بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 سبتمبر 2013

انجازات ثورة يوليو : الفعل قبل الكلام ..

انجازات ثورة يوليو : الفعل قبل الكلام ..


بعد قيام ثورة يوليو بـ 45 يوما فقط ، اصدرت الثورة قراراتها الثورية المتمثلة في قانون الاصلاح الزراعي الاول  بتاريخ 9 سبتمبر 1952 معلنة عن هدم العلاقات الظالمة التي كانت سائدة قبل ذلك التاريخ حيث لا حرية و لا كرامة لقطاع واسع من شعب مصر من الفلاحين الذين يقعون تحت سيطرة الاقطاعيين .. وهذه كلمة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر سنة 1961 جاء فيها :
 " فى سنة 52 لما طلبنا من الأحزاب انها تتولى الحكم طلبنا منها أن تقضى على الإقطاع وتتولى الحكم ، ولكن الأحزاب رفضت أن تقضى على الإقطاع . 
الوفد فى سنة 52 رفض ، قال اننا نوافق على ضريبة تصاعدية، وهذا يرفع دخل الخزانة ، كان ردى لهم : اننا لا نريد أن نرفع دخل الخزانة.. نحن نريد ان نحرر الإنسان.. نحن نريد الفلاح يقدر يقول نعم ، ويقدر يقول لأ .. وطالما هو عامل عـند الإقطاعى لن يستطيع أن يشعـر بالحرية مهما كتبنا فى الدستور إن فيه حرية ، ومهما كتبنا فى الدستور إن فيه ديمقراطية ، ومهما عملنا انتخابات ؛ لأن عند الإقطاعى سيشعـر بأنه محتاج إلى أجر. وإذا لم يسمع كلام الإقطاعى فليس له أجر، والإقطاعى ياخده هو وزوجته  وأولاده ، وبرميه خارج القرية ، لن يستطيع أن يجد لأبنائه العشاء .  
  إذن ليس أمامه من سبيل إلا انه يسمع كلام الإقطاعى؛ الإقطاعي يقول له اذهب صوت فى الانتخابات واعط صوتك لفلان.. فاما أن يعطي صوته لفلان واما يطرده . فلا يجد أكل ولا يجد شغل ، ثم يقولون ان هذه حرية ، وان هذه ديمقراطية ... 
الأحزاب رفضت إنها تقضى على الإقطاع ، ولكنا صممنا أن نقضى على الإقطاع ؛ لأننا نؤمن فى قرارة أنفسنا أن لا يمكن لشعب أن يذوق الحرية إلا إذا تحرر الفرد فيه ، ولا يمكن للفرد أن يتحرر إلا إذا أقيمت بين ربوع الأمة الديمقراطية الاجتماعية .. إلا إذا قضى على الاستغلال بكل معانيه .. إلا إذا قضى على الإقطاع .. إلا إذا أصبح الفلاح سيد نفسه ... 
 هذا هو الكلام الذي حققه قانون الإصلاح الزراعى، قانون الإصلاح الزراعى حوّل الفلاح الأجير الذي كان تحت سيطـرة الإقطاعى، والذي كان تحت حكم الإقطاعى ؛ إلى مالك للأرض يعمل فى أرضه ، سيد نفسه ، يشعـر بأنه حـر لا يستغـله إنسان آخـر؛ وبهذا يستطيع هذا الفلاح المالك.. هذا الفلاح الحـر.. بعد أن تخلص من الإقطاع  ومن الإقطاعى ؛ أن يقول نعم أو يقول لأ ، لا يوجد احد يقدر أن يطرده من أرضه.. ولا يوجد احد يقدر أن يحرمه من عمله ؛ لأن الأرض ملكه .. وتحول من عامل أجير إلى صاحب أرض، وتحول من فلاح يعمل للإقطاعي إلى فلاح يعمل من أجل نفسه ومن أجل عائلته . 
هذه هي الحرية الحقيقية.. وهذه الديمقراطية الحقيقية.. هذه المساواة.. يمكن لم نقدر ان نوزع أرض كثيرة على الفلاحين ، وزعنا على الفلاح خمس فدادين ولكن الفلاح بالخمس فدادين يشعـر أن رأسه برأس الإقطاعى ، أو رأسه برأس صاحب الأرض الكبيرة . وبهذا يقدر يعيش عيشه كريمة.. يقدر يوفر لنفسه حياة سعيدة.. يقدر يكون حر، وسيد نفسه. هذه الحرية كما نفهمها ، وهذه الحرية كما نعـنيها .. هذه الحرية الاجتماعية التى يجب أن تقوم جنباً إلى جنب مع الحرية السياسية، ولا يمكن - أيها الإخوة - أن تقوم بين ربوع هذه الأمة الحرية السياسية بأى حال من الأحوال ، إلا إذا توفرت الحرية الاجتماعية ؛ لأن الحرية الاجتماعية هى الأساس الذى يتحرر به الإنسان ، ولا يمكن للحرية السياسية أن تكون ذات معـنى إلا إذا كان الإنسان حراً.. حر من إيه ؟! حر من سيطرة الإقطاع.. حر من سيطرة رأس المال.. حر من سيطرة الاحتكار ... " 

( نشرية القدس عدد 91 ) .  

عن الحرية و الكرامة في الاسلام ..

عن الحرية والكرامة في الاسلام ..

لقد شاء الله سبحانه ان يكون الانسان مكرّما و مفضلا . قال تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم عن كثير ممن خلقنا تفضيلا ) الاسراء 70 .
ولما كان التكريم والتفضيل للانسان اختيارا الهيا فقد اقتضت حكمته ان يمنحه الحرية المطلقة في اختيار ما يشاء في الحياة الدنيا على مسؤوليته الكاملة .. ومنها نتعلم ان لا عبودية الا لله .. ولا كرامة انسانية بدون حرية ..
 ثم لما كان التكريم والتفضيل يشمل الناس جميعا ، فان ذلك المبدأ كان  يقتضي تحقيق العدل والمساواة بين الناس .. قال تعالى : " ان أكرمكم عند الله أتقاكم " ( الحجرات ) ، وفيها يبرز معيار القرب من الله عـز وجل ، وهو العمل الصالح والتقوى لا غير .. وفي نفس السياق تقريبا قال صلى الله عليه وسلم معـبرا عن تلازم مبدا التكريم بالمساواة بين الناس ، عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أكرم ؟ قال : " أكرمهم عند الله أتقاهم " . وقال : "  إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " ..
ولعل من يتأمل فلسفة " الاستخلاف " ذاتها ، يجد انها قد قامات منذ البداية على مبدأ القبول الحر من المستخلف الذي سيحاسب على ما استخلف فيه ( الامانة ) .. وقد ورد معـنى القبول للاستخلاف  في القرآن من خلال التأكيد على ان تلك المهمة الثقيلة رفضتها السماوات و الارض و الجبال وقبلها الانسان .. !! و هي وان كان فيها جانب مبهم ، الا انها واضحة الدلالة على اثبات معـنى حرية الاختيار بقطع النظر عن التبعات . قال تعالى : ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً )(الأحزاب:72 ). .             
الحرية و الكرامة الانسانية ثنائية متلازمة . فلا حرية بدون كرامة ، ولا كرامة بدون حرية  . ثم ان تلك الثانئية هي المتمّمة للعدل الاهي . اذ بدون تلك  الشروط الاساسية لا يستقيم الحساب سواء بالعقاب أو بالثواب ..
هكذا بكل بساطة فهمها عمر بن الخطاب : الانسان حـر .. حيث قال منذ خمسة عشر قرنا خلت : " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ " ..
 ان منح الحرية و الكرامة للانسان هو تأكيد عن رفع الوصاية على الناس طالما ان كل انسان سيعيش بتلك الامتيازات تحت الرقابة لينال الجزاء المناسب في الآخرة .. وعليه فانه لا حجة لمسلم على مسلم الا النصيحة . قال صلى الله عليه وسلم : " الدين النصحة " .. ولو كان في الاسلام كهانة أو وصاية أو اكراه لما تكرّرنفس المعـنى في القرآن الكريم نفيا لتلك النزعات بمثل ما ورد فيه من الآيات المحكمات واضحة الدلالة للخاص والعام ..
وهذه نماذج من آيات القرآن الكريم التي تؤكد فعلا بكل وضوح أن لا وصاية على الناس في الاسلام حتى من الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه ..
* (  وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) 28 سبأ.  
* ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) 99 يونس 
* ( فمن شــاء فليؤمن ومن شــاء فليكفر ) 29 الكهف .
* (  ولو شــاء لجمعهم على الهدى ) 35 الأنعام .
* ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ) 118 هود .
* (  ولو شاء الله ماأشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل ) 107 الأنعام .
* (  من اهـتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولاتـزر وازرة وزر أخرى ) 15 الإسراء .      * لعلك باغع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ، ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فضلت أعناقهم لها خاضعين )  3 - 4 الشعراء .                                                                                                              * ( أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ) 19 الزمر . 
 * (  ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) 35 الأنعام .
* ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ماأشركنا قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين )148-149 الانعام . 
* ( لااكـــراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) 256 البقرة .
* ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأمـيـيـن أء سلمتم فان أسلموا فقد اهـتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ المبين والله بصير بالعباد ) 20 آل عمران. 
* ( وما أرسلناك عليهم حفيظاً أن عليك إلا البلاغ ) 48 الشورى .
* ( وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) 56 الفرقان .
* ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) 43 الفرقان .
* (  إن أنا إلا بشير ونذير لقوم يؤمنون ) 188 الأعراف .
* (  إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ) 12 هود .
* ( قل ياأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ) 49 الحج .
* ( إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين ) 50 العنكبوت .
* (  إنما أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ) 119 البقرة .
* (  وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) 105 الإسراء .                                                                           
 * ( إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) 45 الأحـزاب .                                                                              
* ( فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ )  40 الرعد .              
* ( إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ) 56 القصص .

* ( لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ) 272 البقرة .

( نشرية القدس عدد 91 ) . 

ايلول - سبتمبر : شهر الذكريات الاليمة .. !!


ايلول  -  سبتمبر : شهر الذكريات الاليمة .. !!

في مثل هذا الشهر وقعت أحداث مزلزلة غيّرت مجرى التاريخ العربي الى الاسوء ، وهي لا تزال عالقة بالاذهان بسبب تلك الأهمية ..
 ففي يوم 28 من شهر سبتمبر سنة 1961 ، حدثت جريمة الانفصال النكراء بين قطري الجمهورية العربية المتحدة مصر و سوريا عن طريق الدسائس و المؤامرات التي لعبت فيها المملكة العربية السعودية دورا مهما بالتعاون مع المخابرات البريطانية و الامريكية ..
 هذه الدوائر العدوة لمشروع الوحدة لم يهدأ لها بال منذ ان تحول الحلم الى حقيقة بتحقيق اول وحدة اندماجية حقيقية بين قطرين عربيين سنة 1958 .. لذلك مانفكت  تعمل على تجنيد العملاء في سوريا للاقدام على حركة الانقلاب الذي تم فجر يوم 28 سبتمبر 1961 لمنع استمرار الوحدة واتساع دائرتها بالتحاق أقطار أخرى ..
في نفس الشهر وبعد حوالي 9 سنوات تعرضت الثورة الفلسطينية الى التصفية والغدر من طرف النظام الاردني في محاولة لانهاء الوجود العسكري الفلسطيني مع التضييق على المدنيين في الاردن حتى لا يفكر أحدا منهم في القيام بعمليات فدائية على حدود فلسطين ..  فكانت المجزرة التي ارتكبتها القوات الملكية في 17 سبتمبر 1970 بمثابة الصدمة لثورة يوليو وقائدها الذي بذل كل جهده لايقاف المؤامرة التي باتت تستهدف الفدائيين .. 
لم تكد تلك الاحداث الاليمة تنقضي ، وخلال 11 يوما متتالية من الاجهاد والمعانات عاشها عبد الناصر جراء محاولاته المضنية لايقاف نزيف الدم الذي تعرض له الفلسطينيون ، حتى وقعت المصيبة .. 
 فبعد أن سخّرت مصر كل امكانياتها ، دعت لقمّة عربية طارئة تولى عبد الناصر خلالها بذل أقصى جهوده لاطفاء نار الفتـنة و ايقاف المذبحة ، واصر على ايجاد حلول توافقية بدل الاقـتـتال .. غير أنه وبعد توديعه للوفود الحاضرة تعرض الزعيم الراحل الى أزمة قلبية مفاجئة أودت بحياته يوم 28 سبتمبر 1970 وهو في مقـتـبل العمر وفي أوج العطاء لمصر والامة العربية التي ألهب فيها مشاعـر الحرية والوحدة ، فخـرجت الجماهير العـربية عن بكرة أبيها تودع زعيمها  بالحسرة والاسى والحزن ..

( نشرية القدس عدد 91 ) . 

أيلول الاسود ..

أيلول الاسود ..


" ادى رائد الامة العربية أشرف واجب حـتى اللحظة الاخيرة " .. هو عنوان  ظهر على الواجهة في جريدة الاخبار يوم  وفاة  عبد الناصر تعبيرا عن حدث الرحيل  وما اتصل به من ظروف حرجة عاش الزعيم الراحل أدق تفاصيلها وهو يصل الليل بالنهار من أجل ايقاف النزيف الذي تعرضت له  المقاومة الفلسطينة ، وقد أصبح بموجـبه شهر ايلول منذ ذلك التاريخ شهرا اسود ..
هكذا اصبح يسمّى هذا الشهر في أوساط الاعلام والسياسة على مدى أكثر من ستين عام مرت على اندلاع حرب المخيمات في شهر ايلول سبتمبر 1970 ، بعد أن اصبحت المقاومة تسبب حرجا للنظام الاردني العميل .. فحدث المحضور وسقط آلاف الشهداء والجرحى من المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين ، فكانت تلك الاحداث التي أطلق عليه أحداث ايلول الاسود ، سببا مباشرا في تعكر صحة عبد الناصر ، ووفاته في نهاية القمة العربية المنعقدة نهاية الشهر  ..
لم يكن وقع تلك الاحداث سهلا على زعيم الامة الذي أشرف بنفسه وساهم وخطط وقدم كل انواع المساعدة للثورة الفلسطينية ، التي وصفها بأنها " أنبل ظاهرة وجدت لتبقى " ... فلم يكن ذلك هينا عليه وهو يراها تتعرض للابادة باعصاب باردة وبدهاء سياسي عُـرف به النظام الاردني الذي استطاع اخفاء لقاءاته مع شخصيات من الكيان الصهيوني  قبل أن يفكر السادت في التطبيع معهم بسنوات .. !! 
ان تعرض المقاومة للعدوان من طرف نظام عربي مستجيرة به ، يعتبر غدرا وخيانة في نظرعبد الناصر ، واضعاف لقوى الثورة ، وهي بالتالي  خدمة مجانية لأعداء الامة ، فلم يهدأ عبد الناصر منذ اندلاع الاحداث في 17 سبتمبر حـتى تمكن من عقد قمة عربية طارئة في نهاية الشهر أثمرت بعد أعمال مضنية واجهاد متواصل للنفس مرّ به  قبل القمة واثناءها  للخروج من الازمة ، وحقن دماء عربية لمقاتلين اشداء لا تزال تحتاجهم أمتهم في معارك مع العدو ..

غير انه وفي نهاية اليوم الثامن والعشرين أصبح شهر سبتمبر أكثر سوادا وحزنا وحسرة .. برحيل الزعيم الى جوار ربه  في  ذكرى الاسراء والمعراج .. وفي ذكرى انفصال سوريا عـن دولة الوحدة .. وهي ماساة ثالثة من المآسي التي عرفتها الأمة في هذا الشهر ..

(نشرية القدس عدد 91 ) .

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

لا ثورة بدون قرارات ثورية ..

                         لا ثورة بدون قرارات ثورية ..


في يوم 9 سبتمبر 1952 أي بعد 46 يوما فقط من عمر الثورة ، صدر اول قرار تاريخي في مصر يقضي بتحديد الملكية الزراعية ، ومصادرة الاراضي الفلاحية لكبار الملاك الاقطاعيين المعروفين بطبقة النصف في المائة حيث كان حوالي 0.5 فقط من عامة الشعب يملكون  حوالي 38% من الاراضي الزراعية الخصبة وهم الذين يستأثرون بالمناصب والمسؤوليات الهامة في الدولة .. وهم ايضا الذين ينشئون الاحزاب و يملكون الجرائد ويستمتعون بالسيارات الفارهة و القصور الفخمة .. ومنهم الباشوات والباهوات والوزراء ورؤساء المخافـر، وعمدة البلد .. في حين يرزح ثلاثة أرباع الشعب تحت خط الفقر ، فلا يعرف ابناؤهم ، المعهد أو الجامعات .. ويعـيشون في أغلب الاحيان على الضروريات التي تكفيهم لمجرد البقاء على قيد الحياة ..  لذلك كان اصدار القرار الاول للاصلاح الزراعي قرارا ثوريا بامتياز ، استطاع ان يقلب الموازين ويحطم القوانين والاعراف السائدة بين السادة والعبيد ويغير العقليات والمسلمات .. حين اصبح العامل المملوك بالكامل لصاحب الارض ، يحمل عقد الملكية للارض التي كان مستعبدا فيها .. فـتهدّم فجأة سرح العـبودية و الاستبداد الذي كانت تفرضه العلاقات الاقطاعية الظالمة .. معلنة عن تحرير قطاع هام من الشعب المصري متمثلا في الفلاحين .. وكانت تلك القرارات الجريئة خطوة أولى على طريق الثورة الاجتماعية الحقيقية التي ينتظرها الشعب ..
( القدس عدد 90 ) . 

حكومة الطراطير .. !!

حكومة الطراطير .. !!

معروف منذ البداية ان لتونس رئيس" طرطور" لا حول له و لا قوة في كل ما يجري حوله ، وهو آخـر من يعلم بكل ما يقع من أحداث مهمة في الداخل والخارج .. وهوأيضا لا يستطيع ان يتخذ أي قرار جريئ ، أوأن يحاسب مسؤول أو يغـيـره من مكانه كما يفعل رئيس الحكومة أو اي وزير في تعـيين الموظفين حسب صلاحياته في وزارته .. ولذلك يبدو الامـر واضحا أكثر لدى الاطراف الخارجية التي باتت تعرف من هو الاقرب لتحقيق مصالحها فـتـتعامل معه مباشرة ، ولا تعـير اي اهتمام لمن هو دون المستوى المطلوب حتى و لو كان بصفة رئيس ..على غرار اتصالات فرنسا و الجزائرالاخيرة  بكل من رئيس حركة النهضة ونداء تونس للتأثير على مجريات الاحداث والتي أثارت على ما يبدو حفيظة الرئيس ..
والواقع فان صدور القانون المنظم للسلط ، الذي حدّد صلاحيات المسؤولين كان معدا بعناية " لطـرطـرة "رئيس الدولة بالدرجة الاولى حـتى يتسنى للحزب الحاكم - صاحب الاغلبية في المجلس التاسيسي ، والذي فضل اعطاء صلاحيات غير محدودة لرئيس الحكومة مع التشبث بذلك المنصب ، كخطوة أولى - للهيمنة على سلطة القرار التي لا ينقصها الا السيطرة على مفاصل الدولة و مؤسساتها من خلال التعيينات الحزبية ، وهو ما نفذته حركة النهضة بكل عناية ..
المشكل ان الاحداث الاليمة التي وقعت مؤخرا في جبل الشعانبي وحوادث الاغتيال السياسي كشفت ان الحكومة تقودها مافـيا والبقية    " طراطير"آخرين لا ينقصهم شيئا عن رئيسهم ..فالمتأمل في تفاصيل الاحداث التي أدت لوقوع تلك المآسي في صفوف الجـنود ، وفي أسرار الوثيقة الاستخباراتية المسرّبة أخيرا حول اغتيال الشهيد محمد البراهمي ، يجد أن المسؤولين المباشرين في تلك الوزارات المعـنية يقفون في التسلل .. حالهم حال "الاطرش في الزفة " وعلى رأسهم وزير الداخلية الذي قبل بوضعه بين مافيا الامن الموالي والموازي ، مكتفيا بتقديم الاعذار من خلال التعـبيرعن جهله بما يدور حوله في وزارته فانطبق عليه المثل القائل :"رب عذر أقبح من ذنب " ..
وهو وضع مأساوي ناتج عن غياب دولة المؤسسات التي لا يؤمن بها منتسبو النهضة من أساسها .. لان حزبهم الذي ينتمون اليه يقوم على خلفية السمع و الطاعة و الولاء للشيخ ، لذلك هم لا يمكن ان يسهموا في بناء دولة عصرية تحكمها القوانين والمؤسسات بدل الاوامر الفردية ..

انها مهزلة حقيقية فعلا ، وقلة مسؤولية ، واستخفاف بعقول الناس ، وبأمنهم وحياتهم ، وبسيادة الدولة ومؤسساتها التي يتلاعب بها الازلام القدامى والجدد في حضرة الطراطير .. في حين نرى كل طرطور يبرّئ نفسه ، أو يتهم مجهولين ، ولا يتجرأ أي منهم على تحمل المسؤولية ، ليعـبر بها عـن ذرّة من ذرات " الرجولة " .. فيقول للناس انه أخطأ ، وان وجوده و وجود المسؤولين أمثاله قد أصبح جريمة في حق الوطن والمواطن ..  

نشرية القدس العدد 90 .

الاثنين، 16 سبتمبر 2013

العلم في سوريا : بين رمز الوحدة .. و رمز الانتداب ..

             العلم في سوريا : بين رمز الوحدة .. و رمز الانتداب ..


مرت على سوريا عدة نماذج من الاعلام التي يختزل كل نموذج منها جوهر ومضمون تلك الفترة التي يمثلها .. ففي البداية كان العلم العثماني رمزا للدولة العثمانية و تعبيرا عن ولاء سوريا للباب العالي ، وحيث استمرت تبعية  بلاد الشام بأكملها الى الدولة العثمانية حتى 30 سبتمبر 1918.. ثم يأتي بعد ذلك علم الثورة العربية بعد ان اسقطت حكم العثمانيين معلنة عن رفضها لسياسة التتريك .. فكان علم الثورة العربية رمزا لارادة التحرر من هيمنة الاتراك و قد استمر هذا العلم حتى 8 آذار سنة 1920 تاريخ الاعلان عن استقلال سورية عن السلطة العثمانية وقيام المملكة السورية ..

اثر ذلك وطوال فترة الانتداب ، شهدت سوريا عدة نماذج من الاعلام منها العلم الذي ترفعه المعارضة الحالية ، وتدل كلها بما لا يدع مجالا للشك على خلفيتها الطائفية الواضحة التي اراد الاستعمار زرعها بين المواطنين .. فعرفت ما يسمى بعلم دولة دمشق ، ودولة حلب ودولة جبل الدروز ودولة جبل العلويين .. حتى جاء العام 1930 حين "  أصدر المفوض السامي الفرنسي هنري بونسو المرسوم 3111 والذي " يقضي بوضع دستور دولة سورية ، وجاء في المادة الرابعة من الباب الأول ما يلي : ( يكون العلم السوري على الشكل الآتي : طوله ضعـف عرضه ، ويقسم إلى ثلاثة ألوان متساوية متوازية ، أعلاها الأخضر فالأبيض فالأسود ، على أن يحتوي القسم الأبيض منها في خط مستقيم واحد على ثلاثة كواكب حمراء ذات خمسة أشعة ) " (ويكيبيديا ) . و ترمز النجوم الثلاث في هذا العلم الى ثلاث مناطق في سوريا هي حلب ودمشق ودير الزور .. ويعرف هذا العلم بعلم الانتداب الذي تصر الجماعات الارهابية المسلحة على رفعه .. 

أما العلم الحالي فهو علم الوحدة بين مصر وسوريا الذي تعبر فيه النجمتان عن وحدة قطرين عربيين تمت بالفعل سنة 1958 .. وهو بالتالي يرمز لوحدة الامة بأكملها كما ينص على ذلك دستور الجمهورية العربية المتحدة .. وحيث كانت الوحدة في تلك الفترة خطوة تقدمية عملاقة انطلقت بالامة من واقع التخلف والتجزئة ولتفرقة المذهبية والعرقية والطائفية التي حاول الاستعمار زرعها بين مكونات الامة الواحدة ، الى الوحدة القومية التي يتساوى فيها جميع مكوناتها ليصبحوا جميعا مواطنين من نفس الدرجة دون اعتبار لخلفياتهم الدينية وأصولهم العرقية التي تذوب تدرجيا داخل هذه الوحدة دون الغاء لأي منها .. لان الوحدة القومية لا تلغي المكونات الاجتماعية السابقة عليها لكنها تحول ولاء كل الافراد والجماعات داخلها الى الامة والوطن القومي في اطار المساواة بين الجميع .. تلك هي مضامين الوحدة بين الدولتين ، وهي النواة الاولى لدولة العرب الواحدة .. التي يدافع عنها علم الوحدة ، اما علم الانتداب الفرنسي فهو الذي وضع على اساس مبدا التقسيم وتجزئة المجزء كما كان يخطط الاستعمار ..

( القدس عدد 89 ) . 


عملاء أمريكا ..

عملاء أمريكا ..

نقل الكاتب الامريكي ريتشارد ليبو في كتابه ( لماذا تتحارب الامم ) ما جاء في استطلاع للرأي أجرته مجلة تايم على قرائها في جميع انحاء العالم ، قال أنها : " سألت عن البلد الذي يشكل أكبر تهديد للسلم العالمي في العام 2003 ، فحصلت كوريا الشمالية على نسبة 6.7 % ممن أجابوا على الاستبيان وعددهم 700 ألف ، وحصل العراق على نسبة 6.3 % ، فيما حصلت الولايات المتحدة على نسبة مذهلة بلغت 86.9 % " .. ثم يضيف الكاتب العجوز : " ان غزو العراق واساءة معاملة السجناء العراقيين ، وقتل المدنيين باعتبارهم ضررا جانبيا ، واحتجاز الرعايا الاجانب لسنوات من دون تهمة في غوانتنامو " .. قد ادى الى تغيير صورتها حيث انخفضت نسبة التاييد للولايات المتحدة في بريطانيا " من 83%  عام 2000 الى 56 % عام 2006 ".. وفي العام 2007 – يقول الكاتب – وجدت شبكة BBC العالمية أن " 51 % ممن شملهم الاستطلاع في 27 بلدا كانوا ينظرون الى الولايات المتحدة بصورة سلبية .." .. ثم يواصل في رسم الصورة السيئة لبلده حتى يصل الى القول بأنها اصبحت " قوة مستبدة " ..

ان كل ما صرح به هذا الكاتب - المنحاز لاسرائيل- من قول لا يقصد به انصاف الشعوب التي تضطهدها أمريكا بقدر ما يحاول التضاهر بالموضوعية المصطنعة وهو يزيف كثير من حقائق التاريخ على غرار وصفه لحرب الـ 48 بأنها حرب استقلال ..غـير أن ما جاء على لسان كاتب أمريكي تهمه بالدرجة الاولى صمعة بلاده ومستقبلها انما يجعلنا نأخذ شهادته لنقارع بها عملاء أمريكا .. هؤلاء الذين يخفون عمالتهم بالصداقة من الحكام العرب والاحزاب لا تكفيهم كلمة عملاء ولا تفيهم حقهم ، بل هم أنذال مجرمين في حق شعوبهم و أمتهم .. وهم الذين يدينون بالولاء لأكبر دولة عدوة للعرب منذ الخمسينات الى اليوم .. ويكفي ان نذكر ما فعلته في العراق منذ سنوات كما قال الكاتب المذكور ، وما قدمته لاسرائيل طوال عقود للحفاظ على تفوقها العسكري والتغطية عن جرائمها ضد العرب ، على غرار غدرها بالفلسطنيين سنة 82 في المخيمات بعد ان تعهدت بحمايتهم .. وما قامت به في ليبيا خلال دعمها لحملة الاطلسي .. ثم ما تقوم به من حشد حالي ضد سوريا و شعبها خدمة لاسرائيل ، حتى نعرف من هي أمريكا .. لذلك يتساءل كل ذي عقل: ألهذا كله تستحق الولايات المتحدة الولاء والصداقة والتعاون ؟ فمن هم الاعداء الذين يستحقون المقاطعة والمقاومة اذن ؟ 

( القدس عدد 89 ) . 

الاثنين، 9 سبتمبر 2013

لماذا يقف الاخوان المسلمون ضد سوريا ..؟

لماذا يقف الاخوان المسلمون ضد سوريا ..؟

ان ما يحدث اليوم من حشد وتجييش تقوده الولايات المتحدة الامريكية ، وتتبعها الانظمة الرجعـية بقيادة آل سعود وآل ثاني ، ومن ورائهم جميعا حركة الاخوان المسلمين التي تبحث لها عن موطئ قدم بين تلك الانظمة التي احتـظـنـتها على مدى عقود تروّضها وتهيّؤها للعـب نفس الدور في المنطقة ، حتى وصلت الى هذا الوضع الذي يرشحها اليوم  للقيام  بالمهمة التي تلقى على أساسها كل الدعم والمساندة ، لتكون الامينة على عرش سوريا في المستقبل ، وبديلا عن الحركات المسلحة الاخرى ، التي  لا يأمنون لها جانبا ..  
وهكذا أصبحت مصر بعد الثورة ومن قبلها تونس ، البلدان اللذان ارتبطت فيهما تحركات الاخوان ومواقفهم وسياساتهم تجاه سوريا ،  بما يخدم التنظيمات الاخوانية في الوصول الى السلطة ولو على حساب تدمير سوريا ، وفناء شعبها .. حيث عملوا ـ منذ البداية ـ  بكل جهدهم على اكمال الطوق الذي بدأه حلف النيتو بتسليمهم عرش ليبيا  ، فظلوا يحلمون بامبراطورية اخوانية  من تركيا شرقا الى تونس غربا .. 
ولعلهم في غمرة تلك النشوة بالنصر الذي تحقق لهم مرحليا عن طريق الانتخابات في كل من تونس ومصر، نسوا واجباتهم في الواقع ، والمهام التي انتخبتهم من اجلها الجماهير ، فانساقوا وراء أهوائهم ومصالحهم ، مندفعـين الى التحالف والاصطفاف الغـير مدروس ، ودون اعتبار لمصالح شعوبهم واقطارهم في علاقتهم بالخارج .. كما دفعـتهم انتهازيتهم العمياء  للاستئثار بالسلطة التي تعاملوا معها كغـنـيمة في الداخل .. وبادروا باقصاء كل القوى الشريكة معهم في المعانات طوال فترات الاستبداد والقهـر من طرف الانظمة الاستبدادية ..
وقد كان أول رد فعل تجاه الاحداث في سوريا ذلك  السلوك  الذي اتخذته الحكومة في تونس بقطع العلاقات معها واحتضان اول اجتماع لما يسمى أصدقاء سوريا .. كما سارت مصر تقريبا على نفس النهج داخليا بمحاولاتها التغـول على السلطة في ما بات يعـرف بأخونة الدولة ، و خارجيا بالاصطفاف وراء الصف المعادي لسوريا .. حيث جاء في هذا السياق تنضيم ما يسمى بـ " مؤتمر الامة المصرية " ، تحـت شعار " الامة المصرية في دعم الثورة السورية "  الذي أعلن فيه عن قطع العلاقات مع سوريا .. ثم احتضان ما سمي باجتماع علماء الامة الذي التأم في مصر في الفترة الاخيرة قـبـيل سقوط مرسي والذي ظهرت فيه كل المواقف الانعزالية المتطرفة .. والخطاب الطائفي الذي يحرض صراحة على الشيعة وهو ما ادى الى وقوع أحداث السحل في الشوارع والعدوان على الممتلكات الخاصة .. كما وقع الاعلان عن الدعوات التخريضية للذهاب الى سوريا وهو ما شكل عدوانا صريحا على امن واستقرارا شعـب عربي مسلم  يتعرض للعدوان الخارجي ، فضلا عن اثارة النعـرات والفرقة بين شعبين كانت تجمعهما دولة واحدة هي الجمهورية العربية المتحدة ..



                     فصل من فصول التآمرعلى سوريا ..


( نشرية الدس عدد 88 ) .

ما يسجله التاريخ ..

ما يسجله التاريخ ..

في تاريخ الشعوب أحداث وتفاصيل قد يدركها النسيان ، ولكن في المقابل هناك عناوين وعلامات ، ومحطات فاصلة لا تغيب عن الذاكرة الفردية أو الجماعية ، لما لها من تأثير على حياة الشعوب ومستقبلها ..
لذلك فان المتأمل للاحداث على مدى أكثر من قرنين ، يجد مضمونا واحدا للصراع بين الامة العـربية وأعدائها لا يزال متواصلا الى الآن .. أمة تتوق الى الحرية والاستقلال لتعيش في أمن واستقرار، وقوى خارجية تغدو وتـروح ، هدفها الوحيد خدمة أغراضها بكل السبل : بث الفرقة والفتن والتقسيم والتجزئة .. وقد كانت كل المشاريع التي ظهرت مطلع القرن العشرين على غرار معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور ، ضمن هذا المخطط الاستعماري الذي يستهدف انهاء الوجود القومي للامة العـربية ، وزرع كيانات  بديلة سواء من داخل النسيج الاجتماعي للامة أو من خارجها : قبلية وعشائرية ودينة وعـرقية .. فكان من ضمن ذلك التخطيط انشاء دولة اسرائيل ..
لكن في المقابل فان من يتأمل مسيـرة الاطماع والمخططات منذ تلك العهود الى اليوم ، سيجد حقيقة ناصعة اسمها المقاومة والجهاد في وجه الغـزاة الطامعـيـن ..
وهكذا كانت الحركة القومية منذ وجودها حركة مقاومة للاستعمار ، والصهيونية والرجعـية المتواطئة معها .. واننا لن نبالغ حين نقول انها الحركة الوحيدة التي لم تغـير بوصلتها في هذه المجالات عبر كل مراحل وفترات النضال القومي في العقود الأخيـرة .. فهي التي قاومت الاستعمار الجاثم في ربوع الوطن العربي خاصة بعد قيام ثورة يوليو التحررية التي أعلنت مقولتها الشهيرة أن " على الاستعمار ان يحمل عصاه و يرحل " وقاومته بالفعل وليس بالكلام  في كل مكان بداية من مصر، ثم في الجزائر وتونس واليمن .. كما قاومت الاحلاف الاستعمارية الرجعـية على كامل تراب الوطن العربي التي تحاول استبدال الاستعمار بالهيمنة والتبعية ، فأعلنت ثورة يوليو ان " ثـروات العـرب للعـرب " ولا مكان للغزاة بينهم .. لذلك قاومتهم بكل شراسة وأفشلت مخططاتهم فاسقطت حلف بغداد وألهبت مشاعـر الثورة والمقاومة بين الجماهير ، حتى تحرّرت العراق وسوريا و تونس والجزائر واليمن .. وأفشلت محاولات الصلح مع العدو على يد الحلف الرجعي في لبنان والاردن والسعودية ، ثم تحققت أول وحدة في التاريخ العربي الحديث .. كما خاضت معارك البناء و تحرير الفئات الضعيفة من العمال والفلاحين في الداخل عندما أعلنت قوانين الاصلاح الزراعي ومجانية التعليم والصحة ، وتأميم المنشآت الخاصة الوطنية والاجنبية ، .. وساهمت في بناء الاحلاف الدولية المستقلة ارادتها عن القوىالعظمى ، فكانت مصر من الدول المؤسسة لمنظمة عدم الانحياز الخ .. 
لذلك سيشهد التاريخ ان الحركة القومية – رغم انتكاساتها الكبيرة بسبب جسامة المسؤولية وقلة الامكانيات وتغـول الاعداء - لها شرف المساهمة في تحرير الانسان العربي وتوحـيـد أوطانه التي قطـّـع الاعداء أوصالها ، فدعت الى الوحدة بين ابناء الامة الواحدة ونبهت الى مخاطر الفرقة والتجزئة ، وعملت على تدعيم قيم الاسلام الصحيحة التي تحرض على الوحدة في ظل التعايش والتعاون بين الناس ، مع  مقاومة الضلم والهيمنة والاستغلال .. لذلك لم يسجل التاريخ في مصر- رغم تنوّعها – ولو حادثة طائفية واحدة أو اعتداء أو تناحر بين مكوانت المجتمع أيام ثورة يوليو .. فشتان بين الامس واليوم .. حيث لا شك ان التاريخ سيسجل ايضا أنه في ظل الحركات " الاسلامية " – شيعية كانت كما في العراق ، أو سنية كما في بقية الاقطار- وقع اعادة الاستعمار والهيمنة والتبعـية الى الوطن العربي الا من رحم ربك .. بسبب انتصارهم لمذاهبهم  ومصالحهم الحزبية التي ادت الى تقـلبهم من حضن الى حضن .. من أحضان الرجعـية العـربية في قطر والسعـودية والاردن .. الى احضان الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا .. ولعلنا لن نكون مبالغـين ايضا حينما نقول ان هذه الحركات المتستـرة بالدين هي اكثـر الحركات التي اساءت للامة منذ صعودها بأموال النفط العربي والحليف الغربي ، لضرب الحركة القومية المقاومة للاستعمار والرجعـية والصهيونية .. وللاستيلاء على السلطة بالوسائل السلمية كما حدث في مصر و تونس بعد الثورات .. أو بالقوة كما حدث في ليبيا ، وكما يجري الآن في سوريا .. ولا شك أن التاريخ سيجل ايضا انهم شوّهوا صورة الاسلام ، واثاروا الفـتـن و قسّموا المجتمعات تقسيما مذهبيا وطائفيا ، و بثوا الرعـب بين ابنائها ، وعملوا على تصدّع نسيجها الاجتماعي الذي صنعه التاريخ الطويل منذ فجر الاسلام الى اليوم ... حيث ان تلك الفوضى الخلاقة التي تؤدي الى سقوط الدولة ومؤسساتها هي التي تمكـنهم من السيطرة على الحكم ، دون اعتبار للتبعات ..

( القدس عدد 88 ) .