بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 ديسمبر 2018

هل يجوز عزل التعويضات عن تحقيق اهداف الثورة ..؟


هل يجوز عزل التعويضات عن تحقيق اهداف الثورة ..؟
يدور الحديث هذه الايام حول موضوع التعويضات بين مشهّر ومبرر ، بينما المشكلة في حد ذاتها ليست في التعويض وجبر الضرر بل في مغالطات المؤيدين حينما يستشهدون بما ورد في آليات تمويل صندوق الكرامة باعتبار ان الدولة لا تدفع الا 10 % ، او في القول بان جبر الضرر حق مشروع لكل من تعرض للانتهاكات والممارسات التعسفية خلال فترة الاستبداد دون وضعه في اطاره الصحيح المتمثل في مسار العدالة الانتقالية باكمله ، ودون افصاح بان التعويض عن طريق الصندوق ليس الطريقة الوحيدة لجبر الضرر كما تم منذ 2012 وكما تبين القوانين الصادرة في الغرض .
فجبر الضرر جاء في اطار مسار ومفهوم كامل للعدالة الانتقالية لذلك الاستشهاد بتلك الفقرة حول التعويضات وتمويل الصندوق دون استحضار لهذا المسار وخارج مفهوم العدالة الانتقالية يتضمن مغالطة كبيرة وتضليل للراي العام يتجاهل الاهداف التي قامت من اجلها الثورة ، اذ في هذه الحالة يبدو كأن الثورة قد قامت من اجل التعويضات .. !! وهذا الفصل من القانون عدد 53 لسنة 2013 الخاص بارساء العدالة الانتقالية وتنظيمها يبين الاطار الذي يجب ان يتنزل فيه جبر الضرر :
-    الفصل الاول : العدالة الانتقالية هي مسار متكامل من الاليات والوسائل المعتمدة لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان بكشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم بما يحقق المصالحة الوطنية ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها ويرسي ضمانات عدم تكرار الانتهاكات والانتقال من حالة الاستبداد إلى نظام ديمقراطي يساهم في تكريس منظومة حقوق الإنسان .
هذا هو المسار المتكامل الذي يجب ان يشمل العديد من الشروط التي ضبطتها بقية الفصول في هذا القانون واهمها : 
-    تفعيل الوسائل والاجراءات والأبحاث المعتمدة لفك منظومة الاستبداد ( الفصل الرابع ) .
-    تفعيل المساءلة والمحاسبة عن طريق الآليات التي تحول دون الافلات من العقاب او التخلص من المسؤولية ( الفصل 6) .
-    تعهد الدوائر والهيئات المختصة بالنظر في الانتهاكات المتعلقة بتزوير الانتخابات والفساد المالي والاعتداء على المال العام ( الفصل الثامن ) .
-    جبر الضرر نظام يقوم على التعويض المادي والمعنوي ورد الاعتبار والاعتذار واسترداد الحقوق وإعادة التأهيل والإدماج ويمكن أن يكون فرديا أو جماعيا ويأخذ بعين الاعتبار وضعية كبار السن والنساء والأطفال والمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والفئات الهشة ( الفصل 11 ) .
-    توفر الدولة العناية الفورية والتعويض الوقتي لمن يحتاج إلى ذلك من الضحايا وخاصة كبار السن والنساء والأطفال والمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والفئات الهشة دون انتظار صدور القرارات أو الأحكام المتعلقة بجبر الضرر ( الفصل 12 ) .
-    اصلاح مؤسسات الدولة الهادف الى تفكيك منظومة الفساد والقمع والاستبداد ومعالجتها بشكل يضمن عدم تكرار الانتهاكات ( الفصل 14 ) .
-    تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة والسلم الاجتماعية وبناء دولة القانون ، ولا تعني المصالحة الافلات من العقاب وعدم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ( الفصل 15 ) .
-    النظر في جميع الانتهاكات الحاصلة منذ جويلية 1955 ( الفصل 17 ) . 
-    صياغة التوصيات والاقترحات المتعلقة بالاصلاحات السياسية والادارية والامنية والقضائية والاعلامية والتربوية والثقافية وغربلة الادارة وغيرها من الاقتراحات لتجنب العودة الى القمع والاستبداد ... 
-    صياغة التوصيات والمقترحات والاجراءات التي تعزز البناء الديمقراطي وتساهم في بناء ودولة القانون ( الفصل 43 و 67) .
هذا هو السياق العام الصحيح الذي يجب ان تتطرح فيه مسالة التعويضات ، وهو تمشي كامل لهدم منظومة الاستبداد وبناء الاسس السليمة لدولة القانون والمؤسسات والديمقراطية .. في حين ان ما نراه هو العكس تماما ، وهو السعي الى بناء دولة التمكين والمحاصصة ووالولاءات الحزبية باشكال واساليب وممارسات متعفنة تفوق الممارسات التجمعية والنوفمبرية التي ادت الى تشييد دولة الاستبداد والنهب والمافيات والعصابات التي ثار عليها الشعب في 17 ديسمبر ، علما ان جبر الضرر كما نص عليه الفصل عدد 12 من هذا القانون الخاص بالفئات الهشة الاكثر حاجة للمساعدة من كبار السن والمعوقين وذي الاحتياجات الخصوصية والمرضى قد بدأ فعلا ، بل ان تطبيقه قد كان على نطاق أوسع من ذلك بتدخلات عاجلة من الدولة حتى قبل تسوية بقية الملفات وفرزها وعرضها على المحاكم المختصة ، منذ صدور القوانين الخاصة بالمنتفعين بالعفو التشريعي العام ، حيث شهدت التشريعات المتعلقة بالانتداب تباعا صدور العديد من القوانين الاستثنائية التي تعطي اولوية الانتدابات للمنتفعين بهذا القانون ومنها : 
-    القانون عدد 4 لسنة 2012 الوارد تفصيله بالامر عدد 833 المؤرخ في 20 جويلية 2012 في فصليه السادس والسابع القاضيان من ناحية بفتح انتدابات مباشرة لفائدة جرحى الثورة واهالي الشهداء والمنتفعين بالعفو التشريعي العام وفقا لاحكام المرسوم عدد 1 لسنة 2011 كأول قانون يؤسس بعد الثورة للتعويض وجبر الضرر ، وذلك بطاقة استيعاب تصل في حدها الادنى الى 70 % من الانتدابات المباشرة والبقية اي 30 % لعموم ابناء الشعب عن طريق المناظرات ، ومن ناحية اخرى لعدم اعتبار السن القصوى للمنتفعين بالقوانين الاستثنائية .
-    الامر عدد 3256 المؤرخ في 13 ديسمبر 2012 القاضي باجراءات العودة الى العمل وتسوية الوضعية الادارية للمنتفعين بالعفو التشريعي العام كما جاء مفصلا في العديد من الفصول ومنها :
•    اعادة ادماج الاعوان العموميين المنتفعين بالعفو التشريعي العام طبقا لاحكام المرسوم عدد 1 لسنة 2011 ضمن اسلاكهم ، وعودتهم الى العمل مهما كانت وضعياتهم الادارية ولو كانوا بصفة زائدة ، وينتفعون بالتدرج والرتب التي تمتع بها نظراؤهم منذ الانقطاع عن العمل الى تاريخ ارجاعهم ( الفصل 1 و 2 ) .
•    تنطبق احكام الفصلين السابقين على الاعوان الذين تعذر ادماجهم او الذين ادمجوا في غير اسلاكهم ( الفصل 3) .
•    تتم احالة الاعوان الذين تعذر ادماجهم في اسلاكهم الاصلية او في غيرها على التقاعد طبقا للتشريع الجاري به العمل ( الفصل 3 ) .
•    ينجر عن العودة الى العمل الحق في المرتب بعد اعادة ترتيب المسار الوظيفي ابتداء من تاريخ المباشرة الفعلية ( الفصل 6 ) .
-    امر عدد 2799 المؤرخ في 9 جويلية 2013 المتعلق بضبط صيغ واجراءات النظر في مطالب التعويض ذات الصبغة الاستعجالية ، القاضي من خلال فصله التاسع بان " تقترح اللجنة الخاصة بهذا الامر مبلغ التسبقة على التعويض في شكل مبلغ سنوي يقع دفعه صبرة واحدة او على دفعات بحسب ما تقترحه اللجنة ووزير حقوق الانسان ، وتراعي اللجنة عند اقرار المبلغ الجملي حالة المعني بالامر الجتماعية والمدنية والصحية .. 
الا يعني هذا ان مسار جبر الضرر بالنسبة لضحايا النهضة  قد بدأ فعلا منذ سنة 2012 وقد اشرف على الانتهاء ولم يبق منه الا التعويض على ما فات وهو آت ، فاين جبر الضرر بالنسبة للآخرين من اليوسفيين وغيرهم ؟؟ واين جبر الظرر لبقية ابناء الشعب وللجهات المحرومة طوال فترة الاستبداد ؟؟ وأين نحن من المؤسسات السيادية للدولة الديمقراطية وعلى راسها المحكمة الدستورية ، واين الهيئات المستقلة التي اصبح وجودها صوريا ، واين قانون تحصين الثورة ، واين المحاسبة للفاسدين ، واين كل الشروط والضمانات الواردة ضمن سياق العدالة الانتقالية كما نصت عليه القوانين لبناء دولة ديمقراطية سليمة ..؟؟؟
اما بالنسبة لصندوق الكرامة ، وحتى ان كانت مصادر التعويضات مختلفة كما جاء في القانون عدد 53 لسنة 2013 ، اي 10 % من الدولة والبقية من الهبات والتبرعات والعطايا غير المشروطة فهي معضلة اكبر تجعل مصادر التمويل غير معروفة وغير موثوقة ومعرضة لكل الشبهات التي لا يمكن مراقبتها في ظل دولة ما فيوزية مثل الدولة الحالية ..
فهل ما يجري فعلا هو المسار الحقيقي للعدالة الانتقالية كما جاءت به روح القوانين وكما ينتظره التونسيون ضمن الاهداف الكبرى التي قامت من أجلها الثورة ..؟؟


( القدس )

السبت، 1 ديسمبر 2018

دولتان في السودان : واحدة غنية للاخوان واخرى فقيرة للمواطنين ..


دولتان في السودان : واحدة غنية للإخوان، واُخرى فقيرة للمواطنين ..
صلاح شعيب – السودان .

إخوان بلادنا استثمروا في عدد من تناقضات الظاهرة السودانية المشكلة أصلا عبر ثلاث مراحل. حين بدأوا تأسيس دولتهم ضربوا معاقل الذين يخالفون أيديولوجيتهم في جهاز الخدمة المدنية. وحين اختلفوا استثمروا جميعهم في التناقضات الجهوية، وذهب كل طرف ليتقوى بالإثنية. وحين لاحت تحديات التمكين استثمروا في الحوزات الإقليمية، والقارية، والدولية.
ونتيجة لاستنزاف مغامرات الإخوان ذات الكلفة الدموية، والمادية، لخزينة الدولة أفضوا بنا إلى وجود نظامين في دولة، أو دولتين في نظام، سمه كما شئت. فهناك نظام دولة داخلي يتعهده أنصار الإخوان بميزانية متكاملة الدسم. إذ توظف الموارد لكل عضوية الحركة الإسلامية فيما يسير نظام الدولة القديم بميزانية شحيحة للصحة، والتعليم، بنسبة أربعة من المئة، فيما يصرف القليل على أمن المواطن، وتنميته، مقارنة بالمبالغ المرصودة لأمن النظام، وتنمية استيطانه. وكذلك يتم في الدولة القديمة تآكلا في كل نظمها الاجتماعية الموروثة، ويترك مواطنها نهبا للضياع في الداخل، أو يتم نبذه إلى مكان قصي في الخارج.
وحينئذ تلحظ أن للأخ المسلم، والأخت المسلمة، امتيازا على مواطنيهما. فالصراع حول الوظائف الإدارية، والدستورية، والكفاح في مجال الاقتصاد، والتجارة، والاستثمار، إنما يدور حولهم. إذ هم يفضلون بعضهم بعضا، تاركين هامشا من التوظيف للمهنيين الذين لا يتورطون في مساءلتهم عن شرعية حكمهم. وفي جانب يشقون صف زعامات الإدارات الأهلية، ويستقطبون الانتهازيين منهم.
وفِي ظرف عقدين تقريبا قوضوا الطبقة الثرية، والوسطى، وصاروا هم أصحابها، وحلت محلهما طبقتان جديدتان قوامها أشخاصهم، والذين يخدمونهم مجبرين، أو متطوعين لحيازة النفوذ، والثروة. وتلك الطبقية قادتهم إلى تأسيس جامعات، وجوامع، ومستشفيات، ومطاعم، ومنتزهات، تفي بحاجة الأثرياء بجانب طبقة أخرى في منزلة أدنى من ملاك الأراضي، والشركات، ولكنها أعلى بمسافة من الطبقة الوسطى. وداخل هاتين الطبقتين تتم المصاهرات بشكل باذخ، بينما تتكاثر حظوظ الفرد في الزيجات.
-٢-
في دولة الإخوان الإسلامية – العربية تتوفر ميزانية متكاملة لكل شئ. أما في دولة السودان العريض فيعايش الناس المسغبة، والجوع، والمرض، والهجرة. ولولا تحويلات ملايين السودانيين المهاجرين لذويهم، وأصدقائهم، وتبرعاتهم، لساء الحال أكثر فأكثر. وبينما تدعي قلة قليلة من المهمشين الإسلاميين أن المشروع قد تم اختطافه، رغم نجاحهم الباهر في بناء دولة إخوانية طفيلية داخل دولة السودان، هي كل هدفهم، فإن غالبية الإسلاميين يمسكون بمفاصل الدولتين لا بد. فئة منهم معنية بتدعيم التمكين لدولتهم العميقة. وفئة أخرى مفرغة تماما لتدمير دولة السودان، ومحو تاريخها، عبر عمل إعلامي، وتربوي، مكثف يهدم طبقات تاريخ الحركة الوطنية الثوري، والتعدد الثقافي، والنسيج الاجتماعي داخل الإقليم، والنسيج القومي بشكل عام. ومن ناحية أخرى يسهم جهاز الأمن في إفساد المتحقق النسبي لبلورة هوية سودانية عبر إثارة الفتن العرقية بين المكونات السودانية، حتى إن بعضا من كبار المثقفين في المعارضة سقطوا فريسة سهلة لإعلام هذه الشيطنة الإخوانية للآخر، وانضموا للسلطة بدافع أنها تمثل خط الدفاع الأخير عن مكتسبات مكون الوسط النيلي.
ذلك برغم أن الإخوان المسلمين هم الذين أعدموا خيرة أبناء هذا المكون في الجيش، والنقابات، وأحالوا عشرات الآلاف للصالح العام، وعذبوهم في المعتقلات، وضايقوهم اقتصاديا، وتجاريا، ونهبوا أراضيهم، واستثمروا فيها مع المافيا العالمية، ودمروا مشاريع زراعية، وخدمية، وعلاجية. وشملت حملة تطهير مكونا ضخما من نخبة الوسط النيلي القادة السياسيين، والمثقفين، والأدباء، والفنانين، والمسرحيين، والنقابيين، والمعلمين، والدبلوماسيين، والأكاديميين، إلخ. بل إن الإخوان المسلمين هم الذين سعوا لتدمير تاريخ الرموز الإصلاحية في المركز، والذي بذل فيه الشرفاء من أبناء مكون الوسط النيلي دورا في نشر التعليم في قطاع واسع من السودان، وخلقوا التنوير الفكري، والديني لتحقيق تطلعات السودانيين في إرساء دولة الديموقراطية، والعدالة، والمساواة بجانب بقية الشرفاء المنتمين لجهات السودان، وهم دعامة الكتلة التاريخية التي تنشط في المعارضة اليوم لإقامة هذه الدولة على أساس راسخ من الحرية، والتسامح، ومحاسبة مجرمي النظام.
-٣-
هذا الرهان على العرقية لاستقطاب دعم إضافي لأيديولوجية الإخوان هو بالضبط جزء من لوازم فكرة التنظيم القائمة على ضرب المكونات الإثنية بعضها بعضا في الدولة القديمة التي أسقطوا عليها فكرهم، وتعينهم في ذلك ترسانة من الفتاوى المتداولة بينهم. وذلك في سبيل إقامة هذا المشروع الحضاري الذي كان لا بد أن ينتهي إلى مشروع رأسمالي طفيلي، ارتزاقي، وداعشي، هو ذاك الذي أفسد معاني الدين، وعطب حركة استقرار الدولة. ومن ناحية أخرى فإن انغلاق فكر الإخوان المسلمين الذي انعكس على قيادة التنظيم، وعضويته، كان لا بد أن يجد في فقه القتل، والاغتصاب، والفساد، والفتن، مبررات لاستدامة دولتهم الإسلامية المزعومة التي تناقض نفسها، خصوصا بعد أن تحول حراك الإخوان وهم يقبضون على روح الدولة القديمة إلى شبكة من العلاقات التجارية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإعلامية. وفي هذا لا يعنيهم التدهور الحادث في بنية الدولة ما دامت دولتهم الداخلية متماسكة، وقادرة بالاستبداد أن تقهر ملايين الرجال، وتجلد عشرات الآلاف من النساء.
وهذه الشبكة العنكبوتية المنظمة لحيوات الإخوان هي قوام دولتهم التي لديها نواميسها، وترقياتها، ومصاهراتها، وتسهيلاتها النقدية السرية، وصراعاتها الداخلية، وانتخاباتها، وقضائها الداخلي “التحللي” الذي هو محجوب عن رعايا دولة السودان. فتجنيب بعض مال الميزانية المبتدع داخل مؤسسات الدولة لا يساوي مثقال ذرة من الأموال المنهوبة كل يوم لتغذية شركات الحركة الإسلامية التي اعترف بها مؤخرا أحد قادتها. فهناك عشرات الآلاف من الشركات الظاهرة، والمستترة، بأسماء الإسلاميين، وأقاربهم، داخل السودان، وخارجه. وجزء منها يعود ريعه للمؤلفة قلوبهم من المهنيين في جهاز الشرطة، والجيش. أما جهاز الأمن فلا أحد يقدر على إحصاء حجم استثمار شركاته المتمددة داخليا، وخارجيا.
علاوة على ذلك فإن هناك مشاريع بمليارات الدولارات في بلدان أجنبية يحركها إسلاميون مع شركات تابعة لإسلاميين من دول أخرى. وما هذا الجيش الجرار من دبلوماسيي الحركة الإسلامية سوى أنهم داعمون لدولة الإخوان عبر شركاتهم الداخلية، أو الخارجية، ولا يحققون للبلاد أي منفعة في ظل سوء العلاقات مع الدولة المؤثرة، والغنية، والمانحة. ومن ناحية ثانية يستنزفون بلا مهنية، أو فاعلية، خزينة البلاد دون طائل، خصوصا إذا أدركنا أن دولة السودان تخلوا طوال فترة الإسلاميين في الحكم من مشاريع زراعية، واقتصادية، كبيرة ذات عائد لعامة الشعب، مثلما كان وزراء الخارجية والدبلوماسيون السابقون يسهمون في جلبها سواء في الأنظمة الشمولية أو الديموقراطية. والناظر للاستثمارات التي جلبها الاسلاميين، فوقا عن فسادها، فإنها لم تحقق تنمية اجتماعية، أو تحل أزمة البطالة، أو تطور منطقة، كما هو حال المشاريع الإنتاجية التي ورثوها، وأنتجت قرى، ومجتمعات، وبعض تنمية عمرانية. ولو كان لشركات الاستثمار قيمة لما ستوردت البلاد الخضروات، والفواكه، والألبان!
لا منجاة للسودانيين من تشرذمهم إلا تقويض بناء دولة السودان بتغيير راديكالي، وهو الحل الوحيد الذي يحافظ على وحدة أراضي السودان المتبقية. وليس هناك من قيمة لإصلاح الأوضاع في السودان في ظل نشوء دولتين، من خلالها يتذاكى الإخوان المسلمين السودانيين لاستقطاب المثقفين للاستنفاع بما تجود عليهم الحركة الإسلامية من فتات، بينما هم يدركون أنهم يخدمون دولة الإخوان وليس دولة السودان. فدولة السودان لا يخدمها إلا الشرفاء الذين يعارضون وجود نظامين بهويات مختلفة في بلد واحد.

السبت، 24 نوفمبر 2018

عن مصر .. ومسألة العروبة / د.صبحي غندور .

عن مصر.. ومسألة العروبة . 
د.صبحي غندور .


احتفلت مصر منذ أيام قليلة بالذكرى 41 لحرب أكتوبر التي نجح فيها الجيش المصري بعبور قناة السويس وبخوض معارك بطولية مع جيش الأحتلال الإسرائيلي الذي كان يحتلّ شبه جزيرة سيناء وصولاً إلى قناة السويس. وهذا الأنتصار العسكري للقوات المسلحة المصرية قبل أربعة عقود ما كان له أن يحدث لولا إعادة البناء لهذه القوات بعد حرب العام 1967، والذي كان يتمّ باشراف كامل من الرئيس جمال عبد الناصر وفق ما وضعه آنذاك من استراتيجية لمواجهة نتائج العدوان الإسرائيلي، شملت، إضافة إلى الأستعدادات الداخلية المصرية، بناء تضامن عربي فعّال كان له الدور الكبير في حرب العام 1973.
وقد قيل وكتب الكثير عن هذه الحرب وعن جاهزية القوات المصرية لخوضها آنذاك في العام 1971، لكن بعد وفاة ناصر في العام 1970 وتولّي أنور السادات الرئاسة في مصر، جرى تأجيل قرار الحرب إلى أكتوبر 1973 حيث توفر التنسيق أيضاً مع الجبهة السورية التي خاضت كذلك حرباً شرسة في مرتفعات الجولان المحتلة.
تُرى ، لو حصلت حرب أكتوبر وجمال عبد الناصر مازال حياً، هل كانت المنطقة العربية عانت وتعاني مما حصل في العقود الأربعة الماضية من تحول الأنتصار العسكري عام 1973 إلى هزيمة سياسية لمصر وللعرب نتيجة توقيع المعاهدات مع إسرائيل، وما رافقها وتبعها من عزل مصر عن امتها العربية ومن صراعات وحروب أهلية بدأت في لبنان بالعام 1975 وتورطت فيها عسكرياً سوريا والمقاومة الفلسطينية وأطراف عربية أخرى، بحيث كانت “الجبهة الشرقية” تقاتل بعضها البعض بينما “الجبهة الغربية”، أي مصر، توقّع معاهدات “سلام” مع إسرائيل؟!. وهل كانت إسرائيل لتغزو لبنان وعاصمته بيروت لو لم توقّع مصر- السادات المعاهدة مع اسرائيل  ؟! فقد حدث هذا الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 دون ردود فعل عسكرية عربية باستثناء مشاركة القوات السورية المتواجدة حينها على الأراضي اللبنانية.
ولو كانت مصر بكل ثقلها حاضرة في قضايا الأمة العربية، كما كانت في عقدي الخمسينات والستينات، هل كان ممكناً أن يغزو صدام حسين الكويت وأن يحدث بعد ذلك الأنهيار الكبير في العلاقات العربية / العربية وأن تنتشر الأساطيل والقواعد العسكرية الأجنبية في معظم أرجاء المنطقة العربية ؟! وهل كان ممكناً أيضاً أن تحصل خطوات التطبيع والعلاقات مع إسرائيل واتفاقيات أوسلو ووادي عربة، لو لم تبدأ مصر هذا المسار ؟!.
هذه التساؤلات ليست هي من أجل الغوص في الأحلام أو مجرد افتراضات، بل هي تنبيه إلى أساس المشاكل في الواقع العربي الراهن ، ولتأكيد أهمية استعادة دور مصر عربياً وإقليمياً. فالعرب كلهم في سفينة واحدة مهما اختلفت درجاتهم وممتلكاتهم ووظائفهم على هذه السفينة، ومصر هي الربان بهذه السفينة، وبتعطيل دورها يحصل التيه وسط الرياح والأمواج العاتية ويدور الصراع على قيادة السفينة وتغيب أيضاً البوصلة السليمة التي لا تتوفر إلاّ بوجود قيادة سليمة لمصر نفسها، وهذا ما كان مفقوداً منذ توقيع المعاهدات مع إسرائيل.
أيضاً، خلال حقبة الأربعين سنة الماضية، تفاعلت قضايا عديدة في المنطقة العربية وفي العالم ، كانت بمعظمها تحمل نتائج سلبية على الهويّة العربية المشتركة، فتنقلها من كبوةٍ إلى كبوة، وقد امتزجت هذه السلبيّات مع انجذابٍ أو اندفاعٍ في الشارع العربي إلى ظاهرة “التيَّارات الدينية والطائفية” التي دعمتها عوامل كثيرة، داخلية وخارجية، والتي ساهمت بأن يبتعد المواطن العربي عن “هويّته العربية” وأن يلتجئ إلى أطرٍ سياسيةٍ وفكرية تحمل مشاريع ذات سمات دينية / طائفية أو مذهبية ، اعتقاداً أنها هي الاساس الصالح لمستقبلٍ أفضل.
لكن المشكلة أنّ هذه “البدائل” كانت وما تزال مصدر شرذمة وانقسام على المستويين الوطني والديني، خاصّةً أنّ معظم البلاد العربية قائمة على تعدّدية طائفية أو مذهبية أو إثنية، كما هو الحال في بلاد المشرق والمغرب معاً، أو تحديداً كالتي هي الآن محور الصراعات المتفجّرة في المنطقة كالعراق وسوريا ولبنان، حيث التحدّي الكبير مع مشاريع التمزيق والتقسيم والتدويل، وحيث المواجهة هي مع بعض هذه الحركات الدينية العنفية التي شوَّهت في ممارساتها الدين نفسه.
لذلك هناك حاجةٌ وضرورة عربية الآن لإطلاق ” تيّار عروبي” فاعل يقوم على مفاهيم فكرية واضحة، لا تجد تناقضاً بين الدولة المدنية وبين دور الدين عموماً في الحياة العربية، ولا تجد تناقضاً بين العروبة وبين تعدّدية الأوطان بل تعمل لتكاملها، وبأن تقوم هذه المفاهيم الفكرية على الديمقراطية في أساليب الحكم والمعارضة معاً.
” تيّار عروبي” منسق بين الطاقات والقوى الفاعلة وسطه، تيار يرفض استخدام العنف لإحداث التغيير في الحكومات والمجتمعات أو لتحقيق دعوته أو في علاقاته مع الآخرين، ويميِّز بين الحقّ المشروع لأبناء الأوطان المحتلَّة بالمقاومة ضدّ قوات الاحتلال، وبين باطل استخدام أسلوب العنف ضدّ غير المحتلين وخارج الأراضي المحتلة. “تيار عروبي” يدعو للبناء السليم للمؤسسات العربية المشتركة، وللمنظمات المدنية المبنية على أسلوب العمل الجماعي الخادم لهدف وجودها. “تيّار عروبي” تكون أولويته الآن هي حماية الوحدة الوطنية في كلّ بلدٍ عربي ويرفض كل الأفكار والممارسات الطائفية والمذهبية وأي انغماس في وحل الصراعات الأهلية.
لقد كان عقد الخمسينات من القرن الماضي بداية لأطلاق حركةٍ قومية عربية وسطية “لا شرقية ولا غربية”، ترفض الانتماء إلى أحد قطبيْ الصراع في العالم آنذاك، وترفض الواقع الإقليمي المجزّئ للعرب، كما ترفض الطروحات القومية الأوروبية العنصرية والفاشية، وتنطلق من أرض مصر التي هي موقع جغرافيّ وسط يربط إفريقيا العربية بآسيا العربية، وتعيش على ترابها أكبر كثافة سكّانية عربية تملك، قياساً بسائر الأقطار العربية الأخرى، كفاءاتٍ وقدراتٍ بشرية ضخمة.
ثمّ كانت حرب السويس عام 1956 وبعدها إعلان الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، وقبل ذلك إعلان تأسيس حركة عدم الانحياز، كلّها مصادر إشعال لتيّارٍ جديد قاده جمال عبد الناصر من خلال موقع مصر وثقلها القيادي، وحقّق للمرّة الأولى صحوةً عربية تؤكّد الانتماء إلى أمَّةٍ عربيةٍ واحدة، وتدعو إلى التحرّر الوطني من كافّة أشكال الهيمنة الأجنبية، وإلى نهضةٍ عربيةٍ شاملة في الأطر كلّها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لكن هذه الصحوة العربية كانت “حالةً شعبية” أكثر منها “حالة فكرية” أو “تنظيمية”. أيضاً، لم تكن هذه الصحوة العربية قائمةً على حسمٍ ووضوحٍ مبدئيّ للأسس الفكرية المطلوبة لخصوصية الأمة العربية. وكم كان محزناً رؤية العديد من القوى والحركات القومية وهي تتصارع حول أيّة “اشتراكية” وأيّة “قومية” وأيّة “حرّية” تتبنّى كمفاهيم فكرية، أو تنتمي إليها كحركات سياسية، وكذا صراع هذه القوى والحركات حول موقفها من الدين عموماً ومن الإسلام خصوصاً.. والكلّ معاً كان في “تيّارٍ قوميٍّ واحد”!!
ولأنّ القيادة الناصرية لمصر جاءت للحكم بواسطة انقلابٍ عسكريّ دعمه فيما بعد الشعب وحوَّله إلى ثورةٍ شعبية، فإنَّ “التيار القومي” ارتبط في ذهن البعض بأسلوب “الانقلاب العسكري” وبالمراهنة فقط على المؤسسات العسكرية لتصحيح أوضاع داخلية تحتاج أولاً لمعالجات سياسية وفكرية وإجتماعية أكثر منها أزمات أمنية.
ولأنّ سمة المرحلة كانت “معارك التحرّر الوطني من الاحتلال والاستعمار”، فإن هذه المعارك لم تسمح كثيراً ب”الحديث عن الديمقراطية”، لذلك كان من الطبيعي في البلدان العربية (كحال معظم بلدان العالم الثالث) التي أرادت التحرّر من “الغرب الرأسمالي المستعمر” أن لا تقبل الجمع بين التحرّر الوطني من الغرب وبين تبنّي صيغه الدستورية والاقتصادية والثقافية في أنظمتها.
تلك مرحلة قد انتهت في البلاد العربية وفي العالم كلّه، لها ما لها وعليها ما عليها، لكن ما زالت سلبيات تلك المرحلة “حالة قائمة” في المجتمعات والمفاهيم العربية، ولم تدرك جماعاتٌ كثيرة بعد أنَّ “القومية العربية” أو “العروبة” هي هويّة ثقافية وليست مضموناً فكرياً وسياسياً قائماً بذاته، وبأن بديل ما نرفضه الآن من انقسامات وطنية وطائفية ومذهبية هو التمسك بالهوية العربية التي تستوعب أيضاً تحت مظلتها كل الخصوصيات الإثنية الأخرى. فالهوية العربية مثلها كمثل “الهوية الأميركية” التي استوعبت مئات الملايين من أصول عرقية وإثنية ودينية مختلفة ونجحت في جعل كل الأميركيين يعتزون ويفخرون بهويتهم المشتركة. ولم يتحقق ذلك للأميركيين إلاّ بعد قيام اتحاد بين ولاياتهم الخمسين على أساس دستوري سليم ، رغم خوضهم لحرب أهلية دامية.
ألا يحق للعرب ، وهم يعيشون الآن كابوس حاضرهم ، أن يعملوا من أجل مستقبل عربي أفضل يكون عماده بناء “الولايات العربية المتحدة” القائمة على أوضاع دستورية مدنية سليمة ؟! ألم يقل تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني ، فوراً عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية التي دمرت فيها دول أوروبا بعضها البعض، بأنه يرى بعد نصف قرنٍ من الزمن أوروبا موحدةً ؟!.
استعادة الدور الإيجابي الطليعي لمصر في قضايا الأمة العربية، وتصحيح المفاهيم والممارسات الخاطئة باسم الدين والعروبة، والتمسك بالهوية العربية، هي ركائز لأي عمل عربي جاد يستهدف بناء مستقبل أفضل .

الأربعاء، 21 نوفمبر 2018

الانتماء القومي ليس رداءً نخلعه حين نشاء ..! / د.صبحي غندور .



الانتماء القومي ليس رداءً نخلعه حين نشاء ..!
د.صبحي غندور .

في السياق العام لتاريخ المنطقة العربية نجد أنّ "الخارج الأجنبي" يتعامل معها كوحدة متكاملة ومتجانسة ، في الوقت نفسه الذي يدفع فيه هذا "الخارج" أبناء الداخل العربي إلى التمزّق والتشرذم .
لكنّ سلبيّات الواقع العربي الراهن لا تتوقّف فقط على سوء الأوضاع العربية وعلى المخاطر الناجمة عن المطامع الأجنبية ، بل تنسحب أيضاً على كيفيّة رؤية أصحاب الأرض العربية لأنفسهم ولهويّتهم ولأوضاعهم السياسية والاجتماعية.
ففي هذا الزمن الرديء الذي تمرّ به المنطقة العربية ، تزداد مشاعر اليأس بين العديد من العرب وتصل ببعضهم إلى حدّ البراءة من إعلان انتمائهم العربي، وتحميل هُويتهم العربية مسؤولية تردّي أوضاعهم .
وهولاء مخطئون لأنهم لا يميّزون بين هُوية الانتماء وبين ظروف الواقع ، بين العروبة والحكومات ، بين الفكرة والممارسات . فهي مشكلة تعاملهم مع الانتماء القومي بمقدار ما ينظرون إليه آنيّاً وليس بمقدار ما هو قائم من عناصر توحّد في أمّتهم العربية.
إنّ الانتماء الوطني والقومي ، ليس ثياباً نلبسها ونخلعها حين نشاء ، بل هو جلد جسمنا الذي لا نستطيع تغييره مهما استخدمنا من بدائل مصطنعة. وسواء رضينا بذلك أم لم نرضَه، فتلك طبيعة قانون التطوّر الاجتماعي الإنساني الذي ينتقل بالناس من مراحل الأسر والعشائر والقبائل إلى مرحلة الأوطان والشعوب والأمم .
هذا من حيث المبدأ .. أمّا من حيث التفاصيل، فإنّ الحالة العربية السوداويّة الراهنة هي مسؤولية الخجولين بانتمائهم قبل غيرهم ، لأنّهم عرفوا أنّ هناك مشكلة في أوطانهم فرضت عليهم "الخجل" بالهويّة ، إلا أنّهم عوضاً عن حلّ المشكلة أو المساهمة بحلّها قدر الإمكان ، اختاروا التهرّب من الانتماء المشترك، فهم سلبيون أمام مشكلة تعنيهم ، فهربوا منها، إمّا إلى الأمام لانتماءات أممية (بأسماء تقدّمية أو دينية)، أو للخلف بالعودة إلى القبلية والطائفية والعشائرية ..
إنّ العروبة والانتماء لها فخرٌ لنا، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. فيكفينا فخراً أنّ أرضنا العربية كانت أرض كلّ الرسالات السماوية ، وأنّ الله عزَّ وجلَّ كرّمها بأنّ بعث رسله كلّهم منها وعليها، وكانت هذه الأرض الطيّبة منطقة ومنطلق الهداية الإلهيّة للناس أجمعين وفي كلّ مكان .
يكفينا فخراً أنّ القرآن الكريم هو خاتمة الرسالات السماوية ، أنزله الله تعالى عربيّاً على نبيٍّ عربيّ في أرضٍ عربيّة .
يكفينا فخراً أنّ ما تعيش عليه الحضارات الحديثة من علوم وفلسفة وطب وثقافة وهندسة ما كان ليحدث لولا المساهمات التي قام بها العرب في مراحل ازدهار الحضارة العربية وانتقالها إلى الغرب في قرونٍ سالفة .
يكفينا فخراً أنّ الأرض العربية هي أرض خيرات طبيعية وصلة وصل بين قارّات العالم وشعوبه
إلا أنّ هذا المجد والاعتزاز والافتخار بالتاريخ الحضاري وبالموقع الجغرافي ، لا قيمة له ما لم نجعله بالعمل المستمرّ وبالمسؤولية الواعية ، حاضراً نعيشه، وجسراً يصل بنا إلى مستقبل أفضل .
فإذا ما كانت المشكلة على الصعيد التحرّري أنّنا نزداد احتلالاً، فإنّ هذه المشكلة تعرّضت لها دول في العالم نعتبرها مثالاً الآن ، وهذه الأمم لم تنتهِ بمجرّد حدوث احتلال لأراضيها.
ففرنسا جرى احتلالها من قبل ألمانيا النازيّة ، وكذلك تعرّضت معظم دول أوروبا للاحتلال النازي، وكان هذا الاحتلال مشابهاً للحالة العربية الراهنة من حيث عدد وضخامة الدول الأوروبية التي تعرّضت للاحتلال من دولة نازية واحدة .
كذلك، فإنّه رغم الصراعات الدموية التاريخية بين شعوب أوروبا، نجدها الآن تقيم ما بينها أواصر الاتّحاد والتكامل من خلال صيغة بُنيت على وضع دستوري سليم في بلدان هذا الاتّحاد . فلماذا لا يأخذ العرب بالنموذج الأوروبي من حيث القدرة على تحويل سلبيات الصراعات التاريخية إلى حالة البناء الداخلي السليم والعلاقات التكاملية بين الأوطان والثقافات والمصالح المتعدّدة ؟!
إنّ الشعوب تنتقل خلال مراحل تطوّرها من الأسرة إلى العشيرة ثمّ إلى القبيلة ثمّ إلى الوطن أو  الأمّة الواحدة، فلِمَ نريد أن نعيد دورة الزمن إلى الوراء ؟ بل ماذا فعلنا حتى تبقى أوطاننا واحدة تتطوّر وتتقدّم وتتكامل بدلاً من دفعها للعودة إلى حروب القبائل والطوائف ؟!
ولأنّ الشعوب هي مجموعة أفراد ، ولأنّ الوطن هو مجموعة مواطنين ، فإنّ المستقبل العربي يتوقّف على مجهود كلّ فردٍ فيه ، ويتحمّل كلّ مواطن عربي في كلّ مكان مسؤولية وأمانة رسم آفاق هذا المستقبل، وتصحيح خلل المعادلة ما بين المقوّمات الإيجابية التاريخية والجغرافية للأمّة العربية وبين الواقع السلبي الراهن لمعظم أوطان الأمّة .
هناك حاجةٌ الآن لإعادة الاعتبار من جديد لمفهوم العروبة على المستوى العربي الشامل، فهذا حجر الزاوية في بناء المستقبل العربي الأفضل . لكن المدخل الصحيح لأي نهضة عربية هو في تحقيق أوضاع دستورية سليمة في البلاد العربية . عِلماً بأنّ المشكلة الآن ليست فقط في غياب الحياة الديمقراطية السليمة ، بل أيضاً في ضعف الهُويّة العربية المشتركة وطغيان التسميات الطائفية والمذهبية والإثنية على المجتمعات العربية . وفي هذا الأمر تكمن مخاطر الانفجار الداخلي في كلّ بلد عربي، وبذا تصبح العروبة لا مجرّد حلٍّ فقط لأزمة العلاقات بين البلدان العربية ، بل أيضاً سياجاً ثقافياً واجتماعياً لحماية الوحدات الوطنية في كلّ بلد عربي .
وحينما تضعف الهُويّة العربية فإنّ بدائلها ليست هُويّات وطنية موحّدة للشعوب ، بل انقسامات حادّة تفرّخ حروباً أهلية من شأنها أن تأكل الأخضر واليابس معاً.
إنّ العودة العربية للعروبة هي حاجةٌ قصوى الآن لحماية المجتمعات في الداخل، ولتحصينها من هيمنة الخارج ، ولبناء أسس سليمة لتعاونٍ عربيٍّ مشترك وفعّال في المستقبل .
إنّ العروبة المنشودة ليست دعوةً لتكرار التجارب السياسية والحزبية التي جرت بأسماء قومية في مراحل مختلفة من القرن العشرين ، بل هي عودةٌ إلى أصالة هذه الأمَّة ودورها الحضاري والثقافي الرافض للتعصّب وللعنصرية. ومن دون عروبةٍ جامعة لن تكون هناك أوطان عربية واحدة !!.
إنّ "الكلّ العربي" هو مكوَّن أصلاً من "أجزاء" مترابطة ومتكاملة . فالعروبة لا تلغي ، ولا تتناقض ، مع الانتماءات العائلية أو القبلية أو الوطنية أو الأصول الإثنية ، بل هي تحدّدها في إطار علاقة الجزء مع الكل .
إنّ القومية هي تعبير يرتبط بمسألة الهويّة لجماعات وأوطان وأمم ، وهي تحمل سمات ومضامين ثقافية تميّز جماعة أو أمّة عن أخرى، لكنّها (أي القومية) لا تعني نهجاً سياسياً أو نظاماً للحكم أو مضموناً عَقَديّاً / أيديولوجياً. لذلك من الخطأ مثلاً الحديث عن "فكر قومي" مقابل "فكر ديني"، بل يمكن القول "فكر علماني" مقابل "فكر ديني"، تماماً كالمقابلة بين "فكر محافظ" و"فكر ليبرالي"، و"فكر اشتراكي" مقابل "فكر رأسمالي".. وكلّها عناوين لمسائل ترتبط بنمط فكري وسياسي تصلح الدعوة إليه في أيِّ بلدٍ أو أمّة ، في حين يجب أن يختصّ تعبير "الفكر القومي" فقط بمسألة الهويّة كإطار أو كوعاء ثقافي. ولذلك أيضاً، يكون تعبير "العروبة" هو الأدقّ والأشمل حينما يتمّ الحديث عن القومية العربية حتّى لا تختلط مسألة الهويّة الثقافية المشتركة بين العرب مع قضايا المناهج والأيديولوجيات المتنوّعة داخل الفكر العربي ووسط المفكّرين العرب .
إنّ الشخص العربي هو الإنسان المنتمي للثقافة العربية أو لأصول ثقافية عربية . فالهويّة العربية لا ترتبط بعرق أو دين، ولا بموقف سياسي أو منظور أيديولوجي . والعروبة هي تعبير عن الانتماء إلى أمّة لها خصائص تختلف عن القوميات والأمم الأخرى حتّى في دائرة العالم الإسلامي . فالانتماء إلى العروبة يعني الانتماء إلى أمّة واحدة قد تعبّر مستقبلاً عن نفسها بشكل من أشكال التكامل أو الاتّحاد بين بلدانها .
إنّ "الهويّة الثقافية العربية"، كلغة وثقافة ، سبقت وجود الدعوة الإسلامية قبل 15 قرناً من الزمن، لكنّها كانت محصورة بالقبائل العربية في شبه الجزيرة العربية ، وبالأصول العرقية للقبائل، وبمواقع جغرافية محدّدة .. بينما العروبة ـ كهوية انتماء حضاري ثقافي - بدأت مع ظهور الإسلام ومع ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم وبنشر الدعوة بواسطة روّاد عرب. فهكذا أصبحت "العروبة الحضارية" هي الثقافة العربية ذات المضمون الحضاري الذي أخرج الثقافة العربية من الدائرتين : العرقية والجغرافية إلى الأفق الحضاري الواسع الذي اشترك في صيانته ونشره مسيحيون عرب ومسلمون من غير العرب، وبالتالي خرجت الهويّة الثقافية العربية من دائرة العنصر القبلي أو الإثني، ومن محدودية البقعة الجغرافية (شبه الجزيرة العربية) إلى دائرة تتّسع في تعريفها ل"العربي"، لتشمل كل من يندمج في الثقافة العربية بغضّ النظر عن أصوله العرقية . ودخل في هذا التعريف معظم من هم عرب الآن ولم يأتوا من أصول عربية من حيث الدم أو العرق. ويؤكّد هذا الأمر تاريخ العرب القديم والحديث من حيث اعتبار الأقليات الدينية في المنطقة العربية نفسها كجزء من الحضارة الإسلامية ، ومن حيث تفاعل الأقليات الإثنية (الإسلامية والمسيحية) مع الثقافة العربية باعتبارها ثقافة حاضنة لتعدّدية الأديان والأعراق .
فعسى أن نشهد قريباً ولادة حراك عربي جادّ يحرص على الهويّة الثقافيّة العربيّة ومضمونها الحضاري، وينطلق من أرضيّة عربيّة ووطنيّة مشتركة تعتمد مفهوم المواطنة لا الانتماء الطّائفي أو المذهبي أو الأصول الإثنية ، وتستهدف الوصول - بأساليب ديمقراطيّة لا عنفيّة - إلى " اتّحاد عربي ديمقراطي" حرّ من التدخّل الأجنبي، وتتساوى فيه حقوق الأوطان وواجباتها كما تتساوى في كلٍّ منها حقوق كل المواطنين .

20  نوفمبر 2018 .


الخميس، 25 أكتوبر 2018

تونس .. مبادرة حكومية لوأد الحياة السياسية .



تونس .. مبادرة حكومية لوأد الحياة السياسية .

سالم لبيض .

العربي الجديد 15 أكتوبر 2018

تقدّمت رئاسة الحكومة التونسية ، يوم 26 سبتمبر/ أيلول 2018، بمبادرة تشريعية إلى مجلس نواب الشعب، طالبة استعجال النظر فيها لتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء. فحوى المبادرة إضافة فقرة جديدة للفصل 110 من القانون، جاء فيها "لا تحتسب الأوراق البيضاء والأصوات الراجعة للقائمات التي تحصلت على أقل من 5 في المائة من الأصوات المصرح بها على مستوى الدائرة في احتساب الحاصل الانتخابي"، وفقرة رابعة للفصل نفسه ورد فيها "لا تدخل في توزيع المقاعد القائمات المترشحة التي تحصلت على أقل من 5 في المائة من الأصوات المصرّح بها على مستوى الدائرة". واشترط الفصل الثالث الحصول على 5 في المائة لاسترجاع المصاريف الانتخابية، وبالتالي عدم التزام الدولة بأي دعم مالي للقائمات التي لا تتخطى تلك العتبة. التنقيح الذي تقدمت به الحكومة ووافق عليه مجلس وزاري مضيق انعقد يوم 6 أغسطس/ آب المنصرم برئاسة رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، جاء مسقطا ، ولم يخضع لاستشارة الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات الوطنية والنخب الأكاديمية المشتغلة في حقول سوسيولوجيا السياسة والقانون الدستوري والعلوم السياسية ، ولم يكن موضوع ندوات علمية أو أيام دراسية أو منتديات فكرية . يبدو أن الغاية من ظاهر النص تقليص وجود الأحزاب السياسية ، لاسيما الصغرى منها في البرلمان الذي سينبثق من انتخابات 2019 التشريعية المزمع إجراؤها في شهر أكتوبر/ تشرين الثاني من السنة المقبلة ، وفسح المجال البرلماني ،  وبالتالي الحكومي ، أمام حزب كبير أغلبي يمارس الحكم، وحزب ثان يمارس المعارضة ، في مشهد شبيه بعالم السياسة الأنكلو - أميركي، ومن ثمة تفادي مأزق الحكم الذي عاشته تونس في ظل نتائج انتخابات 2014 التي فاز فيها حزب نداء تونس وحركة النهضة ، وما صاحب ذلك من انهيار وتدهور في نواميس السياسة وقواعدها المنظمة. لكن باطن النص ومسكوته وما يقتضيه من هرمونيطيقا يحيل على النوايا الحقيقية لأصحاب المشروع، وحزامهم السياسي الذي يقدّم لهم النصح والمشورة التي تهدف إلى صد الأبواب أمام الأحزاب والتنظيمات السياسية، وخصوصا المصنفة راديكالية وثورية ، كي لا تطأ قبة باردو مرة أخرى، بعد أن تسرّبت إلى البرلمان التونسي في انتخابات 2014، وإلى المجلس التأسيسي في انتخابات 2011، ومارست إزعاجها السياسي وراديكاليتها وثوريتها ووطنيتها التي لم تعد تقبل بها الأرستقراطيات السياسية التقليدية الداخلية والخارجية التي باتت تتحكّم في المشهد السياسي التونسي اليوم . 
تحتج الحكومة ورئيسها ومشرّعوها وساستها وقانونيوها ورجال دعايتها من إعلاميين واتصاليين بأن تونس تعيش طفرة حزبية ، وجب تقليصها وتهذيبها ، مرتكزين على سجل الأحزاب في رئاسة الحكومة المدوّن فيه أسماء أكثر من 210 أحزاب ، والحال أن أغلب تلك الأحزاب ليس لها وجود حقيقي ، ولم تمارس أي نشاط سياسي في الفضاء العام، ولا تمتلك مقرّاتٍ ، ولم تعقد مؤتمرات، ولم تقدم كشوفات مالية، ولا تحظى بأدنى اهتمام من الرأي العام، أما الأحزاب الحقيقية التي لها وجود برلماني أو مستشارون بلديون أفرزتهم الانتخابات المحلية لسنة 2018، فهي في حدود عشرة أحزاب أو يزيد بقليل ، إذا اعتبرنا أن الجبهة الشعبية أقرب إلى الحزب الواحد منه إلى التعدّد الحزبي، ومن هذه الأحزاب العشرة تنظيمات لها حضور إعلامي مستمر، لا يعكس حقيقتها الشعبية التي تقتضي امتدادا في وسط الناس، وفي حياتهم اليومية، وفي المشاركة في الشأن العام . 
تستبطن المبادرة الحكومية فتح الطريق على مصراعيه أمام حزبٍ جديد على الطريقة الماكرونية (نسبة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون)، هو بصدد التأسيس والتشكل على أنقاض حزب نداء تونس الذي أسسه الباجي قائد السبسي سنة 2012، من رئيس الحكومة يوسف الشاهد ، خصوصا بعد ان أصبحت للرجل كتلة برلمانية تعد أكثر من خمسين نائبا، وهي الكتلة الثانية في البرلمان التونسي، بعد كتلة حركة النهضة. هذا الحزب أو التيار الجديد الذي يبشر به المقربون من رئيس الحكومة التونسية ، حتى قبل ولادته ، ويلمحون إلى قرب تلك الولادة، بديلا عن حزب نداء تونس الذي تلاشى، وتفتت قبائل وعشائر حزبية متعدّدة ومختلفة، بعد فوزه الساحق في الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2014، أُعدّت له مكنة إعلامية ضخمة ، بدأت تضاريسها في المشهد الإعلامي التونسي بادية للعيان. وقد يقف وراءه كبار رجال الأعمال ، وأصحاب الشركات الكبرى، وسفارات الدول النافذة ، وكل مقاولي السياسة وأباطرتها. إلا أن هذه المحاولات التأسيسية الجديدة ، ومنها مبادرة رئيس الحكومة التشريعية، لا يمكن أن تلغي الإرث الحزبي والتنظيمي والسياسي والنضالي والتاريخي الثري والمتنوع الذي عرفته تونس قرنا أو يزيد، ما أفرز أربع عائلات سياسية كبرى، ممثلة في التيار الليبرالي ، بمكوّناته الدستورية (التجمع الدستوري) والندائية (نداء تونس)، والتيار اليساري الذي تكاد تحتكره الجبهة الشعبية ، والاتجاه الإسلامي الذي تقوده حركة النهضة، والتوجه القومي العربي الذي تتولى قيادته حركة الشعب ، هذا بالإضافة إلى تنظيمات وأحزاب وتكتلات عديدة أخرى تنتمي إلى هذا التيار أو ذاك. وستجد الفلسفة الانتخابية لرئيس الحكومة صدّا ورفضا لهذا التوجه الانتخابي الإقصائي والبراغماتي في الوقت نفسه ، فهدفه إقصاء قوى حزبية وسياسية عن المشهد العام ، وفتح الأبواب أمام أخرى، وفق خريطة التوازنات الحزبية الحالية. وستحكم هذه القاعدة مسألة التمويل الانتخابي، ما سيزيد في القدرات المالية للأحزاب الكبرى ، الثرية بطبيعتها وبتمويلاتها المتأتية من أطراف خارجية، ومن ابتزاز أصحاب المال والأعمال في الداخل ، أو تقديم الخدمات والامتيازات والرخص في مقابل سخائهم المالي، واستعدادهم للدفع . وفي الآن نفسه، ستدفع الأحزاب الصغيرة التي توجد خارج السلطة إلى مزيد من الفقر والعجز والضمور والاندثار، خصوصا أن الدولة لا تمول الأحزاب منذ سنة 2011، الأمر الذي قد يحوّل الحياة الحزبية إلى سوق مفتوحة يحكمها البيع والشراء بالمزاد العلني، وتوازنات القوة الإعلامية والمالية. 
يعتقد رئيس الحكومة، بمبادرته التشريعية ، أنه يمهد الطريق لحزبه الماكروني الكبير الذي سيكتسح البرلمان وقصر قرطاج سنة 2019، لكنه يعد الأرضية لفوز كاسح جديد لحركة النهضة ، وفق المعطيات السوسيو- سياسية التي تحكم الواقع السياسي التونسي، ووفق ما أفرزته نتائج انتخابات 2018 المحلية، فهي الحركة الأكثر تنظما وتمويلا وتأثيرا في منصّات التواصل الاجتماعي، وفي الحياة الدينية للمجتمع، وهي الحركة التي تمتلك الكتلة الغالبة في البرلمان ، ما سيضعها أمام اختبار آخر، إذا ما قبلت بمبادرة الحكومة التي ستقصي أحزابا وتنظيمات سياسية كثيرة قادمة من رحم النضال التاريخي ومقاومة الاستبداد، وسيضعها من جديد في مواجهة كل القوى السياسية التي باتت ترفض التحالف معها، بعد تجربتي الترويكا وحكومة الوحدة الوطنية . إن تنقيح القانون الانتخابي وتمرير العتبة هو تأسيس لاستبداد جديد، بدأت أعراضه تتجلى في محاكمة المدونين، وتكميم أفواه الإعلاميين، وتشويه المناضلين السياسيين ، فهل يكون ذلك على أيدي النهضويين ، أصحاب الأغلبية البرلمانية، بعد أن استثمروا في مقاومة الاستبداد وجنوا الثمار السياسية، وآن الأوان ليحكموا وحدهم ، استنادا إلى هذه المبادرة التشريعية الحكومية التي ستستحيل بعد أيام معدودة قانونا ملزما ؟


الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

المقاومة من وجهة نظر قومية .


المقاومة من وجهة نظر قومية .  

د.عصمت سيف الدولة . 

 
كان الحديث عن " المقاومة من وجهة نظر قومية " موجها الى جمع من الشباب العربي التقوا على موعد محدود في نادي " الوافدين " بالقاهرة مساء يوم 2 نوفمبر 1969 . وبدأ الحوار بعد الحديث حتى انقضت حدود الموعد . ثم لم تنقطع ساعات طويلة على مدى ايام عدة ، وشارك فيه شباب جاد في البحث عن اجابات لأسئلة محددة . وآخرون يثيرون الاسئلة لاختبار اجاباتهم المعدة . وغير هؤلاء وهؤلاء في مواقع عدة بصيغ متعددة . ولقد اثارت الاسئلة التي طرحت تساؤلات لم يطرحها أحد . وثبت من كل هذا أن " المقاومة " أكبر أثرا ، وأعمق محتوى ، من أن يكفي حديث قصير للاجابة عن كل ما تفجره من قضايا في اذهان الشباب العربي . فقد ذهبت الاسئلة والتساؤلات التي تثيرها " المقاومة " الى حد تناول كل القضايا الفكرية والحركية التي تتصل بالوجود القومي ومستقبل الحياة فيه ، أو أغلبها ، ولما ينقطع الحوار بعد . عندئذ أصبح من حق المقاتلين في المقاومة ، وقياداتهم ، والشباب العربي في كل مكان ، أن يشاركوا في الحوار الذي بدأ حديثا ، وعدم التشهير بأي من القوى والمنظمات التي تقف في مواجهة العدو المشترك . وصياغتها مرتبة على وجه يتفق مع تسلسل نقاط الحديث ذاته . دعوة الى مزيد من الحوار البناء حول اسلوب الوفاء بمسؤولياتنا القومية . 
عصمت سيف الدولة .  


*** 


1) الحديث :
مدخل :
ان الحديث عن " المقاومة " حديث شائك لأسباب عدة . اولها اننا اذ نتحدث عن " المقاومة " لسنا على الحياد من معركتها البطولية ضد الغزو الصهيويني ، بل نحن مع " المقاومة " . ان هذا يعني اننا ملتزمون بحدود المعركة فلا نقول اذ نقول الا ما يدعم مقدرة " المقاومة " على النصر . والحديث عن المقاومة ، حتى فيما يدعم مقدرتها ، ليس سهلا في كل وقت . ذلك لأن ثبات " المقاومة " في المعركة وتصاعد مقدرتها بعد هذا ، والبطولات الرائعة التي يقوم بها مقاتلو " المقاومة " قد أضفى على " المقاومة " هالة من القدسية لا تقبل من الحديث الا ما يشبه الصلاة والتمجيد . ومع هذا فقد تعلمنا من تاريخنا القريب ، ومن هزيمة يونيو 1967 ذاتها ان الصمت ، حتى لا نمس مشاعر بعض الجماهير فيما تأمل فيه وتقدسه ، قد أسهم في الهزيمة . فتراكمت السلبيات خفية حتى انهارت القوى التي ما كان يظن أحد انها قابلة للانهيار . لهذا قد اخترنا الحديث الشائك عن " المقاومة " . السبب الثاني ، اننا اذ نتحدث عن " المقاومة " نتحدث عن أبطال بواجهون الموت كل يوم ، أو يموتون . ونحن نتحدث عنهم من مقاعدنا المريحة في القاهرة على وجه يبدو كما لو كنا ننتمي الى عالمين مختلفين منعزلين . هناك من يرون ـ ويرددون ـ أن وراء هذه العزلة تاريخا من صنع المثقفين العرب انفسهم ، اذ انهم أهدروا سنين طويلة في أحاديث لم تنقطع الا عندما اكتشفوا انهم بينما كانوا مشغولين بتنميق الكلمات ورصها جملا وسطورا والقائها جدلا صاخبا ، كان العدو يعد في صمت قوته المقاتلة التي أوقعت بدولهم الهزيمة فكشفت عن عقم الحوار الذي أضاعوا فيه أعمارهم وأن فلسفة " السلاح " هي الصحيحة ، أما سلاح " الفلسفة " فهو عبث لا يطاق . ولا شك أن وراء هذا الاتهام قدرا  محدودا من الحقيقة وان كان غير كاف لتغطية نوايا المغامرين . ومع هذا فقد تعلمنا من تاريخنا القريب ، ومن تاريخ الثورات في العالم ، انه اذا كان الفكر المجرد من السلاح عبثا فارغا ، فان السلاح المجرد من الفكر مغامرة جاهلة . وتعلمنا من قائد ثورة أكتوبر ، لينين العظيم ، أنه " لا ثورة بدون نظرية " . من أجل هذا اخترنا الحديث الشائك عن " المقاومة " من وجهة نظر " قومية " يقينا منا بأنا ما نزال نفتقد من الفكر المحرك أكثر مما نفتقد من السلاح الفعال . 
وحديثنا بعد ، ليس استعراضا فكريا بدون غاية . ان غايته أن يسهم في تحقيق قدر من الوحدة الفكرية بين الشباب العربي كمقدمة لازمة لوحدة ثورية يحقق بها هؤلاء الشباب النصر على أعداء المصير التقدمي الذي يتطلعون اليه . وليس أكثر تعويقا للوحدة الفكرية ، وبالتالي تكريسا للفرقة الثورية ، من عدم تحديد مضامين الالفاظ التي نستعملها في الحوار ، عندما نتكلم لغة واحدة ، بينما يعني بها كل واحد منا معنى مختلفا ، فنختلف . لهذا ستكون بداية حديثنا تحديدا لما نعنيه " بالمقاومة " ثم ما نعنيه بالنظرة الى " المقاومة " ، لعل هذا التحديد أن يساعد على ألا يفهم أحد ما يقال على أساس من أفكاره الخاصة . فاذا انتهينا من هذا التحديد الذي يستغرق أكثر حديثنا سيكون سهلا علينا أن ندرك بدون حاجة الى حديث طويل ـ النظرة القومية " للمقاومة " . 
مع التسليم مقدما بان كل هذا اجتهاد قد تختلف فيه الآراء . 
ماذا تعني " المقاومة " ؟ 
عندما نتحدث عن " المقاومة " نعني أسلوب القتال المسلح الجماهيري لتحرير الأرض العربية من الغزو الصهيوني . فالمقاومة تعنينا ـ في نطاق هذا الحديث ـ من حيث هي " أسلوب " للنضال ، اسلوب قتال " مسلح " متميز عن النضال الديبلوماسي أو الدعائي أو الفكري . وهي " أسلوب " قتال مسلح " جماهيري " متميز عن الأسلوب الدولي واسلوب الحرب النظامية ، ان هذا لا يعني أن المقاومة مجرد عصابات مسلحة مقطوعة الصلة بالصراع الديبلوماسي ، أو الدعائي ، أو الفكري ، وبالدول وسياساتها وجيوشها ، أبدا ، انما يعني أن المقاومة اذ تلجأ الى واحد أو أكثر من تلك الاساليب ، انما تفعل هذا كدعم ومساندة لأسلوبها المتميز : القتال الجماهيري المسلح .
ونحن نعلم أن " المقاومة " ضد الغزو الصهيوني ليست مجرد مقاومة دفاعية بل تتضمن نوايا هجومية تذهب الى حد تحرير فلسطين ، ومع ذلك نسميها " مقاومة " . ونعلم أن المقاومة مجسدة في عديد المنظمات المتميزة من حيث منطلقاتها الفكرية ، أو تركيبها البشري ، أو غاياتها الاستراتيجية ، أو مقدرتها القتالية ، أو حتى بقادتها دون أي مميز موضوعي آخر . وكلها عندنا ـ في نطاق هذا الحديث ـ مقاومة . كما نعلم أن تلك المنظمات " الجماهيرية " المتعددة ليست على قدر موحد من الاستقلال أو التبعية بالنسبة الى بعض الدول العربية . ومع ذلك نعنيها جميعا عندما نتحدث عن المقاومة . ذلك لأن ما يهمنا من " المقاومة " في هذا الحديث هو تلك السمة المشتركة بين كل المنظمات وهي : أسلوب القتال الجماهيري المسلح . 
ماذا تعني " القومية " ؟
ان كان هذا واضحا وبسيطا فلعله مما يثير الدهشة أن يكون مفهوم " القومية " أقل وضوحا وأكثر تعقيدا . يرجع هذا فيما نعتقد الى عوامل متعددة ومتفاعلة أهمها : 
أولا ـ ان مواجهة المد القومي التي بدأت في سنة 1955 قد جذبت اليها بعضا من المثقفين الذين فهموا القومية على أنها انتماء سلبي يحقق لهم نصيبا في عائد انتصاراتها بدون أن ينتبهوا الى حدها الايجابي من حيث هي التزام من أجل تحقيق مضامين حية . لهذا كثر الحديث عن القومية حديثا فارغا كتفاخر فقراء الريف بانحدارهم من عائلات عريقة ، منقرضة . وتلقف أعداء القومية تلك الأحاديث فأضافوها ـ بسوء نية ـ الى حساب الفكر القومي . 
ثانيا ـ ان الحركات القومية المعاصرة للصعود الرأسمالي في اوروبا قد أسقطت على القومية كل مثالب الراسمالية ، وأدينت القومية بما جنت أيدي الراسماليين ادانة تحتاج مراجعتها الى جهد علمي لا يقدر عليه الكثيرون أو لا يرغبون فيه . فأصبح رفض القومية ملجأ مريحا للعاجزين عن فهم حركة التاريخ وما يجري تحت أنوفهم في القرن العشرين . 
ومنها وأخطرها ـ ثالثا ـ أن الحركة القومية العربية قد صاحبت محاولات التحرر من الاستعمار التركي والاوروبي ، وبهذا سبقت التحول الاشتراكي الذي بدأ بعد التحرر . فلما طرحت قضايا التحول الاشتراكي حاولت الرجعية العربية أن تغلف موقفها الرجعي بما تبقى لديها من تراث النضال القومي ، فأفرغت القومية من مضمونها التقدمي وانقلبت القومية على أيديها الى مجرد رابطة عرقية متعصبة ورجعية . 
وغير هذا أسباب كثيرة .
وهكذا أصبح الحديث عن القومية مباحا لعديد من التيارات المتناقضة ، كل منها يدعيها ، وكل منها له في الأحداث " وجهة نظر قومية " . 
من أجل هذا ، لا بد من أن نصبر على طول الحديث عن " القومية " ليكون مفهومها الذي نعنيه ، ونلتزمه ، ونرى " المقاومة " على ضوئه ، محددا الى أقصى درجة من التحديد ممكنة . 
الوجود القومي : 
الذي لا شك فيه أن الوجود القومي ( الأمة ) ، كأي معطى موضوعي ، قابل للمعرفة وان كان غير متوقف وجودا وعدما على تلك المعرفة . بمعنى أننا اذا عرفناه فذلك اكتشاف لحقيقة موضوعية . واذا لم نعرفه فالحقيقة قائمة وان كنا لا نعرفها . وقد وصل الكثيرون الى اكتشاف الحقيقة القومية عن طريق البحث العلمي باستعمال مناهج مختلفة . وأصبح مسلما بأن ثمة وجودا اجتماعيا ذا خصائص متميزة يسمى " الأمة " . ولكنا اليوم نريد أن نحاول اكتشاف تلك الحقيقة من منطلق جديد : المنطلق الاشتراكي . نريد أن نبدأ كاشتراكيين لنرى معا ما اذا كان ذلك سيصل بنا الى أن نكون قوميين . 
لماذا ؟ 
ان أزمة المستقبل العربي كما نراها من الآن هي أن القوى الاشتراكية منقسمة الى قوميين ولا قوميين . لأن وحدة القوى الاشتراكية في الوطن العربي كما نطلبها في الوطن العربي ضرورة قومية . لأن المقاومة كما نعرفها لن تنتصر نهائيا الا ان أصبحت مقاومة قومية اشتراكية . ولن يغنينا عن هذا مليون فوهة بندقية .
فلنبدأ من البداية .
والبداية هي البحث عن اجابة عن ذلك السؤال الحيوي الذي لا بد أن قد طرحه كل منا على نفسه وهو : كيف أحقق لنفسي حياة أفضل ماديا ومعنويا ؟ .. منفردا ؟ .. هذا غير ممكن فلكل منا أسرة ينتمي اليها ولا يستطيع أن يحقق لنفسه حياة أفضل بمعزل عنها . فلتكن غايته اذن ، أن يحقق الحياة الأفضل لنفسه واسرته معا ؟ .. منفردين ؟ .. هذا غير ممكن ، فاسرة كل منا جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي ينتمي اليه تؤثر فيه وتتأثر به سواء أرادت هذا أم لم ترده . 
اذن ، فالحياة الأفضل ، بدون اختلاس ، لا يمكن أن تتحقق لأي منا واسرته الا في داخل مجتمع تسمح امكانياته وعلاقاته بالحياة الأفضل التي نريدها لأنفسنا . 
ومن هنا يصبح دور كل منا ، وهو يسعى الى حياة أفضل له ولأسرته ، أن يعمل ايجابيا لتطوير " المجتمع الذي ينتمي اليه " الى حيث تتحقق امكانيات وعلاقات الحياة الأفضل . هذا الدور الايجابي يتضمن أمرين أساسيين . 
الأول : أن لكل عامل ايجابيا الحق في أن يتطور المجتمع الذي ينتمي اليه ما دام هذا شرطا لازما موضوعيا لتطوير حياته الخاصة . ان هذا الحق ينصب على كل من الامكانيات والعلاقات : حق استرداد الامكانيات من مغتصبيها والمستاثرين بها ، وحق تنظيم العلاقات الاجتماعية بحيث يحصل كل واحد من عائد التقدم الاجتماعي على نصيب خاص متكافئ مع ما قدمه من عمل ايجابي ، مساهمة في ذلك التقدم . 
الأمر الثاني : التزام كل عامل أيجابيا في مواجهة المجتمع الذي ينتمي اليه بأن يسهم في تطوير المجتمع الى حيث يتحقق له ، ولغيره ، الامكانيات والعلاقات التي تسمح بحياة أفضل . هذا الالتزام ليس التزاما منفردا ، بل التزام في مواجهة المجتمع . والمجتمع جماهير حية مريدة وقادرة على استيفاء حقوقها . وهذا يعني الا يقوم الالتزام بالنضال من أجل التقدم الا خلالض علاقة جماعية منظمة تضع كل مناضل في مواجهة ، وتحت رقابة ، جماهير محددة هي جماعير " المجتمع الذي ينتمي اليه " .
الى هنا لا يثور خلاف بين الاشتراكيين . 
فحق كل عامل في امكانيات المجتمع الذي ينتمي اليه ، أو رفض الاغتصاب والاستئثار ، هو ترجمة للملكية الاجتماعية لمصادر الانتاج وأدواته . وحق كل عامل في أن يحصل من عائد التقدم الاجتماعي على نصيب متكافئ مع ما قدمه من عمل ، هو ترجمة لشعار " لكل حسب عمله " . والتزام كل عامل ايجابيا في مواجهة المجتمع الذي ينتمي اليه هو ترجمة " للديمقراطية الشعبية " . والعمل الجماعي المنظم هو الصيغة التي تجسد تلك الديمقراطية . 
عند هذا الحد كلنا اشتراكيون ، مناضلون في سبيل تقدم " المجتمع الذي ننتمي اليه " . 
ثم يرد السؤال المهم : 
ما هو ذلك " المجتمع الذي ننتمي اليه " ، ويرتبط مصيرنا بمصيره ، والذي لنا حق في كل امكانياته ، وحق في صياغة علاقاته ، وعلينا التزام أمام جماهيره بأن نطوره ونحقق فيه الحياة الاشتراكية الأفضل ؟ ..
ان طرح هذا السؤال ليس تفلسفا ولا تعسفا . بل ان الاجابة عليه شرط جوهري لنجاح أي نضال اشتراكي . اذ على ضوئه نعرف نقطة انطلاقنا ، وامكانياتنا المادية والبشرية ، وقوانا ، والقوى الحليفة لنا ، والقوى المضادة لغايتنا ، وحلفاءها وساحة معاركنا المقبلة . وعلى اساسه نضع استراتيجيتنا ، وفي واقعه ندير معاركنا التكتيكية ، ثم نقدم الحساب لجماهيره المحددة التي التزمنا أمامها بأن نحقق لها المستقبل الاشتراكي . 
هذا اذا كنا جادين فيما ندعيه من تقدمية ، وما نعلنه من استعداد للنضال من أجل حياة أفضل . 
ونحن جادون .
فما هو المجتمع الذي ننتمي اليه ؟ 
اسهل الاجابات وأقربها الى الذهن هي أن المجتمع الذي ننتمي اليه يتحدد " بالدولة " التي نحن رعاياها . فلكل " دولة " وطن وشعب ، وفيها حكومة ، ولها امكانيات ، وعلاقات ، ومقدرة على التقدم . ذلك هو الأمر الواقع . وليس من المنكر أن الأمر الواقع هو بداية الطريق النضالي أيا كانت غاية هذا الطريق . وان تجاهل الأمر الواقع أو القفز من فوقه الى غيره مثالية تبدد الطاقات ولا تغير من أمر الواقع شيئا . ولكن اذا كانت الدولة أمرا واقعا فان التخلف أمر واقع ، والاستغلال أمر واقع ، والاحتلال أمر واقع ، واسرائيل أمر واقع ، والهزيمة أمر واقع فلماذا لا نقبل كل هذه الأمور الواقعة ؟ لأن الاشتراكيين تقدميين فهم يعرفون أن كل ما يبدو أمرا واقعا هو في حركة وتغير دائمين . وأن ثمة في كل يوم جديدا تحت الشمس . وأن مهمتهم على وجه التحديد هي تغيير الأمر الواقع الى الأمر الأفضل . اذن ، فكون الدولة أمرا واقعا يحدد لنا مجتمعا معينا ليس بالضرورة أنها أفضل تحديد للمجتمع الذي ننتمي اليه . ويكون علينا أن نبحث عن الحقيقة الموضوعية لهذا المجتمع لنرى بعد هذا ما اذا كانت الدولة تتفق مع تلك الحقيقة أو لا تتفق . وعندما لا تكون الدولة متفقة مع تلك الحقيقة الموضوعية يجب أن تزول الدولة المصطنعة لتقوم بدلا منها الدولة التي تتفق مع حقيقة المجتمع الذي ننتمي اليه . 
فكيف يمكن أن نكتشف تلك الحقيقة اللازمة لتحديد مدى التزامنا النضالي من أجل الاشتراكية ؟ 
يقول القوميون أن الوجود القومي ( الأمة ) مسلمة علمية وذات خصائص يسهل معها تحديد نطاق الانتماء ، ويقدمون في التدليل على هذا عديدا من النظريات ، التي أسهم بعض الاشتراكيين في وضعها عن خصائص الأمة : وحدة اللغة ، وحدة الأرض ، وحدة المصالح ، وحدة الشعور النفسي ، وحدة الارادة ..الى آخر النظريات التي قيلت في خصائص الأمة . وينتهي القوميون من هذا الحوار الى أن الأمم هي " المجتمعات" التي ينتمي اليها الناس ، وأن لكل انسان أمة متكونة أو في طور التكوين ينتمي اليها . وان التزامه النضالي يمتد الى أن يشمل كل أمته وطنا وبشرا ، وان حقه في حياة كريمة أفضل يمتد ليشمل كل امكانيات أمته وعلاقاتها . ثم يضيف العرب القوميون : ونحن أبناء أمة عربية واحدة ، فهي مجتمعنا الذي ننتمي اليه ، وامكانياتها حقنا ، والتزامنا قائم أمام جماهيرها كافة برغم التجزئة الطارئة عليها . 
والى عهد قريب جدا كانت كل الدراسات القومية في الوطن العربي تدور حول هذه الفكرة وتقف عندها . 
ولم يكن هذا كافيا . 
لم يكن كافيا لاذابة الجمود الفكري لدى بعض الاشتراكيين . ولم يكن كافيا لاقناع بعضا آخر من الاشتراكيين بمضاعفة التزاماتهم النضالية والتصدي لسحق الدول الاقليمية وتغيير الحياة في الوطن العربي كله بدلا من المهمة السهلة نسبيا وهي تغيير الحياة في جزء منه . وقد استفز هذا الرفض كثيرا من الاشتراكيين العرب فاحتدمت المعركة بين صفوف الاشتراكيين .  وطبيعي أن الرجعية كانت المستفيدة الأولى من هذا الخلاف . والواقع ما وصل اليه الفكر القومي من بيان لخصائص الأمة لم يكن كافيا ، ولا يمكن أن يكون كافيا لاقناع أي مناضل من أجل الاشتراكية بأن يمد التزامه النضالي الى خارج دولته ، بما يتضمنه هذا من أعباء ثورية مضاعفة ، لمجرد أن يقال له أن اولائك المقهورين خارج الحدود اخوتك أبناء أمتك لأنك تتكلم لغتهم ، وتعيش معهم على رقعة جغرافية واحدة ، ولك معهم مصالح مشتركة .. الخ . ومن باب أولى لم يكن كافيا ، ولا يمكن أن يكون كافيا ، لأي اشتراكي أن يستجيب لدعوة عصبية قومية غير ذات مضمون فيهدر جهده من أجل معان مجردة غير قابلة لأن تتحول الى حياة أفضل خاصة اذا جاءت الدعوة من صفوف القوى الرجعية . ذلك لأن الغاية النهائية للنضال الاشتراكي هو أن يحقق حياة أفضل . 
ولم يكن ثمة أمل في وحدة القوى العربية التقدمية الا باكتشاف العلاقة بين القومية والتقدمية . ومع أن الثبات النسبي للرابطة القومية ، وانعكاساتها على البناء الاشتراكي في المجتمعات التي سبقت الى بناء الاشتراكية ، وصمودها كاطار للتقدم في تلك المجتمعات بالرغم من ادانتها كان يشير الى أن هناك علاقة موضوعية بين القومية والاشتراكية ، فان القومية كانت قابلة للاضعاف كرابطة والذبول كفكرة والفشل كحركة ، في عصر الصعود الاشتراكي ، ما لم يثبت أنها بذاتها رابطة تقدمية أو على الأقل أنها ليست عائقا في سبيل الاشتراكية . 
وقد قدم الاشتراكيون العرب ، تحت الحاح رغبتهم في وحدة القوى العربية التقدمية ، ووفاء منهم بمسؤولياتهم القومية أمام الجماهير العربية ، عديدا من الدراسات التي استهدفت الكشف عن علاقة القومية والاشتراكية ، من جميع الزوايا الفكرية أو التطبيقية التي تهم الاشتراكيين في حوار مفتوح مع القوى التقدمية . وكان ذلك هو الجانب الجاد من الحوار الذي استنفد سنين غالية من حياتنا على أمل لقاء كل التقدميين في وحدة ثورية . حتى فوجئنا بالعدو الصهيوني الامبريالي المشترك يعصف بأحلام الطامعين في بناء الحياة الاشتراكية الأفضل في جزء من الوطن العربي وتبينوا في اسوأ الظروف تلك الوحدة الموضوعية والتفاعل المتبادل بين كل المشكلات التي طرحها واقع الامة العربية ، وتذكروا تلك الكلمة التي قيلت لهم فصفقوا لها ثم نسوها أو تناسوها أو أخفوها " ان التقدم العربي لا يمكن أن يقوم على أساس التجزئة " . 
ونحن نفترض أن الدرس القاسي قد أثمر فنعيد الحوار بدون استغلال لمرارة الهزيمة ونعود بهم الى حيث توقفنا : العلاقة بين القومية والتقدمية . هل القومية رابطة تقدمية ؟ هل تقف عقبة في سبيل الاشتراكية ؟ 
ان الاجابة على هذه الأسئلة ستكون آخر الحوار . والرفض المتعنت لها يضع ادعياء الاشتراكية في الوطن العربي موضع اتهام جاد وصريح يتناول ولاءهم للجماهير العربية واشتراكيتهم ذاتها ، فان الوقت العصيب الذي تمر به أمتنا لم يعد يسمح بمزيد من تدليل المتمردين على أمتهم ولو رفعوا شعارات الاشتراكية . 
لماذا تكونت الأمم :  
قلنا من قبل ، ونقول الآن ، لكل الاشتراكيين الذين يتنكرون لالتزاماتهم القومية ، ويقصرون ولاءهم على جماهير أقاليمهم بحجة أن القومية غير ذات علاقة بالتقدمية ، أو بأن الحركة القومية رجعية : 
أيها الاخوة ،
ان مسألة الأمة كظاهرة اجتماعية غير منكورة ، فالأمم تملأ الارض وهي تطرح اسئلة ثلاثة :
الأول : ما هي الأمة ؟ وفي الاجابة على هذا نظريات عديدة تعرفونها ولا تعنينا في هذا الحديث . 
الثاني : كيف تتكون الأمة ؟ والمتفق عليه أنها تكوين تاريخي يتم على مدى حقبة طويلة من الزمان خلال المشاركة في أحداث تاريخية نعرفها من تاريخ كل أمة على حدة . 
الثالث : الذي يعنينا الآن هو :
لماذا تكونت الأمم ؟ لماذا لم تظل الاسر أسرا ، والعشائر عشائر ، والقبائل قبائل ؟ لماذا تجاوزت المجتمعات تلك الأطوار البدائية حتى وصلت الى طور التكوين القومي ؟ لا يمكن أن يكون قد تم هذا كله اعتباطا . فالاشتراكيون خاصة يعرفون من منهجهم العلمي ألا شيء يتم اعتباطا أو مصادفة ، وأن كل شيء حتى حركة المجتمعات من الماضي الى المستقبل محكومة بقوانين تضبط حركتها واتجاهها . كما يعرفون من منهجهم الجدلي أن التطور تقدم صاعد أبدا ، وأنه لا يكرر نفسه ، بل ينمو من خلال الاضافة نموا جدليا . 
اذن لماذا تكونت الأمم ؟ 
يقول الاشتراكيون العرب أن المجتمعات البشرية قد تطورت من حيث النمو من الأسرة الى العشيرة الى القبيلة الى الشعب المستقر على أرض الى أمة خلال البحث عن حياة أفضل . تلك الغاية التي لا تزال تحرك الانسان في أي مكان مهما اختلف مضمون الحياة الأفضل . فالطور العشائري كان تحقيقا لحياة أفضل عجزت الأسر منفردة عن تحقيقها . والطور القبلي كان تحقيقا لحياة أفضل عجزت العشائر منفردة عن تحقيقها . والطور القومي كان تحقيقا لحياة أفضل عجزت المجتمعات القبلية والشعوبية منفردة عن تحقيقها . وقد تم كل هذا خلال أحداث ومراحل تاريخية مليئة بالصراع والهجرات والحروب بين القوى داخل المجتمعات ومع المجتمعات الأخرى المتماثلة بحثا عن الحياة الأفضل ، استنفذ فيها كل طور مختلف أقصى طاقاته ، على التقدم ، فلما أن عجز عن مزيد من التقدم ، وكان لا بد له بحكم قوانين التاريخ أن يتقدم انتقل الى طور أكثر تقدما . أكثر تقدما من حيث أنه يقدم له امكانيات للتقدم لم تكن متاحة له في طوره السابق . 
وهكذا ، اذا كنا نحن الآن في الطور القومي ، واذا كنا ننتمي الى أمة عربية تكونت تاريخيا ، فان هذا يعني أن تاريخنا قد استنفذ كل مقدرة العشائر والقبائل والأقاليم العربية على التقدم قبل أن تتكون أمتنا ، وأنها عندما تكونت كانت دليلا تاريخيا لا ينقض على عجز المجتمعات الأولى التي تكونت منها على التقدم الاجتماعي منفردة . وأنها هي الرابطة التقدمية التي تتيح لكل جماهير المجتمعات الاولى التقدم الذي لم تكن متوافرة لها .
هل هي آخر طور ؟ 
هكذا يتساءل " الامميون " فنقول لا . فقياسا على حركة التاريخ الجدلية الصاعدة لا يمكن أن يكون الطور القومي آخر مراحل النمو الاجتماعي . بل نعتقد أنه عندما يتم التكوين القومي لكل الأمم التي لا تزال في طور التكوين ، ثم تستنفذ كل الامم أقصى طاقاتها على التقدم سيتم تكوين أو تكوينات اجتماعية جديدة أكثر مقدرة على التقدم . كل ما في الأمر أننا لا نعرف من الآن كيف يكون التكوين الجديد كما لم تكن تعرف القبائل أن مصيرها الى الوحدة القومية . فقد يكون التكوين الجديد جغرافيا ، وقد يكون قاريا ، وقد يكون انسانيا عالميا . ثم اننا لا نعرف متى سيتم هذا على أي من تلك المستويات . ولكننا نستطيع أن نقول أنه قياسا على ما استنفذته المجتمعات القبلية لتصبح أمما ومع ادراك لزيادة سرعة التطور الحضاري فان بين البشرية وبين تجاوز الطور القومي بضعة آلاف من السنين تخرج ذلك الطور الاجتماعي المقبل عن الموضوع الذي يشغلنا وهو ـ حتى نتذكر ـ تحديد المجتمع الذي نلتزم في مواجهته جماهيره بالنضال الاشتراكي ونتحمل أمامها مسؤولية تطويره وتحقيق الحياة الاشتراكية الأفضل فيه . 
الأمة العربية هي اذن مجتمعنا الذي ننتمي اليه ، والقومية هي الرابطة التقدمية التي تجمعنا ، لا مبرر للجمود ولا للخوف ، فان النصر معقود لأية حركة تتناسب مع المعطيات الموضوعية لساحة نضالها . والقومية هي الضمان للنصر الاشتراكي . وان كان ثمة من يرضيهم أن يضيفوا الى التزامهم القومي التزاما أمميا نحو الوحدة المأمولة للمجتمع الانساني ، فلا تثريب عليهم ، ولكن نقول لهم دعونا أولا نوف بمسؤولياتنا القومية نحو الجماهير التي نعرفها ويرتبط مصيرنا بمصيرها الى آلاف السنين ، وان عشتم بعد هذا فافعلوا ما تريدون . وحتى قبل ذلك الحين فان قبولكم حقيقة الوجود القومي هو قبول للوجود القومي للأمم الاخرى ، والتزام بالتعايش السلمي معها , والتحالف مع حركاتها التقدمية ضد الرجعية العالمية المتحالفة . ذلك لأن مجرد القبول بحقيقة الوجود القومي للأمم جميعا لا يعني أن أمتنا ليست جزءا مؤثرا ومتأثرا بالتطور البشري كافة ، لأننا أيضا أمة من البشر . 
تلك هي القومية . 
النظرية القومية :
عند هذا الحد ، حد اكتشاف المضمون التقدمي للقومية تصبح نظرية القومية ذات المضمون الاشتراكي عقيدة ( ايديولوجيا ) كافية لتقييم الواقع العربي وتحديد استراتيجية تغييره ، وتعبئة قواه وقيادة المعارك فيه وتحقيق النصر لجماهيره . أي تكون كافية للتحول الى حركة قومية ثورية ذات منطلقات فكرية واستراتيجية حركية . 
أما المنطلقات الفكرية فيمكن تلخيصها في جانبيها السلبي والايجابي في أمرين : 
1 ـ بما أن المجتمع العربي لا يتطور تطورا متكافئا مع امكانياته الا بحشد كافة امكانياته لتطويره ككل ، فان الاقليمية تجسيد التجزئة فكرا وتنظيما هي حركة رجعية فاشلة : رجعية لأنها تعوق التطور الاجتماعي في الوطن العربي وفي أي جزء منه تطورا متكافئا مع الامكانيات العربية المتاحة ، وفاشلة لأنها محاولة لاعادة الأمة الى طور متخلف عن الطور القومي وهو مستحيل بحكم حتمية التقدم الصاعد في حركة المجتمعات . 
2 ـ انه بحكم الوحدة الموضوعية للمشكلات القومية فان أية مشكلة في أي مكان من الوطن العربي هي مشكلة قومية غير قابلة لأن تحل حلا تقدميا متكافئا مع الامكانيات العربية الا من منطلق قومي بأداة قومية في اطار التقدم الاجتماعي لجماهير الأمة العربية ككل . وبالتالي فان الحل التقدمي النهائي لكل مشكلات التقدم في الوطن العربي لا يتم الا في ظل دولة الوحدة العربية الاشتراكية والديمقراطية . 
ان هذا لا يعني أن كل جزء من الأمة العربية عاجز تماما عن تحقيق بعض التقدم لجماهيره ، ولكن يعني تماما أن ما يتحقق في كل دولة اقليمية أقل بكثير مما يمكن أن يتحقق للشعب فيها في ظل الوحدة الاشتراكية والديمقراطية . 
وأما عن الاستراتيجية فهي على اساس تلك المنطلقات الفكرية . تبدأ بالواقع وتنتهي الى غايتها العظيمة " اقامة دولة الوحدة الاشتراكية والديمقراطية " . وبدءا بالواقع العربي يمكن تقسيم استراتيجية الحركة العربية التقدمية الى خمس مراحل : 
المرحلة الأولى : الاعداد الفكري والبشري لقيام اداة الثورة العربية .
المرحلة الثانية : اقامة اداة الثورة العربية تنظيما قوميا اشتراكيا ثوريا . 
المرحلة الثالثة : اشتعال الثورة العربية التحررية الوحدوية الاشتراكية . 
المرحلة الرابعة : اقامة دولة الوحدة النواة العربية الثورية . 
المرحلة الخامسة : تصفية الاقليمية واقامة دولة الوحدة الشاملة الاشتراكية الديمقراطية . 
وطبيعي أن كل مرحلة من هذه تنطوي على مراحل تكتيكية لا داعي لحصرها الأن ولا يمكن التنبؤ بها مستقبلا . المهم أن نعرف أن الحركة العربية التقدمية تعيش الآن في مرحلتها الاستراتيجية الأولى : مرحلة الاعداد الفكري والبشري لقيام الثورة العربية . وانها من موقفها في هذه المرحلة تنظر وتقيم وتتخذ موقفا من أي حدث دولي أو عربي أو اقليمي ، ومن كل القوى ، والصراعات والحروب . وعلى ضوء مقتضيات هذه المرحلة تنظر وتقيم وتتخذ موقفا من الغزو الصهيوني ومن المقاومة . 
فلننظر من هذه الزاوية ولنقدر الموقف العربي من الغزو الصهيوني بما فيه " المقاومة " .
حقيقة الموقف : 
ان حقيقة الموقف من وجهة نظر قومية تتلخص فيما يلي : 
أولا : أن هناك غزوا صهيونيا لجزء من الوطن العربي يستهدف توطين اليهود عليه في دولة تمتد من الفرات الى النيل . بدأ الغزو الصهيوني تسللا قبل سنة 1948 ، ثم مسلحا في ذلك العام ، ثم ما تلاه من توسع حتى سنة 1967 ، وهو غزو في ظل دعم وتأييد الامبريالية العالمية وعلى راسها الولايات المتحدة الأمريكية . 
ثانيا : ان هذا الغزو موجه ضد الأمة العربية بقصد الاستيلاء على جزء من الوطن العربي ، وأنه قد بدأ واتسع ونجح حتى الآن في غيبة أي قوة قومية . ذلك لأن التجزئة التي أقامها ذات الاستعمار المؤيد للصيونية ، والتي تجسدها الدول العربية الاقليمية ، قد حالت ، وتحول بين القوى المعتدية وبين القوى القومية المعتدى عليها بأن حرمت على الجماهير العربية أن تتصدى للدفاع عن وطنها باداة قومية سياسية ( دولة الوحدة ) أو باداة جماهيرية ( التنظيم القومي الثوري ) ، وان الدول الاقليمية على هذا الوجه قد اسهمت وتسهم بقدر في تغطية الغزو الصهيوني للوطن العربي . 
ثالثا : انه في غيبة القوى القومية تصدت الدول الاقليمية لهذا الغزو في حروب دفاعية ثلاث على مدى عشرين عاما ، وانهزمت في كل مرة بالرغم من تفوق امكانياتها المتاحة وان المرجع الاساسي لفشلها هو انها دخلت معركة قومية ـ أو ادخلت فيها ـ بذهنية اقليمية ، من منطلقات اقليمية ، بأدوات اقليمية ، كانت غايتها أن تدحر خطرا يهدد سلامتها الاقليمية ولم تكن لدى أية دولة عربية في أي يوم من الأيام ارادة تحرير الأرض العربية في فلسطين . 
رابعا : ان معركة 1967 قد اسفرت عن غزو الصهيونية لأجزاء من أقاليم بعض الدول العربية . وبذلك تغيرت طبيعة المعركة بالنسبة الى هذه الدول فأصبحت طرفا أصيلا في المعركة ، فلم تقبل الهزيمة كما قبلتها في أرض فلسطين ، ولم تقبل المفاوضة كما فاوضت على أرض فلسطين . وصمدت كما لم تصمد من قبل ، وهي تعد العدة لحرب هجومية لأول مرة في تاريخها .. كل هذا وهي تعلن وتكرر اعلانها بأن حدود معركتها هي ازالة آثار العدوان ، أي تحرير أرضها وليس تحرير الأرض العربية في فلسطين . 
خامسا : الحقيقة الخامسة من حقائق الموقف ان قد اسفرت جولة يونيو سنة 1967 من دخول الجماهير العربية طرفا في القتال المسلح ضد الصهيونية في شكل منظمات فدائية ، صمدت للقتال بينما القوى جميعا منهارة ، وتصاعدت مقدرتها حتى فرضت وجودها على الأطراف التقليديين للمعارك السابقة : الصهيونية من ناحية والدول العربية من ناحية اخرى . تلك هي المقاومة احدى حقائق الموقف الراهن في الصراع ضد الصهيوينة . 
المقاومة من وجهة نظر قومية : 
قلنا أن الحركة العربية التقدمية تمر الآن بمرحلتها الاستراتيجية الأولى وهي الاعداد لبناء اداة الثورة العربية تنظيما قوميا تقدميا ثوريا ، وانها من هذا الموقع تقيم وتحدد موقفها من الأحداث والقوى جميعا . وعلى ضوء ما أوردناه في نقاط خمس من حقائق الموقف في الوطن العربي يمكن تلخيص النظرة القومية على الوجه الآتي : 
أولا : بالنسبة للغزو الصهيوني والامبريالي فانه يتناقض تناقض الحياة والموت مع الحركة القومية لأنه يستهدف الاستيلاء على ذات الارض التي تستهدف اقامة دولة الوحدة العربية عليها ، والقضاء على اي أمل في قيام حياة افضل على الأرض العربية ، وبالتالي فان سحق اسرائيل وتصفية الصهيونية العالمية هي القضية الأولى والاساسية للنضال العربي . 
ثانيا : انه اذا كان ذلك الغزو قد بدأ واتسع ونجح في غيبة القوى القومية ـ الطرف الأصيل في المعركة ـ فانه قابل للاتساع والنجاح طالما كانت القوى القومية بعيدة عن ساحة القتال ، وان التنظيم الثوري القومي الجماهيري والسياسي هو الاداة القادرة على سحق اسرائيل وتصفية الصهيونية . 
ثالثا : ان الدول العربية ، كانت ، وما تزال ، وستظل ، منفردة أو متحالفة غير قادرة على تحرير فلسطين لسبب بسيط هو أن تحرير فلسطين يقع خارج نطاق أهدافها كدول اقليمية ، وبالتالي فان أي مخطط لتحرير فلسطين يجب أن يقوم بعيدا عن أية تبعية لأية دولة عربية سواء كانت تبعية سياسية أو تنظيمية أو مالية أو ادارية . 
رابعا : غير أن الدول العربية التي فقدت أجزاء من أقاليمها في حرب يونيو 1967 قد أصبحت طرفا أصيلا في المعركة الى أن تزول آثار العدوان ، ولهذا فان الموقف القومي يتطلب دعم مقدرتها على الصمود وتنمية مقدرتها على القتال ودفعها الى المعركة والحيلولة دون انسحابها منها أو استسلامها ، ومع التحوط ضد ما تعلنه من أن حدود معركتها تقف عند حدود 4 يونيو 1967 . 
خامسا : أما عن المقاومة كأسلوب فذلك هو المدخل التاريخي لانجاز المرحلة الاستراتيجية الأولى من مراحل الثورة العربية . فقد كانت الحركة العربية التقدمية تواجه صعوبات جسيمة تحول دون بناء تنظيمها القومي . وكانت في حاجة الى مكان في الوطن العربي لا تمتد اليه قوانين وشرطة ومحاكم وسجون الدول الاقليمية . وكانت في حاجة الى ساحة نضال تعبئ فيها قواها وتربي كوادرها وتخوض معاركها بعيدا عن رقابة أو وصاية أو تخريب الدول الاقليمية ، وكانت في حاجة الى تكوين جماهيري ثوري يتم ويقوم ويكتسب شرعية من مقدرته الذاتية على الوجود بعيدا عن جهود الدول الاقليمية . وكانت في حاجة الى الوجود المنظم الذي يمثل الجماهير العربية ككل ، ويحقق وحدتها القومية في ذاته ، بدون اعتداد بالانتماء السياسي لاية دولة عربية . 
كانت ـ باختصار ـ في حاجة الى ممارسة اسلوب القتال الجماهيري المسلح الذي يكون السمة المشتركة بين منظمات المقاومة القائمة في الساحة الآن . الساحة التي هي مكان من الوطن العربي بعيد ـ فعليا ـ أو يمكن أن يكون بعيدا عن قوانين الدول الاقليمية وشرطتها ومحاكمها وسجونها . 
فكأن المقاومة من وجهة نظر قومية تمثل أفضل الامكانيات المتاحة مرحليا لبناء اداة الثورة العربية . 
دعوة الى القوى العربية التقدمية :
هل ينطبق هذا على كل منظمات المقاومة ؟ 
لا يمكن الهروب من الاجابة عن هذا السؤال الدقيق . فلنحاول الاجابة عنه في اطار ثلاثة حدود لا نتخطاها . 
اولها : أننا ندعم المقاومة ككل ضد العدو الرئيسي لأمتنا العربية . 
ثانيها : أننا لا نعرف كثيرا عن حقيقة المنظمات في الساحة . 
ثالثها : ان المقاومة بكل منظماتها لم تتبلور بعد ـ نهائيا ـ لا فكرا ولا تنظيما ، فهي قابلة للتطوير والتطور . 
في هذه الحدود نرى أن ثمة ثلاثة اتجاهات في المقاومة . 
1 ـ اتجاه اقليمي مرتبط ببعض الدول العربية تنظيميا أو ماليا أو سياسيا . 
2 ـ اتجاه اقليمي فلسطيني يشكل الجانب الأكبر من المقاومة يمثل شعب فلسطين ويقاتل من أجل تحرير فلسطين لاقامة دولة فلسطينية . 
3 ـ اتجاه قومي غير متبلور وغير مفرز تماما ومتناثر بين منظمات محدودة الحجم أو في قواعد كل المنظمات تقريبا . 
وكل الاتجاهات تقاتل اليوم معركتها المشتركة ضد الصهيونية ، فهي في وضع يفرض عليها التحالف والتنسيق بين قواها . ولكنا نستطيع بسهولة أن نرى أن الاتجاه الأول سيخرج من المعركة بمجرد انقضاء مرحلة ازالة آثار العدوان ، أي بخروج الدول العربية المرتبط بها من المعركة بعد استرداد ما ضاع من اقاليمها في يونيو 1967 .
أما الاتجاه الثاني الذي يجسد الاقليمية الفلسطينية فانه سيقاتل الى أن تتحرر فلسطين ، لأن غايته أن يحررها وأن يقيم فيها دولته . وهنا قد يبدو أن الاقليمية لا تساوي الفشل . والواقع انه الى أن تزول آثار العدوان قد لا تكون الاقليمية الفلسطينية سببا في اضعاف مقدرة المنظمات التي تجسدها . ولكن لننظر ماذا بعد ازالة آثار العدوان ؟ عندما ينفض حلفاء المرحلة ويعود حراس الحدود الى الحدود ، وتطرح قضايا الأمن الداخلي والالتزامات الدولية ، عندئذ ستكون تلك المنظمات أمام اختبار دقيق . اما أن تصفي قواعدها أو تقبل تصفيتها ، واما أن تستولي على قواعد في الدول العربية ذاتها . ولن تكون حجتها في هذا الا ان لها حقا في الأرض العربية خارج فلسطين ، أي الا اذا لاذت بالمنطق القومي ، عندئذ ستتبين كم أخطأت عندما اختارت الملاذ الاقليمي . ولن تكون لها فرصة كسب المعركة الا اذا قبلت أن تكون للجماهير العربية حقا فيها وفي فلسطين لأن ذلك هو المبرر لالتزام تلك الجماهير بتمكينها من النصر في قلب الأرض العربية خارج فلسطين ، وعندئذ ستتبين أن الاقليمية تساوي الفشل ولو بعد حين . فان قبلت فقد تحولت الى قوة قومية ، ولا بد أن تقبل . نقول لا بد لان الحقيقة الموضوعية لمعركة تحرير فلسطين أنها معركة قومية ، لا تنتصر فيها الا القوى القومية . وبرغم كل قصر النظر ، وكل حسن النية أيضا ، فان المنظمات الاقليمية الفلسطينية ستجد نفسها في وقت ليس ببعيد أنها اما أن تصبح قومية واما أن تهزم . لن يهزمها الاسرائيليون بل ستهزمها الاقليمية ، الاقليمية فيها والاقليمية خارجها . ان ما تواجهه في لبنان نموذج وانذار لما ستواجهه فيما بعد في دول عربية تقف معها الآن ضد الاقليمية البنانية . 
انه مما يحير الفهم الا يرى الشباب الذين بلغت ثوريتهم حد الفداء المأزق القريب الذي هم مساقون اليه . ان كل ما سمعناه تأييدا لشعار " مسؤولية شعب فلسطين عن تحرير فلسطين " هو أن عزل الشعب الفلسطيني عن قضيته طوال عشرين عاما وتصدي الدول العربية للغزو الصهيوني هو الذي أضاع فلسطين . ولا شك في أن عزل الشعب العربي من فلسطين عن معركة تحرير فلسطين وحبسه في مخيمات اللاجئين أحد الأسباب التي مكنت للغزو الصهيوني من أن يستقر فترات طويلة بدون مقاومة . ولا شك في أن تصدي الدول العربية للغزو الصهيوني هو الذي أضاع فلسطين . ولكن الا نتبين بوضوح أنه اذا كانت الدول العربية قد عزلت الشعب الفلسطيني من فلسطين في مخيمات اللاجئين وحالت بينه وبين القتال لتحرير الارض المحتلة فانها في ذات الوقت كانت قد حبست الجماهير العربية في حدودها الاقليمية وحالت بينها وبين القتال لتحرير الارض المحتلة . وقالوا : لقد انقضى عشرون عاما ونحن مشردون ضائعون بلا وطن وبلا هوية ، فنحن نقاتل من أجل تحرير فلسطين ليكون لنا فيها ما نفتقده من وطن وهوية . وهذا صحيح ، ولكن ألا نتبين بوضوح أن الاقليمية العربية هي التي حالت دون أن يكون لكم وطن وتكون لكم هوية يوم أن اعتبرتكم ، أنتم الذين تلقيتم منها الضربة الموجهة الى الامة العربية كلها ، أجانب غرباء في بلادها ؟  الا نتبين بوضوح أن الاقليمية هي التي حاولت وتحاول دون أن يكون لكم في دولة الوحدة وطن وهوية ؟ فلماذا لا تقاتلون في سبيل ما هو اسمى وأشمل ، وتحاكمون القومية بما جنت أيدي الاقليمية ؟ لماذا تصاغ المقاومة صيغة اقليمية فتصطنع بينها وبين الجماهير العربية حدودا بدون أرض وهوية ، بدون دولة ، وتمييزا بدون موضوع ، لكسب الرأي العام العالمي من خلال فكرة " الدولة الفلسطينية الديمقراطية " ؟ ..
هذا حوار افضل ، ولكن هل جربتم كسبه من خلال فكرة " دولة الوحدة الديمقراطية " ؟ الحق انكم لا تكسبونه الا بمقدرتكم على النصر . ومع ذلك فانما نسعى الى كسب الحلفاء والمؤيدين " للقضية " التي نكافح من أجلها والتي نعتقد أنها حق وعادلة . ولكننا لا نغير قضايانا من أجل كسب الحلفاء والمؤيدين . أفلا تعتقدون أن قضية " دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية " أكثر حقا وعدلا من " قضية فلسطين الديمقراطية " ؟ .
ان الجماهير العربية تعتقد أنها أكثر حقا وعدلا وأولى بأن تكسب تأييد كل القوى التحررية التقدمية في العالم ولو بعد حين . 
اننا نستطيع أن نستطرد الى ما لا نهاية ، ولكن الالتزام القومي يفرض علينا أن نؤيد وندعم المقاومة ككل ، ونؤيد وندعم المقاومة الفلسطينية بوجه خاص . لأننا نتحدث ونحن مشتبكون في المعركة فلا يمكن أن نخذل المقاومة عموما . ولاننا نعرف انه عندما تنسحب القوى العربية الاقليمية من ساحة القتال على اثر ازالة اثار العدوان  ، لن تبقى في الساحة الا المقاومة الفلسطينية التي ستقاتل الى ان تحرر فلسطين ، فهي حليف طويل الامد نسبيا ، للقوى القومية تلك التي يمثلها الاتجاه الثالث .  
هذا الاتجاه الثالث لم يتبلور بعد ، وتتوقف بلورته على التعجيل باقامة التنظيم القومي الثوري الذي تكون منظمته المقاتلة في ساحة المقاومة هي قوته الضاربة  ، وتتحرك تحت قيادته طبقا لاستراتيجيته وفي حماية قواعده المنظمة على المستوى القومي .
كيف يتم هذا ؟ 
اننا نعرف ان شبابا عربيا في صفوف المقاومة يحلم احلاما غير واقعية ، وان شبح " جيفارا " العرب يعبث بمخيلة كثيرا من شبابنا العربي . وان " فلسفة النواة المسلحة " المعزولة عن الجماهير ، غير المبلورة عقائديا ، التي تبني استراتيجيتها عن طريق التراكم التكتيكي ، وتبني قاعدتها الجماهيرية من خلال المعارك ، وتكون عقيدتها الثورية بعد ان تنتصر ، هذه الفلسفة التي روج لها " ريجي دوبرييه " تتداول في صفوف المقاومة . وان اكثر من منظمة قد تعجلت فاختارت اسمها ، ورسمت شاراتعا ، ووضعت مواثيقها ، ورفعت شعاراتها القومية ، وهي تنتظر التحام الجماهير العربية حول قياداتها ، اعتقادا منها بان هكذا يكون التنظيم القومي التقدمي الثوري . اننا نشفق على هؤلاء الشباب من خيبة الامل المريرة التي سيعانونها ، عندما يجدون ان الجماهير العربية وان كانت تعطف عليهم ، لا تلتحم بهم ، ونخشى ان ينزلقوا حينئذ الى اتهام الجماهير بانها لم تستجب الى دعوتهم العجولة .
ويهمنا ان نقول الى كل المناضلين الذين يمثلون هذا الاتجاه ، ويتطلعون الى ان يكونوا القوة الضاربة لجماهير امتهم العربية ، ان عبقرية " جيفارا " البطل كانت على وجه التحديد في استجابته لواقع الثورة في كوبا واختياره الاسلوب المناسب لها بدون تقيد بالاساليب التقليدية ، وان محصلة الخبرة من تجربة كوبا الناجحة هي انها غير قابلة للتكرار بعيدا عن مثل الواقع الذي افرزها . 
ان تحرير فلسطين احدى المهمات الاساسية للثورة العربية ، ولكنها جزء من معركة التحرر العربي . ومعركة التحرر العربي ليست سوى مقدمة لوحدة الوطن العربي . وحتى معركة الوحدة ليست الا جزءا مكملا لمعركة الاشتراكية . والنصر في كل تلك المعارك لازم لتحقيق الغاية النهائية : اقامة دولة الوحدة الاشتراكية والديمقراطية ، التي تقدم للجماهير العربية في كل مكان امكانيات الحياة الافضل . ان شروطها الخاصة لكي تقتحم المعركة ، أن الجانب الاساسي من بناء التنظيم القومي الثوري يقع على عاتق القوى العربية التقدمية وليس على جانب المقاومة . وان مسؤولية النصر في المعركة الدائرة ضد اسرائيل واقعة على عاتق تلك القوى . وهي اذ تتخلى عن مسؤولياتها لن تستحق الا هزيمة اخرى ، ولن يجديها حينئذ البكاء مرة اخرى كما بكت في يونيو 1967 .
ان كتائب " انصار " المعركة يجب ان تشكل في كل مكان من الوطن العربي لدعم المقاومة فكريا وماليا وبشريا وسياسيا وعسكريا تمهيدا للالتحام مع المقاتلين القوميين من خلال مؤتمر قومي ينبثق عنه التنظيم القومي الاشتراكي الثوري ، عندئذ ستتحول المقاومة الى اداة للثورة العربية قادرة على ان تستمر في المعركة حتى النصر .
تلك هي المقاومة من وجهة نظر قومية . 
الموقف القومي من المقاومة : 
" المقامة " من وجهة نظر قومية تعني المقاومة كما يجب ان تكون . اما الموقف القومي من " المقاومة " فيعني موقف القوى القومية التقدمية ( منظمة او غير منظمة ) من المنظمات الاخرى المشتبكة في القتال ضد الغزو الصهيوني للارض العربية . وهذا الموقف يتحدد بالموقف القومي من المعركة وقواها . 
ونحن نرى بوضوح ان لمعركة تحرير فلسطين مرحلتين : 
المرحلة الاولى : 
1) الهدف : ازالة اثار العدوان ( استرداد الارض العربية المحتلة في يونيو 1967 ).
2) القوى الرئيسية : القوى القومية التقدمية المقاتلة والشعبية . 
3) القوى الحليفة : 
أ) المنظمات الاقليمية الجماهيرية المقاتلة .
ب) الدول العرلية .
ج) القوى الماركسية في الوطن العربي .
د) قوى المعسكر الاشتراكي ( دوليا ) .
ه-) قوى الحركة التحررية العالمية .
4) القوى المضادة : 
أ) القوى السرائيلية ( الدولة ) .
ب) القوى الصهيونية ( المنظمة عالميا ) .
5) حلفاؤها : 
أ) القوى الامبريالية ( الولايات المتحدة الامريكية والاستعمار )
ب) القوى العربية المرتبطة بالاستعمار والولايات المتحدة الامريكية .
ج) القوى الداعية الى المساومة او الاستسلام .
د) القوى العاملة على اضعاف المقدرة العربية على القتال .
المرحلة الثانية : 
1 ) الهدف : تحرير فلسطين وتصفية الوجود الاسرائيلي .
2 ) القوى الرئيسبة : القوى القومية التقدمية المنظمة المقاتلة والشعبية .
3) القوى الحليفة : القوى الاقليمية " الفلسطينية " .
4) القوى المضادة :
أ) القوى الاسرائيلية ( الدولة ) .
ب) القوى الصهيونية ( المنظمة عالميا ) .
ج) الامبريالية العالمية بواسطة الولايات المتحدة الامريكية والاستعمار . 
5) حلفاؤها : الرجعبة العربية العميلة للاستعمار والولايات المتحدة الامريكية .
6) قوى تنسحب من المعركة او التحالف : 
أ) المنظمات العربية الاقليمية ( من غير فلسطين ) .
ب) الدول العربية الاقليمية .
ج) القوى الماركسية في الوطن العربي ( من غير فلسطين ربما ) .
د) قوى المعسكر الاشتراكي .
لقد وضعنا الاجابة بهذه الصيغة ليسهل علينا تحديد ضوابط المواقف التكتيكية للقوى العربية التقدمية على ضوء التفرقة الحاسمة بين قوى المعركة في كل من المرحلتين . ويمكن اجمال تلك الضوابط فيما يلي .
اولا : انه لا يجوز تحت اي ظرف اثارة معارك مع القوى الحليفة في كل مرحلة فلن يستفيد من هذا الا العدو المشترك . ان الوقوف موقفا عدائيا ، دعائيا ، او حركيا ، ضد اي قوة مقاتلة ، او مشتبكة ، او مجابهة ، عسكريا او فكريا او سياسيا ، لقوى اعدائنا وحلفائها ، خطأ تكتيكي مدمر في هذه المرحلة . ان اقصى ما يمكن الذهاب اليه هو اتخاذ موقف دفاعي ضد الحلفاء الذين يرتكبون هذا الخطأ ، بدون وعي ، او استغلالا لظروف المعركة قاصدين  تحقيق النصر لحسابهم الخاص . على ان يبذل كل صبر ثوري ضد اي استفزاز ، وتبذل كل محاولة ممكنة لتنمية كل اسباب التعاون وتوثيق التحالف وتصفية اسباب الخلاف . نقول هذا مدركين تماما ان الساحة لا تخلو من تخطيط واع لتخريب العلاقة بين القوى التي تقف معنا لفض تحالفها او تحويلها عن هدفها المشترك . كما اننا ندرك تماما التخريب الذي قد ينتجه الجهل الذي يعربد تحت حماية السلاح ، او الانتهازية التي تبحث عن مكاسبها الخاصة . ولكنا مدركون في الوقت ذاته ان الاستجابة لكل هذا والمساهمة فيه عن طريق قبول الدخول في معارك جانبية بين القوى المتحالفة هو " موضوعيا " وبصرف النظر عن المبررات اضعاف للمقدرة العربية ومساعدة غير مباشرة للقوى المعادية  " .
ثانيا : ان مواقع القوى ستتغير جذريا بعد انتهاء مرحلة ازالة اثار العدوان ، والدخول في مرحلة تحرير الارض المحتلة من فلسطين قبل سنة 1967 وتصفية الوجود الاسرائيلي . وان كثيرا من القوى المشاركة الان في القتال ، والحليفة ،  ستنسحب من المعركة ثم تكتفي بالتاييد الادبي ، او تقف على الحياد ، او تنظم الى تحالف القوى المعادية . انها تلك القوى التي تقبل الوجود الاسرائيلي على الارض العربية او غير مستعدة للقتال حتى تصفية ذلك الوجود . تلك هي اخطر مرحلة سيواجهها النضال العربي ، وفيها ستقع مسؤواية استمرار المعركة على عاتق : 
1) القوى القومية التي تقاتل من اجل تحرير فلسطين لانها جزء من الوطن العربي لتقيم دولة الوحدة . 
2) القوى الاقليمية الفلسطينية التي تقاتل من اجل تحرير فلسطين لانها وطنها الخاص لتقيم فيه كما تقول " الدولة الفلسطينية المستقلة " .
ثالثا : على ضوء هذا فان ضابط الموقف القومي من المقاومة الان ، اي في مرحلة ازالة اثار العدوان تتلخص في امرين : 
1) دعم المقاومة ككل في مواجهة القوى المعادية وحمايتها ، من محاولات الاضعاف او التصغية والوقوف معها ضد اي قيود تفرضها عليها الدول العربية .
2) نقد المقاومة في خصوصية " الاقليمية " عن طريق التركيز على ما تسلبه تلك الاقليمية  ( فكرا ، وصيغة ، وعلاقات ) من اضعاف لمقدرتها على النصر .
 

***

2 - الحوار : 

مدخل :  
سؤال (1) :

يتبع ....


 





الاثنين، 10 سبتمبر 2018

بين الفكر القومي والمشروع القومي ...


بين الفكر القومي والمشروع القومي ... 
 

من المعروف ان الدين به المحكم والمتشابه لان الواقع متغير ومتطور ، لكن شرائح واسعة من القوميين يريدون ان تكون كل القضايا محكمة  اي من الثوابت ، فيغرق الكثيرون في المتشابهات ويبنون عليها صرحا من الافكار والمواقف والتجاذبات فيتحول اغلبها الى مهاترات وخلافات لا يستفيد منها سوى اعداء المشروع القومي ... والسبب كما يبدو في علاقة مباشرة بمفهومين اساسيين متداخلين : الفكر القومي ، والمشروع القومي . 
ومن هذه الناحية يفترض ان يقع التمييز بين المشروعين على اساس خصائص كل منهما :  

- المشروع النظري الحاسم المتعلق بالمنطلقات والغايات والاسلوب كمحددات فكرية موضوعية لمشكلات قائمة ومطروحة في الواقع : الاحتلال والتجزئة والتخلف ، من اجل تحقيق اهداف النضال العربي : دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية ..
وهو نظري بمعنى انه يقوم على مقاربات متداخلة فلسفية وعلمية وتاريخية وغيرها .. تنتهي بصياغة جملة من التعريفات والمفاهيم تكاد ان تكون الواحدة منها نظرية خاصة في المنهج وفي الامة والقومية والحرية والديمقراطية والاشتراكية وغيرها من المجالات .. وهو حاسم بمعنى ان كل المفاهيم الواردة فيه محددة بمنهجية علمية تقطع مع الافكار المثالية والميتافيزقية لتتحول الى ثوابت فكرية وضوابط   لازمة لتحديد الاهداف الاستراتيجية الكبرى التي تقود المسيرة النضالية نحو الغايات النهائية المرجوة  .. وقد وردت تفاصيل هذا المشروع الفكري في كتابات الدكتور عصمت سيف الدولة الذي قام فيها بضبط المشكلات والحلول والمواقف الاستراتيجية بمنهجية واضحة : " المشكلة ، الحل ، العمل " في جميع القضايا المطروحة في الوطن العربي ، وهي افكار قديمة جديدة اغلبها قد انضجتها التجارب القومية الى ان صارت شعارات ومواقف واساليب عملية معروفة ومتداولة حتى قبل ان تظهر كتابات المرحوم عصمت سيف الدولة ...

- والمشروع العملي الشامل والنسبي الذي يلتقي فيه الثوريون العرب على مهمات نضالية تمتد وتقصر زمنيا حسب امكانياتهم الذاتية لانجاز ما يجب انجازه في النهاية : دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية .. 
وهو عملي بمعنى انه يضع المقولات النظرية واصحابها تحت الاختبار لمدة طويلة في الواقع ، فلا تستمر المواقف والتحالفات على حالها  حتى تحقيق الاهداف النظرية كافة .. ونسبي بمعنى انه يواجه كل يوم متغيرات جديدة تقتضي تفاعلا على نطاق واسع مصحوبا باجتهادات ومواقف جديدة غير حاسمة بسب الاختلاف الموضوعي للمقدرة الجدلية للافراد .. وشامل بمعنى انه يشمل كل المراحل النضالية التي تعترض سبيل الحركة القومية خلال حركتها وهي تتفاعل مع واقها كما هو من اجل تغييره ، حيث تبدو كل مشكلة في الوطن العربي تحمل الشيء ونقيضه .. حتى الحركة القومية ذاتها بتناقضاتها الخاصة : قومية - اقليمية .. احزابها اقليمية ، جمعياتها اقليمية ، تنظيماتها  الطلابية اقليمية ، وافرادها المستقلون اقليميون  ، فلا يكاد واحد منهم ينجو - على مستوى الحركة - من صفة الاقليمية .. وهكذا ، تثور المشكلة ..
 ففي الوقت الذي يحاول فيه القوميون التاكيد على الخطاب القومي والثبات على المواقف القومية في كل قضية يشهدها واقعهم ، يحاصرهم الواقع الاقليمي ليجعل حركتهم الاقليمية عاجزة فيختلفون .. ثم لا يستطيعون - وهم يديرون معاركهم على المستوى النظري العام - ان يحسموا خلافات مجال حسمها الاجتهاد الخاص بكل معركة من المعارك المتعددة التي يمكن ان تواجههم على المدى الاستراتيجي في ساحت وظروف ذاتية وموضوعية تختلف من مرحلة الى اخرى .. اي ان ما يميز المراحل النضالية في هذا المشروع هو اختلاف المواقف التكتيكية والتحالفات باختلاف محاورها النضالية وقواها المتصارعة وامكانياتها ، فتتغير خلالها المعايير المحددة للموقف القومي – في الداخل والخارج – بتغير مواقف ومواقع القوى النشيطة على الساحة قربا او بعدا من الاهداف المرحلية والاستراتيجية للمشروع القومي في كل مرحلة من مراحله .. وهي مشكلة قائمة بالفعل لا تستوي وضوحا في اذهان القوميين ، فلا يتخذون منها نفس المواقف ويحصل الاختلاف ..
 ففي حين يفترض ان يتم الحكم على المواقف في الداخل قياسا الى الاهداف الاستراتيجية ، يكون من الانسب الحكم على مواقف الاخرين قياسا الى الاهداف المرحلية ، حيث يمكن ان تدخل وتخرج اطراف متعدة من دائرة التحالفات بانتهاء المهمات المرحلية ، بينما تستمر العلاقة بين القوميين حتى النهاية ، بكل مواقفهم المتنوعة من المشاكل الظرفية وبكل تفرعاتها الثانوية ، الى غاية بناء دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية ..
وهكذا يكون المشروع النظري مشروع وحدة فكرية هدفها تحقيق الوحدة التنظيمية بما تهيئه من ارضية سليمة لخدمة القضايا الرئيسية على مستوى فهم المشكلات في بعدها القومي وعلى مستوى ايجاد الحلول المناسبة لها خلال كل مرحلة من مراحل النضال العربي .. فهو مشروع قائم على اساس فكري ايديولوجي دقيق ومفصل لكل النواحي الفكرية في اطارها المبدئي الحاسم في كل ما يتعلق بوحدة الوجود القومي ، وبحرية الوطن والمواطن ، وبعلاقة الكل بالاجزاء ، وباستغلال الثروات .. وبالمكون الحضاري للامة العربية وعلاقاتها التاريخية والمستقبلية بمن حولها ... فهو النقيض - على المستوى الفكري - من المشاريع الفكرية الاقليمية والاخوانية واليمينية بشكل عام .. وهو في النهاية مشروع منجز من ناحية البنية الفكرية ، ومتحقق ولو على مستوى الافراد ، لكنه يبقى مجرد ترف فكري لا يغير شيئا من الواقع طالما انه لم يتحول الى حركة منظمة وتخطيط محكم  لمشروع واضح ، فلا يوظف توظيفا سليما حسب متطلبات كل مرحلة وكل معركة من معارك النضال القومي .. وهو اذن على هذا المستوى وحده لا  يتجاوز – على اهميته وضرورته – الجانب السلبي في الموضوع .. 
بينما المشروع القومي كمشروع للمستقبل هو مشروع عملي ثوري يحوّل تلك الافكار والمقولات والمبادئ والنظريات والدروس المستفادة  الى واقع حي حينما يلتحم من خلاله الثوريون العرب في اداة نضالية واحدة هدفها تفجير الثورة العربية لتحقيق تلك المبادئ في الواقع المعاش خلال مسيرة نضالية طويلة لا تستمر فيها الادوار والمهمات والمواقف والتحالفات على وتيرة واحدة في كل مرحلة من مراحل النضال ، ولن تكتمل اهدافها ببناء دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية قبل ان يكون القوميون العرب قد تحولوا الى قوة ضاربة منظمة .. فهو النقيض على مستوى الممارسة والفعل من المشاريع الرجعية الصهيونية الامبرالية في الوطن العربي .. وعلى هذا الوجه يمثل المشروع القومي الجانب الايجابي في هذا الموضوع من حيث انه لا يتوقف عند المقولات النظرية المتبلورة فحسب بل يتجاوزها الى مستوى الفعل الذي يسهم في تغيير الواقع من جهة ، وفي تطوير المقولات النظرية وتحيينها وتخليصها من الجمود عن طريق الممارسة النضالية من جهة ثانية حتى تكون قادرة فعلا على الاسهام في تحقيق هذا المشروع الحضاري المستقبلي بنجاح ..  
من هنا نفهم تكامل المشروع الفكري مع المشروع الثوري ولا نخلط بين المضامين والخصائص المميزة لكل منهما حين الاحتكام الى الضوابط الفكرية والمنهجية لتحديد الاهداف الاستراتيجية للمشروع القومي وحين الحكم على المواقف التكتيكية خلال الممارسة .. ويبقى القول جائزا ان التمييز غير الفصل ، لان المشروع القومي المستقبلي واحد ، فكرا وممارسة  ..
في الجانب الفكري العقائدي تحوّل المشروع النظري على يد المفكر القومي عصمت سيف الدولة الى سلاح نظري فعال بيد القوميين يستطيعون من خلاله حسم كل المعارك الفكرية ذات الصلة بمستقبل الحياة في الوطن العربي ، فكان الهدف الاساسي من وراء هذا المشروع اختصار الطريق للمستقبل ، فهو مشروع وحدة فكرية نضالية لبناء دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية .. وفي هذا الاطار قدم الاجابات الحاسمة لكل الاسئلة المطروحة على الساحة الفكرية في اطار بنية مفاهيمية موحدة مبنية على اساس واحد " منهج جدل الانسان " . لذلك يصعب على من لا يعرف المنهج الذي استعمله في كل اجتهاداته ، ان يفهم مشروعه سواء على مستوى الفكر او الممارسة ..
وفي اطار هذا المشروع النظري الايديولوجي تتنزل كل المقولات الفكرية الواردة في نظرية الثورة العربية وتتبلور كل المواقف الحاسمة من القضايا الاساسية لمشكلات الحياة في الوطن العربي ، حيث تكون المواقف النهائية واضحة فيما يتعلق بالعديد من الثنائيات : الاحتلال والتحرر ، الاستغلال والاشتراكية ، التجزئة والوحدة ، الاستبداد والديمقراطية ، الرجعية والتقدمية الخ ... اي ان متطلبات صياغة الاسس النظرية تقتضي تقديم مواقف حاسمة من جملة هذه القضايا على المستوى النظري ، بحيث يكون القوميون دائما وحتى النهاية مع وحدة الوجود القومي وضد اي محاولة للرجوع بالمجتمع القومي الى المراحلة السابقة على تكوينه ، اي ضد التجزئة الحالية والمواقف الاقليمية وضد اي مشروع يجزئ المجزأ ليعود بالوجود القومي الى المراحل السابقة  كالطائفية والقبلية والشعوبية .. وهم مع الحرية  والتحرير والمقاومة وضد الاستسلام والتسوية والقبول باي مشروع احتلالي قائم او بصدد التخطيط للتوسع او الاقدام على احتلال جديد على اي شبر من الارض العربية .. وهم ايضا وعلى الدوام مع التكامل والتقارب والوحدة وضد  التجزئة والاقليمية فكرا وممارسة حتى تتحقق الوحدة الشاملة وتزول الدويلات الاقليمية المصطنعة .. كما انهم مع الديمقراطية الشعبية والاشتراكية وضد الاستبداد والقهر المادي والمعنوي حتى يتحرر المواطن العربي نهائيا من كل القيود في دولة قومية مدنية اشتراكية ديمقراطية ، بقطع النظر عن الانظمة القطرية القائمة ، سواء كانت رجعية او تقدمية ، اقليمية او قومية ، اشتراكية او راسمالية طالما انها لا تخطو خطوة نحو الغايات القومية التكتيكية والاستراتيجية .. فهي مواقف عامة مبدئية ثابتة من وجهة نظر قومية ..
اما في الجانب العملي من المشروع ، فان الدكتور عصمت سيف الدولة لم يدخل في اي تفاصيل خاصة بالمهمات المرحلية والخطط التكتيكية للحركة القومية لانه ببساطة مشروع تغيير تجري احداثه في الواقع الاقليمي والدولي يتطلب تفاعل مباشر مع الاحداث ، ومواجهة ميدانية لا يمكن توقعها . فهي مجالات خلافية مفتوحة على الاجتهاد والحسم عن طريق الجدل والحوار داخل الاطر الديمقراطية لصياغة الموقف القومي من القضايا المطروحة كما تقتضيه طبيعة كل مرحلة .. فلا يخضع فيها نصيب كل واحد من الخطا او من الصواب سوى لمعيار واحد : المقدرة الجدلية لكل فرد . فلا يستهان فيها براي او بموقف مهما كانت قيمته بالنسبة للاخرين ، ولا يفترق فيها القوميون الصادقون مهما اختلفت اراؤهم طالما يعود فيها الحسم للاسلوب الديمقراطي  وعدم الحياد عن الثوابت القومية ..
قد تبدو المسالة محسومة بالنسبة للعديد من القوميين ، لكنها ليست كذلك بالنسبة للبعض الاخر وهم يشددون ويؤكدون على فرز الصفوف بناء على مواقف متذبذبة من احداث جارية ومتغيرة ، والمشكلة دائما في علاقة بين الفكر والممارسة .. اذ ان الفرز اذا كان بين التقدميين ، لا يتم على اساس المتغيرات الظرفية والتاويلات المتعلقة بفروع كل مشكلة ، بل على اساس الثوابت المتعلقة بالخيارات الكبرى للمشروع القومي ككل .. اي لا يكون الفرز على اساس الموقف من الاهداف التكتيكية المتعلقة بالمشكلات الظرفية ، بل على اساس قرب المواقف او بعدها من الهدف الاستراتيجي في كل جانب من جوانبه . 
واذا كان الفرز على مستوى المجتمع ككل فهو يتم بين التقدميين والرجعيين بحسب المحاور النضالية المطروحة في كل ساحة من الساحات وبحسب الملابسات التي تحف بكل مشكلة وانعكاساتها على مستقبل الصراع وتاثيرها على الاهداف الاستراتيجية ، فتاخذ التاويلات والاولويات مكانها في الجدل .. وقد يكون الفرز احيانا شاملا فئات مختلفة من القوى السياسية سواء من الانظمة او من صف المقاومة او من الاحزاب والسياسيين والاعلاميين وغيرهم تبعا لمتطلبات كل مرحلة اي قياسا على الاهداف المرحلية ، كأن يكون الفرز احيانا بين التحرريين والمستبدين ، وبين انصار الوحدة والاقليميين ، وبين انصار المقاومة والمستسلمين ، وبين الاشتراكيين والراسماليين ، وبين العملاء والوطنيين .. الى غير ذلك  من المعارك التي يمكن ان تؤدي الى الاشتباك بين اطراف هذه الصراعات في كل مرحلة من مراحلها ، وكلها مراحل مهمة من مراحل الثورة العربية والمشروع القومي ككل وبالخصوص قبل امتلاك الآداة القومية ..  وكل هذا من اجل رص الصفوف المقاومة – اي مقاومة – لهزيمة المشروع الرجعي الصهيوني  الامبريالي في الوطن العربي ، في الاقطار ، وفي المدن والارياف وفي الجامعات وفي النقابات ، وفي الخارج وفي كل مكان .. اي بمعنى اخر ان كل ما يكتب خارج هذا السياق مراهقة سياسية ومهاترات لا تكون نتائجها سوى اثارة معارك جانبية لا يستفيد منها الا اعداء المشروع القومي ...  


 ( القدس ) .