بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاسلام وحقوق الانسان .



الاسلام وحقوق الانسان التعارض والتوافق .
الدكتور عصمت سيف الدولة .

يجب ان اعترف بأنني لست من أنصار الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اصدرته هيئة الأمم المتحدة يوم 10 ديسمبر 1948 ، لا و لم أكن في أي يوم من المعجبين بإعلانات حقوق الانسان منذ العهد الكبير (1215) وبيان الحقوق (1627) و قائمة الحقوق (1688) في انجلترا ودستور ولاية فرجينيا (1776) واعلان استقلال امريكا (1776) في الولايات المتحدة الأمريكية واعلان حقوق الانسان  والمواطن (1779) واعلان السنمة الثالثة (1793) والاعلان المعدل (1883) في فرنسا ، ولا بما تلى ذلك من اعلانات بلغت الى حد الآن اكثر من خمسين اعلانا وميثاقا واتفاقا وتوافقا .
ويرجع ذلك الى أسباب استطيع ان اقول انها “ أسباب عربية ”. فقد علمنا التاريخ العربي الحذر من الكلمات الكبيرة … النبيلة ، حيت عرفنا من واقع تاريخنا كيف تتحول الكلمات الكبيرة الى كلمات كبائر, التجزئة باسم الاستقلال ، اجتثاث جذور حضارتنا باسم المعاصرة ، الخيانة باسم العقلانية ، الاستسلام باسم السلام ، الكهانة باسم الدين ، الاستبداد الغشوم والتعذيب الوحشي باسم الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي  ..
لا يشك أحدو لا نحن نشك في نبل الكلمات ، الاستقلال والمعاصرة والعقلانية والسلام والدين والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي مجردة وطالما هي مجردة ، أما حظها من النبل أو الخبث فمتوقف على معرفة من قالها ومتى قالها وأين قالها ولماذا قالها .
.1 ـ  فنحن لا نستطيع ان ننسى أن أصحاب اعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي هم الذين لم يلبثوا ـ  قبل ان يجف حبر اعلانهم ـ ان أعدّوا العدّة و أرسلوا قواتهم بقيادة فتاهم نابليون ليحتل مصر . لا ننسى ان هيئة الأمم المتحدة قد أصدرت الاعلان العالمي لحقوق الانسان في ذات العام الذي اعترفت به بدولة الصهاينة التي اغتصبت فلسمين وسلبت الشعب العربي فيها كل الجهود التي بذلتها الدولة لإقناع الولايات المتحدة الامريكية بان يتضمن الاعلان العالمي لحقوق الانسان حقوق الشعوب وتقرير مصيرها فصدر خاليا منها. و نحن لا ننسى انه حيثما اعلن كارتر رئيس الولايات المتحدة ان دولته ستتعامل مع كل دولة طبقا لموقفها من حقوق الانسان لم يكن يفكر الا في حقوق الانسان الاوروبي في بولندة أما نحن العرب فقد كان يقود المؤامرة التي انتهت بفرض اتفاقي كامب ديفيد علينا والزامنا الزاما لا حق لنا في الرجوع عنه بأن نكون أصدقاء الصهاينة و ذلك بنصوص صريحة في الاتفاقية ، ونحن في مصر لا ننسى انه بعد توقيع الاتفاقية والتصديق عليها من مجلس الشعب اراد السادات ان يسندها الى ارادة الشعب فعرضها على الاستفتاء الشعبي ، ولكن مقرونة بموضوع آخر هو اصدار ميثاق حقوق الانسان المصري . و كان على الشعب ان يجيب بنعم او لا على الأمرين معا . وقيل ان الشعب قد وافق بما يشبه الاجماع ولكن أحدا لم يقل هل وافق لأنه رأى انه لو ردت اليه حقوق الانسان سيكون قادرا على إلغاء الاتفاقية أم وافق لآنه يعتبر الصلح مع الصهاينة من حقوق الانسان المصري . الثابت بدون قول هو ان ميثاق الانسان المصري كان غطاء نبيلا لتمرير اتفاقية خبيثة .
نحن لا نستطيع ان ننسى هذا وغيره فنحذره ونحذر منه .
2.  ـ هذا من ناحية ، و لكن من ناحية أخرى ، نحن نقرأ من بين ما جاء في الاعلان لحقوق الإنسان لكل إنسان الحق في العمل ( المادة 23 فقرة1) ولكل انسان الحق في الحماية من البطالة ( المادة 23 فقرة 2 ) وان لكل إنسان الحق في أجر متساو للعمل يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان ويحق له ولأسرته مستوى من المعيشة كافيا للمحافظة على الصحة والرفاهية من تغذية وملبس و مسكن وعناية طبية ( المادة35 ) وان لكل إنسان الحق في التعلم ( المادة 36 ) … الى آخره . كأننا نقرأ إعلانا بأحلام الملايين من العرب أفرادا وأسرا من الفقراء العاطلين الأذلاء المرضى الأميين المشردين .
ثم نقرأ في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ان لكل انسان حرية التفكير ( المادة 18) وإبداء الرأي والتعبير بدون تدخل ( المادة 19) والاشتراك في الجمعيات والجماعات ( المادة 20) وان لكل إنسان حقا في الاشتراك في ادارة الشؤون العامة لبلاده ( المادة 21 ) وفي المساواة أمام القانون ( المادة 6) وفي الحياة والحرية والسلامة الشخصية ( المادة 3) فلا يعرض للتعذيب ولا الى العقوبات او المعاملات القاسية الوحشية او الحاطة لكرامته (المادة 5) … الخ  فكأننا نقرأ اعلانا بأحلام مئات الالوف من المضطهدين المعذبين في الارض العربية  .
فكيف نجرأ عل أن نحذر أو نحذر من السير على طريق تحقيق احلام شعبنا و مما نحذر و لماذا نثير بالحذر أو التحذير الوهن في عزم المناضلين العرب من أجل حقوق الانسان العربي ؟
3.  ـ لأننا في الواقع نريد لشعبنا العربي و نتمنى له ان يقطع الطريق سالما الى حيث يمتلك حقوقه كانسان عربي . لا نريد له ان يتشوه وهو في طريقه ولا نتمنى له ان يكون شائها وقد تملك حقوقه . لا نريد له لا نتمنى ان يتوه في الطريق فيفقد هويته العربية وهو يبحث عن حقوق الانسان ، لا . و لا نريد له ان ينحرف عن الطريق أو ينزلق عليها أو يتردى دون غايته . اننا لا نصد أحد يدب أو يمشي أو يهرول على طريق حقوق الانسان ، ولكننا نقيم على جانبي الطريق اشارات المرور ، و كلها كما نعلم مقامة للحفاظ على سلامة السائر و السير و المسيرة .
4.  ـ من أين نجيئ  بإشارات المرور هذه ؟ من ذات انفسنا من حضارتنا العربية التي أنشأت الهيكل الأساسي لشخصيتنا القومية, من الاسلام حيث نحن امة أنشأها و نماها و أكمل تكوينها الاسلام عقيدة وشريعة وآدابا فقامت حضارتها على أركانه . من هنا لا نريد لحقوق الانسان و لا لما هو مثلها نبلا من الكلمات ان تجرنا على طريق نبدأه عربا وننتهي منه الى متاهات الاغتراب .
ما هي هذه الاشارات ؟
5.  ـ الاشارة الأولى : انتبه الى مفهوم الحق .
في بداية الاعلان العالمي لحقوق الانسان يقول ان حقوق الانسان هذه غاية يسعى اليها كل فرد وهيئة ومجتمع الى توطيد احترامها عن طريق التعليم والتربية واتخاذ اجراءات مطردة لضمان الاعتراف بها ( المقدمة) . اذن فحقوق الانسان هذه أولها وعد و آخرها اعتراف . ويضيف الاعلان العالمي لحقوق الانسان في نهايته ان الانسان لا يخضع في ممارسة حقوقه وحرياته الا لتلك القيود التي يقررها القانون ومقتضيات العدالة والنظام العام والمصلحة العامة ( المادة 29 ) .. اذن فهي وعد بالاعتراف بالحق في حدود القانون والعدالة والنظام العام والمصلحة العامة .
ان كانت هذه حقوق الانسان ، فكل شعوب الأرض تتمتع بحقوق الانسان . ذلك لأن كل الدساتير في العالم تتضمن نصوصا تعترف فيها للأفراد بهذه الحقوق . ولما كانت الدول العربية التي وجدت انه من المهم لسمعتها العالمية ان تكون لها دساتير ، فقد بالغت في عدد و انواع الحقوق التي تعترف بها للإنسان العربي ، فإننا نستطيع ان نقول ان الاسان العربي من أكثر شعوب الأرض تمتعا بحقوق الانسان . و لم لا ما دام كله كلاما في كلام . و ما دام الحق وعدا او اعترافا و مادامت حدوده محكومة بقوانين يشرعها اعداء حقون الانسان اصحاب الرأي الأخير في تحديد ما هو النظام العام و ما هي المصلحة العامة .
الكلام عن الوعد مغر فلا بد من التمسك به ولكنه كلام مفرغ من مضمونه ، فكيف الخروج من هذا المأزق ؟
بأن نتمسك بمفهوم الحق كما تعلمناه من الشريعة ، حيث تفرق الشريعة الغراء بين المكْنة و الحق ، أما المكنة فهي دين بالحق قبل لن يتملك الدائن محل حقه تملكا فعليا او رخصة تمكنه من المطالبة به واقتضائه . طبقا لهذا المفهوم لا يكون الاعلان العالمي لحقوق الانسان مقبولا الا على انه اعلان من العالم بشرعية المطالبة بتملك تلك الحقوق ، بأن يصبح الحق في العمل عملا فعلا وان يصبح الأجر المتساوي أجرا مقبوضا ومساويا للأجر عن العمل ذاته أو ما يماثله وأن يكون بالقدر الذي يحقق فعلا طبقا للظروف الاجتماعية والمقدرة الشرائية للنقود مستوى من المعيشة لائقا بالعامل وبكرامة أسرته وان تتحقق له فعلا المحافظة على صحته والرفاهية من تغذية وملبس و مسكن وعناية طبية وتعليم .
وطبقا لهذا المفهوم لا تكون حرية التفكير وإبداء الرأي والتعبير حقوقا للإنسان الا اذا توفرت لكل انسان الوسائل اللازمة لممارسة هذه الحريات فعلا بدون تدخل . ولا يمكن الاشتراك في الجمعيات والجماعات وادارة الشؤون العامة حقوقا للإنسان الا اذا شارك فعلا وبنفسه و … الخ .
حينئذ لن ينخدع عربي بالإعلانات والوعود ولن تكفيه اساطير الدساتير ولن يرضى بالأحلام الا بعد ان يصبح الحلم علما . حينئذ سيبقى العربي المحروم من حقوقه شاعرا بالحرمان الى ان تتحقق ولن يحقق الانسان شيئا لا يشعر بالحرمان منه  .
6.  ـ الاشارة الثانية : أمامك هاوية احذر مصدر الحق .
تقول المادة الأولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان : يولد جميع الناس احرارا متساوين في الكرامة و“الحقوق”. وهو قول بالغ النبل و لكنه بالغ الغرابة ايضا ، اذ من الغريب تصور ان للطفل حقوقا مساوية لحقوق أمه في حين انه لا يدرك ذاته منفصلة عضويا عن ذاتها قبل نحو عامين . و من الغريب تصور ان له حقوقا مساوية لحقوق والديه مع ان لوالديه عليه حق التربية و ليس له هذا الحق وله عليهما حق الاعالة و ليس لهما عليه مثل هذا الحق . لا نحتج على الاعلان العالمي لحقوق الانسان بما نجده في هذا النص من غرابة ، لا ، ولا باستحالة التوفيق بينه وبين قواعد الارث في الاسلام اننا نسأل : من أين جاءت هذه الحقوق للإنسان فور ولادته .
ما مصد حقوق الانسان ؟
هنا تعارض يصل حد التناقض بين الاعلانات العالمية لحقوق الانسان والشريعة الاسلامية . ذلك لأن ما يسمى حقوق الانسان تعود الى ما يسمونه “ القانون الطبيعي ” . فهي حقوق متصلة اتصالا عضويا بالإنسان ، من حيث هو انسان ، قبل ان يوجد المجتمع وخارجه ، بل ان المحافظة عليها كانت الشرط الاساسي لتكوين المجتمع اتفاقا بين الافراد في ما يسمى ” العقد الاجتماعي ” الذي قامت عليه الحضارة الاوروبية الحديثة كلها . وقد روج لهذه النظرية أولا الهولندي هوجو جرتيوس ( 1583- 1645) ثم تبعه في انجلترا كثيرون منهم توماس هوبز (1588ـ 1679) و جون لوك (1631ـ 1704) و جيري بنتام (1748- 1832) وجون ستيوارت مل (1806- 1873) وهربرت سنسر (1820- 1903) وتبعه في فرنسا جان بودان (1530ـ 1596) وجان جاك روسو (1712- 1778) وفي المانيا فريديريك نيتشه (1844- 1900) وكثيرون غيرهم نقلوا عن الأولين مثل مونسكيو وما يزالون ينقلون . وفي العالم العربي مئات أو آلاف لا يكفون عن ترويج مقولة ان للإنسان حقوقا متصلة بذات شخصه لا يجوز المساس بها كما لو كانت تلك المقولة من ابداعهم وليسوا لها ناقلين  .
على اي حال ان هذه الاسماء ليست غريبة عن المثقفين العرب ، انهم يصادفونها في كل ما يقرؤون عن الفلسفة والنظم السياسية والاجتماعية . كما ان كل طلاب الجامعات العربية في كليات العلوم الانسانية تلقوا عن اساتذتهم دروسا قيمة تمجد أولئك الفلاسفة والمفكرين وتسميهم فلاسفة التنوير والنهضة ومهندسي الحضارة . والذي قد لا يقوله من هؤلاء الأساتذة ان اولئك الفلاسفة والمفكرين هم ايضا قادة التيار الالحادي الجارف الذي اجتاح اوروبا ابتداء من القرن السابع عشر . كلهم بدون استثناء كانوا ملحدين جهارا، و لم يكن ” القانون الطبيعي ” الا البديل الإلحادي عن القانون الكنسي اختاره اولئك المفكرون الملحدون تمردا على استبداد الكنيسة الكاثوليكية الذي أبقى أوروبا في ظلمات القرون الوسطى . وهكذا كان “ القانون الطبيعي ” مصدر حقوق الانسان ومصدر قوتها الملزمة للمجتمع .
ان اي عربي مسلم لا يمكن ان يفرط في أغلب تلك الحقوق ان توفرت له . ولا يكف عن أمل تحقيقها ان كانت مفتقدة ولكن أي مسلم عربي لا يمكن ان يقبل فكرة القانون الطبيعي ويبقى مسلما .
فكيف الخروج من هذا المأزق ؟
برد حقوق الانسان الى الشريعة الاسلامية مصدرا ، فيفهمها و يناضل من اجلها و يكسبها وهو كما هو عربي مسلم بدون تشويه ” وهذا يسير” وقد أورد أغلبها كثير من المجتهدين والكتاب فلم تضق الشريعة الغراء بحق من تلك الحقوق الا ما ناقض الآيات المحكمات من القرآن او المتواتر من حديث الرسول صلى الله عليه و سلم او ما عرف عنهما بالضرورة . ولقد قبلت كل الدول العربية والاسلامية الاعلان العالمي لحقوق الانسان دون توقف عند مصدرها لأن الاعلان لا يتضمن مصادر الحقوق التي أوردها ، ولكنها تحفظت على نص فيه يقول : ” للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون قيد بسبب الجنس أو الدين ولهما حقوق متساوية عند الزواج واثناء قيامه وعند انحلاله ” ( المادة 16 ) .
حين نرد ما جاء بالإعلانات العالمية لحقوق الانسان الى الشريعة الاسلامية تكون طاعة الله هي مصدرها ومصدر قوتها الملزمة . ويكون الموت في سبيلها استشهادا فنصل الى ما لم يستطع الاوروبيون حتى الآن الوصول اليه وهو ان تكون حقوق الانسان حجة على الدساتير والقوانين والنظام العام  والمصلحة العامة ولا تكون الدساتير والقوانين .. الخ حجة عليها فتسقط حجة المستبدين في وطننا العربي الكبير ويسقط عن العرب واجب الطاعة عن المستبدين اذ لا طاعة في معصية . ويكون الطريق الى حقوق الانسان قد انفتح لنا بدون عوائق .
فما الذي يكسبه تلامذة “ القانون الطبيعي” لحقوق الانسان في الوطن العربي الا انهم يحولونها الى مطالب سياسية وهي في الشريعة حقوق ربانية . وكيف يمكن حشد قوى الشعب العربي المسلم من أجل النضال في سبيل حقوق الانسان اذا فصلنا تلك الحقوق عن عقيدته وكيف يستمع الشعب العربي المسلم الى دعوة ـ  أية دعوة - تأتيه من المغتربين عن حضارة أمته ؟ الآن يعرف اولئك المغتربين لماذا فشلوا بالرغم من نضالهم الطويل وتضحياتهم الجسيمة في كسب ثقة الجماهير العربية العريضة التي ما زال القهر يروضها منذ عشرات السنين حتى فقدت القدرة على معرفة ان عذابا الحياة ليس قدرا بل قهرا . انهم يخاطبونهم من خارجهم بغير لغتهم من مواقع متعارضة او متناقضة مع موقع عقيدتهم من انفسهم .
7.  ـ الاشارة الثالثة يمكن ان تصاغ هكذا : احذر أمامك منزلق .
حقوق الانسان كما هي منقولة الينا منذ الثورة الفرنسية هي حقوق “ فردية ” . انها حقوق الفرد في مواجهة المجتمع يحتج  بها الفرد على المجتمع ويمارسها بصرف النظر عن آثارها الاجتماعية ويدافع عنها ضد اي نظام اجتماعي يمسها . ان مضامينها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية من اختيار صاحبها وعلى مسؤوليته . انه ان يحقق تلك المضامين فقد افلح في حق نفسه وان يفشل فلا يلومن الا نفسه . ولقد بلغ تقدير هذا المفهوم الفردي لحقوق الانسان انه بعد ان اصدرت الثورة الفرنسية اعلان حقوق الانسان عام 1789 ، اصدرت فيما بين 14 و17 يونيو 1791 مجموعة من القوانين عرفت باسم قوانين شابلير تحرم أي عمل جماعي من أول الجمعيات والشركات والى آخر النقابات والاحزاب وكانت حجة واضعيها انه في العمل الجماعي يتعرض الفرد لضغط الجماعة فيفقد حريته الفردية في التفكير والتعبير والعمل وهي حرية “ مقدسة ” بحكم اعلان حقوق الانسان .
هذه الفردية هي التي أدت في التطبيق ، على مدى التاريخ الحديث لأوروبا والعالم الى ان يكون القانون الاساسي لعلاقات الافراد والجماعات هو قانون ” المنافسة الحرة ” . المنافسة الحرة - بدون تدخل من المجتمع - الى التملك بلا حدود ولو أدت الى ان تتملك أقلية في الشعب أغلبية ما هو متاح وحرمت اغلبية الشعب من ان تملك ما تملكه الأقلية . وتصرف كل فرد في ملكه بدون قيود ولو أهلكه ولو حمله الى غير مجتمعه وهناك اكتنزه . واستهلاك كل فرد ما يملك بدون وازع او رادع ولو استهلكه فيما يفسده او يفسد حياة الآخرين . وليست المنافسة الحرة الا قاعدة اللعبة التي قام عليها النظام الاقتصادي المسمّى بالنظام الرأسمالي ، وليست المنافسة الحرة الا قاعدة اللعبة التي قام عليها النظام السياسي المسمى بالنظام الليبرالي حيث يتنافس الافراد للوصول الى الحكم والاستبداد به دون الشعب عن طريق التنافس المحموم للحصول على أصوات الناخبين بدون التزام عقائدي او سياسي او اخلاقي . اذ انهم فور انتخابهم يكونون غير ملزمين أمام الذين انتخبوهم . المنافسة الحرة التي جعلت من الاغتراب حضارة ومن الجشع مهارة ومن النصب شطارة .
فكيف يمكن الخروج من مأزق يحشرنا بين الحرص على الحية الفردية وبين سلامة المجتمع ؟ وكيف يمكن الحفاظ على حرية التملك بدون استغلال ؟ وحرية المنافسة بدون ان يكون البقاء للأقوياء والفناء للضعفاء كما هو سائد في عالم الحيوان ؟ او بدون ان تقضي المنافسة الحرة على حرية المنافسة بالاحتكار كما هو سائد ومعترف به في العالم الرأسمالي اليوم ؟
أجابت الشريعة الاسلامية منذ اربعة عشر قرنا جوابا لم تعرفه النظم الغربية حتى أواخر القرن التاسع عشر حين بدأ مجلس الدولة في فرنسا في انشاء نظرية ” التعسف في استعمال الحق” من خلال تواتر احكامه على ان استعمال الحقوق مشروط بالغاية من استعمالها .
منذ قرون طويلة وضعت الشريعة الاسلامية قيودا على اكتساب كل حق ولاستعمال كل حق . وحد كل الحقوق وممارستها هو “ مصلحة الجماعة ” . ومثاله الواضح والمعروف ان كل ما هو مشترك بين الناس ولا يستغني عنه أحد لا يجوز تملكه ، كان في بداية عهد الناس بالإسلام في الجزيرة العربية الكلأ والماء والملح فلما فتح الله على المسلمين ارض العراق رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعد ان استشار الصحابة ان الارض الزراعية فيء مشترك بين أجيال المسلمين المتعاقبة فأباح الانتفاع بها لكل جيل وحرم تملك الرقبة .. وهكذا .
ان الحق في الشريعة الاسلامية حق فرد في المجتمع وليس حق “ فرد في مواجهة المجتمع ” او فلنقل ان الحق في الشريعة حق اجتماعي وليس حقا فرديا .
8.  ـ نستطيع ان نعدّد اشارات كثيرة غير ما سبق ولكننا نكتفي بما سبق أمثلة لأن غاية ما نريد قوله دعوة الى ان تكون مسيرة شعبنا العربي الى حقوق الانسان على طريق عربي لا ينحرف بنا عن هويتنا الحضارية العربية الاسلامية فنصل الى حيث حقوقنا ونحن ما نزال حافظين عقيدتنا وتقاليدنا وآدابنا وأخلاقنا أيضا . واننا عندئذ لواصلون الى الحق .
.9 ـ ذلك أنه منذ منتصف هذا القرن وتحت تأثير دخول الدول غير الأوروبية افواجا افواجا في هيئة الأمم المتحدة ومن بينها الدول العربية والاسلامية كافة ، أضيفت الى ما جاء بالإعلان العالمي لحقوق الانسان حقوق جديدة وفرضت حدود على ما جاء به من قبل وتفرعت منه اعلانات لحقوق الانسان متميزة حضاريا فثمة الوفاق الأوروبي لحقوق الانسان الذي صدر عام 1950 . وثمة الاتفاق الامريكي لحقوق الانسان الذي صدر عام 1969 وثمة ميثاق اعلان حقوق الانسان الافريقي الذي صدر عام 1965 . أما من حيث المضمون فقد اصدرت هيئه الامم المتحدة ميثاقين جديدين لحقوق الانسان عام 1966 أحدهما لبيان حقوق الانسان السياسية والآخر لحقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية . وكلاهما يقترب من المفهوم الاسلامي ” للحق” ويضع له حدودا من مصالح المجتمع كما يحددها واقعه الحضاري . انهم يقتربون منا بفعل المعاناة المتزايدة التي يعانيها الفرد في مجتمعاتهم المنفرطة أفرادا ، فما علينا الا ان نعي من نحن ونحافظ على هويتنا الحضارية ونصمد في مواقفنا الصحيحة ونسير على الطريق الذي يتفق مع تضاريس تكوننا .. و غدا او بعد غد لن يصح الا الصحيح .

 ذهاب الى صفحة عصمت سيف الدولة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق