بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 13 مارس 2011

الاقتصاد الاسلامي بين الحقيقة والوهم ..

                                                                                                                                                                الاقتصاد الاسلامي بين الحقيقة والوهم .. 

الزكاة هي الفريضة الثالثة في الاسلام التي يجـب على المسلم أن يُخرجها كلما بلغ النصاب فـيما يملك ، وفي ظل  اي نظام اقتصادي ، اقطاعي أو رأسمالي أو اشتراكي . كما أن الربا حرام شرعا في اي مكان و في اي زمان و في ظل اي نظام ايضا . غـيـر أن العمل بهما كاجراء " تعديلي " لا يؤدي بالضرورة الى قيام نظام اقـتصادي عادل ، فلا يؤدي وقـتها الى قـيام النظام الاسلامي المنشود . وليس هذا قصورا في الاسلام ،  بل هو قصور في الانسان قـبـل كل شئ ، ونـزوعه الى الشهوات والعاطفة ، مما يستوجـب السيطـرة على المنظومة الاقتصادية باكملها وعدم تركها تسير وفقا لحركـتها التـلقـائية .. لان آداء الفريضة وتجنب المحرم هي مسائل متـروكة قـبل كل شيئ للالتزام الشخصي ، بينما تحقيق حياة أفضل للفرد والمجموعة ، بداية بـتـوفـيـر الضروريات ، ووصولا  الى تحقيق الرخاء المنشود ، هي مسألة تكليف وواجب تحفظه الدولة لرعاياها و تحاسب عليه .. و هو ما يتطلب دوما المزيد من احكام السيطر على الدورة الاقتصادية بالتخطيط الشامل الذي يظمن التوزيع العادل ، و تكافئ الفرص ، وتحقيق العدل بين الجهات والافراد وتوفـيـر الامن واحترام كرامة الانسان  وضمان الحريات ومحاربة الفساد ..  الى غـيـر ذلك من الاجراءات الضرورية في جميع المجالات لتحقـيق تلك الاهداف التي لا تتحـقـق من خلال التقديرات الشخصية وحسن النية ، او بالتعويل على مبادرات الافراد ، و درجة الوعي والاتزام .. بل بما يتحقق من ضمانات تشريعـية في اطار دولة القانون والمؤسسات .. وانه ليصحّ  في كل الاحوال ان نقول قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " كما تكونوا يولى عليكم " .. وقديما ـ ان صحت الرواية ـ سأل عمر بن الخطاب واليه عن مصر عمر بن العاص رضي الله عـنهما قال : " ان جاءك  سارق ماذا تفعل به " ؟ قال : " أقـطع يده " . فـرد عمر : " و انا اذا جاءني جائع قطعـت يدك ".. المسألة ليست سهلة اذن ، فالمنظومة الاقـتصادية الاستغلالية في المجتمع  ليس من السهل تعديلها باجراءات جزئية ، وهي التي تـقـوم على شبكة معـقـدة ورهـيـبة من العلاقات الغـيـر متكافـئة كما نراها في واقعـنا ، حيث  الحـيـف الاجتماعي والاستغـلال ، في ظـل المنافـسة الحـرة الموجودة في النـظام الـراسمالي .. لذلك فان اي اجراء جزئي يعـمل على معالجة اي خلل في تلك المنظومة يمكن ان يـنـسب الى نظام الاقـتصاد الاسلامي ، لكنه لا يجوز ان يقوم مقامه ..
ولعل اللافت للانتباه أنه في اطار هذا الحديث عـن الحلول الاقتصادية ، والمشاكل المطـروحة في الواقع ، يثور كثيـرا من اللغـط  عـن " الاقـتصاد الاسلامي " ..  وهو في الواقع تضخـيم لما هو دون ذلك التعـبـيـر بمعانيه الواسعة .. في حـين أن المقصود هو انشاء مؤسسات مالية بمواصفات " خاصة " تسمّى " البنوك الاسلامية ".. اذ لو قـيل ان تلك البنوك يتوقـف دورها على الغاء العلاقات الربـوية لكان الامـر هـينا ومقـبـولا في ظل المنظومة الراسمالية .. لكـن عـندما يقع طرح هذا النشاط على أنه " نظام الاقـتصاد الاسلامي " البديل " للنظام الراسمالي والاشتـراكي معا .. فالأمر يتحول الى مغالطة وخداع .. يعتمد على الكلام الدعائي  الذي يستـغـل مشاعـر المسلمين ، ولا يمثل نظام الاقـتصاد الاسلامي الحقيقي القائم على العدالة الاجتماعـية والغاء الاستغلال بأي حال من الأحوال ... 
 ويبقى هذا الاسلوب الاصلاحي للاقـتصاد في ظل المنظومة الرأسمالية البشعة القائمة على اقـتصاد السوق والمنافسة الحـرة ، والمضاربة والاحتكار وكل هذه المظاهر القائمة على الاستغلال ، والتي تكرّس بدورها مزيدا من الفوارق الاجتماعـية ، هو في حقيقة الامر أبعد ما يكون عن الاساليب المؤدية الى الاقـتصاد الاسلامي بأبعاده الاجتماعية التي لا يمكن تحقيقها دون اقامة مجتمع العدل والمساواة .. اذ أن  تجربة " البنوك الاسلامية " تعـتمد على فـكـرة الغاء الاقـتـراض بالـفائدة المالية المباشـرة ، الذي يتم تعـويضه بالفـائدة الناتـجة عـن البـيع أو " المرابحة ".. وهو اجراء ـ رغم الدعاية الكـبـيـرة التي صاحبته ـ الا أنه  يبقى عاجز عن تغـييـر تلك العلاقات الاقتصادية المعقدة السائدة في المجتمع ، داخل المصانع والمؤسسات الخاصة التي تستـغـل العمال وتتنكر لأبسط الحقوق  المتعلقة بالاجور ، وساعات العمل ، والتعويض عـنـد الضرر ، والتامين ، ومنضومة العلاج ، والتقاعد ، والفصل التعسّفي ، وحقوق الترسيم الخ .. كل هذه الجوانب لا تهم المدافعين عـن" الاقتصاد الاسلامي " بالصورة التي يتحدثون عنها ..!! 
 فلا يهتمون بهوية الذين ينشـئون تلك البنوك والمصارف ، ولا الاطراف التي يتعاملون معها عـند اقـتـناء البضاعة للحريف ، حيث يتعاقد البنـك مع منتجـيـن او مزودين يـبـيعـون منـتوجاتهم لصالح البنك الاسلامي الذي يتولى بدوره بيع ذلك المنتوج بنسبة معـينة من الربح ، قد تصل  حسب المراقبين الى ارقام تفوق بكثير النسبة التي تحدّدها البنوك العادية .. !!
ومع هذا تستمر المغالطات في الحديث عن نظام الاقتصاد الاسلامي ومنها  :
أولا ان عبارة " نظام " أو" اقـتصاد " لا تقـتصر ـ أي منها ـ على مجال محدود من مجالات النشاط الاقتصادي كانشاء مؤسسة مالية لا حول لها ولا قوة  ، سوى انها ترفض معلوم الفائدة نقدا لما فيه من شبهة  ( الربا ) ، لكنها في الاصل لا تستطيع  الافلات من قـبضة المـنضومة باكملها ..
وثانيا فان ما يفترض أن تعـنـيه عبارات " نظام الاقتصاد اسلامي " هو بالضرورة  التدخل الشامل في الدورة الاقـتصادية بجميع فـروعها قصد تفكيكها ، واعادة هيكلتها بما يسمح للـنشاط الاقـتصادي أن يكون متفقا مع أهداف ومقاصد الشريعة في كل كبيرة وصغـيـرة .. وهو لا يكون كذلك  الا اذا كان خاضعا للتخطيط  والسيطـرة الكاملة على جميع العلاقات الاقـتصادية الموجود في المجـتمع  لتحقـيق مصلحة محـدّدة ومضبوطة من طرف الخطة الاقـتصادية .. وهو ما لا يخطر على بال اصحاب البنوك الاسلامية  . اذ هم يتعـاقـدون مع الدولة الرأسمالية التي تمنحهم الترخـيص وفقا لشروط يقع تحديدها مسبّقا ثم تـتـركهم في حال سبـيلهم .. حيث لا علاقة لهم بما يسمى نظام اقـتصادي ، بل هم مجـرد مستـثمـرين في مجال المال والتجارة معا ، يبـيعـون ويشترون ويؤجّـرون و يضاربون ويعـقدون الصفقات المربحة في الداخل والخارج وفقا للقوانين الاقـتصادية السائدة ، وهي قوانين اقتصاد السوق الرأسمالية .. اضافة الى كون اصحاب  المشاريع التي يتعامل معها أصحاب البنوك الاسلامية هم عادة من الدول الأجنبية الراسمالية ..  
وثالثا فان ما يتناقله الكتاب في مؤلفاتهم ، وما نسمعه من دعاية ضخمة عن النظام الاسلامي والبنوك الاسلامية سواء في الاعلام أو في المواقع الاجتماعية ، انما هو في واقع الامر جزء من الدعاية الراسمالية التي يستغلها أصحاب تلك المشاريع من أجل جلب الحرفاء لا غير ، ولا علاقة لها بالمقاصد الاسلامية التي يجب ان تستهدف كل انواع  الاستغلال والعلاقات الاقتصادية الظالمة وذلك بوضع الاسس اللازمة لتحقيقها .. وهي لا تتحقق أبدا في ظل المنظومة الراسمالية القائمة التي تعمل البنوك الاسلامية في ظلها ..  ولعل ما يقوله الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه " دور الاخلاق في الاقتصاد الاسلامي " خير مثال على ذلك ، حيث نجده يتحدث عن دور الاخلاق في المجتمع الاسلامي ثم سرعان ما يناقض نفسه لياكد أن جشع الحياة الراسمالية يتغلب دائما على الاخلاق : وهذا ما قاله حرفيا : " ان الاقتصاد الاسلامي يتميز بأنه اقتصاد ربّاني وانه اقـتصاد انساني أيضا ، كما أنه اقـتصاد أخلاقي .. " ، ويضيف " و من هنا كانت أهمية التربية الايمانية لتوجيه الاقتصاد الوجهة التي يريدها الاسلام .. " لكنه يتراجع فيقول بعد ذلك : " ولكن الخطر الذي يخشاه الجميع أن تـنقـلب تلك الدوافع الفردية الفطرية الى أنانية بشعة ، تريد أن تـلـتهم كل شيئ ولا تشبع ، و أن تصبح المنافسة في جو الحرية الاقتصادية ضربا من التكالب الذي لا خلق فـيه و لا شرف ، أو تمسي لونا من اللصوصية المنظمة يتـفـق فـيها الاقوياء على الضعـفاء " … !!
وهل عـندك شك يا دكتور ؟ فكيف نعلق المصلحة العامة على الاهواء الشخصية و المزاجية ؟ و هل تمثل الاخلاق وحدها ضامنا لتحقيق غاياتنا ؟ فلماذا وُجدت الحدود في الاسلام اذن والحلال والحرام والترغـيب والترهيب والثواب والعقاب والجنة والنار .. ؟
ان تلك المواعض على أهميتها في تهذيب السلوك البشري ، الا ان ترويجها كركيـزة لما يسمى مشروع " الاقتصاد الاسلامي " الذي يتحدثون عنه في ظل المنظـومة الرأسمالية البشعـة ، تكون آداة  للقـبـول بانظمة الاستغـلال ، وهو ما يحوّل هذه  المواعض الى تضليل ..
كما أن تلك الدروس الاخلاقية بكل  ما يبدو فـيها من حرص على تحـقـيق قيم الاسلام النبيلة ، الا انها تبقى معـلقة على فـرض حسن النية ، ثم لا ترتقي بعدها لتوفـيـر أي صيغة الزامية لحماية المتضررين من العلاقات الاقتصادية الفاسدة التي تستمر في ظل هذا الوضع  .. كما تكون الدولة في حِلّ من أي التزام بحماية رعاياها الذين يتواصل نهشهم واستغلالهم والاحتيال عليهم من طرف الراسماليين تحت مظلة القانون الذي هو في عـرفهم لا يحمي المغـفلـيـن .. فـتـتحول وقـتها كل الدروس الاخلاقـية الى عـبث وشهادة  زور ..
ولعـل ما يزيد في حجم المغالطات  هو نسبة كل ما يقال في هذا المجال ، أو ما يقع من تطبيقات في الواقع  للشريعة الاسلامية .. !!  بل وقد ذهـب البعض الى تسمية المنظومة الاقـتصادية السائدة بالانظمة الوضعـية وهو ما يوحي بان ما يقولونه غـيـر وضعي . يقول الباحث مصطفى ابراهـيم فى دراسته لـنـيل الماجستيـر في الاقـتصاد الاسلامي  بالجامعة الامريكية بالقاهـرة سنة 2006 :" قد شهدت الساحة العـربية والإسلامية جهوداً فكرية كبـيـرة لتأصيل فكر الإقـتصاد الإسلامى كبديل للأنظمة الوضعـية الغـربية .." ويقول الدكتور يوسف القرضاوي متحدثا في نفس السياق وفي نفس المرجع المذكور:".. ويحسن بي ان أذكر هنا خلاصة مناقشة  حول وجود اقـتصاد اسلامي متميـز عـن الاقـتصاديات الوضعـية الاخرى راسمالية واشتراكـية .." كما نجد كلاما اكثر غرابة في كتاب بعـنوان مدخل الاقـتصاد الاسلامي اعداد مجموعة من الطلاب بجامعة  محمد بن سعود الاسلامية ، يعـّرفون مفهوم الاقـتصاد من خلال المصطلح الذي يقسّمونه الى نوعـين  : اصطلاح " شرعي " و اصطلاح " وضعي " فيقولون : " وكلمة الاقتصاد في الاصطلاح الشرعي ، الاعتدال بين الاسراف والتقتير و يدل على ذلك قوله تعالى ( ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك و لا تبسطها كل البسط ).. اما الاقتصاد في الاصطلاح الوضعي ، يقصد به اطلاقات الاقتصاديين الوضعـيـين و تعـريفهم لعلم الاقـتصاد الذي ظهـر في اواخر القرن الثامن عشر .. " فهل هناك مغالطات و تضليل  أكـثـر من هذا ؟ 
 أجل ..
اما المغالطة الرابعة فـتـتمثـل في الحديث الصاخـب عـن الربا في البنوك " الغـيـر اسلامية "، بينما نسجل في ارقام المعاملات لبنك التمويل السعودي المصري حسب الموسوعة العالمية الحرة ويكيبيديا بانه " يتضح من القائمة المالية المنشورة على موقعه لسنة 2008 أن حوالي 32% من أصوله عبارة عـن أرصدة لدى بنوك أخرى و 11% أذون خزانة و 6% لدى البنك المركزى . أي ان حوالي نصف أصول البنك في هذه الحالة لا تختلف عن البنك الربوى " .. زيادة على اننا لا نسمع شيـئا عـن علاقات المستثمرين بالبنوك العالمية ، و ما هي الصيـغـة التعاقـدية التي يتعاملون بها معها ؟ وهل تسقـط العلاقات الربوية عـندما يتعامل هؤلاء المستثمرون مع البنوك والبورصات في نيورك وسويسرا وبريطانيا فيضاربون معها ، أوعـندما يودعون فـيها أموالهم ؟ ولماذا لا نسمع شيـئا عـن المالكـيـن لهذه البنـوك ، والمصارف ؟ وكـيف يتـم السكوت على المضاربة في السوق ؟  وكيف يكدّس الاغـنـياء ثرواتهم ؟ وكيف يقع التلاعـب بثروات الشعوب في ظل حكومات النفط  ؟ وكيف يقع  تهريب الاموال الى البنوك الاجنبية .. ؟  
وكيف تُدار مؤسسات التعليم والصحة  والمستشفيات  والمصانع الضخمة والشركات العملاقة المستغـلة ، في ظل الاقـتصاد الاسلامي ؟ وماذا نفعـل في نظام التاجـيـر المستغـل وما هو الفاصل بين العلاقات العادلة والعلاقات الظالمة ؟ وماذا نفعـل بالعقارات الضخمة والاراضي المملوكة بآلاف الفدادين والفنادق التي يتاجر فـيها مالكي البنوك الاسلامية أنفسهم  ..؟ وكـيف نحدد علاقاتـنا مع البنك الدولي والتدخل الاجـنبي المباشر في السياسة الاقـتصادية ؟ وكـيف نـتعامل مع التضخم الاقـتصادي وغـلاء الاسعار وانخفاض السيولة وتدهورالعملة الوطنية في ظل الفوضى والنهب الذي تديـره في الخفاء مافيا المال وشبكات التهـريب ؟.. وماهي الحلول الكفـيلة في ظل النظام الاسلامي لمواجهة البطالة والهجـرة غـيـر الشرعـية وتصاعد الجـريمة و محاربة الفقـر والخصاصة ..؟ 
على أي اساس نتصرف في كل هذه المجالات التي تمثل عصب الاقتصاد في الدولة ؟ ولماذ لا يلتفت دعاة " المشروع الاسلامي " الى كل هذه الامور ؟ ولماذا نراهم فقط يُـغـرقون الناس في دوامة من الصراعات الشكلية على المظاهـر بعـيـدا عـن كل هذه المضامين الحياتـية التي تهمّ كل شرائح المجتمع ؟
فهل يعتبر النظام الاقتصادي في تونس اسلاميا لمجرد بعث بنك يتيم هو بنك الزيتونة الذي أسسه اللص الكبير محمد صخر الماطري صهر الرئيس المخلوع اضافة الى اذاعة الزيتونة للقرآن الكريم  التي امتدحها القرضاوي كثيرا ..   !!
لا اجابة طبعا .. لان التـلـفـيق في مثـل هذه المواقف الواضحة سيكون مفضوحا .. لذلك نجد المتحدثين عن الاقتصاد الاسلامي يهربون من الاجابة بنفي المشكل .. فلا نجد عندهم  تعريفا شاملا لما يسمونه بالاقتصاد الاسلامي سوى بعض التلفيق الذي يحصر المشكلة في القروض والفوائد المالية المعروفة في البنوك العادية .. لذلك نجدهم يعودون للتعميم  والحديث عن التجارب التاريخية  التي مر عليها 1500 عام  ، يستحضرون منها مواقف معـزولة عـن ظروفها  للرسول صلى الله عليه و سلم ، أو يستحضرون بعض الاجراءات التي اتخذها أحد الخلفاء رضوان الله عليهم ليستشهدوا بها في غـيـر سياقها التاريخي ، أو يفـتـشون في حديث هـنا أو آية هناك ويؤوّلونها بغـيـر ما تحتـمل .. فيملؤون صفحات الكتب بمثل هذه المواقف ويسمّونها مراجع الاقتصاد الاسلامي .. !! وهذه عينات من البحوث ، والكتب والشواهد نذكر بعضها ..
يقول الدكتور جمال الدين عطية في كتابه مقاصد   الاقتصاد الاسلامي : " ان الاسلام دعا الى العـمل لتحصيل المال والسعي في طلب الحلال من الرزق ، قال تعالى : " الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه واليه النشور " ( الملك / 15 ) . ثم يضيف : " عن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " نعم المال الصالح للمرء الصالح " ثم يقول : " روى الامام احمد عن الزبير بن العوام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لان يحمل الرجل حبلا فيحـتطب به ثم يجـئ فـيضعه في السوق فـيـبـيعه ثم يستعـني فـينـفقه على نفسه خـيـر له من أن يسال الناس أعـطـوه أم منعـوه    .. "  ، كما يورد مؤلفوا كتاب مدخل الاقتصاد الاسلامي العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى :" و سخر لكم ما في السماوات و ما في الارض جميعا " و قوله :" و هو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا " وقوله تعالى : " ويمددكم بأموال وبنين و يجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا " ثم يذكرون نماذج من مآثر الصحابة قيقولون : " ويؤثر عن الامام علي رضي الله عنه قوله : ما جاع فقيـر الا بما تمتع به غني ... كذلك يؤثـر أيضا عن بن حزم رحمه الله أنه قال : ان الله فرض للفقراء حق في أموال الاغنياء فان قصّروا أو امتنعوا أجبرهم السلطان على آداء هذا الحق" ..
طيب وكيف عرفتم ان هذه المواقف نستخلص منها بعث البنوك الاسلامية .. ؟؟  الا يجب ان نعرف ما يقصده بن حزم حين قال متحدثا عن الأغنياء " ان قصروا أو امتنعوا أجبرهم السلطان على آداء هذا الحق"  ؟ هل يجبرهم على أخذه بواسطة البنوك الاسلامية ..؟؟
الحل سهل الى ابعد الحدود .. وهو متمثل في تقوى الاغنياء وصحوة ضمائرهم ..  اذ المسـألة في النهاية مسألة أخلاق اسلامية كما قالوا في هذا السياق : " مواجهة المشكلة تعني اختيار المجتمع للاساليب المناسبة لتنظيم النشاط الاقتصادي بما يحقق مستوى ملائما من الرفاهة لأفراده وفي ظل حراسة القيم الأخلاقية الاسلامية و بالتالي التعامل مع هذا يخفف من حدة المشكلة ... "
طيب ، وما هو نوع هذه الاساليب ؟
 انها مسائل بسيطة للغاية ، تتمثل كما يقولون في " تنظيم سلوك الانسان  وتربيته من خلال التعاليم الاسلامية ومن ذلك مسؤوليته في خدمة مجتمعه ونفعه ابتغاء ثواب الله سبحانه و تعالى .. " الخ ...
والواقع فان القارئ لمثل هذه العـناوين حول الاقتصاد الاسلامي يتوقع ان يجد اجتهادات معاصرة واضافات لكـنه يفاجئ باجترار نفس الكلام ، الذي يطول أو يقصر ، فهو ينـتهي في آخر الامر باقرار الواقع الموجـود .. ويصبح  دورالاقـتصاد الاسلامي منحصرا في تلفيق الحلول وفق منهج اصلاحي يعـمل باسلوب الطبيب الذي لا يفكـر في استئصال الداء،  بل في تعايش المريض معه .. حيث لا تجد من بـيـن دعاة الاقـتصاد الاسلامي من يطرح ضرب المنظومة الرأسمالية نفسها من خلال تجريد الراسماليين من أسلحتهم المتمثلة في الملكية الخاصة المستغلة ، أو حتى مراقـبة انشطـتهم واخضاعها لقوانين صارمة  تحد من التهـريب والاحتكار، التي تـتسبب في الفوضى الاقـتصادية في المجتمع .. كما لا تجد غـيـر دعـوة المستثمرين الى تجـنّـب الاستثمار في المجالات المحرّمة ، وانشاء مؤسسات تعـمل وفـق " الشريعة " فلا تـقع في الربا والغش والرشوة الخ .. " وكفى الله المؤمنين القتال ".. يقول مؤلفوا كتاب مدخل الاقـتصاد الاسلامي المذكور سابقا : " لا يمكن للملكية الفردية اوالملكية الخاصة أن تؤدي دورها الطبيعي دون ان تعـمل في ظل مساحة كافـية من الحرية الاقـتصادية ، ولذلك فان الاقـتصاد الاسلامي يقـرّ الحرية الاقـتصادية للفرد في الاستثمار والاستهلاك لكنه يضبطها بقـيود تكفـل الى حد كبـيـر عدم اساءة استخدامها ، فلا يجوز للفـرد أن يستـثمـر ملكية في انتاج الخمر أو غـيـره مما حرم الله .. " و تلك هي حدود الضوابط اذن في مفهوم هؤلاء للنظام الاسلامي !!.. حيث يصبح هدف النشاط الاقتصادي عـندهم مقـتصرا ظاهريا على تجـنـيـب الحريف الوقوع في المحرمات ، ثم ينغـمسون داخل هذه المنظومة الراسمالية في خدمة مصالحهم .. فـتجدهم يلتحفون بغطاء الدين دون ان يقدّموا له شيئا ملموسا ، بل انهم يساهمون في تشويهه وتضليل الناس عـن مضامينه الحقـيقـية الداعية لتحقيق العدل والمساواة بين الناس ، الرافضة للاستغلال والاحـتـكار وأكل أموال الناس بالباطل .. وهي أهداف لا يمكن أن تتحـقـق دون الالـتفات الى العـلاقات الاستـغــلالية الظالمة التي تـقـوم عـليها جميع المعاملات المدعـومة بقوانـيـن الملكية المطلقة ، والتي تمثـل البنوك الاسلامية واحدة منها .. وهي مؤسسات راسمالية كغـيـرها من مئات المؤسسات الخاصة في المجـتمع ، التي  لا تراعي الا مصالح أصحابها من كـبار المالكين الاجانب أو كبار المسؤولين والمتنفذين في الدولة ، ويكفي مثال محمد صخري الماطري باعث بنك الزيتونة " الاسلامي" في تونس سنة 2009 لنفهم حقيقة الامر حول هؤلاء المستثمرين الذين يبدؤون بانشاء مشاريعهم الخاصة ، ثم يُـنـشئـون حولهم مجموعات متعدة سرية وعلنية منها الاداريون والخـبراء والعملة أعوان الحراسة واصحاب المهمات السريعة ، والمتسلقـون من الطفـيليـيـن والمنافقـيـن ، وحتى الجواسيس والمخبرين الذين يعملون لحسابهم .. والذين يشتركون جميعا - بقصد أو بغـيـر قصد – في التعدّي على المجتمع .. فيستـغـلون وينهـبـون ويزوّرون ويشوّهون جميع مظاهر الحـياة وقـيـمها الجماعـية التي رسخـتها الحضارة العربية الاسلامية على مدى قرون .. ليستبدلوها بانماط منحـطة من العلاقات المبنية على القيم الفردية المستمدة من الحضارة الغربية الليبرالية الفاسدة القائمة على المنـفـعة والانـتهازية والـرشوة والانانية .. مستـغـلين في ذلك الدعاية والاعلام الذي يكون بلا شك تحت سيطرتهم ونفوذهم .. وبذلك يُـحكمون قـبضتهم على المجتمع  فيحوّلونه الى مجـتـمع استهلاكي خالص لمنـتوجاتهم ومنـتـوجات اسيادهم من كبارالراسماليين  في الدول الكبرى، التي لا تـتـوانى في توجـيه اقـتصادهم لمزيد من الخوصصة والتبعـية والعجـز.. حـتى يصبح السياسيون أدوات طـيعة لقـبول الشروط وتـنـفـيـذ المشاريع التي تـتحـقـق بها أهدافهم واطماعهم  .. والكثـيـر .. الكثـيـر من المسكوت عـنه ..الظاهـر والخفي ، ولعـل ما خفي كان اعظم .. فأين أصحاب مشاريع الاقتصاد الاسلامي من كل هذا ؟ ولماذا يصمتون ان كانوا صادقين  .. ؟ 

( القدس ) .