بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الصدق وخفايا كامب ديفيد .



الصدق وخفايا كامب ديفيد .
د.عصمت سيف الدولة .

1ـ ننتهز فرصة الإحتفال بيوم 25 أبريل "عيد تحرير سيناء" لنضع تحت نظر المواطنين ما خفي من اتفاقيات كامب ديفيد ، مع التأكيد على أن ما سنذكره، منقولا من مواثيقه :

التفريط  :

2ـ في يوم 22 مارس 1975 قال أنور السادات فى خطابه إلى مجلس الشعب  :
" من ناحيتنا كنا نعرف ما نريد . انسحاب جديد من سيناء يشمل المضايق والبترول . هذا الإنسحاب يتصل بخطوات متماثلة على الجبهة السورية والجبهة الفلسطينية .. ولا نريد إنهاء حالة الحرب وثلثي سيناء سوف يظل حتى بعد المرحلة المقترحة من الإنسحاب تحت إحتلال العدو . ثم كيف نريد أو نملك إنهاء حالة الحرب ولم يظهر تحرك على الجولان. ولا ظهرت نية تحرك من الضفة الغربية أو من غزة أولا وقبل كل شئ من القدس ؟. كيف نريد ذلك أو نملكه عمليا وكيف نريد ذلك تاريخيا " . وقال يوم 4 يونيو سنة 1975 في حديث إلى التليفزيون اللبناني :" إنه لا يمكن أن توافق مصر على إنهاء حالة الحرب وهناك جندي واحد إسرائيلي على الأرض العربية وإلا كان معنى هذا .. دعوة للإسرائيليين لأن يبقوا على الأرض العربية ".
ولقد استطاع ـ رحمه الله ـ بتمسكه القوى بعدم إنهاء حالة الحرب إلا بعد تحرر الأرض العربية أن يقنع الأمريكيين والإسرائيليين بترك مطلب إنهاء الحرب قبل الجلاء.
ولكن بدون انتظار ، وبدون مقابل ، وبدون ضمان ، وبصرف النظر عما إذا كان الإتفاق سينفذ أم لا ينفذ ، تضمنت الوثائق الموقعة يوم 26 مارس سنة 1979 ، المسماة " معاهدة السلام "  التزاما صريحا ينفذ ويصبح أمرا واقعا فور تبادل التصديقات على المعاهدة ، مضامينه هي : إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل . ( المادة الأولى فقرة 1 من الوثيقة الرئيسية ) . الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد إسرائيل على نحو مباشر أو غير مباشر ( المادة الثالثة فقرة 1 بند ج ) . كفالة عدم صدور أي فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية  أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل مصر حتى لو لم تكن صادرة من قوات خاضعة لسيطرة مصر أو مرابطة على أرضها إذا كانت تلك الأفعال موجهة ضد سكان إسرائيل أو مواطنيها أو ممتلكاتها ، الامتناع عن التنظيم والتحريض أو المساعدة والإشتراك في أي فعل من أفعال الحرب أو أفعال العدوان أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد إسرائيل في أي مكان في العالم ومحاكمة أي مصري يقيم في أي مكان في العالم أو أي أجنبي في مصر ينظم أو يحرض أو يساعد أو يشترك في أي فعل عنف ضد إسرائيل ( المادة الخامسة فقرة 2 ) . الإمتناع عن أية دعاية ضد اسرائيل ( المادة الخامسة فقرة 3 من البروتوكول ) . فتح قناة السويس لمرور السفن والشحنات الإسرائيلية ( المادة الخامسة فقرة 1) . فتح مضايق تيران للملاحة البحرية والجوية لإسرائيل ( المادة الخامسة فقرة 2 .

السيادة  :


 تنص المعاهدة فيما يسمى " الملحق العسكري " على أنه لا يجوز لمصر أن تنشئ أي مطارات حربية في أرض سيناء ( المادة 2 فقرة 5 ) كما لا يجوز لها لأن تستعمل المطارات التي ستخليها إسرائيل في أغراض حربية ( المادة 5 فقرة 3 ). ولا يجوز لمصر أن تنشئ أية مواني عسكرية في أي موقع على شواطئ سيناء ( على البحر الأبيض أو خليج السويس أو خليج العقبة ) ولا أن يستخدم أسطولها الحربي الموانئ التي بها ( المادة 4 فقرة " أ" و " ه" )  . ولا يجوز لمصر أن تحتفظ شرق قناة السويس وإلى مدى 58 كيلو مرا تقريبا ( لم تنشر الخرائط الرسمية لنقول تحديدا ) بأكثر من فرقة مشاة ميكانيكية واحدة لا يزيد مجمل أفرادها عن 22 ألفا وتزيد أسلحتها عن 126 قطعة مدفعية و126 مدفعا مضادا للطائرات عيار 37 مم و230 دبابة و48 عربة مدرعة من جميع الأنواع . ولا يجوز لهذه القوة المحددة العدد والسلاح أن تخطو خطوة واحدة ولو لإجراء مناورات تدريبية شرق الخط المحدد لها بين أرض وطنها وبقية أرض وطنها ( المادة الثانية فقرة 2 بند 2و3 من الملحق العسكري ). لا يجوز لمصر أن تكون لها شرق الخط المشار إليه أية قوة عسكرية مقاتلة أو مسلحة بأسلحة قتالية من أي نوع كان . عادت سيناء ، وأربعة أخماس سيناء منزوعة السلاح  .
أما بالنسبة إلى الأمن فتتولى حفظه قوات الشرطة المدنية المصرية. على أنه في منطقة تمتد من حوالي 58 كيلو مترا شرق القناة إلى خط يبدأ من قرية الشيخ زويد على البحر الأبيض المتوسط (شرق العريش) وينتهي عند رأس محمد ( غرب شرم الشيخ ) ويبعد عن حدود مصر الشرقية بحوالي 33 كيلو مترا ، يجوز لمصر أن تستكمل " مهمة البوليس المدني في حفظ النظام " . ( هكذا يقول النص ) بقوة حرس حدود بشرط ألا تزيد عن أربعة كتائب وأن يقتصر تسليحها على الأسلحة الخفيفة والعربات ( المادة 2 فقرة أ بند ب من الملحق العسكري ) ولا يجوز لأن تساعدها ـ بحريا ـ إلا زوارق خفر الحدود المسلحة تسليحا خفيفا على أن يقتصر نشاطها على المياه الإقليمية في هذه المنطقة ( الماد الرابعة فقرة 2 من الملحق العسكري ) . أما باقي سيناء على طول الحدود الشرقية  بعمق 33 كيلو مترا تقريبا ، بما فيها شرم الشيخ ومضايق تيران وشواطئ خليج العقبة فلا يجوز لمصر أن يكون لها إلا شرطة مدنية فقط . لا قوات ولا حرس حدود ولا بوارج ولا زوارق ( المادة 5 فقرة 2 من الملحق العسكري .
هذه هي سيناء التي " تحررت ".

السيطرة الأمريكية  :

ـ هل تضمنت المعاهدة إخضاع مصر للسيطرة الأمريكية ؟.. هل هناك احتلال سياسي  وعسكري أمريكي لأرض مصر أم لا ؟
جاء في المادة الرابعة فقرة 1 من المعاهدة :" ضمانا لتوفير الحد الأقصى للأمن لكلا الطرفين وذلك على أساس التبادل يسمح باشتراك قوات أمم متحدة ومراقبون من الأمم المتحدة ..".. وجاء الملحق العسكري فاستبدل " بالتبادل" " القسمة والنصيب " . فكان من قسمة مصر أن ترابط قوات الأمم المتحدة على أرضها وحدها بالإضافة إلى مراقبين . وكان من نصيب الطرف الآخر مراقبون فقط ( المادة 6 فقرة 3 من الملحق العسكري ). أما أين ترابط قوات الأمم المتحدة على أرض مصر فقد جاء تحديده في وثائق اتفاقيات " كامب ديفيد " ( إطار الاتفاق لمعاهد سلام بين مصر وإسرائيل ) . حيث نصت على أن :" تتمركز قوات الأمم المتحدة في  :
(ا)  جزء من المنطقة التي تقع في سيناء من الداخل لمسافة 20 كيلو مترا تقريبا من البحر المتوسط وتتاخم الحدود .
(ب)  منطقة شرم الشيخ  .
ما الذي ستفعله أو في إمكانها أن تفعله تلك القوات ؟ قيل عن القوات المتمركزة في منطقة شرم الشيخ أنها ( لضمان حرية المرور في مضايق تيران ). إن حرية المرور لإسرائيل في مضيق تيران لا تحتاج إلى ضمان إلا إذا وصلت القوات المصرية المسلحة إلى حدودها الشرقية في تلك المنطقة وهددت المرور . ولم يقل شئ عن مهمة القوات المتمركزة في الشمال . فهل يمكن أن تكون ضمانا لعدم اختراق القوات المصرية حدودها الشرقية إلى أرض فلسطين المحتلة .؟. أم أنها لضمان عدم اختراق القوات الإسرائيلية حدود مصر مرة أخرى إلى أرض سيناء ..؟ النصوص ، في وثائق كامب ديفيد والوثيقة الرئيسية الموقعة يوم 26 مارس 1979 لا تجيب إجابة واضحة ، وإنما تأتى الإجابة واضحة قاطعة ، من النصوص التي حددت نشاط قوات الأمم المتحدة ومجالات ذلك النشاط .
فهي كما رأينا متمركزة في أرض مصر فقط . ومهامها هناك ـ في سيناءـ " تشغيل نقاط تفتيش والقيام بدوريات استطلاع " ( المادة 6 فقرة 2 بند 1 من الملحق العسكري ) .. والتحقق الدوري من تنفيذ بنود الملحق العسكري ( المادة 6 فقرة 2 بند ب من الملحق العسكري ) وتقديم تقارير عن نتائج مهمتها لكلا الطرفين ( المادة 6 فقرة 5 من الملحق العسكري .
أين ..؟ يقول الملحق العسكري بالنص :" تشرف  قوات الأمم المتحدة على تنفيذ الترتيبات المنصوص عليها في هذه المادة ( أ ) و (ب) و (ج) ( فقرة 3 ) أي في أرض سيناء ابتداء من قناة السويس ثم شرقا إلى الحدود الشرقية . وواضح من هذا أن مهمة قوات الأمم المتحدة المتمركزة على أرض مصر أن تفتش وتراقب وتستطلع جويا وتقدم تقارير عن أي نشاط أو تحركات لا على الحدود الشرقية ، ولا فيما تتجاوزها شرقا من أرض فلسطين المحتلة ، ولكن غربا حتى قناة السويس ، تفتش  وتراقب وتستطلع وتحقق فيما إذا كانت مصر قد زادت من قوتها المحدودة أو من تسليحها وفيما إذا كانت مصر قد زادت من حرس الحدود أو زودته بأسلحة ثقيلة .. الخ . أما ما يلي حدود مصر شرقا فلا يجوز أن يكون محل تفتيش أو مراقبة أو استطلاع أو تحقيق أو أن تقدم عنه إلى مصر تقارير . إنه يتعرض فقط ، وبعمق ثلاثة كيلومترات فقط لما يستطيع أن يراقبه مراقبون من الأمم المتحدة ( المادة 6 فقرة 3 .
والخلاصة أن مصر تخضع للتفتيش والمراقبة والاستطلاع والتحقيق من قبل قوات أجنبية متمركزة على أرضها وهذا هو المثل الذي يضربه عادة فقهاء القانون الدولي العام ، وفقهاء القانون الدستوري ، كحالة نموذجية لما ينقض السيادة ويتناقض مع الاستقلال الوطني . لا يضعف من هذا الرأي القول بأن تلك ـ أولا ـ ليست قوات أجنبية بل هي قوات الأمم المتحدة . وثانيا ـ أن مصر هي التي قبلت تمركزها على أرضها وارتضت مهمتها " بإرادتها الحرة " .. فنضطر إلى العودة إلى الوثائق لتكشف الطبيعة المفزعة لحقيقة أنها قوات احتلال أجنبي وأمريكي على وجه التحديد .
5ـ ولم يكتف الإحتلال بقوات أجنبية تأمينا ، بل لا بد من التزام الولايات المتحدة الأمريكية بالوقوف ، بكل قواتها الدولية والعسكرية ، حائلا دون ما يخشونه وما يتوقعونه من الشعب العربي في مصر . فيوجه الرئيس الأمريكي الى رئيس الجمهورية السابق ومناحم بيجين رسالة تضاف إلى وثائق المعاهدة وتصبح جزءا لا يتجزأ منها يقول فيها :" في حالة وجود انتهاك فعلي أو التهديد بانتهاك فعلي أو التهديد بانتهاك معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ستقوم الولايات المتحدة بناء على طلب أحد الأطراف أو كليهما بالتشاور مع الأطراف المعنية وستتخذ الإجراء الذي تراه مناسبا ومفيدا في تحقيق الإلتزام بالمعاهدة وستقوم الولايات المتحدة ، بعملية الاستطلاع الجوي حسب طلب الأطراف وطبقا للملحق (1) للمعاهدة  " ( الملحق العسكري) .
هكذا إلتزمت الولايات المتحدة  :
أولا : بأن تتولى هي الاستطلاع والمراقبة الجوية على مصر في سيناء التي أسندت إسميا في الملحق العسكري إلى قوات الأمم المتحدة ( المادة 6 فقرة 2 بند 1 من الملحق العسكري .
ثانيا:     أن تتخذ الإجراءات التي تراها ( هي ) مناسبة ومفيدة ( طبقا لتقديرها ) لضمان ألا تنتهك مصر المعاهدة أو تهدد بانتهاكها .
6ـ عنوان التعهد " مذكرة تفاهم " .. ولقد نشرت لأول مرة في مصر يوم 30 مارس عام 1979 وفيما يلي نصها المنشور :
حق الولايات المتحدة في اتخاذ ما تعتبره ملائما من إجراءات في حالة حدوث انتهاك لمعاهدة السلام أو تهديد بالإنتهاك بما في ذلك الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية .
تقدم الولايات المتحدة ما تراه لازما من مساندة لما تقوم به إسرائيل من أعمال لمواجهة مثل هذه الإنتهاكات خاصة إذا ما رئي أن الإنتهاك يهدد أمن إسرائيل بما في ذلك على سبيل المثال تعرض إسرائيل لحصار يمنعها من استخدام الممرات المائية الدولية وانتهاك بنود معاهدة السلام بشأن الحد من القوات أو شن هجوم مسلح على إسرائيل . وفي هذه الحالة فإن الولايات المتحدة الأمريكية على استعداد للنظر بعين الإعتبار وبصورة عاجلة في اتخاذ إجراءات مثل تعزيز وجود الولايات المتحدة في المنطقة وتزويد إسرائيل بالشحنات العاجلة وممارسة حقوقها البحرية لوضع حد الإنتهاك .
سوف تعمل الولايات المتحدة بتصريح ومصادقة الكونجرس على النظر بعين الرعاية لطلبات المساعدة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل وتسعى لتلبيتها ".
لا يحتاج هذا التعهد الأمريكي إلى إيضاح ، فيه انعقد حلف سياسي اقتصادي عسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضد مصر تحرسه قوات أمريكية مرابطة في سيناء .
وبعد  :
7ـ وبعد ، فها هي سيناء التي تحتفل الدولة على " تحريرها" يوم  25 أبريل من كل عام . خلاصة قصتها أن (1) احتلتها القوات الصهيونية عام 1967 بالإتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية (2) بدأت مصر المستقلة تعبئة قواها لتحريرها واستردادها منذ يوم الهزيمة ذاته (3) بدأت القوات المسلحة معركة التحرير في 1973 فهزمت الصهاينة وعبرت القناة وطاردتهم شرقا (4) تقدم رئيس جمهورية مصر السابق ليجنى ثمار النصر العسكري وهو يعلن إرادة مصر المستقلة المنتصرة :
أ ـ إنهاء حالة الحرب مرفوض شكلا وموضوعا إلى أن يجلو آخر جندي  صهيوني من الأرض العربية .
ب ـ نزع سلاح سيناء مرفوض لأنه انتهاك لسيادة مصر.
ج ـ تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني مرفوض لأنه يمس سيادة مصر .
ثم ذهب ـ الله يرحمه ـ إلى كامب ديفيد الأمريكية وعاد باتفاقية قايض فيها جلاء الجند الصهاينة عن سيناء مقابل الإحتلال الأمريكي لسيناء وتبعية مصر جملة وتفصيلا للولايات المتحدة الأمريكية ، وفى يوم 25 أبريل 1982 ، انتقلت سيناء من السيطرة الصهيونية ، وعادت هي ومصر كلها إلى السيطرة الأمريكية ، ولم تعد سيناء المتحررة إلى مصر الحرة قط وبدأت حركة التحرر ضد الولايات المتحدة الأمريكية يخوضها صادقو الوطنية الذين لا يكذبون على أنفسهم ولا يكذبون على غيرهم ..
فأين المفر ؟..
كتب القتال عليكم وهو كره لكم  فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة . وما كانت دعوتنا إلى الإعداد للكفاح المسلح ضد الولايات المتحدة الأمريكية من بنات أفكارنا ، ولكنها دعوة صدق إلى التعامل بصدق مع الواقع الموضوعي الذي فرضته علينا اتفاقيات كامب ديفيد . والصدق منجاة فهل ثمن من يمارون ؟


ذهاب الى صفحة عصمت سيف الدولة 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق