بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 مايو 2016

بين الراعي والرعية ..


بين الراعي والرعية  ..



قبل 24 ساعة تقريبا .. حركة غير عادية في باب الفلة ، انتشار .. مسح ميداني .. همسات ... تسريبات .. محافظ الأطفال يسحب منها الطباشير ليلا .. الباعة يقلبون الصناديق بحثا عن ألواحهم المربعة الصغيرة .. عمال النظافة يقضون الليلة في السوق .. كاميارت مثبتة في السقوف .. مخبرين ، ومستكشفين هنا وهناك .. تسريبات ليلية وتكهنات اختلطت بالاشاعات .. 
التقارير الصباحية ... كل شئ على أحسن ما يرام .. 
........

المشهد الاول : 

دخول الموكب الرئاسي الى السوق .. هرج ومرج .. تدافع بالمناكب الى الأمام .. وغرباء يطلبون من الحضور التراجع الى الخلف ..
يظهر البجبوج متوازنا ، يشق الصفوف ياسما ، ملوحا بيده ، ثم يميل الى احد الباعة ليسأله  :
البجبوج : بقداش الطماطم ؟؟ 
البائع : بـ 1400 ، سيد الرئيس ..
البجبوج : آوه غالية !!..  وبقداش الفلفل .. ؟
البائع : بـ 1600 ، سيد الرئيس  ..
البجبوج : آوه غالي !!...
وفي الاثتاء يمر الرئيس بامرأة تائهة في السوق ، فيسألها مازحا   :
ـ آش رايك في الاسعار نجمت تقضي قضيتك ..؟؟
ـ آش باش نقولك سيد الرئيس ، هاك تشوف في الاسعار .. آنا عندي 10 دينارات ، شنوّة نجم نقضي بيهم ..؟؟؟
ـ على كل حال الواحد ديما يحمد ربي كيف يلقى في مكتوبو 10 دينارات !!.. 
عبارات قالها الرئيس " الحنين " بعد أن هم يتغيير وجهته الى الجهة المقابلة لاتمام الجولة.. 
........ 

المشهد الثاني : 

انتظار .. وتطلع بجبوجي من بعيد  ..
مرور الموكب وسط السوق ... حماس كاريزمي متصنع .. فتدافع .. وابتهاج .. ودعاء .. وهتاف : يحييك سيد الرئيس .. تعيش  سيد الرئيس .. ربي يخليك سيد الرئيس ... 
يتفاعل البجبوج ضاحكا ، فيعلم البجابيج حجم الرضا الذي يحمله بجبوجهم بين جنبيه .. فيزيدون في العطاء بلا حساب .. 
وتمر لحظات رهيبة من التواصل بين الراعي القادم من القصر والرعية الذين سبقوه الى السوق .. فينفجر أحدهم وهو يعيش هستيريا اللحظة العابرة : احنا معاك سيد الرئيس .. تونس كاملة معاك سيد الرئيس .. وهنا يلتفت البجبوج بكل روح وطنية عالية : يجب ان نقف جميعا لتونس ... تونس تحتاج للناس الكل  ...  
تصفيق ... ثم مرور  ..
........

المشهد الثالث : 

البجبوج : بقداش الخوخ  ؟   
البائع : بـ 2800 ، سيد الرئيس .. 
البجبوج : أوه غالي .. !!  ثماش خروج ؟؟ 
شوية سيد الرئيس ، ما نكذبش عليك  !!..
 
.........

البجبوج متنقلا 10 أمتار : بقداش السكالوب ؟ 
البائع : ... بـ 10 آلاف و500 مليم سيد الرئيس  ..
البجبوج : آوه غالي .. !!  تبيعش منو برشة ..؟؟ 
البائع : لا سيد الرئيس .. بصراحة الدنيا كازة  ..!!
...

البجبوج : آش اسمو هذا ...؟؟ هههههه  ...
البائع : سردينة سيد الرئيس  .. !!! 
البجبوج وبقداش السردينة ؟؟ 
البائع ... هذاكا اقل نوع  ... بـ 4 دينارات !!!.. 
اوه غالية !!!! .... 
ياخذوش منها برشا ... 
البائع : شوية سيد الرئيس !! ..   
يلتفت الرئيس الى من حوله متاثرا ، فيرى الحيرة بادية على وجوه مرافقيه .. ثم يمر وهو يفكر في مزحة خفيفة تدخل البهجة على الحاضرين .. 

.......

المشهد الرابع : 

يواصل الموكب الرئاسي سيره ، فيمر ببائع مقروض دياري ... 
البجبوج : الله يعينك ولدي ، أوه هايل هذا ... شعبي وبنين .. 
البائع بكرم وجود : تفضل ذوق سيد الرئيس ... 
البجبوج : لا ما ناكلوش .. ما يساعدنيش .. 
يقولها الرئيس منسحبا ، ويغير وجهته من اليمين الى اليسار ، فيرى نسوة يبعن النعناع .. يقترب منهن باسما ، ثم يقول لهن مداعبا بطريقته البجبوجية المرحة : 
ـ أوه منعنعين .. ومنورين السوق .. 
ـ ربي ينورك سيد الرئيس , وانشالله تونس الكل منعنعة .. 
تصفيق من الخلف ... وتتواصل المسرحية في مشاهد قادمة  ..

( القدس ) .


السبت، 28 مايو 2016

لماذا يفزعون لـ”الفلوجة” .. ولا يفعلون الشيء نفسه للرقة.. ؟


لماذا يفزعون لـ”الفلوجة” ويتباكون عليها ويحذرون من مجازرها ولا يفعلون الشيء نفسه للرقة.. ؟



عبد الباري عطوان .
الوضع السوري بكل جوانبه يتطور نحو الاسوأ ، وباتت سورية العظيمة فريسة لسكاكين كل من هب ودب، والكل يريد ان ينهش قطعة من لحمها ، فهذا يهدد ويزبد ويرعد، مطالبا بتغيير رئيسها، وآخر يريد اقامة حكم ذاتي ، او دولة على ارضها ، وثالث يضغط من اجل مناطق آمنة ، ورابع يضع لها دستورا يلغي هويتها العربية والاسلامية ، ويفتتها الى كانتونات عرقية وطائفية .
المصيبة الكبرى ان المتورطين في جميع هذه المخططات سوريون وعرب ومسلمون، الى جانب طابور طويل يضم القوتين العظميين، وقوى اقليمية اخرى مثل ايران والسعودية وتركيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا، ولن نستبعد ان تنضم اليها دول مثل سيرلانكا وفيجي وميكرونيزيا، والحبل على الجرار، وسوريا وشعبها هما الضحية اي كانت التدخلات والنتائج .
منطقة الرقة تشهد حاليا هجوما شرسا تشنه قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، للسيطرة على المدينة “العربية”، بدعم من قوات امريكية خاصة على الارض، وغطاء جوي في السماء ، ونشرت وكالة الانباء الفرنسية صورا لجنود امريكيين يرتدي بعضهم اللباس الرسمي لهذه القوات الكردية، بينما احتفظ البعض الآخر بزيه العسكري الامريكي .
العنوان الرسمي لهذه الحرب هو مكافحة الارهاب، والقضاء على “الدولة الاسلامية” واخراج قواتها من المدينة، هذا اذا لم يتم القضاء عليها قضاءا مبرما، ولكن الهدف الاكبر والاهم هو القضاء على سورية مثلما تم القضاء على ليبيا واليمن والعراق والتفتيت واحد ، وبسبب هذا العنوان، الذي يحظى بشرعية امريكية وغربية ، فإن هناك حالة من الصمت المتواطيء تسود جميع القوى في المنطقة، باستثناء تركيا وحلفائها في المعارضة السورية، الذين يصرخون الما من نتائج افعالهم ، وينددون بهذا التدخل الامريكي .
***
الاعلام الخليجي “السني” يشن حملة اعلامية شرسة في وسائط التواصل الاجتماعي، جنبا الى جنب مع وسائل الاعلام التقليدية الاخرى ، مثل الفضائيات، يبكي فيها على المجازر التي يتعرض لها ابناء الطائفة السنية المحاصرين في المدينة على ايدي وحدات من الجيش العراقي العربي مدعومة بقوات الحشد الشعبي، العربية الشيعية ، وغطاء جوي امريكي، وهذه حملة مشروعة ومبررة ، بالقياس لما حدث من مجازر مماثلة في تكريت، وغيرها من المدن التي استعاد الجيش العراقي السيطرة عليها مدعوما بالتحالف نفسه ، لكن الغريب ان هذه الحملة ، التي تقف وراءها السعودية ، ودول خليجية اخرى ، تصمت صمت القبور تجاه الهجوم الحالي الذي تتعرض له مدينة الرقة من قبل تحالف كردي سني آخر مدعوم من امريكا ايضا، رغم ان الغالبية الساحقة من مواطنيها من ابناء الطائفة السنية، وتسيطر عليها قوات “الدولة الاسلامية” ايضا .
اي نفاق هذا.. واي تناقض .. واي دموع تماسيح تُذرف؟ وهل هناك مواطنون “سنة” درجة اولى يجب حفظ ارواحهم ، لان “الجزار” عربي شيعي ، وآخرون درجة ثانية او ثالثة يجب اباحة دمائهم حلال لان “الجزار” كردي سني ؟ ثم من يقرر هذه المعايير، “الجزار”؟ ام الولايات المتحدة الامريكية التي توفر الغطاء والحماية والدعم للجهتين المهاجمتين، وتهيىء الضحية للذبح والسلخ ؟
نأسف لتناول هذه التناقضات الطائفية المعيبة في هذه الزاوية ، ولكننا مضطرون لفعل ذلك ، ونحن الذين نعادي الطائفية والطائفيين ، ونعتبرها الخطر الاكبر على الامة والمنطقة ، لان هذا هو الواقع المؤسف الذي تعيشه المنطقة ، وسورية والعراق على وجه التحديد على ايدي “المحررين الامريكان” ومن والاهم من العرب والمسلمين، مواطنين كانوا او حكومات ، وتحولوا جميعا الى ادوات لتنفيذ مخططات التقسيم والتفتيت ، والفتن الطائفية تحت المظلتين الامريكية والروسية .
من يحرص على دماء ابناء الفلوجة، عليه ان يبدي الحرص نفسه على دماء ابناء الرقة ايضا، وكل مواطن سوري او عراقي ايا كان مذهبة ، او عرقه ، او دينه ، فهؤلاء جميعا بشر ، وعرب ، ومسلمون ، يجب ان تحقن دماؤهم ، وان يتم التعامل معهم وسلامتهم على القدر نفسه من المساواة، ومن يعتقد انهم غير ذلك فليتفضل ويصحح معلوماتنا .
لا نستبعد مطلقا، وبالنظر الى هذا الحشد الهائل من المقاتلين والعتاد العسكري الحديث، والغطاء الجوي الامريكي ، ان يتم الاستيلاء على الرقة والفلوجة والموصل بعد معارك شرسة ، وحمامات دماء ، وتدمير شامل ، ولكن السؤال الذي نبحث عن اجابه له ، هو عن من سيملأ الفراغ الذي سينجم عن القضاء على هذه “الدولة الاسلامية”؟ والى اي سيادة ستعود هذه المدن ؟ واذا كان البعض يجادل بأن الفلوجة مثل الرمادي والموصل وتكريت ستعود للسلطة الشرعية في بغداد، فلمن ستعود السيادة على الرقة؟ للحكومة السورية ام لمنظومة اتحاد شمال سورية الكردية ؟ ام لمعارضة الرياض السورية المسلحة، التي تصر المملكة العربية السعودية انها الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري ، ام الى تركيا، حامية حمى الطائفة السنية ؟
مفارقة اخرى في قمة الغرابة ، تتمثل في وقف معظم فصائل المعارضة السورية المسلحة في خندق “الدولة الاسلامية” في حربها ضد قوات سورية الديمقراطية الكردية التي تشن حربا لاستعادة الرقة، وربما النظام السوري ايضا ، سواء بشكل علني او سري ، والسبب ان معظم هذه الفصائل تقف في خندق الحليف التركي ، وتتبنى توجهاته، وتطيع اوامره، وتعارض هذا البروز للدور الكردي والدعم الامريكي له .
عندما حذرنا اكثر من مرة ، وفي هذا المكان، الرئيس رجب طيب اردوغان من ان تركيا ستدفع ثمنا باهظا لتدخلها في سورية ، ستواجه مخططات التفتيت والتقسيم والاستنزاف المادي والبشري نفسها، وان لم يكن اكثر، والمسألة مسألة وقت وتوقيت فقط، ثار علينا البعض في القصر الرئاسي التركي ومحيطه، ولم يتركوا شتيمة الا ووجهوها ضدنا، ووضعونا على القامئة السوداء وما زالوا .
تركيا الرئيس اردوغان تجد نفسها في مأزق من الصعب ان تخرج منه، الى دانب مآزق اخرى ليس هما مكان لسردها ، فالحليف الامريكي الذي لعب دورا كبيرا في توريطها في الملف السوري، وطعنها في الظهر، تماما مثلما طعن حليفها السعودي، وبات يدعم الاكراد وميليشياتهم ، ويمهد الارضية اللازمة لاقامة دولتهم على الارض السورية والتركية على غرار دولة كردستان العراق غير المعلنة .
ماذا سيفعل الرئيس اردوغان في مواجهة هذا المخطط ؟ هل سيكتفي بشتم امريكا ، واتهامها بالخيانة ودعم الارهاب الكردي ؟ ام سيتدخل عسكريا لنصرة حلفائه في المعارضة السورية المسلحة الذين يواجهون التهميش التدريجي لمصلحة الحليف الكردي ، الحليف المعتمد، للقوتين العظميين امريكا وروسيا .
اليوم افتتح الحزب الاتحادي الديمقراطي الكردي السوري مكتبا تمثيليا في قلب باريس ، وبحضور سيء الذكر برنارد هنري ليفي الصهيوني العريق، وسيتحول في المستقبل القريب الى سفارة بعلم وسفير ، وربما سيجاوره مكتب ، او سفارة اخرى، لحزب العمال الكردستاني ، فماذا سيفعل الرئيس اردوغان ؟
السيد غريب حسو ممثل  او “سفير” الحزب الاتحادي الديمقراطي الكردي في كردستان العراق، اكد يوم امس ان الرقة بعد تحريرها ستنضم الى النظام الفيدرالي الكردي الذي يضم ثلاث مناطق حكم ذاتي، اي انه سيتم اسقاط الهوية العربية عنها، فماذا سيقول الرئيس اردوغان وحلفاؤه في الخليج ؟
***

نحن لا نبريء النظام السوري في دمشق، ونحمله الجزء الاكبر من المسؤولية عما حدث ويحدث في سورية ايضا ، ولكننا هنا نتحدث عن الذين تدخلوا عسكريا وسياسيا وماليا في الازمة السورية ، وضخوا المليارات وآلاف الاطنان من الاسلحة، ووعدوا الشعب السوري بسورية جديدة نموذجية ، يعمها الرخاء والاستقرار وتسودها الحريات، بحيث يحسدها كل جيرانها العرب .
اليوم اعلنت الرئاسة السورية على صفحتها على “الفيسبوك”، وليس في بيان رسمي، نفيها نفيا قاطعا ان يكون عرض عليها اي مسودة جديدة لدستور سوري، واكدت ان اي دستور جديد لن يأت من الخارج بل سيكون سوريا فقط ، واكدت موسكو ان هذه المسودة المتداولة اصدرها مركز كارتر واعدتها فصائل سورية معارضة بمساعدة خبراء امريكيين ، ولكن ايا كانت الجهة التي اصدرت هذا الدستور، فإنه جاء بتفاهم روسي امريكي ، وسيكون على طاولة المفاوضات لاحقا .
ما يجري في الرقة حاليا ، واماكن اخرى في سورية ، هو تطبيق حرفي لهذه المسودة التي تركز على اسقاط الهوية العربية لسورية ، وتطبيق نظام “الفدرلة” والتقسيمات الطائفية والعرقية التي يقوم عليها، والضحية ، وكالعادة ، هم العرب بالدرجة الاولى، والاتراك بالدرجة الثانية، تماما كما حصل في اتفاقات سايكس بيكو الاولى .
جون كيري ، وزير الخارجية الامريكي ، قال ان سورية القديمة الموحدة لن تعود ، فكيف نفشل هذا المخطط، ونحافظ على وحدتها وتعايش اهلها، وتعزيز جيشها ، في اطار حكم تعددي ديمقراطي حقيقي؟ المهمة صعبة ، ولكن الخطوة الاولى، منع هذا المخطط وافشاله .


السبت، 21 مايو 2016

" النهضة ".. أوجاع الخلاص من المرجعية الإسلامية .

21 مايو 2016

" النهضة ".. أوجاع الخلاص من المرجعية الإسلامية .


د.سالم لبيض .


لا أحد من تنظيمات الطبقة السياسية التونسية وأحزابها يمكنه التغافل عن حجم حركة النهضة "الإسلامية" اللافت، وما تمتلكه من قدراتٍ تعبوية وإمكانيات تنظيمية ، أو يُنكر عليها نشوة الاحتفال بمؤتمرها العاشر الذي انطلق حسب ما خُطط له ، أمس الجمعة ، في حركة استعراضية، تنمّ عن الشعور بالفحولة السياسية والتفوق عن بقية مكونات الخارطة الحزبية التونسية المتشظّية في غالبها، إلا أن هذا المؤتمر لا يشبه ما سلف من مؤتمرات " الحركة الإسلامية " الأكبر في تونس ، منذ ولادتها ، جماعة إسلامية سنة 1972، مروراً بتأسيسها اتجاهاً إسلامياً سنة  1981 ، وصولاً إلى لحظة تجلّيها حزباً يحمل اسم حركة النهضة سنة 1988، استجابة لشرط قانون الأحزاب لسنة 1988 الذي يحجّر اعتماد الانتماء الديني الإسلامي، أو اللغوي العربي، صفة ومرجعاً للأحزاب السياسية . ومع ذلك ، لم تتحول "الحركة الإسلامية " إلى حزب قانوني إلا سنة 2011 ، منّةً عليها من الثورة التونسية ، بعد هروب بن علي ، وأفول نجم نظامه، وتفكّك آلته التسلطية الجهنمية .
وبمرور أربعين عاماً على نشأتها الأولى ، أي وهي في سنّ الوحي ، تجد "النهضة " نفسها اليوم، تعيش عسراً ووجعاً ، لم تعشهما حتى في سنوات جمرها ، أيام صراعها الدامي مع كل من بورقيبة وبن علي ونظاميهما الطاغوتيين ، كما كانت تصفهما في مراجعها العقائدية وأدبياتها الفكرية ، فهي مطالبةٌ بأن تنزع عنها ثوبها العقائدي ، وتتخلّص من مرجعيتها الإسلامية التي أنشأت عليها منخرطيها وأنصارها قبل قياداتها وزعاماتها ، وتغيّره بثوب فاقع لونه ، يسرّ الناظرين الليبراليين والغربيين ، والعلمانيين كافة ، كي تنال رضاهم أجمعين .
كتب راشد الغنوشي مقالاً في خمس صفحات ، وعلى قصره ، نُشر في مجلّة المستقبل العربي سنة 2009 عنوانه " الإسلام والعلمانية " ، حاول فيه أن يُصالح فيه فكره الديني مع المفاهيم العلمانية ، ضمن ما تسمى العلمانية المؤمنة التي نظّر لها يوماً عبد الوهاب المسيري ، ووجدت لها سبيلاً في التجربة العثمانية الجديدة في تركيا . لكن الغنوشي لم يكن متيقّظاً ومستشرفاً ، عندما وصف العلمانية الشاملة بمفهومها الغربي، وهي موضع إدانة لديه، بأنها " تتجه قدماً إلى نزع القداسة عن كلّ شيء ، وطرد المقدّس من العالم ، ومن كلّ نشاط اجتماعي أو خلقي وتحويل كلّ هذا العالم إلى مجرّد أدوات استعمالية ". إنه سيجد نفسه أسيراً لهذا المفهوم وإكراهاته الاجتماعية والقيمية، في أصوليته الغربية ، وليس في إخراجه الإسلامي، مثلما كان يتمنّاه ويروق له . وإلا ما الذي يعنيه فصل الدعوي عن السياسي الذي يُبَشّر به النهضاويون التونسيين كافة وجمهور المراقبين الدوليين بأنه خير عظيم ، سيسوّق باسم المؤتمرين الإسلاميين ؟ 
فالمعنى الحقيقي لهذا الفصل هو عدم التزام الإسلام قرآناً وسنةً نبوية شريفة ، وإرثاً فقهياً ، مرجعية عقدية وأيدولوجية لحركة النهضة، في فهمها ونشاطها السياسيين. يتجلّى ذلك الاتجاه من خلال القطع الكلي المنتظر مع الوثيقة التاريخية المعروفة بالرؤية الفكرية والمنهج الأصولي التي تعود إلى سنة 1986 ، وتقدّم مفهوماً للسلطة ضمن "وظيفة الخلافة التي تقتضي القيام على شريعة الله في الأرض" ، المحدّدة لمفهوم "الصلاح والفساد"، وفق "منهج التعامل مع الوحي نصاً وتطبيقاً". وستلتزم "النهضة " بدلاً عن ذلك بدستور 2014 مرجعية وحيدة للتشريع وسن القوانين، بما فيه فصل حرية الضمير الذي مازال يُحدِث جدلاً لا متناهياً في الأوساط الدينية التونسية، بسبب اعتداء بعضهم على المقدسات وتدثرهم بهذا الفصل الدستوري والاحتماء به . 
لا نريد أن نفتّش في سجل التنازلات التي كثيراً ما تمّ ترويجها تحت يافطة  التكتيكات التي تنسجم مع العلمانية الغربية ، أكثر منها مع "العلمانية الإسلامية "، لكن المواقف السياسية لحركة النهضة التي تتماهى وتنصهر في المقاربة العلمانية بلغت مداها ، وأفقدت الحركة لونها وهويتها الإسلامية ، خصوصاً بعد تجربتها في الحكم بين 2012 ومطلع  2014 . فقد تنكّرت الحركة لفكرة الخلافة السادسة التي أطلقها أمينها العام حمادي الجبالي، في نهاية سنة 2011 ، وهو يعيش على وقع الانتصار الكاسح لحركته في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. وقد يكون ذلك مبرّراً ، على الرغم من تأخر وعي الإسلاميين به ، نتيجة الأخذ بالظواهر من دون النظر إلى البواطن ، حتى من داخل الحقل المعرفي والتاريخي العربي الإسلامي، لأن الدولة المدنية الأولى التي أسّسها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة كانت متعدّدة الانتماءات الإثنية والقبلية والطائفية والدينية ، وحُكمت بدستور الصحيفة ، ولم تُحكم بالقرآن الكريم الذي هو وثيقة متعالية ، مطلقة في الزمان والمكان ، ناهيك عن أن الخلافة منذ الأمويين كانت ملكاً وسلالةً ، ولم تكن مؤسسة شورية ، كما هو حال الخلافة الراشدة .
لكن التجسيد الأكبر لمبدأ العلمانية الغربية ، في جانبها القيمي ، برز من خلال الموقف من المثلية الجنسية التي اعتبرها الشيخ راشد الغنوشي، في كتابه "حول موضوع الإسلام" (حوار مطول أجراه معه الصحافي الفرنسي أوليفي رافنيلو، وصدر سنة 2015 ) ، شأناً خاصاً إذا مورس في البيوت ، رافضاً تجريمه بهذا المعنى ، ورافضاً التجسّس على ممارسيه من أيٍّ كان . ولا يغازل الغنوشي بهذا الموقف فقط الغرب في موقفه من المثلية الجنسية والزواج المثلي، ويستجيب لشروطه في ضرورة علمنة المجتمعات العربية والإسلامية ، وخصوصاً في المستوى القيمي ، وإنما يناقض ، في مجاهرته بهذا الموقف ، آية قرآنية صريحة مستبطنة في الشخصية العربية ـ الإسلامية ، مفادها الدعوة إلى الخير بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ولم يقتصر سجل التنازلات على بعض المواقف الفكرية والنخبوية، وإنما شمل قضايا سياسية ذات طبيعة حيوية للمجتمع والدولة في تونس ، ويتعلق الأمر، هنا ، بالفساد بمضامينه الاقتصادية والمالية والسياسية ومصالحة قوى النظام القديم الذي أسقطه التونسيون في 14 يناير/ كانون الثاني 2011 . فالمتداول هو رفض " النهضة " قانون العزل السياسي، وبالتالي ، تمكين من عاث فساداً في الحياة السياسية التونسية ، وتزوير الانتخابات من فرصة العودة إلى مراكز القرار السياسي بكل يسر، كما أن مبادرتها للمصالحة الاقتصادية تندرج ضمن التوجه نفسه ، بتمكين من استولى على أموال التونسيين وثرواتهم ونهبها لصالحه من العودة إلى الحياة العامة ، والاستثمار الاقتصادي بدون قيود تُذكر، مع تبرير ذلك بالوضعية الاقتصادية الحرجة . ويناقض هذا الموقف بدوره مفهوم الصلاح والإصلاح الذي شجّع عليه القرآن الكريم ، قبل أن يظهر في مقاربات الشفافية والحوكمة التي باتت ركناً في العمل السياسي وأداء الدول وحكوماتها اليوم . 
وإن التنازلات التي تقدّمها " النهضة " باسم المراجعات وتونسة الحركة ، كما تضمنتها لوائحها التي ستناقش في المؤتمر العاشر، هي نتاج أخطاء تاريخية في فهم المسألة الدينية وتأويل نصوصها . وتنسف هذه الأخطاء نضالاً تاريخياً لقوى الهوية ، انطلق منذ الاحتلال الفرنسي، ولا يزال مستمرّاً مخترقاً عشرات السنين ، غايته تثبيت الهوية العربية الإسلامية لتونس ، واعتماد مرجعياتها قاعدة في الفكر والسياسة لدى الأحزاب الوطنية . 

وإذا كان الأمر يتعلّق بالأصوليات الأيديولوجية ككل في المقاربات السياسية ، فإن جل الأحزاب لم تراجع صنمياتها العقدية والأيديولوجية ، بطريقة عمل "النهضة" على الخلاص من "وحل" مرجعيتها الإسلامية . أما إذا كان هذا التمشي غايته التموقع السياسي ، وأخذ موقع دائم ومريح في الدولة ، وليس الاحتجاج عليها ، بأي ثمن كان ، فلا بد من الإقرار بأن الحركة الإسلامية التونسية أضاعت أربعين سنة من تاريخها ، لكي تتحول إلى حزبٍ بدون لون ولا مرجعية ، أو لنقل إنصافاً، بمرجعية ليبرالية .

الخميس، 19 مايو 2016

بالعربي الفصيح ..

بالعربي الفصيح ..

الثورة السورية ، الحقيقية ، الشعبية والعفوية التي خرج فيها ابناء حارات الشام الاصيلة وشبابها الثوري منتفضا ، مناديا  بالحرية والكرامة ، على طريقة ابناء سيدي بوزيد والمكناسي وبن عون وبوزيان وتالة والقصرين وغيرها من الأحياء والمدن التي قدّمت الشهداء ، انتهت عمليا منذ بداية صيف 2011 .. وقد كان من أنهاها عمليا ، كل الرجعيات المهرولة من خارج سوريا لعسكرة الثورة ،  وتحويلها الى آداة للتلاعب بمصير الشعب السوري ومستقبله ، وجعلوا منها فوضى تخدم مصالحهم الخاصة على حساب استقرار سوريا وأمنها ووحدتها ..  في حين كان المنتفضون يرفعون " شعار سلمية ، سلمية " في الميادين ، رافضين تدخل تلك الأيادي العابثة التي عملت منذ البداية على اختطاف الثورات ، وتشويهها ، اما من طرف الانظمة الرجعية التي دخلت بكل ثقلها على الخط  لتحويل فكرة الثورة في اذهان الجماهير الى فوضى تكرهها الشعوب وترفضها ، فلا تفكر شعوبهم في الثورة عليهم حتى لا يصيبهم ما اصاب تلك الشعوب التي عرفت الثورات .. !! ، أو للاستفادة منها في الوصول الى السلطة من طرف القوى المدفوعة دوليا واقليميا لركوب الموجة ، حتى تقطع الطريق أمام الجماهير المنتفضة ، وتمنعها من تحقيق أهدافها المرجوّة ..
وقد كانت وسائل الاعلام التابعة لذلك الحلف الرجعي الوسيلة البارعة في قلب الحقائق وفبركة الافلام وتركيب الصور ، وترويج الأكاذيب حول الجيوش المنقسمة والقيادات المتمرّدة ، فصارت تبنى من الحبة قبة ، في التصريحات ونشرات الاخبار، وفي البرامج الحوارية وعند صياغة التقارير، وتوضيف الارشيف في تزييف الحقائق التاريخية وغيرها من الوسائل التي استعملت استعمالا دقيقا ومهنيا لقصف العقول وصناعة الرأي العام خلال تلك المرحلة ، فضلا عما رُصد لها من سلاح واموال وحملات تجنيد واغراء منقطع النظير وصولا الى هدف واحد : تحويل الثورات الى فوضى ..
ولعل مثل هذه الحيل والاساليب كانت تنطلي فعلا على عامة الناس ، الا أن القوى الثورية الحقيقية ، العارفة بالادوار وخفايا الامور ، سرعان ما ادركت الحقيقة .. وتجلت أمامها الصورة منذ بداية الاحداث في ليبيا بظهور اللاعبين الدوليين وعرّابو الثورات في المقدمة : برنارد ليفي ، وجون ماكاين ، وساركوزي ، وحمد ، والقرضاوي ، والسلطان اردغان ، وامراء النفط من آل سعود ، وبقية الانظمة العميلة في الخليج ومصر والسودان والمغرب وتونس تتبعهم جوقة الاخوان في تلك الدول ... وحتى اسرائيل كانت في الصورة ، حينما بتنا نرى برنار هنري ليفي ينتقل من ليبيا مباشرة الى تل ابيب ثم يعود متجوّلا بين العسكريين .. وسرعان ما اصبحت الثورة المزعومة تحت القيادة  المباشرة لحلف النيتو وحلفاءه .. !!
ولم يقف الامر عند هذا الحد ، بل أصبح كل الدراويش في العالم يدعمون الثورات في ليبيا وسوريا ويساندونها .. هكذا لوجه الله .. وحبا في الجهاد ومناصرة الشعوب المقهورة في سوريا وليبيا فقط .. بينما فلسطين يعطونها بظهورهم في القنيطر وسيناء ، فلا يفجعون الصهاينة حتى بقنبلة يدوية محلية الصنع كما يفعلون في كل العواصم العربية ضد امنها وجيوشها ومتساكنيها .. وهكذا ايضا وبكل بساطة ، اصبح الحكام العملاء ، الملطخة ايديهم بدماء الأطفال الأبرياء في شوارع بغداد وليبيا واليمن وحارات الشام ثوارا يدعمون الثورات .. وأصبحت الأنظمة الرجعية العميلة في قطر والسعودية ، المسوّدة وجوههم بالخيانات والمؤامرات منذ نشأتهم ، غيورين على الشعوب ، يقيمون الندوات الخاصة والمؤتمرات في العواصم العربية والاجنبية لدعم الثورات .. ولا يرون الديكتاتورية الا في سوريا .. !!
سقطت الأقنعة .. !!
فهذه البحرين في الجوار ، قامت فيها ثورة حقيقية ، دامت شهورا طويلة ينام خلالها الشعب الأعزل في الساحات ، لماذا تآمرتم عليها ، واتيتم لها بدرع الجزيرة تدوسون بها المتظاهرين وتسحلونهم في الشوارع اما العالم ، وتزجون بالمئات منهم في السجون دون محاكمات .. ؟؟
وهذه انتفاضة السودان سنة 2013 التي قبرت باسرع وقت وسط صمت عربي وحقوقي رهيب وقد وصل عدد الضحايا بالمئات بين القتل والسجن والجلد للمتظاهرين في الشوارع والساحات ..!! 
فاين الحقوقيون الذين لا يرون الديكتاتورية الا في سوريا وهو يتحالفون مع اشد الانظمة تخلفا مثل قطر والسعودية .. ولا يرون القصف الهمجي في اليمن ، والدمار والفوضى والترويع الذي يلحقه الحلف الرجعي  بابناء هذا الشعب الذي ثار على الظلم ، فنال السخت والعقاب من آل سعود .. ؟؟
سقطت الاقنعة .. ورأينا أدق التفاصيل ، ولم يعد يصدّق ما تروجه وسائل الاعلام المأجورة الا السذج .. ولتسقط الثورات التي تدعمها الرجعية المتخلفة ، والمتحالفة مع أعداء الامة ..
لتسقط الثورات التي تاتي بالدمار ، وتبيد الشعوب ، فتحوّل الحياة الى جحيم ..
لتسقط الثورات التي تباركها اسرائيل وتداوي جرحاها وتحمي ظهورهم ، وتقصف معهم بالطائرات ..
نعم .. لتسقط الثورات التي يتزعمها الدراويش والظلاميون الذين يفتحون المدن بالسواطير والاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة في المدارس والمستشفيات والاحياء ..
لتسقط الثورات التي تخرّب النسيج الاجتماعي ، وتثير الفتن المذهبية وتجعل المجتمعات مسرحا للصراعات والثارات والاحقاد ..
أجل .. اذا كان ما رأيناه في سوريا هو المقصود بالثورة  ، وتلك وسائلها وأهدافها ، فلتحيا الديكتاتورية الى الأبد .. !!
فالمساندة المبدئية للثورات الشعبية لها اسس ثابة لا بد ان تكون متوفرة قبل كل شئ ، وهي ان تكون الثورة مستندة الى قاعدتين أساسيتين :
القاعدة الاولى  تقوم على مسلمة بسيطة ومعروفة مفادها أن : الوجود شرط التطوّر .. ومعناه ببساطة ، أن لا وجود لثورة تكون نتائجها تقسيم المجتمع وتفكيك روابطه وانحلال نسيجه الاجتماعي ، الذي يعود به مئات السنين الى الخلف  ..
والقاعدة  الثانية تقوم على التسليم بأن الثورة فعل ايجابي لا يلبث حين ينتهي أن يُحدث تغييرا الى الافضل . لذلك يتخذ العمل الثوري الحقيقي - طوال مسيرته - نسقا تصاعديا يراكم لاحداث ذلك التغيير .. وعليه فان ما لا يجب تصديقه دائما ، هو القول بان كل من يستعمل العنف ويدعي أنه يقاوم الديكتاتورية هو بصدد انجاز ثورة ..
ووفقا لهذه المسلمات نعرف الثورة ..
فالثورة لها ملامحها وأسسها وأساليبها ورجالها .. ولها أيضا منطلقاتها وغاياتها التي يتحدّد بها شكلها ومضمونها .. ولهذا ، فالثورة يجب أن تكون شعـبية قـبـل كل شيئ ، تـنـظمها وتؤطرها القوى الوطنية الثورية المعـروفة عادة برموزها ونضالها الطويل على الساحة السياسية والنقابية والحقوقـية ، فلا يمكن مثلا ان يكون رموز الثورة غـرباء عن الشعب ، ملثمون ، يحملون أسماء مستعارة ، قادمين كالجراد من ساحات بعيدة عن ساحة الثورة ، جاهلين بواقع المجتمع وظروفه ومعاناته وتطلعاته .. كما يجب ان يعـبّـر الثوار عن هموم الناس ومشاكلهم الحقيقية ليكونوا قادرين فعلا على قيادة الثورة وتوجـيهها نحو أهداف معـلنة ومعـروفة ..  وفوق هذا يُفـتـرض أن تـنأى تلك القيادات الثورية بنفسها - بحكم نقائها الثوري وعقيدتها الثورية وأهدافها النبيلة الواضحة ومثـلها العـليا ومشروعها التحرّري الانساني - عن كل الشبهات في التعامل مع الأطراف المعادية ، من خلال الرفض المبدئي سواء للاتصال أوالتـنسـيـق أو التعاون مع القوى الرجعية المحلية ، ومع الاعداء التاريخـيـيـن للأمة لانها تدرك أن غاياتها تتناقض مع غاياتهم ، وانها من اجل ذلك ستـتـصادم معهم في قادم الايام .. ثم ترفض التمويل المشبـوه الذي يجـرّها الى التبعـية والتـنازل عن أهدافها ، فلا تعتمد الا على قواها الذاتية متمثلة في أبناء الشعب وحدهم .. وكل هذا كان غائبا ـ منذ البداية ـ  في ساحتي ليبيا وسوريا تحديدا ..
ثم ان الثورة والثوار الحقيقيين لا يمكن أن يستهدفوا كيان الدولة ومؤسساتها الامنية والعسكرية ، لانهم يدركون مسبقا ما يقود اليه الفراغ الامني والمؤسساتي في المجتمع ، وامامهم المثال العراقي بعد الغزو الامريكي ، بل انهم يتجنبون تلك الاساليب ـ عمدا ، وعن وعي ـ للحفاظ على  وحدة  المجتمع وأمنه واستقراره على المدى القريب والبعيد ..

والثوريون الحقيقيون لا يتمادون في مساندة الفوضى ، ولا يدفعون بأوطانهم الى الدّمار ، وبشعوبهم الى الفناء ، لمجرّد انهم يختلفون مع النظام القائم ، أو لأنهم يرفضون الديكتاتورية ، وهم يعلمون ان البديل هو تلك الفوضى التي تستغلها القوى الظلامية للوصول الى السلطة ، وفرض مشروعها الاشد استبدادا وتخلفا ، بكل الاساليب المدمرة للحضارة والانسان والوجود بأكمله .. 

الثورات اطهر من هذا كله ..

( القدس ) .