابها ضرورة وقائه نفسه او غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به او بغيره ولم يكن لارادته دخل في حلولها ولا في قدرته بطريقة اخرى ".
وحالة الضرورة بعد من مبادئ القانون . جميع فروع القانون من اول الدولي الى الدستوري الى المدني الى العقوبات . وخطر الصهاينة الذي يتمثل في ابادة البشر واغتصاب الوطن ، قام وهو قائم وسيتسمر قائما من جيل الى جيل الى ان يبيدونا نحن العرب بامر الههم . تؤيدهم دولة ما قامت الا بعد ان ابادت شعبا واستولت على ارضه ..
وقد تكاملت اسباب الضرورة بالنسبة الى الافراد العرب في مصر العربية حين تخلت الدولة التي تحمل ، طبقا للدستور ، مسؤولية حماية رعاياها من المخاطر ، عن تحمل هذه المسؤولية باتفاقية كامب ديفيد . تخلت الدولة عن دورها وانسحبت من مواجهة الخطر الصهيوني الامريكي تاركة الشعب يرد الخطر عن نفسه .
اما بالنسبة  الى الشعب العربي خارج مصر ، فقد تفاقمت حالة الضرورة بعجز الدول العربية عن حماية الشعب العربي فيها ، ومثاله ماحدث في لبنان للشعب اللبناني حين اجتاحته قوات الصهاينة ، وما حدث للشعب الفلسطيني فى مذابح صابرا وشاتيلا ، وما حدث في تونس من اغتيال ابو جهاد ، وما حدث في ليبيا من محاولة اغتيال القذافي قصفا بالصواريخ .. فالخطر ، كواقع او وقائع ، في كل مكان يحيط بكل فرد عربي لا يعرف متى يكون ضحيته ، مما تتوافر معه اركان حالة الضرورة .
وهي سبب اباحة وليست مانعا من العقاب وذلك اتفاقا مع الدراسة الرصينة الصحيحة التي قدمها الدكتور احمد فتحى سرور في كتابه " الوسيط في قانون العقوبات " ـ الجزء العام صفحة 272 ومابعدها .
فندفع بالاباحة للضرورة بالنسبة للافعال المنسوبة الى المتهمين المرتبطة طبقا للمادة 32 من قانون العقوبات .
وهى ضرورة لم يكن لارادتنا نحن العرب ، الارادة العامة او الفردية ، دخل  في حلول ذلك الخطر الداهم ، ولا في مقدورنا منعه بغير قتال .
فهل نقاتلهم او لانقاتلهم .
هذا هو السؤال .

السادة المستشارون ، 

277- وحتى تثقوا ثقة نهائية بالا شيء قد حدّ من هذا الخطر المهلك او أوقفه او ألغى أسبابه نقدم اليكم ، ايها القضاة العظام ، وثيقة انتزعناها من بين اسنانهم في الارض المحتلة . عنوانها : " استراتيجية اسرائيلية للثمانينات ". نشرت عام 1982 في مجلة كيفونيم التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية .
278- واذا كانت ثمة جدوى لكل ما اطلنا فيه فهي انه لا ينبغي ان نستخف بوثيقة تصدر من المنظمة العالمية الصهيونية حتى لا يدفع ابناؤنا من دمائهم ثمن استخفافنا . مهما يبدو على مضمونها من خيال فيجب الا ننسى انه قبل قرن كان اغتصاب الصهاينة لفلسطين ابعد من الخيال . ولنتذكر دائما ان المؤسسة الصهيونية المسمّاة اسرائيل ليست الا الاداة للمنظمة العالمية الصهيونية وان تلك المنظمة اذ تضع خطة استراتيجية للثمانينات في هذا القرن فانها تضعنا في مواجهة خطر حقيقي على اقصى درجة من الجدية . وانه لمن الغفلة التي تصل الى حد الغباء ان ننسى ان هذه المنظمة ذاتها هي التي حاربتنا بادواتها عام 1948 وبدولتها اعوام 1956 و1967 و1973 وطبقا لخطط قد وضعت ونفذت من قبل . خطط عشرية منذ ثمانينات القرن الماضي . وانها حين حاربتنا بادواتها المتاحة عام 1948 وبدولتها اعوام ، 1956 ، 1967 ، 1973 كانت تنفذ تلك الخطط تباعا . لسنا اذن امام اجتهاد في الرأي قد يصيب وقد يخطئ ولسنا امام مقال لكاتب صهيوني مسئول او غير مسئول ، ولكننا امام خطة عدوانية ملزمة لكل الصهاينة . نقدمها كما هي باصلها العبري وترجمتها العربية الى عدالة المحكمة لنثبت امرين : 
الامر الاول انه اذا كانت المدافع قد سكتت مؤقتا بعد الحرب الظاهرة عام 1973 مع استمرار الصراع الدموي على الجبهات العربية الاخرى ، فان الحرب الخفية مازالت مستمرة بين الشعب العربي في مصر وبين الصهاينة في العالم اجمع ، كل ما في الامر انها من الجانب الصهيوني معبأة القوة ، كثيفة المعدات ، ذات قيادة موحدة هي " المنظمة العالمية الصهيونية " في حين انها على الجانب العربي افراد وجماعات يدافعون عن انفسهم وعن شعبهم بل وعن دولتهم بالرغم من تخلي قيادة الدولة عن قيادتهم وبالرغم من افتقادهم الى التعبئة الشعبية ، والمعدات المؤثرة ، والقيادة الموحدة .
الامر الثانى : ان ما قاله الصهيوني مناحم بيجين في كتابه " الثورة " من انه " لن يكون سلام لشعب اسرائيل ولا لأرض اسرائيل ولا حتى للعرب ما دمنا لم نحرر وطننا بأجمعه بعد ، حتى لو وقعنا مع العرب معاهدة صلح وسلام "، ليس رأيا شخصيا للصهيوني مناحم بيجين عدل عنه حين وقع مع انور السادات تلك الاوراق التي يسمونها معاهدة السلام ، بل انه المبدأ الاساسي للمنظمة العالمية الصهيونية صاحبة الامر والنهي في الحرب والسلام ، التي يتبعها ويعبر عنها مناحم بيجين ، كما كان يتبعها ويعبر عنها ديفيد بن جوريون فى حديثه المنشور فى جريدة " ها آرتز " الصهيونية يوم 2 اكتوبر 1967 . قال  علينا ان نتخذ من الفتوحات العسكرية اساسا للاستيلاء وواقعا يجبر الجميع على الرضوخ والانحناء امامه "..
اقرأوها أيها السادة المستشارون ،
ثم قولو لنا في حكمكم هل نقاتلهم او لا نقاتلهم .
اشكركم واترك المتهمين في ذمة عدالتكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق