بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

حوار مع الدكتور عصمت سيف الدولة حول الأزمة المعيشية في مصر .

 

حوار مع الدكتور عصمت سيف الدولة حول الأزمة المعيشية في مصر .

جريدة الأهالي بتاريخ 31 – 10 – 1984 . ص 6 .

لماذا يصر حكامنا على تحويل البحر الى طحينة ، ويُغرقون الناس في الأوهام ؟ هل يتصوّرون أنهم قادرون في ظل نفس السياسات السائدة على تنفيذ ما يعدون به ؟ أم أنهم يدارون عجزهم الى حين ، بالتلفيق والتحايل ؟ وما هو الطريق الصحيح والسياسات الصائبة لمواجهة مشاكل الجماهير وحلها ؟

(وقد التقت الأهالي مجموعة من السياسيين الذين تحاورت معهم حول الأزمة المعيشية في مصر : د.رفعت السعيد ، د.حلمي مراد ، د.محمد إسماعيل ، محمد المسماري ، وقد كان من ضمنهم الدكتور عصمت سيف الدولة الذي كان معه الحوار التالي) :

نقد الحكومة والمعارضة 

- أما د.عصمت سيف الدولة فيطرح أفكارا مختلفة اذ يقول :

- أرجو أن يتسع صدر جريدة الأهالي لأقول على صفحاتها ، انني أكاد أضيق ذرعا بالمعارضة وصحفها وأسئلتها ، والواقع أن المعارضة بشكل عام قد استثمرت الحديث عن الحكومة ومع الحكومة ، وفي رأيي ان هذا لا بد أن يتوقف فورا ، حتى لا تختفي مشاكل الشعب الموضوعية في حوار عاصف أو عاطف مع الحكومة ، ذلك لأني أعتقد أن وظيفة المعارضة وصحفها هي مخاطبة الشعب وتوعيته على حقيقة مشكلاته والامكانيات المتاحة لحلها ، ثم يترك للشعب ولو كتعبير عن الثقة به أن يطالب حكومته أو يحاسبها .. ومن قبل أكثر من قرن ، قال فيلسوف الحرية جان جاك روسو "ان الناس العاديين هم الذين يؤلفون الجنس البشري ، وليس هناك من هو جدير بالاهتمام غير الشعب " .. بناء على هذا فأنا لست معنيا بما تقوله الحكومة وما تعد به أو ما تخلف وعدها . واذا كان الشعب يقبل من الحكومة أن تعد وأن تخلف وعودها ، ويقبل عذرها ويصبر عليها فلا أحد من حقه أن يقيم من نفسه وصيا على الشعب . انما من حق كل مواطن وواجب عليه أن يضع تحت نظر الشعب ما يعتقد أنه السبب الموضوعي لمعاناته .

- وماذا عن اثار هذا التناقض بين أقوال الحكومة وأفعالها على الشارع المصري ؟

الشحم القذر

والمشكلة كما يراها د.عصمت سيف الدولة ، هي في النظام الرأسمالي ذاته ، فهو يقول :

- ان ما تعاني منه أغلبية الشعب بصفة أساسية هو ارتفاع أسعار مواد الحياة الضرورية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وعلاج ، واضطراد هذا الارتفاع على وجه لم يعد في مقدرة الأغلبية الساحقة من الشعب أن تلاحق بدخولها المحدودة حركة الأسعار الصاعدة بدون توقف . ومع أن هناك أصواتا تشكو وتدين بل وتستغيث مطالبة الحكومة بأن تضع حدا لهذه المأساة . كما أن هناك أصوات تحمّل الحكام مسؤولية هذا الصعود القاسي في تكلفة الحياة .. فإنني من جانبي أعتقد أن كل هذا بدون جدوى ، بل وبدون حق ، ذلك لأن ظواهر التضخم وبالتالي انخفاض القوة الشرائية للنقود وبالتالي عجز أغلبية الشعب عن اشباع حاجاته الضرورية ، وما يصاحب كل هذا من استحواذ أقلية على النسبة الكبرى من الدخل القومي ، وتحول كثير منهم الى مليونيرات لا يشعرون بمعاناة مهما ارتفعت الأسعار ، وما يتخلله من مسالك الربح السريع عن طريق المضاربة على قدرة القادرين وعجز العاجزين والربح من الطرفين بدون عمل .. الخ . كل هذه ظواهر طبيعية متكررة في كل الدول التي تأخذ بالنظام الرأسمالي . حتى الاختلاسات والسرقات والرشاوي والانحلال ليست أكثر من الشحم القذر ، أو العادم الخانق الذي يعتبر كل منهما ضروريا لحسن سير الالة الرأسمالية . فالمسألة اذن هي اما أن يقبل الشعب النظام الرأسمالي أو لا يقبل . ان كان يقبله فليس من حقه أن يشكو منه ، وليس من حق المعارضة أن تحمّل الحكومة مسؤولية نتائج حتمية لنظام رأسمالي لا تعارضه .

فرض غير صحيح

ويستطرد د.عصمت سيف الدولة :

- ليس هناك أسخف ولا  أتفه في العالم من الدعوة الى رأسمالية بدون طفيليين ، لم يحدث ابدا في تاريخ النظام الرأسمالي ، أن عاشت الرأسمالية بدون النشاطات الطفيلية . كما لم يحدث أبدا أن قام نظام رأسمالي بدون بطالة صريحة أو مقنعة ، وعلى الذين لا يعجبهم النظام الرأسمالي أن يكفوا عن محاولة ايهام الشعب بأنه يستطيع أن يتحوّل الى نظام اقتصادي منتج بصرف النظر عن العلاقة الجوهرية بين اتجاه رؤوس الأموال والربح ، وما دام الربح هو الذي يحكم نشاطات النظام الرأسمالي فانه من الغباء القاء مواعظ وطنية أو أخلاقية على الرأسماليين . ولا أستطيع أن أعزل  عشرات الظواهر الرأسمالية في مصر عن تخلي بعض الذين يشكون منه عن رفع رايات الاشتراكية والدفاع عنها علنا ، وانه لمن المشاركة المحزنة من جانب بعض فصائل المعارضة ، أنها قد تخلت عن نضالها المشروع من أجل الاشتراكية صراحة ، قد تخلت عن استهداف نقدها للنظام الرأسمالي القائم ، وبالتالي تخلت عن وظيفة الدفاع عن الشعب الذي يعاني ، أو فلنقل وظيفة توعية الشعب بأصل بلاءه وسبب معاناته وعلاج مشاكله . اني أقول لمن يعانون من الشعب أن أصل البلاء وسبب المعاناة هو ما يسمى الانفتاح الاقتصادي . وأنه مهما حاولت الحكومة ومهما تكن حسن نيتها فان الأسعار ستواصل ارتفاعها علنا أو خفية الى أن توازي الأسعار السائدة في السوق الرأسمالي العالمي اذا ما استمر الانفتاح الاقتصادي ، وان اتهام الحكومة بأنها مقصرة في الحد من هذا الارتفاع اتهام قائم على فرض غير صحيح ، هو أن الحكومة تستطيع أن توقف فاعلية قوانين السوق الرأسمالي . وهو فرض غير صحيح . وأتحدى من يستطيع أن يدلني على دولة رأسمالية ، الأسعار فيها أقل من مصر .

- وما هو المخرج من هذا المشكل وتلك الأزمة ؟

على بلاطة

د.عصمت سيف الدولة يقول :

بصراحة "وعلى بلاطة" النظام الاشتراكي هو البديل المنقذ ولا بديل عنه . والنظام الاشتراكي ليس هو هذه الترهات التي ينسبونها اليه من تأميم ومصادرة وحراسة ..الخ . بل النظام الاشتراكي هو ببساطة توظيف كافة الموارد المتاحة ماديا وبشريا لإشباع الحاجات المتجدّدة للشعب طبقا لأولويات تحدّدها احتياجات الأغلبية تنفيذا لخطة مركزية شاملة وملزمة لكل النشاط الاقتصادي العام والخاص . والجوهري في الخطة أن تكون شاملة وملزمة . فالخطة المقصورة على القطاع العام ، والخطة التي ليس لها قوة الالزام القانوني ، هي من قبيل الخطط المعمول بها في كثير من الدول الرأسمالية ، فهي لا تمت بصلة للنظام الاشتراكي .

وهكذا .. يتفق الكل على اختلاف اتجاهاتهم الحزبية والسياسية ، على مواجهة المشكلات الضخمة بالوعود والتصريحات والمانشيتات .... ويطرحون العديد من الآراء والحلول والبدائل ، بعضها موجه لنقد الحكومة ـ وبعضها للمعارضة .. وأخرى للشعب ..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق