المفكر
عصمت سيف الدولة : لماذا لم أشترك في قيادة الحزب الناصري ؟
حوار مع مجلة المنابر .
القاهرة - مكتب المنابر .
(تقديم .. ثم دخول في الحوار ...) .
- في مستهل الحديث تحدث الدكتور عن الأوضاع السائدة بين
الناصريين وتطرق الى جوهر الخلاف الموجود قائلا :
- في رأيي ان الخلاف الذي حدث ، حدث نتيجة لعدم وجود
المعيار الذي يقاس عليه ، من الصحيح ومن الخطأ ؟ هذا يحتاج الى معيار يتمثل في
لائحة وبرنامج وورقة عمل ، وهذا بدوره يحتاج الى حزب . وقبل وجود الحزب كل
الخلافات مقبولة وطبيعية وصحية ، بل وضرورية . وفي وجود الحزب يوجد المعيار ويوجد
الانضباط وتنظيم الحركة في مسارها المقدر . وبالتالي تذوب جميع الخلافات أو تقل
نظرا لوجود المعيار والحكم الذي يتفق عليه الجميع ويحتكمون اليه في حالة الخلاف .
- لماذا لم تنظم الى قيادة الحزب الناصري في مصر ؟
- لقد جربت ذلك وفشلت ، فشلت في ان اقيم
التنظيم الذي يؤمن بأفكاري ، ويحاول تحقيقها في الواقع وادركت بعدها انني لا أصلح
لقيادة حركة . فأنا قائد فكري ولست قائدا حركيا . وفي اعتقادي ان كبر القيادة
بالنسبة الى القاعدة في حزب من الاحزاب يفجر الحزب من اساسه . فالرأس الكبيرة تكون
عبئا على الجسم النحيل الذي لا يقدر على حمل تلك الرأس . وجميع الاحزاب القومية في
الوطن العربي من القيادة يؤدي الى الانشقاق في القاعدة . لقد كان الانشقاق في تلك
الاحزاب يأخذ الاتجاه الطولي دائما . كان انشقاقا رأسيا من القمة الى القاعدة ،
ولم يحدث في ان حصل مرة أن اختلاف القواعد أدى الى اختلاف القيادة ...
الحزب كما افهمه هو
مجموعة من الافكار تلقى في الشارع السياسي ، فيلتف حولها الافراد ، والاكثر ايمانا
وحركة في اتجاه تنفيذ تلك الافكار ، تجده تلقائيا وقد وصل الى موقع القيادة في
حركته . اي الناس هي التي تنصبه وليس هو الذي ينصب نفسه ، صحيح انه الاكثر بذلا والاكثر
حركة ، ولكنه حين يتبوأ القيادة ، يكون ذلك استجابة منه لرغبة الناس وتحقيقا
لإرادتها الجماعية ..
وانا ارى ان اترك لمن هم مؤمنون بأفكاري ،
والذين يتجمعون حولها ، ان يختاروا فيما بينهم القائد الذي يرونه مناسبا للعب هذا
الدور .
- هل ما نحن فيه الان دليل على فشل الفكرة القومية أم فشل
القوميين في تحقيقها ؟
- القومية فكرة موضوعية ، منفصلة عن المؤمنين أو غير
المؤمنين بها . أنا عربي سواء أدركت ذلك أو لم أدركه لا حيلة لي في أن ألغي عروبتي
أو أتمسك بها . لأنها شيء بعيد عن منالي ، ولذلك فان القومية لا تفشل أو تنجح ،
ولكن الذي يفشل أو ينجح هم الأشخاص الذين يرتبطون بها . والقومية لم تفشل كذلك أيضا
. بل القوميون لم يفشلوا ولكنهم انهزموا ، فما نعيشه الان هو مرحلة انهزام وليس
مرحلة فشل ، نحن انهزمنا ، هذا هو الواقع . ولماذا انهزمنا هذا هو السؤال ؟
بعد وقوع الانفصال في سورية عن الجمهورية
العربية المتحدة خرج البعض ليلعنوا الوحدة والقومية العربية التي كانت سببا – في رأيهم
- لما حدث !! ونسي هؤلاء السبب الحقيقي الذي يتمثل في الرجعية العربية وفي الاستعمار
والصهيونية ، هؤلاء هم الذين كانوا جديرين باللعنات وليست الوحدة أو القومية
العربية .
ما يحدث الان ليس بسبب القومية العربية لكنه
بسبب الإقليمية . هو نتيجة للممارسات الإقليمية التي تمارسها الأنظمة العربية ،
بما فيها بعض الأنظمة التي تدعي القومية .
هذه الكوارث التي نراها حولنا هي افراز طبيعي
للإقليمية . والقضاء عليها لا يأتي الا بالمنهج القومي الصحيح .
ما يحدث الان ليس دليلا على فشل القومية ،
ولكنه الدليل على نجاحها . لأننا لو كنا قوميين لما حدث ما حدث ، وما وقع ما وقع .
ولذلك فإنني أقول أن الفكرة القومية تعتبر في أوجها الان . لأنها الخلاص من كل ما
نعاني منه في واقعنا العربي .
حينما كانت مصر تعلن عن حضورها القومي لم يكن
يحدث شيء مما نراه الان حولنا . بل بالعكس ، كانت الحركة القومية من القوة بحيث قضت
على كل المشاريع الطائفية ومشاريع التسوية وغيرها من المشاريع التي تنشط الان من
حولنا . وحينما انهزمنا - بفعل القوى الداخلية والخارجية - أصبح المجال فسيحا أمام
كل تلك المشاريع للظهور والفعل في الواقع . وهذا دليل على حضور القومية كحركة في
الواقع العربي وهو وحده الكفيل بالقضاء على كل ما نحن فيه الان ..
- أليس هناك بدائل أخرى غير الحركة القومية .. وماذا عن
التيار الإسلامي ، ألا يصلح بديلا سياسيا
؟
- الحركة الوحيدة القادرة على الوقوف في وجه ما نعانيه الان
هي الحركة القومية وليست الحركة الإسلامية . ذلك لأن الحركة الإسلامية تتجاوز
الواقع العربي ، وأية حركة تتجاوز الواقع العربي هي حركة قاصرة عن الحل .
يقولون بوحدة الأنظمة العربية على
"النهج الإسلامي" . ونحن نسألهم ثم ماذا بعد ذلك ؟ ان الدول الغربية
جميعا تتبع نظاما ليبراليا واحدا في الاقتصاد والسياسة والقانون ، ومع ذلك فهي لم
تتوحد . ذلك لأنها قوميات مختلفة ، فوحدة الاقتصاد أو السياسة أو القانون لا تصنع
الوحدة بين قوميات مختلفة . ولكن ما يصنع الوحدة هو العنصر القومي أولا .
ثم اننا لسنا ضد وحدة عربية على النهج الإسلامي
أو غير الإسلامي ، اننا مع الوحدة ..
- حتى لو أنجزتها الرجعية أو الرأسمالية ؟
- ان الرجعية أو الرأسمالية لن تصنع الوحدة العربية ،
فالرجعية والرأسمالية العربية مرتبطة بالرأسمالية العالمية وهذا ضد الوحدة العربية
، ضد الفكرة ، لأنها جزء من أممية عالمية ، والأممية الغاء للقومية . الوحدة
تصنعها الجماهير ، لأن فيها مصلحتها . هذه المصلحة التي تتناقض بالضرورة مع مصالح
الأغلبية من الرأسماليين .
والتيار الإسلامي يقول بوحدة أممية ، ولو
قالوا بوحدة عربية في اطار أممي لأصبحوا قوميين مثلنا ، ونحن نقبل منهم فلسفتهم .
أما أنهم يتجاوزون الواقع ويقفزون عليه فهذا هو الخطأ الذي لا يؤهلهم لحل ما نحن فيه
. انهم هم الذين يجب أن يكونوا مثلنا ولسنا نحن الذين يجب أن نكون مثلهم .
انهم يقولون بتطبيق الشريعة الإسلامية ، فما
هي هذه الشريعة الإسلامية التي ينادون بتطبيقها ؟ يقول بعض الأصوليين " حينما
توجد الشريعة فثم شرع الله " . الا يعني ذلك أن ما تقوم بتطبيقه الأنظمة
العربية الان هو شرع الله ؟ لأنه لو لم يكن يحقق "المصلحة" لثارت عليه الجماهير ، وبما أن الجماهير لا تثور
عليه فهو في مصلحتهم ، اذن فهو شرع الله .. !!
انهم لسوا بالشجاعة بحيث يتحملون مسؤولية آرائهم
، لأنهم يتخفون وراء الفقيه فلان الذي قال والصحابي فلان الذي فعل . ولا يقولون أن
هذه هي آراؤهم وليست اراء فلان الفقيه أو الصحابي . هذا فهم غير جدير بتقديم الحل
الذي يحتاج الى شجاعة وهم لسوا كذلك.. !
ان الوحدة - كما قلنا في جدل الانسان - تعني الامكانيات
الأكبر ، تعني أن امكانيات كل قطر على حدة تضاف اليها إمكانيات الأقطار الأخرى .
وهذا هو الحل ببساطة لما نحن فيه الان . فاذا قال الإسلاميون بذلك فنحن معهم ،
ونحن مع أي طرف يقول ذلك ويستعد لتنفيذه في الواقع .
- وما هي رؤيتك لما يحدث الان ؟
- حينما قلت اننا نعاني من احتلال أمريكي ، هل يعني ذلك
أنك ترى جنودا أمريكيين في الشارع ؟ كلا بالطبع ، فالجندي الأمريكي بيننا ولكنا لا
نراه . لأنه جندي يرتدي اللباس العربي ويتحدث اللغة العربية ولكنه يفكر ويفعل في
الواقع بالطريقة الامريكية !! أيام الاحتلال الإنجليزي كنت تعرف الجنود الانجليز والافريقيين الذين
يخدمون في صفوفهم ، وكان من السهل عليك أن تذهب لاصطياد أحدهم . أما الان فدلني
على أماكن تجمع الجنود الأمريكان ؟ انه احتلال من نوع اخر ، وحرب من طراز جديد لأنك
لا تحارب أشخاصا ، ولكنك تحارب أهداف وأفكار أو قيما ، وهي كلها أشباح . ان الحرب
التي نخوضها الان ضد الاستعمار الجديد ، أصعب بكثير من الحرب ضد الاستعمار القديم
لأنها باختصار حرب ضد أشباح !
يسأل الناس اليوم عن أسعار الدولار قبل أن
يسألوا عن أسعار الجنيه أو الليرة . لقد أصبح الدولار هو السيد ، وبذلك أصبحت
أمريكا أيضا هي السيد في منطقتنا العربية . وحينما يسود الدولار تسود سياسة أصحابه
. وهذا هو الواقع الذي نعاني منه الان . تدهور سعر الجنيه فتقهقر سعرنا وسعر
سياستنا وسعر قرارنا السياسي . فمن يملك الدولار يملك القرار .. !
- من هي القوى المؤهلة في نظركم لإحداث التغيير المرتقب
في مصر ؟
- انها القوى الناصرية ولا جدال في ذلك . أي حل غير ناصري
لما نحن فيه الان سيكون امتداد لما نحن فيه . ولا يعتبر حلا على الاطلاق . أما
الحل الحقيقي فهو الحل النقيض ، والنقيض هو الناصرية .
النقيض للاستهلاك هو الإنتاج وهذه هي
الناصرية ، والنقيض للإقليمية هو القومية وهذه هي الناصرية ، والنقيض للاستسلام
والتسوية هو الصراع وهذه هي الناصرية .
اذن الناصرية هي الحل . وعلى الناصريين أن
يدركوا حقيقة دورهم ويعملوا من أجله . وأعتقد أنهم قد بدأوا الان في ذلك ..
أجرى الحوار : سليمان الحكيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق