بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 31 مارس 2014

الأرض والهوية القومية .. ( 1 ) .


الأرض والهوية القومية .. ( 1 ) .


تمثـل الأرض في عصرنا - عصر القوميات والأمم - عنصرا أساسيا في تحديد الهوية القومية لأي شعـب .. ومن اثر ذلك انـنا حيثما وجّهنا بصرنا على وجه الأرض ، سنجد شعبا مستقرّا على أرض خاصة ، لا شريك له فـيها ، تربطه بها علاقة تاريخية فريدة ، نشأت من خلال التفاعل الحر بين الناس ، فأثـمـرت لغة وفـنا وأدبا وتاريخا وحضارة حتى صاروا بذلك كلـّـه أمة من الأمم .. ولهذا فمثـلما تعـبّـر هوية الامة - بالضرورة - عن هوية الشعـب فهي بلا شك تعـبّـر أيضا عن هوية الارض .. فـتـكون ارضا فـرنسية ، و ألمانية ، واسبانية  ، وصيـنـية ، وعـربـيـة ... أي أنها أرض قومية ..
ان من ينكـر مثل هذه الحقائق هو بمثابة من ينكر الشمس والقمر والكواكب .. أو بمثابة من ينكـر السحاب والهواء والبحار في هذا الكون .. والواقع فان الظاهـرة القومية هي أولى بالتأمّـل والتدبّــر والاجلال لعـظمة الله وقدرته بدل التجاهل و الأنكار ، تماما مثـلما تعـبّـر تلك المكونات المادية للسموات والأرض على القدرة الالهـية الخارقة كما جاء في القرآن الكريم : ﴿ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب / آل عمران 189 -190) .. واننا لو تأمّلنا عمق المدلول القرآني لوجدنا سرّا في اعـتـبار اخـتــلاف الـلغـة آية تضاهي آية خـلـق السماوات والارض كما جاء ذكرها في كتاب الله حين قال : (ومن آياته خلق السماوات والارض واختلاف ألسنـتـكم وألوانكم ان في ذلك لآيات للعالميـن / الروم  22) . 
سبحان الله ، لماذا يمثل اختـلاف الألسن آية مثل آية خلق السماوات والأرض .. ؟
انه بلا شك ما يتـرتـب عن ذلك الأختـلاف من تعّـدد وتـنوّع  للشعـوب والامم والقوميات ، وهو أمر عظيم .. يفيدنا أكثر مما يفـيد المنكرين للظاهـرة القومية ، فـنـدافع عن أرضنا التي هي حق خالص لنا بحكم كوننا أمة واحدة ، مثـلما لغـيـرنا حقه الكامل في الدفاع عن أرضه .. وطبقا لهذا المبدأ ستبقى أرض فلسطين سليبة نطالب بها جيلا بعد جيل حتى يتم استردادها كاملة غـيـر منقوصة .. فلا نعـتـرف ، ولا نصالح و لا نساوم على حق هو في الأصل ليس حقـنا وحدنا ، بل تشاركـنا فـيه كل الاجـيال اللاحقة  ...  

 ( نشرية القدس العدد 117 ) .

الأحد، 23 مارس 2014

عن الاستقلال والثورة ..




عن الاستقلال والثورة .. 

لا شك ان وثيقة استقلال تونس كانت ثمرة لتضحيات الشعـب التي تبلورت بشكل واضح مطلع الخمسينات باندلاع الثورة المسلحة سنة 1952 ، فأدت الى حملة اعتقالات واسعة في صفوف المناضلين واستهدافهم  بالاغتيالات فكان استشهاد فرحات حشاد في ديسمبر 1952 والهادي شاكر في سبتمبر 1953 والاخوين الطاهر وعلي اولاد حفوز في ماي 1954 وعبد الرحمان مامي في جويلية 1954 ... ثم ازدادت المقاومة تنظيما وفعالية بعد تلك الاحداث حتى اتخذت شكلا راقـيا من الكفاح المسلح ، وما تـلـى ذلك من تطوّرات ابرزها رفض اتفاقـية الاستقلال الداخلي في جوان 1955 ..
انها ثورة على الدوام ضد الهيمنة والعبودية والتغـريب .. ثورة للحرية ورفع الظلم وضمان كرامة الانسان ..
تلك هي روح الاستقلال الحقيقـية التي يجب احياؤها وتذكّـرها بعد ثورة 17 ديسمبر التي قامت بالأساس ضد من سرقوا استقلال تونس سنة 1956 ، وانحرفوا عن اهدافه في الحرية والديمقراطية والتـنمية ، الى جانب المحافظة على الشخصية الحضارية للشعـب مـتمـثـلة في هويته العـربية الاسلامية .. حيث قاوم من أجل ذلك كله جحافل الاستعمار وقدّم آلاف الشهداء ..
نعم لذكرى الاستقلال التي تذكرنا بأمجادنا وتضع حدّا لـتـزوير التاريخ الذي مارسه النظام البورقـيبي والنّـوفمـبـري طوال خمسين عاما .. 
نعم لذكرى الاستقلال التي تربط اهداف ثورة الأبناء بأهداف ثورة الآباء والأجداد ... 

 ( نشرية القدس العدد 116 ) .

الأحد، 16 مارس 2014

بين المنطق القومي والمنطق الاقـلـيمي ..


بين المنطق القومي والمنطق الاقـلـيمي ..

حينما يتكلم الاقليميون من موقع المسؤولية في الدول العـربية التي شهدت بلدانها ثورات شعـبية مثل تونس ومصر وهم يشعـرون بالاحباط تجاه المستقـبل ، فيقـفون عاجزين عن مواجهة الواقع الطافح بمشاكل البطالة والفقـر .. متوسّلين أحيانا الى الشعب الذي قدّم أرواح أبنائه من أجل تحقيق حياة أفضل ، وضمان الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم ، أن يمهلهم بعض الوقت .. أو لائمين أحيانا أخرى ، ومتـّهمين الضحايا أنفسهم بالتآمر عليهم حينما يهبّون للمطالبة بحقوقهم المشروعة ، ثم يقفون متخبّطين غـيـر عارفـيـن طريق الخلاص .. حينها تـزداد معاناتـنا نحن القوميون ، فـنشعـر بحدّة المشكلة أضعاف ما يشعـر به الاقـليون .. لأن ذلك الشعور لا يمثل بالنسبة لنا النقـيض من واقعـنا الاقـلـيمي فحسب ، فـنسلم مثـلهم بقدرنا وقـلة ذات يدنا .. بل يكون عمق شعورنا بعـمق النقـيض من واقعـنا القومي الذي نراه رؤيا العـين ، ونحصي مقدّراته الكامنة فيه فـنعـرف ما يتيحه لنا من امكانيات مادية وبشرية قادرة على تحويل حياتـنا جميعا الى الحد الذي يمكن أن يفـيض فيه الانتاج على الحاجة ، فيحقق الرخاء لكل فرد وزيادة .. لكنـنا عـندما ندرك أننا لا نقدرعلى توظيف تلك الامكانيات لخدمة التقدم كما يمكن أن يتحقق في ظل الوحدة ، فنعـرف معـرفة اليقين أن واقع التجزئة يحول بيننا وبين تلك الحياة الممكنة ، ويبقي على تخلفـنا وعجزنا .. عـندها نشعـر بفارق شاسع من الحسرة والمرارة هو تقـريـبا نفس الفارق بين التجزئة والوحدة .. ثم لا تـلبث تلك المعاناة أن تولـّد فـينا شعورا بالرفض الى حد النقمة على غباء الاقليمـيـيـن الذين يرفضون الوحدة ، فـيسعى أغـلبهم الى تعويق كل محاولات التقدم على طريقها ، متصوّرين أن مقدّرات دولهم الاقليمية التي ينهـبـونها سيتم مشاركـتهم فـيها من قـبـل الأقطار الاخرى .. وأن تلك المشاركة ستـتحول الى منافسة لهم على العـرش .. لذلك نجدهم يبحـثون دوما على الحماية ، فلا يقدرون على الحياة الا محتمين بالأجنبي الذي يكون - في نظرهم - أولى بالمشاركة ولو عن طريق الغصب أوالنهب .. وتلك هي مأساة الاقـليمـيين الفعـلـية التي هي للأسف مأساتـنا ..
ولا شك ان  جزءا هاما من المأساة سببه حسابات الاقليميين الضيقة  و طموحاتهم  في الاقطار الغنية  .. لأنهم لا يقدّرون - أوّلا -  معـنى الحياة الكريمة فـيـرضون بالذلّ وهم في السلطة خاضعـين لأعداء أمتهم الذين نهاهم الله عن موالاتهم حين قال : "  إنما ينهاكم الله عن الذين قاتـلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولـّـوهم ومن يتولـّهم فأولئك هم الظالمون " ..
ثم ان هؤلاء الاقـليـمـيـن لا يقـدّرون - ثانيا - الامكانيات اللامحدودة التي يمكـن أن تـُـظـيفها الوحدة ، لامكانيات دُولهم الاقلـيمية حـتى وان كانت دولا غـنية ، حينما تـتـفاعل مع الطاقات البشرية الهائلة التي تحوّلها وقـتها الى امكانيات قومية ، وحينما  توفـّـر لها دولة الوحدة الحماية الكافـية من النهب والأطماع الخارجـية ، وحينما تمكـّـنها من انشاء مجالات حيوية جديدة تحوّلها من مجـرّد مواد خام و ثـروة مادية الى وموارد تـُستخدم  في بناء المشاريع الضخمة ذات القدرة الانـتاجـية العالية في جميع المجالات العلمية والتقـنـيـة ـ التي تـتـّصل بكل نواحي الحياة العصرية ، الفلاحية منها والصناعـية ، والتي يقوم نجاحها  بالدرجة الاولى على قدرة الدول على المنافسة  في مجال الترويج  واكتساح مواقع واسعة للاستهلاك  تضمن استمرارية الانتاج ، وهي رهانات أثبتت التجربة عجز الدول الاقـلـيمـية على كسبها مهما توفـّرت الارادة وحسن النوايا ..

أما الأقـليميون في الدول الفقـيـرة فـهم في وضع لا يُحسدون عليهم ، وكفاهم الحمق والغـباء والنقمة والثورات .. !

وغدا أو بعد غد  - سواء في ظل العـنف والثورة أو في ظل السلم والديمقراطية - سيختار الشعب العـربي طريقه الى الوحدة حـيـنما يستـنـفـذ كل امكانيات التـقـدم في ظل واقعـه الاقـليـمي المحــدود  العاجـز والمدمّر للانسان ...  

 ( نشرية القدس العدد 115 ) .

الاثنين، 10 مارس 2014

بين الحق والباطل ...



بين الحق والباطل ...

بعد صعـود الاخوان الى السلطة في كل من مصر و تونس  ، يستحضرالعديد من الناس ذلك الحوار الذي دار بين جمال عـبـد الناصر والمرشد العام للاخوان المسلمين حسن الهضيـبي حول تعـميم الحجاب في مصر .. حيث كان طلب الهضيـبي في تلك الفترة بأن يأمر عـبـد الناصر بفـرضه دفعة واحدة على جميع النساء في مصر ، وكيف أن عبد الناصر ذكّــر المرشد بأن ابنته تذهب كل يوم الى كلية الطب سافرة دون حجاب ، في حين كان يطلب منه أن يفرض ذلك على كل النساء .. !!
واستحضار هذه القصة يدعو بالضرورة الى التساؤل : لماذا لم يفرض الاخوان ذلك المطلب حين وصلوا الى نفس الموقع الذي انتقدوا فـيه عبد الناصر واتـّـهـمـوه بعدم تطـبـيـق الشـريعـة ..؟
وفي المقابل يمكن تذكّـر كل ما اتخذه عـبـد الناصر من قـرارات ثورية لفائدة الفلاحين والعمال ، من اجراءات حرّرت تلك القطاعات من سيطرة الاقطاع والرأسمالية ..  وفي نفس الوقت لا يوجد قرار واحد ، أو اجراء اتخذه الاخوان سواء في مصر أو في تونس ، سوى تجريم الاحتجاجات ومطالبة العاطلين من ضحايا التهميش بمزيد من الاستسلام لواقعهم ، واتهامهم بالتآمر على حكوماتهم الفاشلة متـناسين أنه نفس المنطق الذي كان يردّده النظام المخلوع ... في حين نرى الحكّـام الجدد يستحوذون على المنافع ، فيشغـّـلون المُوالين ويمنحونهم التعويضات والامتيازات .. أما شعارات الاسلام التي يرفعونها ، فلا أثر لها في الواقع ... حيث لا نرى سوى المزيد من توحّـش المستغـلين ، وارتفاع درجات الفساد واتساع دائرته حتى صار منتـشـرا في كل الاوساط .. كانتشارالمخدرات بين الشباب العاطل وتلاميذ المدارس ، وترويج الخمور في الطـرق العامة ، وتفـشي ظاهـرة القمار في المقاهي ، وتغـوّل عصابات السّرقة والانتشال في وضح النهار .. في حين تبرز ظاهـرة التسوّل في الشوارع  والأسواق والأماكن العامة  ، كما تحوّلت مشاهد المتردّديـن على المصبّات لجمع القمامة الى أدلة واضحة على العجـز الذي أصاب الناس حتى على مجرّد توفـيـر ما يبقـيهم على قـيـد الحياة ، وهو ما يـؤكّـد فعلا درجة المعاناة التي تردّى اليها المجتمع .. !!
كل هذا يقع في مجتمعـنا و أمام أعـيننا ، في حين لا يكفّ المتاجرون بالدّين عن ترديد شعارات الاسلام وهم صامتون عن كل مصائب المجتمع ، ولا يعـيرون لها أي اهتمام  .. !!
فها قد وصلتم الى السلطة اذن .. وها قد أصبحـتم في الموقع الذي يمكـنـكم ان تغـيّـروا من خلاله مجرى الحياة .. !! فلماذا لم تفعـلوا ما كـنتم تعِـدون الناس به ؟ ولماذا ولـّـيْـتم وجوهـكم ، وأدرتم ظهوركم للواقع ؟ فمتى ستحققون اذن شعارات الاسلام التي ترفعـونها ؟
ولماذا لم تقاوموا الفساد ، بل هادنتم وساومتم المفسدين الذين خانوا وطنهم ،ونهبوا ثرواته وباعوا أمنه وسيادته ؟
لماذا نسيتم شعـبكم وهـرولتم الى الغـنائم والتـّـعـويضات ؟ أين أنتم مما فعله عبد الناصر منذ أكثر من سبعـين عاما ؟
هل وقـفـتم مثله في وجه الرّجعـية والاستعمار؟ هل حرّرتم الفلاحين من الاقطاع أو انصفـتم العمال من الطرد التـّـعسّفي والاستغـلال وحدّدتم لهم الأجر الأدنى وعدد ساعات العمل وحقهم في التـرسيم والتقاعد والعلاج ليتمتّـعوا في عصركم بحقوقهم كاملة كما تمتعـوا بها في عصر عبد الناصر ؟ وهل بنـيْـتم  صناعات ثقـيلة للحديد والصلب والاليمنيوم تجعـل بلدكم مصنّـعا مثل الدول العظمى .. ؟ وهل أمّمتم قطاعات ضخمة مثـل قـنـاة السويس والبنوك الاجنبية والشركات العملاقة ..؟ هل ساندتم الثورات بالمال والسلاح ؟ وهل بنـيْـتم احلافا غـيـر منحازة تقودها منظمة عالمية هي منظمة عدم الانحياز ؟ وهل بنـيْـتم سدودا ضخمة مثـلما  بنى هو السد العالي العملاق ؟ هل شيّدتم جامعات ومستشفـيات وضمنـتم التعـليم والعلاج المجاني لعامة الشعـب ؟ وهل خـُـضتم حـروبا ضد الاستعمار ، أو واجهتم مؤامرات دولية ومحلية كما فعـل  ..؟ وهل دافعـتم عن أمّـتكم مثـلما كان يدافع ..؟
ان استحضار مثـل هذه الوقائع بعد ثلاث سنـوات من حكـم الأخوان في تونس وعشـرات السنـيـن من حـكمهم في السودان  تؤكد لنا كم كان عبد الناصر على حق ، و كم كـانوا على باطل .... وكم كان صادقا مع نفسه وشعـبه ، وكم كـانوا يخادعون الجميع ... 

 ( نشرية القدس العدد 114 ) .