بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 30 مايو 2017

ضد التيار .. !!


ضد التيار .. !!

في الظاهر تبدو حملة " محاربة الفساد " التي بدأها  رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال الأيام الأخيرة استكمالا وتجسيدا لشعار " يلزم ناقفوا لتونس " الذي أعلنه من داخل مجلس النواب عشية تنصيبه على رأس الحكومة وبالتالي هي  خطوة جدية تستحق المساندة والتأييد من أجل انجاحها واستمرارها كما يقول البعض ، وحتى لا يتم الحكم على النوايا بل على الأفعال والحال أن الحملة جارية فعليا على أرض الواقع بالايقافات وتجميد الارصدة ومصادرة الاملاك كما يقول آخرون .. وهكذا يبدو الظاهر مقبولا من حيث الشكل ، غير أن المضمون له أحكام غير الأحكام الظاهرة ، وقد يثير التعمق فيها كثيرا من الشكوك حول الحملة يمكن ايجازها في العناصر التالية ..
1 ـ ان رئيس الحكومة يتحدث عن "حملة " لمكافحة الفساد في حين أن مثل هذا الأمر الخطير لا يمكن أن يكون مجرد حملة مبنية على ردود أفعال تجاه تصريحات صادرة من أحد الرموز الفاسدين هو في الواقع لم يصرح الا بما هو معروف لدى العام والخاص ، كما أن الحملة تأتي في ظروف خاصة عاشت فيها البلاد مناخا من الاحتقان تحول الى موجات متتالية من  الاحتجاجات المتصاعدة شملت كل المدن المهمشة والفئات الشعبية المحرومة بسبب تصاعد وتيرة الفساد الذي أصبح يعصف باستقرار تونس وأمنها على جميع الاصعدة ..
2 ـ ان مكافحة الفساد لا يمكن ان تتجه بشكل فردي الى بعض الرموز الفاسدين دون التوجه الى شبكات الفساد على مستوى الادارة والمؤسسات العمومية والخاصة التي تمثل الحاضنة الاساسية لهذه الآفة ، في اطار خطة شاملة على المدى القريب والبعيد قصد تفكيك منظومة الفساد بالكامل وليس بشكل جزئي يعلق المسؤولية على بعض الافراد دون غيرهم من ذوي القربى المتحصنين بأصحاب النفوذ من السياسيين والامنيين وغيرهم ..
4 ـ هذه الحملة يشوبها كثير من الغموض في توقيتها وأهدافها حيث لم تكن وليدة ارادة سياسية واضحة المعالم منذ البداية ، خاصة انها تطرح بالتوازي مع محاولات الحكومة وأحزابها الحاكمة تمرير قانون المصالحة الذي هو في النهاية مشروع لتبييض الفساد لا غير ..
5 ـ ان السيد رئيس الحكومة هو سليل مدرسة اقتصادية واجتماعية وفكرية تؤمن بمقولة " دعه يعمل دعه يمر " وتعلق تحقيق المصلحة الوطنية بالنسبة للدولة على دور الشرطي المحايد ، وبالنسبة للمواطن على المبادرة الفردية أي كان اتجاهها وأساليبها في تحقيق المصلحة ..
6 ـ ان الحكومة تقودها أحزاب تقيس خطر الفساد بمدى تأثيره على المصلحة الحزبية ذات الصلة  بكرسي الحكم والنفوذ وهو ما يجعل مثل هذه الحملات موجهة احيانا لتدعيم المصلحة السياسية التي تجبر الحكام على خوض صراعات متعددة الأشكال من أجل البقاء .
7 ـ ان الاحزاب الحاكمة مرتبطة بعلاقات خارجية طرفها دوائر متنفذة في السياسة الدولية التي يديرها رجال المال والأعمال الذين يغذون الفساد في الداخل ويحركون شركاءهم من داخل تلك الأحزاب ومن داخل السلطة ذاتها ..
8 ـ ان الحملات الانتخابية للأحزاب الحاكمة مولها رموز فاسدون  الكثيرون منهم يتولون مسؤوليات عليا في الدولة أوفي مجلس النواب  ..
9 ـ ان الحكومة الحالية بمكوناتها القديمة والجديدة تتحمل المسؤولية الكاملة في اتساع شبكة الفساد من خلال الدخول في نهج التوافق المصلحي الذي أفضى في البداية الى اسقاط قوانين تحصين الثورة وعودة الفاسدين ثم الى الدفاع عن قانون المصالحة الذي يهدف الى التغطية عليهم للافلات من العقاب ..
10 ـ ان الحكومة الحالية كما الحكومات السابقة المتعاقبة لم تقم باي خطوة جدية لمحاربة الفساد داخل المؤسسات الاقتصادية في جميع القطاعات التي يعبث بها الفاسدون ، بما في ذلك اصدار تشريعات جديدة لمحاربة التهريب ، والاستيلاء على المال العام ، والتهرب الجبائي ، كما لم تتدخل جديا للحد من التوريد العشوائي للسلع الاستهلاكية التي تهدد المنتوج الوطني وتتسبب في البطالة ، وافلاس الحرفيين ، وانخفاض السيولة ، ولم تتحرك بشكل جدي لمحاربة الاحتكار والتحكم في مسالك التوزيع المتسببة  في غلاء الاسعار  ..
11 ـ لم نر الى حد الآن ولم نسمع عن بدائل واضحة وخطط مدروسة من الحكومة والأحزاب الحاكمة تتوجه لتفكيك منظومة الفساد التي تنخر الدولة من " ساسها لراسها " كما يقول المثل الشعبي ، بل وجدناها بين عشية وضحاها وبقدرة قادر تشرع في حملة عشوائية غير مفهومة الاتجاه والأهداف فاجأت حتى أصحاب السلطة والنواب فضلا عن الناس العاديين ..
12 ـ ان الحكومة ـ كما لا يخفى على أحد ـ تبقي على شعرة معاوية بينها وبين رجال الأعمال الفاسدين الذين تعول عليهم في التنمية لاخراجها من أزماتها وهو ما يتجلى بوضوح في دفاعها عن قانون المصالحة سيئ الذكر ..

لكل هذه الأسباب وغيرها يصعب تصديق الحملة بتلك السذاجة التي نسمعها في وسائل الاعلام .. ويبقى المشكل ليس في كونك تسبح "ضد التيار" .. بل في معرفة اتجاه الماء "وين يصب" .. !! 

( القدس ) .   


الأحد، 28 مايو 2017

الملك فيصل وأكذوبة حظر النفط .


 الملك فيصل وأكذوبة حظر النفط .
هشام الهاشمي .
مجلة الوعي العربي ـ 27 ـ 5 ـ 2017 .

دعونا ها هنا تحديدًا نبدأ بالحقيقة ، فدول الخليج وعلى رأسها السعودية تدين لمصر وسوريا بتعاظم ناتج ثروتها البترولية ، لا كما يروج إعلام السعودية والتّبع له في مصر وبلدان الوطن العربي بأن الملك فيصل والسعودية كان لهم الدور الأكبر والأهم في حرب التحرير العربية ضد إسرائيل في أكتوبر عام 1973.
إن حقيقة الدور الذي لعبه الملك فيصل بن عبد العزيز في تلك الحرب كان ضد مصر وليس لصالحها ، وكشفنا عن هذا الدور لهو هام للمحافظة على قيمة النضال الذي بذلناه نحن المصريون والشرفاء من العرب في مواجهة العدو الصهيوني ، وكذلك فإنه في كشف الحقيقة استعادة لنصر عظيم قام المصريون بتحقيقه عبر كفاح طويل ومعاناة عظيمة .
كان فيصل يطلب الزعامة التي حُجبت عنه في وجود عبد الناصر صاحب القول الصادق والكاريزما الطاغية ، وكان الأمريكان يساندون مطلبه ، وكانت معركة البترول تلك هي الطريق لذلك المطلب الغالي ، بالإضافة إلى حصاد عظيم من الفوائد فازت به السعودية والولايات المتحدة .
«البترول» هو عنوان لفيلم أمريكي حوى الكثير من الإثارة المفتعلة والأكاذيب الفجة كعادة تلك الأفلام ، وأنيط فيه دور البطولة للملك فيصل ، وعندما استدعت (الحبكة) الدرامية للفيلم الأمريكي تجاهل الأطراف الحقيقة التي صنعت هذا النصر فعُهد إلى السادات - المتطلع دومًا للأضواء - بالدور الثاني أو ما يطلق عليه بلغة السينما المصرية (السنيد) ، حيث قام بمساعدة فيصل على القيام بدوره عبر تسليط الأضواء عليه ، وبنفس الوقت قام بإنكار كل دور للأبطال الحقيقيين ، وتولى مهاجمتهم والانتقاص من أدوارهم .
وعلى العكس مما تم نشره من دعايات فإن الموقف العام للسعودية فيما يخص البترول ، ومنذ إنشائها على يد عبد العزيز وصولًا إلى فيصل ، هو اعتبار البترول موردًا اقتصاديًّا أساسيًّا للثروة التي تستخدم في دعم وجود آل سعود بالحكم عبر إدارتهم لتلك الثروة ، لصالح المؤسسات والجهات التي تبقيهم على العرش ، مع استغلالهم بالطبع لجزء كبير من هذه الثروة لحسابهم الشخصي .
وبالعودة إلى فيصل تحديدًا سنجد أنه كان يتزعم جبهة رفض الحظر البترولي ، رافعًا نفس الشعار، فكان يصرح أن البترول ليس سلاحًا ، بل هو مورد اقتصادي يتعين استخدامه في حدود المصالح الاقتصادية والتجارية ، وقد قاوم فيصل بشدة ما اتجهت إلية العراق بعد حرب عام 1967 بمنع تصدير النفط للدول المتحالفة مع إسرائيل وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا ، والذي طبقته فعليًّا بدءًا من يوم 6 يونيو، لكن فيصل أفشل المنع واستمر في إرسال شحنات البترول كالمعتاد .
وتحمل فيصل ضغوطًا شعبيةً هائلةً قادتها مجموعات شعبية وعمالية متأثرة بالمد القومي الناصري لوقف إمدادات البترول عن الولايات المتحدة ولتأميم شركة أرامكو ، رافضًا التخلي عن علاقته مع الأمريكان وقطع النفط عنها ، واستمرت تلك الحالة من الاضطرابات حتى قمة الخرطوم في 29 أغسطس عام 1967.
وإلى الخرطوم رحل فيصل محملًا بالقلق من تنامي الاحتجاجات الشعبية في بلاده ، ملقيًا على عبد الناصر الاتهام بمحاولة زعزعة عرشة ، وفي نفس الوقت كان فيصل ذاهبًا إلى هناك محملًا بروح الشماتة والتشفي ، ممنيًا نفسه أن يرى خصمه عبد الناصر في الخرطوم منكسرًا جراء الهزيمة ، منتشيًا من تخيل صورة الجماهير الغاضبة التي ستخرج لإهانة عبد الناصر المنهزم والنيل من كرامته .
ولكن فيصل خذلته أمنياته ليفاجئ بالاستقبال الأسطوري من الشعب السوداني لـ«عبد الناصر» ، ذلك الاستقبال الذي عبرت عنه المجلة الأمريكية «نيوزويك» بأن وضعت على غلافها صورة لـ«عبد الناصر» وسط موكب الجماهير الهادر بتعليق : «أهلًا أيها المهزوم » .
ونعود للمشهد في الخرطوم لنسجل واقعة كانت بمثابة نار أكلت قلب فيصل الذي جاء يحمل لعبد الناصر اتهاماته وتشفيه ، ولتجبره الظروف والأقدار على مشاهدة تفاصيل استقبال خصمه اللدود عبد الناصر، الذي كان قد وصل قبله بقليل إلى مطار الخرطوم ، وبينما كانت طائرة فيصل تحط على أرض المطار، تحرك موكب عبد الناصر تحيط به الجماهير الهادرة كأمواج البحر تهتف له وتطالبه بالثأر، وكان التزاحم قد تسبب في بطء حركة الموكب الذي تحرك بين الجماهير بصعوبة شديدة .
بينما فيصل كان قد خرج من المطار وبدأ موكبه يحاول السير نحو العاصمة السودانية لكن الطريق أمامه كان مسدودًا بالجماهير التي تزحف وراء موكب عبد الناصر، فلحق موكبه بمجموعات متناثرة منهم ، والذين ما أن علموا أنه موكب فيصل حتى اعترضوه وهتفوا بعفوية : (وراء جمال يا فيصل) ، (يا فيصل امش وراء جمال عبد الناصر) ، (من لا يمشي وراء جمال عبد الناصر خائن) ، بينما مجموعات أخرى بمجرد رؤيتها لموكب فيصل علت أصواتها بالهتافات لجمال عبد الناصر في وجه فيصل الذي زعزع هذا الموقف وجدانه .
ولما علم فيصل أن مسألة الحظر البترولي ستطرح بالمؤتمر، استنجد بدهائه الذي دله على المخرج ، فأعلن أنه يقترح عدم حظر تصديره على أن يستخدم جزءًا من عوائد التصدير لمساعدة دول المواجهة ، وكجزء من المجهود اللازم لمواجهة العدوان ، وقد تم تمرير مقترحه مستغلًا الاحتياج المالي لتلك الدول وعلى رأسها مصر من أجل رفع آثار الهزيمة ، ودعم خطط إعادة البناء والإعداد للمعركة المتوقعة مع العدو الصهيوني .
كان فيصل في الواقع يدفع ثمنًا ماليًّا لبقائه على عرشه وليعيد الانضباط إلى دولته ، وبنفس الوقت كان يحافظ على مصالح الأمريكان ، ويمنع حظر النفط عنهم .   
سنوات قليلة كانت قد مضت بعد الاستقبال الهزيل لفيصل في الخرطوم ، سائرًا خلف موكب عبد الناصر (المهزوم) ، وبين مواكب النصر تجوب بفيصل مدن مصر ترحب ببطل معركة (البترول) ، حين استقبله السادات بعد نصر أكتوبر عام 1973 بجماهير تم حشدها ، وطيف بموكبه في عدد من المدن ، وقد رفعت رايات الترحيب به كبطل ومنها لافتة (مرحبًا ببطل معركة العبور، وبطل معركة البترول) .
وفي ظل تلك اللافتة كان التهميش متعمدًا لدور شعبنا المصري المناضل ، وكان دور الجيش المصري ضئيلًا متقزمًا ، وكان البترول أغلى من الدم .
تُوج فيصل بين العرب زعيمًا وقائدًا لمعركة البترول ، وعند الأمريكان اُختير فيصل على غلاف مجلة التايم كـ (رجل العام) ، فكيف حوت الحقيقة النقيضين وكيف جمعت بينهما ؟!
وفي الأول من أغسطس عام 1973 ، طرح السادات على فيصل استخدام النفط كأداة ضغط سياسية في الحرب ، تلك الفكرة التي لم تجد صدى لدى فيصل .
وعندما شنت مصر وسوريا الهجوم في السادس من أكتوبر استاء فيصل ، وأعلن أمام أصدقائه الأمريكان عبثية المعركة ، وعارض الحظر، ثم قبله في يوم 19 أكتوبر، وماطل فيصل في تطبيق الحظر في البداية ثم طبقه بما لا يضر بالمصالح الأمريكية الحيوية ، حتى أنه استجاب أثناء الحظر لطلب أمريكي بتمويل السفن الحربية الأمريكية بالبحر المتوسط التي عانت من نقص الوقود .
وحينما كملت الفوائد، وعمت المنافع ، وامتلأت الخزائن ، أعلنت السعودية ثم بقية الدول النفطية المشاركة بالحظر، وذلك في 9 مارس 1974.
ربما وصلنا الآن للسؤال عن كُنه هذه المعركة ؟ وما الذي كان حاكمًا لمجرياتها .. والباعث لحركتها ؟
ها هنا محط رُحل الحقيقة ومهراق دم الكذب والادعاء نسردها في هذه النقاط :

معركة الحظر بدأت عمليًّا يوم هزيمة العرب في 5 يونيو عام 1967، حين اتخذت العراق قرارها بمنع تصدير النفط للدول المتحالفة مع إسرائيل وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا ، والذي طبقته فعليًّا بدءًا من يوم 6 يونيو، وعرضت العراق وليبيا دعوة الحظر في مؤتمر الخرطوم في 29 أغسطس عام 1967 ، لكن فيصل رفض رافعًا الشعار أن النفط ليس سلاحًا بل هو مورد اقتصادي يتعين استخدامه في حدود المصالح الاقتصادية والتجارية .
قاوم فيصل بشدة المطالب الشعبية في بلاده بعد هزيمة عام 1967 ، بقطع النفط عن أمريكا والغرب، والتي وصلت حد إثارة الاضطرابات والاعتداء على المصالح الأمريكية في السعودية.
 نجح فيصل في إفشال الدعوة لقطع النفط في مؤتمر الخرطوم بالدعوة إلى استمرار تصديره والاستفادة من بعض عوائده في مساعدة دول المواجهة مع إسرائيل ، وهو ما تم إقراره بالفعل .
اعتمدت السعودية سياسات بترولية بدءًا من عام 1970 لا علاقة لها بالقضايا العربية ، بهدف زيادة الأسعار وتعظيم العائد ، ومارست تخفيض الإنتاج أو زيادته تبعًا لصالحها المالي .
رفض فيصل استخدام النفط كأداة ضغط سياسية في الحرب، كطلب السادات في الأول من أغسطس عام 1973 .
استاء الملك فيصل حين وصلته أنباء معركة السادس من أكتوبر، وعبر عن عبثيتها أمام أصدقائه الأمريكان ، ولكن أبدى قلقًا من اضطراره لإجراءات ستكون لازمة لحماية العرش .
بعد بدء المعركة بعشرة أيام أعلنت السعودية خفض الإنتاج بنسبة 15% ، ومن خلال الأوبك تم رفع سعر الزيت الخام بنسبة 70% ليصل السعر إلى 5 دولارات و12 سنتًا لتحصد السعودية الأرباح .
في التاسع عشر من أكتوبر اُضطرت السعودية لتفعيل حظر النفط (صوريًّا) بعد أن سبقتها ليبيا ، لتفادي حالة الغضب التي سرت بين الجماهير العربية، حينما أقر الكونجرس الأمريكي اعتماد معونة عسكرية عاجلة لدعم إسرائيل بمبلغ 2.2 مليار دولار .
وبعد انتهاء المعركة عمليًّا ، وفي نوفمبر عام 1973 تم زيادة نسبة التخفيض في الإنتاج إلى 25% ، وفي ديسمبر من نفس العام تم رفع الأسعار بنسبة 70%، ليصبح سعر البرميل 11.5 دولار متخطيًا لأول مرة حاجز العشرة دولارات .
في التاسع من مارس عام 1974 ، أعلنت السعودية انتهاء الحظر.
أما عن حصاد الفوائد التي جنتها السعودية والولايات المتحدة فنوجزها بالتالي :
الحصاد السعودي :
بمجرد اندلاع حرب أكتوبر 1973 وبدء الحظر، تم رفع أسعار النفط من 3 إلى 12 دولارًا للبرميل ، وشكلت تلك الطفرة للسعودية والخليج بداية تكوين ثروات واسعة .
تم تتويج الملك فيصل على عرش الزعامة العربية بادعاء أنه قد استطاع مواجهة أقوى دولة في العالم وتركيعها كما صور الإعلام ، وهو ما سعى إليه فيصل بمواجهة عبد الناصر، وسانده الأمريكان للوصول إلى تلك المكانة ولكنهم فشلوا في ظل وجود عبد الناصر، وتحقق لهم ذلك بعد وفاته .
التقليل من شأن النصر الذي تحقق بسواعد ودماء المصريين والسوريين ، بادعاء أن النصر تحقق بالنفط لا بالدم ، كعنصر سيكولوجي كان يجب تحطيمه لصالح العقدة السعودية بأنهم يجب أن يكونوا الأقوى والأهم .
أثبتت السعودية للأمريكان أنها حليف يمكن الاعتماد عليه .
الحصاد الأمريكي :
أما الولايات المتحدة فقد كانت المستفيد الأكبر من الحظر البترولي الذي مارسته الدول العربية وعلى رأسها السعودية ، حيث كان الحظر بمثابة إنقاذ لاقتصادها ، عبر معالجة الخلل في ميزان مدفوعاتها الذي كان يواجه عجزًا قبل حرب أكتوبر عام 1973 ، وتحسن موقف الدولار مقابل تراجع عملات أوروبا واليابان ، ما أدى إلى إنعاش الاقتصاد الأمريكي ، وتمثل ذلك بما يمكن إيجازه على النحو التالي :
أدى ارتفاع سعر البترول كنتيجة للحظر إلى إضعاف الاقتصاد في أوروبا واليابان لصالح الاقتصاد الأمريكي، فأوروبا واليابان المحرومتان تقريبًا من الإنتاج النفطي المحلي تضررت موازين مدفوعاتهما بشدة بعد أن فُرض عليهما شراء البترول بأثمان مضاعفة ، فقد كانت أوروبا تستورد في حدود 80% من احتياجاتها ، بينما كانت اليابان تستورد في حدود 90% مما تحتاج إليه ، ولم تتأثر الولايات المتحدة التي كانت تستورد وقتها من العرب 2% فقط من احتياجاتها البترولية .
الزيادة في أسعار البترول العربي عالجت أزمة عام 1972 التي كانت تضغط على صانع القرار الأمريكي ، والتي كان من ضمن أسبابها المنافسة السعرية بين شركات البترول الأمريكية المحلية والبترول العربي الأرخص في السعر، وعليه فقد انتهت حالة المنافسة تلك ، وحققت تلك الشركات أرباحًا قياسية .
بلغت أرباح الشركات الأمريكية الناتجة عن رفع سعر البترول 420 مليار دولار، طبقًا لأرقام الأرباح المعلنة عام 1974 ، فقد حصلت الشركات الأمريكية على 7 دولارات صافي ربح مقابل كل دولار حصلت عليه الدول المنتجة للبترول .
انتعش الاقتصاد الأمريكي نتيجة الودائع والاستثمارات العربية الهائلة التي انهالت على البنوك والشركات الأمريكية .  
تم تجميد قوانين البيئة الخاصة بالهواء والماء السابق إصدارها ، والتي كانت تمثل ضغطًا على صانع القرار ومشكلة للمنتجين للطاقة في الولايات المتحدة .
ويفضي ما سبق من تحليل إلى رؤية مفادها أن حظر النفط ليس عملًا عربيًّا أو سعوديًّا خالصًا ، بل إن شواهده تنبئ بأن هذا العمل كان مدفوعًا بالتحريض الأمريكي على رفع الأسعار لتحقيق المصالح الأمريكية ، ومنها كما سبق وتبين حل مشكلات السعر المحلي للبترول الأمريكي ، وخلق الحالة التي تسمح بإبطال قوانين البيئة المعوقة لإنتاج الطاقة ولضرب الاقتصاديات الأوروبية واليابانية لصالح إنعاش الاقتصاد الأمريكي ، ومما انبنى عليه كذلك أن السعودية كانت منفذًا لخطة أمريكية حازت منها على كثيرٍ من الفوائد ، وحاز من ورائها فيصل لقب زعيم العرب وقائد معركة البترول .

هشام حسنين الهاشمى ، خريج كلية التجارة عام 87 ، حاصل على دبلوم الدراسات العليا فى التربية 2013 كلية التربية ـ جامعة الأزهر ـ القاهرة ، حاصل على دبلوم الدراسات العليا فى إدارة المنظمات غير الحكومية 2014 ـ كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة، باحث حر فى الشأن اليمنى والجزيرة العربية .


الخميس، 4 مايو 2017

الحرب الاخيرة .. / د.عصمت سيف الدولة .



الحرب الاخيرة ..


د.عصمت سيف الدولة .


الآن وقد مضى أكثر من عام على حرب تشرين (أكتوبر) 1973 وهدأت الانفعالات الايجابية والسلبية التي أثارها النصر المحدود الذي تحقق . أصبح من الممكن الحديث عن الحرب التي مضت من اجل الحرب القادمة حديثا هادئا وموضوعيا نضعه تحت أنظار جميع الأطراف المعنية ، ونوجهه الى جماهير أمتنا العربية الأصيلة الغائبة . ما الذي حدث في حرب تشرين ( أكتوبر) 1973. في الساعة الثانية بعد ظهر يوم 6 تشرين (أكتوبر) 1973 اشتبكت جيوش مصر وسوريا مع جيوش العدو الصهيوني في حرب رابعة أكثر ضراوة من الحروب الثلاثة السابقة (1948- 1956- 1967) وان كانت تكرارا لها من حيث هي أسلوب . واستطاعت القوة العربية أن تقتحم القناة وان تدمر خط بارليف وان تطارد جند الصهاينة الى أن توقف القتال بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر في 22 أكتوبر 1973 . وكما حدث من قبل لم يستجب العدو للقرار الى أن كسب أرضا جديدة انسحب منها بعد ذلك نتيجة مساع دبلوماسية ووقف الأمر عند الحد الذي هو عليه الآن . في خلال تلك الحرب تلقت الدول العربية المحاربة أقصى تأييد ممكن من باقي الدول العربية .. لم تتخلف دولة عربية واحدة عن الإسهام في المعركة بما تستطيع وتقبل ، وبلغ التعاون العربي ذروته ، وثبت من كل هذا أن الدول العربية قد اختارت أكثر الظروف ملاءمة لمعركتها الرابعة .. نجحت تماما في بناء قواتها المسلحة وتدريبها وتسليحها فأنزلت بالصهاينة خسائر فادحة وأوقفت التفوق " العسكري الإسرائيلي وحطمت هيئة المؤسسة العسكرية الصهيونية وجرعت الآباء والأمهات في إسرائيل كؤوس الأحزان التي كانت حتى ذلك الحين مقصورة على شاربيها من العرب . ونستطيع أن نقول أنها دست في أفئدة كثير من الإسرائيليين بذور الشك في الحل الصهيوني لمشكلاتهم . ثم إنها نجحت تماما في كسب الرأي العام العالمي لمعركتها . الصين معها وتتجاوزها . الكتلة الاشتراكية معها وهو كسب قديم . دول أوروبا الغربية على الحياد عامة وهو كسب كبير. دول إفريقيا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل تباعا وهو كسب على اي حال . ولم تبق إلا الولايات المتحدة الأمريكية التي وضعت ثقلها العسكري في ميزان القوى في ميدان القتال فاعتدل شيئا ما لحساب إسرائيل حتى لاذت بحلفها مع الاتحاد السوفيتي تأمران بإيقاف إطلاق النار فوقفت النار. والوضع إن لم يكن في صالح الدول العربية تماما ، فهو في غير صالح إسرائيل على وجه اليقين . وهو كسب جديد للدول العربية بالقياس الى الحروب السابقة. ونجحت الدول العربية تماما في استثمار العلاقات فيما بينها وبين الدول الأجنبية ، فقدمت الدول العربية كل ما استطاعت وقبلت من عون مالي وزادت دول البترول فقررت تخفيض الإنتاج وحجبه عن أمريكا وهولندة .... والحصيلة النهائية أنها كسرت جمود الموقف السابق على 6 تشرين (أكتوبر) 1973 وجعلت من عام 1973 عامها هي بدلا من عام أوروبا فتلقت وعداً مضمونا من الثنائي السوفيتي الأمريكي بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 وما تزال تنتظر الوفاء بالوعد المضمون . في ظل الظروف الدولية والعربية التي وقعت فيها حرب تشرين (أكتوبر) انتصرت الدول العربية على إسرائيل . انتصرت بمعنى أنها خططت واعدت وقاتلت وحققت ما تريد من القتال . وهذا نصر بالنسبة الى صاحبه . انه النصر الممكن منسوبا الى الدول العربية . وهذا يعني بوضوح انه إذا كان ثمة من لا يرضيهم ما تحقق في ساحة القتال أو على المستوى السياسي فان عليهم ان يسلكوا الى ما يريدون طرقا أخرى لا تمر بالدول العربية وقيود الإقليمية التي تكبلها . إن أي إنسان على قدر من الوعي بحقائق الظروف العربية القائمة وبوجه خاص حقائق الإقليمية لا يمكن أن يحمل الدول العربية أكثر مما تحتمل موضوعيا أو أن يتوقع منها أكثر مما تستطيع . والدول العربية في واقعها الإقليمي لا تستطيع إلا أن تستثمر إمكانياتها المتاحة ماديا وبشريا ودوليا بأكبر قدر من الكفاءة . ولا تستطيع أن تحقق من الغايات إلا ما يقع في حدود إمكانياتها . سواء كان هذا في ساحة القتال أو في مجال التعاون المتبادل فيما بينها أو في خضم الصراعات الدولية وموازينها الثقيلة . وقد استثمرت الدول العربية إمكانياتها بأكبر قدر من الكفاءة . كفاءتها هي وحققت من الغايات ما يتفق مع تلك الإمكانيات  الموضوعية والذاتية فلا يمكن أن ينكر عليها احد ـ بحق ـ نصرها الذي تم . نقول هذا لنؤكد أمرا ونطرح أمرا ثانيا . الأمر الأول انه لم يحدث من الدول العربية تقصير جسيم كان كفيلاً ـ لو لم يقع ـ بتغيير النتائج النهائية تغييرا كبيرا سواء في ساحة القتال أو في النتائج السياسية التي ترتبت عليه . إن الجزئيات هنا غير ذات أهمية كبيرة في تحديد الصورة النهائية للموقف . فلا ينبغي أن نتجاهل الموقف العام لنسند الى فرد أو مجموعة من الأفراد أو دولة أو مجموعة من الدول أخطاء . قد تكون صحيحة ولكنها على أي حال ليست حاسمة . ما وقع كما هو يمثل غاية طاقة الدول العربية المحاربة كما هي في أحسن ظروفها . حتى الدول العربية التي لم تحارب لم يكن موقفها السلبي من القتال المسلح بخلا بأرواح رعاياها ولكنه كان تجسيدا لواقعها الموضوعي . انها ببساطة عاجزة موضوعيا عن القتال المسلح . وبالتالي لا محل لفتح أبواب الأوهام الإقليمية من جديد . لو كان فلان غير فلان ، لو كان أولئك مكان هؤلاء لو وقفت هذه الدول ذلك الموقف لاستطاعت الدول العربية أن تحقق أكثر مما حققت . أبدا ما كان يمكن تحت أي ظرف ولن يكون ممكنا تحت أي ظرف أن تحقق الدول العربية أكثر مما حققت في ظروفها الدولية القائمة . لأنها ـ في الواقع ـ قد حققت ما حققت في أفضل الظروف توقيتا وتسليحا وقتالا وتعاونا ودبلوماسية . إن القومية ليست مثالية . والموقف القومي ليس موقفا مثاليا وابعد ما يكون عن الموقف القومي ذلك الموقف المثالي الذي يتوقع من الدول العربية الإقليمية أكثر مما حققت : تحرير فلسطين مثلا أو تحدي إرادة الدول الكبرى مثلا آخر... أو الاستمرار في القتال بعد أن صدر إليها أمر مجلس الأمن مثلا ثالثا ... الخ . ثم يأتي الأمر الثاني الذي نطرحه ونتمنى أن يحظى بالعناية من كل الجماهير العربية التي ما تزال تحتفظ بولائها لامتها العربية . التسوية السلمية التي تتضمن الاعتراف بالوجود الإسرائيلي أو بضمان أمنها لن تتم . بالرغم من كل المحاولات التي يبذلها المجتمع الدولي عامة وكل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية خاصة وبالرغم من كل النوايا الخفية والمعلنة التي تسعى الى مثل تلك التسوية وبالرغم من كل الإغراءات والانتصارات التي تقدم ، او تحققها ثورة الشعب العربي في فلسطين فان الاعتراف بالوجود الإسرائيلي أو ضمان أمنها أو فتح المياه العربية لعملها .. الى آخر ما جاء في القرار 242 لن يتم . إن لهذا التأكيد أكثر من سبب وتتصل الأسباب بجميع الإطراف المعنية كما تتصل أساسا بقوى قادرة تماما على أن تحول دون تلك التسوية . وانه لمن مصلحة جميع الأطراف أن يكونوا على يقين من هذا . الحرب الخامسة إذن قادمة . قد تشنها إسرائيل تحاول أن تحقق فيها نصرا محدودا يعوض الآثار الداخلية المتردية التي سببتها هزيمتها المحدودة . وقد تشنها دول المواجهة العربية لكسر الجمود السياسي الذي تدفن فيه رويدا رويدا قضية إزالة آثار العدوان . في هذه الحرب المتوقعة ستلقي الدول العربية ـ مرة أخرى ـ بخلاصة الشباب من أمتنا العربية في أتون المعركة . وستستنزف ـ مرة أخرى ـ أغلب الطاقات الاقتصادية المتاحة لتحقيق نصر محدود جديد كل غايته أن يمنح من دماء عشرات الألوف من الشهداء ، وعشرات الملايين من الجنيهات ، "حقنة" تقوية لبعض المتسابقين العرب في مضمار المناورات السياسية . كل غايته أن يغذي أوهام الأمل في تحرير فلسطين على أيدي الدول العربية ويمد في حياتها حتى يحين حين الجولة السادسة . لا .. إني أقولها لكل الذين رخص عندهم الإنسان العربي الى الحد الذي يدفعون به الى الحروب لا من اجل النصر لامته ولكن من اجل تقوية مراكزهم في المساومات الدبلوماسية . لا .. ان حياة جماهيرنا العربية أغلى بكثير من أن نكون مجرد ورقة في لعبة المناورات السياسية . لا .. يكفي الدول العربية ما بددت من طاقات وما أنفقت من أموال وما أهدرت من دماء بحجة أنها تريد تحرير فلسطين . لا .. يكفي الدول العربية ما فرضت من قهر على جماهيرنا وما استنزفت من طاقاته وما اقتطعت من قوته بحجة أنها تشتبك في صراع مع الصهيونية من أجل تحرير فلسطين . لا .. إننا لا نريد أن تحكم إسرائيل جماهيرنا العربية بطريقة غير مباشرة عن طريق " اعتذار" الدول العربية بالصراع ضد إسرائيل لتغطية ما ترتكبه في حق جماهيرنا العربية من جرائم . إن من حق شعبنا العربي أن يوقف هذه اللعبة المدمرة والتي كان هو ضحيتها دائماً . من حقه أن يحول بكل قوته دون أن تبقى إسرائيل أداة لاستنزاف طاقاته دورياً ، فكلما بنى هدمت ، وكلما نشأ له جيل جديد دخل به حرباً جديدة ، وكلما حاول أن يتقدم توقف ليقاتل معاركه المحدودة . من حق شعبنا العربي أن تكون الحرب الخامسة هي " الحرب الأخيرة " ليتفرغ بعدها لبناء الحياة التقدمية رخاء وحرية . إن هذا يعني أن تكون غاية " الحرب الأخيرة " ليس مجرد تحريك للقضية على المستوى الدبلوماسي ، ولا إزالة آثار عدوان 1967 ، ولكن استرداد أرض فلسطين للشعب العربي . إذ من وجهة النظر القومية لا نفهم ما يقال له الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني إلا استرداد أرضه المغتصبة . وبمنتهى الوضوح لا يتم هذا إلا بتصفية دولة إسرائيل ، أما ما يتلو هذا من قضايا فرعية مثل مصير البشر الذين جمعتهم الصهيونية على أرض فلسطين أو كيفية التعايش بين الأديان على الأرض العربية فكلها مشكلات ثانوية أو سهلة الحل وليس في التقاليد العربية ما يحول دون الوقوف منها موقفاً إنسانيا وحضارياً . المهم أن تكون الغاية الثانية للحرب الخامسة تصفية " الدولة ـ المؤسسة " التي تجسد السلطة الدخيلة وتحرم الشعب العربي من دولته التي تجسد سيادته المشروعة على أرضه . واضح أن أسلوب الدول العربية الذي مارسته منذ سنة 1948 وحقق أقصى عطائه في حرب تشرين ( أكتوبر) 1973 لن يحقق تلك الغاية لأسباب موضوعية لا يجدي تجاهلها أو المزايدة عليها . إذن فان تغييراً حاسما وجذريا يجب أن يتحقق في الوطن العربي كشرط سابق للنصر في الحرب الخامسة . أول عناصر هذا التغيير وأهمها أن تدخل الجماهير العربية ذاتها الحرب الخامسة . ان تكون صاحبتها جندا وقيادة وان ترسم هي إستراتيجيتها وتخوض هي مواقعها التكتيكية وتعبئ هي مواردها وتوظفها في سبيل أن تكون الحرب الخامسة التي هي حربها الأولى ، حربها الأخيرة . ليست هذه دعوة الى ما يسمى حرب التحرير الشعبية . إن حرب التحرير الشعبية مستحيلة على الأرض العربية لسبب بسيط هو أن جيوش الدول العربية تحول ـ بالقوة ـ دون حرب التحرير الشعبية ولكنها دعوة الى قيام دولة واحدة جماهيرية تخوض الحرب الخامسة والأخيرة . دولة واحدة تضم أقاليم مصر وسورية والأردن وفلسطين . نعم فلسطين . إن هذا هو الاستثمار القومي التقدمي الأمثل للاعتراف العالمي بان منظمة تحرير فلسطين هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني . إنها الآن تملك أن تدخل في وحدة فتصبح فلسطين المحتلة جزءا من دولة عربية واحدة من حقها تحرير قطعة من أرضها . نقول إن مثل هذه الدولة كفيلة بتحقيق النصر النهائي الحاسم في الحرب الخامسة ـ الأخيرة ـ إن هذه الدولة لا تحل فقط مشكلات الموازين الدولية الضاغطة ومشكلات التسليح الإسرائيلي الكثيف ، بل ستحل أيضا مشكلة " الناس " الذين سيتخلفون على الأرض العربية بعد تصفية دولة إسرائيل ، ولن يكون حل مشكلاتهم حينئذ على حساب الشعب العربي الفلسطيني وحده . ضد هذه الدعوة ستقدم الدول العربية وأجهزتها الإعلامية مئات الحجج من أول الحساسيات الشخصية الى ضرورة أن تسبق الوحدة دراسات متأنية لآثارها على التجارة والنقد ومناهج التعليم والنظم الاقتصادية ... الخ . عندئذ تتبين الجماهير العربية حقيقة موازين الدول العربية . ليس لدى الدول العربية مانع من أن تقاتل بأبناء أمتنا عشرين سنة في معارك محدودة النصر محدودة الهزيمة ، وتستنزف طاقاته عاما بعد عام وتحكمه بحجة تحرير فلسطين . ولكن لديها موانع كثيرة من أن تفتح حدودها وتستغني عن مقاعد السلطة فيها وتقبل " هزة " في نظمها التجارية وسعر عملتها ولو من أجل النصر النهائي على الصهيونية . ليس لدى حكام العرب مانع من أن يموت من كل جيل عربي عشرات الألوف من الشباب ، وان يسخر عائد الإنتاج العربي في شراء الأسلحة ، وان يجوع الشعب العربي ويقهر سياسيا واقتصاديا وفكريا من اجل تحرير فلسطين ولكن لديهم ألف مانع من أن يفقدوا مراكزهم كحاكمين ولو كان ذلك هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين . لا .. فلتقل الدول العربية ما تشاء فان دعوتنا ليست موجهة إليها . إنها دعوة الى الجماهير العربية في أن تختار بين حروب محدودة متكررة كل عشر سنوات أو اقل أو بين حرب أخيرة تتفرغ بعدها لحياة الحرية والرخاء . أن تختار بين الوحدة وبين التجزئة بين القومية وبين الإقليمية . وهي إذ تختار إنما تختار بين النصر والهزيمة . فلتختر الجماهير العربية الوحدة ، طريق النصر، من أجل أن تكون الحرب الخامسة هي الحرب الأخيرة .  
مقال نشر في جريدة " السفير " البيروتية يوم 20/1/1975 م .