بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 ديسمبر 2012

بين الشرعية و المسؤولية ..



بين الشرعية و المسؤولية ..

الشرعية  ليست كلمة نردّدها او شعارا نرفعه في وجه من يخالفنا الرأي بل هي قبل كل شئ مسؤولية والتزام بتحقيق أهداف الثورة ، التي لا تظهـر الا من خلال ما يشعـر به الناس من تحسّن في اوضاعهم ، و من تغيير نحو الأفضل لن يتحقق دون مشاريع وتشغـيل وانجازات وامن و استقرار .....
والشرعية بهذا المعـنى مسؤولية جسيمة في الحكم تجعل  المسؤول ـ وقتها ـ مطالبا بتحقيق ما طلبه منه الشرع . قال تعالى " وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ "  .. 
والمسؤولية لسلطة شرعية منتخبة تكون اكثـر عبءا ، لان المسؤول المنتخب يجب ان يعـبّـر عن ارادة الناس حتى لا يفقد شرعيته .. 
والمسؤولية اذا كانت لسلطة تقوم دعوتها على خلفية دينية كما يدّعي اصحابها يجب ان لا يتحوّل المسؤول فيها الى سلطان جائر يتــّــهم المخالفين و يرميهم بشتى الـنــّــعوت ..                                                                                 
والمسؤولية اذا كانت تهدف لتحقيق قيم ومبادئ يجب ان تكون وسائلها وأدواتها طاهرة ونبيلة نبل غايتها لان الغاية كما هو معـروف لا تبرّر الوسيلة ..
والمسؤولية في السلطة والحكم عندما يطلبها أصحابها فهي ليست نزهة على متن سفينة شراعية أو طائرة مروحية  تتلاعب بها العواصف وتحجـُـبها الغـيوم فـتتحوّل احيانا الى كارثة .. بل هي حسابات دقيقة و مدروسة حتى لا تجلب الكوارث للناس في المجتمع ..
والمسؤولية اذا كانت بعد مسيرة نضالية و تضحيات كما يدعي اصحابها ، فهي ليست غـنـيمة يقـتسمها الفائزون فيتحولون وقتها الى انتهازيين فاقدين لأي شرعية  ..
والمسؤولية عندما تكون في مجال ضيق يهم الفرد او العائلة ، يتسبّب فشلها في ضرر فـردي ، اما المسؤولية في الحكم اذا حالفها الفشل يكون ضحيتها مجتمع باكمله ..
والمسؤولية في هرم السلطة اذا توصلت الى تحقيق مصالح الناس و اسعادهم ، لا يكون ذلك منــّــة او مكرمة من ولي الامر ، كما انها ليست اصطفاءا له من دون الناس ..
و المسؤولية والشرعية بكل تلك المعاني والمضامين ليست استعلاء على الاقلية مهمى كان حجمها بل  تواضع ومشاركة و تشاور قبل كل شيئ عملا بقوله تعالى " وأمرهم  شورى بينهم " ..
والمسؤولية في الدولة تداول بين الناس فينطبق عليها القولة المأثورة " لو دامت لغيرك ما آلت اليك " وينطبق عليها ايضا قول الله تعالى :" وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس "  ..
والمسؤولية في النهاية التزام  وعهد على النفس يجب الوفاء به تجاه المجتمع باكمله دون تمييز، كما احس بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما اعتبر نفسه مسؤولا حتى عن بغلة اذا عثرت في شوارع بغداد ، فيسأل نفسه قبل ان يسأله الخالق لماذا لم يمهّد لها الطريق  .. ؟

 ( نشرية القدس العدد 52 ) . 

الأحد، 23 ديسمبر 2012

من ذرائع الاستبداد ..

من ذرائع الاستبداد ..

عندما اراد النظام الديكتاتوري المستبد في تونس ان يبحث عن ذريعة للاستبداد وجدها في" الاسلاميين "،  الذين لم يشفع لهم تاييدهم له اثر الانقلاب الطبي في 7 نوفمبر 1987 .. فانقلب عليهم وصنع منهم غولا مخيفا لتمرير سياسته الامنية التي راح ضحيتها جميع  التونسيين مستغلا ارتكابهم لاحداث العنف سنة 1991..  والواقع ان حركة الاتجاه الاسلامي – كما كانت تسمّى حتى ذلك الوقت -  كانت من بين المؤييدين الاوائل الذين رأوا فيما حدث يوم 7 نوفمبر بمثابة التغيير الحقيقي الذي سيحقق جميع طموحات الشعب كما نص على ذلك  الميثاق الوطني الذي سارعت  الحركة لمباركته والامضاء عليه في 7 نوفمبر 1988 .. كما تقدمت بمطلب لتغيير اسمها استجابة لقانون الاحزاب الذي يمنع منح التاشيرة لاي حزب يقترن اسمه بالدين ، فكانت التسمية الجديدة " حركة النهضة " في فيفري سنة 1989 في سياق البحث عن الشرعية ..  ثم شاركت في الانتخابات التشريعية في افريل  من نفس السنة بقائمات مستقلة بعد رفض مطلب التاشيرة  الذي تقدمت به ... وقد كان ذلك كله – وفي ظل حسن النية -  دليلا واضحا ليس على الغباء فحسب ، بل وعلى قصورالفهم وطبيعة النهج الاصلاحي في نفس الوقت ، حيث لم يكن ما حدث في 7 نوفمبر 1987 أكثر من انقلاب من داخل السلطة التي استمرّت بجميع مكوناتها وآلياتها وخياراتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية  .. كما كانت العلاقة مع الولايات المتحدة بالخصوص تنذر بمزيد من التبعـية وقبول الوصاية  بحثا عن الحماية التي ستمكن النظام من ممارسة الاستبداد .. ولعل ما يحدث اليوم من انحراف عن مسار الثورة من خلال عدم الجدية في المحاسبة وازدواج المعايير في الحكم على الفاسدين ومحاولات السيطرة على مفاصل الدولة ، وتهميش المطالب الاساسية في ارساء مؤسسات مستقلة ، والاساءة في استعمال الشرعية ، الى جانب البحث دائما عن غـول يتمثل احيانا في نداء تونس واحيانا في اتحاد الشغل  ... كل ذلك لا يخرج عن اسلوب التمشي القديم الذي اتبعه النظام المخلوع ، كذريعة للتغـوّل والاستبداد ،  وهو ما يعـني ان القوى التي قبلت التباري معه في السابق وهي تامل اصلاحه ، لا تختلف عن نهجه كثيرا وهي مكانه في السلطة اليوم  ..  


 ( نشرية القدس عدد 51 ) .

الفكر القومي التقدّمي : من منهج التجربة والخطأ الى منهج جدل الانسان ، ثورة فكرية مذهلة ..

الفكر القومي التقدّمي : من منهج التجربة والخطأ الى منهج جدل الانسان ، ثورة فكرية مذهلة ...

لقد تمكـّـن الفكر القومي خلال العقود الاخير من تحقيق ثورة فكرية على جميع المستويات اوّلها واهمّها الاسهام في  اعادة الهيكلة البنوية للتفكير التي يحتاجها العـقل العربي والانساني عموما .. وقد ادى عصر الثورة الفرنسية وما تلاه من نهضة فكرية في اوروبا ثم في كافة انحاء العالم  الى ارساء ثنائية متصارعة من البنى الفكرية التي سادت بالاساس خلال القرن العشرين وهما المثالية والمادية ، وهو ما أدى عمليا وميدانيا الى افراز قوتين متصارعتين سياسيا على اساس هذه الخلفية او تلك هما الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الامريكية ، واقتصاديا المعسكـرين الراسمالي والاشتراكي ... وفي ظل هذه الظروف كان الوطن العربي  ساحة من ساحات هذا الصراع بين الخلفيتين والقوتين في آن واحد .. لذلك فان ثورة يوليو - قائدة النضال الوطني والقومي في تلك الفترة - قد وجدت نفسها في خضم تلك الصراعات والتجاذبات ، فلم يكن امامها سوى الانحياز لاحد الطرفين مع كل ما يترتب عن ذلك من تبعية فكرية واقتصادية ، او ابداع آليات جديدة للتفكير للخروج من عباءة الدول الكبرى وهيمنتها السياسية والاقتصادية والفكرية  .. وقد كان الحل الاخير مستحيلا  بحكم الظروف الموضوعية للثورة وقادتها حيث كان الابداع الفكري من اختصاص المفكرين والمتفرّغين لهذا المجال .. ولما كان عبد الناصر هو قائد ثورة يوليو ، وهو الرافض للمنهج المثالي القائم على الفردية ، والمنهج المادي الذي يلغي دور الانسان في صنع مستقبله ، فقد اختار عمليا  منهجا  مغايرا سماه عبد الناصر نفسه بمنهج التجربة والخطأ ، الذي لا يلزم صاحبه بمقدمات جاهزة بل يتركه يعمل في ظل التجريب والتصحيح  بكل ما في ذلك من مجازفات ، باعتبار ان هذه الطريقة في الممارسة تجعل كل الاختيارات متروكة للصدفة ، كما حدث فعلا على ارض الواقع حيث صادف التجربة الاخفاقات والانتكاسات الى جانب كل الانجازات والانتصارات التي حققتها الثورة في ظروف محلية وعالمية اقل ما يقال فيها انها  صعبة ، ولم تقدر اي دولة عربية ان تواجهها .. وقد عبر عبد الناصر صراحة عن هذه الأزمة خلال تقديمه للميثاق الوطني سنة 1962 ، الذي جمع فيه عصارة تجربته ابان المرحلة الاولى للثورة فقال : " الميثاق عبارة عن مبادىء عامة واطار للعمل او للخطة ، نتج عن ايه .. نتج عن تجربة وممارسة لمدة عشر سنوات .. العشر سنوات اللى فاتت كانت فترة تجربة ، فترة ممارسه .. كانت فترة مشينا فيها بالتجربة والخطأ .. " .. ومثلما بين الدكتور عصمت سيف الدولة فان هذه المشكلة لا يتحمل مسؤوليتها عبد الناصر الذي كان واعيا بذلك تمام الوعي ، حينما وضعها في اطارها التاريخي الذي لم يكن ـ عمليا ـ  يسمح له  بانجاز مهمتين في نفس الوقت ، وهو ما عبر عنه بكل وضوح حين قال : " أنا باقول اني ماكنش مطلوب مني ابدا في يوم 23 يوليو اني اطلع يوم 23 يوليو معايا كتاب مطبوع واقول ان هذا الكتاب هو النظرية . مستحيل . لو كنا قعدنا نعمل الكتاب ده قبل 23 يوليو ماكناش عملنا 23 يوليو لان ماكناش نقدر نعمل العمليتين مع بعض  .. "

كما اسهمت تلك التجارب الجريئة من ناحية أخرى في تطوّر الفكر الثوري الذي صقلته الممارسة على مدى عقدين كاملين ، وهو تقريبا ما عبر عنه عبد الناصر بقوله : " لقد كان من أعظم الملامح فى تجربتنا أننا لم ننهمك فى النظريات بحثاً عن واقعنا ولكننا إنهمكنا فى واقعنا بحثاً عن النظريات . " ...  وقد كان لتلك التجربة انعكاساتها الايجابية بالفعل ، التي أسهمت في ارساء منظومة فكرية متماسكة من داخل تلك المعانات ، ومن خلال التعـمّق في نقد الذات ، وتقييم تلك التجارب الخاصة وكل التجارب الانسانية الاخرى ، وبالتفاعل مع  كل ما هو متاح على المستوى الانساني في مجال المعرفة والعـلوم في جميع مجالاتها .. اي من خلال تحرير العقل العربي من كل القوالب الجاهزة  والجاهلة معا .. وهو نهج  تحرّري ابداعي نابع من جوهـر الاديان عبر كل العصور وعلى رأسها الدين الاسلامي الحنيف ، ومن جوهـر الطبيعة الانسانية التي تميــّــزت بالعقل والتفكير على بقية المخلوقات .. ولذلك فان ارساء منظومة فكرية تستجيب  لكل التحديات التي تعيشها الأمة العربية من ناحية ، وتستوعب هذه الثنائية من ناحية ثانية ، لا يستدعي سوى جهد خلاق يجمع بين غاية الاديان وطبيعة الانسان .. وقد كان الفضل في ارساء هذه الاسس الفكرية الجديدة للدكتور عصمة سيف الدولة رحمه الله في كتاباته الغزيرة  ، التي صاغ مجمل الأفكار فيها على ضوء منهجه المعروف بـ " جدل الانسان " فكانت تلك المقولات البسيطة التي الستنتجها في عدة مجالات محورها الانسان ودوره الريادي في تغيير الظروف التي لا يقدر غيره على تغييرها ومنها : " الانسان اولا " ، " الانسان هو القائد لعملية التطور " ، " التطور ظاهـرة انسانية " ، " الجدل هو قانون تطور المجتمعات " ، " الديمقراطية هي أسلوب تطور المجتمعات " ، وكلها مقولات تقوم على التسليم بان الجدل قانون نوعي خاص بالانسان مثلما قام بشرحها بكل تفصيل ...  

 ( نشرية القدس عدد 51 ) .

الأحد، 16 ديسمبر 2012

عفـواً إذا غـدت العروبـةَ نعجةً .. وحمـاةُ أهليـها الكـرام ، ذئـابا ..

عفـواً إذا غـدت  العروبـةَ نعجةً
وحمـاةُ أهليـها الكـرام ، ذئـابا ..

هكذا انهى الشهيد صدام حسين ابيات قصيدته التي اختزل فيها مأساته و مأساة امته التي عاش الى آخر لحظة في حياته يدافع عنها و لم يستسلم كما استسلم بقية الحكام العملاء .. لقد كان زعيما وطنيا قاد بلاده الى الرخاء الحقيقي  و الاكتفاء الذاتي ، و القضاء على الامية .. و رفع شان العراق حتى اصبح يــُــقرأ له الف حساب ، ويكفيه فخرا انه صنع جيشا من العلماء بلغ عددهم حسب بعض الاحصائيات الى ثلاثين الف من مختلف الاختصاصات .. استطاع العراق ان يحقق بفضلهم  نهضة علمية حقيقية  ، تجسّدت في القدرات الانتاجية العالية التي ظهرت بالخصوص ابان الحصار ، و المهارات الـتـقـنية المتطـورة التي برزت بالخصوص اثر الحروب حيث كان العراق يملك القدرة الفائقة على اعادة  بناء المنشآت و الجسور الضخمة في اوقات قياسية ..
ولعل ما تعرّض له العلماء اثناء الغـزو و بعده لاكبر دليل على تلك النهضة التي جعلت الموساد الصهيوني يقتفي آثارهم ليغتال منهم المئات ،و يشرّد الآلاف .. وهو ما يكشف الابعاد الحقيقية للغـزو الهمجي على العراق منذ سنة 1991 ...

 ( نشرية القدس عدد 52 ) .

سؤال وجواب .. !

سؤال وجواب .. !!

سؤال :
  قطر دولة صغيرة .. فيها قناة تسمى الجزيرة .. تحيط بها اكبر القواعد الامريكية في العالم ..
ايهما اكثر ، عدد السكان .. ام الجنود الامريكان ؟
جواب :
لا يتجاوز عدد سكان قطر حسب آخر الاحصائيات مليون و600 الف نسمة . في حين يوجد على ارض قطر أكبر القواعد الامريكية في العالم ، واهمها قاعدتي السيلية والعيديد  ، اللتان يتواجد فيهما باستمرار ما لا يقل عن 6500 جندي امريكي ، بينما يمكن ان تـتسع قاعدة السيلية وحدها  الى 11000 جندي  .. هذا الى جانب طاقة الاستيعاب لاكثر من 100 طائرة  و150 دبابة وكل انواع المعدات الحربية والذخيرة ، ومخازن الوقود ، ومراكز متقدّمة ومجهّزة للمخابرات الخ .. كما يوجد في تلك القواعد  اكبر الاحتياطي الامريكي من الاسلحة والذخيرة التي زوّدت منها " اسرائيل " في حروبها على لبنان سنة 2006  ، وغزة سنتي 2008 و 2012 .. اضافة الى استعمال هذه القواعد  اثناء الحرب على افغانستان سنة 2001 ، وبالخصوص خلال العدوان الغاشم على العراق سنة 2003 ..

والغريب ان قطر قد صرفت اكثر من 400 مليون دولار لتهيئة قاعدة العيديد واكثر من 110 مليون دولار لتهيئة قاعدة السيلية من مالها الخاص لتقوم امريكا بتنفيذ  كل مخططاتها فقط مقابل حماية العائلة الحاكمة ، وهو ما لم تكن تحلم به حتى امريكا نفسها ...

 ( نشرية القدس عدد 50 ) .


حديث الثورة : الحتمية القاهرة والحتمية المقهورة ..

حديث الثورة : الحتمية القاهرة والحتمية المقهورة ..

ان الجدل الاجتماعي هو قانون تطور المجتمعات البشرية ، وهو بالتالي اسلوب الناس جميعا في تبادل المعرفة بمشكلاتهم ، وهو الذي يمكــّـنهم في نفس الوقت من البحث عن حلول صحيحة تناسب امكانيات واقعهم المادية والبشرية ، وتتلاءم  مع حاجياتهم المادية والثقافية المتجدّدة باستمرار ..
وهذا باختصار اصدق تعبير عن مفهوم الديمقراطية ، وأحد أهم الشروط اللازمة لتحقيقها ..
اما الاستبداد فهو النقيض من ذلك كله . ففي ظله يقع تعطيل الجدل الاجتماعي الى ابعد الحدود .. لذلك نجد المستبدين يعملون منذ البداية على تزييف الواقع من خلال السيطرة والتحكم في وسائل الاعلام التي  تمكــّـن الناس من تداول المعرفة بمشاكلهم .. وتساهم في تصور الحلول الصحيحة التي تناسبها ...  فيحلّ رأي الفرد الذي يفكر بدلا منهم ، و يحدد بعبقريته الفذة  نوع المشكلات التي يحسّون بها ، ثم يبدع لهم الحلول التي لا يقع تنفيذها الا مقترنة  بمناسبة تذكــّــرنا عادة بمآثره وانجازاته الخ ..
هذا من ناحية ..  ومن ناحية اخرى فان الاستبداد يمثل التربة الخصبة لنمو الفساد والاستغلال معا .. وهو لذلك يُـعتبر اسلوب المستبدين في توظيف كل امكانيات المجتمع المادية والبشرية لتطوّرهم الخاص دون عامة الشعب وعلى حسابه . لذلك نجدهم يجنــّـدون اكثر الناس ولاءا لهم ، وأقدرهم على الوصول الى العقول من الصحفيين والاعلاميين والخطباء ورجال الدين .. واكثر الناس دراية بخفايا القانون من القضاة والمشرّعين  ، واكثرهم خبرة بخفايا الاقتصاد وعلاقات الانتاج  من الاساتذة والمديرين العامين والمتخصصين في جميع المجالات الحيوية .. ثم  يجندون جيوشا من المنافقين والطفيليين والوسطاء والوكلاء في جميع مؤسسات الدولة وخارجها ، مستعملين امهر الطرق لتحقيق مصالحهم .. حتى  يصل الاستغلال في ظل هذا الوضع الى ابشع صوره ، و يستشري الفساد  بين جميع فئات المجتمع ، ليعم الفقر والتهميش وتتسع الفوارق بين الناس ، وتنتشر الامراض  وتعم الانتهازية وجميع انواع التفسّخ الاخلاقي والجرائم والسرقات والتحيل .. 
باختصار ان الاستبداد هو الآداة السهلة للوصول بالمجتمع الى التخلف باتم معنى الكلمة ، باعتباره نقيضا للتقدم والتطور الحقيقي لكل فئات الشعب من خلال اشباع الناس لجميع حاجاتهم ..
 غير ان الجدل الاجتماعي الذي يمثل قانونا حتميا لا يستطيع الفرد او المجتمع التخلي عنه ولا يتم التطوّر الا من خلاله ، فان تعطيله تحت طائلة الاستبداد لا يعني الغاءه تماما . لان الناس سوف يبحثون حتى في ظل تلك الظروف عن أفضل الطرق لتبادل المعـرفة بالمشكلات  حتى ولو بالهمس او بالنكت المضحكة والسخرية .. وهو ما يزيد عادة في تنامي النقمة لديهم على النظام القائم الذي يسلبهم موضوعيا كل امكانيات التقدم والتطور ، فيتراكم الاحتقان حتى يتحوّل كل ذلك الى مظاهر رفض واحتجاج .. او بمعنى ادق فان محاولات تعطيل قوانين التطور الحتمية المتمثلة في الجدل الاجتماعي ، وتلبية الحاجات ، لن تلبث ان  تؤدي بالضرورة الى قيام الصراع الاجتماعي بين أغلبية مضطهدة تبحث عن التغيير الجذري وأقلية لها مصلحة في بقاء الواقع على حاله ، حتى ينفجر الوضع في مرحلة من مراحله ، و يسمّى ذلك ثورة .. والثورة لا تحدث عادة الا عندما تصبح امكانية تغيير الواقع بالوسائل الديمقراطية غير ممكنة اي في ظل تعطيل شبه كلــّــي للجدل الاجتماعي ( الديمقراطية ) ..  لذلك فان الثورة من هذا المنطلق تعني احداث تغيير جذري في المجتمع لصالح كافة ابناء الشعب او للاغلبية الساحقة منهم ، وهذا بموجب ان الثورة عندما تحدث في اي مجتمع تكون قد اعطت المبررات الموضوعية لاحداث هذا التغيير وهو ما يسمّى بالشرعية الثورية . ورغم ان  مضمون التغيير قد يصبح في تلك المرحلة محل اختلاف  بين اطراف متعددة ، فان المشكل بالاساس لا يتعلق بكيفية التغيير او بامكانيات تحقيقه ، بل بالمجالات التي يتم فيها التغيير ، وهي مجالات تتعلق اولا و اخيرا باسباب اندلاع الثورة المرتبطة بطبيعة النظام القائم على الاستبداد والفساد والاستغلال .. اي بازالة الحواجـز التي تسببت في تعطيل تطور المجتمع ..
لو صحت هذه المقاربة بجميع مقدّماتها و نتائجها، فان ثورة 17 ديسمبر لم تخـرج ابدا عن هذا السياق الجدلي للصراع الاجتماعي ، وما تاكيد مجمل شعارتها عن حرية المواطن وكرامته وضمان حق الشغل والتوزيع العادل للثروات الخ ... الا دليلا على نوع المشكلات الاجتماعية التي كان يعانى منها المجتمع ، حتى اصبحت تلك الشعارات في الواقع عناوين كبيرة لاهداف الثورة  ، وتعبيرا صادقا عن هموم الشعب و حاجته الماسة الى تحقيق تلك الاهداف الحيوية .. غير ان المعضلات التي واجهتها الثورة الى حد الآن ، وخاصة في عهد الحكومة الحالية تعود الى  اتــّـباعها للنهج الاصلاحي الذي يعتمد على الواقع الموجود بكل ما فيه من علاقات فاسدة لاحداث التغيير .. لكن عجز هذا النهج يبدو واضحا بعد مضي اكثر من عام من خلال تخبط الحكومة وعدم قدرتها على تقديم اي حلول  للمواطن سوى  محاولات الاستجداء المتكررة لطلب القروض والهبات واستعطاف المستثمرين او بيع ممتلكات الدولة الخ .. في حين ان تحقيق اهداف الثورة يقتضي احداث تغيير جذري يستهدف بالاساس تفكيك المنظومة الاقتصادية الموجودة الفاسدة وبناء منظومة جديدة تكون الدولة هي الفاعل الاساسي فيها.. من خلال مقاربات ثورية  تتم فيها مراجعة ثم هدم تلك العلاقات التي انتجت كل ازمات المجتمع ودفعت ابناءه للثورة  .. لان اكتفاء الدولة بالحياد تجاه المافيا الاقتصادية التي احتضنتها ووفرت لها الحماية اللازمة على مدى عقود ، فنمت داخلها حتى خرّبت جميع العلاقات في المجتمع وقادته الى الانهيار ، سيزيد من تغوّلها على الشعب في ظل ضعف الدولة .. وهو ما يحوّل ذلك الموقف الى جريمة في حق الشعب وتخلــّـيا عن اهداف الثورة التي قامت من اجل اعادة الامور الى نصابها ، وارجاع الحقوق الى اصحابها ، وعليه فان اول المطلوبين هم مافيات المال والاعمال الذين تقف تجاههم حكومة الثورة موقف الحياد !!!
باختصار شديد ان ازمة الحكومة الفعلية تتمثل في تعارض مرجعيتها الاصلاحية التي تعتمد على الحلول الترقيعية للواقع الفاسد برمته ، مع المهام الثورية التي طرحتها الثورة والتي لا تتحقق الا بالتغيير الجذري للواقع ..  والدليل هو ان تلك القوى التي تحاول الاضطلاع بمهام الثورة حاليا هي نفس القوى التي راهنت في السابق على امكانية التغيير في ظل النظام القائم عندما قبلت لعبة التباري معه في الانتخابات وقد ذهب بعضها الى ابعد من ذلك في بداية انقلاب 1987 الى التوقيع على الميثاق الوطني معتبرة ما حصل يوم 7 نوفمبر عهدا جديدا ، و مكسبا وطنيا ، وعلى هذا الاساس  قبلت التنافس معه في انتخابات 1989 .. و هو ما يكشف عن حقيقة عجزها منذ تلك الفترة عن قراءة المشهد السياسي قراءة صحيحة باعتبار ان ما حصل سنة 1987 كان انقلابا من داخل المنظومة الحاكمة ، وان طبيعة العلاقات داخل الدولة بقيت على حالها ، كما ان النظام القائم على الحكم الفردي المطلق، و نظام الحزب الواحد المسيطر على مفاصل الدولة ، بخياراته الاقتصادية والسياسية وعلاقاته المشبوهة بالقوى الاستعمارية ، لم تتغير ..
 والواقع ان مظاهر المرجعية الاصلاحية للاحزاب الحاكمة حاليا وغياب الافق الثوري تظهر في عدة جوانب :
 ـ أولا : تباطؤ الحكومة والمجلس التاسيسي في بعث المؤسسات الكفيلة بارساء آليات الانتقال الديمقراطي عمدا ، على غرار الهيئة العليا للانتخابات وهيئة الاعلام وهيئة القضاء ، من اجل منح الحزب الحاكم فرصة السيطرة على مؤسسات الدولة .. بدل الاسراع في وضع كل الضمانات لانجاح مسار الثورة والقطع نهائيا مع الاستبداد ..
ـ ثانيا : الاستعمال المفرط للشرعية التي تحولت في كثير من الاحيان الى وسيلة للاقصاء  معتبرين انها تكفي وحدها لتمنح الحكومة كامل الحرية والنفوذ  للتصرف في الشان العام ، وهو ما يستوجب - حسب رايهم -  التسليم بضرورة انهاء الاحتجاجات والتحلي بالصبر والانتظار لان الحكومة - حسب زعمهم - لا تمتلك الحلول السحرية  ، وهو ما يترتب عنه عمليا تجريم اي تحرك باعتبار انه تآمر على الحكومة و ضد الشرعية والقانون .. لذلك راينا اكثر من مرة الاستعمال المفرط للقوة كما حدث للمحتجين في مدينة سليانة ، و كل ذلك من اجل اقناع المواطن بضرورة الكـف عن الحراك الثوري المنتهـية شرعيته - في نظرهم - بانتهاء الانتخابات ... ولا شك ان هذا كله يتجاهل  حقيقة دامغة مفادها ان الشعب قد انجز ثورة قدّم خلالها ارواح الشهداء ، فهو الحجة اذن على الحكام وليس العكس .. اذ لو كان الصبر ممكنا ، لكان اولى ان يصبروا على النظام السابق ، فتفقد الثورة اي مبرر.. ثم تتحول عملية التضحية بالنفس الى عبث  .. لذلك تــُــعـتبر هذه الدعوات فاشلة ، لانها تستـند الى مقولات بالية ، ملّ الناس سماعها في العهد السابق ، وهي بالتالي بعيدة كل البعد عن واقع الثورة ، وتعتمد  اولا واخيرا على خلفية الفكر الاصلاحي الذي لا يميــّـز بين متطلبات التغيير  في ظل ظروف يقدر الناس على اصلاحها  دون اي كلفة يقدمونها كالتي قدموها في الثورة ، أي عندما يكون مجتمعهم  في حالة استقرار حقيقي  ، تتوفـر فيه ادنى شروط التنمية والمساواة والعدل بين الجهات ..  وبين واقع ثوري ضحى فيه الناس بارواحهم من اجل مطالب شرعيية لا يجب التوقف عن تحقيقها ، بعد أن شهد واقعهم حيفا اجتماعيا كبيرا ، وعمّـق الفوارق بينهم ونشر البطالة في صفوفهم  ، حتى ضجوا به ، وانتفضوا من اجل استرجاع حقوقهم  التي لا يستطيعون التفريط فيها لانهم دفعوا فيها ثمنا باهضا يساوي حياة ابنائهم ودماءهم .. وهو ما يعبر عنه بالشرعية الثورية التي ستظل تواجه اي شرعية انتخابية لاي حكومة ..
ـ  ثالثا : تعامل الاطراف الحاكمة مع نتائج الانتخابات كغنيمة ، من خلال التنافس الشديد على المناصب وما تبعها من صراع داخل تلك الاحزاب  ادى في الغالب الى انقسامها وتفككها ، وهو دليل على العمل بنفس العقلية والاساليب التي كانت سائدة قبل الثورة ، والبعيدة كل البعد عن النهج الثوري الذي لا يجب ان يعتمد على المحاصصة او الولاء الحزبي ، بل بالاعتماد على الكفاءات الوطنية من خلال التوافق بين جميع الاطراف الفاعلة في المجتمع ، لعبور المرحلة الانتقالية بسلام .
ـ رابعا : تعامل الحكومة بنفس الطريقة في العلاقات الخارجية سواء من خلال الاستعطاف والبحث عن استرضاء اطراف لا تبحث الا على الهيمنة وخدمة مصالحها ، او من خلال الاصطفاف وراء قوى اقليمية كما حدث في الشان السوري تحت ذريعة مساندة الثورة  ، وهو ايضا نهج بعيد كل البعد عن النهج الثوري الذي ثبتته ثورة 17 ديسمبر برفضها لمحاولات التدخل الفرنسي خلال اعتصام القصبة ..
ـ خامسا : اسلوب التعاطي مع مشاكل التنمية الذي يؤكد بكل وضوح هذا النهج الاصلاحي للاحزاب الحاكمة في كل خطوة تتخذها الحكومة ، وذلك بالمراهنة على نفس الخيارات الاقتصادية القائمة على الخوصصة والتفويت في الممتلكات العامة ، والارتباط بالراسمال الاجنبي من خلال اتفاقيات الشراكة ، والاعتماد الكلي على القروض الاجنبية ، وترغيب المستثمرين باعفائهم من الضرائب ، ودون مطالبتهم باي التزامات تجاه العمال الذين يقع استغلال حاجتهم الى الشغل فيتم تشغيلهم بابخس الاجور .. الى جانب استبعاد الدولة من اي دور ايجابي  في ظل غياب كلي وممنهج للقطاع العام .. وهي نفس الخيارات التي ادت في السابق الى البطالة وتفشي الفساد و لتهميش .. في حين تقتضي عملية التغيير مراجعات عميقة ومقاربات جديدة تهدف الى التغيير الجذري الذي يتجاوز مجهود الافراد حتى وان كانوا عباقرة كما يتجاوز مجهود الاحزاب حتى وان كانت منتخبة ، لان الدولة  ستجد نفسها في مواجهة القوى التي لا تريد التغيير ، وستكون في حاجة – وقتها -  الى اوسع قاعدة جماهيرية لا تستطيع تجميعها حولها الا بالتوافق والتشاور والمشاركة الفعــّــالة بين جميع الاطراف الفاعلة في المجتمع .. ولعل من اهم الخطوات التي كان يجب اتخاذها تتمثل في الانحياز التام لعامة الشعـب وفئاته الضعيفة وهي الوسيلة الوحيدة التي تؤدي لالتفاف هؤلاء حول الحكومة ودعمها وحمايتها عندما يشعـرون فعلا انها تحميهم ، وذلك لا يتحقق الا بالمراجعات العميقة التي يجب ان تطال جميع المجالات منها :
1 ـ تركيز الاهتمام بصفة خاصة على قطاع الفلاحة سواء فيما يتعـلق بمجال اراضي الدولة التي مـُـنحت في العهد السابق للخواص او في مجال العناية و لتشجيع للفلاحين الصغارالذين تجاهلتهم تماما ، للرفع من مستوى الاتاج .
 2 ـ اعادة هيكلة القوانين الخاصة بنظام الضرائب الذي وقع ضبطه في العهد السابق  لنهب المواطنين في حين يمكـّـن رؤوس الاموال من التهرّب الجبائي المفضوح .
 3 ـ الكف عن بيع اسهم الدولة وممتلكاتها مع التفكير في بعث استثمارات خاصة بها ولو باعتماد القروض بدل استعطاف المستثمرين .
4 ـ محاربة الاحتكار والتهريب من خلال اصدار القوانين الزجرية الرادعة ، وسيطرة الدولة على  تخزين وترويج المنتوج .
5 ـ تنظيم التبادل التجاري للتحكم في ظاهـرة الاسواق الحرة الاستهلاكية المفتوحة على الخارج  والتقليل من اهدار العملة مع التشجيع على الانتاج المحلي في نفس المجالات لخلق مواطن الشغل .
6 ـ اعادة هيكلة دوائر المراقبة وتفعيلها سواء من حيث الانتشار او من حيث القوانين  .
7 ـ سيطرة الدولة على التصدير والتوريد للتحكم  في قوانيني العرض والطلب التي تنعكس مباشرة على الاسعار .
8 ـ سيطرة الدولة على المجالات الحيوية سواء في مجال الاغذية الاساسية اوالعلف والبذور والادوية لضرب الاحتكار والمضاربة في هذه المجالات ، حتى تنقص الكلفة على الفلاح ، فيجد فرصته في الربح المعقول وتنخفض اسعار السلع على المواطن . 
9 ـ تحوّل الدولة من موقع الحياد الذي يستفيد منه المستغـلـّـون الى موقع الانحياز الى عامة الشعـب من خلال التخطيط   والسيطرة على المجالات التي تؤدي الى الاستغلال ، مع توجيه الاقتصاد الوطني  تدريجيا بشكل مدروس نحو المجالات الانتاجية الفعالة وبالخصوص في مجال التصنيع الذي سيكون الى جانب الاستثمار الفلاحي قادرا على حل مشاكل البطالة على المدى القريب والبعيد ..
10 ـ اعادة النظر في المنظومة الصحية سواء في ما يتعلق بالعلاقة بين الخواص والقطاع العام او في مجال التغطية الاجتماعية والصناديق المتكفلة بها لانتاج منظومة صحية اجتماعية يتوفر فيها الحد الادنى من مستلزمات الصحة للجميع .
11 ـ اعادة النظر في المنظومة التعليمية سواء فيما يخص المضامين والبرامج والعلاقة بين التعليم والبحث العلمي والتشغيل او في ما يخص علاقة القطاع الخاص بالقطاع العام ، لانتاج منظومة تعليمية اجتماعية ..
12 ـ مراجعة منظومة التشغيل الهشة في القطاعين العام والخاص من خلال اعادة النظر في التوجيه الجامعي العشوائي الذي يؤدي حاليا الى تخريج جيوش من العاطلين الغير متخصصين  ، ومراجعة منظومة القوانين المتعلّقة بالشغل والتي وقع صياغتها في السابق بما يضمن مصالح  رأس المال المستغل .. مع  مراجعة لمقاييس الانتداب ، وظروف العمل لكثير من القطاعات المهمشة مثل عمال المناولة .. وعمال الحضائر .. الخ .. الى جانب محاربة كل مظاهر الاستغلال الفاحش للعمال كالاجر الزهيد والساعات الغير قانونية وعدم الالتزام بالتغطية الاجتماعية والصحية ، وغياب القوانين التي تحميهم من الفصل التعسفي ، او تضمن لهم التعويضات ، مع تمكينهم من حقوقهم في تخفيض ساعات العمل ، والتقاعد ، والراحة الاسبوعية  ، والغاء قانون الشغل التعاقدي وتعويضه بالانتداب الخ ...
وفي النهاية فان هذا الرأي او غيره لن يكون له قيمة الا حينما يدورالجدل الاجتماعي الخلاق  ... وتعلو راية الحوار والتوافق .. وتلك حتمية قاهرة تقهر الصراع فتقصيه او تنهيه تماما ..
 أما اذا حدث العكس بتعطيل قانون الجدل ، فتصبح تلك الحتمية مقهورة ، وتفضي وقتها لقيام الصراع ..
لا حيلة لاحد في ذلك ، و تلك حتمية قاهرة جديدة .. 
 
 ( نشرية القدس عدد 50 ) .

بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان : اي انسان يقصدون ,,؟

بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان : اي انسان يقصدون ؟

يوم 10 ديسمبر من كل عام هو اليوم الذي اختارته الامم المتحدة  للاحتفال  باليوم العالمي لحقوق الانسان ، تكريما للقرار الذي اتخذته الجمعية العامة للامم المتحدة  الصادر يوم 10  ديسمبر 1948 حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .. و هو في بعده الانساني يعتبر قرارا تاريخيا لما يحمله من اهداف نبيلة ترفع عن الانسان الظلم و القهر مهمى كان نوعه .. غير ان المتتبع لما يجري في الواقع الدولي  سرعان ما تظهر له العديد من المتناقضات التي تجعل الانسان يتساءل بجدية  : عن أي انسان يتحدثون ؟ فهل حقوق الانسان العربي في العراق التي وقع انتهاكها بابشع الطرق في سجن ابو غريب بعد الغـزو الامريكي يشملها هذا القرار ؟ و هل حقوق الانسان في فلسطين التي يـقـتـل اهلها بالغازات السامة كالحشرات ، وتدهسهم العـربات أو تلاحقهم الطائرات لتفجـّر اجسادهم اشلاء  يشملهم القرار العالمي لحقوق الانسان ؟


 ( نشرية القدس عدد 50 ) .

سايكس بيكو الثورة العربية ..

" سايكس بيكو" الثورة العربية ..

ان المتأمّل في جغرافيا " الثورة العربية " التي انطلقت من تونس ثم اتجهت الى مصر واليمن ، وكادت أن تغـمـر كل الساحات العربية فعلا ، يستطـيع ان يلاحظ  دون عـنـاء ما يجري طبخه للمنطقة بعد ان اندلعت فيها ثورات حقيقـية على الاستبداد والتهميش والظروف المعـيشية السيئة التي يعـيشها المواطن العربي في كل الاقطار .. لكن القوى الكبر التي ظلت على مدى عقود تعمل على واجهتين لتحقيق أهدافها : وهما دعم الانظمة العميلة الشريكة معها في نهب الثروات من جهة ، وتغذية الصراعات الطائفية والعـرقـية لتفتيت الامة واضعافها من جهة ثانية ، استيقضت  ذات يوم على هدير الثورة في تونس ، وقادة تلك الدول عاجزة حتى عن اصدار التصريحات ، متذبذبين بين موقف الدعم للثورة  او الدعم للنظام المتهاوي .. غير أنهم بعد نجاح الثورة الام ، استوعـبوا الدرس جيدا و تـنبـّـهوا للخطر المحدق بهم من كل جانب ، اذ سرعان ما بلغـت ارتدادات الزلزال الذي اطاح باعـتـى نظام ديكتاتوري في الوطن العربي ، لتبلغ جحور الافاعي في الخليج العربي ، في البحرين واليمن .. فلم يكن امام القوى الاستعمارية والرجعـية التي تهددها الثورات ، الا خيارين : اما ايقاف هذا التيار الجارف من خلال دعم الانظمة ، او ركوب الثورات من خلال دعم قوى بديلة لها تكون  مستعـدة للعـب نفس الدور.. و لما كانت تلك الدول تدرك ان الانظمة قد فقدت  شرعيتها و لم تعد المراهـنة عليها تجدي نفعا ، كان الخيار الثاني المتمثل في الانحراف بالـثـورات عن اهدافها مثلما حصل في تونس ومصر ، ثم استغلال تلـك الاوضاع لـزعـزعة استقـرار بعض الدول على خلفية مواقـفها الممانعة والرافضة للهيمنة الغربية ، و الصلح مع اسرائيل ، فكان أولا السيناريو الليبي الذي فرضه حلف النيتو ، ثم السيناريو السوري الذي لعبت فيه كل من قطـر والسعودية وتركيا الدور الاكبر بمعاضدة اميركية وغربية .. حيث مكنهم ذلك من وضع ليبيا تحت الانتداب المقـنّع من جديد .. ثم  التفـتوا الى سوريا لدفعها للحرب الاهلية التي تؤدي الى تفتـيتها وتقسيمها الى دويلات طائفية بعد ان يقع تدميرها نهائيا لفائدة المشروع الصيوني والامريكي ..
باختصار ان الدول الاستعمارية التي قسّمت الوطن العربي سنة 1916 في مشروع سايكس بيكو الذي قام على القطرية  في ذلك الوقت ، قد ركبت الثورات العربية لتجزئة المجزء على اسس طائفية وعرقية وقبلية متخلفة .. انها اذن سايكس بيكو جديدة تخدم اعداء الامة وتـتـزعـّـمها  الرجعـية ..


 ( نشرية القدس عدد 50 ) .

الأحد، 9 ديسمبر 2012

في ذكرى الانتفاضة الاولى : ارقام تبيّن حجم التضحيات ..

في ذكرى الانتفاضة الاولى : ارقام تبيّن حجم التضحيات ..

ارقام رهيبة تبين حجم المعانات و التضحيات لابناء شعبنا في فلسطين الذين يقاتلون نيابة عن الامة العربية باكملها   و قد قدّموا قوافل من الشهداء الابرار الذين رووا بدمائهم الزكية ارض فلسطين ..
انطلقت انتفاضة الحجارة في 8 ديسمبر و لم تهدأ الا في 1993 عندما اتـّــجه فريق في منظمة التحرير الى المفاوضات مع العدو ،  والتي افضت الى اتفاق اوسلوا و ما تلاه من معاهدات " السلام " الكاذبة مع الكيان الغاصب  ..
قـــُدّرت حصيلة الضحايا الفلسطينيين الذين قضوا على أيدي القوات الصهيونية أثناء انتفاضة الحجارة الاولى بحوالي 1162 شهيدا ، بينهم حوالي 241 طفلا  ونحو 90 ألف جريحا ومصابا و 15 ألف معتقلا ،  فضلاً عن تدمير ونسف 1228 منزلاً، الى جانب اقتلاع 140 ألف شجرة من الحقول والمزارع الفلسطينية ..

وقد بلغ العدد الجملي للاسرى حوالي 60,000 أسير فلسطيني من القدس والضفة والقطاع وعـرب الداخل في اراضي 48 بالإضافة للعديد من الأسرى العرب .

 ( نشرية القدس عدد 49 ) .

الفعل يدل على فاعله ..

الفعل يدل على فاعله ..    

نحن شعـب تمثـل فـيه نسبة البطالة والفقـر والامية والحرمان والتهميش نسبة عالية في جميع انحاء البلاد .. ولعل ارتفاع نسبة الامراض مع العجـز على شراء الادوية ، وانتشار ظاهـرة التسوّل في الشوارع وتفــشـّي الرشوة ... والسرقات ..الخ ، تمثل اكبر الادلة على الاحتياج  والخصاصة التي يجد فـيها كل متتبّع للوضع في تونس ، مبررات حقيقية ، الى جانب الاستبداد ، لتكون بلادنا مهد الثورات في الوطـن العـربي والعالم الثالث بشكل عام .. وعليه فان اي حكومة تاتي بعد الثورة وتـفـشل في حل تلك المشاكل ولو بشكل جزئي ، هي حكومة منـتهـية موضوعـيا مهما كان لونها .. وقد يصبـر عليها الناس الى حين ، لكن يستحـيل ان يطول ذلك الصبر .. كما انه من المجحف واللامعـقول ان يُـطلب منهم ذلك الطلب الذي هو فوق طاقـتهم .. وقد لا يجدي المسؤولين نفعا تخوين كل اولائك المعدمين واتهامهم بالتآمر او حتى بالغـباوة لان اطراف تصطاد في الماء العكر تحرّضهم .. اذ وقـتها يكون على المسؤولين ان يعملوا على سحب البساط من تحت اقدام " المخرّبين " عملا بالمثل القائل :" بدل ان تلعـن الظلام اوقد شمعة "... وترجمته في الواقع ، ان يسأل كل مسؤول نفسه كل يوم : هل حقق المطلوب ام انه يبيع الاوهام للناس ؟ .. فبدل ان يغتاض مثلا من المطالبين بحقوقهم عن طريق التظاهر والاحتجاج السلمي ، ويبـعث لهم قواة الامن محملة  بـ "الرّش " فيشوّه اجسادهم ، عليه ان ينتقل اليهم على عين المكان ،  ليحاورهم ويستمع الى همومهم ، اقـتداء بالمقولة الشهـيـرة  لعمـر بن الخطاب : " لو عـثرت بغـلة في العراق لسألني الله تعالى عـنها : لماذا لم تمهد لها الطريق يا عمر ؟ " ... وسواء في النحو او في السياسة فان الفعل يدل دائما على فاعله ...

 ( نشرية القدس عدد 49 ) .

الأحد، 2 ديسمبر 2012

اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني : يوم للتضامن وبقية الايام للتآمر ..

اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني : يوم للتضامن وبقية الايام للتآمر ..

يوم 29 نوفبر من كل عام هو مناسبة اختارتها الامم المتحدة تحت اسم التضامن مع الشعب الفلسطيني للتذكير بقرار التقسيم رقم 181 الصادر في ذلك اليوم من عام 1947 و الذي افضى بعد تلاعب كبير بين الدول العظمى الى تقسيم فلسطين الى ثلاث أجزاء : جزء للصهاينة و جزء للعرب و جزء تحت الحماية الدولية يضم القدس ...
و الغريب في الامر ان الامم المتحدة التي تحـتفل كل عام بهذا القرار و تذكّـر به ، تقف عاجزة عن تنفيذه منذ اكثر من ستين عام ، وهي التي سرعان ما تثور ثائرتها عندما يقع اي تجاوز  من الجانب العربي ، في حين لا تحرك ساكنا امام الجانب الصهيوني رغم عدم اعترافه بكل القرارات التي اصدرها المجتمع الدولي زيادة عن  ارتكابه لعشرات المجازر ، وهو ما يؤكد انحياز الامم المتحدة    و تآمرها و اتباعها لسياسة الكيل بمكيالين التي تفرضها القوى العظمى بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ...


 ( نشرية القدس عدد 48 ) .

اغتيال حشاد ..


اغتيال حشاد ..

لم يكن فرحات حشاد مجرد قائد نقابي  يدافع عن مصالح العمال الذين تضطهدهم الحكومة الفرنسية ، بل كان زعيما وطنيا يدافع عن استقلال وطنه بكل الوسائل المتاحة للمقاومة ، اذ كان في نفس الوقت يتصل بالنقابات العمالية في جميع انحاء العالم لكسب التاييد وفضح السياسة الاستعمارية كما كان يحشد صفوف العمال في الداخل للتمرد و الرفض عن طريق العصيان و شن الاضرابات  .. و قد وصل التصعيد ذ روته  سنة 1952 عندما فشلت المفاوضات حول الاستقلال واتبعت فرنسا سياسة التركيع بالقوة وشن حملات الاعتقال فبدأ حشاد في تنظيم صفوف العمال للمساهمة في المقاومة الشعبية المسلحة ..  
وممّا زاد في تضايق السلطات الفرنسية ودفعها للتفكير في اغتيال حشاد هوالتزامه بقضايا شعبه ، وصلابة مواقفه وقدرته الفائقة على كسب ثقة العمال والمناضلين  في الداخل ، الى جانب نشاطه على المستوى العربي والعالمي ،  حيث تمكن  من اكتساب العضوية في الاتحاد الدولي لاتحادات العمال وصار يحضر المؤتمرات العالمية ، كما كان يشجع على قيام اتحادات عمالية في كل من الجزائروالمغرب وليبيا لتوحيد جهود العمال وتفعيل المقاومة  ..

لقد مات حشاد شهيدا لكنه بقي حيا في ضمير ووجدان شعبه الذي تعلم منه معآنى التضحية والولاء الحقيقي للوطن والشعب الذي ظل يذكره فيتذكـر مقولته الشهيـرة " احبك يا شعب " التي يجب ان تبقى شعار الجميع و بوصلتهم للتحقيق الاهــداف التي ناضــل من اجلها حـشاد في الحــرية والشغـــل والكرامة الوطنية لكافة ابناء الشعب .. 


( نشرية القدس عدد 48 ) .