الدكتور عصمت سيف الدولة
.
1ـ من السمعيات المتداولة في التراث أن الإنسان يمر فور وفاته باختبار رهيب ، حيث يتلقفه ملكان يوجهان إليه عديدا من الأسئلة التي لا بد له
من أن يجيب عليها ، وعلى مدى توفيقه في الأجوبة يتحدد مصيره .. فإما روضة من رياض الجنة .. وإما حفرة من حفر النار .. ولما كان
الموقف مصيريا فان "أهله" في الريف لا يتركون عزيزهم المفقود بدون عون
ويستعينون في إعانته بمن يعينهم جماعة ممن يحفظون كثيرا من الأوردة والدعوات يتحلقون ويرتلون ترتيلا جماعيا عجولا ما
يحفظونه من كلمات يشيدون فيها بالمتوفي ويتمنون له النجاة ..
وفي ريف مصر يسمّي
الشعب العربي محاولة الإنقاذ هذه "إعتاقة" ولعلها أن تكون اشتقاقا من العتق أي التحرير .. فكان غاية الإعتاق تحرير المتوفي
من مصير أسود يتهدده ، وهي بهذا وحده تكشف عن علاقة ايجابية بين المتوفي والمرتلين الكلمات أدناها أنهم
يذكرونه ويشفقون عليه ويتمنون له النجاة ، ثم لا يتجاوز المرتلون هذا الحد الأدنى
فتبقى علاقتهم بعملية الإعتاق ذاتها علاقة سلبية محضة .. ولما كان الأمر كله لا يزيد عن أن
يكون أمنيات ميتافيزيقية جماعية فان منهم من لا يحرص حتى على صدق الترتيل .. يهمهم
اتكالا على المفصحين أو يخطئ اتكالا على المصيبين ولكنهم في النهاية و"كفريق" مرتل يقولون قولا مفهوما ... انه دعاء فإذا
انتهى الترتيل لا ينتظرون حتى يعرفوا ما أسفر عنه دعاؤهم ، بل يتقاضون أجورهم نقدا أو طعاما ويتصرفون لا مبالين راضين عن أنفسهم كأنهم أنقذوه ... الى أن
يموت عزيز آخر فيعودون الى الدعاء ..
عادت تلك الصورة من الماضي البعيد بكل عناصرها المأساوية والهزلية فذكرتنا بأيام
الطفولة ، ونحن نقرأ عدد مايو (أيار) 1974 من مجلة "الطليعة" القاهرية .. فقد جمعت مجلة "الطليعة" فريقا من الكاتبين : خالد محي الدين وعلي الدين هلال وعادل حسين وفليب جلاب
ورفعت السعيد وعبد المنعم الغزالي ووديع أمين ليكتبوا في موضوع : " الوحدة العربية ... خبرات الماضي وتحديات المستقبل " .. وقدمت إليهم دليلا للكتابة ، أسئلة
تتطلب أجوبة .. فكتبوا .. أعني كتب كل منهم فجاء ما كتبوه جميعا "إعتاقة" من أجل الوحدة العربية بكل عناصر الإعتاقة : تذكر الوحدة ، والإشفاق عليها ، والدعاء
لها بالنجاة ، الكتابة همهمة اتكالا على من كتب فأفصح ، الأخطاء يصححها صواب ، الجهل الكامل بكيفية تحقيق الأمنيات ، الانصراف اللامبالي عن مصير الوحدة بعد الدعاء .. أما الأمرّ
فان "الطليعة" لا تبخس كتابها أجورهم ..
والجانب المأساوي
في إعتاقة الطليعة أكثر قتامة من جانبه في تقاليد الريف .. فالكاتبون في الطليعة
من نخبة المثقفين ، وقد دعتهم الطليعة للكتابة في موضوع له صلة وثيقة " بتحديات المستقبل " ، ووراءه رصيد ضخم من " خبرات الماضي " .. فإذا كانت حصيلة كل خبرات الماضي
و"عدة" تحديات المستقبل هو كل ما كتبوه فهي مأساة حقا .. مأساة الأمة
العربية وهي تواجه تحديات المستقبل في نفر من نخبة المثقفين من أبنائها لا يعرفون كيف تواجه التحديات إلا
ما عبروا عنه بتلك الكلمات الرخوة الكسولة التي تتمطى على شاطئ الأحداث المائجة ، التي تكاد تعصف بمصير أمتهم .. ويزيد المأساة قتامة أنهم نفر من مصر العربية والحديث حول الوحدة العربية .. إن ما
يقولونه في مصر بالذات عن موضوع الوحدة خاصة تنصت إليه وتقرأه وتتأثر به عشرات الملايين من الجماهير العربية ..
ذلك لأن الواقع الموضوعي ـ كما قال بحق عادل حسين ـ هو أن كافة
الاطراف العربية تسلم بصراحة أو ضمنا بالدور القيادي لمصر ، وفي الواقع يعتمد نجاح التوحيد العربي ـ الى حد كبير ـ على كفاءة الدور المصري في هذه العملية ..
والحق أنه لو لا
ما كتبه عادل حسين وعبد المنعم الغزالي لاستحق الباقون ردا رادعا ينبههم الى أن أول
عناصر الكتابة المتوقعة منهم في موضوع الوحدة وتحديات المستقبل هو الجدية ولا نقول الصواب ، فقد نجتهد ونخطئ .. ولا نقول الاتفاق ،
فقد نحاول فنختلف .. ولا نقول تأييد الوحدة ، فقد نكون إقليميين .. نقول فقط الجدية .. جدية
أخذ الموضوع وجدية الدراسة وجدية الحديث عنه فلا يأتي الحديث عن الوحدة وتحديات المستقبل مستهينا مستعليا كما لو كان نقدا لأحد أفلام رعاة البقر .. لا يا سادة ان هذا غير مقبول منكم بالذات ، وغير مقبول ممن يتحدثون
في مصر العربية المطالبة ـ كما قال عادل حسين أيضا ـ "
بان تواصل باقتدار نضال المنطقة العربية ضد النفوذ الاستعماري والصهيوني العدو الأول
للوحدة العربية " ..
2 ـ غير مقبول من كاتب له تاريخ خالد محي الدين
أن يقول : " ان العرب عندما توحدوا كان محور وحدتهم هو العداء للعدوان
وللامبريالية . ولم يكن مصادفة أن سلاح النفط قد استخدم ضد دول بذاتها .. ثم يقول "
لكن ثمة ظاهرة تستحق الالتفات وهي أنه فور القتال بدأت من جديد مظاهر التفكك في الجيهة العربية وبرزت لدى كثير من الأنظمة الرغبة في التفكير المنفرد وفي البحث المنفرد عن مكاسب أو حلول
للمشاكل ولم يعد " الهارموني " الموحد يضبط نغمات الإيقاع العربي
المتكامل وبدأت الجماهير العربية تتلفت من جديد أين اختفى العمل العربي
الموحد ؟ .. ثم يصمت . لا لقد كانت جدية الحديث الى الجماهير العربية تتطلب من خالد محي الدين ألا يترك سؤالا
معلقا بدون جواب وأن يجيب على عشرات من الأسئلة الأخرى التي تدور حول علاقة " الامبريالية
" بالتكتل والانفراط كليهما . من وأين ومتى ولماذا توحدت الجهود وانفرطت . من
الذي ألف سينفونية الهارموني الموحد الذي ضبط نغمات الإيقاع العربي المتكامل ومن قاد " الأركسترا "
ومن الذي أنهى العزف ومن كان من أفراد الفرقة ضابطا للإيقاع ؟.. فإذا كانت الظروف الخاصة أو العامة لا تسمح لخالد محي الدين بأن يجيب
، فقد كانت الجدية تقتضي ألا يثير الموضوع أصلا ، ولا يتحدث فيه حديثا في مثل بدائية اللغة العربية يزم أن كانت حروفا غير منفرطة ..
الوحدة
والتوحيد ..
غير معقول من "دكتور" مثل علي الدين هلال أن يستعلي ويفتعل الأكاديمية
ويصعد منبر الأستاذية لينقد " الفكر القومي " الذي تعلمه على يد ماهر نسيم ، ثم يستجمع
قواه فيقول : " ان قضية الوحدة Unity أو Unification هي ما يعبر عنه في الدراسات الاجتماعية بالتكامل integration "
بمعنى كيف يمكن لنظامين اجتماعيين ـ أو أكثر ـ أن يتطورا بشكل معين لتحقيق وحدتهما
في لحظة تاريخية معينة ؟ (الكلمات الانجليزية من استعمال الدكتور علي الدين هلال
إما للإفصاح أو التدليل على الأستاذية) .. لا يا دكتور هلال ، إن ما أشرت إليه من مراجع في الفكر القومي لا يعطيك الحق في نقده نقدا "
جادا " ، وإلا لكان من حق كل من قرأ " المؤلفات الشائعة " عن الاشتراكية ـ ومنها مؤلفات ماهر نسيم ـ أن ينقد الفكر
الماركسي مثلا .. ثم إن الوحدة غير التوحيد ، كما أن Unity غير Unification وكلاهما يعنيان شيئا آخر غير Integration ولكل لفظ دلالة .. الوحدة العربية مثلا ـ كما هي مطروحة في الفكر القومي ـ قائمة على أساس الوجود الموضوعي السابق للأمة العربية كتكوين اجتماعي تاريخي . فهي تعني إلغاء التجزئة الطارئة على مجتمع قومي واحد بما يفيد هذا من إنكار أية أسباب
موضوعية للتجزئة بصرف النظر عن الآثار التي استحدثتها التجزئة ذاتها وترتبت عليها
أو بتعبير نرجو أن يكون صحيحا أن الوحدة العربية تعني رفض المشروعية الاجتماعية للتجزئة وإلغاءها ، وهذا يؤثر تأثيرا قويا
في أسلوب تحقيق الوحدة من حيث فرز القوى والمصالح وتحديد ماهية الآداة المناسبة لمواجهة
القوى المعادية للوحدة ( القوى الإقليمية ) .. بوضوح أكثر ان الوحدة العربية المستندة الى موقف قومي تقدمي تعني أن
الطريق لا يكون إلا بالصراع الاجتماعي ضد القوى الإقليمية الرجعية باعتبارها قوى معادية للمصير التقدمي للجماهير العربية تحتمي بكيانات سياسية
مصطنعة لحمايتها قائمة على أساس غير مشروع هو تجزئة الأمة الواحدة .. أما التوحيد فهو محاولة جمع أجزاء لا
علاقة موضوعية بينها أصلا في كيان سياسي واحد لمواجهة متطلبات مرحلية مشتركة .. أو بتعبير نرجو أن يكون صحيحا أن التوحيد يعني الاعتراف أولا بالمشروعية الاجتماعية للتجزئة وإلغاء الوجود القومي ، وهذا يؤثر
تأثيرا قويا في أسلوب تحقيق التوحيد من حيث فرز القوى والمصالح وتحديد ماهية الأدوات المناسبة لانجاز
التوحيد .. بوضوح أكثر ، إن التوحيد المستند الى موقف إقليمي يعني أن الطريق الى التوحيد يجب أن يراعى فيها مصالح الأطراف المختلفة كما قال خالد محي الدين ختاما لكلمته .. وما بين الوحدة والتوحيد من حق كل واحد أن يختار ويتحمل مسؤولية
اختياره .. إنما الذي لا حق لأحد فيه فهو التلفيق بين القومية والإقليمية ، وما يترتب عليه من تلفيق بين الوحدة
والتوحيد ، وقد اختار الدكتور هلال الوحدة القومية والتوحيد الإقليمي معا في سطرين .. قال :
" بعبارة أخرى فان فلسفة الوحدة ـ أو التكامل ـ تعني تفسير التطور السياسي
على أساس إن المجتمع القومي في تطوراته المتعاقبة لا يقبل التعدد وإنما يسعى الى الوحدة على
أنها الصورة الوحيدة للتعبير عن مختلف أجزاء الجسد السياسي والاجتماعي (الى هنا هو قومي يتحدث عن
الوحدة لكنه أضاف) ولتحقيق التوازن بينها وتحقيق التوازن بين الأجزاء يلغي انتمائها
الى الكل ويمنح كل منها استقلالا ذاتيا في الوزن يقتضي تحقيق التوازن عند التوحيد بينها وهو منطق إقليمي .. لقد
كان اقل قدر من الجدية في البحث بأن يكشف للدكتور هلال أنه يبدأ من نقاط فكرية متناقضة ، وأن
ذلك ينعكس على ما يراه أسلوبا لتحقيق الوحدة فيأتي أسلوبا مزدوج الصورة كرؤية الأحول ..
حق الانفصال
.. !! هل هي وحدة أمم ..؟
غير مقبول أيضا من الدكتور رفعت السعيد أن يستسهل
القول فيقترح أن تقوم الوحدة على أساس " كفالة حق تقرير المصير لكل شعب بما في ذلك حقه الثابت في الانفصال ... مؤكدين أن تجارب الوحدة أن تجارب الوحدة
الناجحة قد أكدت أن احترام حق الانفصال هو أكثر السبل فاعلية في ضمان نجاح الوحدة
" .. إن الجدية كانت تقتضي أن يضرب الدكتور رفعت ولو مثلا واحدا من كل
أمم العالم الموحدة في دولتها القومية أعطت جزءا من الأمة الواحدة حق الانفصال .. وهو تحد سيظل قائما الى أن يراجع الدكتور رفعت كل دساتير الدنيا ..
أما إذا كان ما
يدور في ذهنه هو نموذج الاتحاد السوفياتي فيصرف النظر عما حدث للجمهوريات السوفياتية التي استعملت حق الانفصال أو حاولته نرجو أن
يتذكر :
* أولا : أن الاتحاد السوفياتي دولة مشتركة بين أمم عديدة وهي الحالة
المنقضة لحالة الأمة العربية حيث ثمة أمة واحدة مجزأة بين دول عدة ..
* ثانيا : إن حق الانفصال الذي نص عليه في دستور الاتحاد السوفياتي كان
نتيجة لانتصار رأي لينين القائل بأن لكل أمة الحق في دولتها القومية
الذي دافع عنه في في بحثه " حق الامم في تقرير مصيرها " ضد رأي روزا
لكسمبورج الماركسية أيضا في الا علاقة بين الوجود القومي والدولة القومية الذي طرحته في مقالها " المسألة
القومية والاستقلال " ، فالفهم اللينيني للأمة يدين تجزئتها ويزيد فيعطيها حق الاستقلال بدولتها ـ من حيث هي أمة ـ اذا كانت تابعة لدولة مشتركة مع أمم أخرى
كما هو الحال في الاتحاد السوفياتي . وقد مارسته بعض الجمهوريات السوفياتية الى
أن جاءت الردة الستالينية في فهم القومية فألغت الانفصال بالقوة وان كانت أبقت عليه نصا ميتا في الدستور ..
* ثالثا : إن ممارسة حق الانفصال " الثابت " في أوراق الدستور
خاضعة خضوعا تاما لوحدة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي كله وأسلوب المركزية
الديمقراطية الذي يمارس بها مهامه ومنها الحفاظ على وحدة الاتحاد السوفياتي ، ومهما تكن القيمة الدستورية والفعلية لحق الانفصال " الثابت " في أوراق الدستور فانه لا يمكن أن يفهمه خارج نطاق وحدة
القيادة . إنها ـ على الأقل ـ لن تسمح باستخدامه إذا كان في ذلك إضرار بمصالح الشعوب السوفياتية ككل .. وتبقى تلك الفرضية النظرية وهي أن يرى الحزب الشيوعي أن انفصال إحدى الجمهوريات السوفياتية عن
الاتحاد هو في مصلحة الاتحاد السوفياتي .. أيا ما كان الأمر فان هناك عنصرا مكملا للنصوص الدستورية وضابطا لممارستها هو وحدة الحزب الشامل لكل الاتحاد السوفياتي . وهذا يلغي أي احتمال للجدية في اعتراض
الدكتور رفعت السعيد على "التنظيم السياسي الواحد الشامل" كأداة لتحقيق الوحدة العربية والحفاظ على وحدتها .. أما إذا كان الدكتور
رفعت السعيد واعيا لكل هذه الاختلافات ومع ذلك فهو يوصينا بأن نفهم الوحدة العربية
ونحققها طبقا للنموذج السوفياتي فان هذا لا يستقيم إلا إذا كان يعتقد أنه لا وجود لما يسمى الأمة العربية وأن ثمة أمما عديدة : مصرية ، سورية ،
سعودية ، هاشمية .. تبعا لأسمائها السياسية ، إن صح هذا فان حديثه عن الوحدة العربية لا يفتقد الجدية فحسب بل هو حديث "
هازل وانتهازي معا " ، يدعو للوحدة لحل أزمة " أمته " على حساب الأمم الأخرى مع احتفاظه بحق الانفصال بعد أن تحقق
" الاستثمارات العربية " ، ( ولماذا تسميها عربية يا أخي ؟ ) نموا عربيا متسقا .. ومن هم
المغفلون الذين تريد أن تضحك عليهم باسم الوحدة العربية ، ولماذا لا تتوحد العراق مع إيران مثلا ،
أو سورية مع تركيا ، أو دول الخليج مع باكستان ؟..
أما السيد وديع أمين
فان كلمة "غير معقول" لا تكفي للتعبير عن مزاعمه المجردة لا
من الجدية بل من أدنى شعور بمسؤولية الكلمة .. وإلا فماذا يمكن أن نقول لشخص يلقي
جزافا بالكلمات الآتية : يقول أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية كان هناك
اتجاهان وحدويان بارزان داخل حركة التحرر الوطني العربية ..
* "يتمثل أحدهما في الاتجاه البورجوازي بمفهومه التقليدي للوحدة بين البلدان العربية المتحررة مع الاستمرار بالارتباط بالسوق الرأسمالي العالمي " .
* " الاتجاه الآخر هو الاتجاه الاشتراكي العلمي الذي كان يرى الوحدة من خلال مفهومه
للعلاقة الجدلية بين الوحدة العربية والتحول الاشتراكي والتأكيد على وحدة الطبقة العاملة والجماهير الشعبية والقوى الديمقراطية الثورية العربية " ..
هذا ما يقوله
السيد وديع .. ولسنا في حاجة لسرد التاريخ العربي لنقول ان هذين التيارين من ابتكاراته الخاصة الآن وليس منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ..
أليس ابتكارا أن
ينسب الى البورجوازية
التقليدية المرتبطة بالسوق الرأسمالي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية أي في أوج انتصار الاحتكارات
الامبريالية أنها " تيار تحرري " ؟ ما معنى الاستعمار عندك إذن ..؟ أليس ابتكارا أن ينسب الى البورجوازية التقليدية أنها تيار وحدوي ؟.. ومن الذي يحارب الوحدة إذن
ومن الذي حاربها غير البورجوازية التقليدية المرتبطة بالرأسمالية العالمية ؟.. ثم أليس ابتكارا أن يزعم أنه قد كان في الوطن العربي تيار اشتراكي علمي ( وهو يعني ماركسي )
وحدوي بأي معنى من معاني الوحدة بعد الحرب العالمية الثانية ، والى ما قبل
هزيمة 1967 على وجه التحديد .. هل نذكره بسنين 1947 ،
1955 ، 1958 ، 1961 وأحداثها ..؟
ثم لنتأمل الاستخفاف المتسرع .. فبعد أن ابتكر السيد وديع تيارا وحدويا
رجعيا وتيارا وحدويا ماركسيا ، قال عن وحدة 1958 بين مصر وسورية : " وقد تمت الوحدة نتيجة اتفاق بين البورجوازية المصرية والسورية
" .. هكذا ، ببساطة . كأن لم تكن من قبل حركة جماهيرية وحدوية .. كأن لم تكن
سورية محاصرة من البحر بالأسطول السادس الأمريكي ومن الشمال بقوات حلف الأطلنطي .. كأن جمال عبد الناصر قد حمل توكيلا من البورجوازية المصرية ليشتري لهم سوق سورية ..
ثم يقفز الى
الانفصال ، فيقرر سيادته أنه " سرعان ما تحركت القوى الإقطاعية والبورجوازية متى أضيرت نتيجة إجراءات التأميم بمساندة القوى الامبريالية لضرب دولة الوحدة "
دون أن يقول كيف تكون الوحدة اتفاقا بورجوازيا في 1958 ثم تصبح هدفا للبورجوازية والامبريالية سنة 1961 .. أي دون أن يقول كيف حققت الوحدة إمكانيات
موضوعية مكنت القيادة من أن تتخذ إجراءات التأميم في يوليو 1961 ، لمصلحة الجماهير الشعبية في الدولة
الموحدة .. إن كان لا يعرف فما عليه إلا أن يراجع أثر قيام الوحدة سنة 1958 في ردع إسرائيل ووضع حد لغزواتها المتكررة
التي كانت تستنفذ طاقات التحول الاجتماعي لمجرد المحافظة على الحدود الإقليمية ، وفي الإقليمين كليهما .. أم أن انجاز
مرحلة التحرر ولو بردع المعتدي ليس شرطا موضوعيا لإمكانيات التفرغ للتحول الاشتراكي حتى بمفهومه الإقليمي ؟
3 ـ
يكفي ما سبق نموذجا لعدم الجدية التي شابت كثيرا مما كتبه كتاب الطليعة تحت
عنوان " الوحدة العربية وتحديات المستقبل " ويعوضه أن بعضا
منهم كان جادا الى أقصى حدود الجدية وهو يجتهد ويكتب سواء أخطأ أو أصاب .. ولقد كان يمكن أن نتجاوز "الهمهمات" غير الجادة فلا نرد الا على الجادين ..
ولكنا لا نستطيع أن نفعل هذا لأن "تحديات المستقبل" لا تسمح بأن نتجاهل
نفرا من نخبة المثقفين في مصر وهم يتحدثون عن الوحدة العربية .. ثم إن هذا النفر بالذات من المنسوبين الى
الماركسية أو المنتسبين إليها يكتبون في مجلة منسوبة
الى الماركسية أو منتسبة إليها ، ومهما يكن اختلاف المنابع الفكرية بين العرب الاشتراكيين والاشتراكيين الماركسيين فلا بد أن يستمر
بينهم الحوار .. ولا بد للقوميين الاشتراكيين أن يلتحموا حوارا أو حركة مع الماركسيين
والمنتسبين الى الماركسية في الوطن العربي حتى لو أراد هؤلاء جميعا أو نفر منهم أن
يقطعوا الحوار بالهروب منه أو الاستعلاء على الفكر القومي أو عدم الجدية في طرحه ونقده .. ولقد كان
هذا الالتحام لازما طوال السنين السابقة ، وكانت القطيعة سلبية بالنسبة للاشتراكية بذات القدر الذي كانت به سلبية بالنسبة
للوحدة .. والجماهير العربية هي الخاسرة دائما .. والحوار الآن أكثر لزوما على ضوء
" تحديات المستقبل " ذلك العنوان الموفق الذي اختارته الطليعة لموضوع الوحدة .. فها نحن نرى أمام أعيننا
" وحدة " القوى المضادة للحرية والوحدة والاشتراكية معا ، بمعنى أن أعداء التحرر العربي يضربون
من أجل أهدافهم الاستعمارية أمل الجماهير العربية في الوحدة والاشتراكية معا .. ونرى الإقليميين
يدفعون ثمن قبولهم الحصار الإقليمي الذي فرضه أعداء الوحدة ، ويتعرضون لمخاطر التصفية في واحاتهم المنفصلة .. ان هذا لا يعني إلا
شيئا واحدا يجب على كل الاشتراكيين في الوطن العربي أن يحفروه في رؤوسهم قبل أن يواجهوا تحديات المستقبل ..
* بحكم الواقع الموضوعي للحركة القومية التقدمية في الوطن العربي ، فان مصير الاشتراكية معلق
على مصير الوحدة ، كما ان مصير الوحدة معلق على مصير الاشتراكية ولن يفلت أحد من هذا المصير ..
لا بد اذن من
الالتحام .. والحوار مقدمة للالتحام .. وبكل ما نملك من ولاء للأمة العربية وإخلاص
لهدف جماهيرها العظيم : دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية ، نرحب ونشيد بالخطوة الايجابية التي بدأتها "مجلة الطليعة"
وكتابها الماركسيين عندما تصدوا للكتابة عن الوحدة العربية وتحديات المستقبل .. اننا غير متفقين في
كثير من النقاط ، ولسنا نتوقع أن نتفق في كل النقاط .. ولكنا نرى فيما كتبه نخبة
من المثقفين الماركسيين في مصر من نقاط الاتفاق أكثر مما نراه من نقاط الاختلاف ..
* فنحن العرب الاشتراكيين ، نتفق مع خالد محي الدين في أن " العمل
العربي الموحد الذي تحقق خلال حرب أكتوبر قد ابرز العرب أمام العالم كقوة ذات اثر
وطرح أمام الجماهير العربية نفسها ـ وأكثر من أي وقت مضى ـ أهمية الوحدة
العربية وفعاليتها " .. و "أن الجماهير العربية هي صاحبة المصلحة في الوحدة " . ونتفق مع الدكتور علي الدين هلال
في أنه " إذا كنا قد قلنا أن قضية الوحدة هي قضية حياتية فإننا نقصد أنها
لازمة لمواجهة تحديات الحرب وتحديات السلم معا ، لتحمل مراحل المواجهة العسكرية مع العدو ولبناء الكيان الاجتماعي القادر على تحقيق الرفاهية الاجتماعية والعدالة للشعب العامل " .. ونتفق مع الأستاذ
عادل حسين في أن " النفوذ الاستعماري والصهيوني هو العدو الأول للوحدة العربية " وأن " النجاح في الوحدة العربية
هو امتداد للتقدم العام في النضال العربي " .. ونتفق مع الأستاذ فليب جلاب في
أن " الغالبية الساحقة للعرب على اختلاف طبقاتهم وأفكارهم مع الوحدة " وأن " أغنى قطر عربي بثرواته
المادية عاجز خلال الأعوام القادمة على تحقيق رفاهية شعبية بمفرده ، وأغنى قطر عربي بثرواته وخيراته
البشرية عاجز بنفس الدرجة بمفرده ، ومن ثم فليس هناك طريق آخر .. فمن بديهيات الصناعة والتنمية الاقتصادية الحقيقية توفر كل هذه العناصر مجتمعة في سوق
ذي حجم معقول لا تتوافر الا للوطن العربي ككيان واحد " .. ونتفق مع الدكتور رفعت
السعيد في أن " ليس هناك قضية محل اتفاق الجميع مثل قضية الوحدة العربية " .. ونتفق مع "الوحدوي الكبير" الأستاذ عبد المنعم الغزالي في أنه قد
"أصبح شعار الوحدة العربية شعارا أساسيا من شعارات الثورة العربية " .. وفي أن "حركة النضال من اجل
الوحدة العربية أصبحت المحور المحرك لحركة الثورة العربية كلها اثر الأحداث العامة التي شهدتها المنطقة في منتصف الخمسينات " .. وفي أن " ازدياد النضال من اجل الوحدة العربية باستقلال إرادة
الثورة العربية في بعض البلدان العربية واستقلال إرادتها عن إرادة النظام الرأسمالي العالمي والاتجاه الى انجاز الثورة الاجتماعية التي تستشرف آفاق الاشتراكية " ..
ونتفق حتى مع الاستاذ وديع أمين في أن " مسالة الوحدة العربية مطروحة اليوم في ظروف عالمية متقدمة وفي عصر الثورة الاشتراكية العالمية والاتجاه نحو بناء عالم جديد تختفي
منه كل أشكال التخلف والاضطهاد والاستغلال .... ومن ثم فان الوحدة العربية
المطلوبة يجب ان توضع في الإطار الصحيح باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الثورة
الاشتراكية العالمية المعادية للامبريالية والاستعمار الجديد .." ..
نتفق معكم اذن ، أيها
السادة في أن " خبرات الماضي وتحديات المستقبل " يحدد لنا هدفا يجسد
آمال الجماهير العربية هو في وضعيته العينية " إقامة دولة واحدة اشتراكية ديمقراطية في الوطن العربي " ..
والاتفاق ليس
مقصورا على الهدف ..
فنحن نتفق مع الأستاذ
عبد المنعم الغزالي في أن النضال من أجل الوحدة "ليس نضالا سهلا على الإطلاق ، انه عمل نضالي شاق وصعب يجب التحضير والإعداد له بصبر عظيم
وتأن حتى لا ينتهي بالفشل " .. ونتفق مع الدكتور علي الدين هلال
في أن الوحدة " لا يمكن أن تنتهي بين يوم وليلة بقرار إداري أو سياسي " .. ونتفق تماما مع مع الأستاذ فليب
جلاب في أن " ظروفا تاريخية معروفة فرضت التمزق العربي في كيانات مستقلة وجدت أنماطا مختلفة من النمو الاقتصادي وأثارت قدرا أكبر من
الشكوك لدى الجميع وخلقت الوانا عديدة من الارتباطات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والفكرية بين كل كيان وبين العالم الخارجي " .. وفي ان الوحدة وان كانت الطريق الوحيد الى المستقبل
التقدمي الا انها " مهمة شاقة أن تذلل الصعاب المتوارثة والحديثة في طريق مثل هذا الهدف ، لكن يظل
الهدف نفسه جديرا بأن نبذل من أجل تحقيقه كل جهد ممكن وأن نتخطى في سبيله كل العوائق " .ز ونتفق مع الدكتور رفعت السعيد على
أن تتم الوحدة على مراحل وأن " محاولات القفز والاصطناع فهي لا تقودنا الا الى حلقات مفرغة من الفشل المتكرر " ..
* يكفي .
4 ـ
نحن مختلفون أولا في المناخ الفكري ، وعلى وجه خاص في المنطلقات والأسس
المادية الفلسفية الماركسية ، مع أننا نرفض المثالية . لأننا نرفض الاحراج " البيزنطي " : إما أن تكون ماديا
أو تكون مثاليا . ولنا على كل هذه ردود نستطيع أن نحاور بها من يشاء في أي وقت يشاء ،
وسنضم الى صفوفنا في الحوار عشرات من أساتذة الفلسفة المحدثين في جامعات الاتحاد السوفياتي حيث تمر الفلسفة الماركسية عامة والمادية الجدلية خاصة بعملية مراجعة وتصحيح واسعة النطاق جمع
نماذج رائعة منها الدكتور مراد وهبة في كتابه الذي ظهر أخيرا " محاورات فلسفية في موسكو " .. ولكن ما هي القيمة الحقيقية لهذا الخلاف الفكري ؟
قيمته على ضوء
الاتفاق على هدف الوحدة الاشتراكية أنه لا أكثر من ان كلانا
قد عرف الحقيقة بطريقة مختلفة ، ولا شك أن وحدة منهج المعرفة أمر مطلوب وتستحق الاستمرار في في الحوار ، ولكنا لا نعتقد أن الخلاف في
المنابع الفكرية الفلسفية تستحق القطيعة في الممارسة على وجه يهدد الهدف المشترك .. وأعتقد أن كل
الماركسيين "الجادين" يوافقون على هذا لسببين :
ـ
الأول : أن لهم في لينين قدوة ، ولا شك أنهم يعرفون انه في ظروف مشابهة للظروف التي تمر بها قضية الاشتراكية والاشتراكيين في الوطن العربي ، كان لينين فيها مشغولا
بمحاولة المحافظة على القوى الاشتراكية القليلة حول صحيفة "البروليتاري" .. كتب لينين الى مكسيم جوركي في 25 فبراير
(شباط) 1908 خطابا جاء فيه :
" ... لقد
زاد كتاب ( دراسات في الفلسفة الماركسية ) من حدة الخلاف القديمة القائمة بين البلاشفة في مسائل الفلسفة الى حد كبير
. أنا لا أعتبر أني على درجة من الكفاءة في هذه المسائل تؤهلني لان أعالج هذه
الموضوعات كتابة . لكني كنت أتابع دائما وباهتمام مناظراتنا الحزبية في الفلسفة بدءا من نضال بليمانوف ضد ميخائيلوفسكي
وشركاه في آخر العقد التاسع وحتى عام 1895 ثم نضال بليخانوف نفسه ضد الكنطيين عام 1898 وما يليه ..
"...أما أنا
فأعتقد أن من الضروري أن أقول لك رأيي بصراحة تامة ، إني أرى أن الاقتتال بين البلاشفة في مسائل الفلسفة أمر لا مفر منه ، أما
الانشقاق بسبب ذلك فغباء .. ان إعاقة ممارسة تكتيك الاشتراكية الديمقراطية الثورية بسبب المناقشات حول المادية والماخية غباء
لا يغتفر في نظري ... الخ "
ـ
الثاني : هو ان التمسك بالمنابع الفكرية الماركسية في خصوصية قضية الوحدة العربية غير لازم لأنه غير مجدي . ان قيمة النظريات
في أن تجمع الذين يؤمنون بها في موقف واحد من الواقع الاجتماعي وكيفية حل مشكلته . أعني النظريات التي تخدم حركة الجماهير
وليست النظريات التي تدرّس في المعاهد الأكاديمية . وقد قلنا في أكثر من كتاب نشر ونقول اليوم أن الفكر الماركسي في خصوصية القومية سلبي المضمون ، بمعنى أنه
اكتفى بدحض وإدانة المفهوم الليبرالي للقومية ولكنه لم يقدم مفهوما بديلا ، وبالتالي فان القومية والوحدة القومية المطروحين الآن في العالم الثالث
وفي عصر الثورة الاشتراكية تحتاجان الى فهم جديد وموقف جديد لا تجدي فيه الأفكار الماركسية التقليدية ،
وأن هذه هي مسؤولية الماركسيين إن أرادوا فعلا أن يواكبوا الحركة القوية
التقدمية في الوطن العربي وأن يكونوا من بناة دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية ..
ان كثيرا من الماركسيين فقهاء الماركسية يستطيعون الرد على هذا وسيجدون في التراث
الماركسي الغني نصا هنا أو نصا هناك ليدحض افتراءنا غير العلمي على النظرية العلمية .. ولو حدث هذا فانه لن يكون إلا إصرارا على التمسك بمنابع فكرية
لا تتفق مع الواقع الحي ، والواقع الحي ملموس على صفحات عدد مايو (أيار) 1974 من الطليعة .. فها هم سبعة من
خلاصة المثقفين الماركسيين يتناولون في وقت واحد من واقع اجتماعي واحد قضية الوحدة العربية فيختلفون اختلافا يكشف عن أنهم غير موحدي المنابع الفكرية في خصوصية القضية
التي يعالجونها . يقول تعليق مجلة الطليعة على المقالات :
" أوضحت
الآراء السابقة أن هناك اختلافا واضحا في تصور الإستراتيجية المناسبة لتحقيق
الوحدة ، ونعتقد ان هذه الآراء مثلت بشكل عام اتجاهين :
ـ "اتجاه يقول بان الوحدة السياسية هي خطوة تأتي بعد تحقيق
التكامل وخاصة التكامل الاقتصادي وقد مثل هذا الاتجاه فليب جلاب وعلي الدين هلال وعبد
المنعم الغزالي ووديع أمين . ولكن في هذا الإطار الواحد كان هناك أيضا خلاف بين موقفين : فليب وهلال عبرا عن نظرة
الى التكامل تستهدف كل الأقطار العربية بدرجة أو بأخرى وأوضحا أن البدء في عمليات
التكامل هو أمر ممكن وضروري رغم اختلاف النظم الاجتماعية .. أما الغزالي ووديع فان لهما رفضا أو تحفظا واضحا نحو الحديث عن السير في التكامل الاقتصادي
بين دول عربية ذات أنظمة مختلفة ، فجهود التكامل الاقتصادي تركز ـ في تقديرهما ـ
على الدول ذات الأنظمة التقدمية أو ذات التطور غير الرأسمالي " .
ـ "الاتجاه الآخر مثله خالد محي الدين ورفعت السعيد وعادل
حسين ، وهذا الاتجاه مركز على إمكانية البدء بالتوحيد السياسي وفق شروط موضوعية وديمقراطية ، وهذا التوحيد السياسي يستكمل عمليات التكامل الأخرى وعلى رأسها التكامل الاقتصادي .. ولكن في
هذا الاتجاه كان هناك أيضا خلاف ، فرفعت السعيد تحدث عن عمليات التوحيد السياسي بين الدول ذات الأنظمة المتشابهة بل المتجاورة ، ويبدو أن خالد محي الدين
وعادل حسين يريان أن جهود التوحيد يجب أن تكون أكثر انتشارا وتداخلا ، فالوحدة السياسية مطلوبة للأقطار التي نضجت ظروفها ، ولكن مستويات التوحيد الأخرى (
اقتصادية واجتماعية وثقافية ) ينبغي أن تتواصل في دائرة أوسع ، تشمل الجميع " .
واضح من هذا التعليق
الإرهاق الذي صادف المعلق وهو يحاول أن يحدد موقف كل واحد من الكاتبين من
إستراتيجية تحقيق الوحدة .. الا أنه انتهى ـ
على أي حال ـ الى اكبر ما يصدم القارئ
بالنشر في الطليعة عن الوحدة بأقلام نخبة من الماركسيين أن لكل واحد
منهم تصوره الخاص لإستراتيجية
تحقيق الوحدة .. إن هذا الواقع الملموس يقدم أكثر الإجابات حسما على مدى جدوى التمسك
بالنظرية الماركسية في تحديد موقف من الوحدة العربية وإستراتيجية
تحقيقها .. اذ لا يمكن الزعم بعد هذا أن نظرية لم تحدد لسبعة من العارفين بها
معرفة وافية موقفا استراتيجيا
واحدا من الوحدة العربية يمكن أن توحد عشرات
الملايين من الجماهير العربية في حركة نضالية
واحدة من أجل إقامة دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية
..
ويكون هذا سببا
ثانيا لاحتفاظ كل منا لنفسه بمنابعه الفكرية لنبدأ الحوار
من نقطتين ثابتتين
تمثلان معا " خبرات الماضي وتحديات المستقبل
" ..
ـ
الأولى وحدة الهدف الاستراتيجي
وتعيينه في أنه إقامة دولة الوحدة الاشتراكية
الديمقراطية في الوطن العربي ..
ـ
والثانية اختلاف
التصورات للخطة الإستراتيجية المناسبة للوصول
الى هذا الهدف ..
إن الاتفاق
والالتزام بالانطلاق من هاتين النقطتين الأولى الايجابية والثانية السلبية
يضع للحوار حدودا من ناحية ، ويساهم مساهمة فائقة في الالتقاء على
إستراتيجية موحدة من ناحية أخرى .. وتتمثل هذه الحدود
في التزام الهدف التزاما نهائيا كغاية إستراتيجية
للنضال الجماهيري في الوطن العربي
. نقول كغاية إستراتيجية لأن الغايات المرحلية التكتيكية يحددها تطورات المعارك
النضالية ضد أعداء الوحدة الاشتراكية ، ولنؤكد
مرة أخرى على اتفاقنا
في أن الوحدة غاية بعيدة وأن النضال
من اجلها ليس سهلا وأنها لا تقوم بقرار إداري أو سياسي
.. وأن القفز إليها فوق
الواقع الموضوعي المجزأ أحلام مثالية .. مع كل هذا يبقى الالتزام
الاستراتيجي هو الضمانة الجوهرية لضبط إيقاع النضال التكتيكي على خط قد
يلتوي وقد يرتد للنصر أو الهزيمة في المعارك
التكتيكية ، ولكنه يبقى دليلا ثابتا للوصول
من الواقع الى الغاية ..
وان هذا لفي أقصى
درجات الأهمية .
يقول خالد محي
الدين مثلا : " إني أكرر أن أساس
أية خطوة وحدوية مقبلة لا بد وأن تبدأ ببحث قواعد التعاون والتقارب والتنسيق والتكامل
بين الأنظمة
العربية التقدمية .. وما لم تنجح في
ذلك ستظل الوحدة العربية أملا
منشودا أو اتفاقات لا تنفذ أو مشاريع لا تجد سبيلها للتطبيق الفعلي " ..
فليكن ، لا احد يعترض
على التعاون والتقارب ... الخ بين النظم العربية التقدمية كخطوة تؤدي الى الوحدة ..
ولكن كيف يؤدي التقارب
والتعاون الى الوحدة ، أي يكون خطوة إليها ؟ هذا ما لم يجب عليه خالد .
انه يقفز مما يمكن أن يكون مهمات
لازمة في مرحلة تكتيكية الى الهدف الاستراتيجي
بدون أن يقول
ما هي العلاقة بين التقارب
والتعاون ... الخ وبين الوحدة ؟ إن عشرات الدول في العالم
تتعاون وتتقارب وتنسق ...الخ ولا تتوحد .. فلماذا
يشذ التعاون والتقارب بين "الأنظمة"
العربية التقدمية
فيكون التعاون خطوة الى
الوحدة ؟
لا أعني لماذا
ولكن أعني كيف ؟ خاصة وان الأستاذ فليب جلاب يبرز أمامنا الواقع المر الذي لا يجوز تجاهله
في صيغة سؤال استنكاري نوجهه بدورنا
الى خالد .. يقول فليب : " لماذا لم تنجح النظم
السياسية العربية المتشابهة ( تقدمية كانت أو محافظة ) في أن تحقق خطوة
على طريق الوحدة ، سواء كانت هذه الخطوة نوعا من الفيدرالية او
الكونفدرالية ؟ ولماذا تتعثر
حتى الآن مثل هذه التجارب التي تمثل الحد الأدنى رغم كل حسن النية المتوفرة لدى جميع
الأطراف .. ؟
هذا هو السؤال .. فهل
يمكن الحديث عن التقارب والتعاون والتنسيق بين " الأنظمة " كخطوات
على طريق الوحدة بدون
إجابة عليه تستفيد من خبرات الماضي لتقول بأكبر قدر من الوضوح
" كيف " يؤدي التقارب الى
الوحدة ؟
ويقول رفعت السعيد
مثلا آخر : " الممكن في اعتقادنا
هو السعي كمرحلة أولى نحو
وحدات عربية .. بمعنى السعي لخلق محاور موحدة تعتمد على القرب الجغرافي
والقرب في التطور
الاجتماعي والقرب في المسلك السياسي والاقتصادي والقرب في العادات
والتقاليد والقرب في التصور العام المشترك أو ـ على اقل تقدير ـ تعتمد على توافر
أكثرية هذه العوامل ساعية من خلال الوحدة الى الإسراع بخلق الظروف الموضوعية لإنضاج
العوامل الأخرى واضعة في
الاعتبار أن عملية الإنضاج هذه بالضرورة
عملية تاريخية يتحتم عليها ومهما حاولنا الإسراع بها أن تستغرق زمنا تاريخيا
محدودا ".. فليكن يا دكتور
رفعت ستنتظر الجماهير
العربية أي وقت شئت أنت وبعد ؟
يقول : "والوحدة
بين هذه المحاور
المتقاربة هي خطوة أولى بالطبع تستهدف خلق ظروف مواتية في المستقبل للتفكير في
توحيد عدد من هذه المحاور
المتقاربة مع بعضها
البعض سعيا نحو الوحدة الشاملة "..
بالطبع
؟ !!.. أي طبع ؟ !.. هل هذا هو الأسلوب
العلمي ؟.. السؤال هو كيف تؤدي وحدة المحاور
الى الوحدة الشاملة ؟ فهل نترك الجواب لطبيعة الأشياء كما يقول الليبراليون ..؟
يا دكتور رفعت ، ان
وحدة محور العراق ـ الأردن قد تمت سنة 1958 مناهضة لوحدة مصر
ـ سورية .. ووحدة
الهلال الخصيب مشروع
استعماري
قديم لمناهضة الوحدة العربية .. ووحدة المغرب الكبير مشروع مناهض للوحدة العربية
.. وهذا لا يعني أن كل وحدة جزئية هي مناهضة للوحدة
العربية ، فهي قد تكون خطوة
على طريق الوحدة الشاملة وقد تكون عقبة على طريق الوحدة
الشاملة ، والجماهير العربية التي تقرأ لك وأنت تكتب من مركز قيادتها
في مصر عن الوحدة العربية
تريد أن تعرف منك
على وجه التحديد كيف تؤدي وحدة المحاور الى الوحدة العربية الشاملة ؟ وما هو
الضمان بأن لا يكون هذا أسلوبا حديثا لإعادة تمزيق الوطن العربي
الى أجزاء أكبر من الشظايا لمجرد
تجديد الحياة في الروابط
الإقليمية التي لم تعد قادرة على الحياة في هذا العصر ؟
هذه نماذج
من مواقف تكتيكية جزئية أو مرحلية مفتقدة الصلة بالالتزام الاستراتيجي وكثيرا ما يشن
الماركسيون على الكتاب القوميين
حملات شعواء ينكرون فيها عليهم طرحهم هدفهم الاستراتيجي في الوحدة
الشاملة بدون بيان للمراحل
التكتيكية التي تؤدي إليها . ومن هذا ما قاله الدكتور
علي الدين هلال تحت عنوان فرعي " نقد الفكر
القومي العربي " قال : " نخلص من ذلك
الى أن أهم نقد يوجه للفكر القومي
العربي هو انهماكه
في الشعارات العريضة ، دون الاهتمام بالأساليب والإشكال المحددة للوصول الى
الوحدة " .. يا دكتور هلال أن الفكر القومي
يركز بقوة على أهدافه
الإستراتيجية ويرفع شعاراتها
حتى لا يتوه في المنعطفات التكتيكية وتعقيدات الصراعات المرحلية ، ولكن ليس معنى
هذا أنه لا يهتم بالأساليب
والأشكال المحددة للوصول الى الوحدة
.. وبعد قليل سنرى أن الأسلوب العلمي الوحيد مطروح عليك منذ عشرة أعوام دون
أن يحظى حتى باهتمامك .. أما هنا فتأمل
معنا ، لقد ملأت أربع صفحات من مجلة الطليعة لتثبت قضية في غير إثبات وهي أنه
" لو" تم التكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الدول العربية لتمت
الوحدة
السياسية .. وأن هذا هو المنهج الوحيد الذي يدعيه البحث العلمي
.. فهل تعتقد أن العرب الاشتراكيين
يريدون الوحدة من باب العنجهية
ومن اجل فرحة الانتماء الى دولة كبرى ؟ اننا نريد الوحدة من اجل التكامل الاقتصادي
والاجتماعي والثقافي ، لأن الجماهير العربية لا تأكل كلمات كبيرة وتلبس أعلاما
مزوقة .. كل ما تريده الجماهير العربية منك أن تقول لها كيف يتم التكامل الاقتصادي
والاجتماعي
والثقافي ، ويصبح الوطن العربي integral كما تحب أن تعبر ، بدون وحدة سياسية ؟ بدون
وحدة القرار الاقتصادي ؟ بدون وحدة التخطيط ؟ إذ المفروض
أنها وحدة اشتراكية
.. انه سؤال بحق وأجاب عليه الأستاذ عادل حسين عندما قال : " أعتقد أننا لم
نخطئ حين ركزنا الجهد على محاولة خلق
سلطة موحدة قبل خلق الأساس الاقتصادي الموحد .. وليس صحيحا أن هذا
التتابع من الاقتصاد
الى السياسة
، أو من البناء التحتي الى الهيكل الفوقي هو التتابع الضروري والصحيح
في كل الظروف .. ففي التجربة السوفياتية ـ على سبيل
المثال ـ تبعثرت الامبراطورية
القيصرية بعد نجاح الثورة الاشتراكية عام 1917 وبعد إقرار حق تقرير
المصير لمختلف الشعوب والقوميات ، قامت حكومات جديدة على حدود روسيا تصر على
الانفصال . وحين قام الاتحاد
من جديد بين الجمهوريات
السوفياتية لم يكن ذلك نتيجة السوق الواحدة أو تشابك وتكامل الهياكل
الاقتصادية إذ لم يكن هناك شئ من ذلك . فالتطور
الرأسمالي والصناعي لم يكن قد خلق هذه الدعائم
. ولذا قامت السلطة السياسية الاتحادية أولا ، ثم قامت هي بإرساء الأساس
المتكامل ، الذي دعم بدوره وحدة البناء السياسي".
وبمثل هذا الوضوح
أجاب أيضا الأستاذ عبد المنعم الغزالي على
ذات السؤال . وان كان معلق الطليعة قد فهم العكس . قال : "ان النضال من اجل إقامة
وبناء وحدة عربية تكون أداة لتطوير الثورة
العربية في سبيل التخلص نهائيا من سيطرة
الاحتكارات الاستعمارية وكل أشكال الاستعمار
الحديث وقواعده فهو في الأساس نضال من اجل الوحدة الاقتصادية ".
ولم يكن من المتوقع من
عبد المنعم الغزالي الذي كشف بأكبر قدر من الوضوح والقوة ضراوة وضخامة المعسكر
الاستعماري الرجعي في هجماته ضد الوحدة ليتصور ببساطة
أن تلك القوى ستسمح للجماهير العربية بانجاز التكامل
الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وهي لا تملك "اداتها" السياسية التي تكسب
بها وتحمي بها مكاسبها . في ظل هذا الفهم يكون كل ما قاله عبد المنعم الغزالي من
معالجات جزئية او مرحلية للواقع العربي
مفهوما وقابلا للمناقشة لأنه يقع في نطاق
الالتزام بالهدف
ألاستراتجيي )دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية( .
إذن فلنلتزم
بالهدف الاستراتيجي ونحن نحاول أن نتجاوز الاختلاف
بين التصورات الإستراتجية .. إن هذا يعني بأكبر قدر من الوضوح أن تنتهي الى
الأبد تلك اللعبة الخطيرة .. لعبة تغيير موقفنا من هدفنا الاستراتيجي
: دولة الوحدة الاشتراكية
الديمقراطية ، كلما دخلنا في مأزق أو خرجنا من مأزق سواء كان مأزقاً
عسكريا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو حتى ثقافيا . لم يعد من القبول
من جماعة المثقفين في الوطن العربي
أن يعالجوا عجزهم الذاتي أو الموضوعي عن الاتفاق على تصور
استراتيجي لتحقيق الوحدة ، بتغير
مواقفهم من الوحدة ذاتها . إن الطريق الى الاتفاق على الخطط هو الحوار الديمقراطي
العلمي وليس التنازل عن الأهداف
واستبدالها بغيرها أهدافا أخرى تتفق مع مواقفنا
المرحلية المذبذبة ما بين الهزائم والانتصارات .. ولتحشد كل الجهود من اجل تجاوز هذا
الخلاف الى الاتفاق على تصور إستراتيجية مناسبة لتحقيق الوحدة تلتقي
عليها ويلتزم بها كل المناضلين من
اجل إقامة دولة اشتراكية
ديمقراطية في الوطن العربي . وفي سبيل إنجاح هذه المهمة نشترك في
الحوار بالتصور التالي :
5ـ مهما تكن
أحلامنا بالنسبة للمستقبل فان نقطة انطلاقنا لابد ان تكون من الواقع . والوقع أننا
ننتمي الى مجتمع
واحد تكوّن تاريخيا هو" الأمة العربية " هذا هو أول عناصر الواقع الذي
علينا أن نتعامل معه سواء أعجبنا
أم لم يعجبنا.
* إن هذه نقطة حاسمة للعلاقة ما بين العرب
الاشتراكيين ، والاشتراكيين الماركسيين
. وهي نقطة محسوبة في الفكر القومي الاشتراكي .. بمعنى أن معرفة الفكر القومي
للواقع العربي وخصائصه التاريخية ( كيف تكون
تاريخيا ) والاجتماعية ( وحدة اللغة
والحضارة ) والنفسية ( الشعور
بالانتماء القومي ) منتهية بشكل حاسم الى أننا امة عربية مكتملة
التكوين . ولو عرف الاشتراكيون الماركسيون هذا الواقع كما نعرفه واعترفوا به
لانتهت أغلب أوجه الخلاف
ولأصبحنا جميعا ـ في الممارسة ـ قوة واحدة
.. ولكن هذه النقطة غير محسومة فيما بين الماركسيين أنفسهم .. فما يزال بعض
الماركسيين ـ تحت تأثير الكتابات الستالينية في القومية ـ يرون أننا ... على
الأكثر أمة في طور التكوين . ولما كانت ذات الكتابات تسند الى
البورجوازية (الرأسمالية) مهمّة التكوين
القومي توحيدا للسوق من ناحية ، وكانت الحركة القومية العربية المعاصرة
تقدمية
المضمون تناضل من أجل الوحدة
الاشتراكية في عصر الثورة
الاشتراكية العالمية من ناحية أخرى ، فأنهم يجدون أنفسهم في مأزق حرج .. التسليم
بالنظرية يقتضي منهم إما إفساح
الطريق للرأسمالية العربية ( المتفق على تبعيتها للرأسمالية العالمية ) لتؤدي مهمّتها
التاريخية في تكوين الأمة وتوحيدها . أي ترك النضال الوحدوي للرجعية
العربية ، وإما مناهضة الوحدة
القومية .. ولما كان الواقع العربي
وحركته التقدمية يربطان ربطا عضويا
بين الوحدة القومية والاشتراكية فان هذا الفريق من الماركسيين
يدعو للوحدة استجابة للمبررات الاشتراكية ولكن ليس على أساس قومي . ويقولون أن
القومية واقع قد يوجد وقد لا يوجد ، ولكن الوحدة السياسية بين الدول قرار سياسي
لمعالجة المشكلات المشتركة بين دولتين
أو أكثر ، ويتطلب قدرا من الاتفاق في الهياكل الاقتصادية والتطور الاجتماعي والنظام
السياسي ...الخ ، مع حق كل دولة في الانفصال ..
هذا الفريق من
الماركسيين ما يزال يفصلهم عن أي حوار جاد مع العرب
الاشتراكيين فاصل كثيف من الخلاف
حول فهم الواقع ذاته .. والى أن ينتهي هذا الخلاف
يكون الحوار معهم مجرد مضيعة للوقت ..
ونعترف
بأن هؤلاء قلة من بين الماركسيين
في الوطن العربي . فمن مدخل الاشتراكية والنضال
ضد أعدائها اكتشف كثير من الماركسيين أن أعداء الاشتراكية هم أعداء التحرر هم
أعداء الوحدة .. كما اكتشفوا
"استحالة التقدم في الوطن العربي على أساس التجزئة " ، وكان الصراع
العربي ضد الصهيونية والامبريالية مفجرا
لهذه الاكتشافات التي عرف منها كثير من الماركسيين أن المجتمع العربي يناضل على أساس انه أمة
.. ويعامله الأعداء على أساس أنه أمة
.. ويتحالف معه الأصدقاء على أساس انه امة .. ولا تجد مشكلاته في التحرر
والاشتراكية كامل إمكانيات حلها وقهر أعدائها إلا في إطارها القومي .. فسلموا
بأننا أمة عربية
مكتملة التكوين .. فنقول أنهم عاجلا
أو آجلا سيصبحون جزءا من قوى الثورة
العربية من أجل إقامة دولة الوحدة الاشتراكية .. وهم هم الذين نصر على
الالتحام بهم حوارا وحركة حتى
لو قطعوا الحوار أو هربوا من الالتحام
.. ولا يهمّنا كثيرا الآن أن يكونوا قد وصلوا
الى موقفهم الايجابي من الوجود القومي ومن دولة الوحدة الاشتراكية عن طريق ما
يسمونه الماركسية المتطورة ، أو الماركسية المعربة .. يكفينا وحدة الموقف ووحدة
الهدف ووحدة النضال لنسير معا الى آخر الشوط .. وهؤلاء
هم الذين نحاورهم فنقول أن أول ما يجب
أن نؤكده ونحن نحاول اكتشاف الإستراتيجية المناسبة لتحقيق هدفنا المشترك هو
أننا ننتمي الى مجتمع
واحد تكوّن تاريخيا هو " الأمة العربية
" وان تلك هي نقطة انطلاقنا ..
ثم ننتقل معا الى
النقطة الثانية ..
* إن الواقع القومي
الذي يجب
علينا أن نتعامل معه لتطويره وأن نبدأ منه كما هو ولا نتجاهله قفزا الى أهدافنا الإستراتيجية
ذو خصائص لا يمكن تجاهلها ..
ـ
ثانيها أن تلك التجزئة
قد طال بها الزمن حتى تكونت فوقها أبنية وهياكل سياسية واقتصادية
واجتماعية وثقافية نشأت ونمت في ظل التجزئة فهي أبنية وهياكل إقليمية .
ـ
ثالها ، أن تلك الأبنية
والهياكل الإقليمية تمثل مصالح
لقوى اجتماعية ارتبطت
بها وتأثرت بها ثقافيا ونفسيا وبالتالي لا يمكن أن تتنازل عنها بسهولة ..
ـ رابعتها ، أن الأبنية والهياكل
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الإقليمية
ليست كلها متشابهة لا في المضمون ولا في مستوى
التطور ولا في معدل سرعة هذا التطور
.. فمنها ما لا يزال في طور البداوة القبلية أو الإقطاعية
ومنها ما تجاوزها الى شبه الرأسمالية أو حتى الرأسمالية ومنها ما بدأ تحوله الى الاشتراكية
أو أنه يتطور عن غير الطريق الرأسمالي
..
ـ خامسها ، وهذا
ما نريد أن ننبه إليه بقوة ويستطيع الماركسيون ان يفهموه بسهولة ، هو أن الدولة في
كل قطر ليس هيكلا دستوريا
وقانونيا مجردا من مضمونه
بل هو الهيكل
الدستوري والقانوني القائم على المصالح الإقليمية
والمجهز بكل وسائل البطش لحماية تلك المصالح .. وهذا يصح بالنسبة لكل الدول
العربية بصرف النظر عن نوايا ورغبة وأفكار ونزعات
موظفيها من أول السُّعاة
والى رؤساء الدول .. فكل هؤلاء يتحركون في مواقعهم طبقا للأساليب ومن أجل الغايات
التي تتفق مع البناء الدستوري والقانوني للدولة .. أي يتحركون إقليميا من
أجل غايات إقليمية ولا يستطيعون
غير هذا ..
ـ سادسها ، هي أن تلك
الدول الإقليمية بحكم اختلافها في المضامين الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية الإقليمية أيضا لا تستوي
في مواقفها من الصراع القائم بين مجموع القوى التقدمية في العالم وبين الامبريالية
، فمنها من هو تابع تبعية ظاهرة أو خفية للامبريالية ، ومنها من هو متعامل معها ،
ومنها من يقف ضدها
ويقاومها ، فتشن عليه كل أنواع الحروب النفسية والاقتصادية والعسكرية .. وتأتي مصر
العربية في طليعة الدول العربية التي تخوض منذ عشرين عاما حربا شرسة لمجرد رد
العدوان الامبريالي عليها ، وتتحالف مع كل التقدميين في العالم لمحاولة
الدفاع عن حريتها .. ولكن مصر ليست الدولة الوحيدة .. المهم
أن الدول الإقليمية ليست مستوية
العلاقة بالقوى الخارجية ..
* لا يكاد أحد يختلف على
هذا ..
ومع ذلك لا نتفق على إستراتيجية مناسبة لتطوير
هذا الواقع نحو الهدف المشترك
.. لماذا ؟...
هذه هي مقدمة المسألة ..
* فلينتبه كل
الجيل الجديد من الشباب العربي
الذي يأمل أن يعيش في ظل دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية لان الإجابة على هذا
السؤال هي خلاصة " خبرات الماضي
" ومفتاح الدخول الى المستقبل ومواجهة تحدياته
طبقا لإستراتيجية مناسبة ..
6 ـ إننا نتفق
على ما ذكرنا من أننا أمة واحدة مجزأة بين دول إقليمية بكل خصائصها ، ثم لا نتفق
على إستراتيجية تطوير هذا الواقع ، لان ليس هذا
هو كل الواقع في الوطن العربي .. هناك أقوى عناصر الواقع وهو القومية ذاتها .. ونعني
بالقومية هنا مجموع العلاقات القائمة على أساس وحدة الشعب العربي ووحدة
أرضه .. هذه العلاقات التي يكون الانتماء
القومي بدونها كلمة فارغة ليست في الواقع مفرغة من مضامينها السياسية
والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية . ليس في الواقع العربي دولة قومية ، أي بناء دستوري وقانوني ينظم ويحمي
المصالح
القومية ( إنها الوحدة المفتقدة ) ، ولكن هناك
حركة سياسية قومية تناضل من أجل حماية هذه المصالح القومية .. وفي الواقع العربي مصالح قومية
اقتصادية واجتماعية ، وفيه ثقافة قومية
وشعور قوي بالانتماء
القومي .. كل هذا
موجود وقائم .. ولكنه غائب عن نظر الكثيرين ، لأنه متداخل في الأبنية والهياكل الإقليمية
ذاتها .. وتمثل هذه
المضامين القومية مصالح لقوى اجتماعية مرتبطة بها ومتأثرة بهذا الارتباط
ثقافيا ونفسيا .. ولكن هذه القوى
غير مفرزة ، لأنها بحكم التجزئة الشاملة تعيش
في قلب الدول الإقليمية ..
والمفاجأة
أن هذه القوى القومية هي الأغلبية الساحقة من الشعب
العربي الذي لا مصلحة له في التجزئة
الإقليمية . أما المضامين الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية القومية فهي كل ذلك الذي يتحدثون عنه عندما يحاولون بيان الانجازات
التقدمية الهائلة اقتصاديا واجتماعيا التي تحققها
الوحدة للشعب العربي ، عندما يقال أن الوحدة العربية تحقق للشعب العربي كذا ..
وكذا .. فلا يعني
هذا أن الوحدة العربية ستخلق ما تحققه من
العدم ، بل معناه أنها ستقنن مصالح الشعب العربي وتحمي مضامينها
القومية وتطورها .. ولو أن يدا عملاقة ذات
عشرين إصبع هبطت
على الوطن العربي وتناولت كل البناء الفوقي الإقليمي دولا ومصالح وألقت
به في المحيط ، لما بقي الوطن العربي بدون شعب وبدون اقتصاد وحياة اجتماعية
وثقافية .. أبدا .. إن الإقليمية
الطارئة ومضامينها تغطي الوطن العربي ، ولكنها لم تلغ ، ولا يمكن أن
تلغي الوجود القومي
ومضامينه .. والدول
الإقليمية ترفع أعلامها على كل جزء من الوطن العربي ، ولكنها لا تنظم
ولا تحمي الا مصالح الأقلية الإقليمية
من الشعب العربي ..
الدليل البارز
على هذا الازدواج في المصالح والمضامين التي تكوّن الواقع العربي ، هو أن المضامين
السياسية
والاقتصادية والاجتماعية والثقافية القومية تفرض ذاتها ، بحكم الواقع
الموضوعي ، على حركة الدول الإقليمية ذاتها فيما يسمى المصالح العربية المشتركة ،
أو المصالح
القومية .. ولا بد هنا من الانتباه الى أن كونها "عربية
مشتركة" بين الدول العربية
فقط ، يميزها عن المصالح المشتركة التي تقوم بين كل الدول المتقاربة
جغرافيا أو سياسيا ، فلكل دولة عربية
مصالح مشتركة مع كثير
من دول العالم ، ولكن ـ في نطاق هذا ـ هناك مصالح سياسية
واقتصادية واجتماعية وثقافية مشتركة
بين الدول العربية فقط ، لأنها دول عربية .. أي لانها منتمية جميعا الى أمة واحدة
هي الأمة العربية .. فالمضامين الاقتصادية والاجتماعية ، الخ ... القومية وصاحبها الشعب العربي
وقواها المناضلة
الممثلة في القوميين التقدميين
ليست مضامين وقوى راكدة بالرغم من أنها تفتقد آداة تقنينها دستوريا
وقانونيا وحمايتها وتطويرها .. بل هي نشيطة
الى الحد الذي لا تستطيع أي دولة إقليمية
الإفلات منها ، وقد فشلت كل المحاولات السابقة للإفلات .. ويثير هذا الازدواج
الموضوعي بين المصالح القومية والمصالح الإقليمية
وانعكاسه على سياسة الدول العربية قدرا كبيرا من " عدم معقولية " تلك
السياسة عند الذين يجهلونه أو ينكرونه فلا يفهمون لماذا تشغل الدول
العربية نفسها وتستخدم قواها
الاقتصادية والبشرية والعسكرية من أجل قضايا لا تقع داخل حدودها ،
ولماذا لا تنكفئ على
مصالحها وتكف نفسها عن التدخل في شؤون الدول العربية الأخرى .. ويتمنى الإقليميون
لو استطاعوا ، ولكنهم لا يستطيعون ولن يستطيعوا .. فكما يحدث في محاولات التقوقع الإقليمي
تقتحم عليهم المشكلات
القومية جحورهم وتجذبهم الى صراعات قومية المضمون قومية الساحة ..
إذا صح هذا
وهو عندنا صحيح ، سهل علينا اكتشاف الإستراتيجية المناسبة لتحقيق دولة الوحدة
الاشتراكية الديمقراطية وخصائصها ..
7ـ أول عناصر
الإستراتيجية هو " القوة الاجتماعية " التي تحتاج الى هذه الإستراتيجية
للوصول من الواقع الى
الهدف .. ومن هنا يصبح الحديث
عن إستراتيجية مناسبة
لتحقيق دولة الوحدة الاشتراكية
الديمقراطية دون تحديد للقوى المرشحة للالتزام بهذه الإستراتيجية والنضال طبقا
لها تجريد ثقافي عقيم .. فمن هي القوة
الاجتماعية التي تحتاج إلى إستراتيجية
مناسبة لتحقيق دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية ؟
إنها القوى الاجتماعية
التي لها مصلحة في قيام دولة واحدة اشتراكية وديمقراطية في الوطن العربي
.. وهذه تتحدد على مستويين
:
مستوى
موضوعي أي قياسا على مصلحتها المتحققة موضوعيا في قيام دولة الوحدة الاشتراكية
الديمقراطية سواء كانت واعية هذه المصلحة أو غير واعية ..
* على المستوى الموضوعي
يمثل قيام دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية
مصلحة كل الشعب العربي في كل أقاليمه سواء كانوا واعين هذا أو غير واعين .. ولسنا
نريد أن ندلل على هذا لان كل الحديث الذي نشر في مجلة الطليعة وغيرها قائم على أساس
أن الوحدة الاشتراكية
تمثل الحل الصحيح
لمشكلات القهر والاستغلال والتخلف التي تعانيها الجماهير
العربية .. ولهذا كان منطلقنا الى الحوار
الاتفاق عليها كهدف .. أما على المستوى الذاتي فليس هذا محل اتفاق بين
كل أصحاب المصلحة ولكنه قد لا يكون محل اختلاف .. ذلك لأنه على مستوى الجماهير
العريضة في مجتمعنا
العربي المتخلف ، لا تسمح الظروف الموضوعية
اقتصاديا وثقافيا للجماهير العربية بأن تعي وعيا علميا كيف تكون دولة الوحدة
الاشتراكية الديمقراطية حلا لمشكلات حياتها فتبقى متطلعة للوحدة عاطفيا
ووجدانيا بحكم الشعور بالانتماء القومي ( الحالة النفسية ) ، متقبلة ما يعطيها
المثقفون من مبررات علمية تحوّل موقفها
العاطفي الى موقف نضالي .. ومعنى هذا أن القوى المرشحة للنضال من أجل
الدولة الاشتراكية الديمقراطية في الوطن العربي تضم كل
الداعين على ضرورتها كهدف تقدمي
، المستعدين للعمل من أجل تحقيقها .. أولئك هم الذين نسميهم القوى القومية
التقدمية ، أو العرب الاشتراكيين ، أو الطليعة العربية
الاشتراكية ، أو ما شئنا من أسماء نريد بها ان نقول أنهم ليسوا
أصحاب مصلحة فحسب ، بل واعين على
هذه المصلحة ، قابلين النضال من أجلها ، أما كيف وصل كل منهم الى موقفه
الواعي على العلاقة بين مصلحته والوحدة
فذلك يختلف باختلاف المنابع الفكرية ومصادر
المعرفة ولو كانت مجرد ممارسة الحياة
تحت القهر الاستعماري والرأسمالي والإقليمي ..
* القوى
التقدمية إذن ، هي أولا أحد عناصر الإستراتيجية ، وهي ثانيا التي تحتاج
الى خطة إستراتيجية مناسبة تبدأ من الواقع وتنتهي الى الغاية ، وتقسم
المسيرة الى مراحل ، وتقسم العمل في كل مرحلة
، وتتابع حركتها ، وتواجه القوى
المعادية في كل موقع تكتيكي وفي كل مرحلة تكتيكية
بالموقف التكتيكي المناسب ..
من هي القوى المعادية لدولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية التي نحتاج الى إستراتيجية
مناسبة لتحقيقها ..؟ ببساطة إنها
القوى التي لها مصلحة في بقاء التجزئة
. أي القوى الإقليمية . وفي ظل الإقليمية كما أوضحناها من قبل قد يوجد "
تحرريون " إقليميون " ، واشتراكيون " إقليميون " ، ولا شك أن
المواقف التكتيكية من هذه القوى لا تكون مطابقة للموقف التكتيكي من العملاء
والرجعيين الإقليميين ، ولكنهم أي
الإقليميون التحرريون
والإقليميون الاشتراكيون يبقون خارج القوى القومية التقدمية وأعداء لإستراتيجيتها
.. ويترتب على هذا أنهم ليسوا شركاء في هذه الإستراتيجية ..
* إذا تم فرز
المصالح على أساس تناقض بين المصالح الإقليمية والمصالح القومية وتم بالتالي فرز
القوى على أساس
العداء بين الإقليميين والقوميين
تكون الإستراتيجية المناسبة لتحقيق الوحدة العربية قد كشفت عن بعض
الخصائص اللازمة لها : إنها ـ على وجه التحديد ـ إستراتيجية تصفية وإلغاء وهزيمة الإقليمية مصالح
ومضامين ومؤسسات وقوى
وحلفائها وصولا الى أن تقيم القوى التقدمية المنتصرة دولتها الواحدة الاشتراكية
والديمقراطية . ولن تتم هذه الهزيمة مرة واحدة . أبدا
.. ولا بدون هزائم مرحلية . أبدا .. انه صراع طويل .. طويل .. ولكن الوحدة كما قال
الأستاذ فليب جلاب "هدف جدير بأن نبذل من أجل تحقيقه كل
جهد ممكن ، وأن نتخطى في سبيله
كل العوائق " .. وأول جهد يجب أن نبذله ، وهو ممكن ، هو أن نعرف ونحدد ونواجه
أعداء الوحدة . وأهم من هذا ألا نترك مصير هدفنا بين أيديهم
فندعوهم ونتوسل إليهم
وننصحهم ونعظهم بأن يتقاربوا
، بأن يتعاونوا ، بان يتوحدوا ..الخ ، إن كل الاقتراحات
التي اقترحها كتاب "الطليعة"
من أول ترك النظم تتفاعل
، الى التكامل الاقتصادي مرورا بالتعاون والتنسيق والرقص الجماعي على إيقاع "
الهارموني " ممكن ، ومطلوب كخطوات على طريق الوحدة إذا
كان الذين يخطون هذه الخطوة ملتزمين بالاستمرار في خطوات متتالية حتى
يتحقق هدفهم الاستراتيجي
.. والعبرة هنا ليس بما يعلنه كل من خطا خطوة ، فكلهم يقولون أنهم يريدون الوحدة .
ولكن العبرة بموقعهم من
التناقض بين المصالح
الإقليمية الخاصة بكل دولة والمصالح
القومية الخاصة بالشعب العربي في كل الدول ..
ومع أن المواقف والمصالح قد تتغير وتتطور ، إلا أن هناك "أشخاصا
إقليمية" لا يمكن أن تلتقي مصالحها
مع المصالح القومية ، لأنها
تجسيد الإقليمية
ومصالحها .. إنها الدول العربية . لقد أسميناها أشخاصا إقليمية لأنها
فعلا أشخاص وان كانت " اعتبارية " كما يقول رجال القانون .. ثم لسبب آخر
أكثر أهمية
هو أن نفرق بين
الدولة كشخص اعتباري
إقليمي وبين من قد يكون في قمته أو قاعدته من أشخاص طبيعيين ـ أفراد ..
بهذا نكشف
مميزا آخر لإستراتيجية تحقيق الوحدة
..
إنها بحكم الواقع الموضوعي في الوطن العربي لا بد أن تكون إستراتيجية نضال جماهيري
مستقلة تماما عن الدول العربية
وعن أي دولة عربية
.. ولعل هذا ما عبر عنه خالد محي الدين عندما نصح "بالاعتماد على حركة
الجماهير" .. إن الجماهير العربية هي صاحبة المصلحة
الأساسية في الوحدة .. إن أية إستراتيجية
لتحقيق الوحدة بقوة إحدى الدول الإقليمية لن تكون الا غزوا للوطن العربي تقوم به
هذه الدولة لمصلحة شعبها على حساب الجماهير العربية ، وأية إستراتيجية لتحقيق الوحدة
اتفاقا بين دولتين
مجرد وهم .. وإذا تمت فإنها تتم خارج
نطاق الدولتين وبالمخالفة لهيكلهما
الدستوري أي بتحطيم الدولتين من داخلهما ، ولو انتبهنا لهذا لعرفنا
كثيرا من أسباب فشل المحاولات
السابقة . محاولة دولة إقليمية
أن تلغي ذاتها من أجل الوحدة .. وهم عابث والأوهام لا تحتاج الى إستراتيجية ..
وعلى الذين قد يتذكرون وحدة 1958
أن يتذكروا معها أن سوريا
كانت منتهية كدولة إقليمية
داخليا نتيجة وضع جماهيري رافض وجودها ومطالبا بالوحدة .. وخارجيا نتيجة
عجزها الكامل عن حماية وجودها
ضد المخاطر التي كانت تحيط بها من البحر ومن الشمال .. وأما أن يلتقي حكام دولتين
أو أكثر ويتساومان على الوحدة
ويعقدان صفقتها فيستحيل أن ينفذا ما عقداه مهما كانت حرارة الكلمات في
الوثائق التعاقدية .. ولا مبرر لضرب الأمثلة .. إن الذين لا ينفذون المواثيق أكثر انسجاما
مع مسؤوليات مواقعهم من الذين
يريدون أن يحمّلوا الدولة الإقليمية ما لا تطيق .. يريدون لها أن تتخذ
قرارا دستوريا بإلغاء وجودها ..
لنجمع خلاصة
أفكارنا ..
3ـ فنحن في حاجة الى إستراتيجية
مناسبة تصل بين الواقع
والغاية ونلتزم بها مبتدئين
من الواقع الى الهدف .
4ـ نواجه من إطارها القومي الإقليمية وحلفائها
في مواقع تكتيكية ومراحل لا يمكن تحديدها من الآن .
أليست هذه هي الخصائص الأساسية للإستراتيجية
المناسبة على ضوء "خبرات
الماضي" لمواجهة "تحديات المستقبل" ؟..
إن كانت الإجابة بلى .. ونحن نقول
بلى يبقى سؤال ختامي : ما هي هذه الخطة الإستراتيجية
؟..
وفي الإجابة عليه
نقول خاتمة لهذا الحديث ..
8ـ ليس أسهل من أن
توضع الخطط الإستراتيجية كلمات على الورق
.. والواقع أن لكل واحد
منا تصور خاص عن إستراتيجية تحقيق الوحدة .. وكثيرا ما اتخذنا مواقف من غيرنا ومن بعضنا
البعض على أساس الاختلافات بين تصوراتنا الإستراتيجية .. ويجد المثقفون ـ عادة ـ لذة
كبرى في رسم الخطط الكبرى
لتحقيق آمال الشعوب .. ولو شئنا لسودنا عشرات الصفحات خططا وجداول
زمنية بالغة حد الإحكام
"المجرد" نتوهم أنها ستؤدي الى الوحدة .. ولكن كل
هذا جهد لا طائل من ورائه بل قد يكون ضارا
..
ان إستراتيجية تحقيق دولة الوحدة
الاشتراكية الديمقراطية
هي التي يضعها من يريدون أن يلتزموا بها .. انها خطة تضعها قوة منظمة التقت على الهدف
، وتريد أن تنظم حركتها
النضالية على مراحل ، وتقسم العمل على مناضلين معروفي العدد والمواقع
والمقدرة .. وضع الخطط
الإستراتيجية أيها الشباب العربي ، ليس حذلقة
فردية ، بل عمل نضالي على أكبر قدر من الجدية والخطورة تقوم به القوى
التي التقت على الهدف بعد أن تكون قد التحمت
في آداة نضالية واحدة .. بعد أن تكون قد أصبحت تنظيما
.. إستراتيجية النضال
الجماهيري لا تسبق أبدا الحزب الجماهيري وإلا أصبحت موعظة فردية لا
قيمة لها .. وعندما يلتحم القوميون التقدميون في الوطن العربي في تنظيم جماهيري
مناضل من أجل دولة الوحدة الاشتراكية
الديمقراطية ، لن يكون وضع الخطة
الإستراتيجية على أسس واقعية وعلمية ومناقشتها ديمقراطيا ثم
الالتزام بها إلا مهمة عادية من مهامه
النضالية ..
فليستمر
الحوار إذن ، بين كل أنصار دولة الوحدة
الاشتراكية الديمقراطية الى أن يلتقوا في حركتهم العربية الواحدة ..
وكل ما تطالبهم به ـ الآن ـ "خبرات الماضي وتحديات المستقبل" أن يكونوا أكثر
جدية في الحديث وأكثر
ديمقراطية في الحوار .. وبكل قوة أؤيد ما عبر عنه الأستاذ عادل حسين
تأكيدا لدور مصر العربية
، وهذا يعني أن الذين يتحاورون في مصر من موقع الانتصار لدولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية
مطالبون بقدر من الجدية والجهد المكثف
يتفق مع ثقل الجماهير العربية في مصر التي تمثل ثلث الأمة العربية ، وهم يتحاورون
في ظل دولة المادة 62
من دولة الاتحاد الذي قبله الشعب العربي
في مصر بأغلبية 99% ، وهي مادة ألزمت الدولة وكل
المؤسسات الأفراد في مصر بأن يبذلوا جهدهم
من أجل تهيئة المناخ لمولد الحركة
العربية الواحدة .. فليكن الحوار إذن أكثر اتساعا من صفحات مجلة
الطليعة .. فلعل الشباب العربي أن يتوحد يوما فيصبح
"وحدة من اجل الإعتاق
" بدلا من إقامة الاعتاقات من أجل الوحدة ..
عندئذ نكون قد أنجزنا مهمات المرحلة
التكتيكية الأولى من إستراتيجية تحقيق دولة الوحدة
الاشتراكية ، فهل يرى الذين لم يحاولوا فهمنا قط ؟.. نحن نصر على الوحدة
الشاملة كهدف استراتيجي
ولكن لا نقفز إليه قبل أن نملك الآداة اللازمة لتحقيق أول خطوة على الطريق الطويل الصعب
نحو غايتنا فهل نحن متفقون
؟..
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق