بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 أكتوبر 2014

كيف ننتصر على الارهاب ..؟





الارهاب ظاهرة دولية وعالمية تجتاح العالم طولا وعرضا ، لكنها تكاد تستقر اليوم في الوطن العربي لتتحوّل الى ظاهرة عربية بامتياز بعد أن صارت تستهدف دولا وجيوشا عربية بعـينها .. وهو ما يفسر تورط العديد من الأطراف الخارجية التي تحرك  الحركات الارهابية على غرار قطر وتركيا والسعودية والولايات المتحدة الامريكة التي تشترك جميعا في تأجيج  الصراع في سوريا والعراق و اليمن لتدمير هذه الدول وادخالها في دوامة العنف الطائفي والديني .. ولهذا فان تونس ليست بمنأى عن هذه المخططات ، والتجاذبات والصراعات الواقعة في هذه المواقع الساخنة من الوطن العربي ، باعتبار ما تمثله  من هامش للحريات من ناحية أولى تسمح بتواجد الارهابيين .. وباعتبار ضعف المؤسسة الامنية والعسكرية بسبب المرحلة الانتقالية التي شهدتها تونس بعد الثورة من ناحية ثانية .. فضلا عما تمثله  تونس بالنسبة للحركات الدينية المتطرفة من أهمية استراتيجية للانطلاق والتوسع شرقا وغربا مثلما لعبت هذا الدور في السابق انطلاقا من مدينة القيروان في عهد عقبة بن نافع .. !! فالتاريخ بالنسبة لهؤلاء يمكن أن يعيد نفسه .. !!
ولعل تتالي الاعتداءات الارهابية في تونس تؤكد عدم تراجع الارهابيين عن التمادي في مخطتهم المتمثل في تهديد الامن وارباك الدولة والمؤسسات الامنية والعسكرية وهو ما يتطلب مواجهة محسوبة و حاسمة في اطار استراتيجية واضحة ومحكمة طويلة المدى تأخذ بكل الجوانب السياسية والاقتصادية والدينة والاجتماعية والتعليمية والاعلامية وغيرها  ..
فالدولة التي تعمل على مقاومة الارهاب وتسعى في نفس الوقت لحماية عناصرها في الأمن والجيش ، لا بد لها ـ لكي تنتصر عليه ـ أن تعيد النظر في عدة جوانب تخص القدرات القتالية لرجال الأمن ، الذين ابتعدوا عن التدريب منذ انهائهم  لفترة التربص التي مروا بها في بداية انتدابهم ، في حين يتدرب الارهابيون بشكل دائم و مستمر مباشرة على أرض المعـركة ... كما يستوجب تأهيل عدد أكبر من الوحدات الخاصة والمتخصصة القادرة على التصدّي للهجمات المحتملة في الوقت المناسب والمكان المناسب .. 


هذا ولا بد للـدولة في نفـس الوقـت أن تـراجـع نوعـيـة الاسلحة المستعملة ومدى فاعليتها في التصدي للارهابيين الذين يمتلكون معدات متطوّرة وفعالة .. كما لا بد للخطة الاستراتيجية المعدّة لمقاومة الارهاب أن تسد منافذ الاستقطاب على جميع الواجهات ومنها نافذة  الاعلام على شبكة الانترنات ، والتمويل الخارجي ، وجمع المال المتخفي بالأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين وهي مجالات حسّاسة  يجب أن تبقى خاصة بالدولة .. الى جانب متابعة نشاط الجمعـيات بجعلها تحت المراقبة الخاصة والمحاسبة المالية في اطار ما يضبطه القانون دون المس من استقلاليتها وحرية ممارستها لنشاطها .. ان نجاعة خطة الدولة في محاربة الارهاب ، تقتضي أحيانا تدخلها  في بعض المجالات التي تمس نسبيا من الحريات الفردية للأشخاص أو للجماعات العمومية تحسبا لكل الأخطار المحتملة التي تهدد سلامة الافراد والجماعات .. غير أن مثل هذه الممارسات قد  تكون على درجة هامة من الخطورة  حينما تكون غير راجعة لعلم الدوائر القانونية المختصة ، أو حينما يكون مثل هذا التدخل بغـيـر سند قانوني نابع من المؤسسة التشريـعـية التي اختارها الشعب .. 
اضافة الى كل ذلك ، لا بد للتشريعات والحلول المتبعة في مكافحة الارهاب أن تمسّ بالمعادلة الاقتصادية ، فتكون  ضامنة للحد الأدنى من العدالة الاجتماعية القائمة بالاساس على حق الشغل والتوزيع العادل للثروات بين الفئات الاجتماعية والجهات ..  ولا بد لتلك التشريعات أن تمسّ من محتوى البرامج التعليمية والدينية التي يفترض أن تعـيد التوازن للفرد ، وتعمل على تجذيـره في محيطه العربي والاسلامي .. كما يستوجب أن تساهم في اعداد الفرد وتربيته على قيم المواطنة السليمة والسلوك السوي ، وقبول الاختلاف بكل مظاهـره في الحياة والمجتمع .. 

 ( نشرية القدس العدد 147 ) .

الانتخابات والناس (5) ..


    الانتخابات والناس (5)  ..                                              

استعدادات حثيثة للانتخابات .. وحملات انتخابية جديدة تجعلنا نعود لنتذكر الحملات القديمة .. بكل ما جاء فيها من بنود ، ووعود ، وبرامج .. وخاصة حملات الاحزاب التي منحها الشعب ثقته ، لكي نحكم على ما يجري قبل وبعد الانتخابات ..
فهل الحملات الانتخابية تعـبّـر فعلا عن برامج حقيقية مستندة الى دراسات متخصصة وقراءة موضوعية وعلمية لظروف الناس والمجتمع  ، أم هي مجرد أرقام وأفكار لا صلة لها بالحقيقة والواقع .. ؟؟
وهل تلك الأحزاب تعبر فعلا عن رغبة حقيقية في تحقيق تلك الوعود باعتبارها عقدا مبرما  بينها وبين الناخبين ، أم أن تلك الاساليب هي مجرد وسائل وأدوات تستعملها  من أجل الوصول الى السلطة لا غير ؟؟
وفي هذا الصدد ، فان حركة النهضة هي المعـنية الاولى بمثل هذه المتابعة لبرامجها الانتخابية ، والمراجعة لممارستها السياسية في السلطة خلال ثلاث سنوات باعتبارها الحزب الأول الذي نال ثقة الناخبين ، وتحمّل مسؤولية الحكم  ..
فالكل في تونس  يتذكر الحملة الانتخابية لحركة النهضة سنة 2011 ، وما رافقها من دعاية حول البرنامج الانتخابي "الثري" الذي ساهم في اعداده الخبراء والسياسيون الذين عادوا محمّـلين بتجارب تلك الدول التي اقاموا فـيها ، كما قال وزير الصحة عبد اللطيف المكي في أحد اللقاءات الدعائية  لتلك الحملة ..
والواقع فان أكثر الأحزاب وقوعا في الكذب على الناخبين هي حركة النهضة باعتبار تزامن التزامها أمامهم بتحقيق ما لا يقل عن 365 نقطة مذكورة في برنامجها الانتخابي  مع تحمّلها لمسؤولية الحكم اثر فوزها في الانتخابات .. وقد كان ابرز النقاط اثارة للجدل وتقليلا من مصداقية البرامج الاقتصادية ،  تعهد الحركة في برنامجها  باحداث 590000 موطن شغل خلال خمس سنوات والنزول بنسبة البطالة من 19 % الى 8.5 %  ، وهو ما لم يتحقق منه ولو الخمس في حين تجاوزت مدة الحكم 3 أخماس الفترة التي تعهد بها البرنامج .. وهذا وفقا لما ورد في برنامج الحركة لانتخابات 2014 (ص 9 )  الذي يقر بأن نسبة البطالة الحالية هي في حدود 15.3 .. !!
 وهذا من النواحي التفصيلية التي لا يجدي كثيرا التدقيق فيها .. أما من النواحي الاجمالية فالكل يتذكر تلك الشعارات التي رُفعت حول الاسلام الذي هو هوية الحركة وأحد أهم ثوابتها .. ! وحول التشغـيل الذي سيكون في مقدمة اهتماماتها .. ! وحول العـروبة التي هي ركن من اركان قـناعاتها .. ! الى درجة أن الحركة من خلال مبالغـتها في الحديث عن اليوسفيين أحيانا ، وعن عروبة تونس أحيانا أخرى ، وترويجها للخطاب القومي المتصنـّع ، ظهرت للبعص وكأنها تعمل على سحب البساط من تحت أقدام الحركة القومية .. ! حتى تبين بعد فترة قصيرة من الممارسة والمسؤولية أن كل شئ كان تلاعبا بالمشاعـر ، واستغلالا  لحضور الحس القومي المقترن بالاسلام  لدى عامة الشعـب ..  ورغم أن حركة النهضة قد رفعت العديد من الشعارات طوال سنتي 2012 و 2013 مثل تجريم التطبيع والمحاسبة وتحصين الثورة .. الا أنها أظهرت أن ذلك لم يتعدّ  حدود المتاجرة والمزايدة حيث سقطت من الدستور كل مشاريع القوانين التي طالبت بها فئات واسعة من الشعب ، واختفت كل الشعارات التي ردّدها أنصار النهضة في الاعلام والمسيرات ،  وحتى التي تضمنها البيان الختامي لمؤتر الحركة صيف 2012 .. ولذلك تـبـيّـن ان حبل الكذب قصير فعلا .. وأن العـثـرات لا تلبث  دائما أن تـُسقط الأقـنعة .. وهاهي الممارسة خير محك لاظهار الحقيقة .. اذ ظهر خلال ثلاث سنوات  زيف تلك المقولات حين تكون بلا سند واقعي .. فاذا بمقاصد الاسلام  في آخر اهتمامات الحركة ، حيث لم تلتفت حكوماتها المتتالية لأي نوع من أنواع الفساد المنهي عنه في الاسلام ، بل أن الفسق والفساد الأخلاقي والسرقات والنشل وبيع الخمور والزطلة والزنا والتهريب والاحتكار والربا ، وكل انواع الفساد والانحراف  قد أصبحت أضعاف ما كان عليه زمن النظام المخلوع .. كما اتضح أن الحركة هي آخر من يدافع عن القضايا العربية ، من خلال اصطفافها وراء الداعمين لمشاريع تفتيت الأمة .. وتزعمها داخل المجلس التأسيسي للكتل المناهضة لتجريم التطبيع مع العدو الصهيوني ، ورفضها  حتى لمجـرد اعتباره كيانا عنصريا  .. !!  
كما سقطت كل الاقـنعة في التخلي عن المحاسبة ، وفي استمرار الخيارات الاقتصادية الفاشلة المعادية للشعب ، التي  كانت سائدة قبل الثورة ، مع استمرار نفس العلاقات الظالمة في التشغـيل والصحة والتعليم ونظام الجباية الذي ظهر في ابشع صوره  خلال تقديم  ميزانية 2014 ، وهي التي كانت ترمي الى تحويل الاستغلال والنهب الى نشاط مشروع تحميه الدولة من خلال التشريعات الجبائية والأتاوات المفروضة على الشعب ، لولا رفض الفئات الشعـبية المستهدفة وامتناعها عن الدفع حتى تم التراجع عن تلك القوانين الظالمة واسقاطها بعد اسابيع من بداية تطبيقها  .. بل أن قائمات الحركة اليوم أصبح يتصدّرها رؤوس الأموال ورموز النظام القديم في العديد من الجهات ..
لا نستغـرب اذن ظاهرة عزوف الناس عن التسجيل في الانتخابات ، وتعبيرهم الصريح عن مقاطعتها وهو ما جعل  الحكومة الحالية تبحث عن الحلول لتوفير كل الضمانات لانجاحها حتى لا تقع المهزلة .. وذلك بتقديم عطلة خاصة للناخبين قد تصل الى ثلاث ايام على عكس ما جرت عليه العادة في انتخابات 2011 التي احتاجت فقط ليوم الراحة الاسبوعية وهو يوم الاحد لا غير ..

كما لا نستغـرب عودة الناس الى الأحزاب التجمعـية بعد ان فرضت عليهم مسيرة الفشل  خيارا قائما على المقارنة بين ما قبل 17 ديسمبر وما بعدها .. وهي بلا شك أكبر انتكاسة ـ لو حدثت ـ ستؤدي الى الاجهاض نهائيا على الثورة وأهدافها ..  



 ( نشرية القدس العدد 147 ) .