بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2016

الدولة الفاشلة ..

الدولة الفاشلة ..

ضاقت بكم أوطانكم الصغيرة ، ايها الشباب العربي وحصرتكم الاقليمية في سجن مقيت ، فلم يعد أمامكم الا الفضاء القومي الرحب الذى يأخذكم الى حضن امتكم المجزأة ، شعبا وأرضا وامكانيات ..
ضاقت بكم وضيّقت عليكم الرجعية  سبل الحياة ، وهي التي تستحوذ على ثرواتكم وتستأثر بها للعائلة والقبيلة والحاشية ، بينما أنتم تتخبطون في الفقر والتهميش والفاقة والجوع والمرض ..
ضاقت بكم الحياة وغابت عنكم الحيلة فاصبحتم تهربون الى الياس وتختارون الهجرة والموت والانتحار وأنتم اصحاب الثروات الهائلة المادية والبشرية التي تقدرون بها صنع التقدم والرخاء لكم وللاجيال القادمة ..
ضاقت بكم ايها الشباب الثائر لان الرجعية والصهيونية والقوى الطامعة في ثرواتكم تتحالف ضدكم وتضللكم لكي تفقدوا البوصلة وتدمروا أوطانكم بأيديكم حتى لا يبقى غير ما يريدونه منكم  ..
ضاقت بكم الاوطان وانحسرت حولكم امكانيات العيش والتطور ، وما ينبغي أن تضيق بكم السبل .. فأمامكم فضاء امتكم الواسع ، القادر وحده على انتشالكم من النفق الذي وقعتم فيه ..
ضاقت بكم الافق ولن تجدوا فرصا كاملة للتشغيل ، ولا امكانيات للنهوض العلمي ، والصناعي ، والتكنولوجي ، الذي تطمحون اليه في ظل هذه الدويلات القزمية العرجاء التي لا تقدر على الوقوف الا متكئة على أكتاف الاجنبي ، ولا تقوى على التنفس الا اصطناعيا ، ولا تستطيع البقاء الا في ظل الحماية المشروطة ..

ضاقت بكم هذه الدويلات الفاشلة وقد استنفذتم فيها كل امكانيات التقدّم ، فلن يجديكم الاحتجاج ، ولا الثورات ، ولا تغيير السياسيين والحكام ، دون الاهتداء الى البعد القومي لمشاكلكم ، فالحصر الاقليمي هو الذي يخنقكم ، ويحول دونكم ودون التوظيف الكامل للامكانيات القومية المتاحة في أمتكم .. وهكذا  ستتواصل الحيرة ، والضياع ، والمعاناة ، والتخلف ، حتى تدركوا ما أدركته الشعوب في امركا منذ القرن الثامن عشر ، وفي مجمل اوروبا والعالم خلال القرنين الماضيين ... 

( القدس ) .

الخميس، 21 يناير 2016

سلمية .. سلمية .

سلمية .. سلمية  ..

الثورة فعل ايجابي يؤدي حتما الى احداث تغيير يعود بالمنفعة على الناس حينما يشعر كل واحد منهم ان حياته تتغير الى الأفضل على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والامنية وغيرها .. وهذه مسألة أولية لا بد من ذكرها ..
وفي هذا الصدد ، فان ما يحدث في تونس والوطن العربي منذ ثورة 17 ديسمبر الى اليوم ، تتجلى فيه حقيقة واضحة تتمثل في عدم قدرة القوى الثورية الحقيقية على المسك بزمام الأمور لجني ثمار الفعل الثوري الذي تحدثه في الواقع من اجل تحقيق أهداف الثورة مثلما حدث في تونس سنة 2010 .. والحاصل في مثل هذه الظروف أن الثورة يقودها الثوريون ، ويختطفها بعد ذلك الرجعيون ، لاسباب ذاتية وموضوعية منها ان القوى الثورية تقدم بدائل ومشاريع غير واضحة ، وغير مفهومة شعبيا مثل فكرة العدالة الاجتماعية ، التي لا يمكن ان تقوم دون تدخل ايجابي للدولة في جميع المجالات ، ودون وقفة جدية لمحاربة الفساد لاحداث التغيير المطلوب في موازين القوى داخل المجتمع الذي اختل فيه التوازن على مدى عقود طويلة لصالح فئات مستفيدة من الوضع ، على حساب الاغلبية الساحقة من الشعب ، لذلك يستحيل ايجاد الحلول بتلك العقلية الاصلاحية التي تتعامل مع الواقع بحيادية مفرطة ، ودون تدخل في الهيكلة الاقتصادية والاجتماعية ، باتخاذ قرارات جريئة في كل الميادين التي ينخرها الفساد   ..
ومنها ايضا قدرة القوى الرجعية على المناورة والتدخل لارباك المشهد ، بفضل ما تتملكه من وسائل وامكانيات هائلة تصل الى حد امتلاك السلاح الذي تستطيع بواسطته فرض خياراتها بالقوة ، على غرار ما يقع في اماكن عديدة مثل سوريا وليبيا .. 
ومن هذه الزاوية يمكن القول أن الاحتجاجات الشعبية في هذه اللحظة ، لها وجهين مختلفين ، وجه ايجابي ووجه سلبي لا بد من الوقوف عند كل منهما  ..
الوجه الايجابي هو أن هذا الحراك الشعبي يعطي انذارا للمسؤولين في السلطة والمواقع العليا للدولة ، وللذين يطمحون في الوصول مثلهم ، أو بدلا منهم لتلك المناصب ، حتى يعرف ـ مستقبلا ـ كل واحد " علاش قادم " .. وحتى يراجع كل مسؤول نفسه ويعدل افكاره واهدافه من الوصول الى أي موقع يطمح اليه .. 
فان كان يسعى الى السلطة من أجل منصب قيادي فله ذلك ، لكن عليه ان يكون في المستوى المطلوب بتقديم الاضافة اللازمة لحل مشاكل الناس ، وتحمل المسؤولية ، أو الانسحاب وترك الفرصة لمن هو اقدر منه .. 
وان كان يطمح الى المناصب من أجل الجاه والامتيازات والكراسي المريحة ، فعليه ان يعلم بانه مخطئ في تقديره ، لان السلطة بعد الثورة لم تعد كما كان يراها قبل ذلك .. فهي مسؤولية ، ومشاريع ، وحلول ، وقرارات جريئة تساهم في تغيير الواقع وخدمة المصلحة العامة قبل كل شئ ، وان لم يفعل سيداهمه الطوفان  ..
ومن هذه الزاوية فان الاحتجاجات لها اثر ايجابي ظاهر، رأيناه في تلك الاجتماعات الفورية المغلقة للوزراء ، وفي تلك الحزمة من الاجراءات والوعود التي ظهرت بقدرة قادر ، فكانت الاحتجاجات بمثابة الـ " كبسة " اللازمة للحكومة والمسؤولين والاحزاب الحاكمة لتحمّل المسؤولية قبل ان يجرفهم السيل مرة اخرى .. 
أما الوجه السلبي فهو في امكانية خروج الاحتجاجات من السيطرة ، واختطافها بعيدا عن اهدافها في المطالبة بالعدالة الاجتماعية والتشغيل ، لتحل الفوضى باسم الثورة ، وخاصة في ظل التهديدات التي نراها على الحدود ، وفي مدينة القصرين بالذات ، التي يسيطر فيها الارهابيون على مواقع حيوية هامة ، توفر لهم الحماية و حرية التنقل والمناورة .. وهو ما يرفع درجة المسؤولية الى اقصاها بالنسبة للمحتجين ، والقوى الحية المشاركة فيها ، من اجل المحافظة على سلميتها ، وتحديد اهداف واضحة لها وسقف زمني ينهي الاحتجاجات باتخاذ تعهدات من الحكومة لحل بعض المشاكل المعلقة منذ خمس سنوات .. وذلك لقطع الطريق امام من يبحث عن الفوضى ، وغياب الأمن ، لتحقيق أغراض لا علاقة لها بمطالب الناس ونضالهم وتضحياتهم ، خاصة وان الحد الادنى للتعبير عن الرأي والرفض والاحتجاج متوفر ومكفول دستوريا ، وهو مكسب لا بد من المحافظة عليه ، ودعمه بمكاسب اخرى حقيقية عن طريق النضال السلمي الديمقراطي  ..


( القدس ) .

الأحد، 17 يناير 2016

وكانت ثورة .. ( 2 ) .

وكانت ثورة .. ( 2 ) .                            

من المعروف أن الثورات التي تحدث فجأة ودون تخطيط مسبق أو تنظيم ، يتم عادة اختراقها بسهولة من طرف القوى الرجعية المنظمة ، والمهيكلة ، وصاحبة القدرة المادية الفائقة على صنع الراي العام وقيادته الى حيث تريد ، سواء بأموالها المغرية أو باعلامعها الفاسد ، وهذا باختصار ما حدث للثورات العربية عموما ، والثورة في تونس على وجه الخصوص ..    
 فها نحن ـ نرى فعلا ـ بعد خمس سنوات من قيام ثورة الكرامة في تونس ، ذلك المصير الذي تردّدت اليه ، وهو الابتعاد التدريجي عن المناخ الثوري ، والروح الثورية التي عرفتها منذ 17 ديسمبر ، وصولا الى زوال أي رائحة تشتم من الثورة في المرحلة الحالية ، حيث افرزت الانتكاسة في مسارها  نظاما لا يختلف في خياراته وسياساته ومواقفه ومواقعه أيضا عن أي نظام من النظم الرجعية العميلة الفاسدة في كثير من الأقطار العربية منذ سايكس بيكو الى اليوم  ..
لا يختلف النظام في تونس حاليا عن الأنظمة الخليجية الرجعية ، وعلى راسها النظام السعودي المتآمر على الامة منذ الخمسينات ، بعد أن اصبحت تونس عضوا في حلفه المشبوه لمقاومة الارهاب وهي الدولة المارقة التي تدعم الارهابيين في كل مكان ، وتشيع الفوضى في كل الأقطار من المشرق الى المغرب ومنها تونس المتحالفة معها رسميا .. ولا يختلف النظام الحالي في تونس عن اي نظام من الانظمة العربية العميلة وقد أصبح الوزراء في حكومات الثورة من بقايا النظام السابق المطبعين مع العدو الصهيوني والذين لا يتردّدون في التعامل مع الصهاينة مثل وزيرة السياحة السابقة ، ووزير الخارجية الحالي الذي شغل خطة رئيس مكتب العلاقات في دولة الكيان الصهيوني منذ سنة 1996 الى سنة 2000 .. !! فأين نحن من الثورة وأهدافها وشعاراتها البراقة جميعا ، دون استثناء ..؟؟
 كانت ثورة فعلا ترفع شعارات مدوّية سمعها العالم بأكمله وتردّد بعظها في ساحات  مختلفة ، ومنها شعار " الشعب يريد .. " بكل فروعه : اسقاط النظام ، تجريم التطبيع ، تحرير فلسطين .. وبكل ما تعنيه تلك الشعارات من ارادة ورغبة حقيقية في التغيير الجذري للسياسات والعلاقالت ، والقطع التام مع المنظومة السابقة .. كما تردّد شعار " التشغيل استحقاق يا عصابة السراق " بكل ما فيه من معاني تعبر عن المشاكل الحقيقية للناس ورغبتهم في تغيير الواقع بالقضاء على الفساد ، والاهتمام بمشاكل التنمية والفقر والتهميش أولا وقبل كل شئ .. وسمع العالم ايضا شعار : " يسقط نظام السابع ، رجعي عميل و تابع " ، و " يسقط حزب الدستور ، يسقط جلاد الشعب " ، و " يا شعب ثور ثور على بقايا الديكتاتور " ، وتونس تونس حرة حرة ، والتجمع على برة  .. الى جانب شعارات أخرى مثل : " شعب تونس شعب حر ، لا امريكا ولا قطر " ، وغيرها الكثير الكثير الذي يعبر تقريبا عن نفس المطالب والتوجهات الشعبية ، حتى اصبحت تقريبا تلخص عموم المطالب المعلنة أمام العالم ، والمحدّدة لاهداف الثورة في الحرية والكرامة والقضاء على الفساد والاستبداد والتبعية الخ .. فأين نحن من الثورة ، وأهدافها ، وتطلعات شعبها الذي قدّم التضحيات الجسيمة خلال مسيرة لا تقل عن خمسين عام في ظل الحكومات الرجعية التي تعاقبت عليه الى الآن ..؟ وأين نحن من ثورة الشباب وقد اصبح  يحتفل بها الشيوخ المتناسلون من الماضي داخل القصور المغلقة بمعزل عن الشعب ..؟؟


 ( نشرية القدس عدد 211 ) .

الأحد، 10 يناير 2016

وكانت ثورة .. ( 1 ) .

وكانت ثورة .. ( 1 ) .

يطل علينا الاسبوع الثاني من شهر جانفي في العام الخامس للثورة سنة 2016 ، فتمر علينا كل اللحظات العصيبة التي عشناها منذ 17 ديسمبر الى 14 جانفي 2011 ، ليتذكر كل واحد منا ـ لا شك أنه يتذكر ـ مواقفه ، ومواقعه ، وعواطفه ، وامنياته وتتطلعاته ، وحسراته أيضا  .. وفيها بلا شك المواقف المتضاربة ، والمواقع المتباعدة ، وحتى المشاعر والعواطف والامنيات المتباينة ، وهذا طبعا حسب المصلحة التي كانت تتحكم في الميولات والتطلعات  لدى كل فرد ، وحسب الوعي أيضا  الذي كان يحدّد المواقع والعلاقات الاجتماعية بين الناس ..
وقد كان بالامكان أن تساهم الثورة في انصاف الفئات المهمشة والجهات المنسية على مدى خمسة عقود ، لاعادة الثقة بين كل فئات المجتمع ، غير أن الانتكاسة الحاصلة في مسار الثورة التي فرضت نفسها في كل مجالات الحياة ، قد أفرزت في النهاية عودة المنظومة السابقة بكل ما فيها من انتهازيين وتجمعيين ، وكبار اللصوص ، والمطبّعين وغيرهم .. لينفذ كل هؤلاء الى المربع الأول ، بعد حالة السكون والركود التي انتهى اليها الوضع ، فاصبحنا نراهم في المواقع الاولى للسلطة ، ومؤسسات الدولة سواء خلال المرحلة الاولى ، أو المرحلة الحالية ،  بالرغم من وضعياتهم المختلفة التي لا تسمح لهم باي منصب سيادي في الدولة ، ومنهم المرتبطون بعقود اقتصادية في مؤسسات الدول الكبرى ، ومنهم اصحاب الجنسيات الاجنبية ، ومنهم حتى المرتبطين بعلاقات مباشرة مع الكيان الصهيوني قبل الثورة ، على غرار وزيرة السياحة السابقة ، ووزير الخارجية الجديد ..
من هذه الزاوية التي يمكن النظر من خلالها الى المشهد الحالي بعد خمس سنوات كاملة في ظل ما سمي بالمرحلة الانتقالية ، يمكن أن نفهم لماذا أصبح البعض يشكك في كلمة ثورة ، ويرفض اعتبار ذلك اليوم الذي هرب فيه اللطاغية مناسبة تعبر فعلا عن طموحات الشعب الذي خرج ابناؤه منذ 17 ديسمبر رافعين شعار " الشعب يريد .." ، مصمّمين على اسقاط النظام والخيارات والسياسات بالكامل ، وليس مجرد تغير شكلي لأشخاص بأشخاص آخرين .. ولهذا وجدناهم يرفضون  كل الحلول التي جاءت بعد 14 جانفي في اعتصامات مليونية شهدتها القصبة في مرحلتين ، كما شهدتها جميع المدن دون استثناء ..   والواقع أن حالة الفشل والارتباك في العملية السياسية الحالية ، لم يعد خافيا على أحد ، بل هو واقع موجود يعبر عن نفسه داخل الاحزاب الحاكمة أكثر من غيرها ، حينما نرى الحزب الأول في صفوفها يتحول الى مسرح  للصراعات الحادة ، والاستقالات والانقسامات والتصريحات والاتهامات ، وهو ما يؤكد فعلا أزمة الرباعي الحاكم وهشاشة تحالفاته  من ناحية ، ثم الازمة الحقيقية التي ستشهدها البلاد في المرحلة القادمة من ناحية ثانية ، في ظل ميزانية خالية من أي حصص للتنمية والتشغيل ، والنهوض بالبنية التحتية المتردّية ، وفي غياب أي سياسات أو أهداف واضحة ، و أي تخطيط للمستقبل ، وفي ظل مناخ سياسي يخلو من اي ارادة حقيقية لمواجهة أهم المشاكل المستعصية في جميع المجالات التي اصبح ينخرها الفساد في العظام ، مثل مجالات الجباية التي يعفى منها الغني دون الفقير ، والتهريب المرتبط عضويا بالارهاب .. الى جانب  كل المجالات الحيوية المتعلقة بالتنمية ومعيشة المواطن  مثل الفلاحة ، والصحة والتعليم ، .. اضافة الى ميدان العلاقات الدولية والتحالفات التي يظهر فيها التخبط والتبعية منذ حكومة الترويكا الى الآن ..  وحتى هامش الحريات الذي يبدو ثمرة من ثمار الثورة هو في الحقيقة هامش ضعيف بالنسبة لعامة الشعب الذي تعوزه كل الامكانيات للاستفادة من هذا المنجز اليتيم ، الذي نجده يتحول مع الايام الى سيف مسلط على رقاب الشعب حينما تصبح الحريات مجالا مستعملا  لقصف العقول وصناعة الراي العام لا غير ..  

( القدس ) .

الأحد، 3 يناير 2016

نشرية القدس عدد 209 .

الهوية الجامعة ,, والهويات المتعددة ..


بالتأكيد أن جزءا هاما من الصراعات الدائرة في الوطن العربي له علاقة مباشرة بالسياسات الداخلية المتشابهة في جميع الاقطار ، والتي يغلب عليها طابع الاستبداد ، وتغول العائلات الحاكمة ، في ظل  ما تفرزه من لوبيات وعصابات تبدأ بالسيطرة على الحكم ومفاصل الدولة ، ثم تتفرغ للنهب والسرقات والعبث بالمال العام ، فتشيع الفساد والفوضى والتلاعب بالقانون حتى يتحول المجتمع بالفعل الى غابة ياكل فيها القوي الضعيف ، أو يدوسه بالأقدام ..
 وحينما نتابع ما يجري في الجانب الآخر على الساحة العربية من أحداث ، ونتوقف عند بعض التفاصيل المتعلقة بتلك الصراعات الدموية ندرك حجم التخلف الذي تمر به مجتمعاتنا ، ونخبنا ، وخاصة منها تلك التي نراها راكبة موجة الاحداث  وهي مدفوعة من الخلف  نحو أهداف  ومشاريع يستحيل عليها ان  تحقق من خلالها  خيرا لشعوبها وأمتها دون ان تدفع من حريتها وكرامتها وثرواتها اثمانا باهضة لتلك المساعدات التي تتلقاها من اجل الوصول الى تلك الغاية المحدّدة سلفا  من قبل القوى التي قبلت بها واجهة لحجب تدخلها ، والحد من خسائرها وهي تخوض الحروب والصراعات بالنيابة عنها ..  وعلى هذا الأساس ، فان مشروع النهضة العربية يحتاج الى ارضية صلبة يجب ان تقف فوقها كل القوى التقدمية في الوطن العربي لكي تسحب البساط من تحت اقدام العملاء والوكلاء بالنيابة عن الاستعمار واصحاب المصلحة في استمرار الفرقة والتشتت داخل المجتمع الواحد .. وذلك بابقاء جملة من الثوابت ضمن المشترك الذي يبقى دائما خارج دائرة الاختلافات والصراعات ومنها بالاساس مسألتي العروبة والدين .. بالاضافة الى مسائل أخرى مثل الديمقراطية ، والتقدمية الخ .. فاذا كانت التقدمية مواقف من الواقع ، فهناك امكانية دائما للالتقاء على مهام مرحلية يمكن الاتفاق حولها بين قوى وطنية حقيقية ، تسعى لمواجهة أخطار محدقة بالمجتمع ، فيكون التقاؤها لازما وضروريا لتحقيق تلك الغاية المشتركة .. وبهذا تكون أي مهمّة جامعة تهدف لتحقيق مصلحة وطنية وقومية هي مهمة تقدمية بالضرورة ، بقطع النظرعن الخلفيات الايديولوجية والانتماءات السياسية وغيرها .
واذا كان الدين علاقة ايمانية تترتب عنها بالضرورة علاقات اجتماعية وانسانية غايتها اصلاح المجتمعات ، فهناك دائما امكانية للالتقاء حول المحكم من الدين وقبول الاختلاف في ما تشابه منه حفاظا على وحدة المجتمع وسلامته قبل كل شئ ، ثم الاعتراف للآخر بحقه في اعتناق ما يشاء من الاديان مع امكانية الالتقاء معه على قاسم مشترك قائم  بالفعل وهو الانتماء الى الحضارة العربية الاسلامية كحضارة جامعة لكل الاعراق والاديان ، في اطار الانتماء التاريخي للمجتمع العربي الاسلامي الذي نشأ في ظل دولة الاسلام ..
واذا كانت العروبة علاقة انتماء الى مجتمع تكوّن تاريخيا من خلال النمو والاضافة  ، بحيث  تصبح امكانية الرجوع الى الحقب السابقة مستحيلة الا بقبول التفتيت ، فهناك دائما امكانية لتكون العروبة دائرة انتماء جامعة لكل ابناء الامة الواحدة بقطع النظر عن خلفياتهم الدينية والايديولوجية ، أوالعـرقية والمذهبية وغيرها .. ان هذا يعني أن نجاح المشروع النهضوي في الوطن العربي مستقبلا يتوقف على مدركات أولية تتعلق اساسا بالفهم الصحيح لمسألة الهوية بكل ما فيها من مضامين جامعة ومتداخلة لا يمكن فصلها او تجزئتها ، كما لا يمكن فرضها او تعميمها .. فبعضها اختياري وبعضها لا يشمله الاختيار ..  وبعضها خاص يعبر عن دوائر ضيقة ، والبعض الآخر عام  يشمل دوائر متعددة .. وهكذا نصل الى ضرورة اخراج هوية المجتمع بكل ما فيها من فروع دينية وعرقية ومذهبية ، من دائرة الصراع الذي يجب حصره في مجالات التقدم والنهضة واكتشاف الحلول الصحيحة للواقع بالطرق السلمية والديمقراطية  ، لبناء مجتمع الحرية والكرامة والمساواة  .. 

( القدس ) .