ندوة المركز العربي الإسلامي
للدراسات – جريدة الشعب بتاريخ 23 فبراير 1996
د.عصمت سيف
الدولة :
الدول العربية
مجتمعة مكنت
إسرائيل من فلسطين حتى اليوم ..
الديمقراطية
واستبعاد الحكومات .. السبيل الوحيد لتحرير فلسطين .
حضر الأستاذ إبراهيم شكري – رئيس حزب العمل –
يوم الخميس الماضي ، الندوة المهمة التي عقدها المركز العربي الإسلامي للدراسات
بالحزب تحت عنوان "مستقبل القضية الفلسطينية" في عودة لأنشطة المركز
والتي تحدث فيها المفكر الكبير د.عصمت سيف الدولة وحضرها لفيف من المثقفين
والمهتمين بالقضية الفلسطينية وأعضاء حزب العمل وذلك بمقر حزب العمل الرئيسي .
وفي بداية كلمته أشار د.عصمت سيف الدولة الى
أننا لن نفهم مستقبل القضية الفلسطينية الا اذا أدركنا واقعها ، واذا كانت أي قضية
هي عبارة عن نزاع بين متعدّدين على حق يزعم كل منهم أنه صاحب الحق . اذن نجد أن
أول نقطة يجب التركيز عليها هي : ما مضمون الحق في فلسطين ؟ فالصهاينة يدّعون حقهم
فيها ، بينما أصبح السائد في دولنا العربية أن الفلسطينيين هم أصحاب الحق في
فلسطين . وبالتالي يتم تأييد منظمة التحرير الفلسطينية وكفى . ! فالدول العربية تختلف فيمن هو صاحب الحق في
فلسطين طبقا لجغرافيتها ..
ففلسطين تدخل في منطقة الأمن القومي لكل من
مصر ، وسوريا ، والسعودية ، بينما المغرب مثلا لا تشعر بأن هناك قضية لأنها بعيدة
، بينما تصر أطراف أخرى على أن مضمون الحق في فلسطين متوقف على القدس أو المسجد
الأقصى فقط !!
وأضاف سيف الدولة أننا كعرب ننازع الصهاينة
على فلسطين لأننا جيران (وهذه وجهة نظر موجودة) وهذا النزاع له حلّان : اما أن
تهزم العدو وتفرض عليه رأيك واما أن تقوم بالصلح معه فتأمن شرّه وقد مثل هذه
النظرة الرئيس التونسي السابق "بورقيبة" البعيد جغرافيا عن فلسطين حين
قال يوما للعرب : اما أن تحاربوا إسرائيل ، واما أن تقوموا بالصلح معها . ثم وصلنا
مع منظمة التحرير الى ما نحن فيه لأن وجهة النظر السابقة والموجودة منذ عام 1964
كانت تتعامل مع قضية فلسطين على أنها أجنبية عن القضية ، ومن هنا كان هؤلاء ينشطون
ويحاربون على هامش قضية فلسطين ولم يخطر على بال أحد أو أي دولة أو حتى منظمةالتحرير ، تحرير أرض فلسطين !! وهذا مدخل مهم لمعرفة مستقبل القضية .
كما أن هناك مدخلا اخر بشأن القضية – كما قال
د.سيف الدولة – هو أن فلسطين أرض عربية وهذا ليس جديدا ، اذ لم تدخل هذه النظرة في
صلب القضية ، وذلك يجرنا الى سؤال كيف تكونت الأمة العربية ؟ والأمة باختصار هي
أرض محدّدة مملوكة لمجموعة محدّدة من البشر استمر استقرارهم عليها الى أن أصبحت
عليها حضارة مميزة ومن هنا نقول ان العرب لم يكونوا أمة قبل الإسلام الذي أتى
فأصبحت لهم حركة الهية مباركة بها فكر وفلسفة وقواعد للسلوك وتجمعوا في المدينة
وفيها تم تحرير أقدم دستور في تاريخ البشرية "وثيقة الصحيفة" الذي نظم
العلاقة بين المهاجرين والأنصار ، والقبائل اليهودية ، وكانت المرة الأولى التي
تعرف فيها البشرية مصطلح "وطن" .
الانطلاقة الحضارية
وأوضح المفكر الكبير أنه انطلق من المدينة مشعل الإسلام بعناصره الحضارية ، وحين
وصل الإسلام الى مصر والشام وغيرها من بلاد العرب كان الجميع تحت نظام واحد وقانون
واحد ، الشريعة الإسلامية ، وتحت راية حاكم واحد ولم تكن هناك حدود أو قيود وبذلك
امتدت حضارة عربية كما مارسها العرب ، وفي ظل هذه الظروف ، وابّان الحروب الصليبية
جاء التأثير الهائل لمصر في بقية أطراف الوطن العربي حيث الأمن والأمان بها مما
جعلها مركزا للإشعاع الحضاري حيث يتلقى كل العرب والمسلمين الحضارة العربيةالإسلامية من منشئها في مصر ودليل ذلك أن القاهرة بلد الالف مئذنة أغلبيتها
الساحقة ليست لمصريين . ومن هنا كانت حركة طرد الصليبيين الذين ظلوا بالشام
لمائتي عام من مصر حيث التفاعل الحضاري تحت راية دين واحد ، ودستور واحد هو
الشريعة ، وتحته تتعدد المذاهب (المالكي ، الحنفي – الشافعي – الحنبلي) وهكذا وجدت
الأمة العربية .
واستطرد د.عصمت سيف الدولة قائلا : واستمر
هذا الحال من وجود الدول العربية ذات الحدود المفتوحة وكانت السيادة على فلسطين
آنذاك لهذا التكوين البشري الموجود المسمى "الامة العربية" حتى جاء عام
1919 حين تم تقسيم الأمة الى دول جيران مستقلة بحدودها ورئاستها وقوانينها وجنسيتها
وهنا جاء الصهاينة في ظل هذه الدول المتعددة واستولوا على فلسطين فحاول الشباب
العربي الإسلامي مثل الاخوان المسلمين الدفاع عنها وكلهم كانوا من العرب ، ثم رأت
الدول العربية خطورة المسألة فدخلت الحروب بعد طرد المتطوعين العرب فانهزمت نتيجة
تامر وخيانات ، ومنذ هذه الهزيمة قلت – والكلام للمفكر الكبير – قامت إسرائيل
ونجحت في الانتصار بعد مساعدة وتحت حماية الدول العربية جميعا معنى ذلك أن الدول
العربية مكنت إسرائيل من فلسطين الى الان ، اما بعدم القيام بعمل كان لازما واما
بالقيام بعمل لم يكن لازما . !!
وشدد سيف الدولة على أن الذين بقوا يقولون
"فلسطين عربية" غيروها الان الى "فلسطين فلسطينية" الى أن
وصلنا الى الاتفاقات الحالية . فكيف تواجه منظمة التحرير إسرائيل بعد ان هزمها
الصهاينة ؟ وهنا نذكر أن العالم لا يحترم الدول العربية التي تقول بتحرير فلسطين ،
فالعالم الان يقول هذه ليست أرض العرب بل ارض أبو عمار الذي اتفق مع إسرائيل ..
اذن لا شان لكم أيها العرب !! ..
ثورة شاملة
وعرّج د.عصمت سيف الدولة الى مستقبل القضية
الفلسطينية في ضوء ما سبق حيث أن حلها يكون أولا : باستبعاد الدول العربية
بالأسلوب المناسب عن التدخل في قضية تحرير فلسطين . وثانيا : السماح للشعب العربي
في كل مكان بخيار الديمقراطية لأنه في ظل الديكتاتورية بالكاد سنفكر في حماية
بيوتنا وليس بيوت الفلسطينيين . فالشعوب هي التي تحرر فلسطين فحسب وليست الحكومات
.. فالثورة الشاملة التي تحرر فلسطين وتؤدي الى الوحدة العربية تنطلق من الشعوب .
وانتقد سيف الدولة من يروّجون للسوق الشرق
أوسطية ويقولون أنه مستحيل أن يؤثر (5) ملايين إسرائيلي في (200) مليون عربي حيث
اننا يمكن أن نوافق على التطبيع والشرق أوسطية بشرط واحد هو قيام إسرائيل بإلغاء
قانون العودة الذي ينص على أن أي يهودي يذهب لإسرائيل يصبح مواطنا إسرائيليا !!
معنى ذلك اننا في ظل الشرق أوسطية سنجد ما لا
يقل عن عشرة ملايين (يهودي إسرائيلي) داخل بلادنا برأسماله ، وهنا يحدث الغزو الذي
نخاف منه على اعتبار أن إسرائيل هي رأس حربة للاستعمار العالمي في المنطقة .
وقانون العودة ذلك الذي مازال ساريا سيجعل الفلسطينيين سنة بعد أخرى أقلية في
بلادهم . والعجيب أن المفاوضين الفلسطينيين لم يتطرّقوا اليه رغم اجبار
الاسرائيليين المنظمة وأبي عمار على تعديل ميثاق المنظمة بشأن ما يسمى تدمير
إسرائيل .. وعموما فان معركة أبي عمار قد انتهت ولكن معركة الفلسطينيين لم تنته ،
فاذا كان أبو عمار قد تعب فان هناك أجيالا ستخرج لم ولن تتعب .
مناقشة مفتوحة
ثم دخل سيف الدولة في مناقشة مهمة مع الحضور
حيث أكد ممدوح الشيخ مقرر أمانة الدعوة والتثقيف بحزب العمل أن الاطار القومي
العربي للصراع مع الصهاينة أدى بنا الى ما نحن فيه . لذا يجب البحث عن اطار اخر هو
الاطار الإسلامي حيث اصبح للرصيد الديني باع كبير عند طرفي الصراع وبخاصة أن
الإسلاميين يؤمنون بأن فلسطين من النهر الى البحر وقف إسلامي يجب تخليصه من دنس
الصهاينة . وهنا تجدر الإشارة الى وجود متطوّعين مسلمين غير عرب أثناء حرب 48 .
أما الباحث محمود سلطان – عضو حزب العمل –
فأوضح أن مستقبل قضية فلسطين يتوقف على نهاية الصراع العلماني الإسلامي في دولنا
العربية والاتفاقات الأخيرة بين منظمة التحرير وإسرائيل تكرس انتصار الطرف
العلماني .. والرؤية العلمانية للصراع مع إسرائيل جعلته في البداية صراعا عربيا
إسرائيليا ثم أخيرا صراعا فلسطينيا إسرائيليا مع أن الرؤية الحقيقية هي أنه صراع
إسلامي – إسرائيلي يهودي ، فالسياسي الإسلامي أكثر واقعية في مواجهة هذا الصراع حيث
يمتلك رؤية وله سوابق في تجربتي الاندلس والحروب الصليبية ولا شك في أن شكل الصراع
سيختلف اذا كانت دول الطوق تحديدا إسلامية .
القيادي الشيوعي أحمد شرف أشار الى ان كلام
د.سيف الدولة ركز على الاستراتيجية ولكننا نريد أيضا التكتيك لمنع نفاذ إسرائيل اى
الجسم العربي أو المصري بخاصة أن الرؤية الإسرائيلية لا يقصد بها النفاذ الى
فلسطين فقط بل الامة العربية وتحويلها الى شراذم .
وأكد محمد أبو الفتوح – عضو اللجنة التنفيذية
لحزب العمل – أن الشعب اللبناني أسقط اتفاقية أيار 1983 التي ابرمها أمين الجميل
مع الصهاينة ، وهي بمثابة "كامب ديفد" لبنان لأنها كانت بلا حكومة حيث
أن الأنظمة الحاكمة معوقة عن مواجهة الصهاينة وانهاء دولتهم .
وأضاف أبو الفتوح أن المرحوم خالد الحسن أكد
في ندوة بصوت العرب في بداية الستينات أن فلسطين هي المنطلق لتشمل ثورة في الوطن
العربي كله . ولذا حين قامت انتفاضة الحجر ضد الصهاينة في فلسطين كانت تمثل خطرا
على الأنظمة الظالمة التي خافت من انتشارها .. ومن هنا يجب توضيح دور العقيدة في
تحرير فلسطين لأن كل الاتفاقات الحالية منذ مؤتمر مدريد مقصود منها محاربة الصحوة
الإسلامية .
العروبة
والاسلام
وفي تعليقه على المناقشة أوضح د.عصمت سيف
الدولة أنه لا يوجد شيء اسمه اطار القومية العربية بل ان القضية الفلسطينية عربية ليس
بمعنى أنه لن يأتي أحد من ماليزيا مثلا لتحريرها ، بل ان الاطار العربي مقصود به
عدم الخضوع للتجزئة من الدول العربية ، ويجب التنبيه الى أن العروبة ليست في
مواجهة الإسلام على الاطلاق فحين تصبح بلادنا عربية كما أوضحنا سوف نلمس بوضوح
المرجعية الإسلامية مثلما حدث في حرب أكتوبر 1973 حين قال جنودنا بدون أوامر
"الله أكبر" ولذا يجب تأكيد أنه لا يوجد قومي عربي علماني لأن هناك
تناقضا جذريا بين الاثنين ، فالإسلام هو مصدر حضارتنا العربية سواء كنا عربا مسلمين
أو مسيحيين ونرى أن الصهيونية ليست لها علاقة بالدين .
وأضاف سيف الدولة : ان ما توصل اليه الذين
اتفقوا في اوسلوا قد انتهى دورهم فعليا ، والساحة العربية والفلسطينية مليئة بمن
سيستمر في النضال ، فحركة "فتح" أنشئت قبل احتلال الضفة الغربية عام
1967 ، اذن ليس لها عذر أن تقايض عن فلسطين 1948 ، بجزء من فلسطين 1967 .
وانتقد سيف الدولة دعاة الواقعية الذين
يركزون على اللعبة الاقتصادية حيث ان معركة الاقتصاد واوراقها في يد الدول
الرأسمالية الغربية ، ومع الرأسمالية لا يوجد دين أو قومية بل هناك الربح والربح فحسب
، وهم يريدون إسرائيل كمركز استعماري في منطقتنا ، ولسنا أحرارا لعمل حركة تنمية
في بلادنا ، ويكفي أننا بعد الانفتاح أصبحنا نأكل رغيف الخبز بمواصفات أمريكية ،
ونعمل وفق خطة اقتصادية عالمية .
وأخيرا قال د.عصمت سيف الدولة : ان الطريق
الوحيد لإلغاء إسرائيل لسلاحها النووي هو وجود سلاح نووي عندنا بعيدا عن أي دعاوي
أخرى .
متابع الندوة : طارق عبد الحميد
.
آخر نشاط للدكتور عصمت سيف الدولة رحمه الله |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق