بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 نوفمبر 2017

الحركة الطلابية : محطات يكتنفها الغموض وشهادة الملثم لا يعتد بها .


الحركة الطلابية : محطات يكتنفها الغموض وشهادة الملثم لا يعتد بها ..

( الجزء الأول )   .

  فتحي بالحاج  .

ان تناول الحركة الطلابية بالدرس ليس بالأمر الهين نظرا لوضعية الانغلاق التي مازال يعيشها القطر فالعديد من التيارات السياسية والفكرية جعلت من الجامعة مرتكزا لفاعليتها ومنطلقا لنشاطها, وهي معظمها سرية او بالأحرى غير مقننة مما يجعل الطابع الشفوي طاغ في الكثير من التحركات، وكثيرا ما تتلف العديد من الوثائق  خوفا من مهاجمة البوليس، والعديد من الروايات التي تقدم فيها نحت جديد للأحداث وفيها كثير من البطولات الفردية والذاتية والحزبية .. لذا وجب التدقيق والتمحيص في كل ما يكتب ويقال .. الحركة الطلابية في تونس ليست اي حركة طلابية، التواصل مع طلاب وباحثين من دول اخرى جعلتنا نعتز اكثر بما قدمته هذه الحركة، فعندما نقول ان اتباع السلطة ليس لهم الحق في النشاط العلني نظرا لدورهم الاستخباري، وغلق  الحياة السياسية من قبل النظام يستغربرن ؟.. وعندما نقول ان الوزراء يزورون الجامعة في العطل فلا نسمح لهم بانتهاك حرمة الجامعة يستغربون .. وعندما نقول انه وقع تنظيم محاكمات لاتباع السلطة اللاديمقراطية في ساحة الكليات وتم طردهم .. لا يصدقون .. تمكنت الحركة من ان تحول الانتماء لحزب السلطة تهمة وإهانة .. وهذا في حد ذاته فتح كبير مقارنة بما تمارسه السلطة في الساحة الشعبية، فبنفس تطرف السلطة من منع للأحزاب وقمع للصحافة وسجن الحقوقيين تعاملت الحركة الطلابية مع اتباع السلطة .. هذه الخصوصية تجعل من بعض الباحثين يتناولون دراسة الحركة الطلابية بحذر .. ساحاول التفاعل مع شهادة الاخ حبيب  بوعجيلة وما انتجه من حوارات ..
بكل صدق فوجئت بما كتبه السيد صابر واسلوب تصفية حساب قديم جديد مع الاستاذ  الحبيب بوعجيلة، عادت بي الذاكرة الى تلك الايام والى تلك الاساليب المستعملة للترهيب، اذكر ما كان ينتظر المتدخل من على منابر الاخرين .. يتحلق البعض حوله  ويشرعون  في استفزازه . اذكر انه ذات يوم صاح  احد المتدخلين في تجمع عام بالحقوق لا استطيع مواصلة الحديث  انه يعضني من رجلي .. انه لمن المؤلم ان اقرأ مثل هذه التعابير التي اطلقها الاستاذ صابر ..  اكثر من عشرين سنة من الصبر على الأذى .. فاذا بالشاهد الملثم، يطنب في استعمال الكلمات المؤذية .. كنت اعتقد ان  بعد هذه السنين التي فرقتنا وبعد هذه التجارب المرة والفشل الذي مني به الجمبع ان بعض السلوكيات سنتغير!! تجاوز السلبيات التمسك بالايجابيات وهي كثيرة فعلا ، او الكف عن السب وهذا اضعف الايمان .. مقال السيد صابر يعطي فكرة على طبيعة  العلاقات والمعاملات التي كانت سائدة بين القوى السياسية كبيرة او صغيرة مهيمنة او قليلة العدد .  ان التغني باسم الطلاب و المستقلين يدخل في باب الدعاية السياسوية. كل واحد كل  تيار سياسي يتوهم ان اتحاده يمثل  الطلاب وينفيها على الاخر، لن اضيف عما ذكرة الاستاذ الحبيب بوعجيلة بالنسبة للشق الماركسي فقد اكتشف لوحده ما كان ينبه له ويحذر منه الطلية العرب التقدميون الوحدويون ... ان التحرك الطلابي كقواعد للاحزاب يفقد الحركة الطلابية استقلاليتها، لكن دعوة بوعجيلة للطلاب بالابتعاد عن السياسي هو جهل بطبيعة الحركة الطلابية ومضمون الحركة الطلابية كجزء لا يتجرا من الشعب ، ان دعوة من هذا النوع مصيرها الفشل او ليس الذي يطلبه السيد حبيب بوعجيلة انقل ما كتبه الحبيب بوعجبلة .. : ".. من اجل إعادة الحياة لمنظمتهم على أساس مهام نقابية لا غير .." هو عين ما تطلبه أي سلطة واي وزير تم تعيينه من قبل السلطة .. الابتعاد على السياسة .. اوليس الدعوة الى الابتعاد على السياسة سياسة .. ولقد لمس الحبيب  بوعجيلة ان الواقع الموضوعي غير الذي تطلبه السلطة .. ان الواقفين وراء هذه "النقابات" هي تيارات سياسية .. فالصراع في جوهره بين تيارات سياسية  سواء كان حول مهمات مادية او سياسية او ثقافية .. والمطلوب اولا الدعوة لتوفير الديمقراطية حتى تتمكن هذه التيارات ان تتفاعل مع بعض .. ان الاستبداد هو الذي يتحمل حالة الفوضى هو الذي نمى حالة التنافر والتباغض .. اقول للاخ صابر وبكل ود الحبيب بوعجيلة مثل تيار ممكن قليل العدد لكن حمل شعارات كبيرة وحلم كبير نتفق معه فيه اخراج الاسلام من وحل السلفية والفهم السطحي ، قد نختلف معه في نقاط عدة، ولكن لا نستطيع ان ننكر عليه إرادة الإبداع والتجديد والخروج من قوقعة الماضي واسر التحنط .. " وحبيب لجنة"  أردتها استاذ صابر شتيمة واهانة وهذا دليل جهل بالحركة الطلابية ، انها شرف ، هذا يؤكد حضوره الكثيف والفاعل وهذا يشير ايضا الى انتصار اسلوب الالتقاء الجبهوي عبر تكوين لجان العمل  كبديل مرحلي في حين غابت النقابات واجبرت على التحرك في اللجان في ظل غياب الحرية والديمقراطية .. ومهما حصل من تغير لمواقف الاستاذ حبيب ورفاقه  في بعض المهام ، في خضم الاوهام  التي انتابت  اغلب النخبة التونسية، وتوهمت ان ماسح دمعة تونس الباكية حضر هاهو الحبيب يعطي شهادة تؤكد ان هذه النقابات هي في حقيقة الأمر واجهة لتيارات سياسية هذا  لا ينتقص من دورها لكن عليها التحرر من سلطة الاحزاب الخارجة عن الحركة الطلابية عليها مراعاة  خصوصية الحركة الطلابية حتى يتمكن الطلاب من الدفاع على مصالحهم بكل استقلالية.

الطلبة العرب التقدميون الوحدويون  في الحراك الطلابي:

فيما يخص بعض التعقيبات التي اوردت اسم الطلبة العرب  التقدميون الوحدويون  اود تقديم هذه الملاحظات عساها تبعد حملة التعمية والتشويه التي تمارس ضد هذه التجربة. قرات بعض التحليلات الي تشير انهم ضد العمل النقابي، (السياسيّة  09 أبريل 2009)   وتارة اخرى تقدم على انهم لا يؤمنون بالتنظم في الحركة الطلابية ويؤمنون بالعمل الجبهوي مقال الملثم صابر  اعتقد انها قراءات قاصرة ناتجة اما عن حماقة او عن جهل باطروحات هذا التيار السياسي داخل الحركة الطلابية. لا يمكن فهم  الطلبة العرب التقدميون الوحدويون دون العودة الى اطروحاتهم الفكرية فيما يتعلق باسلوب التغيير. وتموقعهم داخل التيار القومي فعلى المستوى الفكري نحيل الى ما كتبه الدكتور عصمت سيف الدولة وخاصة تحليله الحركة الطلابية كظاهرة اجتماعية طبقا لمنهج جدل الانسان . اما  في المستوى السياسي فالطلبة العرب التقدميون الوحدويون يعتبرون انفسهم امتدادا للحركة القومية  في تونس، والتعبير الجديد عن الخط اليوسفي، في الحركة الوطنية، معتبرين ان 20 مارس صفقة  مع فرنسا، وانهم في قطيعة مع النظام التي اعقب هذه الاتفاقية ومتمسكين بأطروحة صالح بن يوسف لمفهوم الاستقلال فقراءتهم التاريخية ترتكز على تبني الخط اليوسفي والتجربة الناصرية والبديل القومي التقدمي كخلاصة.  والوقوف في الخندق المقابل لبورقيبة الذي يبقى رمز الاقليمية وعدوا للعروبة والاسلام ، مواقفهم كلها تنطلق من قاعدة عدم الاعتراف بشرعية النظام البورقيبي ..على اساس هذا يمكن فهم وتفسير العديد من مواقفهم الساسية والنقابية. ولسنا في هذا التعقيب القصير سنتطرق لكل  الاطروحات التي تمثلناها  لكن سأتعرض  لكيفية تعامل الطلبة العرب التقدميون الوحدويون في الجامعة مع القوى السياسية الاخرى ومع جموع الطلاب ومطالبهم المادية والثقافية .. كنا شديدي التخوف من المحاولات التي تسعي لطمس العمل السياسي والصراع الفكري. وبدت  هذه الرغبة  واضحة لدى الاتجاه الاسلامي للمحافضة على سيطرتها العددية على الساحة.  كان طرح الطلبة العرب طرحا ثوريا، حالما بتغيير من القاعدة الى القمة  مؤكدا على مساهمة القاعدة العريضة من الطلاب في اخذ القرار.. تاكيدهم ايضا على الخصوصية الطلابية واستقلالية الجامعة ورفض ان يتحول الى قواعد الاحزب التي يمكن ان تحول الطلاب الى توابع وخدم لخطط سياسية حزبية من خارج الجامعة .. .  بقدر ما يؤكد خطاب الطلبة العرب التقدميون الوحدويون على عدم مشروعية النظام، وعدم مشروعية الدولة القطرية فانه يؤكد على جملة من المبادئ الاساسية  حكمت حركته وتعاملاته مع القوى السياسية المنافسة له في الجامعة و مع الطلاب جوهرها الاستقلالية ووحدة الممارسة النضالية والديمقراطية..

١ - خصوصية الحركة الطلابية انها ظاهرة لها قوانينها الخاصة

٢استقلالية الحركة الطلابية ورفض مطلق للذين يتحركون كقواعد للاحزاب ويحاولون اخضاعها لحزب واحد او لون واحد.

٣ - وحدة الممارسة النضالية، بالنسبة لهم الاختلافات الفكرية وحتى التناقضات السياسية لا تمثل عائقا في النضال المشترك لا تعني الجبهة .. التفريق دقيق لديهم.  يرون ان هناك مهام تقدمية بذاتها بغض النظر على الخلفية الفكرية او الأيديولوجية للقائمين بها .. هذا يعني ان التيارات السياسية والفكرية بإمكانها تنفيذ مهام مشتركة عديدة ، ومن خلال الممارسة يتم اختبار مصداقية هذه التيارات .. هذا بالنسبة لهم بديل ظرفي  ، يسمى الالتقاء الجبهوي وهو اسلوب استثنائي نتيجة غياب هوامش الحريات ورفض قبول خيارات الطلاب الديمقراطية، على اساس ان النطام استبدادي لن يقبل باي منظمة طلابية ديمقراطية. وهذا خلافا للتحليلات المبسطة فان الطلبة العرب لا يرفضون التنظم داخل الجامعة ..

٤الشرط الجماهيري (الديمقراطية) كان الطلبة العرب شديدي الحرص على توفر هذا الشرط مساهمة اغلب الطلاب. ذلك أن الحركة الطلابية كظاهرة اجتماعية متميزة  وكجزا لا يتجزأ من قوى الشعب تتطور حتما طبقا لقانون الجدل الاجتماعي كقانون نوعي ويكون  نظام تطورها هو الديمقراطية باعتبار ان الديمقراطية هي نظام التطور الاجتماعي. هذا يعني ضرورة توفر شرط حرية المعرفة وفتح الباب امام مساهمة  الكل في الجدل الاجتماعي وان محاولة التسلط واستيلاب حق الطلاب في المساهمة تحت أي تعلة هو اعاقة لقانون الجدل.

امتدت فكرة اللجان التي تفرزها الاجتماعات العامة في المعاهد والكليات، وقد كانت التعبير الحي عن طرح الطلبة العرب  وقد كانت فيها تمثيلية للطلبة المنتسبين حزبيا للتيارات السياسية لكن اغلب الذين يسيرونها كانوا من خارج الإسلاميين والماركسيين لتورطهم في عملية التوظيف السياسي لذلك ما ذكره السيد صابر الشاهد في حق الحبيب بوعجيلة شرف له وليس العكس.

٥مكسب القطيعة السياسية والتنظيمية وهو من شعارات حركة فيفري، وهو الذي يضع التيارات السياسية اليسارية والإسلامية في وضع محرج وتأتآت طويلة عندما يطرح أمامها. ماذا تعني القطيعة وبالتحديد السياسيةً والتنظيمية مع النظام ؟؟؟ حوارات طويلة شهدتها الجامعة التونسية ولا تزل .. اي كيف ستتمكن نقابة ( النقابة دورها اصلاحي ) ان تتبنى وتستوعب هذا الشعار.. وهذا الشعار وضع الطلبة العرب التقدميون الوحدويين في وضع مريح، فهم اصلا قاطعين مع النظام وخطابهم يرتكز على التراث اليوسفي الذي لا يعترف اصلا بالنظام الذي اسسه بورقيبة.. بالنسبة للقوى الاخرى اصبح  الشعار محرجا ذلك أن عدم رفعه يعتبر تنازل على مكسب حركة فيفري ورفعه أوقعها في تناقض ، فكيف لنقابة ان تكرس مكسب القطيعة السياسية والتنظيمية مع نظام استبدادي ؟  وتعددت التفسيرات من قطيعة مع السلطة وليس مع النظام ! الى قطيعة مع الخيارات !! الى نقابات سرية ! الى توزيع الاشتراكات تحت الإبط ! الى إبداع اشكال نضالية تمكن الدساترة من العودة الى  النقابة !  هذا بالنسبة لليسار اما بالنسبة للإسلاميين فليس لهم مشكلة بالنسبة  الى التفريط في شعار القطيعة السياسية والتنظيمية مع النظام.

لم يكن من السهل الاتنصار لهذه المبادئ وهذا المضمون التقدمي والديقراطي، في ظل وضع تكرست فيه أساليب صراع متخلفة ، غذاها الاسلاميون واليساريون من خلال ردود فعل متخلفة، واستعمال العنف اللفظي والجسدي، في ساحة كان من المفروض اسلوب التواصل فيها هو الفكر لا السواعد، ذلك أن جموع الطلاب تمتلك من الوعي الفكري  ما يمكنها بان تفرق بين ما يطرح في الساحة الفكرية وان الوصاية الفكرية ووهم الرسالة الربانية على المستقلين كلام غير ذي معنى، وان الخطر الداهم الذي هدد الحركة الطلابية هو محاولة اخضاعها لخطط خارجة عنها غير واعية بها، تحيلها رهينة لاجندات سياسية حزبوية ضيقة .. استعمل اليساريون الماركسيين العنف اللفظي والبدني لكن الإسلاميين لم يكونوا اقل منهم عنفا لفظيا وجسديا.. ربما مارسوه  بإتقان .. يمكن ان نعدد ممارسات منها الاعتداء  الذي شنوه على مبيت طريق المطار الجامعي بصفاقس في اواخر كانون الثاني ١٩٧٧، الاعتداء على عناصر القوميين وتمزيق معلقاتهم في العلوم وفي المركب الجامعي .. كذلك مارسوا العنف المنظم واذكر ما حصل سنة ١٩٨٥، حيث قام احد قيادات  الاتجاه الاسلامي   في كلية العلوم (ف-ع) بهجوم علي كلية منوبة صحبة قرابة 30 عنصر إسلامي  سيطروا على مداخل كلية الآداب بمنوبة عنفوا كل العناصر اليسارية التي كانت متواجدة .. وشاهدت بأم عيني كيف تم الاعتداء على طالب يساري، الحملة كانت تاديب لهم على موقفهم والتهجمات المجانية حسب قولهم.. واذكر كنت مارا من الباب الخلفي الذي يربط الكلية بالمطعم وكانوا خمسة من جهة المطعم لم يكونوا داخل الكلية، كنت أنا وأخ قومي اخر معروف قالوا " اتعدوا أنتو مازال موش وقتكم .."المثير للانتباه انهم كلهم  موحدي اللباس ( اللون الاخضر العسكري ... ) .

 
هذه القوى اختلفت وتصارعت لكنها اتحدت في أساليب تعاطيها مع ظاهرة الحركة الطلابية، السيطرة عليها وخنق أنفاسها وتسييرها طبقا لخطة حزبية خارج الجامعة. نجد في الدراسة التاريخية والسياسية للطلبة العرب التقدميين الوحدويين الدراسة السياسية 1953ـ 1983  (غير منشورة ) ننقل  :
" ولعل الجماهير تذكر ان التيار القومي التقدمي الوحدوي  لم يعمل يوما على التصدي للهياكل عبر ضرب وحدة الممارسة النضالية للجماهير بل عمل الطلبة العرب التقدميون الوحدويون على ضمان وحدة الممارسة النضالية لاوسع الجماهير وتحديد أهدافها المرحلية، فقد تفاعل الطلبة العرب التقدميون الوحدويون مع الهياكل النقابية المؤقتة بكل دقة وبكل وضوح. فالجميع يعلم موقفهم من برنامج ١٩٧٣، كبرنامج رجعي ، مرتد عن نضالات الجماهير،  وقد عبروا عن هذا في كل المناسبات ولم يتبنوا يوما مهمة إنجاز او فرض او افتكاك، المؤتمر ١٨ الخارق للعادة المهمة المركزية للهياكل النقابية المؤقته، ولعلهم سيقولون لنا الان ماذا ابقيتم في الهياكل ولم  تنسفوه هذا صحيح على مستوى سياسي مبدئي ..... ورغما عن الخطية المجحفة والهيمنة التي سادت والتي كرستها ذات القوى التي تبنت برنامج ١٩٧٣.. وجعلت مهمتها المركزية إنجاز المؤتمر ١٨ الخارق للعادة، فقد رفض الطلبة العرب التقدميون الوحدويون إراديا وفي وعي تام دخول هذا الإطار او التورط فيه بل كان شرط الانسحاب من الهياكل شرط الانتماء للطلبة العرب التقدميون الوحدويين (....) فقد عملوا طبقا لمنطلقاتهم الجماهيرية وعائلتهم الجماهيرية على فرض الصراع فرضا بالجماهير وفي صلب الجماهير على كل القوى القابعة داخل الهياكل او خارجها وعبروا الجماهير لترفع شعارا مسؤولا.. لا حزبية ولا رجعية هياكل جماهيرية، فلا حزبية تعني رفض الخطية والهيمنة داخل الحركة الطلابية من خلال أداة تنظيمية حولها العديد من الشبهات والملابسات بل لعلها عارية مكشوفة ولا رجعية يعني لا ردة عن القطيعة السياسية والتنظيمية التي إرادتها الجماهير باعتبار إنجاز اوفرض او افتكاك المؤتمر ١٨ مهمة الهياكل النقابية وهي هياكل  رجعية، وهيكل جماهيرية لا تعني سوي أداة تنظيمية جماهيرية تستمد شرعيتها من القطيعة السياسية والتنظيمية مع النظام وبالنسبة للجماهير الطلابية مع رواسب ومخلفات ومؤامرة النظام (...) وتكون مهمتها المركزية تاطير الطلبة وتثويرهم على الواقع المتردي انطلاقا من واقع القمع المادي والمعنوي اليومي الى تكريس اخطر شعارات الحركة المرتبطة بطبيعتها جزء لا يتجزأ من الحركة الشعبية وفصيلا عربيا تقدميا مناضلا من فصائل الثورة الشعبية.." (الدراسة السياسية 1953ـ 1983 ص ٥٨) ويضيفون في مكان اخر :"...عمل الطلبة العرب التقدميون الوحدويون على فرض أساليب الصراع الجماهيري والتصدي لكل الصراعات الفوقية في الكواليس واعتمدوا اسلوب الالتقاء الجبهوي مع بقية الأطراف السياسية الفاعلة في الساحة على إنجاز مهمات تقدمية مرحليا ( في المكان والزمان) ، وهذا الاسلوب حتمته المرحلة والظروف الموضوعية السائدة داخل الحركة ، أزمة المفاهيم التي سيطرت على الحركة الطلابية تجسدت عمليا في تشرذم سياسي وتشتت تنظيمي .... وطبقا لاسلوب الالتقاء الجبهوي على إنجاز مهمات تقدمية تمكن التيار القومي التقدمي من فرض نضالات تقدمية ودفع باستمرار الجماهير وحرصها على دفع القيادات المتخاذلة القابعة على عروش الهياكل لتذيل  تلك النضالات . وطبقا لهذا الاسلوب  كذلك طرح الطلبة العرب التقدميون الوحدويون باستمرار مهمات جماهيرية بدات من التصدي لواقع القمع المادي والمعنوي اليومي لجماهير الطلاب الى مهمات اخطر واشمل (الدراسة السياسية 1953ـ 1983  ص ٥٩  ) .

قد حاول الطلبة العرب التفاعل مع الساحة، ومدوا ايديهم لكل التيارات الهدف منها وضع الطلبة على الطريق الصحيح وهو افتكاك حقوقهم المادية والمعرفية، والتزامهم بقضايا شعبهم وأمتهم. وعلى هذا الاساس التقوا مع  تيارات فكرية مختلفة في مهام تقدمية. في حين  عاش التيار الاسلامي والتيار الماركسي على وقع الصراع ورفض كل واحد منهم للآخر وانعدم اي شكل من اشكال التواصل والتنسيق .. وبالرغم مما تعرض له الطلبة العرب التقدميون الوحدويون  للعنف اللفظي والجسدي من قبل الاسلاميين والماركسيين فانهم واصلوا الدفاع على مصالح الطلاب منتصرين للمضمون النضالي التقدمي والديمقراطي للحركة الطلابية .. محاولات الترهيب لم تثنهم على ما يسمونه وحدة الممارسة النضالية لتحقيق مصالح الطلبة.  فحيث تكون المهمة تقدمية  تجد الطلبة العرب الوحدويون التقدميون في الطليعة .. المفارقة الكبرى ان اليساريين الماركسيين  كانوا  يعتبرون الطلبة العرب التقدميين الوحدويين اقرب الى الإسلاميين وتارة يعتبرونهم قوى وطنية .. وكان الإسلاميون يعتبرون الطلبة العرب اتباع اليسار، وانهم تحت هيمنة القوى اليسارية .. بل هم ملاحدة مثل الماركسيين  وانهم منافقون. اخضر من بر احمر من داخل. هذه المواقف تدخل في اطار حملات التشويه والدعايات السياسوية وتنبع من مواقف حزبوية ضيقة وجهل بمفهوم الالتقاء الجبهوي. ذلك أن تقدمية المهمة تحتم على الطلبة العرب الانخراط  فيها وكانت لا تعنينا كثيرا أساليب السب والشتم التي اتقنوها وساهمت في تنفير الطلاب. لقد كان المطروح علينا يومها كقوميين تقدميين ارجاع الطالب لساحة الفعل النضالي، من خلال مصداقية الخطاب والممارسة .. ويمكن ان نقول بكل تواضع تمكن الطلبة العرب من استرجاع  المصداقية، وكانت مواقفنا حاسمة في قبول او رفض الطلاب للتحرك .. كان المطلوب منا مواجهة ظاهرة انحسار العمل السياسي  بسبب ممارسات خاطئة، جعلت من الحركة الطلابية رهينة لخطط حزبية. وقد دفع الطلاب كثيرا عندما تحولت تحركات بعض التيارات السياسية  في الحركة الطلابية رهينة ما يقرره الحزب في الخارج، وما تمليه عليه مصلحة هذا الحزب الضيقة  ..

Tunisnews : 13 / 11 / 2010



*  *  *


مقال السيد فتحي بالحاج بتاريخ 13 نوفمبر 2010 كان للرد على مقالين سابقين ، الاول للسيد الحبيب بوعجيلة ، والثاني للسيد صابر الشاهد ، جاء ( حسب مضمونه ومناسبته ) لابراز موقف " الطلبة العرب الوحدويون التقدميون "  من الحركة الطلابية وتأكيدا لدورها الريادي في المجتمع من وجهة نظر قومية باعتبارها ظاهرة اجتماعية ذات خصوصية في تركيبتها الشبابية ( المتكونة من الطلاب دون غيرهم من الشباب ) ، وفي حركتها داخل المجتمع من خلال استقلاليتها عن بقية المكونات الاخرى ( الحزبية منها والجمعياتية وغيرها .. ) ، مدافعا على اساس تلك الخلفية الفكرية عن مواقف الطلبة العرب في تلك الفترة  من العمل النقابي في الجامعة واطروحاتهم المتمثلة في أسلوب " الالتقاء الجبهوي " في علاقة بخصوصيتها من جهة ، وبمكاسب الحركة الطلابية ومواقفها من النظام الاستبدادي القائم من جهة أخرى ، وفي المقدمة منها شعار القطيعة السياسية والتنظيمية الذي رفعته حركة فيفري72 واستمر بعدها طيلة الثمانينات موضوع الفترة التي يدور فيها الحديث .. وقد كان المقال الرئيسي للسيد الحبيب بوعجيلة يتحدث عن خيبة الامل التي عاشها في كواليس الاعداد للمؤتمر 18 الخارق للعادة واثناءه سنة 1988 ، وما رافقه من تدخل سري وعلني للأحزاب السياسية رغبة في السيطرة على اشغاله  والتحكم في توجهاته المستقبلية ..
وحتى تكون الصورة واضحة في سياقها الذي جاءت فيه ، نورد أهم المقالات المتتالية ( قبله وبعده ) ذات الصلة بالموضوع ..


* مقال السيد الحبيب بوعجيلة بتاريخ 30 أكتوبر 2010 الذي اعترف فيه بهيمنة الأحزاب على اشغال المؤتمر 18 الخارق للعادة .

شهادة للتاريخ ...اتحاد الطلاب بين إرادتهم و وصاية  الآخرين

الحبيب بوعجيلة

 
انطلقت منذ أيام السنة الجامعية الجديدة وتتواصل معاناة الطلاب في مسائل الحريات وفي أوضاعهم المادية والمعنوية التي تتردى يوما بعد آخر . وفي ظل هذه الأوضاع المزرية يتواصل شلل المنظمة النقابية " الاتحاد العام لطلبة تونس " بفعل تصلب السلطة طبعا في تعاطيها مع الملف الطلابي و إن كنت اعتبر كذلك أن واقع " الحركة الطلابية " و وضع المنظمة يعود أيضا إلى ممارسات خاطئة شهدتها الساحة منذ انجاز المؤتمر 18 خ.ع في ربيع 1988 . وقد كنت أتابع صامتا منذ مدة " تحليلات" الخبراء والعارفين من قدماء الحركة الطلابية و رغم أهمية ما قاله البعض فان اغلب ما قيل كان من موقع ادعاء المعرفة . وانطلاقا من إحساس بالمسؤولية التاريخية سأفاجئ البعض طبعا بشهادة تاريخية باعتباري واحدا ممن كان لهم  شرف تدشين أولى خطوات الإعداد لمؤتمر 1988 قبل أن انزوي في موقع المتابع بعد أن ظهرت جملة من الارتباكات التي ادعي أن آثارها ستحكم مصير المنظمة الطلابية و وضعها الحالي .واني أتحمل كل المسؤولية في مناقشة صحة المعطيات التاريخية مع كل من يختلف معي في صحتها .

لقد مثل التحول الذي شهده هرم السلطة في 7 نوفمبر 1987 منعرجا هاما في تاريخ الحركة الطلابية حيث اتجهت القوى السياسية بالجامعة سنتها إلى التفكير الجدي لانجاز المؤتمر 18 الخارق للعادة بعد سنة جامعية فارطة تأزمت فيها الساحة الطلابية و شهد "الحرم الجامعي " مواجهات رهيبة بين الطلاب وسلطة "العهد السابق" .ولقد انتهت السنة الجامعية 85 / 86 بعسكرة الجامعة و انتصاب مراكز الأمن الجامعي بمداخل الكليات و المطاعم والمبيتات بعد أن كان حضورها مقتصرا منذ 82   على المبيت الجامعي بمنوبة اثر المواجهات الدامية بين بعض فصائل اليسار و طلبة "الاتجاه الإسلامي " ..كما شهدت سنة 85 /86 تجنيد عدد كبير من الطلبة في "معسكرات رجيم معتوق ".

بدأت النقاشات حول "الانجاز " أواخر نوفمبر 87 و حضر اغلب التيارات السياسية هذه النقاشات باستثناء الطلبة الوحدويين القوميين الرافضين للتنظم النقابي الذي يطرحون بديلا عنه ما كانوا يسمونه بالالتقاء الجبهوي و"طلبة الاتجاه الإسلامي " بعد انجاز "مؤتمرهم العام " الذي اقر "تأسيس" منظمتهم الاتحاد العام التونسي للطلبة . وقد تمخض عن نقاشات الانجاز التي انعقدت بمقر "الحزب الشيوعي التونسي " بنهج المطوية تشكل " جبهة العمل النقابي الديمقراطي " التي جمعت الفصائل المكونة لتحالفي " اليسار النقابي الموحد " و " التجمع النقابي الديمقراطي " كما ضمت الجبهة "الطلبة الشيوعيين " و "الطليعة الطلابية العربية " و " الطلبة الإسلاميون التقدميون " و قد أعلنت الجبهة في بيانها التأسيسي التقاء أطرافها على قاعدة الالتزام بنضالات الحركة الطلابية وبرنامج 1973 و تجربة "الهياكل النقابية المؤقتة " و الالتزام بالنضال من اجل التعريب الشامل للتعليم و التأكيد على الثقافة الوطنية المؤكدة لهويتنا العربية و على أساس اعتبار الحركة الطلابية جزء من الحركة الشعبية المعادية للامبريالية و الصهيونية والرجعية العربية .و قد حدد البيان أهداف الجبهة في إعداد المؤتمر 18 خ.ع بكل الصيغ السياسية والتنظيمية الممكنة .

غير أن ما تجدر الإشارة إليه و  للتاريخ أن ظروفا عديدة طرأت سوف تحول دون الالتزام بهذه الروح مما جعل الجبهة تفقد قبل انجاز المؤتمر 18 خ.ع فصيلين أساسيين هما " الطلبة الإسلاميون التقدميون " و " الطليعة الطلابية العربية " الذين كان انسحابهما في صمت و دون تشويش على المشهد التعبوي باعتبار أن قيمة هذين الفصيلين كانت وقتها رمزية أكثر منها بشرية و باعتبار أن انجاز المؤتمر في ذلك الوقت كان أيضا مكسبا للحركة الديمقراطية والتقدمية في البلاد بقطع النظر عن احترازاتنا من مسارات انجازه . ولعلني ازعم اليوم بلا ادعاء أن المصير الذي شهدته  المنظمة بعد ذلك والذي يكشف عنه واقعها الحالي يؤكد صدق احترازاتنا حينها وهو ما يجعلني اليوم اشعر بمسؤولية كبرى في الإفصاح عن هذه الاحترازات علها تكون عبرة يأخذها " أصدقاؤنا من الشباب الطلابي " في الحسبان إذا ما كانوا يفكرون في استعادة مجد المنظمة الطلابية و دورها الوطني الذي افتقدته الساحة منذ انقلاب قربة و لم يدم أمل استعادة هذا المجد طويلا بعد مؤتمر 1988 الاستثنائي .

1 / حين شرعنا في نقاشات الإعداد كان الهدف الذي رسمناه أن يعقد المؤتمر 18 خ. ع تعبيرا عن الطموحات الحقيقية لجميع الطلاب في ساحة الجامعة بقيادة الجبهة غير أن تقدم النقاشات وبروز جدية الانجاز و انطلاق حراك سياسي في البلاد قوامه هاجس "التموقع " في سياق فرز جديد للساحة و ضعنا " كشباب طلابي " وقتها أمام ضغط  دخول " شخصيات وطنية " قدمت نفسها تحت مسمى " قدماء الحركة الطلابية " و في انزياح سريع قدم أصدقاؤنا من رموز التيارات السياسية بالجامعة مهمة الإعداد للانجاز إلى هذه " الشخصيات " و قد شعرت شخصيا بعد الجولة الأولى التي تمكنا فيها من تأسيس " الجبهة" أن إعداد المؤتمر أصبح يتم في مكان آخر غير " نهج المطوية " و بواسطة "عقول " أخرى غير عقولنا نحن قيادات الحركة الطلابية وقتها ولابد للتاريخ أن اذكر في هذا الصدد أن بعضا من أصدقائي الأعزاء قد " طمأنوني" وقتها بان يبقى مكاني محفوظا في مواقع أخرى لإعداد " المؤتمر " غير أني لم اظهر حماسا كبيرا في تحويل "الإعداد " إلى "مهندسين " من  غير الطلبة و أن نجعل " المؤتمر 18 خ.ع " ورقة التموقع السياسي لبعض فصائل اليسار التونسي بتوجهاته المختلفة في واقع الاستقطاب بين السلطة و الاتجاه الإسلامي " حينها  . لقد كنت عن وهم ربما احمل تصورا آخر للوظيفة التي يمكن أن يضطلع بها الاتحاد الطلابي و كنت اعتبر أن " تجيير " الحركة الطلابية في صراع الأطراف السياسية بالبلاد سيجعل المنظمة المستعادة تولد من جديد "صريعة " التجاذبات السياسية و " التقاسم " المؤذن بالانقسام .

2 / توقفت النقاشات سريعا و اتجهت الأطراف نحو الانجاز وبدأت الانتخابات القاعدية قبل الفراغ مما تواعدنا عليه من ضرورة إعداد رؤية نضالية واضحة للاتحاد بعد استرجاع شرعيته و تشهد " محاضر النقاشات " التي احتفظ بعدد منها أن الأطراف طرحت وقتها جملة من الأسئلة المهمة حول الدور الذي يمكن أن نعطيه للحركة الطلابية في ضوء الواقع الجديد بالبلاد بعد التحول في أعلى هرم السلطة ..و تساءلنا هل سيلغي انجاز المؤتمر الفعل السياسي داخل الجامعة بمعنى هل ستواصل الأطراف السياسية نشاطها الخصوصي أم ستحوله إلى صلب الاتحاد مع ما يعنيه ذلك من مخاطر على استقلالية العمل النقابي ..و قد طرحنا اخطر سؤال حول الانخراطات في الاتحاد وفي هذا السؤال إشارة إلى ما أثاره البعض وقتها  من ضرورة مراجعة  موقف الحركة الطلابية من التواجد العلني " للطلبة الدساترة " الذين ظلوا في " السرية " داخل أروقة الجامعة إلى حدود أوائل التسعينات ..و الحقيقة أننا بدأنا في الإجابة على هذه الأسئلة بحدود وعينا وطموحنا الطلابي آنذاك قبل أن يتولى " الزعماء " عنا مهمة التفكير في كيفية الانجاز ومضامينه لنتحول أهل الدار إلى مجرد " منفذين " لاقتراحاتهم بل تحولت هذه الشخصيات الوطنية إلى " ناطق رسمي " باسم " حركة طلابية " جعلوها معبرا لصناعة حضورهم السياسي بالبلاد .

3 / عندما بدأت نقاشات الإعداد كنا نفكر في صيغة انتقالية لتوزيع المقاعد من منطلق الإيمان أن موازين القوى في الجامعة تتسم وقتها بالتحول السريع و التنوع إذ تتغير قوة هذا التيار أو ذاك من سنة جامعية إلى أخرى ومن جزء جامعي إلى آخر و تجنبا لارتباك عمل الاتحاد كان لابد من التفكير في كيفية ضمان " الاستقرار " القيادي للاتحاد على أساس وفاقي حتى يسترجع عافيته و لكن النقاش توقف بيننا أيضا حول هذه المسالة  وتكفل " الزعماء " بانجاز المؤتمر وفق الموازين التي يرونها في البلاد وهو ما   سيجعل " القسمة السياسية " في أول مؤتمر تخضع لمقاييس غريبة تماما عن موازين القوى الحقيقية بالجامعة .و هكذا ولد أول مكتب تنفيذي" مشلولا " ولم يأت المؤتمر 19 حتى انطلقت لعبة التجاذب ليبلغ الصراع الخطي أوجه ومن 20 إلى ما بعده أصبح الاتحاد الطلابي " ملكية " شخصية لطرف دون آخر وارتفعت حدة التوتر والطعن في الشرعية .وفي وضع بلغت فيه المنظمة والحركة قمة وهنها كان الحصار و "القمع " من طرف السلطة يجهز على آخر ما تبقى من أمل في عافية الحركة الشبابية ..

أخيرا إن ظروف الولادة وأخطاءها لابد أن تضغط طبعا على مسارات النشأة والمصير و ما أحوجنا اليوم إلى حوار وطني جدي حول السبل الحقيقية لمساعدة الطلاب على  استعادة إشعاع المنظمة الطلابية بعيدا عن وصايتنا و رغباتنا السياسية و بعيدا عن  الشعارات الفضفاضة و تكرار "خطابات خشبية " متضخمة لا تريد إخضاع نفسها إلى وجع المراجعة والنقد الذاتي .واني إذ أضع هذه الحقائق على ذمة " الشباب الطلابي" فعلى أمل أن يتحملوا مسؤولياتهم في رفض الوصاية و الاستفادة من تجارب ومراجعات الساحة السياسية من اجل إعادة الحياة لمنظمتهم على أساس مهام نقابية لا غير و على أساس اعتماد المرونة اللازمة للتسريع بانجاز المؤتمر التوحيدي بعيدا عن التجاذبات الخطية غير المجدية .

(الطريق الجديد 30 اكتوبر 2010)
Tunisnews : 30 / 10 / 2010


* مقال للسيد صابر الشاهد بتاريخ 7 نوفمبر 2010 ردا على المقال السابق ، مدافعا عن مواقف الاتجاه الاسلامي والاتحاد العام التونسي للطلبة .


شهادة على " شهادة للتاريخ "
نصف شهادة .. أم شهادة زور .. أم أزمة أعمقّ مما تصوّر الحبيب بوعجيلة ؟

صابر الشاهد

اطلعت على نصّ السيد الحبيب بوعجيلة الذي ورد في العدد 203 من جريدة الطريق الجديد الصادرة بتاريخ 30 أكتوبر 2010 تحت عنوان: " شهادة للتاريخ ...اتحاد الطلاب بين إرادتهم ووصاية الآخرين" وكنت أتصوَّر أن المسافة الزمنية التي فصلت بين المتحدث والأحداث والشهادات الشفوية الأخيرة التي قُدِّمت على منابر عديدة - رغم سعي بعضها إلى صياغة تاريخ وهمي- حول موضوع الحركة الطلابية التونسية كانت كافية حتى تجعل الفاعل يبتعد شيئا ما عن حرارة الأحداث والانصهار داخلها ليحدث من جهة ، فصلا منهجيا بين الذات والموضوع يسمح بتقديم تقييم يفيد اللحظة  ولا يحاول إيجاد مشروعية لم تكن حاصلة زمن الأحداث فما بالك اليوم، سيما وأن المدة الفاصلة بين الأمس واليوم قد ناهزت  ربع قرن، و ليصل من جهة أخرى، إلى فهم الأسباب العميقة التي جعلت الاتحاد العام لطلبة تونس في نسخته الثانية، أي بعد مؤتمر ماي 1988، يتحوّل إلى  ما اعتبره الحبيب بوعجيلة "" ملكية " شخصية لطرف دون آخر".

نصف شهادة
.. أم شهادة زور.. أم من شبّ على شيء شاب عليه...

وقبل الخوض في العوائق الأساسية التي كانت وراء حذف السيد الحبيب بوعجيلة ومجموعته من مشهد المؤتمر الثامن عشر الخارق للعادة للاتحاد العام لطلبة تونس لا بدّ من تنبيه السيد بوعجيلة إلى أن تجاوز سن الأربعين يفترض رشدا تقييما ومعرفيا يترفع عن السباب وكيل الشتائم. فعبارات "مؤتمرهم العام" و"تأسيس منظمتهم الاتحاد العام التونسي للطلبة" تدلّ على حقد كبير تجاه "الأب"، وقد خرج فصيل "الإسلاميين التقدميين" من جبة حركة الاتجاه الإسلامي وكانت مسيرته في الجامعة مبنية على أساس مخالفة "الأب" في المسائل الصحيحة والخاطئة على حد السواء، وقد تكون عقدة أوديب مفيدة  لفهم هذه الوضعية. وهنا كان على السيد الحبيب بوعجيلة أن يذكر الحقيقة كاملة للناس وللشباب الطلابي الجديد بالخصوص وهي أن فكرة المؤتمر العام للحسم، بين مقولة المحافظة على البيت القديم (الاتحاد العام لطلبة تونس ) وبناء بيت جديد، وهو ما كان يطرحه البعثيون (الطليعة الطلابية العربية التي ذكرها السيد بوعجيلة في نصّه ولم يذكر للناس كيف انتقل البعث من مقولة التأسيسي إلى تبني المؤتمر الثامن عشر الخارق للعادة) والاتجاه الإسلامي كلٌّ حسب طريقته، هذه الفكرة لم تكن فكرة الاتجاه الإسلامي بل كانت مقترحا من قبل "قوى يسارية ثورية (وطد كلية الحقوق بتونس ويساريون من كليتي الآداب والطب) تبناه الاتجاه الإسلامي، وذلك ثقة منه في جماهيرية طرحه وتأكيدا على جديته في حلّ الإشكال النقابي عكس بقية الأطراف التي لم تتمكن من فعل أي شيء قبل حدث 7 نوفمبر 1987. ووجب على السيد الحبيب بوعجيلة أن يتذكر أن طلبة الحزب الشيوعي التونسي، الذين يذكر أنه بدأ إعداد خطة المؤتمر الثامن عشر الخارق للعادة للاتحاد العام لطلبة تونس في مقر حزبهم، هم أيضا قدموا مقترح المؤتمر العام  كحل لأزمة التمثيل النقابي في الجامعة التونسية آنذاك ثم التفوا على القرار بتقديم شرط موافقة فصائل اليسار الماركسي على ذلك، أي أن تبقى قضايا الطلاب المادية والبيداغوجية رهينة حسابات هذه الفصائل التي يعرف الحبيب بوعجيلة أنها كانت عاجزة عن فعل أي شيء، وأنها كانت سترفض الدخول في إنجاز مؤتمر 18 خ ع للاتحاد العام لطلبة تونس لو تبنى الإسلاميون ذلك. عُدْ إلى ما قاله عبد الرزاق كريفة من طلبة الحزب الشيوعي التونسي في الحلقات التي نشرتها الموقف شتاء /ربيع1988 وخصصتها لشرحِ اليساريين الماركسيين أسباب هزيمتهم المدوية في انتخابات مجالس الكليات خلال تلك السنة لتتأكد من السبب الجوهري لعدم إنجاز الماركسيين المؤتمر 18 خ ع للاتحاد العام لطلبة تونس قبل حدث 7 نوفمبر 1987.

ولا بد هنا من التنويه إلى أن خير الدين الصوابني، الذي حضر إلى جانب الحبيب بوعجيلة وسمير العبيدي ومنذر ثابت وشكري بلعيد وعبد الرزاق كريفة وآخرون الندوة التي نشطها رفيقا الحبيب بوعجيلة السيدان عبد الحي بولعراس وهشام الحاجي لفائدة جريدة الموقف ( عدد72، 24-30ديسمبر1987 ) تحضيرا لعقد المؤتمر 18 خ ع للاتحاد العام لطلبة تونس،  كان أكثر إنصافا للتاريخ من السيد الحبيب بوعجيلة عندما قال على منبر مؤسسة التميمي "إن فكرة المؤتمر العام لم تكن مؤامرة الاتجاه الإسلامي بل هي فكرة طلابية".

أما قول "تأسيس الإسلاميين لمنظمتهم الاتحاد العام التونسي للطلبة " كما ورد في نص بوعجيلة ففيه كثير اللمز المقصود به المغالطة ، فإذا كان صحيحا أن الإسلاميين هم ركيزة تأسيس منظمة الاتحاد العام التونسي للطلبة وهو شرف استحقوه بامتياز، في حين فشل آخرون في إعادة الحياة لمنظمة كانت نتشط في الجامعة فإن الإسلاميين لم يعتبروا أبدا أن الاتحاد ملكية خاصة بهم ولم يسعو إلى وضع لوائح تمنع غيرهم من الانخراط في المنظمة، وللسيد الحبيب بوعجيلة أن يعود للقانون الأساسي للمنظمة وللميثاق الجامعي الذي أصدرته سنة 1986 ليعرف ذلك، أما إذا عدنا إلى ما أنجزته المنظمة في الواقع فيعرف السيد الحبيب بوعجيلة أن المنظمة دافعت بكل ما أوتيت من جهد على قضايا الطلاب، ونضالاتها خلال السنة الجامعية 1986/1987 التي وصفها السيد الحبيب بوعجيلة بالتصعيدية في مقال له صدر بجريدة الموقف عدد69 (3-9 ديسمبر 1987) تحت عنوان: التيارات الطلابية و7 نوفمبر عندما قال متحدِثا عن "الاتجاه واتحاده":  " تورطه في السنة الفارطة في مسار تصعيدي انتهى بالجامعة إلى وضع لا تحسد عليه"، كانت من أجل إلغاء أمر أوت 82 المحدد الترسيمات (نظام الخراطيش) وتمكن عديد الطلاب المطرودين من الدراسة  من العودة إلى مقاعد الدراسة بعد أن ألغاه بورقيبة في صيف 1987 استجابة لتلك النضالات، وكان من بين العائدين الشاعر يوسف رزوقة. في تلك الأثناء نظم رفاقك إضراب جوع لمساندة المخيمات بهدف التشويش على النضالات الحقيقية التي تمسّ مصالح الطلاب المباشرة، وهذا لا يعني أن قضية فلسطين لم تكن في صلب اهتمامات نضال الاتحاد العام التونسي للطلبة ولكن النضال المطلبي مقدم في النقابات على التفاعل مع الأحداث السياسية، وبقية قصة الإضراب تعرفها عندما تدخلت قوات الأمن وجدت أن الجميع يُعِّدُ لوليمة شهية في رحاب المدرج ألف بكلية الحقوق بتونس تحت شعار مساندة القضية الفلسطينية ووجدت علب الحليب والبسكويت وغيرها .. ورغم أن السيد الحبيب بوعجيلة قد استدرك الأمر بعد 23 سنة واعتبر في هذا النص المنشور على أعمدة صحيفة "الطريق الجديد" أن السنة الجامعية التي سبقت إنجاز المؤتمر 18 خ ع للاتحاد العام لطلبة تونس أي 1986/1987 سنة " تأزمت فيها الساحة الطلابية وشهد "الحرم الجامعي" مواجهات رهيبة بين الطلاب وسلطة "العهد السابق "، أي أنّ المواجهة بين الطلاب والعهد السابق وليست بين "الاتجاه واتحاده" والسلطة كما ورد في نصه المنشور في جريدة الموقف خلال شهر ديسمبر 1987.

وللتاريخ الحقيقي وليس المزيف لا بدّ أن أذْكُرَ أن السيد الحبيب بوعجيلة  لا يزال يحافظ على نفس العداء القديم "للأب" الذي عرفناه عليه خلال سنوات الدراسة الجامعية في الثمانينات وأذكر أن السيد الحبيب بوعجيلة الذي كان أصدقاءه من اليسار الماركسي يلجأون دائما إلى وضعه على رأس اللجان التي كثيرا من يقع تشكيلها في تلك الأيام (1985/1986/1987 ) حتى أصبح يعرف بـ"الحبيب لجنة". وأذكر الاجتماعات التي كانت تُعقَد تحت إشراف اللجنة في كلية الآداب بمنوبة - التي وقعت فيها مجزرة منوبة  يوم 30 مارس 1982وليس مواجهات بين الإسلاميين وبعض فصائل اليسار كما ذكر السيد الحبيب بوعجيلة في مقاله، ومنظمي تلك المجزرة اعترفوا في نصوص منشورة وفي شهادات بتنظيمهم لتلك المجزرة- كان السيد الحبيب بوعجيلة كثيرا ما ينهيها دون تمكين المتدخلين الإسلاميين من الكلام.

أما في خصوص علاقته بالاتحاد العام التونسي للطلبة فما أتذكره شديد التذّكر هو ذلك الاجتماع الذي عُقد في بهو كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية تونس (كلية 9 أفريل) من قبل اليسار الماركسي وترأسه من الصباح إلى المساء السيد الحبيب بوعجيلة، وكان الهدف منه هو تكسير صناديق اقتراع الانتخابات القاعدية للمؤتمر الثاني للاتحاد العام التونسي للطلبة ولو لا حماية أنصار الاتحاد للصناديق طيلة يوم كامل لتمكن اليسار الماركسي برئاسة الحبيب بوعجيلة من تكسيرها ولتم إيقاف الانتخابات. وكانت طالبات اليسار الماركسي ينفثن دخان سجائرهن في وجه لجان حماية العملية الانتخابية في محاولة لجرها إلى عمليات عنف يصبح معها مستحيل مواصلتها. ولا شك أن عرقلة انتخابات منظمة طلابية كان في صلب اختيارات السيد الحبيب بوعجيلة "الديمقراطية" آنذاك. وطبعا، لا يجب أن يذهب في ظن القارئ أن الحبيب بوعجيلة يقود بالفعل فصائل اليسار الماركسي بل كل ما في الأمر أنه متذيل يُستعمل كواجهة للتدليل على أنّ هناك من الإسلاميين من يناهض الاتحاد العام التونسي للطلبة والتيار الإسلامي المهيمن في الساحة الجامعية آنذاك وهو الاتجاه الإسلامي في الحركة الطلابية.
الاتحاد العام لطلبة تونس: أزمة تدخّلٍ ظرفيٍّ أم عوائق بنيوية في فكر مالكيه الجدد...؟

عندما يفسِّر السيد الحبيب بوعجيلة أزمة الاتحاد العام لطلبة تونس الحالية في جانبها الطلابي، لأنه لا ينكر إلا جاحد أن للسلطة ضلع في تلك الأزمة وإن كان ثانويا بالمقارنة مع أزمته الحقيقية، بما وقع في سياقات التحضير لإنجاز المؤتمر الثامن عشر الخارق للعادة خلال السنة الجامعية 1987/1988 يكون قد جانب اعتماد الأدوات التفكيكية التي كثيرا ما نراه ينادي باعتمادها في المقالات المتعلقة بالشأن السياسي التي ينشرها هنا وهناك. والأدوات التفكيكية تفرض علينا، في هذا الموضوع، تعميق البحث في فكر الأطراف الفاعلة في مثل هذه العملية، أي الأطراف التي تقرّر مصير هذه الصيرورة. ويكون السيد الحبيب بوعجيلة مدّعياً إذا قال أنه كان من بينهم. وحَشْرُ نفسه ضمن كوكبة الفاعلين عبر القول "نحن قيادات الحركة الطلابية" فيه كثير من البحث عن سلوى للنفس بادعاء ما لم تكن فيه من حال، هذا جانب نفسي أتركه للمحللين النفسانيين. 

إن الناظر في التشكيلة السياسية الطلابية التي تقف وراء إنجاز هذا الحدث في تلك اللحظة يعرف أنها تتكون من فصيلين رئيسيين هما: "النقابيون الثوريون" من جهة وكانوا في حالة مدّ مرتبطة بإعادة هيكلة بقايا تنظيم العامل التونسي الذي تحوّل قبل سنتين من الأحداث التي يتناولها السيد الحبيب بوعجيلة بالتحليل  إلى حزب العمال الشيوعي التونسي،  وفصيل "الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة" وريث تنظيم "الطلبة الوطنيون الديمقراطيون" الذين أصبحوا في حالة جزر بعد مدّ أواخر السبعينات وبداية الثمانينات. كما يتشكل المشهد الماركسي من فصائل أخرى -إن جاز التعبير لأن بعضها لا يتكوّن سوى من أفراد لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة. ولا شك أن السيد بوعجيلة يتذكر "ظاهرة " محمد لسود بالجامعة،  وكان طالبا ماركسيا يقول عن نفسه أنه يمثل تيارا. وهو يدعي الآن أنه يقود "تيارا" طلابيا في الجامعة يسمى "التيار النقابي التقدمي" . وبالطبع هذه الفصائل لها من يمثلها أو على الأقل لها من يتعاطف معها في السلطة القائمة، خاصة وأن عديد الماركسيين السابقين تحولوا إلى السلطة بُعَيْدَ حدث 7 نوفمبر. ولا شك أن حنينا كبيرا يهزهم إلى "أسطورة" المؤتمر الثامن عشر الخارق للعادة للاتحاد العام لطلبة تونس. ومساهمتهم الفاعلة في إنجاز المؤتمر معروفة ومنشورة على أعمدة صحف تلك الأيام.

وهنا أوّد أن أتوجه إلى السيد الحبيب بوعجيلة بالسؤال:هل كان مطَّلِعا آنذاك على المفاهيم النقابية التي تحكم تصرُّف هذه الفصائل أم أنّ حمية العداء للاتجاه الإسلامي جعلته يرتمي في التجربة طالما أصحابها يعادون من يعادي؟ هل طرح على نفسه، وهو يعتقد أنه "يقود الحركة الطلابية"، سؤال: كيف يفهم شركاءه العمل النقابي، خاصة وهم أصحاب التجربة الطويلة في "الهياكل النقابية المؤقتة"؟ هل طرح أسئلة حول إمكانية وجود سبب آخر لظهور أفكار تأسيس في العمل النقابي غير ما يُرَوَّج من خطاب إيديولوجي حول البعد "الانقلابي على تاريخ الحركة الذي يحكم إستراتيجية الاتجاه الإسلامي في الجامعة"؟ هل طرح سؤال لماذا تمّ رفض دخول الاتجاه الإسلامي والطلبة العرب التقدميون الوحدويون إلى الهياكل النقابية المؤقتة عندما كانا يطالبان بذلك في أواخر السبعينات حتى يقتصر في الحديث على أنّ القوميين كانوا يخيرون العمل الجبهوي في الثمانينات وهذا صحيح بالنسبة للثمانينات ولكن ماذا عن أواخر السبعينات ؟ 

إنّ المفكر والفيلسوف ، خاصة إذا كان تقدميا، كما يصف الحبيب بوعجيلة نفسه، لا بد أن يذهب إلى عمق الظواهر ، بل ويحاول فهم المنطق الداخلي الذي يحكمها قبل أن يُطْلِقَ الأحكام جزافا .

إن التيارات الرئيسية المساهمة في إعادة الاتحاد العام لطلبة تونس إلى الحياة لم تقدم أي نقد ذاتي لتجربتها السابقة في الهياكل النقابية المؤقتة التي حكمتها أدوات لا ديمقراطية أهمها التعزيز والتعيين. ويحدثك النزهاء من عناصر تلك التيارات ممن عايشوا التجربة ، الحديث الخاص لأنهم كلهم يرفضون الحديث العام في هذا الموضوع ، عن فظاعات التسيير اللاديمقراطي داخل الهياكل. ولا نجازف إذا قلنا إن الهياكل كانت تُسَيَّرُ بطريقة ستالينية. وأصحابك لا يزالون معتزين بستالين إلى اليوم. ومعروف أن ستالين كان يُصَفِّي أقرب المقربين منه إذا اختلف معه في الرأي (ترتسكي كان أشهر من قام ستالين بتصفيتهم)، فهذا الحزب الشيوعي التونسي التي تتحدث أنت عن احتضان مقره لنقاشاتكم من أجل إنجاز المؤتمر 18خ ع كان يُوصَفُ بالخائن لتاريخ الحركة الطلابية وينعت بالتحريفي عميل موسكو من قِبَلِ كلّ الفصائل الماركسية الأخرى حتى لحظة احتضانه لاجتماعاتكم . هل قرأت نصا للوطنيين الديمقراطيين، أبرز الفاعلين في إنجاز المؤتمر 18 خ ع، يقدِّمون فيه نقدا ذاتيا لمنهجهم الإقصائي تجاه من يختلف معهم في الرأي أو حتى لمقولة "عدم إمكان إنجاز المؤتمر الثامن عشر إلا في ظل الدولة الوطنية الديمقراطية" بمفاهيم "الوطد" للوطنية وللديمقراطية؟ هل قدّم النقابيون الثوريون نقدا لجملة المفاهيم اللاديمقراطية التي كانت تحكم تجربتهم وتجربة العامل التونسي في الجامعة ( وهم وريثو العامل التونسي). هل يفرقون بين دور النقابة ودور الحزب في ممارستهم النقابية. 

لقد كنت تجلس في نهج المطوية ، عن وعي أو عن غير وعي ، في حفل تنكري تلبس فيه الذئاب جلود الحملان وتُخْفَى فيه "المناجل" داخل حقائب الطلاب . وطبعا في حفل "ذئبوي" كهذا  لا مكان فيه لفريسة يتناولها صغار الذئاب إلا ما تمدها به كبارها، والكبار في حفل المؤتمر الثامن عشر الخارق للعادة قدروا أن دورك ودور البعثيين يقتصر على ملء قائمة الممضين على البيان التأسيسي لجبهة العمل النقابي الديمقراطي بالأسماء أما الفريسة فلا بدّ أن تتقاسمها الذئاب طويلة المخالب وحادّة الأنياب.  وفعلا تأكّد خلال المؤتمر 19 للاتحاد العام لطلبة تونس (خريف 1989) أنّ من حفيت أنيابه قد خرج أو أُخْرِجَ من غرفة القيادة وبقي راكبا من درجة ثانية، وأنت ومجموعتك، إن وجدت لك مجموعة، لم يكن لكم مكان حتى في صفوف الركاب، ذلك قدرك، وتلك حدود مهمتك المقررة لك في الوقت الذي كنت تتصور أنك سيّد نفسك.  هذا مصير بائس ولا شك، ولكنّه ذلك مصير من لا يعمّق النظر في المسائل. تقول أنك لم ترد التشويش على المؤتمر ، اسمح لي بأن أقول لك هذه مزايدة أخرى ، لم يكن بمقدورك أن تفعل شيئا، هل يستطيع "كومبارس "عرقلة تصوير فيلما كبيرا..؟ لا أظن ذلك .

لست أدري كم من الوقت ستبقى "لعنة" سيطرة التيار الإسلامي على الجامعة ديمقراطيا خلال الثمانينات تتابع أحوال الطلاب إلى اليوم، فيُخشى أن تأتي رياح تحرّر إرادتهم بعكس ما يشتهي من يُنَصِّبُون أنفسهم إلى اليوم أوصياء على هؤلاء الطلاب وعلى الحركة الطلابية؟ وهل هو قدرٌ ألا مخرج للطلاب خارج أسطورة الهيكل المزعوم الذي يُقَدَّمُ على أنه هو تاريخ الحركة الطلابية والحركة الطلابية هي تاريخه هو. إنّ كل الحركات الطلابية في العالم أو أغلبها تعيش التنوع والتعدّد إلا الحركة الطلابية التونسية كتب عليها، كما كتب على البلاد، أن تعيش تحت غطرسة  الرأي الواحد و أن تبقى أسيرة تجربة الاتحاد العام لطلبة تونس يتخذه بعضهم طوقا للنجاة من الاندثار و ويتمسّك به آخر قاربا للسفر في الزمن رغم انتهاء مدة صلوحيته. وحتى تجربة الاتحاد العام التونسي للطلبة وقع التعامل معها كمؤامرة من تدبير التيار الإسلامي على الجامعة وعلى الديمقراطية ولا أحد يتحدث عن مظلمة القضاء عليه. وهي تقريبا القضية الوحيدة التي تتفق السلطة والمعارضات التي تقول عن نفسها إنها ديمقراطية على موقف واحد منها. ألم يكن من حقّ فئة من الطلبة أن تنظم نفسها بطريقة مختلفة عن الآخرين خصوصا إذا كانت هذه الفئة تمثل غالبية الطلاب؟ هل كان لا بد للأغلبية أن تركن لرغبات الأقلية بدعوى المحافظة على تاريخ الحركة الطلابية. ماذا يمنع الطلاب أن يفكروا في تجربة أخرى خارج تجارب من سبقهم؟ هل أضرّ بمصالح الطلاب الفرنسيين وجود الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا إلى جانب الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا المستقل والديمقراطي ؟ لماذا يؤمن البعض ببعض التعددية ويكفر ببعضها
؟

إن الأجدر بمن يدافع عن الديمقراطية الحقيقية والتعددية الفعلية هو أن ينادي بترك الحرية للطلبة في اختيار طريقة تمثيلهم وترك الحرية للطلبة في بناء المنظمات الطلابية التي يرونها صالحة. وجدير بالديمقراطيين الحقيقيين الدفاع عن تعامل نزيه من قبل السلطة والمعارضة مع ما يختاره الطلبة على قدم المساواة وبكل مسؤولية واحترام وتقدير. أما أن يتمترس بقايا ماركسيون "بالهيكل" ويرفضون تجديده كما يرفضون بناء أي هياكل أخرى فهذه مصادرة لحرية التنظم لا تختلف في شيء عن مصادرة السلطة حقّ المواطنين في تكوين الجمعيات والأحزاب بصفة حرّة. وفي هذه النقطة يكون غريبا ومثيرا للسؤال هذا التوافق بين السلطة وغالبية المعارضة، قد يعكس ذلك خوفا مزدوجا من الشباب الطالبي واختياره الحرّ الذي قد يخرج السلطة والمعارضة الكلاسيكية من دائرة المستقبل كما خرجتا من هذه الدائر في أواخر الثمانينات، أليس مستقبل الأمم في الجامعة؟ إن إجماع السلطة والمعارضة خلال صيف 1991 على إنهاء تجربة الاتحاد العام التونسي للطلبة جسّد كأفضل ما يكون التجسيد مثل ذلك الخوف، لنعد إلى تصريحات من تعتبر نفسها اليوم زعيمة المعارضة التونسية السيدة سهام بن سدرين خلال تلك الصائفة  لنفهم عمق ذلك الإجماع وبؤسه. 

هذا ما أوحى لي به مقال السيد الحبيب بوعجيلة  مع اعترافي له بوفائه الأبدي لاختياراته وصداقاته وعداواته، وإن كنت أَأْسَفُ لعدم مقابلة الطرف الآخر الوفاء بمثله ، لعلّه الحب من جانب واحد كما علّمنا ذلك ابن حزم الأندلسي.  ومن الحب ما أعمى عن الحقيقة...
أما أنا، سيد الحبيب بوعجيلة، فلك منّي كل الودّ لأننا نؤمن أن الاختلاف رحمة وأنه لا يفسد للود قضية.

Tunisnews : 7 / 11 / 2010

* مقال السيد الحبيب بوعجيلة بتاريخ 9 نوفمبر 2010 ردا على المقال السابق :


إلى الشقيق "صابر الشاهد " .. ابن أبيك يقرؤك السلام و يقول إن التاريخ لا يكذب
 
الحبيب بوعجيلة .

اطلعت – بكامل الود والاحترام – على مقال صادر على صفحات " تونسنيوز " بتاريخ 7 نوفمبر 2010 و قد عنونه صاحبه بجملة مطولة لا يفهم منها ما ادعاه في آخر المقال لشخصي من ود واحترام . والحق إن الاسم " المستعار " الذي أمضى به السيد " صابر الشاهد " مقاله لم يمنعني من تنسم رائحة " أخي " و " صديقي " التي تنضح من بين السطور . فلا زال " الصابر " كما عهدته " شاهدا " غزير المعلومة لكنه وكما عرفته " من ربع قرن " مازال مندفع العواطف جياش المشاعر لا يصبر على الوقوع في الاستنتاجات المغلوطة و على اتهام الآخرين بما ليس فيهم بل ولا يصبر أصلا على الانزياح بسرعة عن الموضوع الأصلي فمقاله لم يكن في حقيقة الأمر مناقشة لمقالي الصادر في " الطريق الجديد بتاريخ 30 أكتوبر 2010 " بل لمواقفي التاريخية من الاتحاد العام التونسي للطلبة أولا وثانيا ل " فضح " لاشعوري المعادي " لأبينا المشترك " أي " الاتجاه الإسلامي " الذي حركتني رغبة قتله في الثمانينات فتحولت إلى " قائد " لكل المؤامرات المناهضة للاتجاه الإسلامي ومنظمته الطلابية.و بحكم غزارة ما ورد في مقال "الصابر" من معلومات وأحكام طغى عليها الاستطراد والخلط المنهجي أجيب في صورة نقاط مرقمة بما يلي 

1/ إن قراءتي لسطور " الصابر " لم تزعجني أبدا بل إنها على العكس من ذلك ذكرتني بتاريخ اعتز به وان كنت لا أوافق تماما على رواية " الشاهد له .إذ لعلم " الصابر " أني لم احقد يوما على " الأب" و يعلم الله حجم الألم الذي أصابني وأنا أرى صحة توقعات أبنائه " الخلص " ممن حذروه مرارا من " فكر " و" منهج " لا يمكن أن يحصد منه الجميع " أبناء " و " ربائب" سوى الهشيم و هو ما يجب أن يقر به " الصابر " وقد بلغنا من العمر أشده و أصبحنا الجيل " الشاهد" على خيبة " الأب " و علينا مسؤولية " أجيال جديدة " لا نريد أن نقول لها " إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون " .

2/ ادعى " صابر الشاهد " غياب الموضوعية في تحليلي لأسباب الوضعية الحالية للاتحاد العام لطلبة تونس ولكن القارئ الحصيف لمقاله سيكتشف انه في خصوص تشريحه لأسباب أزمة " اتحاد الماركسيين " كما سماه لم يفعل غير أن كرر بصيغ أخرى ما أشرت إليه في مقالي بخصوص الخلفية النظرية و السياسية التي حكمت الفصائل التي أنجزت 18 خ.ع و حتى لا نصيب القارئ بالملل أحيلهم على ما قاله " الصابر الشاهد " في العنصر الذي عنونه " الاتحاد العام لطلبة تونس أزمة تدخل ظرفي أم عوائق بنيوية في فكر مالكيه الجدد" و مقارنته بما ذكرته في كامل مقالي بالطريق الجديد ولن يقفوا على أكثر من التفصيلات " السياسوية " التي أضافها " الشاهد " حول " الوطد" و" الوطج" و "النق ثو " .

3/ لعل ما أثار " صابر الشاهد" في مقالي ( الذي لم اخصصه أصلا للحديث عن تجربة النقابة الموازية التي تم تأسيسها في الثمانينات من طرف الاتجاه الإسلامي ) هوعباراتي " تأسيس الإسلاميين لمنظمتهم ......." التي اقتطفها من هذا المقال و "الاتجاه واتحاده " التي اقتطفها من مقال لي صادر أواخر 87 ( وهذا من علامات حب صابر لشخصي الكريم إذ مازال تماما طري الذاكرة يحتفظ بحركاتي وسكناتي من كتابة المقالات إلى ترؤس الاجتماعات من الصباح إلى المساء و تشكيل اللجان لمهاجمة " الأب" و منع "الإسلاميين " من الكلام )و انطلاقا من هذه العبارات انطلق يكيل النقد لموقفي التاريخي من تأسيس " الاتحاد العام التونسي للطلبة " و مادام الأمر قد أتيح لي فلن أتردد إذن في الإفصاح عما امتنعت عن الخوض فيه إلى حين توفر الشروط " الإنسانية و الأخلاقية " لمثل هذا النقاش و اكتفي مؤقتا بما يلي

ا/ مازلت متمسكا بان من أهم الأخطاء القاتلة التي ارتكبها " التيار الإسلامي الأقوى " في الثمانينات هي التراجع عن " أطروحة 18خ.ع " التي تبناها لفترة قصيرة قبل أن يتجه نحو " أطروحة التأسيسي " التي كانت عنصرا إضافيا في تشرذم الحركة الطلابية و مبررا آخر من مبررات " التوجس" من حركة " إسلامية " لا تستطيع بمثل هذه الأطروحات و" الممارسات" أن تقنع بأنها جزء من حراك واقعي لا تريد " القطع " معه لتؤسس " مجتمعا " جديدا وجيلا " فريدا " يعيد النظر في كل " السائد" و يبدأ التاريخ من اللحظة التي يبنيها بنفسه بمعزل عن الآخرين . لقد كانت النزعة " الانتصارية " التي حركت " القيادات " التاريخية " في الجامعة " و في "البلاد " لتتجه نحو " التأسيس" على جميع المستويات الطلابية والوطنية هي " مسمار العرج " الذي سيصيب " كعب " المشروع لينتهي أوائل التسعينات إلى ما لم تحمد ولن تحمد عقباه أبدا مهما عاند المعاندون و أخذتهم العزة " بالخطأ " .

ب/ لن يتمكن " صابر " مهما فعل من إقناعي بان خيار التأسيس كان موقف الجماهير الطلابية آنذاك وان كان طبعا موقف التيار الأقوى بشريا وتنظيميا و للتذكير لابد من الإشارة انه وبقطع النظر عن " المصدر اليساري " لفكرة المؤتمر العام فان المؤتمر الذي انبثقت عنه المنظمة الطلابية الموازية لم يكن " عاما " بل كان " إسلاميا تأسيسيا " بامتياز و باستثناء بعض " الإخوة " ممن لعبوا دور " المستقلين " المدافعين على أطروحة 18 خ.ع فان المؤتمرين كانوا في آخر التحليل " مناضلي الاتجاه الإسلامي " من قيادات الصف الأول والثاني ومن قواعد محمولة وقتها بحمية إحساس جارف بانتصار " إسلام " ما عاد غريبا بل أصبح سيد الساحة لا يفصله عن النصر الناجز غير " ساعة " .ولا يستطيع " الصابر " أيضا أن يقنعني بحياد " التأسيس " لمنظمة صافية الانشغال النقابي بعيدة عن تجاذبات الساحة السياسية واستقطاباتها وقتها داخل السلطة وداخل البلاد بل وداخل " الاتجاه" نفسه و لعل "الصابر " يتذكر جيدا مضمون تدخلي في التجمع العام الذي عقده " الاتجاه" وترأسه أخي " العجمي الوريمي " و حجب مضمونه أخونا طيب الذكر " جمال العوي " المشرف وقتها على الصفحة الطلابية في جريدة " الرأي " حيث لم يورد إلا مضمون تدخل الصديق حاتم الشعبوني عن الشيوعيين ومضمون تدخل الأخ عبد السلام بوعائشة عن الوحدويين و سقط مضمون تدخل " الرفيق" الحبيب بوعجيلة سهوا من تغطية الأخ جمال . إن الاتحاد العام التونسي للطلبة ولد منذ البداية " بمعزل " عن المصلحة الحقيقية للحركة الطلابية و بعيدا عن طبيعة المنظمات المدنية التي يحتاجها المجتمع .و قد كانت المنظمة في آخر التحليل جزء من مشروع سياسي كامل يعمل منذ الثمانينات بمنهج " تجميع شروط الاستعصاء " و تحكمه رؤية فكرية و أسلوب سياسي سنظل مختلفين معه بعيدا عن منطق " الكره الاوديبي" ما دام حصاد  هذا الأسلوب وهذا المنهج وتلك الرؤية لا يساوي غير هشيم الخيبة .

4/ في إطار إمعانه في " تعذيبي" نفسيا المح " الصابر" في سياق مقاله الغزيرة معلوماته إلى أن مجموعتي و مجموعة الطليعة الطلابية العربية تم " حذفها" (هكذا ) من المؤتمر 18 خ.ع بعد أن " زينوا " بنا بيان " الجبهة " ولن احمل معلومة " الصابر " هذه على الكذب بل سأحملها على نقص المعرفة لأجيبه صادقا بالالتجاء إلى "الرفاق " الذين يقبلون معه " الأحاديث الخاصة " كما أشار الصابر متباهيا ليسألهم عن المجهودات التي بذلوها – مشكورين – لإقناعي بالبقاء بل بتمكيني من مقعد في أول " العربة " لا في درجتها الثانية و لكني رفضت و قد أشرت – دون عقد – إلى أن حجمنا البشري لم يكن يؤهلنا لإحداث أزمة في الانجاز وان كان " الصابر " يعرف جيدا أن الساحة الطلابية كما العامة ماضيا وحاضرا يلعب فيها " الوزن الاعتباري " قيمة هامة و هو ما جعل الحبيب بوعجيلة (باعترافك يا صابر ) يتحول وقتها إلى " حبيب لجنة " بحيث يوضع باستمرار وفي أوقات الأزمات على رأس إدارة اللجان وأنت تعلم تماما يا صابر أي التدخلات التي كان ينصت لها جميع الطلاب بانتباه ...جميعهم بلا استثناء بمن فيهم  " أبناء أبي " أو عموم الطلبة الذين لم يكونوا يغادرون عشب ساحة منوبة ومشربها إلا حين يكون المتكلم " صاحب مصداقية " وان لم يكن  " صاحب عصبية " ولابد أن " الصابر " يذكر( وقد وجدته طري الذاكرة ) اجتماعي الشهير مع الأخوين " الهاشمي" و " رضا " لإقناع " هذا الكومبارس" بتمثيل دور رئيسي في " شريط المؤتمر العام " ولكنني رفضت مما أثار وقتها غضب بعض من قياداتي في " البلاد " من رموز " التيار الإسلامي التقدمي " ولكن الروح الديمقراطية وغياب " منطق المشيخة " في هذه المدرسة الفكرية الوليدة جعلنا وقتها نتجاوز الخلاف مع هذه الرموز دون صعوبات كثيرة . .لن انساق في استعراض سيرتي " المجيدة " لكنك يا صابر لا تستطيع أن تنكر أنني واحد ممن يستطيعون بلا وجل أن يستعملوا وقتها ضمير جمع المتكلم لأقول رغم انف المنكرين " نحن قيادات الحركة الطلابية وقتها " و ليتأكد القراء أني لم أكن " مجرد كومبارس " كما يدعي " صابر " فاني أحيلهم على مقال " صابر " نفسه وهو يتحدث عن فتوحات " الحبيب بوعجيلة " من الصباح إلى المساء و لولا بعض "العداء للأب " الذي لمسه صابر من كلامي ولاحظ انه لم يتغير لكنت متأكدا أن صابر سيكون واحدا من مريدي ولكني لا أرضى له بدور المريد بل  سيكون لا محالة كما أحبه ذات يوم شريكا للحبيب بوعجيلة في حلم إصلاح البلاد وتنميتها بعيدا عن الوقوف على أطلال درست و أوهام أصبحت في ذمة التاريخ ...مع الود والتقدير صديقي " الصابر " و" الشاهد " وللحديث تفصيل آخر حين تتوفر شروط التفصيل .  

الحبيب بوعجيلة ..
صفاقس . تونس 9 نوفمبر 2010 .
Tunisnews : 9 / 11 / 2010 .

* مقال للسيد صابر الشاهد بتاريخ 13 نوفمبر 2010 :

الجدل حول تاريخ الحركة الطلابية التونسية بين واجب الذاكرة وإرادات التعتيم
 
صابر الشاهد .

من مفارقات الساحة السياسية والجمعوية والفكرية في تونس هي وجود جماعات تتحدث  عن الحرية والديمقراطية  طالما لم تمس الصورة التي تريد تشكيلها عن نفسها، أما إذا كان رأيك يحاول تعديل هذه الصورة بالوقائع والمؤيدات من أجل الحقيقة والإنصاف فإنك تصبح في نظر هذه الجماعات حادا ومسفّا ومتجاوزا .... وهنا أتحدث عن ساحة بعينها هي ساحة الأطراف التي تقول أنها تتناقض مع مشروع السلطة التسلطي والإقصائي.
وليس من باب التظلم أو التشكي القول بأن البعض يريد تقديم صورة عن الآخر كحقائق  يقينية مصدرها الوحيد هو حديث النفس عن ذاتها. أما إذا ناقشت هذه اليقينيات فإنك تصبح "مندفع العواطف... صاحب استنتاجات مغلوطة... ومنزاحا عن الموضوع الأصلي". ولذلك لا تجد في تونس أي مجموعة قامت بتقديم نقدها الذاتي العلني ما عدا محاولة غير ناجزة لحركة النهضة قامت بها في المهجر ولا يعلم بها غالبية المهتمين.
هذا بصفة عامة، أما إذا خصصنا الحديث في موضوع النقاش الدائر بيني وبين السيد الحبيب بوعجيلة  وهو تاريخ الحركة الطلابية فإن المسألة تصبح أكثر حدّة وجدلا وتخوفا وكل تفصيل في الموضوع يصبح تجريحا . وكل توضيح يصبح سيرا على درب "الأب الخائب"، بل إن البعض ربط تحركات وطنية كبرى من أجل الحرية لجميع التونسيين بالموقف من تفاعلات شهدتها الجامعة خلال سنوات مجد الحركة الطلابية. ووصل تداخل الأمور على  أحدهم إلى حدّ التوهّم، عندما توجّه باللوم إلى رفيقه الأستاذ أحمد نجيب الشابي على مشاركته الإسلاميين إضراب جوع 18 أكتوبر 2005 لأن تلك المشاركة وفرت لهؤلاء فرصة العودة إلى الجامعة حسب زعمه (النص موجود في جريدة الطريق الجديد ، ديسمبر 2005)، متمسكا في ذلك بالمكسب "التاريخي "الذي حقّقه "بعرق جبينه" المتمثل في إقصاء الإسلاميين عن الجامعة.

واجب الذاكرة تجاه من نسيهم "التاريخ"
إن الأمر يتجاوز التخوّفات والأوهام إلى المصادرة على النقاش والوقوف ضد واجب الذاكرة. ألم يتحدث بول ريكور عن هذا الواجب تجاه من نسيهم التاريخ، ضحايا التاريخ؟ كم من النقاشات تمت حول تاريخ الحركة الطلابية هذه السنوات على أعمدة الصحف التونسية؟ هل تمّ تشريك إسلاميين أو مستقلين من خارج فضاء الاتحاد العام لطلبة تونس فيها ؟ ولا يمكن اليوم لأحد أن يتذرّع بوجود أغلب هؤلاء خارج البلاد، فالثورة الرقمية قرّبت المسافات إلى درجات لا يمكن تصوُّرها (أنظر إلى "جمهورية الفايس بوك الفاضلة" وما يحدث فيها من حوارات) فضلا عن وجود بعضهم في البلاد. هذا الغائب/ الحاضر الذي أبى "شركاء جامعته" سابقا أن يتناسوه فنزلوا فيه نهشا دون السماح له بحقّ الرد. أليس من حقّ هذا الغائب/ الحاضر أن يقول لا لتزييف التاريخ سيما وقد توجه له البعض باللمز كما ورد في مقال بوعجيلة في جريدة "الطريق الجديد" معتقدا  أن المنهج الكمّي هو الذي يجب أن يعتمد في التحليل، فاستغرب أن تثير جملة تائهة في نصه نقاشا وتوضيحات كالتي قمت بها أنا، متناسيا أن تلك الجملة تمسّ التيار الذي كان يسانده أغلب الطلاب زمن الأحداث التي يتناولها بالنقاش والشهادة والممنوع من الكلام إلى حدّ الآن.
أن تقول لا لتزييف التاريخ يستوجب منك ذكر شهادة حقيقية حول ذلك التاريخ، وذلك عين ما قمنا به في مقالنا السابق "شهادة على "شهادة للتاريخ" . ومن حقّ الأجيال الحالية والقادمة علينا أن تكون لها صورة شاملة عن الواقع، لا أن نقدم لها تاريخ الحركة الطلابية كما تمّ تقديم "تاريخ الحركة الوطنية التونسية " طيلة عقود. والذين تُصَاغُ لهم صورة الآن تشبه كثيرا الصورة التي قُدِمَت للمنهزمين في الصراع البورقيبي اليوسفي هم الإسلاميون والمنظمة الطلابية الاتحاد العام التونسي للطلبة،  فهم "يوسْفِيُو الجامعة التونسية الحديثة " لذلك يُطلب من مناضلي هذا التيار وهذه المنظمة أن يصمتوا كما صمت اليوسفيين كرها دون الرضا وأكلتهم رطوبة معتقل "غار الملح"، لكن ألا يعلم سدنة الصمت أن العالم تغيّر وأن أدوات التعبير تعدّدت وأن الإصداع بالحقيقة لم يعد يتطلّب امتلاك صحف وتلفزات وإذاعات، بل يتطلب فقط معرفة بسيطة بالتعامل مع الحاسوب، ولله الحمد؟
وقبل أن أوضِّح ما التبس على السيد بوعجيلة وغيره ممن ساءهم ما كتبت يهمني أن أؤكد أنه لا حقد شخصي لي على السيد بوعجيلة ولا حساب خاص بيني وبينه وإن كنت أختلف معه اختلافا شديدا، أكرّر مرة أخرى أنّه لا يفسد للودّ قضية، فكل ما ذكرته لا يتجاوز ثلاثة مسائل :
مسألة أولى تتعلق بتقديم شهادة حول مسائل عشتها ولحقتني جرّاءها ركلات ولوث صدري فيها دخان "تقدمي" تنفثه طالبات ثوريات. وأنا متمسِّك بكل كلمة قلتها في شهادتي وسأُسْأَلُ عنها يوم القيامة وسأحاسب عليها.
أما المسألة الثانية فهي تتعلق بمحاولتي تقديم تفسير لمسلكية السيد الحبيب بوعجيلة النقابية وهذا من حقي. فكل فعل في الحياة العامة يصبح من حق الجميع تقييمه  ودراسته ما إن يصدر عن فاعله. وأنا لم أتدخل في الحياة الخاصة للسيد الحبيب بوعجيلة حتى أُتَّهَمَ بحدّة الخطاب أو التجريح.
والمسألة الثالثة هي محاولة لفهم أزمة الاتحاد العام لطلبة تونس تتجاوز الأسباب التي قدّمها السيد الحبيب بوعجيلة و التي حصرها في الظروف التي حفّت بإنجاز المؤتمر الثامن عشر للاتحاد العام لطلبة تونس عكس ما حاول تبيانه في ردّه من أنه قصد لبّ الموضوع و اعتبرني قد غرقت في التفاصيل. ونصّ السيد الحبيب بوعجيلة موجود ومنشور ويمكن العودة إليه. وهذه الأسباب أصبح تناولها ضروريا لكشف الأسباب الحقيقية، ليس لفهم أزمة الاتحاد العام لطلبة تونس فحسب، بل لفهم كامل تاريخ الحركة الطلابية. وأصبحت أميل، بعد النقاش الذي حصل حول مقالي، أنّ خوف البعض من الغوص فيها سببه إمكانية أن تعطي محاولة من هذا النوع آفاقا جديدة للبحث في تاريخ الحركة الطلابية ينزع مشروعيات ويؤسس لمشروعيات أخرى. وأجزم أنه هناك وفاق حول ذلك بين عديد الفاعلين السياسيين في السلطة والمعارضة، وهذا الكلام ليس استنتاج عقل يعيش فوبيا التآمر عليه من الجميع بل هي حقائق جاءت نتيجة دراسات لباحثين أجانب في العلوم السياسية. وأدعو السيد الحبيب بوعجيلة  وكل من ساءه مقالي إلى مراجعة الأرشيف الصحفي لتلك الفترة لتعرف أنني لا أدّعي أحدا ولا أعادي أي جهة بل أطرح حقائق. وأُصِّرُ مرّة أخرى على أن السيد الحبيب بوعجيلة منحاز إلى قراءة معيّنة. و يبقى من حقّه اتخاذ الموقف الذي يريد و لكن ليس من حقه مصادرة آراء الآخرين.
النصوص أهم وسيلة لحفظ الذاكرة..
وللقارئ النزيه أن يستخلص العبرة من الفقرة الخاصة بالاتجاه الإسلامي  والاتحاد العام التونسي للطلبة في نص السيد الحبيب بوعجيلة الصادر سنة 1987 حول الطلبة وحدث 7 نوفمبر 1987 في جريدة الموقف (العنوان في مقالي السابق) :
" 2 - مباركة مشروطة :
موقف الاتجاه الإسلامي كان هذه المرّة متميزا حيث تحقّق الوفاق لأول مرة بين موقف الحركة بالبلاد وموقف طلابها بالجامعة وزال الازدواج في الخطاب الذي كان يعتمده الاتجاه في السنين الأخيرة، والذي يتمّ بموجبه تصدير خطاب راديكالي متصلب في الجامعة مقابل آخر ديمقراطي لين في البلاد... لقد أكد طلبة الاتجاه الإسلامي في بيانين أحدهما بإمضاء الحركة والثاني بإمضاء الاتحاد على مباركتهم للتحول في مستوى هرم السلطة ولكنهم شرطوا هذه المباركة بإطلاق سراح قيادتهم ومنح القانونية لاتحادهم الطلابي. وقد اعتبر أغلب الملاحظين بالجامعة أن موقف الاتجاه كان ذكيا إلى أبعد الحدود حيث تجنب التورط في مباركة لامشروطة وفي مواجهة ليس في مقدوره خوضها من ناحية أخرى.  ولم يدخل "الاتجاه" إلى حد الآن في تحرك عملي لتجنيد الطلاب حول المهام التي اعتبرها في بياناته أساسية. هذا التردد المتسم بقلة البيانات وغياب محاولات عقد الاجتماعات يرجع بالأساس إلى عدم وضوح الرؤية بالنسبة للإسلاميين بسبب عدم وضوح موقف السلطة من قضيتهم، وسوف يزداد هذا التردد بعد اكتشاف مخبأ الأسلحة الذي تورط فيه بعض القياديين من الحركة. ويبدو أن "الاتجاه" و-"اتحاده" - لم يعد قادرا بما فيه الكفاية على لف أوسع الطلاب لأسباب ثلاثة:
أولها وضعه التنظيمي والسياسي وثانيها طبيعة نشأة اتحاد الإسلاميين الذي رأى فيه أغلب الطلاب  نسفا لنضالات الحركات الطلابية، وثالثها تورطه السنة الفارطة في مسار تصعيدي انتهى بالجامعة إلى وضع لا تحسد عليه وإذا أضفنا إلى هذه الأسباب الثلاثة حرص الاتجاه الإسلامي على العمل المنفرد فإن قدرته على الاشعاع تبدو ضعيقة" (الموقف عدد 69 من 3 إلى 9 ديسمبر 1987).
ومع تركي للقارئ حرية القيام بتحليل مضمون هذا الكلام ووضعه في سياقه التاريخي فإنني أحيطه علما بأن أغلب الطلاب اختاروا القوائم التي رشّحها الإسلاميون وأصدقاءهم في انتخابات مجالس الكليات بُعيد أقل من شهر من تلك التنبؤات، مما جعل أعضاء "جبهة العمل النقابي الديمقراطي "، التي حضر جلستها التأسيسية المهيأة لانعقاد المؤتمر 18 خ ع للاتحاد العام لطلبة تونس السيد الحبيب بوعجيلة، ينشرون سلسلة مقالات تقييمية على أعمدة نفس الصحيفة التي نشر عليها السيد الحبيب بوعجيلة مقاله، يناقشون فيها أسباب فشلهم،  أترك للقارئ الكريم فرصة الاطلاع عليها لفهم أشمل لطبيعة القوى والعقليات التي كانت تحكم قسما من التيارات الناشطة في الجامعة آنذاك.
حكاية "الأب الخائب والأبناء النصحاء الخلص  " والمجتمع المضاد وحصاد الهشيم...
وفي خصوص استعمال مصطلح "قتل الأب" فلا شك أن أستاذ الفلسفة يعرف أكثر من غيره البعد الرمزي لمثل هذا الكلام. وهناك من النصوص المنشورة من قِبَلِكَ أو من قبل أصدقائك ما يؤكد أكثر من هذا الوصف. أما في خصوص مشاعرك تجاه "الأب الخائب "، الذي جني نتائج "عقوقه" "لنصائح أبنائه الخلّص" المتمثلة في "هشيم تذروه الرياح"،  فلا شك في ما أعلنته من ألم قد أصابك لمصيبته، بالخصوص إذا نظرنا إلى "مشاعرك" المنشورة في النص أعلاه و"الأب الضال أبدا" لم يخرج بعد من محنة سنة 1987. وتبشيرك له بفشل طلبته في الجامعة دليل على حبك الجارف له. اعذرني على هذا الوصف الدقيق لمشاعرك واعْتَبِرْهَا قراءة حاقدة منّي في النوايا. 
أما عن مقولات  "التأسيس" وعدم مدنية الاتحاد العام التونسي للطلبة والمجتمع المضاد الذي حاول "الأب" تأسيسه فإنني أقول إن أغلب الحركات التي تدعو إلى مشروع مجتمعي جديد وتتبنى الأفكار الكبرى في العالم هي حركات مرّت بمرحلة المجتمع المضاد. وليس هنا المجال لتفصيل تجارب الحزب الشيوعي الفرنسي والتيارات الماركسية التونسية وغيرها من الحركات والتيارات و جميعها مرّ بهذه المرحلة مثلها مثل حركة الاتجاه الإسلامي و سرعان ما توجهت إلى المأسسة ( institutionnalisation  ) أي العمل ضمن مؤسسات المجتمع المدني  ومع المجتمع وفق رؤى متعددة مثلها مثل الاتجاه الإسلامي أيضا. و لا بد هنا أن نعود إلى أعمال الأساتذة عبد اللطيف الهرماسي وعبد الباقي الهرماسي وعبد القادر الزغل وغيرهم لتفهم تطوّر الإسلاميين وعلاقتهم  بالعمل المدني. ولكن لا بد أن تُقرّ أن كلّ دخول للإسلاميين ضمن الحراك النقابي  أو الجمعياتي كان يُنْظَرُ له من قبل الأوصياء على "القيم المدنية" على أساس أنّه اختراق واندساس. ولا شك، سيد الحبيب،  أنك تذكر تلك الصورة التي نفذّها أحدهم لفائدة مجلة المغرب العربي، وتمثل رجل يلبس عمامة وجبّة، في إيحاء للإسلاميين، وهو يتسلق باب الاتحاد العام التونسي للشغل في ساحة محمد علي. وهي صورة نشرت على كامل الصفحة الأولى لتلك المجلة ضمن ملف يتحدث عن اختراق الإسلاميين لاتحاد الشغل. وكل ذلك التجييش ضد الإسلاميين تمّ لأنهم تحصلوا على ثقة العمال في قطاعات وجهات معينة. وطبعا بالنسبة لأصدقائك لا علاقة للإسلاميين بالعمل النقابي ويجب أن يغادروا الاتحاد .
لذلك أنا لا أستغرب من قولك في رسالتك لي: "إلى الشقيق...": [" إن الاتحاد العام التونسي للطلبة ولد منذ البداية "بمعزل " عن المصلحة الحقيقية  للحركة الطلابية وبعيدا عن طبيعة المنظمات المدنية التي يحتاجها المجتمع"] لأن ذلك يتسق مع العقل الذي تحكمه الوصاية على الطلاب والمجتمع ومع "الأولجارشية" التي تحدّد مصالح الناس بمعزل عنهم  ومع استراتيجيا "الثوريين" الذين ينيرون السبيل للجماهير ذات "الوعي البقري" حتى تتقدم.  وهنا أتساءل أين ذهبت عقول هؤلاء "الطلاب الضالين" الذين أصروا على مساندة الاتحاد الذي "انتهى بالجامعة إلى وضع لا تحسد عليه" سنة 1987 وألغى أمر أوت 1982، و لماذا واصل هؤلاء الطلاب "ضلالهم" وانتخبوا قوائم الاتحاد العام التونسي للطلبة بعد أن "زجَّ" بهم في أتون حركة فيفري 90 . هل كان الاتحاد العام التونسي للطلبة منظمة عسكرية أو دينية أو عصابة حتى تنفي عنه الطابع المدني؟ و في نهاية التحليل، أنا لا أستغرب مثل تلك المصادرة لأنها تنسجم مع استراتيجيا إقصائية عملت كثيرا في تلك الأيام ولا زالت تعمل مع الأسف.
أما عن خيبة "الأب" ، صدق أو لا تصدق ، إنه ليس بيني وبين أبنائه سوى رفقة درب وشراكة معاناة ككل التونسيين الذين تحمّلوا ضريبة موقفهم الحرّ، ولم أدخل جبّته حتى أخرج منها ليكون "أبي" مع إيماني بحقّه في الوجود ، فإن أسبابها تتجاوز الجامعة وتتجاوزه هو ذاته  وإن كان له فيها نصيب. وهذا الكلام ليس لي بل هو أيضا لباحثين في العلوم السياسية والاجتماعية. أما القول بأن ما حدث له كان من صنع يديه فقط  و كان بالإمكان تجنبه، فهذا أيضا نصف الحقيقة. مع العلم أنه كانت في الساحة قراءات حسبت أن الرياح ستجرّ السحاب إلى رَبْعِهَا وستُنزل الغيث على حقولها ولكن السحب تبين أنها غيوم عابرة لا ماء فيها ولم يكن نصيب الفرحين بخلو الجو لهم بأحسن من نصيب الضحية. ولا شك أنك تشاطرني الرأي أن الجميع  قد حصد الهشيم. و إن قدّم هذا "الأب" نقدا ذاتيا لتجربته يبدو غير كاف، فماذا عن "الشركاء في الإصلاح والتنمية" وفي الوطن؟ هل قدّموا نقدهم الذاتي؟  أنا لا أثق في أن شراكة يمكن أن تؤدي إلى الإصلاح إذ لم يسبقها نقد ذاتيّ علني لأخطاء الماضي. وأنا لم أقل أن الإسلاميين كانوا ملائكة لا يخطئون. ولذلك أنا اعتبرت أن ما قدمته في نصك "شهادة للتاريخ" في خصوص أزمة الاتحاد العام لطلبة تونس هو نصف شهادة كما اعتبرت أن الأزمة التي تحدثت عنها هي أعمق مما فهمت أنت، ولا تعود إلى سنة 1988 بل إلى سنوات سابقة. فالجميع شركاء في الأزمة، وإن كانت أسهم البعض أكثر من أسهم البعض الآخر، فدائما هناك العامل الأكثر تحديدا كما ذهب إلى ذلك كارل ماركس. وإنني أنتظر مثلما ينتظر كل المهتمين بالموضوع مزيد إجراء البحوث المعمقة حول هذه "الخيبة".
وتقبل سيد الحبيب بوعجيلة من "شريكك في الحراك الطلابي " سابقا كل الود والتقدير. ولنكن أشداء في النقد لنصل إلى نتائج تزيل الخوف من قول كل الحقيقة عن الماضي الطلابي، كل الماضي،  وترفع التعتيم عنه. وإن الاعتراف بالأخطاء يحقّق لنا التقدير الذي نحن جديرون به أكثر من الهروب إلى الأمام و تشكيل صورة زاهية عن الذات لم توجد إلا في خيالنا. 
Tunisnews : 13 / 11 / 2010 .

* مقال السيد الحبيب بوعجيلة بتاريخ 14 نوفمبر 2010  :

هاؤم اقرأوا كتابي ..مقال الشباب يلاحقني بعد عقدين ... متمسك بأقوالي ..
 
الحبيب بوعجيلة

في رديه الأول والثاني (الصادرين تباعا على صفحات تونس نيوز بتاريخي 7 و 13 نوفمبر 2010 ) أورد "الشقيق" صابر الشاهد مقتطفات من مقال لي كتبته وأنا في أوائل العشرينات من عمري على صفحات جريدة الموقف بتاريخ 3/9 ديسمبر 1987 .و قد أراد الصابر بذكر هذا المقال إثبات  "التهمة " علي بمعارضتي "للاتجاه الإسلامي واتحاده " وفي إطار تجنيب القراء نقاشا مجردا حول " غائب " لم يشهدوه أضع بين أيديهم هذا المقال كما كتبته بلا تحريف ولا زيادة او نقصان منذ 23 سنة خلت غير أني أريد التمهيد بجملة من الملاحظات :

1/ تهمة " اختلافي مع الاتجاه واتحاده في الثمانينات تهمة لا أنكرها وان كانت لا تنبع من " مشاعر الكره والبغض " التي يصر الصابر على حشري ضمنها ففي مجال الفكر والسياسة تكون الأحاسيس والمشاعر عموما غير قادرة على تفسير المواقف ورغم ذلك فلابد من الإشارة إلى أن  تشنجاتنا " الشبابية " على بعضنا البعض يمكن أن تفسر بعوامل السن والرغبة في "تحقيق الذات وإثباتها " وهي مشاعر طبيعية يمكن أن تؤثر في حجم ردود الأفعال وأسلوب التعامل و لكنها يجب أن لا تبقى " ندوبا " بيننا تحجب عنا موضوعية النقد وضرورة الاعتراف لبعضنا بالحق بعد مرور الزمن

2/ سيلاحظ القراء – مرة أخرى – أن مقالي في القرن العشرين لم يختلف عن مقالي الأخير في تعرضه بالنقد إلى جميع المواقف وقتها يسارية وقومية و إسلامية وهو أمر طبيعي لطالب شاب ينتمي حينها إلى "حساسية سياسية وفكرية" تدعي التميز وسط المشهد السائد و بعد عودتي إلى هذا المقال "الشبابي" اجزم دون وثوقية مفرطة أنني لو استقبلت من عمري ما استدبرت لأعدت كتابته بنفس الروح والعبارات . ولكن ذلك لا يمنعني من التذكير بسياقات كتابته وهي فترة اتسمت بالاستقطاب و الصراع مع حركة الاتجاه الإسلامي و على مستوى التيار الذي كنت من منشطيه في الجامعة كان التصور وقتها أن فعلنا مندرج في سياق الحركة التقدمية في مقابل الاتجاه و هو ما قد يفهم منه الجرأة في إيراد معلومات وتحاليل تقترب إلى التحريض والمواجهة مع " الخصم " لإثبات الموقف بكل الطرق .

3/ كان لابد من الإشارة إلى أن إقدام شاب في أوائل العشرينات من عمره آنذاك على كتابة مقال في التحليل السياسي للشأن الطلابي و هو في بوتقته كان مغامرة بكل المقاييس ولا أنكر ما سببته وقتها لعدد من "الإخوة" و الأصدقاء " من قلق و إن كان لابد من الإشارة إلى أن أحدا لم يرد حينها على هذا المقال بمن فيهم "إخوتنا " في الاتجاه الإسلامي الذين كانوا يؤثثون الصفحات الطلابية في صحيفتين على الأقل وقتها وهي " الصباح " و "الرأي " . ولعل من مظاهر المغامرة أيضا وقتها أن يغادر هذا الشاب منبر الخطابة التحريضية " الثورية " إلى " كرسي المحلل السياسي" الداعي إلى التعقل والواقعية وهو ما يفهم وقتها في سياق الضغط على " حلفائي " اليساريين للاتجاه نحو تشكيل الجبهة و الانجاز .

عنوان المقال = التيارات الطلابية و 7 نوفمبر.من المباركة إلى الانتظارية (الحبيب بوعجيلة / الموقف من 3 إلى 9/12/87 ) .
ليس من الغريب أن يتفاعل الطلاب مع التغيير في أعلى هرم السلطة بالبلاد خصوصا وقد شهدت الجامعة التونسية تراكم جملة من المشاكل السياسية والبيداغوجية العويصة التي يفترض حلها توفر إرادة سياسية صادقة وشجاعة .لقد عانى الطلبة سنينا طويلة من سياسة تعليمية قوامها الارتجال و الانتقاء إضافة إلى اصطدامهم بعقلية الحكم الفردي المتحجر الرافض لحق الاختلاف والتعدد .و قد بدأت مساوئ هذه العقلية في التجلي منذ انقلاب قربة 71 الذي حرم الطلبة من منظمتهم النقابية الشرعية التي أرادوها مستقلة تقدمية مناضلة و حكم على آلاف منهم بالتشريد و السجن والتجنيد وهي وسائل في الإلجام مازال يعاني منها الطلاب إلى يومنا هذا . وتتفق اغلب الحساسيات السياسية بالجامعة حاليا على أن الحديث على تنقية المناخ السياسي بالبلاد يبقى عديم الأهمية بالنسبة إلى الطلاب ما لم يشمل الوضع الطلابي عبر تجاوز سياسة " العصا الغليظة " في التعامل معهم وذلك بإقرار الحريات السياسية و النقابية بالجامعة ( الكف عن تقطيع المعلقات الحائطية ..سحب الشرطة العلنية والسرية من الكليات والأحياء ..العودة إلى مبدأ انتخاب العمداء و مجالس الكليات إضافة إلى تسريح المجندين و المسجونين ) و رغم هذا الاتفاق المبدئي حول هذه المهام المطروحة حاليا فان التيارات السياسية مازالت لم تصطلح على خطة سياسية و تنظيمية موحدة و ذلك راجع بالأساس إلى الاختلاف في تقييم التغيير الحاصل بالبلاد ..ويمكن تحديد مختلف التقييمات في مواقف ثلاثة.

مباركة واستعداد

أول بيان صدر بعد 7 نوفمبر كان بإمضاء " رابطات العمل الجماهيري المباشر " وهي مجموعة ذات ميولات بعثية عبرت بوضوح عن مباركتها لصعود السيد زين العابدين بن علي إلى سدة الحكم معتبرة ما حدث انقلابا ثوريا واعدا  وقد أعرب أصحاب البيان عن استعدادهم للتعاون مع سلط الإشراف لتجاوز الوضع المتردي بالجامعة . وقد يكون البعثيون قد عبروا عن رغبتهم في عقد اجتماعات عامة بإذن من العمداء أو من مراكز الشرطة الموجودة بالكليات .كما واصل أصحاب البيان تحركاتهم في اتجاه دفع الساحة وتجنيد الطلبة حول الخطة التي رسموها و قد أثمرت تحركاتهم تشكيل ما يسمى ب " لجنة العمل النقابي الوطني " التي أصدرت بيانا لعل ابرز ما فيه هو تأكيد التفاؤل بالوضع الجديد بالبلاد و تراجع البعثيين عن موقفهم النقابي القديم الداعي إلى مؤتمر تأسيسي وتبنيهم لأطروحة 18 خ.ع و قد قابلت أهم الفصائل السياسية بالجامعة موقف البعثيين بنوع من الاستياء و الغضب و اعتبرته مهادنة و " انبطاحا " للسلطة في ظروف طلابية لم تتغير بالقدر الكافي ..وقد أول البعض موقف البعثيين في الجامعة برغبتهم في كسب ثقة السلطة للإحراز على تأشيرة للحزب البعثي المزمع تكوينه ..و رغم ما يمكن أن يقال حول سلامة موقف " رابطات العمل " أو خطئه فان حظه في الفعل و التأثير محدود.

مباركة مشروطة

موقف الاتجاه الإسلامي كان هذه المرة متميزا حيث تحقق الوفاق للمرة الأولى بين موقف الحركة في البلاد و موقف طلابها بالجامعة و زال الازدواج في الخطاب الذي كان يعتمده الاتجاه في السنين الأخيرة ..والذي كان بموجبه يتم تصدير خطاب راديكالي بالجامعة مقابل آخر ديمقراطي لين بالبلاد ..لقد أكد طلبة الاتجاه الإسلامي في بيانين احدهما بإمضاء الحركة و الثاني بإمضاء " الاتحاد " على مباركتهم للتحول في مستوى هرم السلطة و لكنهم شرطوا هذه المباركة بإطلاق سراح قياداتهم ومنح القانونية لاتحادهم الطلابي و قد اعتبر اغلب الملاحظين بالجامعة أن موقف الاتجاه كان ذكيا إلى ابعد الحدود حيث تجنب التورط في مباركة لا مشروطة من ناحية و في مواجهة ليس في مقدوره خوضها من ناحية ثانية و لم يدخل " الاتجاه " إلى حد الآن في تحرك عملي لتجنيد الطلاب حول المهام التي اعتبرها في بياناته أساسية .هذا التردد المتسم بقلة البيانات و غياب محاولات عقد الاجتماعات يرجع بالأساس إلى عدم وضوح الرؤية بالنسبة للإسلاميين بسبب عدم وضوح السلطة في موقفها من قضيتهم و سوف يزداد هذا التردد بعد اكتشاف مخبأ الأسلحة الذي تورط فيه بعض القياديين من الحركة .و يبدو أن الاتجاه واتحاده لم يعد قادرا بما فيه الكفاية على لف أوسع الطلاب لأسباب ثلاثة أولها وضعه التنظيمي و السياسي وثانيها طبيعة نشأة اتحاد الإسلاميين الذي رأى فيه اغلب الطلاب نسفا لنضالات الحركة الطلابية و ثالثها تورطه في السنة الفارطة في مسار تصعيدي انتهى بالجامعة إلى وضع لا تحسد عليه و إذا أضفنا إلى هذه الأسباب الثلاثة حرص الاتجاه الإسلامي على العمل المنفرد فان قدرته على الإشعاع تبدو ضعيفة ..

الانتظار كالعادة ..

أقصى اليسار أعلن كعادته عن موقفه المتسم بالرفض لكل ما يعتبره مهادنة و تآمرا على مصير الطلبة و رغم تأكيد " الطلبة الوطنيين الديمقراطيين بالجامعة " على أن التغيير الحاصل في أعلى هرم السلطة هو تغيير داخلي إلا أن المهام التي طرحوها في الجزء الثاني من بيانهم تتطلب نوعا من الواقعية السياسية و قد جرت جملة من النقاشات لإقناع التيارات السياسية بضرورة تغيير تصوراتهم لأسلوب العمل السياسي المعتمد على مبدأ " الكل أو لا شيء " و تعويضه بمبدأ " خذ وطالب " خصوصا في هذا الظرف الذي يتطلب خطابا هادئا لاسترجاع جملة من الحقوق المغتصبة . ورغم كون اليسار الطلابي يتمتع بحظوظ أوفر للنجاح في مهمة تجميع أوسع جماهير الطلبة حول المهام الراهنة إلا أن أهم النواقص التي تشوب أسلوبه تتمثل في

1/ الانتظارية التي جعلت اليسار الماركسي يحدد موقفه على ضوء مواقف باقي الأطراف

2/ الميل المستمر إلى التصعيد الناتج على " سيطرة النزعة الشبابية " و غياب الرؤية السياسية الواعية و المسؤولة لدى قواعده مما يجعلها منساقة مع التيار الجماهيري العام

3/ طغيان النزعة النظرية و نقص التقييم الواقعي للوضع السياسي بالبلاد عموما مما يجعل العمل السياسي متسما بنوع من الطوباوية و اللاواقعية و الرغبة الشديدة في الانفراد .إن  قراءة الخارطة السياسية بالجامعة تؤكد أن اليسار الطلابي قادر على الخروج بالطلاب من عنق الزجاجة إذا ما أكد مساندته للعمل الجبهوي الموحد عبر رؤية سياسية واعية وواقعية في إطار الإخلاص للمبادئ والمكاسب التاريخية للحركة الطلابية .

Tunisnews : 14 / 11 / 2010

.......

ومقالات أخرى تباعا على صفحات مجلة " الموقف " وتونس نيوز ...


( القدس ) .