بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

الشهيد البطل صدام حسين في ذكرى استشهاده ..


الشهيد البطل صدام حسين في ذكرى استشهاده .. 

في مثل هذا اليوم ، الثلاثين من ديسمبر سنة 2006 ، فجر عيد الاضحى المبارك ، اقتيد الشهيد البطل صدام حسين المجيد لتنفيذ حكم الاعدام شنقا .. حيث اثلج صدور محبيه من المحيط الى الخليج - رغم اللوعة والاسى في ذلك اليوم المفضل - حين ظهر وسط الاقزام  يزأر في وجوههم كالاسد .. وقد رفض الى آخر لحظة أن يخفي وجهه بقناع أسود كما كان الجبناء يفعلون من حوله ..
سُمّي صدام بصقر العرب ، لانه بقي وحده أكثر من عقدين يقاوم الاعداء ، وبقية الانظمة مستسلمة ، تدسّ رؤوسها في الرمال وهي ترى ثرواتها منهوبة وكرامتها مسلوبة .. في حين رفض صدام ذلك الذل و الهوان ولم يطأطأ رأسه للجميع ..
عاش صدام ثائرا مدافعا عن العروبة ، وهو أول حاكم يقصف تل أبيب بالصواريخ العراقية : العباس والحسين ..

دافع عن البوابة الشرقية للأمة العربية و ودول الخليج ضد ايران وأطماعها في الهيمنة والتوسع ، لكن جميع الحكام خذلوه ووقفوا الى جانب الامريكان في عدوانهم منذ 1990 خلال حرب الخليج الاولى وحتى احتلال بغداد في 2003 ..

رفع صدام شعار العروبة ، والوحدة  وبقي على ذلك العهد حات مات سنة 2006 ، حيث رفض كل المساومات من أجل الاستسلام ، وقد كان بامكانه أن يعيش أفضل من كل الحكام لو باع مبادئه وقبل تلك المساومات ..

قال لقاضي المحكمة الذي وقع تعـيـيـنه لمحاكمته : تـتـذكر لما عفـيـت عنك لما كان محكوم عليك بالإعدام ! فارتبك القاضي خلال الجلسة .. ثم وقدّم استقالته لاحقا ...

حينما قررت امريكا فتح سفارة بالعراق قام صدام بتسمية الشارع المقابل للسفارة بشارع فلسطين ليُجبر الأمريكان على كتابة اسم فلسطين في مراسلاتهم ، من وإلى السفارة كما قام بتسمية الشارع الذي يقع خلف السفارة الامريكية  بشارع القدس  .

 قال لقاضي المحكمة : يا علوج إحنا الموت تعلمناه في المدارس ، كيف نخاف منه بعد هالشيـبات ..  !!

قال لسوريا و لبنان اعطوني حدود بلادكم أسبوعا و سأحرّر فلسطيـن  ..

قال للحكام العـرب : أنا أعدمتني أمريكا ولكن أنتم ستعدمكم شعوبكم ..

مات صدام واقفا شهما ، رافعا راسه ، رافضا نقاب الموت الذي قـُـدّم له ، وتقدم الى حبل المشنقة وهو يردّد عاشت العروبة  عاشت فلسطين ، الموت لأمريكا ، الموت لاسرائيل ..
لقد كان صدام حسين رجلا مؤمنا ، صادقا ، لذلك لم يفارقه كتاب الله طوال محـنـته .. فلم ينس وهو يقف لحظاته الأخيرة أمام الموت أن يطلق الشهادة ، ثم يكررها قبل ان يهوي على الارض ..
رحم الله شهيد الامة .. والمقاومة .. والعـزة و الكرامة العربية ..

والمجد والخلود للشهداء الابرار ..

( القدس عدد 104 ) . 

عام جديد .. بطعم قديم ..

عام جديد .. بطعم قديم ..

اليوم نرقـب أفول هذا العام الثـقـيـل .. عام المآسي والاغـتـيـالات وفقدان الاحبة والـزعماء ..
لذلك لم تكن سنة 2013 بطعم الثورة التي تذوقـناها سنة 2010 و 2011 ، ولم تكن بروحها التي دبت في شارع بورقيبة ، وفي كل ساحات البلاد .. كما لم تكن برائحة أريجها الذي انتشر في كل بيت ، فانتشى به كل الحالمين ..
واليوم يستعـد عام أخواني للرحـيل ، فتراه يجمع بقايا أحـزان ،  لأنه مجـبـر على ألا يترك أي أثر للخـيـبة والفشل ..
وغدا تغـرب شمس عام حزين موشح بالسواد ، فـنذكر - في كل آن وفي كل حين - كل المصائب والخيبات ..
غدا سيسافر بلا رجعة تحت جنح الظلام .. لكنه أبى الا يفارقـنا دون أن يحوّل نواياه السيئة الى نقمة على المستضعـفـيـن ..
هكذا ظهر قبل آخر ليلة ، مضطربا ، متأبطا شره كأنه يريد الانتقام ، بعد أن تلقى ما يكره قبل أن يتم الرحيل ..
ألم يترك لنا تلك الميزانية المحبطة للآمال ، في الوقت الذي تتطلع فيه كل فئات الشعـب لرسائل الاطمئنان والامل .. فاين نحن من كل هذا ، وبين أيدينا ميزانية 2014 الفاقدة للسند والموارد ، المستهدفة للقدرة الشرائية للمواطن ،المثقلة لكاهله بالضرائب ، المعوّلة على القروض، المجمّدة للتشغـيل، والمعـلِـّبة  للكرامة في صناديق النهب والسرقات ..
فأي طعم لهذا العام الجديد والحال أن كل ما في أحشائه قديم سقـيم .. ؟
فساد قديم ، وقهر قديم ، واستغلال ، ونهب ، وتهميش  ، وزيف قديم .. وفوق هذا ما لا يُحتمل ولا يطاق من استـئثار بالمنافع ، الى فوضى أمنية وألغاز محيّـرة ..
وفي المقابل حمار واقف على عتبة الشيخ .. ودهاء ، ومناورة وتلاعـب بالوقت ، وركض وراء السّراب ..  حتى وقع الناس في دوامة الاستنزاف والملل واليأس والسلبية .. لتمرير دستور التمكين ..
غدا سيخرج من عالمنا عام قديم ..  وسنستقـبل عاما جديدا بكل فـتـور ..
لكننا حين ينبلج صبح جديد .. ستكبر أحلام كثيرة بين الضلوع .. وسيبقى في العـيون البريئة بصيص الأمل ..
ومهما خفنا  بأن تتعـب الامنيات .. فلا بد أن يستمر نبض الحياة ..  ولا بد أن تـُـكـسر كل القـيـود ..



( القدس عدد 204 ) . 

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

الأحواز .. الأرض العر بية السليبة ..

الأحواز .. الأرض العر بية السليبة ..


لم تكـن تسمـيـة الخـليـج العـربـي مصادفة ، أو مجــرد ادعاء ، بل لان شعـبا عربيا بأكمله يعيش على الضفة الثانية لمياه الخليج ، هو شعب الاحواز ، الذي يتعرض للاحتلال والتفريس ، منذ سنة 1925 ..
وقد استقـرت قبائل عربية كثيـرة منذ ما قبل الاسلام على تلك الارض منها بنـو ربيعـة وبنو بكـر، وبنو مالـك وبنو تميم ، وبنو لخـم وتغلب ، الى أن جاءت الفتوحات العربية الاسلامية فأصبحت الاحواز تابعة لولاية البصرة ..
  تعرضت الاحواز للاطماع الفارسية بسبب ثرواتها النفطية والطبيعية الاخرى ، وبسبب أراضيها الخصبة ، وموقعها الجغرافي المطل على طول مياه الخليج ..  لذلك شدّدت ايران على أهلها بالقمع والتنكيل والتعذيب والاعدامات ، محاولة اخضاعهم .. كما استعملت معهم العديد من الوسائل لطمس هويتهم القومية  مثل منع اللغة العربية ، وتغيير اسماء المدن والقرى والشوارع الى جانب فرض اللغة الفارسية على السّكان ، واجبارهم على تغـييـرعاداتهم ، وحتى معتقداتهم الدينية ..
والواقع فان تلك المحاولات قد باءت أغلبها بالفشل ولم تثن سكان الاحواز على الصمود لمقاومة الاحتلال من خلال المحافظة على هويتهم العربية الاسلامية ، وخوض نضالاتهم في الداخل والخارج ، رغم ما يبديه العرب من تجاهل لقضيتهم التي لا تقل في أهميتها عن قضية فلسطين  ..


 ( القدس عدد 203 ) . 

خطير : ماذا يعني الاحتفال بالهلوكوست في تونس ..؟؟

خطير : ماذا يعني الاحتفال بالهلوكوست في تونس ..؟؟


تهجـيـرالعـرب سنة 1948 .   
                                                                       
 الهـولوكوست أو ما يعـبّـر عـنـه بالمحـرقة اليهـودية ، قـد   تحتوي على حقائق تتعلق بتعذيب اليهود أو قتلهم وارتكابمجـازر بشأنهم خلال حقـبة الحكم النـازي .. وقد يكون هذا مدعاة لتذكر تلك المعاناة ، غيرأن المغالطة تبدأ منذ البداية باخفاء الويلات التي تعرض لها العرب الفلسطينيون حـيـن كان اليهود يفرّون من المحـرقة النازية ، ليُـشعـلوا محرقة في فلسطين .. بل أن المحرقة العـربية على أيدي الصهاينة  قد بدأت منذ بداية القـرن الماضي على يد عصابات لا تقـل بشاعة ودموية في اساليبها عن الاسالـيـب النازية .. وقد نشأت العصابات الصهـيـونية قبل مجئ النازية نفسها ، على يد المجـرمين الاوائل الذين لا يقـلون حقــدا وكـراهـية للانسانية عـن هـتـلـر والقادة النازيين .. وقد كانت عصابات مثل الهاغانا في العشرينات ، والارغون وفي الثلاثينات والشتيـرن في الاربعـينات ، هي العصابات التي قادت الحملات ضد العـرب وارتكـبت ضدهم ابشع المجازر ، وقـتـلت اطفالهم ونساءهم مستعملة معهم كل انواع الترويع حتى لا يفكروا في البقاء في بيوتهم ومزارعهم .. كما تحولت تلك العصابات جميعا  لتكوين الجيش الصهيوني بعد قيام دولة اسرائيل سنة 1948 ، المسماة الى الآن بدولة العصابات الصهيونية .. 
ولعل احياء ذكرى الهولوكوست من طرف جهات يهودية عربية ، تدعمها  جهات رسمية كما حدث سنة 2011 في جامعة الاخوين بالمغـرب التي شهدت تنظيم ندوة حول الموضوع بمشاركة جمعـية كـيـفونيم الصهـيونية مع حضور العـديـد من الجامعـيـيـن والسياسيـيـن الصهاينة ، يأتي في اطار ترويج مثل هذه المغالطات ، وتضليل الراي العام العـــربي  والدولي ، الى جانب التستر على جرائم الصهاينة الذين يظهرون في تلك الفترة كضحايا مساكين تكرههم الشعوب الاخرى وتريد التخلص منهم ، .. والحال أن تخطيط العصابات الصهيونية للاستيطان في فلسطين قد بدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر حين ظهرت للعالم نواياهم منذ سنة 1987 في مؤتمر بازل بسويسرا الذي تقرر فيه استهداف فلسطين كوطن قومي لليهود .. أي قبل مجيئ النازية والمحرقة اليهودية بأكثر من خمسين عام .. !!
 ان الخطير فعلا في هذا كله هو تعويد الناس على النشاط اليهودي وكسب تعاطفهم ، وجلب الصهاينة للحديث معهم  كمدخل لقبول التعايش والحوار وصولا الى قـبول التطبيع !! في حين لا أحد من هؤلاء العـرب - المتباكين على المحرقة - يذكر بأن ما حصل لليهود في أوروبا لا يستحق تعويضا في فـلسطيـن .. وهم ان كانوا لا يزالون على ولائهم لاوطانهم وأمتهم ، يجب أن يعلنوا صراحة رفضهم للوجود الصهيوني ، ويدينوا كل المجازر الصهيونية في فلسطين منذ العشرينات .. فضلا عن الحملات العسكرية  التي اقامتها اسرائيل حديثا تحت عدة مسميات مثل"رياح خريفية " في 2005 و" الحديد البرتقالي" في 2004 و" سيف جلعاد " في 2006 و" أمطار الصيف" في 2006 و" الشتاء الساخن " في 2008 و" الرصاص المصبوب " في 2008 .. وهي المجازر الصهيونية التي فاقت في بشاعـتها المحرقة اليهودية ، كما راح ضحيتها اضعاف ما سقط من اليهود خلال الفترة النازية ..

( القدس عدد 203 ) . 

الحرية وحقوق الانسان ..

الحرية وحقوق الانسان ..

الحرية مطلب انساني ضحّى من أجلها الكثيرون ، ودفع في سبيلها آخـرون حياتهم .. فصدق من قال أن : " الحرية تفـتـك ولا تعطى " وأن " لا حرية بدون أحرار"  .. والحرية بكل هذه المعاني جعـلت عمر بن الخطاب رضي الله عـنه يطـلق قولته الشهـيـرة منذ ما يزيد عن 14 قرنا : " متى استعـبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " ..
ولذلك فان الدفاع عن حقوق الانسان ارتبط بشكل مباشـرمنذ وجـوده  بالدفاع عـن الحـريات ، وحمايتها بقطع النظـرعـن الجـنس أو الـلـون ، أو العـرق .. وهو ما جعـل فكـرة الحرية تتحول الى مضامين عـيـنـية تـتـوحّد  حولها الانسانسة كافة ، وتعـمل على التصدي لأي نوع من الانـتهاكات ..
غـيـر أن  للحرية معـنا آخر يجعـل من دعاة حقوق الانسان في المجتمعات المتخلفة يفقدون مصداقـيتهم ، وتجعل مسألة الدفاع عن حقوق الانسان رغم أهميتها فارغة من اي مضمون ..
ولعل ما يجري في تونس يكون مثالا صادقا على ذلك .. اذ أن المواطن الذي لم يعد يعاني مثلا من المضايقات بسبب افكاره ، يصبح في نظر المدافعـيـن عن حقوق الانسان حـرا .. وهو ما يعـتـقده رئيس الدولة الرجل الذي ارتبط اسمه بحقوق الانسان منذ عقـود .. كما يمثل المفهوم السائد  للحرية لدى الاحزاب الحاكمة أيضا ، التي ترى في حرية الرأي وحرية التعـبير ،  مكسبا يغـني في حد ذاته عن اي مطلب آخـر ..
بينما لا يقولون مثلا ما قيمة الحرية بالنسبة لمن هم محرومين من الشغل ؟ اولائك الذين لا يقدر الكثيرون منهم على توفـيـر ابسط المستلزمات الحياتية ، فـيعـيشون عالة على ذويهم ؟ وما  قيمة الحرية بالنسبة لمن هم بلا مؤوى لائق بسبب فـقــرهم وعدم قدرتهم على توفـيـر تلك الاحتياجات ؟ وما  قيمة الحرية ، حرية التفكـيـر أو حرية الرأي والتعـبـيـر ، بالنسبة لمن هم لا يقدرون على توفـيـر الغذاء الضروري لابنائهم المحتاجين ؟ وما قيمة الحرية بالنسبة لمن هم لا يقدرون على توفير الدواء اذا مرضوا ، أو على توفـيـر الغطاء اذا شعـروا بالبرد ، أوعلى توفير مستلزمات التعليم حتى لا ينقطع ابناؤهم عن الدراسة ..
؟ ما قيمة الحرية في ظل هذا الوضع الذي يجعـل المجتمع  مشلولا يخوض فيه أبناءه صراعا مريرا من أجل الوجود .. ؟ ألا يمثل كل مطلب من تلك المطالب حقا أساسيا من حقوق الانسان ..؟


( القدس العدد 103 ) . 

الاثنين، 23 ديسمبر 2013

الثورة والسلم الاهلي ..

الثورة والسلم الاهلي ..

لقد كانت الفتن الطائفية التي ظهرت قبل ثورة 25 يناير بين المسيحيين والمسلمين ملفتة للانتباه حيث ساهم الاستبداد والحيف الاجتماعي والعنصرية التي كان ينتهجها نظام مبارك مثيرة لمخاوف المواطنين في مصر .. غير ان تفاقم هذه الصراعات بعد الثورة واتساع رقعـتها حتى وصلت الى افتعال صراع شيعي - سني ، لم يظهر حتى في عصر النظام المخلوع ، قد اثار تساؤلات أكبر حول طبيعة نظام الاخوان الذي انجر دون مبرر للاصطفاف وراء صراعات اقليمية تدور رحاها في لبنان و العراق و سوريا بدوافع حزبية ضيقة ودون تقدير للمصلحة الوطنية .. وفي هذا الاطار نورد هذا النص للكاتب عمرو صابح يبين فيه سر الاستقرار زمن ثورة يوليو : " سأل جمال عبد الناصر البابا كيرلس السادس عن عدد الكنائس التي يرى من المناسب بناؤها سنويا، وكان رد البابا (من عشرين إلى ثلاثين)، وكان الرئيس عبد الناصر هو الذي أمر بأن يكون عدد الكنائس المبنية سنويا خمسا وعشرين كنيسة، وأن يكون التصريح بها بتوجيه من البابا نفسه إلى الجهات الرسمية. وعندما طلب البابا كيرلس السادس من الرئيس عبد الناصر مساعدته في بناء كاتدرائية جديدة تليق بمصر، وأشتكى له من عدم وجود الأموال الكافية لبنائها كما يحلم بها، قرر الرئيس عبد الناصر على الفور أن تساهم الدولة بمبلغ 167 ألف جنيه في بناء الكاتدرائية الجديدة، وأن تقوم شركات المقاولات العامة التابعة للقطاع العام بعملية البناء للكاتدرائية الجديدة كما أنه بناء على أوامر الرئيس جمال عبد الناصر كان يعقد اجتماع أسبوعي كل يوم اثنين بين السيد/ سامي شرف - وزير شئون رئاسة الجمهورية – والأنبا / صمويل - أسقف الخدمات وسكرتير البابا - لبحث وحل أي مشاكل تطرأ للمسيحيين . كما أولى الرئيس جمال عبد الناصر اهتماما شديدا بتوثيق العلاقات بينه وبين الإمبراطور هيلاسيلاسى حاكم الحبشة (أثيوبيا) مستغلا في ذلك كون مسيحيي أثيوبيا من الطائفة الأرثوذكسية، ودعا الإمبراطور هيلاسيلاسى لحضور حفل افتتاح الكاتدرائية المرقسية عام 1964، كما دعم توحيد الكنيستين المصرية والأثيوبية تحت الرئاسة الروحية للبابا كيرلس السادس ، كان الرئيس عبد الناصر كعادته بعيد النظر في ذلك فقد أدرك أن توثيق الروابط بين مصر وأثيوبيا يضمن حماية الأمن القومي المصري لأن هضبة الحبشة تأتى منها نسبة 85% من المياه التي تصل مصر. للأسف الشديد بعد وفاة الرئيس عبد الناصر والانقلاب على الثورة في 13 مايو 1971 وما أعقب حرب أكتوبر 1973 من ردة شاملة على سياسات عبد الناصر، تدهورت العلاقات المصرية الأثيوبية في عهد الرئيس السادات، ومازالت متدهورة حتى الآن وقد انفصلت الكنيسة الأرثوذوكسية الأثيوبية عن الكنيسة المصرية، واستطاعت إسرائيل أن تحتل مكانة مصر في أثيوبيا، وفي أفريقيا كلها. وفي عهد جمال عبد الناصر لم تقع حادثة واحدة طائفية بين المسلمين والمسيحيين، ولم تنتشر دعاوى تكفير الأخر ومعاداته. كان هناك عدو واحد معروف ومحدد هو الاستعمار الأمريكي وذيله الصهيوني في الوطن العربي وكان هناك مشروع قومي يوحد طاقات الأمة كلها ويجمعها لتحقيق أهدافها في التقدم والنهوض "  .  

( القدس عدد 90 ) .

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

أي شيوخ نريد ..؟؟


أي شيوخ نريد ..؟؟

لم يخل مجتمع من الفساد على مر العصور .. والفساد اذا عمّ في مجتمع حوّله الى غابة يأكل فيها القوي الضعيف ، وتسلب فيها الحقوق ، و تـنـتهك فيها الحريات .. لذلك جاء الشرع مقاوما لكل أنواع الفساد ، محرما كل سلوك يمكن أن يتسبب في الحاق الضرر بالمجتمع .. فماذا يرى رجال الدين في مقاومة الفساد ؟ الجواب الجاهـز دائما على أفواه " الشيوخ " هو التربية السليمة والرجوع الى الدين و تقوى الله .. وهو كلام صائب و لازم في أي مجتمع  لان النفس امّارة بالسوء كما يقولون مما يستوجب ترويضها وتهذيبها  .. ولهذا فـُـرضت الجمعة كل اسبوع حتى تكون مناسبة دورية وفرصة حقيقية  للامر بالمعـروف والنهي عن المنكر واصلاح المجتمع .. 
اما ان يتحدث الشيوخ عن كل مظاهـر الفساد ، ثم لا يفصحون عن أسبابه ، لـتـكون الحلول المقـتـرحة لهذه المشاكل الكبيرة المتداخلة متمثلة فقط فيما يجودون به من نصائح  ومواعض ، مكتفـيـن بتحميل المسؤولية للضحايا انفسهم ، ودون الحديث عمّا ورائها من علاقات ظالمة افرزت كل مظاهر الفساد ، فهذا هوالخطا في حق الدين قبل كل شيئ .. حيث يصبح الاستغلال هو استغلال المسلم للمسلم ولا يقولون كيف لا نحارب العلاقات السائدة داخل المنظومة الاقتصادية التي تسمح بالاستغلال ..  والقمارهو مسؤولية لاعـبـيـه ولا يتوجهون بالنقد أو بالاشارة الى المنظومة القانونية التي تسمح  بتعاطيه للحصول على المال الحرام دون عمل أو جهد مبذول .. والخمر هو مسؤولية شارب الخمر ولا يقولون كيف تنظر المنظومة الراسمالية للمصلحة من باب الحرص على تحقيق الربح حتى ولو كانت المشاريع المربحة تروّج الفساد داخل المجـتمع  .. والسرقة هي مسؤولية السارق ولا يقولون شيئا عن الحاجة والخصاصة التي تدفع هؤلاء الناس للسّـرقة .. والعـنف والانحراف هو مسؤولية الشباب الطائش ولا يقولون شيئا عن التخريب المنظم الذي تمارسه الدعاية ووسائل الاعلام  ، للتلاعب بعقول الشباب وهدم شخصيتهم السوية ... أما الجهل والفقر والمرض والعراء  والانقطاع عن التعليم والتسكّع في الشوارع والتسوّل والحرمان والمعانات ، فكلها قسمة ونصيب وأمر مكتوب وامتحان من الله ، لا ينفع فيه الا الصبر والدعاء .. !! 

( القدس عدد 102 ) .

الموقع الطبيعي للاخوان ..

الموقع الطبيعي للاخوان ..

بالنظر الى طبيعة الاخوان المسلمين كحركة أصولية لا تتجاوز منطلقاتها الاصلاح ، ولا يتجاوز أسلوبها النهج الاصلاحي الذي لا يلبي استحقاقات الثورة .. ثم بالنظر الى تجاربها في الوطن العربي على مدى ثمانية عقود ، يمكن للمرء أن يفهم ما كان يجري في الواقع  تحت حكم الاخوان ، ثم يدرك ان ما واجهـتـه حركة النهضة الاخوانية  في تونس من فشل ذريع  ليس بسبب الارث الثقـيـل وحده الذي تركه نظام المخلوع ،  بل ان ذلك راجع بالاساس للمنطلقات الفكرية التي ينطلق منها الاخوان ويبنون عليها تصوراتهم للواقع ثم يؤسسون عليها مواقفهم ، والحلول التي يعملون على تحقيقها..
لذلك فان الاخوان المسلمين وبحكم طبيعـتهم تلك لا يمكن ان ينتجوا في الواقع الا نظاما شموليا متخلفا كأي نظام موجود في المنطقة قبل ثورتي تونس ومصر أو بعدهما .. وحتى ان اختلفوا ظاهريا مع بعض الانظمة التي يقولون عنها علمانية ، فان ذلك لا يغـير من الامر شيئا كثيرا ، وسيجعـلهم في نهاية المطاف أشبه بالنظام السعودي أوالقطري أو أي نظام خليجي آخر من تلك الانظمة التي لا يختلفون عنها في شئ من النواحي الاقـتصادية والسياسية والاجتماعية كما يـبـيـن ذلك الواقع ..
وهنا يمكن للسائل أن يسأل حول طبيعة الحكم والسياسات المتبعة طوال الفترة التي تسلموا فيها السلطة :  كيف يمكن أن يحصل تتطابق ثم توافق وتحالف  بين أنظمة شهدت بلدانها ثورات شعـبـية ثم  وصلت الى السلطة بواسطة الانتخابات كما حصل في تونس ومصر في عهد الاخوان ، وبين الانظمة العـربية المتخلفة في باقي الوطن العربي ، سواء في المواقف من القضايا الوطنية والقومية ، أو في التحالفات الاقليمية والدولية ، و في جميع القضايا الاخرى الاقتصادية والاجتماعية .. ؟؟
وقد يكون طرح هذا السؤال مهما اكثر في تونس حيث استطاعت حركة النهضة الخروج باخف الاضرار بعد فشلها في الحكم على عكس ما حصل لحلفائهم في مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، للوقوف على الحقائق المتعلقة بطبيعة الحركة والتي يتم اخفاؤها على الناس بالشعارت الزائفة .. حيث يبين الواقع أن حركة النهضة كانت تقف حيث  يقف أي نظام عربي من القضايا الداخلية  في  مواجهة  الشعـب ، وعلى نفس المسافة معها تقريبا في التحالف والاصطفاف وراء أعداء الأمة في القضايا القومية ..
- ففي الجوانب السياسية وعلى رأسها مسألة الديمقراطية ظلت حركة النهضة في تونس تعمل  بالتوازي على صعـيدين يكمّل أحدهما الآخـر في ارساء قواعد النظام الشمولي ، وهما أولا فرض هيمنة السلطة التنفيذية في الدستورعلى جميع المؤسسات والهيئات السيادية ، وثانيا السيطـرة على مؤسسات الدولة من خلال التعـيـينات الحزبية للموالين التي وقع تقـنيـنها بواسطة قانون العـفـو التشريعي العام .. وهو ما حوّل الديمقراطية فعلا الى سراب من خلال ما وقع زرعه من ألغام لم  تلبث ـ  في وقت قصير ـ  أن نسفت  ذلك البناء الهش الذي لم يمهّد في الواقع  لبناء الديمقراطية بقدر ما كان يمهّـد  لعودة الاستبداد من خلال عودة النظام القديم  ..
ويكفي أن نذكر  كيف أنها في نظامها الداخلي وهيكلتها الحزبية تعتمد على النموذج الرئاسي حيث يتمتع رئيس الحركة بصلاحيات واسعة وغير محدودة  ، في حين نجدها  تدافع في  الدستور على النظام النيابي بسبب الوضع المطمئن  لنتائج الانتخابات على المدى القريب  ، واعتقادها بأن وضعها سيظمن لها مجددا موقعا هاما في السلطة التنفيذية بعد الهيمنة على السلطة التشريعـية ..
وكيف أنها بتراخيها في بناء المؤسسات المستقلة منذ وقت مبكر على غرار الهيئة العليا للقضاء وهيئة الاعلام ساهمت في تأخير المحاسبة وتطهير المؤسسات ، مقابل اطالة أمد التدخل الفردي لسلطة الوزير ..
هذا من ناحية المضامين الديمقراطية والضمانات ، اما من ناحية الاسلوب فان الامر يصبح اكثر وضوحا وجلاءا ، حيث جنّدت حركة النهضة ـ طوال تلك الفترة ـ  كل مؤيديها الذين ينشطون في أطر مختلفة حزبية وجمعيات وروابط حماية الثورة ، وأيمّة  وغيرهم ، للظهور في الاعلام وعلى شبكات التواصل وفي كل المواقع التي يتواجدون فيها والتي لا يُستـثـنى منها حتى المساجد ، لتزييف الحقائق ، واتهام المخالفين وتجريم الاحتجاجات الشعـبـية بجميع أنواعها .. وحـتى المسيرات الطلابية والتلمذية التي تربّت عليها أجيال في الماضي وصنعت رموزا ومناضلين كان لهم دورا بارزا في ثورة 17 ديسمبر ، اصبحت مدانة  في عصر النهضة وحلفائها .. وعوض ان يتساءلوا عن الاسباب الموضوعية للظاهرة ، وجدناهم يتجهون الى الاسهل وهو تشويه التحركات والنضالات الشعـبية بنسبتها الى التجمعـيين .. متناسين أن حركة النهضة هي التي عـزلت نفسها حينما اعتبرت الفوز في الانتخابات فوزا بالغـنيمة ، فاستأثرت بالسلطة وحادت عن مبدأ التوافق اللازم لادارة المراحل الانتقالية ، وأبعدت بذلك العديد من القوى الوطنية الحقيقية ، ثم فشلت فشلا ذريعا مع شركائها في حل مشاكل التنمية والامن ، لتجعـل من الباقين جميعا " معارضة " في مواجهة سلطة فاشلة .. وهكذا  لم يعد الصراع بين الثورة وأعدائها ، بل بين حكم ومعارضة ..  وهي الثغـرة القاتلة التي عمل التجمعـيون على توسيعها من خلال وسائل الاعلام التي يمتلكونها ، للنفاذ من خلالها الى صفوف الثورة ، حتى أصبحوا ثوارا .. !!
والواقع فان كل ما رأيناه وما سمعـناه من صراع ـ في تلك الفترة ـ بين النهضة ونداء تونس ومن ورائه التجمعـيون ، كان مدروسا الى أبعد الحدود من الجهتين .. اذ أن ظهور قطبين من هذين الفريقين ، يلبّي في الواقع مصلحة هذا وذاك .. وهو ما يفسّر فعلا لعـبة التجاذب والتنافر بينهما في كثير من الاحيان ، وفي العديد من المواقع  سواء في تونس او خارجها ....
اذ انه في الوقت الذي كانت تتعالى فيه أصوات القواعد ضد التجمع ، كانت النهضة تدافع داخل المجلس التاسيسي عن أحد رموزه القدامى اثر ظهور أزمة البنك المركزي سنة 2012 .. !!
وفي الوقت الذي كان نوابها وقواعدها يتحدثون عن القانون الأعرج لما يسمى بـ " تحصين الثورة " الذي حذفوا منه فـتـرة توقيعهم على الميثاق الوطني سنة 1988 و فترة مشاركتهم في الانتخابات مع نظام بن علي سنة 1989 ، وجدناهم يتحاورون معهم في قصر الضيافة " للتوافق حول تحقيق أهداف الثورة سنة 2013 .. ثم الالتقاء معهم رسميا في اطار ما سمي  بالحوار الوطني الذي جعل منهم شريكا أساسيا في تحديد مستقبل تونس .. !!
لذلك فاننا بالرجوع الى مختلف هذه المحطات  وغيرها نفهم طبيعة المسلسل الدرامي الذي شاهدناه في الواقع ،  والذي سعى من خلاله طرفي النزاع للفوز في النهاية بدور البطولة .. وهو ما يجعلنا ندرك أيضا أن ما حدث بينهما من شدّ  هو من باب التشويق الدرامي في عقدة المسلسل ، والتي لا تلبث في النهاية ان تنتهي بالانفراج .. ليبدأ بعدها تشويق جديد ، وشدّ جديد  للاعصاب ، لا يلبث حتى  ينتهي  بالاغتيالات ، والانفجارات كما يحدث فعلا في جميع المسلسلات بوسائل مشابهة .. !!  والنتيجة النهائية الحاصلة هي خلق الثنائية المقيتة ، التي وجد فيها كل طرف مصلحته .. لذلك لم يقم  الاعلام التجمّعي باقصاء حركة النهضة كما اقصى أطرافا أخرى .. بل كان منذ البداية يسعى لجعلها تتصارع معهم على اساس تلك القاعدة التي ساهمت النهضة في تكريسها : حكومة ومعارضة ..
 وبالتأكيد فان خلق هذه الثنائية  داخل المجتمع كان مفيدا للطرفين .. فنداء تونس بخلفيته التجمعـية المعـروفة وعدم تميّـزه بخط  ايديولوجي مؤثر، أفضل الخصوم بالنسبة للنهضة الذين يمكن مواجهتهم  بسهولة ، والانتصار عليهم على خلفية الماضي التجمعي .. أو التوافق معهم ان لزم الامرعلى خلاف القوى الاخرى اليسارية مثلا والقومية ..
في حين ان وجه المصلحة بالنسبة لنداء تونس هو ايضا استسهال الخصم الذي يمكن التنافس معه على مضامين شكلية مثل الحداثة والحريات ، كما يمكن اتهامه بالظلامية والارهاب .. وفي أسوء الاحوال يمكن التعويل على التوافق معهم والتعايش مثلما كان يجري في الواقع خلال فترة التهدئة  ..
وهكذا اكتملت  اللعبة . لعبة المصلحة على حساب الوطن ، التي تؤكد ان الاخوان لا يختلفون فعلا - حين يتلاعبون بالسياسة - على أي نظام متخلف في الوطن العربي ..
- أما في الجوانب الاقتصادية فلا يختلف حكم الاخوان عن أي حكم آخر من خلال اتـّـباعه لنفس الخيارات الاقتصادية التي تعتمدها كل الانظمة الرجعية  السائدة ، بما فيها الانظمة التي أدت الى الازمات الخانقة في كل من تونس و مصر ، والتي وقع  اسقاطها بواسطة الثورات الشعـبية .. انها خيارات التفويت في القطاع العام والخوصصة والخضوع لشروط  صندوق النقد الدولي ، والمنظومة الراسمالية العالمية ، المعروفة بأنها لا تمنح أموالها  للمقـترضين الا بالموافقة التامة على ما تمليه من سياسات داخلية وخارجية ..
ففي السياسة  الداخلية  شهد الاقتصاد خلال فترة حكمهم ، فقدان الحد الأدنى لاستقرار الأسعار ، أمام تنامي ظاهرة التهريب والاحتكار والسوق السوداء .. والزيادة في أسعار المواد الاولية التي تسببت في زيادة كلفة الانتاج .. الى جانب عدم قدرة الانتاج الوطني على منافسة المنتوج الآسيوي والتركي والاوروبي المتدفق أمام أعين السلطة دون تدخل لحماية الاقتصاد الوطني ..
وأمام تفاقم الاوضاع وتفشي البطالة وتراجع الانتاج وقلة الموارد ، رأينا السلطة تعمل على المزيد من الضغط على الفئات الضعيفة باتخاذها  خطوات غير مسبوقة في سن قوانين الجباية لسنة 2014 التي زادت في احتقان الطبقات الوسطى حتى تم التراجع عنها .. كما شاهدنا  تعويلها المفرط على الاقتراض الخارجي الذي جعـل مناورات الدول المانحة تتزايد ، ليتعاظم  تدخلها أكثر من أجل خلق مناخ ملائم للابتزاز ، يمكـّـنها من الحصول على ما يكفي من الامتيازات التي يمكن تحقيقها من خلال الشروط المجحفة لنظام الاقتراض مثلما يفعل عادة  صندوق النقد الدولي ،الذي يفرض التدخل في وضع الخطط الاقتصادية للدولة في شكل مقـتـراحات ونصائح ، وهي في الواقع املاءات لا يمكن تجاهلها ، منها التفويت في المنشآت العامة المعـروف بالخوصصة ، ومنها مقـتـرحات الرفع التدريجي للدعم عن المواد الاساسية ، و تقديم التنازلات في مجال الاستثمار وابرام الصفقات الخاصة  باستخراج الثروات الطبيعية ، وتوجيه النشاط الاقتصادي من خلال التدخل في تحديد الشركاء الاقتصاديين الخ .. ولعل فرض مسارات التسوية مع المنظومة القديمة التي شهدتها تونس ، خير دليل على الخضوع والتدخل الخارج في آن واحد ..
أما في السياسة الخارجية فان التبعـية كانت أكثر وضوحا  من خلال خضوع السلطة الجديدة واستجابتها السريعة لمطالب الدول العظمى سواء في الملف السوري  باحتضانها المؤتمر الأول لما سمي باصدقاء سوريا ، أو في اسقاط مشروع القانون رقم 127 من الدستور المتعلق بتجريم التطبيع  ، ثم باصطفافها وراء الدول العربية الرجعية بالدرجة الاولى وعلى راسها قطر والسعودية ... الى جانب السماح لليهود باحياء ذكرى الهولوكوست في تونس في نهاية 2013  .. مفضية بعد ذلك  الى تطور هذا الامر في عهد الحكومة الجديدة بقبول قدوم  وفود سياحية صهـيـوينة  الى جربة تحت مرأى ومسمع المجلس التأسيسي ذو الأغلبية الاخوانية ..

لا شك أن كل هذه الأمثلة والحقائق تؤكد على طبيعة حكم الاخوان الذين قبلوا بما لا يدع مجالا للشك بالسير على نفس النهج و بنفس الخطوات التي تسيـر عليها كل الانظمة الرجعـية في الوطن العـربي حين اختاروا نفس السياسة التي كان يتبعها النظامين المخلوعين في مصر وتونس والعديد من الانظمة العربية التي تدور في الفلك الامريكي .. فكانت طبيعتهم من طبيعة تلك الأنظمة  شكلا ومضمونا ..

( القدس عدد 102 ) . 

ماذا قال مانديلا عن عبد الناصر ..؟؟

ماذا قال مانديلا عن عبد الناصر ..؟؟

يقول نيلسون مانديلا في سيرته الذاتية متحدثا عن مصر وقائدها جمال عبد الناصر : » كانت مصر قد تملكت مخيلتي وأنا طالب كمهد للحضارة الإفريقية وكنز لجمال الفن والتصميم ، وكنت دائما أرغب في زيارة الأهرام وأبو الهول وعبور نهر النيل أعظم أنهار إفريقيا، ذهبت الى القاهرة وقضيت يومي الأول في المتحف أفحص القطع الفنية، وأدون الملاحظات وأجمع المعلومات عن نمط الرجال الذين أسسوا حضارة وادي النيل القديمة، ولم يكن اهتمامي اهتمام هاوياً للآثار، فإن من المهم للأفارقة القوميين أن يتسلحوا بالبرهان الذي يدحضون به ادعاءات البيض بأن الأفارقة لم تكن لهم في الماضي حضارة تضارع مدنية الغرب. واكتشفت في صباح واحد أن المصريين كانوا يبدعون أعمالا فنية ومعمارية عظيمة، بينما كان الغربيون في الكهوف. وكانت مصر نموذجا مهما لنا، فقد كان أمامنا على الطبيعة برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أطلقه جمال عبدالناصر. فقد حدد الملكية الخاصة للأراضي الزراعية، وأمم بعض قطاعات الاقتصاد، وكانت له الريادة في بدء برنامج سريع للتصنيع وجعل التعليم ديمقراطياً، وبنى جيشا حديثا. وكان كثير من تلك الإصلاحات بالتحديد ما يطمح المؤتمرالوطني الإفريقي إلى أن يحققه .. « . 
كما قال مانديلا في كلمة ألقاها عند تكريمه في جامعة القاهرة عام 1995 : " كان لدي موعد قد تأخر ربع قرن مع رجل رفعت رأسي من بعيد كي اراه ، ثم حالت بيني و بينه الظروف لالقاه ، وحين جئت الى مصر فقد كان من سوء حظي أن جمال عبد الناصر لم يعد هناك .. سأزور في مصر ثلاث أماكن ، الاهرامات والنيل العظيم و ضريح عبد الناصر .. "
وقال أيضا في المؤتمر الصحفي عقب فوز بلاده بتنظيم كأس العالم 2010 وحصول مصر على صفر من الاصوات :
»
لو كان جمال عبد الناصر على قيد الحياة ودخلت مصر المنافسة أمام جنوب أفريقيا على شرف إستضافة كأس العالم لكرة القدم 2010 لأنسحبت جنوب أفريقيا على الفور من الوقوف أمام مصر ولكن الظروف تغـيرت الأن ومصر لم تعد مصر عبد الناصر .. «  .  
وقد تكلم مانديلا معـبرا عن حزنه العميق لفقدان زعيم كبير مثل عبد الناصر :
» هبط الموت على مصر، وهبط الحزن على الشعـب . فقد مات الزعـيم . مات المعـلم . مات الأب والإنسان . مات جمال عبد الناصر.. وفي ذلك اليوم الرمادي يوم موته ماتت الأشجار واقـفة وتجمّد سواد العـيـون لا تصدق الخـبـر وامتلأت أفواهـنا بالملح من شدة الحزن . فقد توقف قـلب مصر حين توقف قـلب هذا الرجل. ابن الشعـب . مؤسس الجمهورية ، وصاحب الدعوة العـنيـدة لوحدة الوطن وكرامة المواطن وأشجع الرجال في وجه العاصفة « . 
 رحم الله القائد العظيم والثائر نيلسون مانديلا الذي كان مثالا للصبر والنضال ، ومثالا للوطنية والقومية ، حيث آمن بقدرات شعـبه وأمّته ولم يتـنـازل قيد أنملة .. ولم ييأس .. بل قاد شعـبه بعـزيمة الثوار مع ثـلة من رفاقه الذين صبـروا مثله وناضلوا حتى حققوا المستحـيل ، حين قضوا نهائيا على التمييز العـنصري وبنوا دولة حديثة ديمقراطية هي الآن تنافس الدول المتقدمة ، والتي كانت مصر مثالا يحتذي به بالنسبة لاولاءك الثوار كما قال مانديلا .. غير أن مصر التي حكمها العملاء والجبناء قد فقد موقها ومكانتها ، ولم تعد مصر عبد الناصر ..


( القدس عدد 102 ) .

عن الخبـز والحـرية والثورة ..

عن الخبـز والحـرية والثورة ..

حين قامت الثورة في تونس وتردّدت شعاراتها على أفواه الناس بشكل تلقائي من شمالها الى جنوبها  ، كان ذلك تعـبـيـرا صادقا وعـفـويا عـن مشاكلهم ومعاناتهم .. كما كان ايضا تعـبـيـرا عـن مطالبهم وطموحاتهم في تحقيق ما حرموا منه على مدى اكثر من خمسين عام .. لذلك كان جزءا هاما من الشعارات مرتبطا بالاوضاع الاقــتصادية والاجتماعـية والسياسية التي يقع اختـزالها عادة في كلمات بسيطة ومتـناغمة ومعـبّـرة في نفس الوقت اما عـن مطلب شعـبي ، أو عن رفض ، أوعن تحدّ  للنظام .. فكان من ضمن تلك الشعارات وربما أكثرها حضورا تلك المتعلقة بهموم الناس ، والمعـبّـرة عن أوضاعهم المتردية  ..
ولذلك استطاعت ان تجمع حولها قاعدة عريضة ذات مطالب واحدة ، على رأسها اسقاط النظام كشرط أوّلي لتحقيق بقية المطالب المتعلقة بالشغل وتوفيرالخبز والحرية والكرامة الوطنية ..
والواقع فان الثورة بقدر ما كانت حلما وأملا بالنسبة للبعض ، كانت أيضا كابوسا بالنسبة للمستفيدين من الوضع السائد .. لكنها كانت في نفس الوقت فرصة للانتهازيين والمتسلقين الذين ركبوا الثورة لتحقيق أهدافهم فاستغـلوا ما يملكونه من امكانيات مادية ، وما في حوزتهم من وسائل اعلام عربية قطرية بالخصوص أو خاصة .. حتى أن بعض الاحزاب الفائزة في الانتخابات كان يحرّكها شخصا واحدا مقيما خارج البلاد ، لا علاقة له بالثورة ، وأهدافها ، أو بما حدث فـيها ..
ولعل السؤال الذي يمكن ان يُطرح في مثل هذا الوضع ،هل أن الاحزاب الحاكمة الآن تحمل مشروعا افضل من مشروع النظام المخلوع ؟..
بالنظر الى تاريخ تلك الاحزاب التي اقتسمت السلطة بعد الانتخابات يظهر، أنها كانت  بعـيدة كل البعـد وغـريبة ايضا عن الحراك الشعـبي الذي لم يثبت ماديا أنها ساهمت فيه قبل هـروب الطاغية .. لذلك لم تفكر أصلا بعقـلية الثورة ، فكانت غـير معـنية بتلك الشعارات التي تتحدث عن الخبز والحرية والكرامة والتشغـيل ، وتحقيق العدالة الاجتماعـية بين الجهات والأفراد .. بل كانت تسعى لاصلاح الوضع في ظل النظام القانوني القائم ، ولذلك بادرت كلها افرادا واحزابا  بالتوقـيع على الميثاق الوطني الذي وضعه بن علي سنة 1988 .. ثم قبلت بالمشاركة - على تلك القاعدة - في انتخابات 1989 بالنسبة للبعض .. وفيما جاء بعدها بالنسبة للبعض الآخر..
ومهما كان الامر فان الواقع الحالي هوالفيصل ، وهو واقع أسوء عشرات المرات من الوضع الذي كان سائدا قبل الثورة .. حيث صار الخبز أكثر مرارة .. وصارت الحرية تجارة .. كما صار حديث الثورة استحمارا .. !!!


( القدس عدد 102 ) .

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

الخطاب الديني بين التشدد والاعتدال ..


الخطاب الديني بين التشدد والاعتدال ..

يذهب المرء يوم الجمعة لآداء الفريضة ،  خاشعا مسلـّما أمره لله ، ساعيا الى نيل الأجر ومغفـرة الذنوب ..   والواقع فان صلاة الجمعة هي أكثر الفرائض تأثيرا على حياة المسلمين من عدة جوانب :
- منها آداؤها الجماعي الذي يجعل كل انسان يخصص ذلك اليوم لحضور الصلاة  ، فيرتـّـب أموره الخاصة مسبقا حتى لا يتخلف عن ذلك الموعد ..
- ومنها أسلوبها الدوري الذي يجعلها تتكرر بالنسبة للانسان مرة كل اسبوع ، فـتجعله دوما قريبا من الله ، متبعا أوامره في كل ما يخص الدين والمعاملات  ..
- ومنها أيضا مضمونها الديني والاجتماعي  من خلال الخطبتين المتتاليتين الحاضرتين في كل جمعة بما فيهما من محتويات يُفترض أن تجعل المسلم لا يحيد عن ثوابت الدين ..
 لذلك يمكن للانسان أن يلاحظ بكل سهولة تاثير تلك الجوانب على المصلين عند انتهاء الصلاة واثناء خروجهم من المسجد ، وحتى بعـيدا عنه في ما تبقى من  ذلك اليوم ، فنرى أثر الخشوع والتقوى من خلال الابتسامة على وجوه الناس والمصافحة الحارة ، وحضور الكلمة الطيبة والورع واللطف في المعاملة  الخ ..
ولعل الامر لا يحتاج الى كثير من العلم والاجتهاد للتـّـأكّـد من أن ذلك السلوك الحاصل بين الناس هو في النهاية أحد أهم الاهداف من صلاة الجمعة .. و هو أن تكون الفريضة ذات اثر ايجابي على حياة المسلمين ، تـُصلح من شأنهم و تعيدهم الى الجادة والطريق الصحيح  ،  بفضل تلك الممارسة الدورية والجماعية ، وبذلك الحضور و في ذلك المكان و بتلك المضامين الدينية بما فيها من مواعض ودروس ملامسة لواقع الناس ، وبما يمكن جمعه من المؤيادات النابعة من القرآن والسنة ، فضلا عن الدعاء والابتهال الى الله ..
أليس هذا كافيا لآداء صلاة الجمعة ؟
 كلا . فان البعض من الايمة يصرّون على اثارة كل ما يجـري من أحداث على الساحة ، بما في ذلك الصراعات الاقليمية ، باعتبار أن الاسلام له علاقة بالدين والحياة بكل جوانبها وهو أمر صحيح ..
غير أن الغير صحيح هو تحويل الفريضة الى مناسبة لالقاء الخطب المنحازة لطرف من الاطراف ، فيتناسى    الامام موقعه فوق ذلك المنبر المحايد البعيد عن كل الصراعات ، ليأخذ موقعه في أماكن الصراع الدائرة على الارض منحازا الى طرف ضد أطراف آخرين لهم حضورهم بين المصلين ، كأن يردّ بالدعاء على طرف من أطراف الصراع ، وهو ما ينقل الانقسام الى صفوف المصلين بين مؤيدين للدعاء رافعين أكفهم عاليا ، وبين رافضين له فلا يتبعون الامام في التأمين معـبـرين عن عدم الرّضى وعدم الاستجابة للدعاء .. ! مما يجعل هؤلاء المصلين يفقدون خشوعهم ، فيهجـرون المسجد في المستقبل ، وقد يضطرهم ذلك أحيانا للتخلف عن صلاة الجمعة بسبب عدم ملاءمة وقت الصلاة الثانية لظروفهم أو لعدم امكانية تنقلهم لأماكن بعيدة .. وهكذا يعمل هؤلاء الايمة - بقصد أو بدون قصد - على تعقيد حياة الناس على غير حق ، ودون ذنب اقـتـرفـوه ..  
والغـريب أن كثيرا من الايمة يتصرفون بعقـلية المالكين للمنبر والأوصياء على المسجد .. في حين أن دورهم هو دور المسؤول الذي يؤدي مهاما دينية ووظائف اجتماعية هي من صميم تلك المهام الدينية ذاتها .. 
فـلـلحديث عما يدور في المجتمع من منظور ديني وشرعي ، يجب على الامام في مثل تلك المناسبة التحلي بالحكمة بحكم مسؤوليته ووظيفته الدينية والاجتماعية ، وخاصة في الاوقات الحرجة التي يشهد فيها المجتمع انقساما بسبب الصراعات السياسات والاديولوجية التي يمكن ان تخرج عن سياقها فـتـتحول الى فـتن واقتتال بين المسلمين .. لذلك يجب أن يكون الخطاب الديني واعيا ومسؤولا ، يعمل على الجمع بين الناس ورص صفوفهم و دعوتهم للحوار والتواصل والصبر ، وقـبـول الاختلاف ، وتجنب المسائل الفرعـية والثانوية التي لا يمكن حسمها بالعـنف ..  وقد يكون من مظاهر الغـرابة في الكثير من الخطابات الدينية البعـيـدة عن الواقع ، التي نسمعها في مثـل هذه     المناسبات الدينية ، هو من ناحـية تركـيـزها المبالع فـيـه في الحديث عـن الكفار، حتى يظن السامع  بأن هؤلاء حاضرين معهم في المسجد !! ..
ثم من ناحية ثانية في الحديث عـنهم بشدة وبقسوة ، تجعل السامع يظن أيضا بان أهم مشكلة في حياته هي مع الكفار ، في حين أنه حينما ينظر في واقعه لا يجد واحدا منهم .. ! وهو ما يعـبـر فعلا عن جهل المتحدث  بأصل المشكلة ، وقواعد الدعـوة ، وحق الناس في الاختيار ..
ففي مايخص اصل المشكلة وحق الاختيار فان الانسان أولا يصدق عليه  قول الرسول صلى الله علـيه وسلم حينما قال :" ما من مولود الا و يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجساه " ( رواه البخاري) . وهو ما يعـني ان أي انسان مسيحي لو ولد في عائلة مسلمة لكان مسلما مثـل غـيـره .. وهذا يصدق على أي انسان آخـر بوذيا كان او يهوديا .. والعكس صحيح ايضا .. لذلك فان الحكم على الكفـر والايمان هو امر نسبي  لا يجوز فيه الحكم الا لله سبحانه وتعالى كما قال في محكم تنـزيله " ان ربك هو أعلم بمن ظل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين "( النحل 125 ) ..
ومن ناحية ثانية ، فان حرية الاختيار التي يتميز بها الانسان ليست مطلقة ، حيث يتـكـوّن جزءا هاما من شخصيته مبكّـرا في مرحلة الطـفـولة الاولى كما جاء في الحديث الشـريف ، وكما يؤكـد ذلك عـلماء الاجـتـماع  .. ولذلـك فان الانسان  حينما يكبر ويبدأ في التمـيـيـز والاختـيار بين الاشياء ، سيجد نفسه عادة في انسجام تام مع ما تربّى عليه ، ولذلك  يصعـب عليه تغـيـيـر معـتـقداته الا بشكل نادر .. غـيـر انه مهما كان الامر فان لكل انسان الحق في اختيار ما يشاء لينال الجزاء الذي يستحقه في الآخرة .. ثم من حقه ان يتمتع بالمهلة التي منحه اياها الله سبحانه حين ترك له باب التوبة مفـتوحا ليراجع نفسه ويتوب التوبة النصوح التي تمحو عنه جميع الذنـوب بما فـيها ذنوب الكفـر .. أما اذا كان ذلك " الكافر " لا يجد فـرصته في الاطلاع على الدين بحكم أنه بغير لغته ، أو لأنه قد نزل في غير مجتمعه  حتى يطلع عليه ليقتنع به ويلتزم  بأوامـره ونواهـيـه ،  فان ذلك سيزيد الامر تعـقـيدا ويجعـل حكم البشر على البشر مستحـيلا .. !!
اما في ما يخص الجهل بقواعد الدعوة فانها مشكلة أكبر من مجـرد الاطلاع على الاحاديث والآيات التي تامر باتباع الاسلوب الذي امر به الله رسوله الكـريم عـنـدما قال له : " ادع  الى سبـيل ربـك بالحـكـمة و الموعضة الحسـنـة وجادلهم بالتي هي احسن  " ( النحل 125 )  ، بل يتعـداه الى الفهم الشمولي لمجمل ماجاء في كتاب الله ، حيث لا يجوز التجزئة والفصل بين الآيات الواردة في القـرآن الكريم ، ولا يجوز ايضا استغـلالها في غـيـر سياقها أوعـزلها عن واقعها زمن الوحي وهو ما يُـعـرف بأسبـاب الـنـزول ، كما لا يجـوز تاويلها بغـيـرما تحـتمله في الواقـع كـأن تـُـنسب لفـئة ليست هي المقصودة في واقع الامر .. وهو ما نراه يحدث بكل اسف في واقـعـنا ..
والله أعلم .  


( القدس عدد 101 ) .