بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

رسالة إلى الجماهير العربية


رسالة إلى الجماهير العربية .
د.عصمت سيف الدولة .

فرصة تاريخية لتحرير فلسطين .. فلنتشبث بها ..

منذ أن بدأ الصراع العربي الصهيوني والنضال من أجل تحرير فلسطين يسير على طريق مسدود . ذلك لأن أدوات هذا النضال كانت ولم تزل هي الدول العربية . والدول العربية ، مجتمعة أو منفردة ، رجعية أو تقدمية ، ثورية أو إصلاحية ، لم تستطع ، ولا تستطيع ، ولن تستطيع تحرير فلسطين لسبب بالغ البساطة وهو أن على الدولة أو الدول العربية التي تريد أن تحرر فلسطين أن تدفع بقواتها المسلحة خارج حدودها الدولية إلى فلسطين المحتلة .. وهو مستحيل لألف سبب وسبب . ليس أهم تلك الأسباب أن قادتها لا يريدون فقد يوجد القادة الذين يريدون . وليس أهمها أنها لا تستطيع عسكريا فإن بعض الدول العربية تستطيع لو أحسنت استخدام إمكاناتها المتاحة أن تسحق إسرائيل عسكريا .. إنما السبب الأول والأهم هو أن قيودا دولية ودستورية تجعل من تجاوز قواتها المسلحة حدودها " عدوانا " ولو تجاوزتها إلى فلسطين المحتلة . فإن حاولت اجتمعت الدول وردتها إلى حدودها كما فعلت عام 1948 حينما فرضت الهدنة ثم الإنسحاب وكما فعلت عام 1970 عندما حملت سورية على إيقاف تقدم قواتها إلى الأردن لإنقاذ المقاومة الفلسطينية .. وللدول في هذا منطق لا يمكن تجاهله قائم على ذات منطق الدول العربية ..
إن الدول العربية لا تكف عن القول بأنها دول مستقلة . والاستقلال استقلال بالذات عن الغير . وتقع فلسطين بمنطق هذا الإستقلال في نطاق " الغير " .. فلماذا تقتحم دولة عربية بقواتها المسلحة " أرض الغير " .. الحجة التي يرددها الحكام العرب هي أن الصهيونية المحتلة تمثل خطرا توسعيا وهو ما أثبتته نتائج الغزوات الإسرائيلية . هذه الحجة موجهة إلى الرأي العام العالمي وإلى المجتمع الدولي . وهى حجة مقبولة منه ويمكن الدفاع عنها . ولكنها ذات نتائج لا تريدها بعض الدول العربية . أهم تلك النتائج هي أن أسلوب تأمين الدولة ـ أية دولة ـ من مخاطر جيرانها لا تقتضي اقتحام الحدود عليهم بل تأمين الحدود فيما بينها وبينهم بالضمانات الدولية والأرض منزوعة السلاح ومحطات المراقبة والقوات الدولية .. وأفضل من هذا بالصداقة والتعاون وكسر الحواجز النفسية .. الخ ..
في مواجهة هذا المنطق تختلف الدول العربية وتتصارع . ولعلنا لا نجانب الحقيقة إذا قلنا أن ذلك هو السبب الأساسي المعقول لذلك الصراع الذي يبدو للبعض غير معقول أن يمزق ما يسمى بالتضامن العربي . وقد يكون الإنتباه إلى هذا السبب لازما لكل الذين يعظون الدول العربية بضرورة العودة إلى التضامن ويدعونها إليه كلما أصابتهم هزيمة جديدة .
إن مرجع الخلاف هو مرجع العجز هو مرجع الهزائم أيضا . إنه التناقض بين إرادة الجماهير العربية تحرير فلسطين وعجز الدول العربية ، التي تحكم تلك الجماهير عن تحقيق ما تريده ، وتلجأ الدول العربية إلى أساليب مختلفة في التستر على هذا العجز إبقاء على " السلام " داخل حدودها ، وتتصارع حول المفاضلة بين تلك الأساليب .. التي هي كلها أساليب فاشلة .
من الدول العربية من يعوض العجز الفعلي بصخب الإدعاء فينشر في المناخ العربي أضخم الأوهام على المقدرة الذاتية على تحرير فلسطين .. حينما تأتى الفرصة ويكمل الإستعداد . وتأكيدا لهذه الأوهام تعبأ الجماهير فكريا ومعنويا وقد تعبأ تدريبا وتسليحا وتنظيما .. ثم يطلب إليها الإنتظار . ويدخل في نطاق تلك التعبئة إشعال غضبها على المواقف الاستسلامية والتصفوية والتآمرية .. إلى آخره .. أقل ما يمكن أن ينسب إلى قادة هذا الفريق من الدول العربية أنهم مثاليون حسنوا النوايا .. والمثالي هو من يتصور أن كل ما يريده يصبح قابلا للتحقيق مادام قد أراده .. وهو أسلوب فاشل في التعامل مع الواقع . والواقع الذي يتحدى المثاليين من قادة الدول العربية هو أن عليهم لكي تصل جيوشهم إلى تل أبيب أن يكونوا أكفاء لقتال بعض الدول الكبرى أو أن ينشئوا أولا دولة الوحدة الكبرى التي تستطيع بعدها أن تنجز ما يريدون .. وكلاهما غير متحقق الآن ولا يبدو قابلا للتحقيق في المستقبل القريب . .
ومن الدول العربية من تتستر على عجزها بالنفاق ، وأغلب نفاقها موجه إلى الفلسطينيين . إنها لا تكف إعلاميا عن تأكيد ضرورة تحرير فلسطين ، وتترجم هذا التأكيد بإمداد الفلسطينيين بالأموال والمعدات أو الدعم السياسي أو الإعتراف بمنظمة تحرير فلسطين أو بإيواء اللاجئين .. ثم لا تزيد .. لأنها " احتراما لإرادة الفلسطينيين " .. لا تريد أن تتدخل في شئونهم الداخلية .. ولقد أصبح شعار هذا الموقف المنافق : " نقبل ما يقبله الفلسطينيون ونرفض ما يرفضونه " .. وهو منافق لأنهم يعلمون علم اليقين أن الشعب العربي الفلسطيني المشرد . ومنظمة التحرير المطرودة من كل أرض عربية ، ليست أقل منهم عجزا عن تحرير فلسطين وإن كانت أقدر منهم على التعبير سياسيا وعسكريا عن رفض الإحتلال الصهيوني ..
أما الفريق الثالث من الدول العربية فقد حسب حسبته فلما أن وجد نفسه عاجزا عن تحرير فلسطين قبل الإحتلال الصهيوني لها وهو مستعد للإعتراف بإسرائيل وإنهاء الصراع " غير الواقعي " كما يقول . إن هذا الموقف لا تنقصه الشجاعة .. في مواجهة الجماهير العربية برفض وتسخيف إرادتها علنا .. كل ما يؤخذ عليه هو أن عجزه عن تحرير فلسطين قد يبرر كفه عن التدخل المسلح لتحرير فلسطين ولكن لا يبرر تدخله السياسي في قضية تحرير فلسطين بتبني الحلول التي تنهي الصراع بين الشعب العربي والصهاينة على أرض ليست أرضه . ولو كف سياسيا عن التدخل كما كف عسكريا لكان منطقيا مع نفسه . ولكنه لا يستطيع لا لأنه ما يزال حريصا على تحرير فلسطين أو بعض فلسطين ولكن لأنه مطلوب منه أن يعترف بإسرائيل . والإعتراف بإسرائيل يعني منحها حقا في أرض فلسطين وهو لا يملك أن يعطي أرض فلسطين لمن يريد فلابد له من يقنع الفلسطينيين " بالأسلوب المناسب " أن يقبلوا التنازل عن بعض فلسطين والإعتراف بإسرائيل ..
لو واجهت أصحاب أي موقف من هذه المواقف الثلاثة بما يكشف له أنه يسير على طريق مسدود لكانت إجابتهم جميعا واحدة : ما هو البديل ؟..
يقول الفريق الأول : نحن نرفض الاستسلام فما هو البديل ؟.
يقول الفريق الثاني : نحن نرفض الاستسلام والمزايدة فما هو البديل ؟.
يقول الفريق الثالث : نحن نرفض المزايدة فما هو البديل ؟.
ولا يستطيع أحد أن ينكر ما في سؤالهم " ما هو البديل ؟" من حق ...
حق في السؤال بصرف النظر عن النوايا وما يتضمنه السؤال من تناقض . أما عن النوايا فلست أريد الحديث عنها الآن . أما عن التناقض فلأن السؤال : ما هو البديل عن أسلوب معين يتضمن ، أو يجب أن يتضمن ، الإعتراف بأن الأسلوب القائم أسلوب فاشل والتوقف عن ممارسته .. على الأقل إلى حين أن يتضح البديل .. ولكن الدول العربية ـ جميعا ـ تطرح السؤال : ما هو البديل للإحراج متصوره أن الإجابة الصحيحة غير ممكنة .. فهي لا تحاور بل تناور دعما لأساليبها الفاشلة التي لا تريد أصلا التوقف عن ممارستها بالرغم من ثبوت فشلها .
ومع ذلك ما هو البديل ؟..
لقد طرحت بعض القوى السياسية في مصر وفي بعض الدول العربية إجابة على هذا السؤال : الدعوة إلى ما أسمته " حرب التحرير الشعبية " . وفي أذهانهم نماذج الحروب الشعبية المنتصرة في فيتنام وأسلوبها المعروف هو تحويل الشعب كله إلى قوة مقاتلة والالتحام المستمر مع القوات الغازية وممارسة كافة أنواع القتال من أول القنص الفردي إلى الغارات الجماعية إلى الاشتباك المنظم واستخدام الأرض على اتساعها جميعا ميدانا للمناورة بدون إعتداد بالحدود . وحجتهم في هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعسكرها الإمبريالي قد ضمنت وما تزال تضمن تفوق إسرائيل في التسليح على الدول العربية وبالتالي فإن القتال بالجيوش النظامية ضد إسرائيل المدعومة بأمريكا ليس مأمون العواقب وهذا ما حدث في 1948 و1956و 1967 و1973 . وهذه الحرب الأخيرة قدمت لأصحاب هذا الرأي الدليل الذي يحسبونه حاسما .. إذ ما أن انهزمت إسرائيل في الأيام الأولى من المعركة حتى تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية بكل ثقلها العسكري لإعادة التوازن في الميدان وبكل ثقلها السياسي لفرض اتفاقيات فض الاشتباك وما تلاها . ولقد اعترف الرئيس أنور السادات بالتدخل الأمريكي المسلح كما اعترف بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد أنذرته على لسان كيسنجر أنها " ستضربه " إذا حاول مهاجمة القوات الصهيونية التي عبرت القناة إلى الغرب .
الحجة الثانية هي أن " حرب التحرير الشعبية " هي وحدها التي تتيح الفرصة للاستخدام الأمثل لعناصر التفوق العربي وأهمها : التفوق البشرى بما يتضمن من مقدرة متفوقة على تحمل التضحيات ، والتفوق في المقدرة على احتمال استمرار المعارك لمدد لا تستطيع الصهيونية تحملها ..
وكل هذا عظيم ومنطقي على مستواه المجرد ، ولكنه في ظروف طرحه لم يكن أقل مثالية من أي طرح آخر . ولا نحتج في هذا باختلاف البيئة الجغرافية في فيتنام عنها في الأرض العربية فهي حجة داحضة لأن الثوار في كل مكان يستطيعون أن يبتكروا الأساليب المناسبة للتعامل مع بيئتهم وليست هذه مشكلة . لقد استطاع الصهاينة من قبل أن يشكلوا وحدات مقاتلة ضد الإحتلال الإنجليزى على أرض فلسطين ذاتها . واستطاع ثوار أمريكا الجنوبية أن يبتدعوا أسلوبا للقتال فوق قمم الجبال ثم أسلوبا للقتال في المدن .. كل هذا يمكن التغلب عليه .
إنما العقبة الكؤود في سبيل حرب التحرير الشعبية في الوطن العربي هي هي ذاتها الدول العربية . فحيث دارت معارك التحرير الشعبية بنجاح كان أهم شرط تحقق لها إلغاء الدولة وتحول الشعب كله إلى ثوار مقاتلين .. فحرب التحرير الشعبية في الوطن العربي تحتاج لكي تكون ممكنة إلى ساحة قتال بدون دولة يدور فيها القتال إلى أن تتحرر فتنبثق الدولة من الثورة .. وهذا يقتضى ـ في الوطن العربي ـ إما إسقاط إحدى الدول العربية وتحويلها إلى قاعدة لحرب التحرير الشعبية كما تحولت فيتنام الشمالية من دولة إلى أرض للثورة أو الإستيلاء على أرض لا تكون تابعة لأية دولة عربية ليدور عليها القتال بعيدا عن القيود الدولية أو اقتحام فلسطين المحتلة ليدور القتال في قلب إسرائيل .
وكل هذا لم يكن ممكنا . لقد حاولت منظمة التحرير الفلسطينية أن تتخذ من أرض بعض الدول العربية قواعد " إيواء وانطلاق " .. مجرد قواعد إيواء وانطلاق فتعرضت لما تعرضت له في الأردن ولبنان من قتال  وما تتعرض له في باقي الدول العربية من " تحريم ".
إن الذي كان ينساه أصحاب دعوة حرب التحرير الشعبية أو ربما يخفونه أن حرب التحرير الشعبية التي تبدأ من أجل تحرير فلسطين هي ذاتها ثورة ضد الدول العربية التي تبدأ منها أن بدأت مستقلة عنها ، أما إذا بدأت تابعة لها فهي نشاط عسكري لتلك الدولة العربية وليست حرب تحرير شعبية . ومن هنا فإن الدعوة إلى الثورة لابد أن تسبق أو تصاحب الدعوة إلى حرب التحرير الشعبية ، كما أن الإنتصار في الثورة هو المقدمة اللازمة لبدء حرب التحرير الشعبية . لا مفر من هذا . وإذا كانت القوى السياسية التي دعت من قبل إلى حرب التحرير الشعبية كبديل عن الحرب النظامية لم تعلن المضمون الثوري لدعوتها فإن كل الدول العربية كانت تعي هذا المضمون وتخشاه وبالتالي تحول دون أية محاولة ، ولو محدودة ، للمساهمة الجماهيرية في القتال .
بل أننا نستطيع أن نؤكد أن إلحاح الدول العربية ، بكل وسائل الإغراء والضغط ، على أن تتحول منظمة تحرير فلسطين إلى " شبه دولة " لم يكن إلا بديلا تقدمه لتفادى أن تتحول منظمة تحرير فلسطين إلى جيش تحرير شعبي . ولقد كان لنا شرف التنبيه والتحذير من هذا المصير منذ أن قبلت منظمة تحرير فلسطين أن تحتل مقعدا من مقاعد الجامعة العربية في مؤتمر الدار البيضاء . ونزيد فنقول أن كل ما قدمته الدول ، عربية وغير عربية ، إلى منظمة تحرير فلسطين من اعتراف ومقار في العواصم ومقاعد في المنظمات الدولية .. لم يكن إلا إغراء لها بأن تتحول إلى دولة بدون أرض تمهيدا لجلوسها في المؤتمرات الدولية التي كانت تعد لاختلاس الإعتراف العربي بدولة  الصهاينة .. ولقد كان لنا شرف التنبيه والتحذير من هذا المصير في سلسلة مقالات نشرت عام 1974 تحت عنوان " التقدم على الطريق المسدود "..
المهم الآن هو : ما هو البديل ؟..
البديل هو : حرب التحرير الشعبية ".. ولسنا نناقض ما قلنا . فقد قدم لنا الغزو الصهيوني لجنوب لبنان الشرط الواقعي الذي أصبحت به حرب التحرير الشعبية ممكنة . لقد قدم لنا الفرصة التاريخية التي انتظرناها طويلا . فلقد أصبح ممكنا موضوعيا :
أولا : أن يتكون جيش التحرير العربي الذي لا يتبع أية دولة عربية ولا تكون أية دولة عربية مسئولة دوليا عن نشاطه . وذلك بأن يتدفق المتطوعون من كل مكان في الوطن العربي إلى ساحة القتال في جنوب لبنان .
ثانيا : أن تتحرر المقاومة الفلسطينية من واحد من أعتى القيود على حركتها وهو إقليميتها التي حبستها فيها القوى الإقليمية . لقد كان يقال أن جنوب لبنان " أرض فتح " تعبيرا عن انحسار السيطرة ( وليس السيادة ) اللبنانية عليها ، ولكن النظرة الإقليمية السائدة قد حالت دون أن تتحول " أرض فتح " إلى " أرض العرب " .. ولقد أصبح هذا ممكنا بقدر ما يتدفق الشباب العربي إلى أرض المعركة ويلتحم المقاتلون في أتون  المعركة فيذوب الإنتساب الإقليمى ليتولد جيش التحرير العربي الشعبي .

ثالثا : أن يتكون التنظيم القومي على أساس الإختيار الحي لثورية الرجال . أن يولد ولادة طبيعية من رحم المعارك . وتتولى المعارك ذاتها انتقاء عناصره بعيدا عن الإختيار الشخصي والمقاييس النظرية التي أضاع بها جماعة المثقفين العرب وجماعة أدعياء القومية ، كل الفرص التي أتيحت من قبل لمولده .
رابعا : في جملة واحدة ، لقد أصبح ممكنا موضوعيا بدأ الثورة العربية الشاملة التي ستحرر فلسطين وهي في طريقها إلى تحرير الوطن العربي من الإقليمية وإقامة دولة الوحدة .
لماذا أصبح كل هذا ممكنا الآن ؟..
لأن الصهاينة قد ألفوا السيطرة الإقليمية على جنوب لبنان حينما غزوه ، ثم لأن كافة القوى والدول العربية قد قبلت ـ بالفعل ـ إلغاء السيطرة الإقليمية  العربية على جنوب لبنان ، ولقد كانت دولة لبنان أول من قبل هذا الإلغاء ، منذ وقت مبكر ، ولكن ليس لحساب الصهاينة . هذه إذن قطعة من أرض الوطن العربي ليست تحت سيطرة أية دولة عربية ، وبالتالي لا تستطيع أية دولة عربية " التمحك " بضرورة الحفاظ على سيادة الدول العربية " الشقيقة " وعدم التدخل في شئونها الداخلية .. هذه الأرض العربية غير الواقعة تحت سيطرة أية دولة عربية هي الشرط الموضوعي الذي كانت تنتظره حرب التحرير الشعبية لتبدأ .. وتكون قواها وتشعل ثورتها التحررية ..
إذا كان الظرف الموضوعي لبداية حرب التحرير العربي الشعبية قد تحقق فما الذي ينقصها لتبدأ فعلا ؟..
العنصر الذاتي .
ويتمثل العنصر الذاتي في أربعة مواقف لازمة : 
أولا : أن يثبت الشباب العربي جدارته بالظرف الموضوعي التاريخي الذي أتيح له وذلك بأن يثب إلى ساحة المعركة من كل مكان و ألا يتوقف القتال أبدا أبدا أبدا ومهما تكن مواقف الدول عربية أو غير عربية ومهما تكن الخسائر ومهما تكن النتائج ، لا يهم أسلوب القتال وحجمه ، المهم أن يتواجد الصهاينة والعرب مشتبكين حتى الموت بدون توقف في المساحة التي فتحها الغزو الصهيوني للقتال .. إن أغلب الدول ستحاول أن تعيد الأمر إلى ما كان عليه وأن تطالب بانسحاب القوات الصهيونية .. أقول : دعونا نحرق إلى الأبد فكرة " فض الإشتباك " مع العدو . وأنهم حتى لو انسحبوا إلى داخل فلسطين المحتلة ، ونحن مشتبكون معهم ، سندخل معهم فلسطين المحتلة مشتبكين . وإن تحركوا شمالا أو شرقا إلى مزيد من الأرض فلا بأس في هذا ولا خطر مادمنا مشتبكين . ولو تم هذا لذكر التاريخ فيما بعد أن الصهيونية إذ اخترقت حدود لبنان عام 1978 قد حفرت قبرها إذ أن تلك هي حرب التحرير العربية الشعبية بعنصريها الموضوعي والذاتي .
ثانيا : أن تفلت قوات المقاومة الفلسطينية من شباك العنكبوت الإقليمي الذي أحاط بها سواء كان من صنعها أو صنع غيرها . أن تستدعى المتطوعين وتستقبلهم وتفسح لهم مكانا في نسيج تكوينها الحي إلى أن يتغير هذا التكوين فتتحول هي بهم وهم بها من مقاومة فلسطينية ومتطوعين عرب إلى جيش تحرير عربي .
ثالثا : أن يكف قادة الدول العربية ، باسم كل المقدسات ، عن التدخل باسم دولهم في المعركة عسكريا أو سياسيا أو حتى دعائيا . لقد جاءهم الإنقاذ مما كانوا يشكون منهم . إنقاذ الاقتصاد وإنقاذ الاستقرار وإنقاذ ماء الوجه . عليهم الآن ـ جميعا وبدون استثناء ـ أن يتركوا للجماهير العربية المتحررة من قيودهم الدولية والدستورية فرصة الدفاع عن أرض وطنها المغتصبة .. عليهم أن يسقطوا مشروعاتهم عن السلام أو عن الحرب .. أن يدخروا مجهوداتهم العسكرية أو السياسية .. وأن ينتبهوا إلى الدفاع عن دولهم فقط ضد أي غزو صهيوني جديد .. ثم أن يرفعوا القيود والحدود ليسهم الشعب العربي بشبابه من المتطوعين وبأموالهم وبسلاحه ومعداته في القتال ، وأن يعفى من الخدمة العسكرية تحت أعلام تلك الدول كل من يريد من ضباطها وجنودها لقاء العدو في المعركة التي فتحها الصهاينة ففتحت للشعب العربي ..
رابعا : وأخيرا ـ وأهم من كل ما سبق ـ أن تناضل الجماهير العربية نضالا شعبيا منظما من أجل هذه الأهداف ، وأن تقنع  دولها ، أو تجبرها إذا استدعى الأمر ، على أن ترفع يدها عن جنوب لبنان ، وأن ترفع حدودها وقيودها عن إرادة الشباب والجنود وتفتح لهم الطريق إلى ساحة المعركة وأن تزود معركة تحرير الأمة العربية ، ولا أقول تحرير فلسطين فقط ، ببعض المال الذي تجنيه من تراب هذه الأمة بدون مجهود منها ، وببعض ما غلقت له مخازن الأسلحة التي دفع ثمنها من ثروات هذه الأمة .. وأخيرا ، إقناع القادة بأن يهتبلوا هم أيضا الفرصة التاريخية فيعفوا أنفسهم ويعفوا الأمة العربية ومعركتها من جهودهم الدولية أو السياسية أو العسكرية للتدخل في قضية تحرير فلسطين .
ذلك هو الظرف التاريخي موضوعيا وذاتيا . وتلك هي الفرصة التاريخية المتاحة الآن للبدء في الطريق الصحيح لمسيرة التحرر العربي . وما الذي يحدث لو لم يتم هذا ؟ تكسب الصهيونية أرضا جديدة أو تكسب تأمينا دوليا جديدا لبقائها ، وتكون هزيمة أخرى جرتها الإقليمية على أمتنا العربية .. وتفوت فرصة تاريخية انتظرناها طويلا .. فهل من مجيب ؟..
على الجماهير العربية أن تحمل كل ذوي الشأن على أن يجيب فهذه رسالة إليها وليست رسالة إليهم .. وليكن الله في عون هذه الأمة على أبنائها ..
 
القاهرة في 20/3/1978 .
نشرت هذه المقالة في جريدة الأنباء / الجمعة 24/3/1978 .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق