بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

ما العمل ..؟



PDF 

ما العمل .. ؟  
(رسالتان إلى الشباب العربي ) .
الدكتور عصمت سيف الدولة .

مقدمة :
هاتان رسالتان بينهما عامان. وقد ركدت الأحداث فيما بينهما حتى كأنهما رسالة واحدة.
فمن الذي قال ومن الذي كتب ؟
أو لم تكن الهزيمة كافية لنتعلم ألا نعبأ بالقائل الكاتب بل بما يكتب ويقول؟ أو لم تكن الهزيمة كافية لنتعلم ألا نعتد بالشكل بل بالمضمون ؟ ألم نخدع في القائلين مرارا ؟ ألم ندفع ثمن الخديعة عارا ؟
إن كنا قد تعلمنا فهاتان رسالتان مباحتان . فمن تبناهما دعوة فهما منه. ومن ارتضاهما حركة فهما اليه. وإلى الذين لم يتعلموا ما قد يرضي الفضول .
عصمت سيف الدولة .
6 حزيران 1969 .
        
رسالة الى الشباب العربي (1) .
في 26 حزيران (يونيو) 1967 .

أيها الشباب العربي ،
السلام عليكم وعلى وطنكم العربي وبعد ،
 فما العمل ؟

1- لا شك في أن هذا السؤال يشغل كل الشباب العربي في المرحلة الراهنة ، كما لا شك في أن مصير أمتنا العربية يتوقف إلى حد كبير على مدى معرفة الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال الحاسم. ونحن في حاجة إلى أكبر قدر من الصلابة الفكرية والنفسية لكي نستطيع أن نعرف ما العمل ؟ ذلك لأننا لا يمكن أن نتجاهل أننا نفكر الآن ونحن في وضع مهزوم . كذلك لا يمكن أن ننكر أن طعنات الإذلال المغروسة في جسم الأمة العربية الحي تمزق أنفسنا ألماً، وتغطي حياتنا بسحابة كثيفة من الحزن الأسود . كل هذا واقع نعرفه فيجب أن نعترف به وألا نهرب منه، أو نغالط أنفسنا فيه، فكريا أو نفسيا أو حركيا ،
لأننا بشر، ولا يمكن للبشر- أي بشر- إلا أن يتألموا وأن يحزنوا وأن يحسّوا بالعار عندما تحل بهم هزيمة. إن المشاعر الإنسانية أمور طبيعية فلا يجوز أن نخجل منها أو أن ننكرهـا على أحد ، أو أن ننكر على أحد منا أن يضطرب فكريا ونفسيا وحركيا بفعل تلك المشاعر المضطربة. إن العربي هو الذي ندم على أن استدرج ليكون ضحية العدوان ؟ هو الذي ثار عندما رأى العدوان الإسرائيلي على أرضه العربية ، هو الذي غضب عندما رأى قواته المسلحة تنهزم غدرا في معركة قصيرة لم تتح لها فيها فرصة القتال ، هـو الذي تألم عندما رأى العالم على حقيقته ينسحب ممثلوه من الحوار تاركين الأمر كله لدولتين ، مقرين لهما بصلاحية القضاء في مصائر الشعوب ، هو الذي أحس بالعار الكئيب عندما رأى شعباً خليطا في دولة عنصرية لا يجمعه إلا الحقد على الإنسانية جميعا، يقهر إرادة أمة عريقة قدمت إلى الإنسانية أنصع صفحات تاريخها تقدما وحضارة . مليونان جمعتهم العنصرية الرجعية الحاقدة يفرضون إرادتهم على مائة مليون جمعهم تاريخ حضاري عامر برسالات الهداية التي لا يزال العالم يعيش عليها حتى الآن ، والعالم الآن يتفرج ، ويشمت . فمن حقنا أن نشعر بالعار حتى من انتسابنا إلى هذا العالم الذي يسوده غباء القوة . ولنا في الهزيمة الي حلت . مصدر إضافي للعار الذي نحسه . بل إن العربي  حقا هو الذي لن ينسى هذه الأيام السود ، ويقاوم في نفسه ، وفي أسرته ، وفي أبنائه ، وفيمن حوله " كل الجهود التي ستبذلها جميع القوى المعتدية والمتآمرة والمتخاذلة والمنهزمة، لكي ينسى .
غير أن ما وقع قد وقع ولحق بالماضي الذي لا يمكن إلغاؤه . فكما أنه لم يكن في مقدورنا أن نعيد الزمان إلى ما قبل سنة 1948 لنحول دون اغتصاب الأرض العربية في فلسطين، لم يعد في مقدورنا أن نعيد الزمان إلى ما قبل يوم 5 حزيران (يونيو) 1967 لنحول دون هزيمة الجيوش العربية واغتصاب إسرائيل مزيدا من الأرض العربية . ليس في مقدورنا أن نعيد إلى الشهداء أرواحهم الطاهرة  ولا أن نعيد نبض الحياة المفعمة بالأمل إلى الأخوة والأخوات والأطفال الذين جففتهم قنابل النابالم . لم يعد في مقدورنا أن نحول دون الأخطاء التي ارتكبت وأن نقنع الذين رفضوا دائما أن يقتنعوا بالطريق الوحيد لتلافي الكارثة التي حلت. وما دام هذا كله قد أصبح في غير مقدرونا فلا مبرر للوم أو العتاب أو الاتهام. ولا يساوي شيئا- الآن- أن نقول: كان يجب علينا أو على غيرنا أن يفعل كذا.... فإن كان فعل ماضٍ. وكل ماض لا تمكن إعادته لإلغائه. لا مبرر إذن للعويل والندب والبكاء على ما فات ، فإن ما فات لا يعود. دعونا إذن ننظر إلى المستقبل فإنه  الطريق الوحيد المفتوح لإرادتنا. دعونا نقاوم في أنفسنا ، وفي أسرنا، وفي أبنائنا، وفيمن حولنا، كل الجهود التي ستبذلها جميع القوى المعتدية والمتآمرة والمتخاذلة والمنهزمة لكي نظل حبيسي الهاوية التي  تردينا فيها حتى تتعفن إرادتنا ويضيع المستقبل كما ضاع الماضي. فما العمل ؟
2- إذا كان في غير مقدورنا أن نحول دون ما وقع ، فإن في مقدورنا دائما أن نحول دون أن يمتد هذا إلى المستقبل . إن المستقبل هو ساحة نضالنا ، ونحن قادرون دائما على أن نغير الظروف على الوجه الذي نريد ، فيأتي المستقبل كما نشاء خاليا من الألم والحزن والعار، خاليا من القتل والتدمير، خاليا من الاعتداء والمعتدين ، خاليا من إسرائيل . ولكننا نعرف أن المستقبل لا يحقق ذاته وأن الظروف لا تتغير تلقائياً ، وأن حل التناقض بين الماضي والمستقبل هو مهلة البشر. ونعرف هذا التناقض عمقاً وحدة ، بقدر ما نحس في أنفسنا من ألم: فهل ثمة من يتألمون الآن أكثر منا ؟ إن هذا يحدد اتجاهنا وغايته . إنه يعني أن الخلاص من الألم والحزن والعار ، الخلاص من الواقع الذي يجثم على صدورنا، أن نحقق نقيضه في المستقبل . إن هذا هو الطرق الوحيد لنعود فنحس مرة أخرى بأننا بشر وأننا رجال، لنستطيع أن نرفع هاماتنا وأن نتحرر من كابوس العار الرهيب ، لنستطيع أن نواجه أطفالنا واثقين من أننا سنورثهم حياة بدون ألم أو حزن أو عار ، ومن أن رجولتنا التي أنجبتهم قادرة على أن تقدم لهم مستقبلا من الرخاء والحرية والسلام ، وأن تحميه، لنستطيع أن نواجه زوجاتنا ولتستطيع كل زوجة أن تفرح بكل مولود جديد ، لتستطيع كل أم أن تربي ابنها بدون أن تخشى أن تثكله ، لنستطيع أن نبني بدون خشية الهدم . لنستطيع أن نتقدم بدون خشية النكسة، لنستطيع أن نفرح بالحياة بدون خشية أن نموت شواء مقددا بقنابل النابالم . لنستطيع أن نحلم وأن نأمل بحياة السلام والرخاء والحرية بدون أن يكون كل مصير أحلامنا وآمالنا معلقا بإرادة أعدائنا القتلة منهم والمتآمرين . لكل هذا يجب أن نحقق في المستقبل نقيض الواقع . وإذا كان الواقع هو الوجود الإسرائيلي المعتدي فإن المستقبل هو أن تزول دولة إسرائيل . وتكون مهمتنا الرئيسية أن نغير الظروف العربية وأن نحقق المستقبل الذي نريده . فمن الذي يغيّر الظروف يحقق المستقبل ؟ إنه الإنسان . إن هذا يحدد مهمتنا الأولى: إنقاذ الإنسان العربي كخطوة حتمية أولى لإمكان إنقاذ المستقبل العربي.
فما العمل؟
3- إن الخطر الذي يتهدد الشباب العربي الآن هو أن يقبل الهزيمة ، أن يصبح شبابا مهزوما وليس شباباً مناضلا في وضع مهزوم ، ونصبح منهزمين عندما نفقد في الظلام الذي يحاول ، وسيحاول ، المعتدون والمتآمرون و المتخاذلون والمنهزمون نشره على الأرض العربية، المقدرة على رؤية مواقفنا القومية والتشبث بها . عندما نقبل ما يقوله المعتدون والمتآمرون من أننا قد فقدنا المقدرة على الاستمرار في المعركة ، عندما نقبل ما يقوله المتخاذلون والمنهزمون من أننا غير قادرين على النصر على أعدائنا . عندما نستمع إلى الأعداء والمتآمرين والمتخاذلين والمنهزمين وهم يحاولون أن يغرسوا في رؤوسنا بذور اليأس لنقبل الواقع الذي صنعوه فنتخلى عن المستقبل . عندما نقبل أن تشركنا الإقليمية المنهارة في منطلقها الخاطئ ، ومسيرتها الضالة، ومسئوليتها الجسيمة، وخسائرها الفادحة. فلنصمد عند موقفنا القومي فكرا وحركة، ولننظر إلى ما حدث  من حيث نحن صامدون ، فماذا نرى ؟
في صباح يوم الاثنين 5 حزيران (يونيو) 1967 وجهت إسرائيل ضربة مؤثرة إلى قواتنا الجوية فأخرجت الجانب الأكبر منها من المعركة بدون أن تتاح لطيارينا فرصة القتال. وفي الأيام القليلة التالية دمرت كثيرا من عتادنا وقتلت كثيرا من جنودنا البواسل و أبادت كثير  من آبائنا وأمهاتنا وإخوتنا وأخواتنا وأطفالنا ونثرت على أرضنا كثيرا من الثكلى واليتامى والمشوهين والمشردين وأذلت الأسرى وهتكت حرمات البيوت ، وكان الإسرائيليون وحوشا ضارية ولغت في دمائنا. ومنذ صباح يوم 5 حزيران (يونيو) 1967 قاتل جنودنا البواسل وشبابنا ورجالنا ونساؤنا في الصحراء وفي المدينة المقدسة وعلى مشارف سورية قتالا بطوليا في معركة مكشوفة لقوات العدو الجوية، وفي ظروف بالغة القسوة ، وقد دمرنا من عتاد الأمريكيين عندهم مثل ما دمروا، وقتلنا منهم كما قتلوا وإن كنا قد عجزنا أن نكون وحوشا تلغ في الدماء مثلهم. فماذا يعني كل هذا؟ إن كانوا قد قتلوا أخيرا ودمروا وشردوا فقد شردوا الملايين وقتلوا الآلاف وبقروا البطون وهتكوا الأعراض وفتكوا بالأطفال سنة 1948. ثم دمروا ما استطاع الإنجليز والفرنسيون أن يدمروه لهم سنة 1956. لا جديد إذن إلا مزيدا من الشهداء في صفوفنا ومزيدا من القتلى في صفوفهم في جولة جديدة من معركة بدأت منذ تسعة عشر عاما ولم تنته بعد . ولن يكون ما حدث آخر القتل والتدمير، إلى أن يتحقق النصر بزوال إسرائيل . كل الخسائر، إذن ، كانت متوقعة، فوقوعها عاجز مقدما عن أن يهزمنا ويفقدنا المقدرة على الاستمرار في المعركة حتى غايتها . إننا نتألم كالآخرين ، ولكن الذين يقلبون الخسائر في الأرواح والعتاد إلى هزيمة هم الذين كانوا قد نسوا فلسطين . هم الذين كانوا ـ تحت تأثير أحلامهم الإقليمية الحقيرة ـ قد نسوا سنة 1948 وسنة 1956. هم الذين كانوا إلى ما قبل يوم 5 حزيران 1967 قد هزموا أنفسهم مقدما، فاعتقدوا أن إسرائيل نوع- ولو رديء- من الدول وأنها ليست معسكرا لقوة باغية من بشر كالوحوش الضارية . هم الذين كانوا قد تخلوا عن مواقفهـم القومية فظنوا أنهم قادرون على أن يحتفظوا بالحياة الآمنة داخل حدودهم الإقليمية بينما دولة الذئاب على أرض فلسطين العربية ، هم الذين كانوا قد تخلوا عن المعركة فظنوا أنها انتهت بعد سنة  1948، إلى أن بطش بهم المعتدون فظنوا مرة أخرى أنها انتهت سنة 1956، إلى أن ذكرتهم إسرائيل ذاتها بأن المعركة لم تنته بعد فوجهت إليهم ضربتها يوم 5 حزيران 1967. ومنهم من يظن أن المعركة الآن قد انتهت فيشغل نفسه بإقامة المآتم وإعداد الحساب الختامي لقوائم الخسائر والأرباح في الأرواح وفي العتاد . كل هؤلاء يشعرون الآن بأنهم قد هزموا لأنهم لم يعرفوا قط ماهية المعركة ضد الوجود الإسرائيلي ، فهم منذ البداية مهزومون.
أما بالنسبة إلى القوميين، فضحايا غالية في معركة مصير مستمرة، تضاف إلى ضحايا غالية من قبل، ولن تكون هي ذاتها آخر الضحايا. وقد دمروا وقتلوا ودمرنا وقتلنا. ولسنا نتحدث عن خسائرهم ولا عن خسائرنا. إذ ليست المعركة بيننا وبين إسرائيل معركة قتل وتقتيل. وليست غايتها أن نقتل منهم أكثر مما يقتلون منا، وأن يفقدوا أكثر مما نفقد ، وأن ندمر من عتادهم أكثر ما يدمرون ، ثم نقيم موازين النصر أو الهزيمة على أساس رصيد ما بقي لنا وما بقي لهم . فليست غايتنا أن نقتل الاسرائليين ، وأن ندمر أسلحتهم ، ثم نفرض عليهم شروط الصلح كما هو الأمر في المعارك العسكرية . ان معركتنا ابعد ما تكون عن المعارك العسكرية لأنها معركة وجود. إن غايتنا أن نزيل دولة إسرائيل. وفي سبيل هذا قد نخسر بعض الشهداء وبعض العتاد في جولة أو أكثر من جولة ، وقد نقتل منهم وندمر أكثر مما يقتلون ويدمرون، ولكنا لا نكون قد انهزمنا عندما نخسر جولة أو نفقد أرواحا أو عتادا ما دمنا مستمرين في النضال من أجل غايتنا: زوال دولة إسرائيل. كذلك لا نكون قد انتصرنا ولو دمرنا القوة العسكرية لإسرائيل، ولو أبدنا نصف الإسرائيليين ما دامت دولة إسرائيل باقية .
هكذا نرى الذي حدث من مواقفنا القومية ، جولة خاسرة في معركة مستمرة ، وكل خسائرها متوقعة من قبل أن تقع، فهي لا تقدم كثيرا ولا تؤخر كثيرا في موقفنا من غايتنا الوحيدة: زوال دولة إسرائيل. إن هذا الموقف القومي حصانة لنا ضد قبول الهزيمة ، وأهم من هذا حصانة لنا ضد الجهود التي سيبذلها الأعداء والمتآمرون والمتخاذلون والمنهزمون لتصفية قضيتنا القومية في ضجيج النواح على الشهداء ومناقشة حساب الأرباح والخسائر بيننا وبين إسرائيل، وإغراءات التعويض السخية الي نتوقع أن تقدم لنا لنقبل ما وقع ونتخلى عن غايتنا ، أي لنقبل الهزيمة فنكون قد انهزمنا.
ثم ماذا حدث ؟
استولت إسرائيل على الضفة الغربية من الأردن ، وقطاع غزة، وسيناء، وجزء من الأرض العربية في سورية. إن هذا يبدو كما لو كان نهاية الدنيا بالنسبة إلى من ينظرون إليه ويقيسونه على وجودهم الإقليمي. وقد يقبلون الإذلال والمساومة لإنقاذ أرض " الوطن ". ويعلم أعداء الأمة العربية منهم ما يعرفون من أنفسهم فيساومونهم على إعادة أراضيهم إليهم ، ويقترحون عليهم ضماناً لحدودهم، ويطلبون منهم ثمنا أن يقبلوا وجود إسرائيل وأن يضمنوا حدودها. إنها مأساة فعلا. ولكنها مأساة الإقليميين. أما بالنسبة إلى القوميين فجولة خاسرة وليست مأساة تبرر المساومة الذليلة. إن القوميين الذين كان ولاؤهم دائما للوطن العربي الكبير  الذين لم يحترموا قط حدود الدول الإقليمية يرون ما حدث على وجه لا يراه الإقليميون: إذا كانت إسرائيل قد احتلت سيناء وغرب الأردن وجزءا من الإقليم الشمالي (سورية) فإنها تحتل فلسطين منذ تسعة عشر عاماً . لا جديد إذن إلا أننا نتقهقر في معركة ميدانها الوطن العربي الكبير وغايتها استرداد كل الأرض العربية من كل المغتصبين ، في الجنوب العربي وفي فلسطين. لسنا نقاتل إسرائيل من أجل أرض وراء أو أمام خط الهدنة. لسنا نقاتلها من أجل مدن أو صحارى . لسنا نقاتلها من أجل مكاسب إقليمية. إنما نخوض ضدها معركة مصير غايتها أن تزول دولة إسرائيل. وفي سبيل هذا قد نخسر بعض الأرض، وقد نسترد بعضها ؟ قد نتقهقر وقد نتقدم، ولكن التقهقر لن يكون هزيمة والتقدم لن يكون نصرا، لأن الهزيمة هي أن تبقى دولة إسرائيل ولو رمزا في قرية والنصر أن تزول دولة إسرائيل.
هكذا نرى الذي حدث من مواقفنا القومية ، تقهقرا على الأرض العربية والمعركة مستمرة. وكل أرض أخليناها وكل ما نسترده من أرض لا يقدم كثيرا ولا يؤخر كثيرا في موقفنا من غايتنا الوحيدة: زوال إسرائيل. إن هذا الموقف القومي حصانة لنا ضد قبول الهزيمة  وأهم من هذا، حصانة لنا ضد الجهود التي  بذلها الأعداء والمتآمرون والمتخاذلون والمنهزمون لتصفية قضيتنا القومية في ضجيج مسارح الدبلوماسية الدولية وتبادل ضمانات الحدود، وإغرائنا بنصر زائف عن طريق إقناع إسرائيل أو إكراهها ، علي أن تنسحب من الأرض التي احتلتها أخيرا لتبقى لها الأرض الي احتلتها أولا، وهو هـا نتوقع أن يقدم لنا لنقبل ما وقع ونتخلى عن غايتنا، أي لنقبل الهزيمة فنكون قد انهزمنا.
ثم ماذا حدث ؟
في مساء يوم الاثنين 5 حزيران (يونيو) 1967 كانت القوات المسلحة للقدر الأكبر من الدول العربية محتشدة على حدود الأرض السليبة أو في الطريق اليها. وكانت كل الدول العربية قد وصلت في تضامنها إلى ذروة هذه الصيغة من العمل المشترك خلال بيانات ومشاورات وزيارات ومعاهدات وبروتوكولات واتصالات تليفونية وشخصية بين الجميع. وفي مواجهتها كانت جيوش الصهيونية العالمية محتشدة في إسرائيل . ونظرا لطبيعة المعارك العسكرية الحديثة وطبيعة أرض الجبهة لم تكن نتيجة المواجهة العسكرية محل شك: ينتصر من يضرب الضربة الأولى فيكسب السيطرة الجوية . فضربت إسرائيل وكسبت الجولة ولم نضرب أولا فخسرناها . تلك هي الخلاصة التي تغني عن كل تبرير للنصر أو تفسير للهزيمة. وعندما نعرف لماذا لم نضرب نحن الضربة الأولى نكون قد عرفنا ما يكفي مما حدث ، لأننا نكون قد عرفنا الجوهري منه. لم نضرب الضربة الأولى لأن الولايات المتحدة الأمريكية واتحاد الجمهوريات السوفيتية قد اتفقا في اتصال مباشر على خط هاتفي مفتوح بين موسكو وواشنطن على ألا نكون نحن الضاربين أولا، وطلبا منا هذا، وعدا سوفيتيا ووعيدا أمريكيا، فسمعنا وأطعنا وخضعنا. كان ذلك يوم 26 أيار (مايو) 1967  إن هذا التاريخ هو الذي يجب أن نحفره في رؤوسنا فلا ننساه ، ونحفره على قبور شهدائنا لأنهم ضحاياه ، ونردده على أبنائنا فلا ينسوه ، وألا نسمح لأية قوة على الأرض بأن تنسينا إياه. إنه يوم الجمعة 26 أيار (مايو) 1967. و ( ليس يوم الاثنين 5 حزيران (يونيو) 1967 . أيها الشباب العربي فلا تنسوه. وإن تنسوه فإنكم هالكون . ففي ذلك اليوم الأسود المشئوم خرجت قيادة المعركة التي حشدنا لها أبناءنا وأخوتنا ، التي تحملنا كثيرا ودفعنا كثيرا لنعد لها ، التي تعلق بها شرف أمتنا العريقة وسلامة أرضها ، خرجت من أيدينا ، وتولى إتحاد الجمهوريات السوفيتية الصديق والولايات المتحدة الأمريكية العدوة، إدارة المعركة، وتحديد بدء إطلاق النار ، ومن يوجه الضربة الأولى . تولت هـاتان ، عمليا وموضوعيا، وبصرف النظر عن حسن النية أو التآمر المريب أو الخديعة الماكرة أو الانخداع الغبي، تحديد من الذي ينتصر ولمن تكون الهزيمة والدمار والألم والحزن والعار. في ذلك اليوم الأسود المشئوم تقرر أن يكون أخوتنا وأبناؤنا المحتشدون على أرضنا، جندا في ساحة معركة يقودها غيرنا. ولم نكد نفيق من الضربة الغادرة الأولى ونحاول أن نسترد إرادتنا لندفع عار الهزيمة بالتكتيك المناسب حتى اختلى مندوب اتحاد الجمهوريات السوفيتية الصديق بمندوب الولايات المتحدة الأمريكية العدو، في حجرة مغلقة في مقر مجلس الأمن بنيويورك وانتظر العالم كله على الباب ليقرر صاحبا الشأن ما يريانه في أمرنا فاتفقا على إيقاف إطلاق النار. وبينما سمعنا وأطعنا وخضعنا فحرمنا من الفرصة الوحيدة للدفاع بشرف عن أمتنا: إطالة الحرب وتوسيع نطاق القتال وسحب قوات العدو وبعثرتها على أكبر رقعة من الوطن العربي الكبير ثم الانقضاض عليها ، احتاجت الدولتان القائدتان إلى مزيد من الوقت والحوار في جلسات مجلس الأمن وعلى خط الهاتف الأحمر للاتفاق على ما إذا كان أمر إيقاف إطلاق النار يمنع ، أو يبيح، لإسرائيل أن تتقدم على الأرض العربية حتى دمشق . وبمجرد إيقاف إطلاق النار على حدود سورية، بعد أن كانت إسرائيل قد احتلت القنيطرة ، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها - ولم تقل إسرائيل - قد انتصرت وأصبح مفهوما تلقائيا من الذي انهزم ، ثم احتدمت بين الدولتين حرب دبلوماسية يحاول فيها اتحاد الجمهوريات السوفييتية أن يكسب الجولة التي خسرها فيسترد - لنا- الأرض التي ضاعت، ويعوض- لنا- العتاد الذي دمر، وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية فيها أن تحتفظ بثمار المعركة التي كسبتها وأن تملي - علينا- شروط الصلح . ولا تزال المعركة بينهما مستمرة. إنها مأساة فعلا ولكنها مأساة الإقليمية . الإقليمية التي ظنت أن لدولها الهزيلة من الثقل الدولي ما يحول دون أن يتقرر مصيرها خلسة بين القوى الدولية الصديقة والعدوة. الإقليمية التي توهمت أنها ندّ لأصدقائها أو لأعدائها. الإقليمية التي تصورت أن إسرائيل دولة فقاستها حجما وقوة على أحجامها وقواتها فتطلعت إلى نصر سريع ، فتهافت حكامها على الالتقاء والتعاهد والمشاركة  ليمشوا صفا واحدا في شوارع تل أبيب ، ونسيت أن إسرائيل قاعدة لقوى الامبريالية على الأرض العربية. الإقليمية التي خدعت نفسها فحسبت أن قضية فلسطين هي قضية " منظمة التحرير الفلسطينية " أو الشعب العربي في فلسطين أو دولها الإقليمية، فتصدت بحساباتها الخاطئة ونسيت أنها قضية الأمة العربية وأن حسابات معاركها لا بد أن تكون قومية. الإقليمية التي تشن ـ الآن ـ حملة عداء منفعلة ضد الامبريالية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية كأن عداوة أمريكا والامبريالية العالمية للأمة العربية وحرية الشعوب جميعا لم تولد إلا يوم 5 حزيران ( يونيو) 1967. إذا كانت قد فوجئت بالعدوان الأمريكي الامبريالي فلأنها كانت قد ظنت أن هناك مبررا ـ أي مبرر ـ لوجود دولها الإقليمية الهزيلة في عصر البغي الأمريكي الامبريالي . الإقليمية التي تعتب ـ الآن ـ أو تسخط على اتحاد الجمهوريات السوفيتية الصديق لأنه قد أخلف وعده ، كأن صداقة اتحاد الجمهوريات السوفيتية حماية تحت الطلب أو أن قواته في خدمة مصالحها لا مصالحه. إنها إذ تغضب الآن لأن اتحاد الجمهوريات السوفيتية قد كف عنها حمايته تكتشف - عمليا وموضوعيا- حقيقة استقلالها وسيادتها. إنها إذ تتجرع مرارة خيبة الأمل وتحس بقسوة الغدر فلأنها كانت قد ظنت أنها دول ذات وزن يفرض على الأصدقاء أن يربطوا مصيرهم بمصيرها في المعارك المصيرية. وكل هذا غير صحيح. إنه من خلق أوهام الإقليمية فإذا كانت الإقليمية قد وجدت نفسها في مأساة فهي التي خلقت مأساتها. ولن يجديها شيئا أن تلوم الولايات المتحدة الأمريكية على الحرب التي أعدت لها وخططت ثم عهدت إلى الصهاينة بتنفيذها، فحتى الأطفال القوميون يعرفون أن الولايات المتحدة الأمريكية عدوة الشعوب، وأننا لا نلوم أعداءنا بل ندمرهم.
ولن يجديها شيئا أن تعتب على اتحاد الجمهوريات السوفييتية، فحتى الأطفال القوميون يعرفون أن الصداقة بين الدول تعبير عن التقاء المصالح القومية وأنها في خدمة المصالح ولا تضحي المصالح من أجلها. حتى الأطفال القوميون يعرفون أن الصداقة لا تقوم إلا بين أنداد، وإلا فإنها تبعية أو وصاية. حتى الأطفال القوميون يعرفون أن سواد العيون غير ذي جاذبية مؤثرة في سياسة الدول. إن مأساة الإقليمية عميقة ومدمرة وداعية لليأس فعلا، لأنها اكتشفت في أشد اللحظات حرجا أنها- طبقاً لموازين المعركة- لا تساوي شيئا.
أما القوميون فيرون الأمور من موقفهم القومي على وجه لا يراه الإقليميون. إنهم يرون كل شيء قد سار طبيعيا طبقا لقوانين وموازين القوى بين الأمم في القرن العشرين . فإسرائيل ليست، ولم تكن يومأ، وجودا دوليا مستقلا عن الامبريالية العالمية ، بل هي قاعدة عدوانها ضد الأمة العربية. وأي عربي على قدر من العلم بتاريخ التآمر الاستعماري ضد الأمة العربية يعرف أن الاستعمار البريطاني قد كان قرر إنشاء دولة فاصلة بين المشرق العربي والمغرب العربي، في فلسطين أو في سيناء ، تكون مهمتها أن تحول دون وحدة الأمة العربية، ووضع مشروع تلك الدولة بدون توقف على أطماع الصهيونية  في فلسطين ، بل وحتى عندما كان الصهاينة يبحثون عن أرض يغتصبونها في أماكن متعددة من إفريقيا . وعداء الولايات المتحدة الأمريكية والامبريالية العالمية للأمة العربية له أسباب موضوعية سابقة على سنة 1967 بكثير ، بل ان بعض أسبابه تمتد الى صراع تاريخي سابق على وجود الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها ، توارثه الأقوياء من الغرب دولة فدولة حتى تولته الولايات المتحدة الأمريكية ضمن مخططاتها الاستعمارية الجديدة ضد الأمم والشعوب. وعندما يتفق اليمين واليسار الأوروبي ضد العرب ويعقد البسطاء في شوارع العواصم الأوروبية والأمريكية حلقات الرقص فرحة بهزيمة العرب ، يطفح العداء العنصري للعرب فوق كل ادعاءات المدنية والإنسانية وتسقط ترهات الزاعمين التقدمية والاشتراكية الذين لا يزالون ـ حتى من حيث لا يدرون ـ أسرى مركب الاستعلاء العنصري الأبيض وثارات الصر اع القديم . وصداقة اتحاد الجمهوريات السوفيتية لها هي أيضا موضوعية سابقة على سنة 1967 بكثير. وأسبابها الموضوعية لها حدود موضوعية لا تتعداها. والقوميون الذين اعتزوا بتلك الصداقة ودعموها لم يسيئوا فهمها قط . إنها صداقة في سبيل مصالح العرب والسوفيت معا، وتابعة لالتقاء تلك المصالح، وفي حدود هذا الالتقاء ، وليست على حساب مصالح العرب أو السوفييت. إنها صداقة وليست تبعية بالنسبة إلى العرب. وصداقة وليست وصاية بالنسبة إلى السوفييت . فليس لهم أن يطلبوا منا التبعية بحجة الصداقة، وليس لنا أن نطلب منهم الوصاية بحجة الصداقة. وقضية فلسطين قضية قومية ، وليست قضية فرد أو فئة أو الفلسطينيين أنفسهم ، أو أية دولة إقليمية ، فاستردادها لا يتم إلا بمنطق قومي من منطلق قومي بأداة قومية في معركة قومية لحساب الأمة العربية. ولم يتوقف القوميون عن القول ، والترديد والصراخ في بعض الأوقات: إن الإقليمية تساوي الفشل. لا مكان في هذا العالم ولا وزن للدول العربية الإقليمية منفردة أو مجتمعة . لا يمكن أن تكون التجزئة التي فرضها الاستعمار هي أداة التحرر من الاستعمار. لا يمكن للقيود التي تكبل جماهير الأمة العربية  وتحول دون التحامها أن تكون هي سلاحها في معركة الحرية. كفّوا عن الوهم والادعاء الخطأ وأعيدوا لجماهير الأمة العربية دولة الوحدة لتكون أداة إرادة الجماهير الواحدة . بل إن القوميين يدركون تماما أنه في يوم 26 أيار (مايو) 1967 ما كان في استطاعة الدول العربية الإقليمية مجتمعة أن تقول: لا. لأن الإقليمية كانت قد سلبت الأمة العربية المقدرة على أن تقول "لا" للأصدقاء والأعداء معا منذ زمن سابق على سنة 1967 بكثير.
لهذا فإن الذين ينظرون إلى الأحداث من موقفهم القومي لا يرون فيما حدث شيئا غريبا. إذا كان فشل الإقليمية قد وقع كالصاعقة على أفئدة الإقليميين فإنه كان متوقعاً عند القوميين فهو عاجز مقدما عن أن يسلبهم مقدرتهم على الاستمرار في المعركة . إذ أن الأمة العربية وجماهيرها العظيمة لم تكن طرفا فيما حدث يوم 5 حزيران (يونيو) 1967 وما سبقها من أخطاء وما صاحبها من تخاذل وما تلاها من مناورات. لم تكن طرفا لا بالإرادة ولا بالفعل. وإن كانت هي التي دفعت من أبنائها وأرضها ثمن ما حدث. فالأمة العربية وجماهيرها العظيمة لا تنهزم عندما تفشل الإقليمية في تحرير فلسطين ، ولا تنتصر حتى لو استطاع اتحاد الجمهوريات السوفيتية وهو يخوض الآن صراعا دوليا تأييدا لقضيتنا ولكن دفاعا عن هيبته ومصالحه في العالم الثالث، أو لو استطاعت الدول الصديقة وهي تخوض ذات الصراع تأييدا لقضيتنا ولكن دفاعا عن وجودها أن يناله ما نالنا من الاعتداء الامبريالي، أن يستردوا للإقليمية العربية الأرض التي فقدتها: لحسابها أو لحساب دولة عربية إقليمية جديدة على بعض أرض فلسطين تصفية لقضية اللاجئين . إنما تنتصر الأمة العربية عندما تسترد جماهيرها العظيمة أرض فلسطين لحساب دولة الوحدة العربية وتنهزم إذا قبلت وجود دولة إسرائيل ولو أعيد إليها اللاجئون.
إن هذا الموقف القومي حصانة لنا ضد قبول الهزيمة، وأهم من هذا، حصانة لنا ضد الجهود التي سيبذلها الأعداء والمتآمرون والمتخاذلون والمنهزمون لتصفية قضيتنا القومية في ضجيج الإشادة بمقدرة الدول الإقليمية - بمساعدة أصدقاء الأمة العربية ـ على استرداد الأرض التي فقدتها، ونداءات العودة إلى دعم البناء الإقليمي. وهو ما نتوقع أن يدعونا إليه لنقبل ما وقع ونتخلى عن غايتنا، أي لنقبل الهزيمة فنكون قد انهزمنا.
هذا هو ما حدث كما نراه من الموقف القومي: تآمر وتخاذل واعتداء وقتل وتدمير وفشل في جولة من معركة بدأت قبل سنة 1967 بكثير ولم تنته بعد. وفي ما حدث ما يكفي ، وأكثر لنشعر بالألم والحزن والعار، لأننا بشر ولكن ليس فيه على أي وجه ما يعني الهزيمة. ليس فيه على أي وجه ما ينال من مقدرة أمتنا العربية على النصر ليس فيه على أي وجه ما يغير موقفنا من أصدقائنا ومن أعدائنا أو يصرفنا عن غايتنا: زوال دولة إسرائيل.
فليتشبث شباب الأمة العربية ـ إذن - بالموقف القومي فلا ينهزم. وليقاوموا في أنفسهم وفي أسرهم وفي أبنائهم وفيمن حولهم كل الجهود التي يبذلها ، وسيبذلها الأعداء والمتآمرون والمتخاذلون والمنهزمون ليشككوهم في موقفهم القومي أو ينتزعوهم منه قسرا ، أو يأسا، أو إغراء ببديل عنه . أيها الشباب العربي ، لقد كانت القومية دائما أداة النصر، وهي الآن طوق النجاة، فتشبثوا بها. وليرفع الشباب من أمتنا العظيمة رؤوسهم ولو كانوا في وضع مهزوم. عندئذ يرون بوضوح مهمتهـم الثانية: تغيير ظروف المعركة والاستمرار فيها حتى النصر.
فما العمل؟
4- إن الواقع هو نقطة البداية الحتمية إلى المستقبل. ومهما تكن آمال الشباب العربي في المستقبل لا ينبغي أن يتجاهلوا ما وقع أو أن يحاولوا- فكريا أو حركيا- القفز من فوقه إلى آمالهم. إن هذه مثالية فاشلة. فمهما يكن الشباب العربي غير مسئولين عن الوضع المهزوم الذي تردت فيه قضية فلسطين فإنهم مسئولون عن التصدي إيجابيا  لهذا الواقع الذي يكرهونه .
مسئولون لأن القضية قضيتهم والمصير مصير أمتهم. والشهداء أخوتهم وأبناؤهم. والأرض أرضهم. مسئولون لأن أية خطوة إيجابية لا بد أن تبدأ من هذا الوضع المهزوم. إن أية محاولة - الآن- للتخلي عن مجابهة الواقع ، ولو بحجة البحث عن بداية جديدة، هي عمليا وموضوعياً تسليم بما وقع ، وقبول الهزيمة، أي أنها مساهمة في تحقيق أغراض أعدائنا، فإن غاية أعدائنا الآن أن نقبل ما وقع ولا يضيرهم كثيرا- ما دمنا نقبله - أن نتحدث ما شاء لنا الحديث عن جولات قادمة.
والواقع الذي نكرهه - كما نعرفه - أن الإسرائيليين قد احتلوا أخيرا سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية من الأردن وبعض مشارف سورية بعد هجوم عسكري سريع أجلى القوات العربية عن تلك المناطق. ويحاولون الآن إبادة العرب فيها أو إكراههم على الجلاء عنها. ولكن الواقع أيضا أن توقف القتال كان على أثر قرار بإيقافه من هيئة الأمم المتحدة. وأن معركة دبلوماسية بالغة العنف تحتدم الآن على المسرح الدولي بين الشعوب الصديقة بقيادة اتحاد الجمهوريات السوفيتية والدول المعادية والمتآمرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حول إدانة إسرائيل وسحب قواتها من الأرض التي احتلتها أخيرا. وفي الوقت ذاته لا تكف القوات المسلحة لكثير من الدول عن التأهب والتحرك لمواجهة احتمالات الموقف !. وفي الوقت ذاته لا تكف بعض الدول العربية عن الإعداد والاستعداد لمواجهة مسلحة جديدة وكذلك تفعل إسرائيل. ومن ناحية أخرى تشتبك جماهـير الأمة العربية في معركة اقتصادية ضد المعتدين والمتآمرين . فقيود ضخ النفط لا تزال قائمة وقابلة للاستمرار. وقناة السويس لا تزال مغلقة. ودعوة المقاطعة وتصفية القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية في الأرض العربية لا تزال في بدايتها. والوحدة تكاد تفرض ذاتها فلا أحد يجرؤ الآن على الهمس دفاعا عن الإقليمية. والإقليمية ذاتها مجروحة جرحا قاتلا قد يدفعها إلى القتال بوحشية دفاعا عن مصيرها. وجماهير الأمة العربية تغلي غضبا لكرامتها وكبريائها المثلومة. ووراء كل هذا احتمال جولة عسكرية متوقعة ستكون إن وقعت أكثر عنفا وشراسة وربما أوسع نطاقا من أية حرب شهدها هذا الجيل. إن معنى هذا أن المعركة التي بدأت على حدود فلسطين المحتلة يوم ه حزيران (يونيو) 1967 قد أصبحت تدور على مستوى عالمي، وتسهم فيها قوى عالمية، كما تشترك فيها الأمة العربية بجماهيرها العريضة والدول الإقليمية بكل ما تستطيع.
الجولة إذن لم تنته، والعودة إلى قوة السلاح متوقعة في أية لحظة، والصراع الدبلوماسي والاقتصادي لا يزال مستعرا. هذا أيضا واقع لا يمكن تجاهله. لهذا فإن على الشباب العربي أن يدرك أنه لا يزال مشتبكا مع أعدائه وأن يلتزم مسئولية هذا الاشتباك فلا يتخلى عن مواقعه ولا يكف عن التقدم وإكراه أعدائه على التخلي مما اغتصبوه . إن شعار " إزالة آثار العدوان " الذي تدور المعركة الآن تحت لوائه يعني استرداد الأرض العربية التي احتلها الأعداء أخيرا. هذه هي المهمة المباشرة للشباب العربي الآن . إن واجبهم الرئيسي أن يصمدوا في المعركة ولا يتخلوا عن الاشتباك ولا يسمحوا لأحد أن يلهيهم عن هـذا الواجب بالمناقشات الانهزامية حول ما كان يجب علينا أو على غيرنا أن نفعل ، ولماذا فعل أو لم يفعل، وأخطاء الماضي والمسئولية عنها. إن تحديد المسئولين عما وقع ومحاسبتهم وتوقيع العقوبة الرادعة بهم واجب قومي حتى لا يستهتر أحد مرة أخرى بمصير هذه الأمة، ولا يعبث بكرامتها، ولا يستهين بحياة أبنائها، ولا يمكن لأعدائها منها. واجب قومي نعم ، ولكن ليس هذا أوانه. فإن أقصى ما يبغيه أعداؤنا الآن، وما يبذلون جهودهم الخبيثة لتحقيقه أن نتخلى عن الاشتباك معهم - والمعركة لم تنته بعد - لتمزق ما تبقى من صفوفنا ونستهلك مما تبقى من طاقتنا في موجات من الاتهام المتبادل والبحث عن المسئولين. إننا إذ نسمح لأنفسنا بأن ننزلق إلى ما يدفعوننا إليه نكون قد قبلنا الهزيمة فانهزمنا. وقد تفاجئنا الأحداث بقتال جديد فلا نستطيع إلا أن نكون ضحايا مباحة للقتل والتدمير ومزيد من الإذلال والعار. وقد لا نفيق حينئذ إلا وقد امتدت إسرائيل من الفرات إلى النيل. لهذا يجب أن يصمد الشباب العربي وأن يظلوا مشتبكين مع أعدائهم وأن يعدوا أنفسهم لقتال جديد حتى " تزول آثار العدوان ". وأية محاولة لصرفهم إلى غير هذا الهدف الملحّ تخريب قد يبلغ حد الخيانة وقد يكون خيانة مأجورة وسيأتي هذا التخريب من جانب الأعداء والمتآمرين تخطيطا عدوانيا في جبهة الحرب النفسية التي لم تهدأ والصراع فيها ذو نتائج حاسمة . وقد يأتي من المتخاذلين الانهزاميين الذين سيملأون المقاهي والصالونات حديثا " دراماتيكيا " عن آرائهم التي صدقت وتنبؤاتهم التي وقعت ليثبتوا أنهم أبرياء فلا مبرر للإسهام في معركة لم يكونوا أصحابها منذ البداية. ولكن القدر الأكبر من هذا التخريب سيأتي من الإقليمية الجريحة. إنها كما قد تندفع إلى القتال الوحشي دفاعآ عن وجودها، قد تبحث عن فرصة أخرى للحياة بالهرب من مواجهة المعركة. وليس كل الإقليميين سواء وإن كان وجودهم هو- وسيظل- الباعث الأقوى على استمرارهم في المعركة أو هربهم منها. فلينتبه الشباب العربي لهذا وليحل بكل قواه دون هرب الإقليمية من المعركة، ومساومة الأعداء والمتآمرين على وجودها.
إن كل هذا يقتضي من الشباب العربي أن ينظموا صفوفهـم، ويتولوا أمر أنفسهـم وأن يقودوا- هم - المعركة. ولكن حذار من المثالية. إن تصفية الإقليمية واجب قومي حتى لا تجر أمتنا مرة أخرى للهزيمة والقتل والتدمير والألم والحزن والعار ، ولكن ليس الآن وقت تصفية الإقليمية . ليس هذا أوان البحث عما يجب أن يكون والتخلي عن الممكن المتاح ، إنما هو أوان استعمال الممكن الى أقصى حدود إمكانياتنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. إن المعركة عامل ضغط قوي لتتخلى الإقليمية عن وجودهـا المحتضر، وعودة الجمهورية العربية المتحدة بالذات عامل حاسم في قلب موازين المعركة، ويمكن للشباب العربي أن يحقق من هذا وذاك ما تتطلبه إزالة آثار العدوان، ورد الثقة إلى الجماهـير العربية في مقدرتها على تحقيق النصر من قلب الهزيمة. ولكنه على أي حال ليس أوان الانقضاض علي الإقليمية وسحقها أو إسقاطها بما يتطلبه هذا من صراع في الجبهة العربية. كما أنه ليس وقت تلفيق وحدة عربية بمنطق الإقليمية والإقليميين تحت ضغط الخطر القائم لتنفصل بعد زواله. وغدا أو بعد غد، طال الزمان أو قصر، سيصفي الشباب العربي حسابه مع الإقليمية المدمّرة. أما الآن فلتكن الدول الإقليمية أدوات في أيدي الشباب العربي لتكون لهم المقدرة بعد تصفية آثار العدوان على تحطيمها. إن الدول الإقليمية ـ الآن ـ هي الأدوات المتاحة في معركة لا تزال محتدمة ، فلتبق  أدوات ولكن لتكن الإرادة للشباب العربي . إرادة الصمود. إرادة الاستمرار في المعركة. إرادة إزالة آثار العدوان. وليفرض الشباب العربي هذه الإرادة على الأعداء والمتآمرين والمتخاذلين والمنهزمين جميعا. إن هذا يقتضي أن تتحول أيديهم المتعددة إلى قبضة ضاربة واحدة، وأن تتجسد إرادتهم العديدة في أداة مريدة وان تتكامل جهـودهم في تنظيم قومي ثوري واحد يمثل إرادتهم ويفرضها.
فما العمل ؟
5- مرة أخرى ـ ودائما ـ من الممكن إلى ما يجب أن يكون . من الواقع إلى المستقبل. إن التخلي عن الاشتباك مع العدو في المعركة التي تدور الآن لمحاولة خلق تنظيم قوي يحقق الوحدة ليتدارك ما فات مثالية عقيمة. إن كثيرين من الانهزاميين سيفرّون من المعركة بحجة التحضير للجولة القادمة. إن هـذا هروب لأن الجولة القائمة لم تنته بعد والمعركة لا تزال مستعرة. وكل ما يتمناه أعداؤكم الآن أن تتخلوا عن الاشتباك معهم ولو عدتم إلى ما استنفدتم فيه وقتا غالياً وبددتم فيه جهدا ثمينا : الحوار مع الإقليمية دولا وأحزابا وأفكارا حول كيفية تجسيد وحدة الثوريين العرب في تنظيم قومي واحد . لقد كان على الشباب العربي ـ دائما ـ أن يكفّوا عن وهم الوصول إلى اتفاق مع الإقليميين من خلال الحوار. كان عليهم دائما أن يعرفوا أن أحدا من أعداء الأمة العربية  لن يسمح لهم غالباً بأن يوحدوا إرادتهم في تنظيم قومي واحد  ليوحدوا وطنهم في دولة عربية واحدة . لقد كان ذلك وهما قبل المعركة، أما الآن فهو هروب من المعركة. إن واجب الشباب العربي الآن أن ينتظموا في كتائب مقاتلة ومناضلة في المعركة القائمة وأن تنسق الكتائب في كل منطقة جهودها لتنمو من خلال المعركة وفي حدود أغراضها: الصمود والاستمرار حتى تزول آثار العدوان. والساحة تقدم إلى الشباب العربي مهمات غير محدودة للنضال الذي يصهر إرادتهم ويصقل مقدرتهم ويدرب صفوفهم على النضال الجماعي المنظم في أسوأ الظروف. إن مهمة الشباب العرب الآن أن ينصروا أمتهم في وضعها المهزوم . فلينتظموا عشرات في كتائب الأنصار وليشتبكوا مع أعداء أمتهم في كل المجالات المتاحة اقتصاديا وفكريا ودفاعيا واجتماعيا، وفي القتال المسلح إن عاد الاشتباك المسلح، وبالعنف المدمر لكل مصالح أعداء هذه الأمة و عملائهم ، وهذه مهمة لن تنتهي حتى إزالة آثار العدوان.
على كتائب الأنصار أن تنتظم وتتحرك معا في وحدات متماسكة لتحرك الجماهـير وتنظمها  وتقودها إلى أن تكون القيادة في الوطن العربي للجماهير العربية. وليحذر الشباب العربي من الإقليمية في كل الظروف، فهي غير أمينة على أسرار النضال الجماهيري. وهي هي التي ستتصدى غدا أو بعد غد لهؤلاء الشباب لتحول بينهم وبين الاستمرار في النضال المنظم. وليولد التنظيم القومي الثوري من تفاعل وتعاون والتحام كتائب الأنصار خلال المعركة فكذلك يملك الشباب العربي أسباب النصر النهائي حتى وهم في الوضع المهـزوم .
وعندما تزول آثار العدوان عندما تسترد الأرض التي احتلت أخيرا - دبلوماسيا أو بقوة السلاح- سيبقى أثر لن تستطيع قوة على الأرض أن تمحوه أو أن تعوض الأمة العربية عنه: الألم والحزن والعار الذي أحاط بحياة جماهير أمتنا وحاول إذلالها في هذه الأيام السوداء. بكاء الأطفال الأبرياء ، صراخ الأمهات الثكالى. استغاثة الآباء العاجزين. فزع الأخوة والأبناء في الصحارى والمدن والطرقات تحت نيران القوة الباغية. ثم دموع الرجال تحت ضغط العجز والمذلة والعار. نعم دموع الرجال. على الشباب العربي إلا ينسوا أنه في أسبوع أسود من شهر حزيران (يونيو) 1967 بكى الرجال من العرب كالنساء تماما وهم  يرون خنجر الإذلال في جسم أمتهم الحي ، وهي لا تستحقه ، وهم عاجزون عن دفع الذل عنها. ليست هناك قوة على الأرض - أيها الشباب العربي - قادرة على أن تمحو هذا أو أن تعوضه. ولكنكم قادرون.
فما العمل؟
6- فليحذر الشباب العربي غده القريب. فغدا سيتفق الأعداء والأصدقاء والمحايدون؟ سيتفق كثير من العرب وكثير من أعداء العرب ، سيتفق المتخاذلون والمنهزمون والمتآمرون، ستتفق الدول الإقليمية الرجعية والتقدميه على أمر واحد . أمر واحد سيجمعهم مع إسرائيل ذاتها بالرغم  من كل ما حدث هو أن يحملوا الشباب العربي على أن ينسى ما حدث . غدا سيدعم الأصدقاء صداقتهم سياسيا وماديا وأدبيا وستسمعون حديثا لا ينتهي عن الأصدقاء المنقذين ، وعن الاعتراف بالجميل ، وعن سخافة الاستقلال والحياد في عالم يديره الكبار، وعن خطأ عدم الانحياز، وعن أكذوبة القومية . غداً سيحاول الكثيرون أن يقلبوا الصداقة إلى تبعية. وغدا سيعرض الأعداء والمتآمرون بضاعتهم ومعوناتهم، ويمدّون إلى الأمة العربية أيديهم الغنية الملوثة بدماء أبنائها وستسمعون حديثا لا ينتهي عن التحالف مع الذين لم يخذلوا حلفاءهم ، عن التماس الرخاء عند القادرين عليه، عن الاحتماء بمن لهم القوة القادرة على الحماية. وغدا ستحاول الإقليمية أن تخدع الأمة العربية مرة أخرى وستسمعون حديثاً لا ينتهي عن إعادة البناء الإقليمي وعن القوة الذاتية الإقليمية. غدا سيحاول الإقليميون دولاً وأحزابا ؟ مثقفين وحكاما ومرتزقة، اشتراكيين ورأسماليين وانتهازيين، أن يجهزوا الأمة العربية  للألم والحزن والعار مرة أخرى ، وأن يحضروا عيون الرجال لمزيد من الدموع. غدا سيعودون إلى الجعجعة والأكاذيب و الادعاء والنفاق وسيكون هذا تحت شعار الإعداد لجولة أخرى. غدا ستحاول الإقليمية  أن تحمل مسئولية أخطائها وتخاذلها وتآمرها لجماهير أمتنا العربية ولأبنائها في القوات المسلحة ، وتدنس شرف الأحياء بعد أن هدرت أرواح الموتى، لتصبح الإقليمية بريئة فتبقى ممثلة لإرادة الجماهير و قائدة لها ولتختلق أسبابا جديدة لقهر الجماهير واستغلالها. وسيكون كل هذا تحت شعار الإعداد لجولة قادمة. وقد يأتي الغد بعد أن نكون قد رددنا  اللطمة لإسرائيل واستردت القوات العربية الأرض التي اغتصبت أخيرا " فتعود أصوات الطبول وأهازيج النصر ويتسابق المنافقون والانتهازيون والمرتزقة لوضع أكاليل الغار على الجباه التي عادت إلى الأمر الذي كان واقعاً قبل يوم 5 حزيران (يونيو) 1967، كأنها لم تذل جباه الشباب العربي في ذلك اليوم المشئوم.
غدا سيحاول الأصدقاء والأعداء والمحايدون، ستحاول الإقليمية وتحاول إسرائيل ، بكل وسيلة مادية أو فكرية أو عسكرية أن يعودوا بالأمة العربية إلى الأمر الذي كان واقعاً قبل يوم 5 حزيران (يونيو) 1967 حتى يقبله الشباب العربي وينسى ما حدث. وعندما ترون - غدا- أن كل الجهود قد وصلت بأمتكم إلى الأمر الذي كان واقعا قبل يوم 5 حزيران (يونيو) 1967، وأنها تحرضكم على قبوله فستعلمون علم اليقين أن كل ما حدث أخيرا، وكثيرا من الأحداث العربية والدولية التي مهدت له، لم يكن مقصودا به تدمير قواتكم أو قتل أخواتكم وإخوانكم، أو احتلال المزيد من الأرض المحتلة بل كان مقصودا به - على وجه التحديد- إذلال أمتكم لكي تقبل الأمر الذي كان واقعا  قبل يوم 5 حزيران (يونيو)1967 أي أن تقبل الهزيمة فتقبل وجود دولة إسرائيل.
فليحذر الشباب العربي، وليغضبوا وليضربوا: وليسحقوا كل الذين سيحاولون غدآ أن يستهينوا بأمتهم وشهدائها وآلامها وحزنها وعارها، فيبيعوا كل هـذا بالعودة إلى ما قبل يوم ه حزيران (يونيو) 1967، ويفرضوا عليهم وجود إسرائيل. إن اليوم الذي تعود فيه الأمور في الوطن العربي إلى مثل الأمر الذي كان واقعا قبل يوم 5 حزيران (يونيو) 1967 هو اليوم الذي سيواجه الشباب العربي مسئوليته القومية عن تحقيق غايته القومية: زوال دولة إسرائيل
فما العمل ؟
7- على الشباب العربي أن يثبتوا أنهم قد استفادوا شيئاً من محنة أمتهم، وأن يقدموا من وعيهم وصلابتهم ونضالهم عزاء للأمة العربية عن أرواح شهدائها. على الشباب العربي الذين يفلتون من الدمار والموت أن ينذروا ما بقى من حياتهم ليحولوا دون أن يتعرضوا هم ، أو يتعرض أبناؤهم للدمار والموت والعار مرة أخرى . وإذا كان الدمار والموت والعار قد أصاب الأمة العربية في يوم 5 حزيران (يونيو) 1967 ، فلتكن رسالة الشباب العربي ألا ترى الأمة العربية في تاريخها مثل هذا اليوم مرة أخرى . وألا يبكي الرجال كالنساء مرة أخرى. وألا نستدرج إلى معركة لنكون ضحاياها مرة أخرى. وألا يخوض الأبناء والأخوة من القوات المسلحة معركة يقودها غيرهم مرة أخرى . لتكن رسالة الشباب العربي ألا يسمحوا مرة أخرى بأن يكون مصير الأحداث التي تدور على أرض وطنهم العربي الكبير معلقا بإرادة غير إرادة الجماهير العربية. إذا كان الشباب العربي يريدون ألا ترى أمتهم يوما كيوم 5 حزيران (يونيو) 1967، فلتكن رسالتهم أن يحولوا دون أن يقع في تاريخ أمتهم يوم كيوم 26 أيار (مايو)  1967. لتكن رسالتهم أن يحققوا لأمتهم الوجود السياسي الذي يفرض صداقته فلا يخذله الأصدقاء ويفرض مقدرته فلا يستهـين به الأعداء ويفرض إرادته فلا يستطيع الأصدقاء والأعداء معا أن يقرروا من أمره ما لا يريد . ويملك من القوة ما يحطم حاجز الحماية الذي تختفي وراءه إسرائيل ويزيل دولتها.
لتكن رسالة الشباب العربي أن يسقطوا الإقليمية ويقيموا دولة الوحدة .   
أيها الشباب العربي.
أعدّوا من قلب المعركة لمسيرتكم القومية، وعندما يأتي اليوم الذي تعود فيه الأمور في الوطن العربي إلى الأمر الذي كان واقعا قبل يوم 5 حزيران (يونيو) 1967، لتبدأ مسيرتكم على الطريق إلى الوحدة العربية .
والسلام عليكم وعلى وطنكم العربي الكبير، ورحمة الله على شهداء أمتكم الأبرياء وبركاته على نضالكم من أجل الوحدة ...
(26 حزيران - يونيو- 1967) .
 
 
رسالة الى الشباب العربي ( 2 ) .
في 6 حزيران (يونيو) 1969 .

أيها الشباب العربي،
السلام عليكم وعلى وطنكم العربي وبعد،
فما العمل ؟
1- انقضى  عامان طويلان منذ هزيمة 5 حزيران( يونيو) 1967 فتحولت فيها الهزيمة الغريبة إلى حياة كئيبة. وصدق ما توقعنا منذ عامين لأن النظرة القومية لا تخطئ أبدا. فمنذ اليوم المشئوم وإسرائيل ، دولة الصهاينة ، تحتل الأرض التي غزتها فأخلتها ممن أرادت من جماهيرنا العربية ، ثم استعمرتها بشريا بمن نقلتهم اليها من الصهاينة المجرمين . ويعدون من القوة ما يعدون ، وهم يديرون معركتهم الدبلوماسية على أساسها الصهيوني الصريح بغير مناورة أو مغامرة . انهم يعلقون أي حديث عن مستقبل الأرض التي احتلت على قبول الجلوس إليهم في مفاوضة مباشرة، ولا يزيدون عن هذا حديثا، ويزيدون عليه إصرارا. والمفاوضة كما نعلم وكما يعلمون ليست طقوساً بغير دين وليست شكلا بغير مضمون، إذ هي تعني التسليم بالوجود الإسرائيلي في الأرض العربية وهذا هو ما يبغون. ذلك لأنهم يعرفون كما يعرف القوميون من العرب أن المعركة بيننا وبين الصهاينة ما دارت ، ولا تدور، ولن تدور " من أجل أرض وراء أو أمام خط الهدنة. لسنا نقاتلهم من أجل مدن أو صحارى . لسنا نقاتلهم من أجل مكاسب إقليمية . إنما نخوض ضدهم معركة غايتهـا أن تزول دولة إسرائيل. وفي سبيل هذا قد نخسر بعض الأرض. وقد نسترد بعضها . قد  نتقهقر. وقد نتقدم. ولكن التقهقر لن يكون هزيمة. والتقدم لن يكون نصرا. لأن الهزيمة هي أن تبقى دولة إسرائيل ولو رمزا في قرية، والنصر أن تزول دولة إسرائيل. "
نعم " الهزيمة أن تبقى إسرائيل . أن نقبل وجودها إيان كانت حدودها. ولهذا فهم يعلقون أي حديث عن الحدود على أن نقبل هذا الوجود. وآية قبولنا أن نجلس اليهم في مفاوضات مباشرة. وعندما نقبل نكون قد استسلمنا وانتصرت إسرائيل لأن تلك هي الهزيمة كما تحددها طبيعة المعركة .
وما تزال الدبلوماسية بين الدول الصديقة بقيادة اتحاد الجمهوريات السوفيتية والدول العدوة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، دائرة على المستوى العالمي. والعالم ذاته ما يزال واقفا على باب ، محادثات الدول الأربع (اتحاد الجمهوريات السوفيتية، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والمملكة المتحدة) في انتظار أن تنتهي المباحثات الثنائية بين السوفييت والأمريكيين إلى تقرير ما يجب على العالم بعد هذا ، وعلى أطراف النزاع ، أن يقبلوه ، أو أن ينفّضوا بدون قرار.
وفي العامين طفت على سطح الوطن العربي قطعان من المتآمرين والمتخاذلين والمنهزمين الذين قبلوا أن يعلقوا مصيرهم ، ومصير فلسطين، ومصير الأمة العربية على ما يدور في أروقة ودهاليز الأمم المتحدة ، وسلمّوا مع المسلّمين بحق الدولتين، الصديقة والعدوة، في أن تخطط للبشر ولنا مصيرا تصوغانه " على ما تريان . وهما لا تريان إذ تريان إلا من خلال مصالحهما القومية. وهكذا تتابع طغمة ذليلة من العرب أخبار المباحثات وينتظرون منها في كل يوم أن تنتهي إلى قرار يفرض على أمتهم فيقول الذين ظلموا أنفسهم قد قبلنا ما لا طاقة لنا به مكرهين . نعم، أيها الشباب العربي، إن قطعانا من المتآمرين والمتخاذلين والمنهزمين، ورعاتهم، يعيشون اليوم على أمل وحيد لا يأمله غير العبيد: أن تضع الدولتان إتفاقا مع الدولتين  قرارا وأن تفرضاه على الأمة العربية وعلى إسرائيل. وقد رفضت إسرائيل . أما هم فينتظرون. أملهم أن يهزموا " بشرف " من الدول الأربعة فلا يقال هزمتهم إسرائيل !. ولكنهم على أي حال قد قبلوا الهزيمة وليس في الهزيمة شرف لو كانوا يعقلون.
أما الدول العربية الإقليمية فقد أنشأت فيما بينها حلف الخرطوم " لإزالة آثار العدوان " منذ آب (أغسطس) 1967 وبعضها يبذل من ماله وبعضها يبذل من كلامه وبعضها يعدّ للمعركة ما يستطيع من قوة. وأقصى ما تريد أيّ منها أن تعود الأرض التي فقدت اثر هزيمة 5 حزيران (يونيو) 1967. وقد أعلنت الدول الإقليمية أن تلك هي حدود معركتها ضد إسرائيل: أن تعود الأمور في الأرض المحتلة إلى ما كانت عليه قبل 5 حزيران (يونيو)1967 . ألم نقل من قبل ان هذا ما سيعلنون ؟ أو لم يطلبوا انسحاب إسرائيل من الأرض التي اغتصبتها أخيرا كشرط أولي للبحث في الحدود الآمنة للأرض التي اغتصبت أولاً ؟ بلى. تلك إذن مساومة خائنة ان صدقت الدول فيما تقول. وتلك مناورة فاشلة ممن يعولون على المناورات السياسية في معارك المصير. وجوهر الأمر أن الدول العربية الإقليمية في مأزق من طبيعتها الضيقة لا تعرف كيف تخرج منه وإن كان ثمة محاولة مخربة للإفلات والخروج !. فالحلف العربي الإقليمي يجد نفسه على أرض صلبة وهو يدافع عن حقه في أرض " أوطانه " المحتلة.. فهو هنا مؤمن وواثق عنيد. ولكنه عندما يواجه قاعدة العدوان في فلسطين المحتلة تخذله منطلقاته الإقليمية التي تضع " فلسطين " خارج حدوده " الوطنية ". والجماهير العربية بالمرصاد. فهو لا يستطيع أن يتحدى الجماهير العربية فيخون قضيتها القومية جهارا ويسلم بالوجود الإسرائيلي وإن كان ثمة من يخونون في الخفاء. وهو لا يستطيع أن يفلت من الحصر الإقليمي فيرفض ذلك الوجود ويخوض المعركة على أساس طبيعتها القومية ، وإن كان ثمة من يرفضون على استحياء ويناورون جميعا على إرادة الغاصبين. فإن قبلت إسرائيل الجلاء وعودة من يشاء من اللاجئين قبلنا وجودها وحدوده الآمنة، وما دامت إسرائيل لا تقبل ما نقول فكأننا لم نقل ولم نقبل شيئاً . إنما هي مناورة نكسب بها الرأي العام العالمي بدون أن يصيبنا من ذلك ضرر ولو يسير. ويحاجون بقرار مجلس الأمن الصادر في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967 ذي الصيغة " الإنجليزية " المدربة على المماطلة فهو يمتص الغضب ، ويثير الآمال الكاذبة ، وينقل المعركة إلى ساحات المناورات السياسية ، ليترك للزمان الضائع في فك رموز الألفاظ مهمة تثبيت الأمر الواقع . وهذا ما يفعلون. حجتهم في هذا أن قرار مجلس الأمن يعلق فقراته بعضها فوق بعض وأول فقراته الانسحاب من الأرض المحتلة والعودة إلى حدود ما قبل العدوان الأثيم. إن كان ذكاء فهو غير ذي مضمون . إذ تلك مقامرة عقيمة خاسرة. عقيمة ظافرة. فإن قبلت إسرائيل وعادت الأمور إلى ما كانت عليه فشلت المناورة وبقيت إسرائيل. وإن رفضت إسرائيل ظل الوضع كما هو وبقيت إسرائيل. ويتوقف الأمر بعد هذا على مقدرة الدول الإقليمية على تحرير الأرض التي فقدتها بعد هزيمة 5 حزيران ( يونيو ) 1967. فإن استطاعت تحريرها استردتها وبقيت إسرائيل . وإن لم تستطع فقدتها وبقيت إسرائيل وهكذا تبقى الدول الإقليمية ، كما كانت دائماً ، عاجزة عن النصر في معركة المصير. والنصر أن تزول دولة إسرائيل. إن كل ما تبذله الدول العربية الإقليمية من أجل العودة إلى حدودها مبارك في حدوده . لا تثريب عليها ولا على القوى القومية في أن تدعمها " لإزالة آثار العدوان " ما استطاعت إلى ذلك سبيلا . غير أن هذا لا ينهي المعركة ، ولا يغير طبيعتها. فسيبقى النصر العربي متوقفا على زوال دولة إسرائيل ، ولن تقبل الجماهير العربية عن هذا بديلاً . ففيم المناورة ، وفيم المقامرة ؟ كسب الرأي العام العالمي؟.. لقد خسرناه يوم أن خسرنا المعركة فلنكسبه كما كسبه المناضلون في كل معارك التحرير. بالإيمان بالحق " ورفض المساومة والكفاح المرير. ثم ماذا أنتم فاعلون لو كسبتم الرأي العام إلى الحد الذي تحلمون ، فأكره إسرائيل على أن تحقق لكم الفقرة الأولى وانسحبت إسرائيل ثم قال هاتوا ما عندكم من فقرات؟.. هل تقبلون غدا ما تعلنون اليوم وترتضون الوجود الإسرائيلي في حدود آمنة ؟ بأي حق؟ أم تنكلون فتخسرون مغامرة ما كسبتم مقامرة ؟ اليس الحق أحق بأن يتبع أم أن الإقليمية قد سلبتكم الإيمان بأن لكم في فلسطين حق المواطن في وطنه السليب؟ هو كذلك وتلك محنة الإقليمية و مأساتها .
غير أن العجز الإقليمي قد انقلب في عامين إلى تخريب غبي عندما شملت مناوراته وحدة الوجود القومي وطنا وبشرا. الإقليمية الجريحة المهزومة ، التي تكافح من أجل البقاء ، قد تجاوزت  حدودهـا فكرا وحركة وأطلقت من مأزقها شعار الإقليمية : إن مسئولية تحرير فلسطين تقع على عاتق شعب فلسطين . إن هذا ـ أيها الشباب العربي ـ  ليس تحريضا للشعب العربي في فلسطين على القتال. إن المنطق القومي يوفر له أكثر من هذا سببا لتحرير الأرض السليبة بما يوفر له من إمكانيات النصر. والشعب العربي في فلسطين ، بعد، صاحب الأرض المغتصبة، وصاحب الحق في استردادها، وعليه مسئولية تحريرها، لأنه بعض الأمة العربية فهو مسئول عن تحرير بعض الوطن العربي، أو لأنه شعب فلسطين المحتلة فهو مسئول عن تحرير وطنه. يستويان محرضا على القتال . ليس  هذا إذن ما يريد الإقليميون . ذلك أنهما يفترقان فيما يتصل بقوى تحرير فلسطين . فالمنطق القومي يحمل مسئولية تحرير فلسطين للجماهير العربية في كل مكان بما فيه فلسطين. أما المنطق الإقليمي فيفتح باب الهروب من المسئولية أمام الإقليميين من غير فلسطين . وهذا ما يريد الإقليميون . ويفترقان فيما يتصل بساحة المعركة . فالمنطق القومي يحدد فلسطين ساحة لمعركة التحرر العربي فلا يقبل أن يتخلى عنها من أجل الحفاظ على أي إقليم. أما المنطق الإقليمي فيبرر التخلي عنها إن كان فيها خطر على الإقليم. وهذا ما يخافه الإقليميون . ويفترقان في مدى معركة تحرير فلسطين. فالمنطق القومي يأخذ منها منطلقا ثوريا إلى دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية. دولة المـناعة، دولة الرخاء، دولة الحرية. أما المنطق الإقليمي فينتهي بها عند إضافة دويلة أخرى إلى الدول الإقليمية ، تكون دعما للوجود الإقليمي ، وتثبيتا للتجزئة ، وعقبة في سبيل الوحدة وهذا ما يتمناه الإقليميون. إنهم إذ يرفعون شعار الإقليمية على رايات المعركة لا يحرضون على القتال ، إذن. بل يفتحون معركة ضد القومية. معركة جانبية.
لقد كان على الإقليميين أن يلتزموا ضرورات المرحلة فيقصروا مناوراتهم على استرداد الأرض التي فقدوها. لا أحد يطالبهم بأكثر من هذا. وفي هذا تساندهم كل القوى العربية القومية. إن ضرورة النصر على العدو المشترك كفيلة بأن ترجئ الصراع بين الحركة القومية والتحركات الإقليمية إلى أن تتحرر الأرض المحتلة لنرى بعد هذا لمن تكون الأرض التي تحررت، الأمة العربية أم للإقليمية في فلسطين. وقد التزمت القوى القومية ما وعت من ضرورات المعركة فصمدت وصبرت وما تزال صامدة صابرة على استفزازات الإقليميين. ولكن الإقليمية مستغلة وانتهازية بطبيعتها. فها هي تحاول أن تفتح معركة، ولو فكرية ، في جبهة القوى الموحدة ضد الصهيونية. ها هي تحاول أن تستغل المعركة لتكسب لمنطقها المخرب أرضا جديدة باسم المعركة: ها هي تلقي على الشعب العربي في فلسطين وحده مسئولية المعركة الضارية ضد إسرائيل . إسرائيل دولة الصهيونية العالمية وأداة الامبريالية العاتية. فانظروا لو انهـزم الذين يجسدون فيهم فلسطين الإقليمية ؟ عندئذ يقولون كما قالوا بعد سنة 1948:  خذل شعب فلسطين قضيته وما كنا إلا رديفا مساعدا فنحن غير مسئولين . كبرت كلمة تخرج من أفواههم ان يقولون الا كذبا. وهل تركوا للجماهير العربية ، في أي مكان، وفي أي زمان، وحتى الآن ، فرصة التصدي لحمل مسئولية قضاياها؟ فليتركوا ان كانوا صادقين.
إن الذين طردوا من أرض فلسطين وفقدوا فيها المال والبنين والأمل في حياة أفضل، والذين يعيشون مقهورين تحت وطأة البغي الصهيوني في الأرض المحتلة ، أولئك لهم في القتال حياة ولا يملكون دون هذا خيارا. لهذا كان الشعب العربي في فلسطين أكثر المناضلين بلاء في الحرب ، وصبرا على القتال ، وعزما على النصر، وتلك خصائص تحيل الناس طلائع ثورية . كذلك كان الشعب العربي في فلسطين مرشحا ليكون الطليعة الثورية في حرب التحرير العربية. إلا أن هذا ليس هوية إقليمية . فحيث تكون ساحة المواجهة يكون الطليعيون. ولا يغير هذا من طبيعة المعركة ضد الصهيونية ودولتها إسرائيل فيقلبها من معركة التحرير العربي في فلسطين  إلى معركة التحرير الفلسطينية . كلا. إنها معركة الأمة العربية. على هذا الأساس وحده تتحدد قوى المعركة، وتتحدد ساحتها، وتتحدد غايتها. وعلى هذا الأساس وحده ، وليس على غير هذا الأساس ، سيتحقق النصر العربى في فلسطين وتزول دولة إسرائيل . أما " إزالة آثار العدوان " فهي خطوة . وهي خطوة مشتركة. ومن أجل النصر فيها يحافظ القوميون على وحدة القوى ، ويصبرون على استفزازات الإقليمية وتخريبها الغبي ويتعاونون معها ضد العدو المشترك. وغدآ بعد النصر  سيكون يوم الحساب. وإن غدا لناظره قريب.
2- وهكذا في عامين نضح كل إناء بما فيه ، وأعطى الأصدقاء والأعداء والمتآمرون والمتخاذلون كل ما عندهـم. ولم  يتغير شيء. وأعطت الإقليمية كل ما استطاعت . ولم يتغير شيء. فما يزالون جميعا في المواقع التي دفعتهم إليها الصهيونية في نهاية الأسبوع الأسود من حزيران (يونيو) 1967. والحياة تزداد مرارة.
فما العمل؟
3- قبل حزيران (يونيو) 1967 كانت بعض الدول العربية قد نسيت فلسطين. وكان بعضها يخطط لتفادي معركة متوقعة ضد إسرائيل دولة الصهيونية. فرفع المخططون شعار " حرب التحرير الشعبية " وأتاحوا لبعض الراغبين من أبناء الشعب العربي في فلسطين أن ينتظموا في مجموعات تعدّ نفسها للقتال . وسمعنا حينئذ عن منظمات للفدائيين. لم يكن ثمة شك في نوايا الشباب ، ولكن نوايا المخططين كانت موضع شك كبير. وآية هذا أن جهدا ما، أي جهد، لم يبذل ولم يخطط ، لا لمساندة الشباب المقاتل فهذا كثير، بل حتى لتأمين قواعد لتدريبهم وانطلاقهم وعودتهم . أعلنت بعض الدول العربية معركة التحرير الشعبية بأكبر قدر من الصخب والضجيج ، وأتاحت لبعض الشباب أن يعدوا أنفسهم للقتال قدر ما يستطيعون ، وما كانوا يستطيعون غير القليل ، ثم لم تفعل شيئا وآثر الحاكمون أن يختفوا وراء جدار من الشباب المناضلين واهمين بأنهم في مراكزهم وراء الطلائع في مأمن من القتال وغير مطالبين به. وأنذرت إسرائيل بأنها لن تسمح لمنظمات الفدائيين بفرصة النمو أو التكوين وانها معاقبة الحكومات التي تختفي وراء الفدائيين. وكان ذلك إنذارا لا تخفى دلالته ، فإن تكوين ونمو منظمات الفدائيين كان يعني أنه قد تملك الأمة العربية فيهم قوة جماهيرية ضاربة غير مقيدة بقيود الإقليمية. ونفذت إسرائيل وعيدها في 5 حزيران (يونيو) 1967. وقبل مضي أسبوع واحد كانت الهزيمة قد حلت بالقوى الإقليمية بعد أن فقدت مرتفعات الجولان والضفة الغربية وسيناء. لقد قيل ألف مرة ان إسرائيل كانت تستهدف إسقاط نظم الحكم ذات الاتجاهات التقدمية الاشتراكية. وقد يكون هذا من بين أسباب التحالف العدواني بين الصهيونية والامبريالية، على أن تكون التقدمية مساوية للقومية وعلى ألا تكون الاشتراكية على حساب الوحدة. وبعيدا عن هذا لإسرائيل مخططات عدوانية إستراتيجية تبغي من ورائها أن تقوم لها دولة ما بين الفرات والنيل . نحن إذن لا نفتقد أسبابا كثيرة للعدوان الصهـيوني. ومع هذا فإن أول ما كانت تستهدفه إسرائيل في 5 حزيران (يونيو) 1967 هو سحق تلك النواة ، بل بذرة النواة، التي كانت تحملها رؤوس الفدائيين كانت تستهدف القضاء منذ البداية على اتجاه جديد ، كفيل في النهاية بأن يمحو إسرائيل. كانت تستهدف أن تحول بين الأمة العربية وبين أن تخوض معاركها بقوتها الجماهيرية القومية ، المتحررة من الحصر الإقليمي. بذرة ناشئة لو نمت نموا صحيحا لامتصت الحياة من إسرائيل . واتجاه في أوله لو امتد مستقيماً لدكت أقدام المناضلين فيه الوجود الإسرائيلي في فلسطين . فمن أجل تأمين وجودها قبل أن تتحول البذرة إلى نواة ثم تنمو، ومن أجل إرغام العرب على الاعتراف بهذا الوجود قبل أن يتحول الاتجاه إلى حركة ثم ثورة، حاربت إسرائيل معركة 5 حزيران (يونيو) 1967..
فهل حققت ما أعلنت واستهدفت؟
أما العقوبة فقد تمت. أما عن الأمة العربية ممثلة في تلك الحفنة من الشباب الذين كانت كل مميزاتهم أنهم لا ينتمون إلى دولة إقليمية، فانظروا الروعة والبطولة وأصالة أمتكم العربية ومقدرتها عندما تفلت قواها من أسر الإقليمية . هرب المختفون وراء الجدار تحت وطأة اللطمة الباطشة، وانجلت المعركة وإذا ببذرة المقاومة العربية الجماهيرية، المتحررة من الانتماء إلى دولة إقليمية، هي وحدها التي تستمر في القتال فلا تقبل ولا تنفذ قرار إيقاف إطلاق النار. ثم إذا هي تنمو وتتعاظم فتصبح هي وحدها الطرف الإيجابي في القتال المستعر على الأرض المحتلة. وإذا هي وحدها التي تكسب ، بدون مناورة أو مقامرة، الرأي العام العالمي.
في لحظة تاريخية حاسمة، كانت كل الظروف العالمية والإقليمية، المادية والبشرية والنفسية، تنبئ بأن البذرة الناشئة قد أحرقت في نيران المعركة القصيرة، وأن الاتجاه الجديد قد دفن تحت جحافل المدرعات، قهرت حفنة  مؤمنة من الشباب العرب الظروف القاسية وخرجت من المعمعة المفاجئة أكثر نموا وأكثر صلابة وأكثر مضاء.
وفي الوقت ذاته، في يومين حاسمين من شهر حزيران (يونيو) 1967 كانت كل الظروف العالمية والإقليمية، المادية والبشرية والنفسية، تنبئ بأن الأمة العربية قد سحقتها الهزيمة المذهلة، وأنها إذ فقدت دولها وجيوشها وأعز أبنائها، وبعض أرضها لا بد خاضعة ومستسلمة. فما الذي حدث ؟... من بين دخان المعركة الأسود ، ومن ذات المواقع المتردية التي انهارت فيها الإقليمية خرجت الملايين من جماهير الأمـة العربية ، الذين لا يملكون حينئذ إلا أصالتهم وإرادتهم ، فسدوا سبل التراجع والنكوص وفرضوا الثبات والصمود والمقاومة.
تلك هي جماهير الأمة العربية. من الحفنة المناضلة الى الملايين الصامد ة.
ولكنها لم تكن مجرد جماهير. كانت جماهير متحررة من قبضة الإقليمية ، وتلك هي منابع المقدرة التي لا تهزم . فإن ماروا في هذا فاضربوا لهم مثلا ذات الجماهير منظمة في إطار الإقليمية .. هل استطاعت أن تفعل شيئا لتحول دون أن تستدرج إلى المعركة الخاسرة. بل هي استطاعت، وهي محشودة تهتف وتصفق ، أن تعرف شيئا عن الطريق التي كانت مسوقة إليه هاتفة مصفقة . أبدآ . كانت جماهير سلبتها الإقليمية المسيطرة حتى إمكانيات معرفة المصير المسوقة إليه. كانت جماهير مسلوبة الإرادة داخل جدران سجن الإقليمية. فلما أن تصدع الجدار وأفلتت الجماهير من سجنها استردت أصالتها، وإرادتها، وواجهت الأعداء والمتخاذلين عملاقة لا تخضع ولا تهزم ولا تلين. واضربوا لهم مثلا " منظمة التحرير الفلسطينية ". فمن قبل 5 حزيران (يونيو) 1967 بسنين تمخضت مؤتمرات القمة فولدت ما أسماه آباؤه " الكيان الفلسطيني " وجسدوه في منظمة التحرير الفلسطينية. والكيان الفلسطيني كما صاغه مؤتمر القمة وكما جسدته المنظمة هو دولة فلسطين الإقليمية بدون إقليم . والمنظمة جماهير وقواعد وكوادر وقوى وقيادات وأحمد الشقيري . لقد كانت أكثر عددا وأوفر عدة من اية منظمة جماهيرية في الوطن العربي . وملأ الشقيري الأرض ضجيجا ، وصال وجال ولكن داخل أسوار الحصر الإقليمي التي فرضتها الطبيعة الإقليمية لنشأة المنظمة . أسيرة ولائم الإقليمية العربية التي أنشأتها ، ولم تحقق المنظمة من أهدافها المعلنة شيئا. ولم يهتم أحد بما ادعت تحقيقه. ولم تحرك إسرائيل ساكنا. ذلك لأن الإقليمية تشل مقدرة الجماهير ولو كانت في منظمات ذات قواعد وكوادر وقوى وقيادات . فإذا بالجماهير في قيود الإقليمية عاجزة عن أن تكون خطرا عاجلا أو آجلا على إسرائيل. أما عندما اجتمعت في تاريخ معاصر لنشأة " منظمة التحرير الفلسطينية " حفنة من الشباب كل مميزاتها أنها لم تكن تنتمي إلى أية دولة إقليمية  فهي جماهيرية خالصة ، انتبهت إسرائيل فورا إلى ما تمثله تلك المبادرة من خطر على وجودها، ولو في المدى الطويل ، فتوعدت ، ثم قاتلت حتى لا يكتمل الخطر نموا.
ليس أعداؤنا من الأغبياء. فإن كانوا لا يستشعرون الخطر على وجودهم من الدول العربية الإقليمية، ولا من المنظمات الجماهيرية الإقليمية، فلأنهم يعرفون أن الإقليمية ليست خطرا على ذلك الوجود.. وإن كانوا يخشون حتى الموت الجماهير العربية المتحررة من قيود الإقليمية فلأنهم يعرفون كما نعرف أن تلك الجماهير هي التي ستقضي عاجلا أو آجلا على دولة إسرائيل.
4- في عامين إذن يبدو أن قد تغير شيء جوهري في الوطن العربي ، وأن قد انبثقت من قلب المعركة قوة جماهيرية متعاظمة الطاقة والإمكانيات والفاعلية . وكأن الأمة العربية قد وضعت قدمها على أول طريق النصر  . ولكن ما الذي يحدث الآن- بعد عامين- في صفوف أبطالنا المناضلين ؟ البذرة أصبحت بذورا. والاتجاه أصبح اتجاهات. والإقليمية المخرّبة تدس سمومها. ويبدو أن قوى الأعداء تريد أن تقطع أوصال شجرة المقاومة الجماهيرية بعد أن فشلت في سحق بذرتها . ويبدو أنها تريد أن تستدرج الاتجاه المستقيم إلى مسالك مرتدة بعد أن فشلت في إيقافه.
اليكم ما حدث.
5- في الساحة منظمات تابعة لبعض الدول الإقليمية. أو أن إلى الساحة امتدت أصابع الدول الإقليمية في شكل منظمات ترتدي ملابس الفدائيين على أجساد الموظفين . و الموظفون ملتزمون بأن يقولوا ويفعلوا أو أن يكفوا عن القول والفعل طبقا لما تقرر حكوماتهم ، أليس غريباً أن دولا لها حكومات وجيوش وقادة وأموال ولها جبهـات مشتركة مع العدو أو أن الجبهات المشتركة مفتوحة لها إن أرادت ، تتلصص في القتال وتستغل إخلاص بعض الشباب المناضلين وحاجتهم إلى ما عندها من مال وسلاح ، لتفرض عليهم أن يكونوا ممثلين لها في ساحة النضال الجماهيري المسلح في الوقت الذي تعفي قواتها المسلحة من عناء القتال ، ويحتفظ البعض بها " شرطة " لحراسة مقاعد الحكم؟.... وما الضرر ما دامت الحصيلة أن شبابا قد وجدوا عدة القتال في الساحة ؟.. الضرر أن هؤلاء الشباب سيجدون أنفسهم ، أرادوا أم لم يريدوا، منفذين إرادة الدول التي ربطتهم إليها بالمال والعتاد وتولت قيادتهم من بعيد عن ساحة المعركة. الضرر أنهم سوف يضربون متى أرادت ويكفّون عن القتال متى شاءت ، سواء اقتضت ظروف المعركة هـذا أم لم تقتضه . الضرر أن فصائل من الشباب المناضلين سيتحركون في ساحة القتال الخطير في مسالك ترسمها لهم الدول الإقليمية ، فإذا هم فصائل متعارضة، متناقضة ، متصادمة، وإذا بالتجزئة الإقليمية التي فتكت بوحدة الجماهير العربية، تنتقل بكل سلبياتها المخربة إلى صفوف المقاومة لتفتك بوحدة المقاتلين.
وفي الساحة منظمة ذات مقدرة متعاظمة. إنها " فتح ". الجسم النامي لتلك الحفنة الرائدة من الشباب الذين غالبوا الظروف القاسية فغلبوها فخرجوا من بين أنقاض المعركة الخاسرة منتصرين لمقدرة الجماهير العربية انتصارا تاريخيا . إن ذلك الانتصار قد ربط  بين " فتح " المنظمة وبين ملايين الجماهير العربية التي انتصرت قي يومين حاسمين من شهر حزيران (يونيو) 1967 في سد طريق التراجع . كل كان مثلا للصمود العربي بطريقته بينما الإقليمية منهارة انهيارا شاملا. وبهذا الرباط أصبحت منظمة " فتح " أملا تتطلع الجماهير العربية إليه، أو أصبحت عند الجماهير العربية أملها الخاص في المستقبل المنتصر. ومنحت الجماهير العربية منظمتها " فتح، كل التأييد بلا حدود . وتحت ضغط هذا التأييد الجماهيري الواسع استحقت " فتح " كل الدعم الذي أعطي لها ماديا وماليا ودعائيا. واستحقت كل ما كسبت من اعتراف العالم بها قوة ثورة تحريرية ، واستحقت ما كسبت من اعتراف الدول العربية بها قيادة جماهيرية.
ولكن "فتح " النامية في أحضان الجماهير العربية كانت تمثل خطرا ناميا في اتجاهات عدة. كانت تمثل أولا خطرا عاجلا على الوجود الإسرائيلي بما هي قادرة عليه من إنهاك لهذا الوجود حتى تتولى الأمة العربية الإجهاز عليه . ثم كانت تمثل، ثانيا، خطرا آجلا على الدول الإقليمية. ذلك لأن " فتح " النامية، المتطورة خلال تفاعلها مع الجماهير العربية الواسعة، كانت قابلة لأن تصبح نواة التنظيم القومي الثوري الذي تفتقده الأمة العربية منذ زمن طويل ، والذي كان في غيابه من الساحة في السنوات السابقة على 1967 السبب الأساسي في الهزيمة المرّة. كانت " فتح " مرشحة تاريخيا لأن تصبح تنظيما عربيا ثوريا، قومي العقيدة ، قومي المنطلق، قومي القيادة ، قومي القوى ، قومي الغاية لا تتوقف ، مسئولياته عند تحرير فلسطين بل يمضي حتى يقيم في الوطن العربي المتحرر، وعلى أنقاض  الإقليمية ، دولة الوحدة الاشتراكية. كذلك كانت " فتح " في أذهان الجماهير العربية التي منحهـا تأييدها بدون حدود. وكذلك كانت " فتح " مرشحة تاريخيا لأن تكون. وهو ما كان يعني أن " فتح " تمثل خطرا على الإقليمية ولو بعد حين. لا ينفى هذا أن " فتح " قد آثرت أن تتعامل مع الدول العربية، وأن تقبل دعمها وتطلبه ، وألا تثير مع أي من تلك الدول معارك جانبية. ذلك لأن هذا موقف سليم تماما في هذه المرحلة ومبرر قوميا بغير شروط سوى القومية، وقد قدمت الدول العربية إلى منظمة " فتح " كل الذي استطاعته من دعم وتأييد .
غير أن اهتمام الدول الإقليمية لم يكن مقصورا على " فتح " اليوم بل على  فتح " الغد. " فتح " كما تتطلع إليها الجماهير العربية طليعة للثورة العربية الشاملة. وتعرضت المنظمة الناشئة - خلال عامين- لكل أنواع الضغوط والمناورات السياسية. مثلا كان وجود " فتح " بعد اختبار القوى في معركة حزيران (يونيو) 1967 قد ألغى- بكل منطق- وجود "منظمة التحرير الفلسطينية " التي أنشأتها الإقليمية العربية. وكانت ظروف المعركة تقتضي هذا الإلغاء ووضع كل ما تملك "منظمة التحرير الفلسطينية " من مال وعتاد وقوى وبشر تحت تصرف " فتح " بدون شروط. وكان ذلك كفيلا بأن يوفر لـ " فتح " قدرا كبيرا من حرية الحركة في مواجهة الأعداء وفي مواجهة الدول الإقليمية. إلا أن الإقليمية كانت أكثر من هذا دهـاء وحنكة. فأرادوا في سنة 1968 أن يجعلوا من " فتح " تابعا للمنظمة. ورفضت " فتح " حينئذ أن تدخل الشرك الإقليمي. فعادوا في سنة 1969 وأقنعوا " فتح " بأن تتولى قيادة المنظمة . وقبلت " فتح " أن تحمل على كاهلها الناشئ ميراث الإقليمية الفاشلة . لقد كانت " فتح " أمام اختيار تاريخي وقد اختارت وهي مسئولية تاريخية. ولكن هل تركت الإقليمية لمنظمة "فتح " فرصة الاختيار؟.. هذا سؤال تاريخي أيضا. لقد عرقلوا انطلاقتها أولا، ثم أوقفوها أمام خيار دقيق ثانيا ، ثم حسموا الخيار لصالح الإقليمية أخيرا . وبدلا من أن يتركوا المنظمة الجماهيرية الناشئة تكمل صياغتها من خلال الواقع الموضوعي لمعركة تحرير فلسطين، يقينا منهم بأن الواقع الموضوعي سيصوغهـا صيغة قومية ، جردها الإقليميون من إمكانية التطور حتى لا تكون خطرا عليهم، فأحالوها منظمة تحرير فلسطينية. وإن كان الأمر لم يخرج بعد من يد المناضلين في " فتح " فكما تحدوا في حزيران (يونيو) 1967 كل حسابات الأعداء هم قادرون اليوم على تحدي كل حسابات الحلفاء.
وما الضرر ما دامت " فتح " في الساحة تقاتل بقوات " العاصفة  لتحرير فلسطين ؟ لا ضرر إلا أن قوى مناضله قد آثرت أن تعمل في الساحة بعيدا عن " فتح " بعد أن كانت منها. لا ضرر إلا أن الجماهير العربية قد عادت إلى بداية الطريق تبحث عن نواة تنظيمها القومي المفتقد. لا ضرر إلا أن مولد الثورة العربية الشاملة قد تأخر سنين . لا ضرر إلا أن " فتح " ستجد نفسها في نهاية المطاف وقد خذلتها الإقليمية في مواجهة ذات الخيار من جديد ، فإما أن تتمرد على الإقليمية وإما أن تقبل الخذلان . لا ضرر إلا أن " فتح " ستجد نفسها ، غدا أو بعد غد، أمام خيار آخر، فإما مع القوى القومية في ثورتها الوحدوية وإما ضد الوحدة في دولتها الفلسطينية. هل يكفي هذا ضررا ؟..إذا كان لا يكفي فما الذي أصابته "فتح " من أن تكون منظمة تحرير فلسطينية بدلا من أن تكون طليعة ثورية عربية ، حتى مع التسليم بأنهما تستويان مرحليا في معركة تحرير فلسطين، إلا أنها قد حدّت مقدما - وبدون مبرر- طاقتها، وقيدت مقدماً - وبدون مبرر- مدى انطلاقتهـا ؟ انظروا إلى " فتح " النامية كيف نمت ؟ من أية مصادر مباركة تستمد قوتها المادية والبشرية النامية ؟ أمن الأمة العربية أم من فلسطين؟ لماذا إذن " الفلسطينية "؟ إن تكن حذرا من الدول الإقليمية فتلك فطنة مبررة . ثم افتحوا الأبواب لتأخذ الجماهير العربية مكانها من القواعد إلى القمة. وادعوا دعوتكم القومية بدون خشية. فإن كنتم تخشون القومية فتلك مزالق خطرة. وإن كنتم تخشون الناس وتخفون ما بأنفسكم فتلك أخطاء مكررة.
 وفي الساحة كانت " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " ثم انشقت جبهات ثلاث . لماذا لا نقول تصدعت الجبهة ؟ هـو كذلك فانظروا إلى التخريب كيف يكون. طوال عامين كانت تلك الجبهة فائقة الجرأة، قد اهتدت إلى أن الصراع، وإن كان يدور على أرض فلسطين، إلا أن المعركة أوسع من هذا وأشمل.
إنها معركة بين الأمة العربية وبين الصهيونية العالمية تمتد ساحتها إلى كل مكان في الأرض أو البحر أو السماء وتشمل قواهـا كل العرب وكل الصهاينة أيان وجدوا في فلسطين أو في خارج فلسطين . انطلاقا من هذا الوعي الفذ ؟ وبمقدرة وشجاعة  أسطورية ، راح المناضلون في الجبهة يطاردون الصهاينة في السماء وفي الأرض حتى قلب أوربا . وفرضوا على العالم المستهتر بالحق العربي جدية المقدرة العربية . وأشاعوا أكبر قدر من الرعب قي قلوب  الصهاينة عندما أحالوا كل الأرض إلى مواقع خطر محتمل لا يعرف أحد متى يجيء . وأجبروا  الإسرائيليين على أن يتجولوا في العالم تحت حراسة مسلحة . ثم ان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " كانت تعتمد إلى أقصى حد علي مقدرتها الذاتية تمويلا وإعدادا وقوى. وبالتالي كانت أكثر المنظمات مقدرة على حرية الحركة. أي كانت أكثر المنظمات بعدا عن متناول الإقليمية . فلماذا تصدعت الجبهة ؟
..... لأسباب إما جهنمية وإما غبية.
فقد شاءت فئة من المثقفين الثرثارين الذين يريدون أن يكونوا أبطالا على حساب المناضلين أن يثيروها حربا طبقية، فشقوا الصفوف باسم الماركسية . لماذا الماركسية ؟ لأن الماركسيين في كل العالم هم القوة العالمية الرئيسية التي تقف معنا في معركتنا ضد الصهيونية والامبريالية. لأن الدول الاشتراكية الماركسية وعلى رأسها اتحاد الجمهوريات السوفيتية هي المصدر الباقي للدعم المادي والسياسي الذي نحتاج إليه ، وهي تمنحنا إياه بسخاء غير منكور . وعندما تختار فئة من المثقفين الثرثارين أن تشق صفوف المقاومة ، وتضعف المقدرة المتفوقة " للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " باسم الماركسية ، فإنها تحاول أن تضعنا أمام أمرين: إما مباركة الانشقاق وإما إدانة الماركسية ، وكلاهما  مناقض لمقتضيات النصر في معركة التحرير، وكلاهما منزلق خطير.
 انتبهوا ايها الشباب العربي فلا يستدرجنكم احد الى معركة مفتعلة ضد الماركسية. ونحن نستدرج ونخطئ ونخذل قضيتنا ان توهمنا ان كل مدع للماركسية في وطننا العربي ماركسي حقاً . و ليس ثمة طريق لنحصن أنفسنا ضد الاستدراج ولنكون قادرين على فرز الماركسيين حلفائنا في معركة التحرر العربي من منتحلي الماركسية غطاء للاستعمار الصهيوني في فلسطين او غطاء للهروب من المعركة الا ان نقيس موقف هؤلاء وهؤلاء على الالتزام الماركسي . في قضايا التحرر القومي كما تحددها المفاهيم الماركسية الأصيلة. أي أن نأخذ الماركسية كما هي مقياسا لمعرفة الماركسيين حقاً ثم ندع للمناضلين في الساحة الملتهبة وبين الجماهير المكافحة من اجل النصر ان تجيب على السؤال الخطير: اذا كانت الفئة الثرثارة من المثقفين العرب تدعو الى شق الصفوف باسم الماركسية وكانت الماركسية تدعو الى وحدة الصفوف فما حقيقة ما يدبرون ؟
لقد انشقت، أو تصدعت  "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " لأن فئة في قيادتها ترى ان البورجوازية الصغيرة في الوطن العربي هي المسئولة عن هزيمة حزيران (يونيو) 1967 ، وأن على المقاومة ان تطرد البورجوازية الصغيرة من صفوفها وان تتحرر من القومية لتكون " بروليتارية " خالصة حتى تكون قادرة على النصر. أو هكذا يقولون.
فماذا يقول أساتذة الماركسية ، وقادة النضال الماركسي، عن الموقف الصحيح من الطبقات والصراع الطبقي في معارك التحرير؟.
6- منذ سنة 1920 قال لينين: " ان الامبريالية لا تقهر العمال في بلادها فقط بل تقهر البورجوازية في البلاد الصغيرة أيضا " وقال : " ان البورجوازية القومية في كل امة مقهورة ذات محتوى ديمقراطي عام موجه ضد العدوان الخارجي وإننا لنؤيد هذا المحتوى تأييدا غير مشروط ". وقال: " ان البورجوازية الغربية في حالة انحدار، أما في آسيا فبالعكس . فهناك لا تزال البورجوازية قادرة على ان تخوض الصراع الصلب المخلص من اجل التحرر ".
ويقول فقهاء الماركسية في الاتحاد السوفييتي الآن: " ان القهر الاستعماري الذي يمارسه الامبرياليون تقع وطأته ، على خلاف في الدرجات ، على كل قطاعات الشعب تقريباً في الدول المحتلة، ويدفعهم الى الكفاح من اجل التحرر. فانطلاقا من مصالحهم الحيوية لا تستطيع الطبقة  العاملة والزراع وقطاعات هامة من البورجوازية المحلية ان يقبلوا حكم الاحتكارات الأجنبية المسئولة عن الاغتصاب القاسي لموارد الثروة الطبيعية وعن الجوع والفقر وكل أسباب القهر. وحتى لو استطاع الامبرياليون ان يجدوا نوعأ من التأييد في تلك البلاد فان هذا لا يتمثل الا في حفنة من رؤساء الإقطاع الذين تستند قوتهم الى أسنة الرماح الأجنبية و مجموعة طفيلية من البورجوازيين الكبار الذين يحصلون على أرباحهم من التعاون مع الاستعمار. اما الأغلبية الساحقة من الشعب في المستعمرات فتتعاطف مع الكفاح من اجل التحرر او تساهم فيه مساهمة مباشرة ". ويقولون:
" ان أكثر المواقف تناقضاً بالنسبة لحركة التحرر هو موقف البورجوازية... ان الفئات المختلفة من البورجوازية لا تقف من حركة التحرر مواقف مختلفة فحسب بل ومتناقضة تماما أيضا. فالفئة الرجعية العليا البورجوازية، والبورجوازية الكومبرادورية المتصلة بالاستعمار، تكون عادة في موقف عدائي مع القوة الوطنية. وتشكل هذه الفئة من البورجوازية مع الإقطاعيين من ملاك الأراضي الذين يهمهم الحفاظ على امتيازاتهم مجموعة تعتمد على سيطرة الامبريالية في المستعمرات. أما الذين يطلق عليهم اسم البورجوازية الوطنية فإنهم يأخذون عادة اتجاها مختلفا، فهم كقاعدة يستثمرون رؤوس أموالهم في الصناعة وعلى هذا فلهم مصلحة في أن يخلقوا ويسيطروا على السوق الوطنية وأن يدافعوا عنه ضد جشع الاحتكارات الأجنبية. وهم يرون أن السبيل إلى تحقيق هذا هو إقامة دولة قومية متحررة من الاستعمار الأجنبي... ويقدر الماركسيون لهذا القطاع من البورجوازية نضاله الوطني ويدعمون كفاحه ضد الرجعية والامبريالية من أجل التحرر الوطني والاستقلال. ويقولون:
" إن القومية في البلاد المحتلة والمستعمرة تعكس محتوى ديمقراطيا سليما لحركات التحرر الوطني ورفض الجماهير للقهر الامبريالي والكفاح من أجل التحرر والإصلاح الاجتماعي " ويقولون: "إن الوعي القومي في بلاد آسيا يتكون خلال الكفاح ضد الامبريالية والإقطاع. ويؤدي هذا إلى إيقاظ الجماهير من سبات القرون الوسطى والكفاح ضد الاستعمار والتخلف والعبودية. إن كل هذا يعطي القومية في الشرق المعاصر محتوي ديمقراطيا تقدميا. ويشكل الوعي القومي المرحلة الأولى من الوعي التحرري خاصة بالنسبة لملايين كثيرة من الفلاحين. إن الماركسيين- اللينينيين ينظرون إلى هذه القومية على أساس أنها مبررة تاريخيا ويستطيعون أن يدعموها وضمائرهم مستريحة ".
وقال ماوتسي تونج، أستاذ الماركسية في الصين ، وهو يحدد العلاقة بين الطبقات خلال حرب التحرير ضد الاحتلال الياباني: " إن الغاية من سياستنا السليمة ووحدتنا الصلبة أن نكسب ملايين الجماهير إلى صف الجبهة القومية المتحدة ضد اليابانيين. إن الجماهير العريضة من البروليتاريا، والفلاحين، والبورجوازية الصغيرة في المدن ، في حاجة إلى دعايتنا وتحريضنا وتنظيمنا. وإن جهودا متزايدة من جانبنا لازمة أيضاً لإقامة  تحالف مع تلك القطاعات من البورجوازية المناهضة لليابانيين " وقال: " من الطبيعي أن ثمة صداماً في المصالح بين الطبقة العاملة والبورجوازية الوطنية. ونحن لا نستطيع أن ننجح في نشر الثورة الوطنية إلا إذا منحت الطبقة العاملة، وهي طليعة الثورة الوطنية، حقوقا سياسية واقتصادية وأتيحت لها إمكانية توجيه قوتها ضد الامبريالية وكلابها الخائنة. ومع هذا فإذا انضمت البورجوازية الوطنية إلى الجبهة المتحدة لمقاومة الاستعمار فستصبح لكل من الطبقة العاملة والبورجوازية مصالح مشتركة " ..
دعم الجبهة القومية المتحدة ضد الاستعمار هو إذن ما يراه الأساتذة الماركسيون.
فهل الذين شقوا صفوف " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " ماركسيون ؟ وإذا لم يكونوا ماركسيين حقا فلماذا يسيئون إلى الماركسية ، ويدينون القومية ، ويشقون صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟  
7- كل هذا يحدث الآن في صفوف أبطالنا المناضلين ولا نزيد. فما هو أكثر من هذا لا يفيد قوله إلا الأعداء المتربصون، ولكن السكوت على ما يحدث الآن ليس إلا تآمرا صامتا على المقاومة العربية في فلسطين . لا تستفيد إلا إسرائيل من إضعاف مقدرة المقاومة على النمو إما بتفتيت صفوفها وإما بتقييد حركتها. والمقاومة العربية ، بعد، ليست هي تلك القيادات المتعددة، المختلفة، المتصارعة، بل المقاومة العربية هي أولئك الأبطال من الشباب العربي الذين يبذلون حياتهم في صمت، ويذيقون عدوهم الموت ، ولا يعرف أحد أسماءهم ، ولا يهتمون، ولو أنهم قواعد كل تلك المنظمات التي يستنفد البعض منها قدرا غير قليل من الطاقات المادية والمالية والبشرية التي منحتها الجماهير العربية لكي تعلو بعض الأسماء ولو على حساب الشهداء. المقاومة هم حملة السلاح وليس الثرثارين من المثقفين أو الأدعياء. تلك هي المقاومة، وعن هذه المقاومة فليدافع الشباب العربي ضد كل محاولة آثمة لاضعافها أو انحرافها، أو إيقافها.
فما العمل ؟
8- وهل تغير شيء جوهري في عامين؟ الم نقل إذن من قبل:
"إن كل هذا يقتـضي من الشباب العربي أن ينظموا صفوفهم، ويتولوا أمر أنفسهم، وأن يقودوا ـ هـم ـ المعركة ولكن حذار من المثالية. إن تصفية الإقليمية واجب قومي حتى لاتجر أمتنا مرة أخرى للهزيمة والقتل والتدمير والألم والحزن والعار ولكن ليس الآن وقت تصفية الإقليمية. ليس هذا أوان البحث عما يجب أن يكون والتخلي عن الممكن المتاح. إنما هو أوان استعمال الممكن إلى أقصى حدود إمكانياته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه . إن المعركة عامل ضغط قوي لتتخلى الإقليمية عن وجودها المحتضر، وعودة الجمهورية العربية المتحدة بالذات عامل حاسم في قلب موازين المعركة ، ويمكن للشباب العربي أن يحقق من هذا وذاك كل ما تتطلبه إزالة آثار العدوان، ورد الثقة إلى الجماهير العربية في مقدرتها على تحقيق النصر من قلب الهزيمة ، ولكنه على أي حال ليس أوان الانقضاض على الإقليمية وسحقها وإسقاطها بما يتطلبه هذا من صراع في الجبهة العربية، كما أنه ليس وقت تلفيق وحدة عربية بمنطق الإقليمية والإقليميين تحت ضغط الخطر القائم لتنفصل بعد زواله . وغدا أو بعد غد، طال الزمان أو قصر، سيصفي الشباب العربي حسابه مع الإقليمية المدمرة. أما الآن فلتكن الدول الإقليمية أدوات في أيدي الشباب العربي لتكون لهم المقدرة بعد تصفية آثار العدوان على تحطيمها. إن الدول الإقليمية ـ الآن ـ هـي الأدوات المتاحة في معركة لا تزال محتدمة. فلتبق أدوات ولكن الإرادة للشباب العربي. إرادة الصمود. إرادة الاستمرار في المعركة . إرادة إزالة آثار العدوان. وليفرض الشباب العربي هذه الإرادة على الأعداء والمتآمرين والمتخاذلين والمنهزمين جميعا. إن هذا يقتضي أن تتحول أيديهم المتعددة إلى قبضة ضاربة واحدة، وأن تتجسد إراداتهم العديدة في أداة مريدة واحدة، وأن تتكامل جهودهم في تنظيم قومي ثوري واحد يمثل إرادتهم ويفرضها ".
قلنا ولكن كيف ؟
وهل تغير شيء جوهري في عامين ؟ الم نقل من قبل ؟.
" مرة أخرى- ودائما- من الممكن إلى ما يجب أن يكون ..
من الواقع إلى المستقبل . إن التخلي عن الاشتباك مع العدو في المعركة التي تدور الآن لمحاولة خلق تنظيم قومي يحقق الوحدة ليتدارك ما فات مثالية عقيمة . إن كثير من الانهزاميين سيفرون من المعركة بحجة التحضير للجولة القادمة . إن هذا هروب لأن الجولة القائمة لم تنته بعد والمعركة لا تزال مستمرة. وكل ما يتمناه أعداؤكم الآن أن تتخلوا عن الاشتباك معهم ولو عدتم إلى ما استنفدتم فيه وقتا غالياً وبددتم فيه جهدا ثمينا: الحوار مع الإقليمية دولاً وأحزابا وأفكارا حول كيفية تجسيد وحدة الثوريين العرب في تنظيم قومي واحد. لقد كان على الشباب العربي- دائما- أن يكفّوا عن وهم الوصول إلى اتفاق مع الإقليميين من خلال الحوار. كان عليهم دائما أن يعرفوا أن أحدا من أعداء الأمة العربية لن يسمح لهم راغبا بأن يوحدوا إرادتهم في تنظيم قومي واحد ليوحدوا وطنهم في دولة عربية واحدة . لقد كان ذلك وهما قبل المعركة، أما الآن فهو هروب من المعركة. إن واجب الشباب العربي الآن أن ينتظموا في كتائب مقاتلة ومناضلة في المعركة القائمة ، وأن تنسق آلكتائب في كل منطقة جهودها لتنمو من خلال المعركة وفي حدود أغراضها ".
ألم نقل من قبل:
" والساحة تقدم إلى الشباب العربي مهمات غير محدودة للنضال الذي يصهر إرادتهم ويصقل مقدرتهم ويدرب صفوفهم على النضال الجماعي المنظم في أسوأ الظروف. إن مهمة الشباب العربي الآن أن ينصروا أمتهم في وضعها المهزوم. فلينتظموا عشرات في كتائب الأنصار وليشتبكوا مع أعداء أمتهم في كل المجالات المتاحة اقتصاديا وفكريا ودفاعيا واجتماعيا، وفي القتال المسلح إن عاد القتال المسلح ، وبالعنف المدمر لكل مصالح أعداء هذه الأمة وعملائهم، وهذه مهمة لن تنتهي حتى بإزالة آثار العدوان. على كتائب الأنصار أن تنتظم في وحدات متماسكة لتحرك الجماهير وتنظمها وتقودها إلى أن تكون القيادة في الوطن العربي للجماهير العربية ".
ألم نقل من قبل:
" وليحذر الشباب العربي من الإقليمية في كل الظروف ، فهي غير أمينة على أسرار النضال الجماهيري. وهي هي التي ستتصدى غدا أو بعد غد لهؤلاء الشباب لتحول بينهم وبين الاستمرار في النضال المنظم. وليولد التنظيم القومي الثوري من تفاعل وتعاون والتحام كتائب الأنصار خلال المعركة فكذلك يملك الشباب العربي أسباب النصر النهائي  حتى وهم في الوضع المهزوم ".
بلى.
فهل تغير شيء في الوطن العربي خلال عامين لنضيف إلى ما قلناه قولا جديدا ؟.. نعم . المقاومة . ولكن ألا يتصدون اليوم لهؤلاء الشباب ليحولوا بينهم وبين اكتمال المقدرة على استمرار النضال المنظم ، عن طريق التفتيت والعرقلة والانحراف؟ هو كذلك.
فما العمل؟
9- أيها الشباب العربي، لا تهربوا من مسئولياتكم وراء التساؤل الكبير. إن القادرين على النصر مسئولون عن الهزيمة فأنتم المسئولون. وأن تخذلوا أمتكم بدلا من أن تنصروها فلن يجديكم شيئاً أن تتهموا العاجزين عن النصر أو المخربين. إنكم لستم أول أمة خاضت معارك التحرير. إن وحدة العدو، ووحدة الساحة ، ووحدة المرحلة تفرض عليكم أن تكونوا جبهة واحدة مع كل الذين يقاتلون. والذين يقاتلون فعلا فئتان مفرزتان عقيدة وغاية فلا تختلطان. أنتم القوى القومية التي تخوض في الأرض المحتلة معركة التحرر العربي في سبيل الوحدة. والقوى الإقليمية التي تخوض المعركة من أجل إزالة آثار العدوان أو من أجل تحرير فلسطين ثم لا يزيدون . أولئك حلفاء المرحلة رضيتم أم أبيتم وإن أبيتم فإنكم لا تخذلون سوى أمتكم ولا تعزلون  سوى قوتكم و لن تجديكم عزلتكم فتيلا. والحلف غير الوحدة فلا يجديكم في المعركة شيئاً أن تطلبوا وحدة المقاومة مضمونا وتنظيما. تلك وحدة تنطوي على أسباب الفرقة فلن تلبث حتى تمزق الصفوف كرة أخرى. إنما هي الجبهة العربية الموحدة بين القوى القومية والقوى الفلسطينية المقاتلة. كذلك فعل كل الذين أحرزوا من قبل النصر في معارك التحرير.
فلماذا لا تقوم الجبهة ؟
إنكم المسئولون.
إن القوى الفلسطينية منظمة في " فتح " تخوض المعركة من منطلقاتها، بأدواتها، إلى غايتها، لا شبهة في أنها توفي بمسئوليتها في الإطار الفكري والحركي الذي اختارته حدا للقتال. فإن كان ثمة من يقاتلون بعيدا عن " فتح " ولكن تحت شعار "مسئولية شعب فلسطين عن تحرير فلسطين " فإنهم يعبثون . وفي " فتح " مكان لكل المقاتلين من أجل إزالة آثار العدوان عن أوطانهم من فلسطين أو من غير فلسطين. " فتح " إذن هي الطرف القائم بدون شك  المعين بدون لبس ، ليكون طرفا في الجبهة العربية لتحرير فلسطين.
أما الطرف الآخر فأنتم ، وأنتم مبعثرون. أنتم الذين يمزقونكم كل يوم أو أنتم الممزقون. مع أنكم الأكثرون. أنتم أبطال القتال في ساحة المعركة وأنتم الجماهير العربية في الوطن العربي فأنتم الملايين. فما الذي تنتظرون؟ أن تبيح الإقليمية وطنكم لأعدائكم مرة أخرى أو أن تساوم عليه، أو تستسلم ثم تبكوا كما بكيتم من قبل في حزيران (يونيو) 1967 المشئوم؟
أيها الشباب العربي انصروا أمتكم العربية، فإنها بعد عامين من الهزيمة أكثر من ذي قبل حاجة إلى أن تنصروها، وأن تنصروا لا تنصروا إلا أنفسكم ومستقبل وطنكم العظيم.
فما العمل ؟
10- (1) ليلتحم كل القوميين المقاتلين في المقاومة في منظمة " عربية واحدة وليقيموا مع " حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " جبهة  عربية موحدة لتحرير فلسطين.
(2) ولتشكل في كل مكان من الوطن العربي كتائب  الأنصار لتكون القواعد الجماهيرية للمنظمة العربية تحمي ظهرها وتؤمن في البداية ودائما، وحتى النهاية  سمتها القومية ، ولتكون المنظمة العربية القبضة الضاربة لتلك الجماهير.
(3) ولتكن مهمة الأنصار من الجماهير في الوطن العربي حماية الجبهة العربية الموحدة  من تخريب الأعداء والمتآمرين والمتخاذلين  والمنهزمين، والتحريض على القتال، و الاستمرار فيه ، وتعبئة كل القوى لمنع التراجع أو المساومة أو الاستسلام . وفي كل قضية مطروحة في أي مكان عربي سيجد الأنصار صلة وثيقة بينها وبين النصر في المعركة، وعلى أساس تلك الصلة يحددون مواقفهم من كل القضايا ومن كل القوى منتصرين دائما لأمتهم.
(4) ولتكن مهمة الأنصار من القادرين في الوطن العربي والعرب المقيمين في أي مكان من الأرض أن يشكلوا مكاتب إمداد المقاتلين بالمال والعتاد إلى أقصى درجة يستطيعونها ليكون المقاتلون في غنى إلى أقصى درجة مستطاعة عن دعم الإقليمية ومالها ليكونوا بذلك أبعد ما يكونون عن أثارها.
(5) ولتكن مهمة الأنصار من المثقفين والكتاب والأدباء والفنانين، إعفاء جهد المقاتلين في المعركة من عبء الدعوة الفكرية والإعلامية وليشكلوا من أنفسهم مكاتب الدراسة والدعوة والدعاية وليحضروا لليوم الموعود.
(6) وليكن اليوم الموعود إثر مرحلة المعركة القائمة لإزالة آثار العدوان، أو في يوم معلوم، عهدا وميثاقا على كتائب الأنصار الذين صقلتهم المعركة، واختبروا فيها صلابتهم، أن يعقدوا مؤتمرهم العربي الذي يتحولون به إلى تنظيم قومي يتولى مسئولية الثورة العربية الشاملة ضد الاحتلال والتجزئة والاستغلال فينبثق التنظيم الثوري من قواعده التي حضّرتها المعركة وأهّلتها لدورها القيادي العظيم.
(7) وليكن شعار المرحلة: التنظيم من أجل التحرير والتحرير من أجل الوحدة.
هكذا يمكن أن يولد التنظيم الثوري القومي من خلال معركة تحرير فلسطين.
وهذي رسالة إلى كل الذين يجترون آلام أمتهم، ويعيشون منذ أمد طويل أمل الالتقاء في تنظيم قومي ثوري يحقق لأمتهم النصر ويحول بينها وبين أن يمر بها يوم عار أسود مثل ذلك اليوم المشئوم من حزيران (يونيو) 1967. فإن كان الطريق طويلا وعرا فلأن المعركة طويلة وعرة فلا تخدعوا أنفسكم إن كنتم مؤمنين.
وفي هذا فليتسابق المتسابقون.
أيها الشباب العربي.
أعدوا من قلب المعركة لمسيرتكم القومية، وعندما يأتي اليوم الذي تعود فيه الأمور في الوطن العربي إلى الأمر الذي كان واقعا قبل يوم 5 حزيران (يونيو) 1967، لتبدأ مسيرتكم على الطريق إلى الوحدة العربية.
والسلام عليكم وعلى وطنكم العربي الكبير، ورحمة الله على شهداء أمتكم الأبرار، وبركاته على نضالكم من أجل الوحدة.
6 حزيران (يونيو) 1969  .
مطابع دار الكتب بيروت - لبنان ص . ب 3559 .

                  
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق