بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

بعد اذنكم .. كلمة أخيرة .. وأعتذر عن التدخل .

PDF 

بعد اذنكم .. كلمة أخيرة .. وأعتذر عن التدخل .

د.عصمت سيف الدولة .

كُتب بتاريخ 1 ديسمبر 1982 .

من كتاب الهلال رقم 16 أكتوبر 1987 .

قد لا يكون من اللائق أن يتصوّر أحد أن احدى القضايا هي قضيته الخاصة ، فبدلا من أن يبدي رأيه فيها ويذهب ، يتابع التعليق على كل رأي . من هنا لم يكن لي أن أعود الى الحديث عن رأي لي نشر في جريدة الأهالي يوم 6 أكتوبر 1982 عبّرت فيه عما أعتقده مخلصا من وجود تناقض مبدئي بين رئاسة الجمهورية والانتماء الى الأحزاب السياسية طبقا لأحكام الدستور القائم .

ومع أن الرأي جاء موجزا في سياق مقال طويل عن موضوع اخر الا أنه جذب انتباه كثير من الأساتذة فاهتموا بالكتابة في الموضوع على مدى أكثر من شهر ونصف وفي صحف عدة . ولقد تابعت كقارئ كل ما كتب من اراء فثار في نفسي شعور قوي بالخوف من أن أكون قد قصرت في بيان ما أردت قوله ربما لأنه لم يكن الموضوع الأساسي للمقال ، أو ربما لأنني لم أكن أتوقع كل هذا الاهتمام العام به . لهذا أرجو أن تُقبل مني هذه الكلمة الأخيرة واعتذر عن التدخل .

حين طرحت رأيي افترضت ما هو مفروض : أحزابا حقيقية يلتزم رؤساءها بتنفيذ قراراتها وليس العكس ، والعكس هو أن يكون الحزب هو الملتزم بتنفيذ قرارات رئيسه ، ورأيت أن الدستور القائم يسند الى رئيس الجمهورية وظائف دستورية يتناقض اداؤها مبدئيا مع التزاماته المترتبة على انتمائه الى أحد الأحزاب .

وقد ذهب رأي عرضه أولا أستاذنا الجليل فتحي رضوان ، وتكرّر في تعليقات من بعده ، الى ما خلاصته أن الحزب الوطني الديمقراطي "لا يستأهل" أن يكون رئيس الجمهورية رئيسا به لأنه – أي الحزب الوطني – كذا .. وكيت .. مشيرا الى أسلوب نشأته الأولى انتقالا جماعيا من حزب مصر العربي الاشتراكي الى حيث يحيط برئيس الجمهورية . اذا صح هذا الرأي في الحزب الوطني الديمقراطي فهو على عكس ما افترضت . وبه تضاف الى المشكلة الدستورية مشكلة قانونية هي مدى توفر شروط الحزب السياسي في الحزب الوطني الديمقراطي شرط تنظيم علاقته بأعضائه على أساس ديمقراطي (المادة 5 فقرة 5 من قانون الأحزاب) . اذ ليس لهذا الشرط معنى الا أن تكون القرارات نتيجة حوار ديمقراطي داخل الحزب ، وأن تصدر بالأغلبية ان لم يكن بالإجماع ، وان يكون كل عضو في الحزب ، بما فيهم الرئيس خاضعا وملتزما بقرارات الأقلية فيه ، فهو الغاء لشرعية الحزب ذاته .

هذه المشكلة "القانونية الحزبية" لم أتعرض لها لأنني كمواطن صاحب حق في المطالبة بالتزام الدستور ، ولكني كمستقل لست صاحب صفة في أن أعظ أي حزب بما ينبغي أو لا ينبغي عليه أن يفعله .

باختصار ، ان كان الحزب الوطني الديمقراطي قد اصدر قرارا باختيار رئيس الجمهورية رئيسا له ، فان رئيس الجمهورية قد قبل أن يكون له رئيسا ، وما دمنا لا نريد أن نحشر أنفسنا في هذه العلاقة الخاصة لا يبقى لنا الا أن نفترض أن رئيس الجمهورية ملتزم في كل الظروف بتبني مواقف الحزب والدفاع عنها وتنفيذها حتى لو كان له رأي خاص يخالفها . ولن يكون هذا "تحزبا" ان كان لهذه الكلمة أي معنى ، ولكنه يكون تعبيرا عن جدية الانتماء الحزبي . لهذا لا نفهم الحديث عن رئيس حزب على الحياد بين حزبه ومن يختلفون معه الا أنه حديث فارغ من أي مضمون أو ما هو أسوأ من هذا . والاسوأ هو ما ينطوي عليه مثل هذا الحديث من معاني شكلية التنظيم الحزبي وعدم جدية الانتماء اليه . ومن ناحيتي لم أرده ولا أريد أن أتحدث حديثا فارغا من أي مضمون أو أن أسيء الى أحد .

ومع ذلك لماذا لا يقال ان كثيرا من المآخذ التي أخذها الرأي على الحزب الوطني الديمقراطي ترجع أساسا الى أن مؤسسه كان رئيسا للجمهورية وأن رئيسه الحالي رئيس للجمهورية ، وانها مآخذ وجدت وتوجد في كل حزب تُنشئه رئاسة الدولة أو ترأسه ، ذلك لأنه ليس يخاف على أحد الثقل الدستوري والسياسي والأدبي لمؤسسة رئاسة الجمهورية في مصر وما يحدثه من آثار في مجرى السياسة العامة وحياة المواطنين . فلماذا لا نتوقع أن يكون لهذا الثقل أثر ضاغط حين يصبح مكثفا فوق قمة منظمة حزبية واحدة .. طبيعي أن هذه مسألة تهم أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي بالدرجة الأولى ، الا أن المواطنين العاديين من أمثالنا يهمهم أيضا أن تتحرر الأحزاب ، كل الأحزاب ، من الضغوط الأدبية أو السياسية أو التشريعية التي تحول دون ممارسة دورها الديمقراطي ممارسة كاملة ، وأن تحصل من تأييد الشعب على ما تستحقه بذاتها كاملا غير منقوص وغير مضاف اليه . وهكذا نستطيع أن نرى وجهي الصلة في موضوعنا . فاذا كان تنحي رئيس الجمهورية عن رئاسة الحزب الوطني الديمقراطي مجرد تصحيح لمخالفة دستورية ، فانه فرصة متاحة لشعبنا ليتأكد من أن الحزب الوطني الديمقراطي ينال ما يستحقه فعلا أن يكون حزب الأغلبية ، وقد يأخذ مكانه الذي يستحقه بين أحزاب الأقلية ، وقد ينفرط عقده كما انفرط عقد حزب مصر العربي الاشتراكي . وفي كل حالة من هذه مكسب هائل للحياة الديمقراطية .

ثم أعود الى الدستور معترفا بأن أغلب الذين علقوا على ما كتبت قد ذهبوا الى غير ما اعتقدته في التعليل . ثم أيدوا النتيجة التي وصلت اليها بعلل قيّمة ولكنها قابلة للجدل . لقد بنيت رأيي على أساس من أحكام الدستور التي لا بد من الالتزام بها سواء أعجبتنا أو لم تعجبنا . وأيّدوا رأيي على أسس ما يعجبهم في نظر الحكم . يبدو رأيي اذن منقوضا من أساسه وهذا ما أريد أن أردّه .

قال أغلبهم انه لا يوجد في الدستور نص صريح يخطر على رئيس الجمهورية أن يكون منتميا الى حزب سياسي . وهو صحيح . لا وجود لهذا النص الصريح . ولم يرد شرط الحظر بين شروط تولي رئاسة الجمهورية المنصوص عليها في المادة 75 .

ولكن لسبب بسيط هو أن الأحزاب كانت محرّمة قانونا ودستوريا قبل تعديل الدستور عام 1980 . فلم يكن من الممكن أن يتضمن الدستور الذي صدر عام 1971 نصا يحظر على رئيس الجمهورية الانتماء الى الأحزاب المحرّمة بحكم المادة 5 من الدستور ذاته وبحكم سلسلة قوانين اخرها قانون الوحدة الوطنية رقم 34 لسنة 1972 . كان الانتماء الى أي حزب جريمة فهل كان من المتصور أن يرد في الدستور نص يحظر على رئيس الجمهورية ارتكاب الجرائم ، وهل هناك نص فيه – حتى الان – يحظر ارتكاب الجرائم . الحظر وارد ضمنا في المادة 79 التي ألزمت رئيس الجمهورية بأن يقسم على احترام الدستور والقوانين . ولقد تم الغاء المادة 5 من الدستور وحل محلها نص يبيح تعدد الأحزاب . وبقيت باقي نصوص الدستور "المفصلة" على رئيس جمهورية "غير حزبي" بدون تعديل . من هنا نشأ التناقض وقلنا صراحة ان هذا التناقض نشأ بعد تعديل الدستور . أما قبل ذلك فيما يسمى بنظام التنظيم الواحد فلم يكن ثمة تناقض بين رئاسة الدولة ورئاسة الاتحاد الاشتراكي العربي . اذن لا مبرر لتذكير أحد بنصوص الدستور لأنه مكتوب ومنشور .

ولقد قلنا ونقول ان الدستور قد أسند الى رئيس الجمهورية وظائف دستورية يتناقض آداؤها مع ما يترتب على الانتماء الحزبي من التزام (نكرر التزام . والعبرة بالالتزام قبل الفعل لأنه يسبقه ويحدده) ، نقول من التزام بالخضوع لقرارات الحزب والدفاع عنها وتنفيذها . وضربنا مثلا من المادة 128 من الدستور . ماذا تقول المادة 128 ؟ تقول نصا :

لمجلس الشعب أن يقرر بناء على طلب عشر أعضائه مسؤولية رئيس مجلس الوزراء ويصدر القرار بأغلبية المجلس . ولا يجوز أن يصدر القرار الا بعد استجواب موجه الى الحكومة .. وبعد ثلاثة أيام على الأقل من تقديم الطلب . وفي حالة تقرير المسؤولية يعد المجلس تقريرا يرفعه الى رئيس الجمهورية متضمنا عناصر الموضوع وما انتهى اليه من رأي في هذا الشأن وأسبابه . ولرئيس الجمهورية أن يرد التقرير الى المجلس خلال عشرة أيام فاذا عاد المجلس الى قراره من جديد جاز لرئيس الجمهورية أن يعرض موضوع النزاع بين المجلس والحكومة على الاستفتاء الشعبي .. نقف عند هذا الحد . لا أرى من ناحيتي أي غموض في دلالة النص . انه يعهد الى رئيس الجمهورية بوظيفة الحكم في نزاع بين الحكومة والمجلس . فان رأى كحكم أن الحق مع الحكومة أعاد تقرير المجلس بالمسؤولية اليه . فان أصر المجلس فله كحكم أن يصر على موقفه أو أن يستفتي الشعب .

أقول ببساطة ان أي رئيس جمهورية "ملتزم" مقدما بتنفيذ قرارات الحزب الذي ينتمي اليه ، كما هو مفترض ، لا يستطيع أن يؤدي الوظيفة الدستورية المبينة في هذه المادة . لا يستطيع أن يكون حكما بين رئيس الحكومة والاغلبية البرلمانية في حالة النزاع بين الأغلبية البرلمانية والحكومة الا اذا كان غير ملتزم حزبيا بموقف الأغلبية . يعني الا اذا كان غير منتم الى الحزب الذي يضم أحد طرفي النزاع . هل ثمة أي غموض ؟

لقد احتج علي الأستاذ فتحي رضوان بأنه في حالة أغلبية حزبية ينتمي اليها رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية لا محل للحياد ، وأنه لذلك لا يرى أن المادة 128 تحظر رئيس الجمهورية رئاسة الحزب . ولكن ما قاله الأستاذ فتحي هو ذاته حجتنا . ان انتماء رئيس الجمهورية الى حزب الأغلبية حيث لا محل للحياد يتناقض مع تطبيق المادة 128 التي تفترض الحياد في الرئيس .

وضربنا مثلا بالمادة 136 ، أكمل ايضاحها الدكتور شوقي عطية . هذه المادة تقتضي بإيقاف جلسات مجلس الشعب والاستفتاء في حله في حالة وجود خلاف بين رئيس الجمهورية وبين أغلبية مجلس الشعب . فقلنا ونقول ببساطة لا تجريح فيها ان هذه المادة تفترض أن رئيس الجمهورية غير "ملتزم مقدّما" من خلال الرابطة الحزبية برأي حزب الأغلبية . وأن أي رئيس جمهورية ملتزم حزبيا بالخضوع لرأي حزب الأغلبية والدفاع عنه وتنفيذه لن يطبق هذه المادة . فاذا أراد أن يطبقها تعين أن يكون غير منتم الى الحزب .

فهل ثمة غموض ؟

لقد جاء في عدد مايو الصادر يوم 25 أكتوبر 1982 تعليق : "هل نفترض أن الخلافات بين رئيس الجمهورية ومجلس الشعب هي الأصل الذي يستحيل حله أم أنه أقرب الى المنطق الطبيعي أن الدستور يضع حلولا لأي عارض يمكن أن يحدث ، فاذا لم يحدث هذا العارض وهذا هو المتوقع فلا يمكن بداهة تطبيق هذه المادة" . أرى أن المسألة ليست بسيطة أو سطحية ، لقد ظن صاحب التعليق أنه يخالف الرأي الذي ذهبت اليه . أبدا . انه يؤيده . ذلك لأنه اذا كان الدستور قد توقع خلافا بين رئيس الجمهورية ومجلس الشعب فلأنه لم يتوقع أن يكون رئيس الجمهورية منتميا الى حزب الأغلبية في مجلس الشعب حيث يعني الانتماء الالتزام بقرارات الحزب وعدم مخالفته . وجاء الشعب طرفا ثالثا يُحتكم اليه في حالة الخلاف فأصبح من حق الشعب دستوريا أن يُحتكم اليه . وكل هذا يتناقض مع انتماء رئيس الجمهورية الى الحزب .

وأسأل أنفسنا لو حدث هذا "العارض" الذي توقعه الدستور – لا سمح الله – ماذا يكون الموقف ؟

وسؤال اخر أكثر عمقا : ألا يشترط في رئيس الجمهورية – بدون حاجة الى نص – أن يكون صالحا دائما لأداء وظائفه الدستورية حتى العارض منها ؟

ثم نأتي الى النقطة الثانية التي ترددت في كل ما قيل . لقد ذهبت أغلبيتهم الى القياس على نظم الحكم في الدول الأخرى وضربوا أمثلة من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا لإثبات أنه لا تعارض بين رئاسة الجمهورية والانتماء الى الأحزاب .

كتب من يطلب - ولا يتحدى – أن يدلّه أحد على دستور واحد يحرّم على رئيس الجمهورية أن يرأس حزبا ، وقد دلّه صاحبه في ذات العدد "مايو" الصادر في 25 اذار 1982 حينما ذكر الدستور الإيطالي ويمكنه أن يستدل بنفسه عن الأحزاب الإيطالية .. ولكن المسألة كلها ليست هنا . لقد قيل بحق "لا اجتهاد مع النص" وهي قاعدة أصولية لا يمادي فيها أحد : هذا يعني أنه لا يجوز القياس على نظم أخرى بعيدا عن نصوص دستورنا . لقد كانت حجتي قائمة على نص المادتين 128 و 136 وأضاف الدكتور شوقي عطية المواد 86 و85 و87 و112 و113 ، وأضاف اخر لم ينشر اسمه في جريدة الأهالي المادة 81 . فلماذا نذهب الى أطراف الدنيا نبحث عن حلول لمشكلاتنا الدستورية ولا نحتكم الى دستورنا . من له كلمة في تفسير هذه المواد فليقلها ، وقد قيلت كلمات جيدة ردا على الاحتجاج بالمادتين 112 و113 فلنكمل مشوار الدراسة بدلا من الخروج عن الموضوع الى دول أخرى ودساتير أخرى . لنتأمل مثلا كيف أدت الصيغة الخاصة بدستورنا – والتي لا مثيل لها – الى خطأ الاستناد الى دساتير وتقاليد دستورية تبيح لرئيس السلطة التنفيذية رئاسة الحزب في أمريكا وفي فرنسا وغيرهما . لقد أفاض رأي في الاستناد الى مواد الدستور التي تقيم  من رئيس الجمهورية رئيسا للسلطة التنفيذية ، وقال بحق ان دستورنا قد عهد الى رئيس الجمهورية بوظيفتين . أولاهما هي رئاسة الدولة والثانية هي تولي السلطة التنفيذية . ما فاته هو أن كل المواد الدستورية التي استندنا اليها تقف عند المادة 137 ، بعدها مباشرة يبدأ تنظيم الوظيفة التنفيذية لرئيس الجمهورية ابتداء من المادة 137 .. فنحن نتحدث عن التناقض بين الوظائف الدستورية المسندة الى رئيس الدولة وبين انتمائه الى حزب . ولو اقتصرت وظائفه على رئاسة السلطة التنفيذية لما كان ثمة تعارض . واضح فيما أرجوه . يجب أن يكون واضحا اذن أنه مع وجود تلك الوظائف غير التنفيذية المسندة الى رئيس الجمهورية لا يجوز أن يكون منتميا الى حزب .

لهذا فانه لا توجد مشكلة لا في أمريكا حيث رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية ولكن حيث السلطة التنفيذية منفصلة تماما عن السلطة التشريعية ، وقد حدث كثيرا أن أغلبية الكونغرس كانت من غير حزب رئيس الجمهورية ولم تحدث مشكلة . ولا توجد مشكلة في فرنسا حيث لا يقوم رئيس للجمهورية بالاحتكام الى الشعب في خلاف بينه وبين البرلمان ، وحيث لا يعهد اليه الدستور بأن يكون حكما في نزاع بين الحكومة وبين اغلبية الهيئة التشريعية .. أما في أوروبا الشرقية فتأخذ بذلك النظام الشمولي كما يسمى عندنا حيث يكون رئيس الحزب أو أمينه العام هو رئيس الدولة بدون تناقض .. انني أطلب الى كل الذين عقدوا تلك المقارنات أو الى كائن من كان أن يدلنا على دستور في أية دولة تضمن كل المواد المشار اليها من قبل وكان رئيس الدولة فيه رئيسا لحزب سياسي .

ثم الى الذين تدخلوا في الموضوع مستعجلين .

ان القاعدة الشعبية لرئيس الدولة هي الشعب كله ممثلا في جماعة الناخبين كما أرساها الدستور اذ أن مصدر شرعية توليه هي الأغلبية الشعبية التي يسفر عنها الاستفتاء (المادة 86 من الدستور) . واذا كان أحد يريد أن يوهم نفسه أو يوهمنا بأن القاعدة الشعبية لرئيس الجمهورية هي الحزب الوطني الديمقراطي صاحب المليون عضو كما يقال فليسأل نفسه أولا عن مصير التسعة ملايين الباقين ممن قبلوا أن يكون حسني مبارك رئيسا لدولتهم ولم يقبلوا أن يكون رئيسا لحزبهم فلم يدخلوا الحزب الذي هو رئيسه .

أما الحديث عن أن رئيس الجمهورية لا يأتي من فراغ أو أن في حجبه عن الأحزاب عودة الى الملكية أو أنه يحرم مصر من أن يكون رئيس جمهوريتها زعيما ، فأقول اننا نتحدث عن رئيس الجمهورية بعد أن يصبح رئيسا للجمهورية ، أما قبل ذلك فأمامه العمل العام بكل ساحاته الحزبية وغير الحزبية ، ولكنه اذ يصبح ملتزما بالدستور أمام الشعب كله بعد انتخابه لا يجوز له دستوريا أن يبقى ملتزما ببرنامج حزبه وقراراته أمام أعضائه والا فقد صلاحيته لأداء بعض الوظائف الدستورية التي تفترض فيه الحياد . أما المقارنة الملكية والعودة اليها فهي لا شك عثرة قلم . الملك يملك ولا يحكم . رئيس الجمهورية الرئاسية كما هو الحال عندنا يحكم ولا أحد يملك . موضوع المناقشة هي أن دستورنا يقيم من رئيس جمهوريتنا حاكما بصفته رئيس السلطة التنفيذية ويقيم منه حكما بصفته رئيسا للدولة والتناقض قائم بين وظيفته الثانية والانتماء الى الأحزاب .

أما من يخشى أن نفتقد زعيما فأرجوه أن يقبل مني القول بأننا تعبنا من "الزعامة" وأن كثيرين فيما أعتقد ، أنا واحد منهم ، يريدون أن يجربوا قبل أن يموتوا طعم الحياة في ظل جمهورية دستورية ديمقراطية . على قمتها رئيس جمهورية "عادي" لا أكثر ولا أقل . في سبيل هذه الأمنية كتبت ما كتبت . أما الذين أخذوا علينا الحديث عن الدستور بينما الناس مشغولون بمشكلات الحياة اليومية فنقول لهم لقد تعلمنا من فرط ما بدّدنا من جهد في اصلاح فروع المشكلات أن نبدأ من جذورها وبذورها . والله ولي التوفيق .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق