بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

غاب ماكاين .. فمن الخاسرون ؟


 غاب ماكاين .. فمن الخاسرون ؟ 

لو اردنا ان نبدأ بالجواب مباشرة سنقول دون تردد ان الخاسرين في الوطن العربي هم اصدقاؤه .. واولهم الاخوان المسلمون ..حيث لا يستطيع أحد انكار او اخفاء الروابط القوية والعلاقات المتميزة بين جون ماكاين والاخوان . فكل من تابع تحركاته ولقاءاته خلال السنوات الاخيرة في جميع الساحات العربية  بعد سنة 2010 يلاحظ دون عناء كبير علاقاته المتينة بقادتهم ورموزهم ، التي تعبر عن المدى الذي وصله جون ماكاين في اقناع الادارة الامريكية بدور الاخوان كبديل للانظمة المتهالكة والمتعنتة على الامريكان في ان واحد .. فمن هو جون ماكاين ؟ وماهي مواقفه من العرب والمسلمين ؟ 
 جون ماكين هو ضابط الطيران الامريكي المشارك في قـتـل الاطفال وقصف المدن الفيـتـنامية خلال الحرب الامريكية على فيتنام والذي وقع اسقاط طائرته في احدى طلعاته سنة 1967 حيث بقي في الاسر حـتى سنة 1973 . وهو الصديق الشخصي لسفاح الشيلي " بينوشي " المستبد المتهم بجرائم القتل والتعذيب للابراياء .. وفي بداية الثمانينات بعد تقاعده ، بدأ نشاطه السياسي ففاز في انتخابات مجلس النواب سنة 1982 ثم فاز بعد ذلك بمقعد في مجلس الشيوخ سنة 1986 حيث بدأ  المشاركة في صنع القرار الامريكي و التاثير في السياسة الامريكية التي ظهرعليها التشدد تجاه قضايا العرب والمسلمين بفضل الصقـور المسيطرين على الادارة الامريكية خلال العـقـود الاخيـرة ، وخاصة في التسعـينات اذ ظهر ماكاين من أكبر الداعمين للحصار على العـراق ، ومن اكبر الداعمين للحرب على افغانستان سنة 2001 ، ثم للعدوان على العراق سنة 2003 ..  كما عـرف عن ماكاين ولاؤه الشديد ودعمه اللامشروط للكيان الصهيوني . فهو الذي أعلن سنة 2008 من تل ابيب :  " إن هذا هو الوقت المناسب لإعلان مدينة القدس عاصمة أبدية لـ " دولة إسرائيل " ويجب على المجتمع الدولى الاعـتـراف بهذا الحق " ، كما ظهر في محيط القدس وهو يمارس تلك الطقوس اليهودية بالتباكي على حائط البراق .. وهو المعروف ايضا بتلك المقولة الشهيرة : " لو استطعت قصف الكعبة لفعلتها وانتهينا " .. 
وجون ماكاين هو الذي عمل صحـبة الصهـيوني برنارد هـنري ليفي على دعم العدوان الاطلسي على ليبيا الذي وصل بموجبه الاخوان وحلفاؤهم الى الحكم هناك ، وهو الذي قدم لهم الدعم الكامل في سوريا  ممثلا للدور الامريكي الذي عـبر عـنه قائلا : "  ان هذا الدور الأكبر المنتظـر ضرورى جداً وهو بمثابة خدمة لإسرائيل الديمقراطية "  !.. ( اليوم السابع عن صحيفة يدعوت احرنوت يوم الاحد 7 يوليو 2013 ) .  
وقد ظهر التناغم بين الامريكان والاخوان في تونس ايضا  بعد الثورة ، سواء من خلال زيارة ماكين الى تونس ، او من خلال الزيارات المتكـررة لقيادات الاخوان الى واشنطن ، التي يأتي على رأسها زيارات راشد الغـنـوشي التي صرح في احداها حين سئل عن الدستور قائلا بانه " لن يذكر في الدستور الا ما يهم تونس " ، وهي اشارة واضحة لعدم ادراج فصل تجريم التطبيع المقترح في ذلك الوقت ، لطمأنة المسؤولين الامريكان والصهاينة الذين زارهم في معاهدهم المتخصصة ، ومراكـز بحـثهم الاستراتيجية المعـروفة بانحيازها لاسرائيل وتاثيرها الشديد على صنع القرار في امريكا وتوجـيه الراي العام العالمي والاعلام ، مثل معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى (The Washington Institute for Near East Policy) الذي زاره راشد الغنوشي في 30 نوفمبر 2011 اثر انتخابات المجلس التاسيسي ، وهو " معهد بحـث أمريكي تأسس سنة 1985 من قبل لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية المعـروفة اختصارا بأيباك .. وينقل موقع تقرير واشنطـن إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وأن أيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة " ( ويكيبيديا ) .
 كما زار راشد الغنوشي  في 30 ماي 2013 مجلس العلاقات الخارجـية بواشنطن المتخصص في تحليل العلاقات والسياسات الدولية ، والذي يشبهه في اهدافه مجلس العلاقات الخارجية البريطاني او المعهد الملكي للشؤون الدولية المسمى ايضا مركز  " تشاتام هاوس "  للدراسات الذي زاره كذلك راشد الغنوشي في 26 نوفمبر 2012  لتسلم جائزالمركز السنوية الممنوحة له صحبة الرئيس المنصف المرزوقي  .  ويقوم هذا المعهد بنفس الدور الذي يقوم به مركز واشنطن تقريبا حيث يقدم نفسه على انه " منظمة غير حكومية ،  محايدة مهمّـتها الأساسية هي تحليل الأحداث الدولية الجارية ومراقبتها وتقديم حقائق عـنها لكل المهتمين مما قد يساهم إيجابا في تعميق فهم العالم لما يجري من أحداث وتطورات " .. ويُـعـتبـر المركـز طبقا لنفس المصدر من " أهم المراكز البحثية المهتمة بالقضايا السياسية في العالم " ( ويكيبيديا ) .
 ثم زار ايضا  أحد ابرز المراكز الداعمة لاسرائيل في 31 ماي 2013 وهو " مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط (Saban Center for Middle East Policy) ، وهو مركز تفكير  في  الولايات المتحدة ،  يديره مارتن إندك  " . الذي انتقل اليه بعد أن اشتغل سفيرا للولايات المتحدة في تل أبيب .." ويأتي مركـز سابان في مقدمة أقسام الأبحاث بمعهد بـروكينغـز .. تأسس المركز في 13 ماي 2002  وسُمّي باسم المتبـرّع الأساسي لإنشائه رجل الأعمال اليهودي  الأميركي  حاييم سابان وقد دفع 13 مليون دولار أميركي لانشاء المركـز... " ( ويكيبيديا ) . 
 وقد كان راشد الغنوشي محل ثقة واهتمام من قبل مجلة " تايم " التي صنّـفته ضمن 100 شخصية عالمية ، و هي المجلة التي يظهر بوضوح انحيازها للاخوان في الكثير من المناسبات ، على غـرار مساندتها الواضحة لهم خلال محـنتهم الاخيـرة في مصر ودفاعها عـنهم باستمرار كما ورد في المقال المنشور بتاريخ 19 جويلية 2013 بعـنوان : اين مرسي ؟ جاء فيه حول الاعتقال : " كلما طالت مدة احتجازه ، ترسّخ الاعـتقـاد بأنه معـتقـل سياسي ، أو «سجين ضمير»، وهو مفهوم يجب على الحكومة الانتقالية تجـنّـبه  » ..   
أما عن العلاقات قبل الثورة فانها تشمل العديد من التسريبات حول الوساطات التي أجراها رضوان المصمودي رئيس مركز الاسلام والديمقراطية في واشنطن بين الاسلاميين والسفارة الامريكية في تونس سنة 2006 والتي شارك فيها العديدة من الشخصيات على راسها صلاح الدين الجورشي و سعيدة العكرمي زوجة سمير ديلو و حمادي الجبالي .. بالاضافة الى اللقاءات والرسائل المبعوثة لبن علي للاعلان عن التوبة " وطي صفحة الماضي " حسب تعبير حمادي الجبالي في تلك التقارير . (  the hilal post مقال بتاريخ 7جويلية 2013 بعنوان les relation sionistes du parti tunisien Ennahdha   ) .. وهي تقريبا نفس التسريبات التي أفصح عـنها منذ سنوات والمعـروفة بوثائق ويكليكس حول العلاقات بينهم وبين السفارة الامريكية في تونس في تلك الفترة .. هذا فضلا عن علاقاتهم المشبوهة قبل الثورة ، بمنظمة هيومن رايتس التي تـنشط في العالم تحت مسميات حقوق الانسان وهي تدعم في الواقع شخصيات تختارها و تصنع منها زعامات في بلدانها تروّج للسيسات التي لا تـتـنـاقض مع السياسة الامريكية  ، والتي كان وزير حقوق الانسان سميـر ديلو على علاقة متينة بتلك المنظمة ..                                                                         
ولعل المتتبع لكل هذه العلاقات والاهتمامات المتبادلة ، يتساؤل  من ناحية حول سر اهتمام راشد الغـنـوشي بتلك الدوائر البحثية ذات المرجعـية الصهـيونية المتخصصة في صنع القرار وتوجيه الرأي العام  ورجال السياسة والإعلام  لخدمة القضايا الحيوية للولايات المتحدة و حليفتها اسرائيل ..  ولماذا يلهث وراءها  ويسعى للتقرّب منها ؟ ومن ناحية ثانية حول اهتمام تلك الدوائر به شخصيا ، الى درجة أن أغرق مارتن أنديك في تقديمه للحاضرين خلال زيارته  لمعهد واشنطن  لمدة 4 دقائق بين الشكر والثناء عـليه واصفا إياه بـ " الإسلامي العـزيـز " .. !!                                                           
طبعا لا شك في ان المصالح والحسابات الخاصة والمنافع المتبادلة  تحكم كل العلاقات السياسية بين الاطراف المتقاربة ..
فالسيد راشد الغنوشي  يريد تبليغ رسائل وتطمينات  لنيل الرضا والقبول داخل الأوساط الامريكية التي لا تزال  تنظر بعين الريبة والشك  لجماعات الاسلام السياسي الصاعدة بعد ثورتي مصر وتونس .. وفي نفس الوقت نجد الجانب الأمريكي الذي خاض صراعات طويلة مع أجنحة مختلفة من تلك الجماعات في افغانستان والعراق ، يحاول ترويض الاخوان  لتكون حركتهم على شاكلة الانظمة العربية التقليدية في مواقفها وعلاقاتها بالامريكان  ، وجون ماكاين هو احد مهندسي هذا الترويض ...
من هنا تتضح ملامح  العلاقة من خلال هذه التوجهات والنوايا المستقبلية في بناء علاقات تخدم أهداف الطرفين على قاعدة " الولاء مقابل التمكين " .. وهو ما ستكشف عنه الايام في المستقبل .. أما بالنسبة للحكم على ما يجري الان ،  فيكفي أن نعـرف اهداف أمريكا في المنطقة ، ومواقفها المعادية للمصالح العربية والإسلامية ، ويكفي أن نتذكر فعلها الإجرامي في تدمير العراق واحتلاله ، ويكفي كذلك أن نذكر علاقاتها  بإسرائيل ، وما تقدّمه  من دعم لا محدود لهذا الكـيان الغاصب منـذ قــيـامه ، لكي يكـون قـادرا دائما على  قـتـل العرب و تشريدهم ، حـتـى نـعــرف طـبـيعة حـلفـائها  واصداقائها من ناحـية ..  ونفهم كـذلـك اسرار تـلـك العلاقات بينهما من ناحـية ثانية  .. فـالمثل يقول  : " قل لي من أصدقاؤك أقول لك من أنت " ..
والمؤكّد أن أمريكا لا ترضى الا عن الحلفاء الأوفياء الذين لا يرفضون سياساتها .. والذين يعملون طواعـية على تحقـيق أغراضها وهم  يفكـّرون فقط في تحـقـيق مصالحهم  التي تجعلهم دائما مستـعـدين لـتقديم التنازلات ..  وهو ما يذكّـرنا بما قاله الزعـيم الراحل جمال عبد الناصر في هذا الخصوص " اذا رأيتم امريكا راضية عـني فاعـلموا اني اسير في الطـريق الخطأ ".. وهي حكمة حقـيقـية تجعلنا نتساءل بجدية : اذا كان الذي ترضى عـنه امريكا يسـيـر في الطريق الخطأ ، فماذا نقول عن أصدقاء ماكاين ، وبرنارد ليفي ، ومارتن انديك ، وغيرهم من الصهاينة البارزين ..؟ !!

 ( القدس ) .
    
    

 

الأحد، 19 أغسطس 2018

مجلة الحريات .. حق يراد به باطل ..


 مجلة الحريات .. حق يراد به باطلا ..

 
بالرغم مما يبدو في المجلة من فائض ايجابي للحريات الفردية لكنها لا تخلو من عديد الاسقاطات لكثير من الحلول التي تنتفي مشاكلها في الواقع ، كما انها تتجاهل عمدا طرح حلول كثيرة لمشاكل ذات صلة مباشرة بالحريات مطروحة بالفعل وبقوة في المجتمع . وهذه بعض الملاحظات العامة حولها :
- الحكم على مجلة الحريات بالسلب او بالايجاب ( قبولا او رفضا ) ، لا يجدي التركيز فيه على نواحي منها دون نواحي اخرى ( انتقاء ) ، او على الاشخاص بقصد النيل من اعضائها ( انتقاص ) للطعن  في جديتها او جدية اصحابها ، فالعملية اكبر من الشخصنة .. لانها تاتي في اطار نسق ايديولوجي كامل وضعت من خلاله المجلة من اجل فرض مشروع مجتمعي يطرح تصورا كاملا للدولة والمجتمع من وجهة نظر ليبرالية موغلة في القيم الفردية تتستر برؤية دينية مشفوعة بمؤيدات من القرآن والسنة ، فتستغل الاجتهاد الديني دون ان تعتمده ولو جزئيا في البناء على اسسه واصوله وثوابته في اي مجال من مجالات التشريع المقترحة ..
- كل الامثلة من الآيات والاحاديث الواردة في الاسشهاد منتقاة للتاكيد على ظاهرة التطور وهي مسالة محسومة تقريبا يسلم بها الجميع ، ولكن ياتي ذكرها والتاكيد عليها من اجل تمرير فكرة التجاوز الزمني كمبرر لتجاوز النص الديني قصد استبعاده من حياة الناس ( مثل الاستشهاد بظاهرة اختفاء الرق والعبيد وتجاوزه في التشريع ) .
- مرجعية قوانين المساواة تعتمد بالكامل على القوانين المتعلقة بحقوق الافراد الواردة في القوانين الدولية ذات المنابع الليبرالية الاوروبية التي ازدادت تكريسا لطغيان النموذج الغربي في اطار المفهوم الجديد للعولمة دون اي اعتبار لخصوصية المجتمع وشخصيته الحضارية .
- حسب مشروع القوانين الوارد في المجلة فان التوجه العام الذي يقود وجهة اصحابها والجهات المحيطة بهم يتجه نحو ارساء اسس جديدة للتشريع في تونس قاعدتها الوحيدة المفهوم المجرد للحريات الفردية والمساواة التامة بين الجنسين مما يقتضي لاحقا تغيير كل القوانين الجاري بها العمل ، كما يجعل من مجلة الاحوال الشخصية التي دار حولها جدلا واسعا داخل تونس وخارجها ، مجلة " رجعية " طبقا لمفهوم " الحداثة " الذي يدعيه الفرنكفونيون  . 
- في  المجلة تضخم واضح للحريات الفردية وتجاهل كامل لعلاقة الفرد بالمجتمع ( الفرد فوق المجموعة ، حرية الفرد فوق القضايا العادلة ) .
- في مجلة الحريات تجاهل كامل للمساواة وعدم التمييز في النواحي الاقتصادية والاجتماعية وقد ورد مرارا في المجلة سلسلة من الامثلة المعتمدة في تطبيق المساواة ومنها عدم التمييز من حيث الجنس اواللون اوالعرق .... او الثروة .. ( مساواة بين الغني والفقير ، وبين العليل والسليم ، وبين القوي والضعيف ، وبين العاطل عن العمل والمشتغل ، وبين المحروم من التعليم والمتعلم  ، وبين المستغل وضحية الاستغلال ... وهي من اهم انواع  التمييز التي تتجاهلها المجلة ) ...
- تقدم المجلة في تبريرها لاقرار مبدا المساواة وعدم التمييز بين الافراد عموما وبين الرجل والمراة بشكل خاص بعض الفصول الواردة في الدستور ، ومنها التي تؤكد على مبدا المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات ومدنية الدولة ثم تقدم تأويلا لها على انه يفيد بان مصدر التشريع الوحيد هو ارادة الشعب ( في اشارة لنوابه ) ، وان المساواة يجب ان تشمل كل مجال الحقوق والحريات بما فيها الميراث ، ولكنه يتناسى الفصل الذي ينص على الهوية الدينية للمجتمع . ( تاويل فصول من الدستور يتعارض فيها الاجتهاد مع تاويل فصل اخر منه ) .
- الاعتماد على المفاهيم الليبرالية للمساواة وعدم التمييز بين الجنسين كمرجعية وحيدة في تحديد العلاقات العامة في المجتمع وعلاقة الرجل بالمراة ووضعهما في الاسرة وعلاقتهما بالابناء والفروع وفي قضايا عديدة تطرحها المجلة ( رئاسة العائلة ، المهر ، الولاية على الاطفال ، الميراث ، اللقب العائلي ..... مقترح تغيير قوانين العدة ... مقترح الغاء قانون غلق المقاهي في شهر رمضان ، مراجعة القوانين الخاصة ببيع المشروبات الكحولية ..  ) ، كل هذا يؤدي بالضرورة الى استبعاد المرجعية الدينية بالكامل ( تشريع يخلو تماما من روح الاسلام ) وينسف اي علاقة للمجتمع بهذا الدين ، مما يجعل المرجعية المعتمدة في تناقض صارخ مع الفصل الذي ينص في الدستور على ان تونس دولة دينها الاسلام . وقد ورد معنى الاستبعاد بشكل ضمني وشبه صريح  في المجلة  ..
- تحتوي المجلة على تضارب في اقتراح القوانين الردعية ( عقاب بالسجن او بخطية مالية ) من حيث اهمية القضايا وتاثير ضررها الذي يقع على الفرد او على المجتمع وقضاياه الكبرى ، حيث تكون عقوبة فتح رسالة ثلاثة اشهر سجنا وخطية ب 1000 د ، وتعاطي البغاء والعلاقات الشاذة  500 د فقط .. الاحتجاج على اعمال ذات علاقة بالتطبيع يؤدي الى عقوبات سجنية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات وعقوبة مالية تتراوح بين 10 الاف و20 الف دينار مع الحرمان من الحقوق المدنية  ، في حين تخفف عقوبة السب والشتم والاعتداء على الاخلاق الحميدة ( التعري وكشف العورة عمدا والفواحش بانواعها ) من السجن ستة اشهر والف دينار الى 500 د فقط .. الغاء عقوبة الاعدام في المطلق دون اعتبار القتل عمدا وحالات الارهاب .. الخ .
- اخلاء الحريات الفردية في مجال الفن والادب والانشطة الفكرية عموما من اي ضوابط  اجتماعية تهم كل ما هو مشترك بين شرائح واسعة من المجتمع ، او من اي ضوابط اخرى  في علاقة بالقضايا القومية ، من شانه ان يكون غطاء لانشطة معادية لقضايا المجتمع واستهدافا لهويته ، وفي الحد الادنى استفزاز لمشاعر الناس ومعتقداتهم ، او تمرير سياسات معادية لقضاياهم العادلة ، فضلا عما يلقونه من عقوبات اذا حاولوا الرد على الاستفزاز ( القضية التي رفعتها حركة الشعب ( ورد ذكرها بالاسم في المجلة ) وادت الى ايقاف الشريط السينمائي عن العرض ) ..

طبعا ان يقع كل هذا وتونس لم تقدر بعد على حل مشكلات البقاء على قيد الحياة بالنسبة لشرائح واسعة من المجتمع معناه الذهاب بها الى صراعات لا علاقة لها بواقع الناس وهمومهم اليومية  .. وقد كان من الاجدى تقديم مقترحات تتتعلق بالمساواة وعدم التمييز بين المراة في المدينة والمراة في الريف ، او بالمساواة وعدم التمييز في الجانب الاقتصادي والاجتماعي والتنموي قبل أي حديث اخر متصل بهذا الموضوع ..
 ثم ان تركيز  المعارضين للمجلة على شخص رئيس اللجنة لا يعني شيئا بالنسبة لمضمونها خاصة ان اللجنة تضم شخصيات ذات مرجعيات دينية " اسلامية " وحقوقية التقت حول مفاهيم الحريات الليبرالية مع الجهة المدبرة ، وهو ما يفسر التقاء الاحزاب اليمينية بكل اطيافها على خيارات عديدة مشتركة في تصور مفهوم الدولة ومؤسساتها ،  تجسدت عمليا تحت مسمى التوافق سواء في المرحلة الاولى بعد 2011 او في المرحلة الثانية بعد 2014 .. وان كان جزء كبير من المنتمين لهذه القوى قد استفاق على وقع مشروع القوانين المستفزة لمشاعرهم الدينية فانه قد فاتهم بان قوانين كثيرة كان يجري الترتيب لها قصد تمريرها على مراحل وتحويلها الى امر واقع من خلال  المصادقة على الاتفاقيات الدولية في ظل حكم هذه الاحزاب منذ سنة 2011 (  وقع سحب مبدأ التحفظ على قوانين المساواة في الولاية والوصاية على االاطفال طبقا لمبدا المساواة خلال سنة 2011 ) ، وفي سنة 2014 ( تم اعلام الامم المتحدة بسحب التحفظ في افريل 2014 ، كما وقع في نفس التاريخ سحب الاحتراز والتحفظ على مبدا المساواة التامة وعدم التمييز بين الرجل والمراة  ، وهو المبدأ الذي يحاول انصار المجلة تعميمه على كل مجالات الحياة بما فيها الارث .. ) ، وفي سنة 2015 ( تم خلالها اقرار حق المراة في استخراج جوازات سفر للاطفال وخروجهم معها دون ترخيص من الاب طبقا لقانون المساواة وعدم التمييز بين الاب والام .. ) وآخرها انظمام تونس الى بروتوكول الميثاق الافريقي لحقوف الانسان سنة 2018 الذي الحق به برتوكول حقوق المراة في افريقيا ويتضمن اشارات صريحة للمساواة ومنها الميراث  .. وكلها التزامات تستدرج تونس ودول كثيرة للقبول بما جاء في مشروع القوانين الواردة في مجلة الحريات والمساواة ، وحصر مفاهيمها لدى شعوبها في مضامينها الفردية المجردة التي يسهل استيرادها وتركيبها باسم الاشتراك في الانسانية ..
في المقابل بالنسبة للقوى الرافضة لتعميق الانقسامات المجتمعية ، وخلق صراعات ثانوية تتمحور حول مضامين الهوية واستغلالها  في تحريك الشارع وتحشيد الناس مع كل دورة انتخابية جديدة ، فان انسحابها او ترددها في خوض مثل هذه المعارك  ، اضافة الى كونه يمكن ان يفسر بالهروب من معارك مستحقة ، فهو تعبير واضح عن حالة الضعف وعدم القدرة على التخطيط المسبق للتحكم في سير الاحداث ولو بسحب البساط من تحت اقدام القوى اليمينية التي تبدو في نظر الناس بانها الاقدر والاقوى دائما على شد انظارهم اليها وحدها ... والمطلوب في مثل هذه المعارك وقبل اي رد احتجاجي ميداني ، ان  ترد بتقديم المشاريع البديلة واظهارها للناس في وقتها .. الم يكن باستطاعة القوى التقدمية تكوين لجنة مماثلة تشتغل على نفس المحاور لتطرح  بدائلها للناس في علاقة بواقعهم  وظروفهم المعيشية ، من اجل التقدم  بالصراع نحو صراع المشاريع والبدائل الحقيقية التي تستجيب للواقع وتقدم افكارا جديدة لمفهوم الحريات الاجتماعية  ،  بدل فرض مفاهيم الحرية اللبرالية التي يقودها وكلاء الراسمال العالمي في تونس .. وهو ما يتطلب تحيين مستمر لقراءة الواقع والتخطيط المحكم لافشال مخططات القوى اليمينية المستعدة دوما لاخذ الناس حيث تريد ..
في النهاية لا بد ان نسجل كم المغالطات الواردة في مشروع مجلة الحريات والمساواة حيث نجدها تدقق في اي فكرة ذات صلة باي قانون قديم او اي منشور يتضمن انتقاصا او تضييقا على الحريات الفردية " من وجهة نظر حداثية ليبرالية " او تفرقة وعدم مساواة بين الجنسين ، ليجعل منها قاعدة مطلقة ووحيدة لمفهوم الحداثة والديمقراطية تفرز بالضرورة مناصرين للمجلة وهم الحداثيون الديمقراطيون ، مقابل المعارضين لها وهم الرجعيون واعداء الحداثة ، متناسين - من ناحية - التوافقات الحاصلة في الواقع بينهم وبين شريحة واسعة من معارضي المجلة ، ومن ناحية اخرى الجوانب المهمة التي يتجاهلها اليمين الليبرالي بكل اطيافه الحداثية والاسلامية والحقوقية بالنسبة للفرد والاسرة والمجتمع ، وهي المساواة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعيىة والتنموية والتي تشمل كل الثنائيات في المجتمع : بين الرجال من ناحية اولى وبين النساء من ناحية ثانية ثم بين الرجال والنساء من ناحية ثالثة .. 
من بين المغالطاة الاخرى والدهاء الموجود في المجلة  اسلوب الترغيب الذي يحمل الناس على القبول بمحتواها دون ان يضمن لهم شيئا ملموسا .. فأصحابها يسعون الى ضبط كل شاردة وواردة من حياة الناس في الاسرة والمجتمع بقوانين صريحة الكثير منها يعرّض مخالفيها للعقاب بالسجن والخطايا المالية ، او يجبر الناس على الامتثال للقوانين الواردة فيها حينما يلتجئون للقضاء ، ثم يوهمونهم بانها غير ملزمة لمن لا يرغب في تطبيقها .. !! ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا يطبق العكس ؟ اي ان تبقي المسائل الخلافية على حالها وتترك الحرية لمن لا تعجبه القوانين الحالية  في ممارسة قناعاته بالاتفاق مع اسرته .. ؟ 
من الدهاء ايضا في هذه المجلة العجيبة الاستشهاد بايات قرانية او بسيرة الصحابة ( تجاوز حكم العبيد ، تعطيل نص المؤلفة قلوبهم ، تعطيل حد السرقة ...) تاكيدا على سنة التطور فقط من اجل استبعادها والخروج نهائيا من مجال التشريع الاسلامي ، ثم الدخول في مجال الخبط العشوائي والتلفيق دون اعتبار لطبيعة المجتمع ومعتقداته وهمومه اليومية .. والا فماذا يعني الغاء مشروع قوانين غلق المقاهي في رمضان ، ومراجعة قوانين بيع المشروبات الكحولية ، والغاء العدة ،  وتجريم الاعتراض على انتهاك القضايا العادلة ، وتهوين جرائم الاعتداء على الاخلاق الحميدة وارتكاب الفواحش علنا مقابل تجريم من يفتح رسالة قد تكون مفتوحة اصلا منذ ارسالها .... ؟ وما علاقة كل هذا بالمساواة والتطور .. ؟؟ وكيف يمكن استبعاد كل الايات القرانية القطعية الآمرة الناهية الضابطة للحدود المتوعدة لكل من يتعداها او يرفض القبول بها كمرجعية للحكم بين الناس كما جاء في العديد من الآيات حسب المجالات :
1) في مجال التشريع والتزام الحدود :
- ان انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله ولا تكن للخائنين خصيما . ( النساء 105 ) .
- الم تر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون . ( ال عمران 23) .
- وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه . ( البقرة 213 ) .
- ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون . ( المائدة 44) .
- ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الظالمون . ( المائدة 45) .
- ومن لم يحكم بما انزل الله فاولائك هم الفاسقون . ( المائدة 47 ) .
- فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا شرعة ومنهاجا . ( المائدة 48 ) .
- وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما انزل الله . ( المائدة 49 ) .
- افحكم الجاهلية تبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون . ( المائدة 50 ) . 
- وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى الله . ( الشورى 10 ) .
- ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون . ( الجاثية 18 ) .
- تلك حدود الله فلا تقربوها . ( البقرة 187 ) .
- تلك حدود الله فلا تعتدوها . ( البقرة 229 ) .
- ومن يتعد حدود الله فاولائك هم الظالمون . ( البقرة229 ) .
- ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله . ( المجادلة 4) .
- وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون .  ( البقرة 230 ) .
- تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه . ( الطلاق 1 ) .
- ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها . ( النساء 14 ) .
- ان الذين يحادون الله ورسوله اولئك في الاذلين . ( المجادلة 20 ) .
- ولا تتخذوا ايات الله هزوا . ( البقرة 231 ) .
2) في مجال الطلاق والعدة والحاضانة والنفقة : 
- الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان . ( البقرة 229 ) .
- فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره . ( البقرة 230 ) .
- فان طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا ان ظنا ان يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون . ( البقرة 230 ) .
- واذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه . ( البقرة 231 ) .
- والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ان كن يؤمنّ بالله واليوم الآخر . ( البقرة 228 ) .
- يا ايها الذين آمنوا اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا . ( الاحزاب 49 ) .
- يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم . ( الطلاق 1 ) .
- وان كن اولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فان ارضعن لكم فاتوهن اجورهن  واتمروا بينكم بمعروف وان تعاسرتم فسترضع له اخرى .ِ ( الطلاق 5 ) .
- والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا . ( البقرة 234 ) .
- والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها . ( البقرة 233 ) .
3 ) مجالات اخرى :
في القرآن الكريم مجالات عديدة من الحياة الاجتماعية تضبطها احكام صريحة وواضحة من خلال الآيات التي يظهر فيها جليا نفاذ حكمها واستمراريته وملازمته للتطور لتنظيم الحياة داخل المجتمع المسلم في كل زمان ومكان تشمل حدود المعاملات والعلاقات بجميع انواعها بالامر او بالنهي او بالتحريم ومنها مجالات الارث ، البيع والشراء ، صلة الرحم ، الزواج ، المهر ، شهادة الزور ، السلوك والاخلاق العامة ، حرية العقيدة ، الطعام ، الشراب ، السرقة ، الاستغلال ، اليتامى ، وغيرها ...
وبالتالي فان القاء نظرة بسيطة على الآيات القرانية في شتى المجالات من جهة ، ومشروع المجلة من جهة ثانية ، يبين مدى هوّة الانفصال بينهما .. فماذا يعني تجاهل كل هذا الكم من الآيات الصريحة من عند الله الداعية للوقوف عند حدوده واتباع اوامره واجتناب نواهيه .. ؟ 
انه يعني ببساطة الخروج من مجال التشريع الاسلامي في علاقته بالهوية العربية الاسلامية للمجتمع والدخول في مجالات عديدة مفتوحة على التبعية والخضوع للهيمنة  التي تفرضها العولمة ، ومن ابرز سماتها في هذه المجلة :
- المخالفة الصريحة لدستور دولة مدنية دينها الاسلام .
- اسقاط التشريع الغربي بتوجهه العلماني على مجتهع يعتبر الاسلام مكون اساسي لشخصيته الحضارية بخلاف تلك المجتمعات .
- تحويل النص القرآني الى مجرد نص تاريخي جامد يمكن تجاوزه واسقاطه بالتقادم ومرور الزمن .
- افتعال مشكل بين هوية المجتمع وقيمه الحضارية وبين مفهوم " الحقوق والحريات والمساواة " التي تعتبر قيم ثابتة في الاسلام .
- ايهام الناس بان المرجعية الاسلامية في التشريع تقف عقبة امام " الحداثة " بمفهومها الليبرالي الغربي ، وان الحرية والمساواة مطلقة دون قيود باعتبار علوية الفرد على المجتمع .
- ايهام الناس بان الحرية والمساواة تقوم فقط على سن القوانين دون بناء المؤساسات التشريعية والقضائية السليمة وتطهيرها من الفساد والمفسدين .
- ترويج مفهوم مظلل للحرية والمساواة بين الناس يستبعد الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بكل مضامينها الانسانية حيث لا حرية ولا مساواة دون شغل وتعليم وصحة .. ورعاية كاملة في ظل الاسرة والمجتمع ...
- عكس قاعدة التشريع من الاغلبية الى الاقلية وفتح مجالات واسعة لانتهاك الحدود والقيود الاجتماعية التي تنظم الحياة في المجتمع وتفجر الصراعات وتقود الى التطرف .
- تحويل وجهة الصراع الاجتماعي من مجالات التنمية ومحاربة الفساد وبناء مؤسسات مستقلة تضمن الحريات والمساواة بجميع ابعادها الفردية والاجتماعية الى مجالات الصراع حول الهوية وتفرعاتها ... الخ .
خلاصة القول ، كل هذا ليس له الا معنا واحدا : مشروع الحريات والمساوة في مجتمعنا حق .. يراد به باطلا ..
الحق بيّن في حاجة المجتمع الى الحريات والمساواة على جميع المستويات التي تكرر ذكرها وبيانها .. لكن الباطل بيّن وواضح ايضا في محاولة فرض توجهات ايديولوجية صرفة على المجتمع وزرع قيم مستوردة من المجتمعات الغربية ذات الايديولوجيا الليبرالية الفردية باسسها الاقتصادية الراسمالية المتوحشة لتعميق الاغتراب وتنمية الشعور الاقليمي بين افراده استكمالا للخطوة التي بدات منذ فجر الاستقلال ، لكنها لم تنجح تماما في عزله عن محيطه الطبيعي بقيمه الحضارية  الجماعية في ظل السياسات السابقة ، مما استوجب استبدالها بوسائل جديدة تعمل على اجتثاثه نهائيا من جذوره خدمة لمشروع الهيمنة الاستعمارية الذي تفرضه سياسة الولاء والخضوع للاملاءات الخارجية ، تحت مسمى " الحرية والديمقراطية والمساواة " .. 
 ( القدس ) .
 

الأحد، 5 أغسطس 2018

المقاومة العربية بين الموقف القومي وحالات الاستقطاب ..


 المقاومة العربية بين الموقف القومي وحالات الاستقطاب ..  

لا تزال حالة الاستقطاب متواصلة بين اطياف متعددة من السياسيين من خلال المواقف والمواقف المضادة من الصراع الدائر في سوريا رغم مرور سبع سنوات كاملة ، كانت كافية لكشف العديد من الخفايا في هذا الصراع الذي رأيناه يتمدّد ويتقلص حسب موازين القوى داخل سوريا وخارجها في ساحات متعددة .. وبقطع النظر عن اوجه الاختلاف وتفاصيل السجال ، فان حقيقتها واحدة وهي حالة من حالات المقاومة العربية ضد الغزو الخارجي والهيمنة والتفتيت لنسيج المجتمع . ونتائجه واحدة أيضا بالنسبة لجميع الاطراف الغائبة ميدانيا عن ساحات المعارك ، فاما استقطاب للجانب السوري الذي يواجه القوى الخارجية المعتدية عن طريق الحشد والتأييد الدعائي والاعلامي والمواقف التي تطفو خلال النقاش امام الراي العام ، واما استقطاب ومراكمة للجانب الاخر تحت عنوان المعارضة الدعائية والاعلامية للنظام  بكل وسائلها .. لا وجود لامكانية ثالثة لاستقطاب ثالث مهما كانت الحجج والدوافع . اما امكانية الوقوف على الحياد مهما كانت خلفياتها ، وهي في الغالب خلفيات اقليمية ، فهي اكثر المواقف هروبا من المسؤولية  والواقع  الذي تهدّد فيه مثل هذه الحالة جميع الاقطار .. وما يهمنا من الحديث في هذا الموضوع هو الجدل الدائر بين القوميين على امتداد ساحات الوطن العربي التي لا تخلو بدورها من ثنائية الاستقطاب ، في ظل الفراغ وعدم القدرة على الفعل .. 
ما يلاحظ في العديد من النقاشات بين القوميين حول مسالة الثورات في علاقة بالديمقراطية من جهة وبالتدخل الخارجي والتحالفات وغيرها من جهة اخرى على غرار ما يجري في سوريا هو غياب ناحيتين مهمتين : 
الناحية الاولى متعلقة بالجانب الحركي للقوميين الذين يهاجمون ويحاكمون ويخوّنون بعضهم البعض وهم خارج المشهد تماما ، يعانون من الضعف والتشتت في غياب التنظيم الديمقراطي الواحد الذي يجمع شتاتهم ويوحّد كلمتهم ويحسم خلافاتهم ، اي انهم موضوعيا لا تتوافر لهم ظروف الجدل الداخلي الذي يؤطر الاختلاف بينهم ليحتكموا في النهاية الى راي واحد هو راي الاغلبية للابقاء على وحدة الحركة . اضافة الى ذلك – وفي ظل هذا الوضع - هم يسعون الى المستحيل حين يعتبرون ان اي اختلاف في اي نقطة ثانوية متعلقة بالمتغيرات هي بمثابة نقطة اللاعودة التي يمكن ان تؤدي الى افتراق المسارات بينهم متناسين اولا ، ان الفكر القومي الذي يجمعهم هو الثوابت وليس المتغيرات .. اي انهم يتجاوزون حتى الدين نفسه الذي ضبط ثوابت للمتدينين سماها المحكمات ، وترك لهم مساحة واسعة للاختلاف والاجتهاد سماها المتشابهات .. ومتناسين ثانيا ، ان منهجهم ذاته ، تقوم حركاته كلها على التفكير والاجتهاد : الاجتهاد في فهم المشكلات والظروف ، والاجتهاد في ايجاد الحلول المناسبة للواقع ، والاجتهاد في تنفيذها بالعمل بما يلائمها من ضمانات للنجاح .. وهو ما يعني – حتى في ظل امتلاك المنهج – امكانية الاختلاف والوقوع في الخطا ، لان المسالة تعود بالدرجة الاولى للمقدرة الجدلية لكل انسان ، فيكون الجدل الاجتماعي الارضية الانسب للاتفاق وتجنب الاخطاء لما يوفره من امكانيات تجعل المقدرة الفردية تتضاعف بالاشتراك في الجدل ..   
الناحية الثانية بالنسبة لمن يستند الى مواقف الدكتور عصمت سيف الدولة من الديمقراطية ومقاومة الاستبداد التي قدمها في نظرية الثورة العربية والتي يبني عليها الكثيرون مواقفهم من التحالفات واطراف الصراع ، تتعلق بالمنهجية والتوظيف والاسقاط على الواقع ، حيث قدم الدكتور افكاره واجتهاداته في علاقة مباشرة بالواقع العربي ومشكلاته التي حددها في ثلالث : الاحتلال والتجزئة والتخلف ، فجاءت الحلول المناسبة كما يعبر عنها الشعار القومي المتداول – وبقطع النظر عن الترتيب – الحرية والوحدة والاشتراكية ، كاهداف نضالية استراتيجية يقودها تنظيم واحد باستراتيجيا واحدة وقيادة واحدة ، مقسمة على مراحل خلال مسيرة نضالية قومية طويلة لتحقيق دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية الخ .. وهكذا فان كل ما جاء في هذه الكتابات والاجتهادات باسسها ومنطلقاتها وغاياتها واسلوبها قائم على اساس حسم جزء مهم من المعارك الفكرية التي تستنفذ طاقات هائلة من جهد القوميين ، للمرور مباشرة الى مراحل الاعداد لقيام التنظيم الطليعي الذي سيقود الثورة العربية حتى تحقيق اهدافه .. فكان الحديث عن طبيعة الانظمة الاقليمية وتجاربها الفاشلة واستبدادها والثورة عليها حتى اسقاطها جميعا ياتي في اطار المواجهة معها وجها لوجه ، في ظروف غير الظروف التي تحدث في سوريا الان .. مما يعني ان الموقف القومي من قضية الديمقراطية ومن الانظمة الاقليمية بجميع انواعها واحد ، لكن التعامل مع الظروف يختلف ...   
وفي هذا الجانب بالنسبة لمن يريد العودة لمواقف الدكتور عصمت سيف الدولة تحديدا عليه ان يبحث عنها فيما كتبه في كتابات اخرى تتطرق الى اوضاع مشابهة لما يحدث في سوريا ، اي في علاقة بمشكلة الديمقراطية والثورة والوحدة العربية في ظل التدخل الخارجي ، ومنها ما ورد  في دراسة معروفة بعنوان " الديمقراطية والوحدة العربية " ذكر فيها اولا بيانا مفصلا للفرق بين الديمقراطية كما يطرحها اليوم الحقوقيون في علاقة بالشعب ، وهم يقصدون شعوب الدول الاقليمية فيزايدون على القوميين بالديمقراطية ، وبين الديمقراطية كما يطرحها القوميون ، حيث لا يتوقف السقف عندهم بتحقيق الديمقراطية الانتخابية في الاقاليم ، بل يتعداه من ناحية الى وجهها الاجتماعي مطالبين بالديمقراطية الاجتماعية ، ثم الى الوحدة ، لان مفهوم الشعب عندهم محدد بمفهوم الامة وهي ذات وجود سابق على الدولة التي يتحدث عنها الاقليميون ، مما يجعل للقوميين سقفا  اعلى  واسبابا اكثر وجاهة واهمية لرفض الحكام في الدول الاقليمية - حتى ولو كانوا قوميين - من هؤلاء المتشدقين بالديمقراطية ..  
يقول عصمت سيف الدولة في الدراسة المذكورة :  " العبرة في دراسة الدولة كما يطرحها الفقه الليبرالي تكون "بالشعب" وليس "بالأمة" والفارق بينهما أن الشعب عنصر من عناصر الدولة يتحدّد بحدودها بينما الأمة تكوين اجتماعي سابق على الدولة " . وهو ما يعني ان العبرة بالنسبة للديمقراطية كاسلوب لتطور المجتمع تكون باثرها على الامة باكملها وليس على الدولة الاقليمية وحدها . فاذا كان التغيير في اي قطر عربي يتم بادوات شعبية محلية للقضاء على الديكتاتورية وحكم الفرد او العائلة او القبيلة ويجلب الديمقراطية السليمة  للشعب فالموقف القومي سيكون بالضرورة مع التغيير والثورة ، اما اذا كان التغيير يتم بادوات اجنبية ومرتزقة ملثمين لا صلة لهم بالواقع ولا علاقة لهم بالشعب فهو تخريب واحتلال وعدوان متخفي تحت عباءة الديمقراطية  ، فيكون الموقف القومي مع مقاومة العدوان ، وتكون الاولوية – موضوعيا -  للدولة في ادارة المعارك والتحالفات مع قوى المقاومة والقوى الحليفة التي يفرزها الصراع ، لا مفر من ذلك للانتصار على القوى الغاشمة بمثل ما تعرضت له سوريا قوة وعددا وعدة وعتادا ومعتدين .. 
كما ذكر ثانيا في نفس الدراسة فقرة اخرى مهمة وحاسمة تتعلق بموضوع الحديث قال فيها : " إن الدولة  والديمقراطية من حيث هما نظام إدارة وتطوير المجتمع المشترك ، يفترضان ابتداء ، إن هذا المجتمع ، بإمكاناته كلها ، متاحة لكل الشعب فيه حتى تبدأ عملية التنظيم والتطور، أما إذا لم تكن إمكانات المجتمع متاحة للشعب ، بأن كانت محتلة أو مغتصبة أو مستغلة أو تابعة لدول أخرى، فإن المشكلة التي تثور أولا تكون مشكلة تحرر قومي . وهي قابلة للحل ديمقراطيا مثل كل المشكلات ولكنها حينئذ ستكون ديمقراطية الثورة التحررية التي يلتزمها الثوار فيما بينهم ، فيعرفون أفضل السبل الثورية لتحرير مجتمعهم . أما رفع رايات الديمقراطية عالية وعريضة لتخفي مشكلة الاستيطان والاستعمار الظاهر والخفي والتبعية المفروضة أو المطلوبة ، فهو تواطؤ ضد الشعب ، وضد الديمقراطية ، وضد الوحدة ، مع أعدائهم جميعا ".  اي ان الدكتور يؤكد مرة اخرى بانه لا يفهم الديمقراطية فهما صحيحا الا في علاقتها بسلامة الوجود القومي ، ليكون طرحه متفقا تماما مع مقولته الشهيرة " الوجود شرط التطور " ..
شيء من هذا نجده ايضا في دراسة اخرى شهيرة ومعروفة تحت عنوان " المقاومة من وجهة نظر قومية " تؤكد وجهات النظر المؤيدة للدولة السورية في الدفاع عن اراضيها وهي تتعرض لغزو خارجي بيّن وواضح وضوح الشمس من خلال هوية المعتدين والجهات الخارجبة الداعمة لهم .. يقول الدكتور عصمت سيف الدولة بعد ان يستعرض خصائص الحركة القومية واهدافها الاستراتيجية والمرحلية في جميع المراحل النضالية وتحديد موقفها من القضايا القومية والمقاومة بشكل خاص ، فيذكر ضوابط الموقف القومي من كل ما له علاقة مباشرة باقامة دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية كأن يقوم اعتداء او عدوان يستهدف الوجود القومي ارضا وبشرا ليكون حائلا في المستقبل امام تلك الغاية  : " اذا كان ذلك الغزو ( يقصد الغزو الصهيوني الامبريالي ) قد بدأ واتسع ونجح في غيبة القوى القومية – الطرف الاصيل في المعركة – فانه قابل للاتساع والنجاح طالما كانت القوى القومية بعيدة عن ساحة القتال .. " .  
ولكن ما العمل حينما تاخذ الدولة الاقليمية زمام المبادرة في التصدي للعدوان  كأن تقرر استرداد اراضيها المحتلة من اي طرف خارجي مثل العدو الصهيوني فتتحول من حالة الدولة الاقلمية السلبية الى حالة مقامة ؟  
يجيب الدكتور بكل وضوح عن الموقف القومي : " ان الدول العربية التي فقدت اجزاء من اقاليمها في حرب يونيو 67 قد اصبحت طرفا اصيلا في المعركة الى ان تزول اثار العدوان ، ولهذا فان الموقف القومي يتطلب دعم مقدرتها على الصمود وتنمية مقدرتها على القتال ودفعها الى المعركة والحيلولة دون انسحابها منها او استسلامها .. "
 طبعا السؤال الذي يطرح نفسه على الذين يقفون ضد الارهاب وضد النظام في آن واحد ، كيف سيتحقق دعم المقدرة على الصمود وتنميتها على القتال ودفعها الى المعركة والحيلولة دون انسحابها منها دون دعم – ولو معنوي – للدولة والجيش والنظام بالذات ؟ 
ولكن ما العيب في ذلك اذا كان قبولنا بدعم الحالة السورية مبني على اساس انها حالة مقاومة ؟  
الجواب نجده واضحا مرة اخرى في نفس المرجع عند الدكتور عصمت سيف الدولة وهو لا يخص فقط دعم الطرف المقاوم بل يتعداه الى الحلفاء والمناصرين للقضية ، فيقول في دعم المقاومة :" .. ولكن الالتزام القومي يفرض علينا ان نؤيد وندعم المقاومة ككل ، ونؤيد وندعم المقاومة الفلسطينية بوجه خاص . لاننا نتحدث ونحن مشتبكون في المعركة فلا يمكن ان نخذل المقاومة عموما .." كما يقول في معارك التحرير : " ان تحرير فلسطين احدى المهمات الاساسية للثورة العربية ولكنها جزء من معركة التحرر العربي . ومعركة التحرر العربي ليست سوى مقدمة لوحدة الوطن العربي .... والنصر في كل تلك المعارك لازم لتحقيق الغاية النهائية : اقامة دولة الوحدة الاشتراكية والديمقراطية . " ويضيف : " تجاهل هذه الوحدة الموضعية بين مشكلات الحياة في الوطن العربي لن يؤدي الا الى الفشل . ان الجماهير العربية مع كل المناضلين ضد الاعتداء الصهيوني الامبريالي " .  
ولكن كيف يمكن استثمار تلك المعارك وتوظيفها في الاتجاه الصحيح لكي تكون مراكمة النضال في خدمة اهداف المعركة ؟  
هنا يطرح الدكتور سؤالا ليذهب بالجواب ابعد من ذلك فيقول :" ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هو الى اي مدى ؟ " . ثم يجيب بسرعة : " لن تنتصر الثورة العربية الا اذا كانت الجماهير العربية في كل مكان ملتزمة بدعمها والمساهمة فيها حتى الموت . ليس الموت في معركة المقاومة ضد الصهاينة فقط ، بل الموت حتى بعيدا عن الجبهة ضد القوى الاقليمية والامبربالية والرجعية والانهزامية " . 
اما عن الموقف من المقاومة والحلفاء فيقول بكل اسهاب وتدقيق : " انه لا يجوز تحت اي ظرف اثارة معارك مع القوى الحليفة في كل مرحلة فلن يستفيد من هذا الا العدو المشترك . ان الوقوف موقفا عدائيا ، دعائيا ، او حركيا ، ضد اي قوة مقاتلة ، او مشتبكة ، او مجابهة ، عسكريا او فكريا او سياسيا ، لقوى اعدائنا وحلفائها ، خطأ تكتيكي مدمر في هذه المرحلة . ان اقصى ما يمكن الذهاب اليه هو اتخاذ موقف دفاعي ضد الحلفاء الذين يرتكبون هذا الخطأ ، بدون وعي ، او استغلال لظروف المعركة قاصدين  تحقيق النصر لحسابهم الخاص . على ان يبذل كل صبر ثوري ضد اي استفزاز ، وتبذل كل محاولة ممكنة لتنمية كل اسباب التعاون وتوثيق التحالف وتصفية اسباب الخلاف . نقول هذا مدركين تماما ان الساحة لا تخلو من تخطيط واع لتخريب العلاقة بين القوى التي تقف معنا لفض تحالفها او تحويلها عن هدفها المشترك . كما اننا ندرك تماما التخريب الذي قد ينتجه الجهل الذي يعربد تحت حماية السلاح ، او الانتهازية التي تبحث عن مكاسبها الخاصة . ولكنا مدركون في الوقت ذاته ان الاستجابة لكل هذا والمساهمة فيه عن طريق قبول الدخول في معارك جانبية بين القوى المتحالفة هو " موضوعيا " وبصرف النظر عن المبررات اضعاف للمقدرة العربية ومساعدة غير مباشرة للقوى المعادية  " .  
ماذا يعني كل هذا التفصيل والتدقيق والتأكيد وتقليب المسائل على اوجه عديدة ؟ الا يعني - في الحد الادني –  الحرص على المراكمة للنصر وحرمان العدو من حالة الاستقطاب السلبية التي تراكم لصالحه ؟ ثم ماذا يضيف عصمت سيف الدولة خلاف ذلك ؟   
انه يضيف بعد اعادة التاكيد على الوقوف دون شروط الى جانب المقاومة – اية مقاومة – شيء واحد مهم : " نقد المقاومة في خصوصية " الاقليمية " عن طريق التركيز على ما تسببه تلك الاقليمية ( فكرا وصيغة وعلاقات ) من اضعاف لمقدرتها على النصر " ..  
بالمختصر الشديد ، المشكلة قائمة في ظل ظروف معينة ومعروفة مختلفة عن بداياتها : استهداف سوريا والوطن العربي جميعا وليس النظام في سوريا وحده . فلو استمر الامر في سوريا في شكل حراك شعبي او ثورة داخلية يقودها ابناء الشعب السوري وحده دون تدخل خارجي لاختلف الامر . ومن ناحية اخرى لو كان هناك اي حاكم عربي آخر من الحكام العرب على رأس القيادة في سوريا ، او لو استهدفت أي دولة عربية اخرى بمثل ما تستهدف به سوريا الان لما اختلف الامر كثيرا في ظل هذه الحالة ، ولبقيت الاولوية في الموقف دائما لرد العدوان ، ثم لكل حادث حديث .. اما الذين يتحدثون عن الديمقراطية ويختزلون المشكلة في رأس النظام بعيدا عن الواقع والمخططات والتسليح والاساطيل والمرتزقة ، فهم يراكمون – بوعي او بدون وعي – لقوى العدوان ، فيغلّبون – ان احبوا او كرهوا - جانب الاستقطاب للقوى المعتدية ..   

( القدس ) .