بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 9 ديسمبر 2018

هل يجوز عزل التعويضات عن تحقيق اهداف الثورة ..؟


هل يجوز عزل التعويضات عن تحقيق اهداف الثورة ..؟
يدور الحديث هذه الايام حول موضوع التعويضات بين مشهّر ومبرر ، بينما المشكلة في حد ذاتها ليست في التعويض وجبر الضرر بل في مغالطات المؤيدين حينما يستشهدون بما ورد في آليات تمويل صندوق الكرامة باعتبار ان الدولة لا تدفع الا 10 % ، او في القول بان جبر الضرر حق مشروع لكل من تعرض للانتهاكات والممارسات التعسفية خلال فترة الاستبداد دون وضعه في اطاره الصحيح المتمثل في مسار العدالة الانتقالية باكمله ، ودون افصاح بان التعويض عن طريق الصندوق ليس الطريقة الوحيدة لجبر الضرر كما تم منذ 2012 وكما تبين القوانين الصادرة في الغرض .
فجبر الضرر جاء في اطار مسار ومفهوم كامل للعدالة الانتقالية لذلك الاستشهاد بتلك الفقرة حول التعويضات وتمويل الصندوق دون استحضار لهذا المسار وخارج مفهوم العدالة الانتقالية يتضمن مغالطة كبيرة وتضليل للراي العام يتجاهل الاهداف التي قامت من اجلها الثورة ، اذ في هذه الحالة يبدو كأن الثورة قد قامت من اجل التعويضات .. !! وهذا الفصل من القانون عدد 53 لسنة 2013 الخاص بارساء العدالة الانتقالية وتنظيمها يبين الاطار الذي يجب ان يتنزل فيه جبر الضرر :
-    الفصل الاول : العدالة الانتقالية هي مسار متكامل من الاليات والوسائل المعتمدة لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان بكشف حقيقتها ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم بما يحقق المصالحة الوطنية ويحفظ الذاكرة الجماعية ويوثقها ويرسي ضمانات عدم تكرار الانتهاكات والانتقال من حالة الاستبداد إلى نظام ديمقراطي يساهم في تكريس منظومة حقوق الإنسان .
هذا هو المسار المتكامل الذي يجب ان يشمل العديد من الشروط التي ضبطتها بقية الفصول في هذا القانون واهمها : 
-    تفعيل الوسائل والاجراءات والأبحاث المعتمدة لفك منظومة الاستبداد ( الفصل الرابع ) .
-    تفعيل المساءلة والمحاسبة عن طريق الآليات التي تحول دون الافلات من العقاب او التخلص من المسؤولية ( الفصل 6) .
-    تعهد الدوائر والهيئات المختصة بالنظر في الانتهاكات المتعلقة بتزوير الانتخابات والفساد المالي والاعتداء على المال العام ( الفصل الثامن ) .
-    جبر الضرر نظام يقوم على التعويض المادي والمعنوي ورد الاعتبار والاعتذار واسترداد الحقوق وإعادة التأهيل والإدماج ويمكن أن يكون فرديا أو جماعيا ويأخذ بعين الاعتبار وضعية كبار السن والنساء والأطفال والمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والفئات الهشة ( الفصل 11 ) .
-    توفر الدولة العناية الفورية والتعويض الوقتي لمن يحتاج إلى ذلك من الضحايا وخاصة كبار السن والنساء والأطفال والمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والفئات الهشة دون انتظار صدور القرارات أو الأحكام المتعلقة بجبر الضرر ( الفصل 12 ) .
-    اصلاح مؤسسات الدولة الهادف الى تفكيك منظومة الفساد والقمع والاستبداد ومعالجتها بشكل يضمن عدم تكرار الانتهاكات ( الفصل 14 ) .
-    تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة والسلم الاجتماعية وبناء دولة القانون ، ولا تعني المصالحة الافلات من العقاب وعدم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ( الفصل 15 ) .
-    النظر في جميع الانتهاكات الحاصلة منذ جويلية 1955 ( الفصل 17 ) . 
-    صياغة التوصيات والاقترحات المتعلقة بالاصلاحات السياسية والادارية والامنية والقضائية والاعلامية والتربوية والثقافية وغربلة الادارة وغيرها من الاقتراحات لتجنب العودة الى القمع والاستبداد ... 
-    صياغة التوصيات والمقترحات والاجراءات التي تعزز البناء الديمقراطي وتساهم في بناء ودولة القانون ( الفصل 43 و 67) .
هذا هو السياق العام الصحيح الذي يجب ان تتطرح فيه مسالة التعويضات ، وهو تمشي كامل لهدم منظومة الاستبداد وبناء الاسس السليمة لدولة القانون والمؤسسات والديمقراطية .. في حين ان ما نراه هو العكس تماما ، وهو السعي الى بناء دولة التمكين والمحاصصة ووالولاءات الحزبية باشكال واساليب وممارسات متعفنة تفوق الممارسات التجمعية والنوفمبرية التي ادت الى تشييد دولة الاستبداد والنهب والمافيات والعصابات التي ثار عليها الشعب في 17 ديسمبر ، علما ان جبر الضرر كما نص عليه الفصل عدد 12 من هذا القانون الخاص بالفئات الهشة الاكثر حاجة للمساعدة من كبار السن والمعوقين وذي الاحتياجات الخصوصية والمرضى قد بدأ فعلا ، بل ان تطبيقه قد كان على نطاق أوسع من ذلك بتدخلات عاجلة من الدولة حتى قبل تسوية بقية الملفات وفرزها وعرضها على المحاكم المختصة ، منذ صدور القوانين الخاصة بالمنتفعين بالعفو التشريعي العام ، حيث شهدت التشريعات المتعلقة بالانتداب تباعا صدور العديد من القوانين الاستثنائية التي تعطي اولوية الانتدابات للمنتفعين بهذا القانون ومنها : 
-    القانون عدد 4 لسنة 2012 الوارد تفصيله بالامر عدد 833 المؤرخ في 20 جويلية 2012 في فصليه السادس والسابع القاضيان من ناحية بفتح انتدابات مباشرة لفائدة جرحى الثورة واهالي الشهداء والمنتفعين بالعفو التشريعي العام وفقا لاحكام المرسوم عدد 1 لسنة 2011 كأول قانون يؤسس بعد الثورة للتعويض وجبر الضرر ، وذلك بطاقة استيعاب تصل في حدها الادنى الى 70 % من الانتدابات المباشرة والبقية اي 30 % لعموم ابناء الشعب عن طريق المناظرات ، ومن ناحية اخرى لعدم اعتبار السن القصوى للمنتفعين بالقوانين الاستثنائية .
-    الامر عدد 3256 المؤرخ في 13 ديسمبر 2012 القاضي باجراءات العودة الى العمل وتسوية الوضعية الادارية للمنتفعين بالعفو التشريعي العام كما جاء مفصلا في العديد من الفصول ومنها :
•    اعادة ادماج الاعوان العموميين المنتفعين بالعفو التشريعي العام طبقا لاحكام المرسوم عدد 1 لسنة 2011 ضمن اسلاكهم ، وعودتهم الى العمل مهما كانت وضعياتهم الادارية ولو كانوا بصفة زائدة ، وينتفعون بالتدرج والرتب التي تمتع بها نظراؤهم منذ الانقطاع عن العمل الى تاريخ ارجاعهم ( الفصل 1 و 2 ) .
•    تنطبق احكام الفصلين السابقين على الاعوان الذين تعذر ادماجهم او الذين ادمجوا في غير اسلاكهم ( الفصل 3) .
•    تتم احالة الاعوان الذين تعذر ادماجهم في اسلاكهم الاصلية او في غيرها على التقاعد طبقا للتشريع الجاري به العمل ( الفصل 3 ) .
•    ينجر عن العودة الى العمل الحق في المرتب بعد اعادة ترتيب المسار الوظيفي ابتداء من تاريخ المباشرة الفعلية ( الفصل 6 ) .
-    امر عدد 2799 المؤرخ في 9 جويلية 2013 المتعلق بضبط صيغ واجراءات النظر في مطالب التعويض ذات الصبغة الاستعجالية ، القاضي من خلال فصله التاسع بان " تقترح اللجنة الخاصة بهذا الامر مبلغ التسبقة على التعويض في شكل مبلغ سنوي يقع دفعه صبرة واحدة او على دفعات بحسب ما تقترحه اللجنة ووزير حقوق الانسان ، وتراعي اللجنة عند اقرار المبلغ الجملي حالة المعني بالامر الجتماعية والمدنية والصحية .. 
الا يعني هذا ان مسار جبر الضرر بالنسبة لضحايا النهضة  قد بدأ فعلا منذ سنة 2012 وقد اشرف على الانتهاء ولم يبق منه الا التعويض على ما فات وهو آت ، فاين جبر الضرر بالنسبة للآخرين من اليوسفيين وغيرهم ؟؟ واين جبر الظرر لبقية ابناء الشعب وللجهات المحرومة طوال فترة الاستبداد ؟؟ وأين نحن من المؤسسات السيادية للدولة الديمقراطية وعلى راسها المحكمة الدستورية ، واين الهيئات المستقلة التي اصبح وجودها صوريا ، واين قانون تحصين الثورة ، واين المحاسبة للفاسدين ، واين كل الشروط والضمانات الواردة ضمن سياق العدالة الانتقالية كما نصت عليه القوانين لبناء دولة ديمقراطية سليمة ..؟؟؟
اما بالنسبة لصندوق الكرامة ، وحتى ان كانت مصادر التعويضات مختلفة كما جاء في القانون عدد 53 لسنة 2013 ، اي 10 % من الدولة والبقية من الهبات والتبرعات والعطايا غير المشروطة فهي معضلة اكبر تجعل مصادر التمويل غير معروفة وغير موثوقة ومعرضة لكل الشبهات التي لا يمكن مراقبتها في ظل دولة ما فيوزية مثل الدولة الحالية ..
فهل ما يجري فعلا هو المسار الحقيقي للعدالة الانتقالية كما جاءت به روح القوانين وكما ينتظره التونسيون ضمن الاهداف الكبرى التي قامت من أجلها الثورة ..؟؟


( القدس )

السبت، 1 ديسمبر 2018

دولتان في السودان : واحدة غنية للاخوان واخرى فقيرة للمواطنين ..


دولتان في السودان : واحدة غنية للإخوان، واُخرى فقيرة للمواطنين ..
صلاح شعيب – السودان .

إخوان بلادنا استثمروا في عدد من تناقضات الظاهرة السودانية المشكلة أصلا عبر ثلاث مراحل. حين بدأوا تأسيس دولتهم ضربوا معاقل الذين يخالفون أيديولوجيتهم في جهاز الخدمة المدنية. وحين اختلفوا استثمروا جميعهم في التناقضات الجهوية، وذهب كل طرف ليتقوى بالإثنية. وحين لاحت تحديات التمكين استثمروا في الحوزات الإقليمية، والقارية، والدولية.
ونتيجة لاستنزاف مغامرات الإخوان ذات الكلفة الدموية، والمادية، لخزينة الدولة أفضوا بنا إلى وجود نظامين في دولة، أو دولتين في نظام، سمه كما شئت. فهناك نظام دولة داخلي يتعهده أنصار الإخوان بميزانية متكاملة الدسم. إذ توظف الموارد لكل عضوية الحركة الإسلامية فيما يسير نظام الدولة القديم بميزانية شحيحة للصحة، والتعليم، بنسبة أربعة من المئة، فيما يصرف القليل على أمن المواطن، وتنميته، مقارنة بالمبالغ المرصودة لأمن النظام، وتنمية استيطانه. وكذلك يتم في الدولة القديمة تآكلا في كل نظمها الاجتماعية الموروثة، ويترك مواطنها نهبا للضياع في الداخل، أو يتم نبذه إلى مكان قصي في الخارج.
وحينئذ تلحظ أن للأخ المسلم، والأخت المسلمة، امتيازا على مواطنيهما. فالصراع حول الوظائف الإدارية، والدستورية، والكفاح في مجال الاقتصاد، والتجارة، والاستثمار، إنما يدور حولهم. إذ هم يفضلون بعضهم بعضا، تاركين هامشا من التوظيف للمهنيين الذين لا يتورطون في مساءلتهم عن شرعية حكمهم. وفي جانب يشقون صف زعامات الإدارات الأهلية، ويستقطبون الانتهازيين منهم.
وفِي ظرف عقدين تقريبا قوضوا الطبقة الثرية، والوسطى، وصاروا هم أصحابها، وحلت محلهما طبقتان جديدتان قوامها أشخاصهم، والذين يخدمونهم مجبرين، أو متطوعين لحيازة النفوذ، والثروة. وتلك الطبقية قادتهم إلى تأسيس جامعات، وجوامع، ومستشفيات، ومطاعم، ومنتزهات، تفي بحاجة الأثرياء بجانب طبقة أخرى في منزلة أدنى من ملاك الأراضي، والشركات، ولكنها أعلى بمسافة من الطبقة الوسطى. وداخل هاتين الطبقتين تتم المصاهرات بشكل باذخ، بينما تتكاثر حظوظ الفرد في الزيجات.
-٢-
في دولة الإخوان الإسلامية – العربية تتوفر ميزانية متكاملة لكل شئ. أما في دولة السودان العريض فيعايش الناس المسغبة، والجوع، والمرض، والهجرة. ولولا تحويلات ملايين السودانيين المهاجرين لذويهم، وأصدقائهم، وتبرعاتهم، لساء الحال أكثر فأكثر. وبينما تدعي قلة قليلة من المهمشين الإسلاميين أن المشروع قد تم اختطافه، رغم نجاحهم الباهر في بناء دولة إخوانية طفيلية داخل دولة السودان، هي كل هدفهم، فإن غالبية الإسلاميين يمسكون بمفاصل الدولتين لا بد. فئة منهم معنية بتدعيم التمكين لدولتهم العميقة. وفئة أخرى مفرغة تماما لتدمير دولة السودان، ومحو تاريخها، عبر عمل إعلامي، وتربوي، مكثف يهدم طبقات تاريخ الحركة الوطنية الثوري، والتعدد الثقافي، والنسيج الاجتماعي داخل الإقليم، والنسيج القومي بشكل عام. ومن ناحية أخرى يسهم جهاز الأمن في إفساد المتحقق النسبي لبلورة هوية سودانية عبر إثارة الفتن العرقية بين المكونات السودانية، حتى إن بعضا من كبار المثقفين في المعارضة سقطوا فريسة سهلة لإعلام هذه الشيطنة الإخوانية للآخر، وانضموا للسلطة بدافع أنها تمثل خط الدفاع الأخير عن مكتسبات مكون الوسط النيلي.
ذلك برغم أن الإخوان المسلمين هم الذين أعدموا خيرة أبناء هذا المكون في الجيش، والنقابات، وأحالوا عشرات الآلاف للصالح العام، وعذبوهم في المعتقلات، وضايقوهم اقتصاديا، وتجاريا، ونهبوا أراضيهم، واستثمروا فيها مع المافيا العالمية، ودمروا مشاريع زراعية، وخدمية، وعلاجية. وشملت حملة تطهير مكونا ضخما من نخبة الوسط النيلي القادة السياسيين، والمثقفين، والأدباء، والفنانين، والمسرحيين، والنقابيين، والمعلمين، والدبلوماسيين، والأكاديميين، إلخ. بل إن الإخوان المسلمين هم الذين سعوا لتدمير تاريخ الرموز الإصلاحية في المركز، والذي بذل فيه الشرفاء من أبناء مكون الوسط النيلي دورا في نشر التعليم في قطاع واسع من السودان، وخلقوا التنوير الفكري، والديني لتحقيق تطلعات السودانيين في إرساء دولة الديموقراطية، والعدالة، والمساواة بجانب بقية الشرفاء المنتمين لجهات السودان، وهم دعامة الكتلة التاريخية التي تنشط في المعارضة اليوم لإقامة هذه الدولة على أساس راسخ من الحرية، والتسامح، ومحاسبة مجرمي النظام.
-٣-
هذا الرهان على العرقية لاستقطاب دعم إضافي لأيديولوجية الإخوان هو بالضبط جزء من لوازم فكرة التنظيم القائمة على ضرب المكونات الإثنية بعضها بعضا في الدولة القديمة التي أسقطوا عليها فكرهم، وتعينهم في ذلك ترسانة من الفتاوى المتداولة بينهم. وذلك في سبيل إقامة هذا المشروع الحضاري الذي كان لا بد أن ينتهي إلى مشروع رأسمالي طفيلي، ارتزاقي، وداعشي، هو ذاك الذي أفسد معاني الدين، وعطب حركة استقرار الدولة. ومن ناحية أخرى فإن انغلاق فكر الإخوان المسلمين الذي انعكس على قيادة التنظيم، وعضويته، كان لا بد أن يجد في فقه القتل، والاغتصاب، والفساد، والفتن، مبررات لاستدامة دولتهم الإسلامية المزعومة التي تناقض نفسها، خصوصا بعد أن تحول حراك الإخوان وهم يقبضون على روح الدولة القديمة إلى شبكة من العلاقات التجارية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإعلامية. وفي هذا لا يعنيهم التدهور الحادث في بنية الدولة ما دامت دولتهم الداخلية متماسكة، وقادرة بالاستبداد أن تقهر ملايين الرجال، وتجلد عشرات الآلاف من النساء.
وهذه الشبكة العنكبوتية المنظمة لحيوات الإخوان هي قوام دولتهم التي لديها نواميسها، وترقياتها، ومصاهراتها، وتسهيلاتها النقدية السرية، وصراعاتها الداخلية، وانتخاباتها، وقضائها الداخلي “التحللي” الذي هو محجوب عن رعايا دولة السودان. فتجنيب بعض مال الميزانية المبتدع داخل مؤسسات الدولة لا يساوي مثقال ذرة من الأموال المنهوبة كل يوم لتغذية شركات الحركة الإسلامية التي اعترف بها مؤخرا أحد قادتها. فهناك عشرات الآلاف من الشركات الظاهرة، والمستترة، بأسماء الإسلاميين، وأقاربهم، داخل السودان، وخارجه. وجزء منها يعود ريعه للمؤلفة قلوبهم من المهنيين في جهاز الشرطة، والجيش. أما جهاز الأمن فلا أحد يقدر على إحصاء حجم استثمار شركاته المتمددة داخليا، وخارجيا.
علاوة على ذلك فإن هناك مشاريع بمليارات الدولارات في بلدان أجنبية يحركها إسلاميون مع شركات تابعة لإسلاميين من دول أخرى. وما هذا الجيش الجرار من دبلوماسيي الحركة الإسلامية سوى أنهم داعمون لدولة الإخوان عبر شركاتهم الداخلية، أو الخارجية، ولا يحققون للبلاد أي منفعة في ظل سوء العلاقات مع الدولة المؤثرة، والغنية، والمانحة. ومن ناحية ثانية يستنزفون بلا مهنية، أو فاعلية، خزينة البلاد دون طائل، خصوصا إذا أدركنا أن دولة السودان تخلوا طوال فترة الإسلاميين في الحكم من مشاريع زراعية، واقتصادية، كبيرة ذات عائد لعامة الشعب، مثلما كان وزراء الخارجية والدبلوماسيون السابقون يسهمون في جلبها سواء في الأنظمة الشمولية أو الديموقراطية. والناظر للاستثمارات التي جلبها الاسلاميين، فوقا عن فسادها، فإنها لم تحقق تنمية اجتماعية، أو تحل أزمة البطالة، أو تطور منطقة، كما هو حال المشاريع الإنتاجية التي ورثوها، وأنتجت قرى، ومجتمعات، وبعض تنمية عمرانية. ولو كان لشركات الاستثمار قيمة لما ستوردت البلاد الخضروات، والفواكه، والألبان!
لا منجاة للسودانيين من تشرذمهم إلا تقويض بناء دولة السودان بتغيير راديكالي، وهو الحل الوحيد الذي يحافظ على وحدة أراضي السودان المتبقية. وليس هناك من قيمة لإصلاح الأوضاع في السودان في ظل نشوء دولتين، من خلالها يتذاكى الإخوان المسلمين السودانيين لاستقطاب المثقفين للاستنفاع بما تجود عليهم الحركة الإسلامية من فتات، بينما هم يدركون أنهم يخدمون دولة الإخوان وليس دولة السودان. فدولة السودان لا يخدمها إلا الشرفاء الذين يعارضون وجود نظامين بهويات مختلفة في بلد واحد.