بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 نوفمبر 2014

فرحات حشاد .. شهيد الحرية ..



فرحات حشاد .. شهيد الحرية ..

لقد كان العمل النقابي منذ نشأته مجالا للنضالات  والتضحيات من أجل الحرية والكرامة للإنسان .. وهكذا كان الزعماء الأوائل من النقابيين يفهمون هذا الدور،  فتعاملوا معه  على أساس أن الحرية مفهوم شامل لا يتجزأ.. فإذا كانت مقاومة  الرأسمالي الأجنبي مشروعة لأنه مستغل ومحتل في نفس الوقت ، فان التصدي للرأسمالي المحلي لا تقل أهمية لأنه في النهاية لا يقل استغلالا .. ولذلك ، وفي ظل الاستقلال ، لا يكون العمل النقابي الصحيح موجها ضد المستغلين من أجل الحصول على بعض الحقوق بالتقسيط مع قبول السيطرة والخضوع للقوانين السالبة لحرية الإنسان ، بل من أجل اقتلاع الاستغلال من جذوره للقضاء نهائيا على العلاقات الظالمة السائدة في المجتمع ..
أما في ظل الاستعمار فان العمل النقابي يكون عبثا اذا كان مقتصرا على المطلبية الضيقة لتحسين وضع العمال ..
وهكذا كان فرحات حشاد مناضلا  ثوريا  رافضا لوجود المستعمر بكل أشكاله ، فلم يكن فقط يدافع عن حقوق العمال في ظل سيطرة الرأسمال الأجنبي ، الذي جاء لنهب ثروات الوطن واستغلال أبنائه وإخضاعهم بالكامل .. بل كان يتبع أسلوبا ثوريا لاقتلاعه نهائيا من جذوره ،  ولذلك انتهج أسلوب التحريض وفضح الممارسات الاستعمارية ، مطالبا بخروج الأجنبي دون قيد أو شرط .. فكان المحرّض  على العصيان وشن الإضرابات ، وخوض الأشكال النضالية الفعالة التي تسند المقاومة الشعـبـية المسلحة ، وترهق كاهل المستعمر حـتـى تجـبـره على الرحيل .. وشيئا فشيئا تعاظم تأثير المناضل فرحات حشاد سواء في الداخل بين الأوساط العمالية والشعـبية ، أو في الخارج حين بدأ يسعى لبناء اتحادات في كل من الجزائر والمغـرب وليبيا للمزيد من الضغط على السلط الفرنسية إلى جانب دوره في الاتحادات العالمية بعد انضمام تونس للاتحاد العالمي للعمال ، حيث تمكن من القيام بزيارات لأوروبا وأمريكا للتعـريف بالقضية الوطنية .. وهو ما لفت انتباه المستعمر لمثل هذا الدور الريادي المتعاظم خاصة أمام عجز السلطات الفرنسية على سجنه بفعل الشعـبية التي أصبح يحضى بها ، فقامت بالتخطيط للتخلص منه ، و هو ما حدث فعلا  يوم 5 ديسمبر 1952 .. ولهذا كله فان فرحات حشاد لم يكن زعيما نقابيا فحسب ، بل كان زعيما وطنيا ثائرا ، يقف في الصفوف الأمامية للحركة الوطنية وهو الموقع الذي جعله مستهدفا بالتصفية من طرف العدوّ .. فصار بذلك شهيدا وطنيا يهتدي به الشعب إلى طريق العـزة والكرامة ، ورمزا للحرية والتضحية والوفاء لكل الأجيال ..  

 ( نشرية القدس العدد 152 ) .

الأحد، 23 نوفمبر 2014

طلقة ثم الصوت الذكي ..!!


لم تكن الخلفـية الحقوقـية للدكتور المنصف المرزوقي قادرة على الوصول به الى قصر قرطاج ، لو لا فوز حزبه في انتخابات المجلس التأسيسي ، ولولا التفاهمات حول اقتسام السلطة التي حصلت بعد فوز حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل .. وقد كثر الحديث وقتها عن تلك الخلفية بعد وقوع الحسم بين أحزاب " الترويكا " على أن يكون منصب رئيس الجمهورية من نصيب حزب المؤتمر .. فكان هو مرشحه وهو الفائز بالاسعاف في تلك الانتخابات بعد الاحتكام الى بند أكبر البقايا في القانون الانتخابي .. !!   وفي هذا الاطار ظهـر الحديث عن الماضي النضالي والحقوقي ليكون قاعدة  الترويج والدعاية للرئيس ، وواجهة جذابة لنيل موافقة الشعب الثائر الذي لا تزال ـ وقتها ـ صورة الديكتاتور عالقة في ذهنه .. و بالتالي فهو يسعى لتغـييـر تلك الصورة النمطية التي عاشها على مدى خمسة عقود تحت وطأة الحكم المطلق  .. والواقع فان قاعدة عريضة من الشعـب ظـنت أن تلـك الخلفـية تكفي وحدها لكي يكون صاحبها رئيسا ناجحا ، وملائما لتحـقـيـق أهداف الثـورة .. وهو ما كـذبـتـه التحربة ،  وأظهرت عكسه تماما .. مما يدعوا لطرح الاسئلة حول هذا الموضوع : 

ـ  هل تكفي الخلفية الحقوقية لتحقيق منجـز ثوري ؟
ـ  وما مدى تمثــّــل الحقوقي  للاهداف التي قامت من أجلها الثورة وأسلوب تحقيقها ؟ 
ـ  وأي حقوق انسان نريد  في الواقع ، باعتبار أن ذلك الواقع الذي يشهد ثورة يعـني بالضرورة أنه لم يعد صالحا  للحياة  بكل  جوانبها ، سواء المتعلقة بالحريات الشخصية أو بالجوانب الاجتماعية والمعـيشية ..؟ ! للأسف فقد أثبتت التجربة الأخيرة في تونس أن الرئيس الحقوقي لم يكن بالمرّة واعيا بمتطلبات المرحلة وبأهداف الثورة  ، قبل امتلاكه لآليات  تحقيقها .. !!   فهو لا يزال الى آخر لحظة  يؤكد على تعامله مع مجال حقوق الانسان بتلك المضامين الشكلية الفارغة وهو القائل منذ أيام فقط  بأنه يفتخر بأطلق سراح ما لا يقل عن 15 ألفا من السجناء قبل نهاية مدة العقاب !! ..    فهل كلف  رئيس الدولة نفسه عناء الاطلاع على ملفات السجناء الذين يتم تسريحم من حين الى آخر لكي يعرف مشاكلهم ، وظروفهم الاجتماعية التي أدت بهم الى السجن ؟
وهل كلف بعض الاخصائيين في مجال علم النفس وعلم الاجتماع للجلوس معهم ومحاورتهم للتعرف على همومهم ومعاناتهم التي قادتهمهم الى الانحراف ؟  
 وهل أمر بأن تتولى الدولة توفير فضاءات مخصصة للغرض  يشرف عليها الاخصائيون الذين يتولون أصلاح المنحرفين واعادة تأهيلهم من النواحي التربوية والاجتماعية  قبل ان يتم اطلاق سراحهم  حتى يكونوا افرادا صالحين في المجتمع ؟  
وهل أمر رئيس الدول بأن يتم تأمين مستقبلهم قبل مغادرتهم السجن بتوفير الشغل الذي يوفر لهم الحياة الكريمة ويحميهم من الانحراف ؟
أبدا .  لم يفعل رئيس الدولة الحقوقي شيئا من هذا  .. ولم يخطر بباله .. لسبب بسيط يتعلق بالخلفية الفكرية التي تحركه وتقود خطاه متمثلة في المنطلقات الاصلاحية التي يؤمن بها ، مثله مثل حلفائه في السلطة .. في حين أن هذه المبادرات  تأتي ضمن متطلبات العمل الثوري التي تعتمد على التغيير الجذري في جميع مجالات الحياة .. حيث لا تتوقف الحرية والحقوق على تلك المضامين الشكلية رغم أهميتها ..  فالانسان السجين لا يعود له حقه  في الحرية لمجرد أنه انسان ، لأن المجتمع له عليه حقوق يجب أن يحترمها .. ثم ان الحرية لا تعود للسجين بمجرد تسريحه من السجن .. فذلك جزء يسير من الحرية .. وعلى المجموعة الوطنية ممثلة في الدولة ومؤسساتها  ومسؤليها الذين نجد على رأسهم رئيس الدولة أن يتولوا جميعا اصلاح الخلل بالنسبة لهذا السجين الذي صار كما هو : انسان غير طبيعي في المجتمع .. باحتضانه ورعايته ومنحه الثقة والامل حتى يشعـر بانه فرد من المجموعة الوطنية له حقوق وواجبات  ودور في الحياة يجعل منه أنسانا  ايجابيا يعطي للآخر مثلما ياخذ منه ..  
والواقع فان مثالب  رئيس الدولة الحقوقي المرشح للرئاسة خلال الانتخابات الحالية ، لا تقف عند فهمه السطحي لحقوق الانسان ، بل تتعداها الى تلك الاخطاء التاريخية الفادحة التي  ارتكبها وهو شريك في الحكم مع التـرويكا في العديد من النقاط  :
فهو الذي جمع حلفاءه  في الحكم مع رموز النظام القديم في قصر الضيافة للحوار ، ففتح لهم ـ بذلك ـ الباب على مصراعيه للرجوع دون مركبات  ..
وهو الذي قبل خرق حقوق الانسان مقابل صفقة مالية مفضوحة تمت بين حكومة الجبالي والمليشيات الحاكمة في ليبيا  ، انتهت بتسليم  البغدادي المحمودي دون علمه وهو الرئيس المسؤول عن الأمن والعلاقات الخارجية ..
وهو الذي ضحى بمصالح تونس في العديد من المناسبات التي ظهر فيها تخبطه في ادارة العلاقات الديـبلماسية على غـرار قطع العـلاقات مـع سـوريا والتهجم على مصر مقابل التمسك بعلاقات متميزة مع الدول الداعمة للارهاب مثل قطر والجماعات المسلحة في ليبيا  .. 
 وهو الذي احـتـضـن روابط حماية الثـورة ، ودافـع عنها وهي المتورطة في العديد من الاحداث أهمها احداث 9 افريل 2012  وقبلها  احداث 4 ديسمبر أمام الاتحاد العام التونسي للشغل .. الخ .. 
 وهكذا يتضح ان الرئيس المرزوقي لم يكن يتصرف خلال فترة حكمه على أسس واضحة ودون قاعدة سليمة أو ميزان ، وقد تأكد ذلك مرارا لعل آخرها  اتصاله العشوائي بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولوند  للبحث  في  مسالة العدوان على غزة بعد أن قام الرئيس الفرنسي بإدانة المقاومة وإعطاء الحق ـ  كل الحق ـ  للصهاينة .. !! فعوض ان يحتج  على ذلك الموقف العنصري ، قام بالتعامل معه كشريك في البحث عن حلول لمشكلة غزة ، الى جانب امير قطر ورئيس الوزراء التركي المتاجرين بالقضايا العربية .. !!
وفي الاخير ، ورغم كل الفشل الذي صاحب مسيرة الرئيس الحقوقي ، فان أعداد كبيرة من قواعد الاحزاب الحليفة له وعلى  راسها حركة  النهضة ، استغلت المأزق الذي وقعت فيه البلاد جراء أخطائهم  لتضع الناس بين خيارين : اما المرزوقي ، واما السبسي .. !!
فاذا لم تصوت لحليفهم ، فأنت بالضرورة تصوت لخصمه .. !! وعوض أن يتم تغليب المصلحة الوطنية ، ويبدأ البحث جديا ـ دون مشاركة الاحزاب التجمعـية ودون مشاركة المترشحين ـ عن مرشح ملائم للمرحلة المقبلة يساهم ايجابيا في التصدي لللصوص ، ويمسك دواليب الدولة ليمنعها من السقوط في يد هؤلاء ، ثم يدفعها لتجاوز كل الفشل الذي وقعت فيه في الماضي القريب والبعيد ، اتجهت نفس الأحزاب الى تكرار مسار الفشل عن طريق الحوار الوطني ، فاجتمعوا مجددا مع رموز النظام القديم يبحثون عن رئيس توافقي ..!! وكانت تلك الجلسات فرصة سانحة لهؤلاء لكي يشبعوهم سخرية .. !!  كيف لا وهم الفائزون في الانتخابات التشريعية في حين انحدر اغلب المشاركين في الحوار الوطني الى درجة الصفر أو الصفر فاصل .. !!
وفي مثل هذه الظروف خرجوا خائبين .. واتجهت النظرة الضيقة الى المصلحة الحزبية لاختيار رئيس فاشل وطنيا ، وغير قادرعلى تحقيق التوازن بين المؤسسات وبين القوى الوطنية ، وبين تونس ومحيطها العربي والدولي .. لكنه ، يفي بالأغراض الحزبية ، حيث يميل مع روابط حماية الثورة اذا استدعت الضرورة ذلك .. ويميل مع قطر وتركيا اذا مالت النهضة معهم .. ويميل الى مواجهة الاعلام أو الاتحاد العام التونسي للشغل اذا اقتضت المواجهة هذا الأمر  .. وهكذا بدأت الحملة قبل اوانها بطرح الفرضيات اولا ، ثم تصديقها وتكريسها في الواقعماذا لو فاز أحد المترشحين من رموز الديكتاتورية في النظام السابق .. ؟  ثم يستدركون : وما الذي يمنعهم من الفوز وهم يراهنون على ما بحوزتهم من مال فاسد ، واعلام العار ـ كما يقولون ـ وانتهازيين .. ؟ وبهذه الصورة افـتـعلـوا قصة " الصوت الذكي"  لترجـيح كفة الرئيس الفاشل على كفة الفلول العائدة .. !!  يا للحكمة الفائقة  .. الصوت  طلقة .. !! فان لم يكن للمرشح الحقوقي .. فهو صوت غبي  .. !!   وقالوا : احذروا الطلقة الفارغة .. 
 ثم سكتوا عن التجربة الفاشلة .. !!  

 ( نشرية القدس العدد 151 ) .