بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 يناير 2014

الطريق الى الدستور ..



الطريق الى الدستور  ..

بعد سنتين كاملتين تراوحت بين التجاذبات والصراعات والحسابات الضيقة ، والدهاء  والدسائس والنفاق في بعض الاحيان ، والمجاملات ، والحوار والتوافق كما يبدو أحيانا أخرى .. ظهرت العديد من الحقائق التي لم يقبلها الكثيرون في البداية وعلى رأسهم الأطراف الحاكمة صاحبة الاغلبية النيابية داخل المجلس التأسيسي ، والممثـلة في الحكومة المنبثـقة عـنه ، وهي أن المراحل الانتقالية التي يعاني فيها الوطن من الانفلات الأمني ، وغـياب الدور الفاعل للقانون وضعف المؤسسات ، لا يستطيع ان يقودها طرف بمفرده ، مهما كانت شعـبـيته وشرعـيته ، ولا يقدر كائن من كان على تحقيق الاهداف التي يكفي أن نعـرف ان الثورة بكل ما فيها من عنف و دماء ، قامت من أجل تحقيقها حتى ندرك ضخامة المسؤولية التي تفوق امكانيات أي جهة لوحدها .. ثم يكفي أن نعـرف أن القوى المضادة التي فقدت نفوذها ومصالحها بسبب الثورة التي أزاحتها عن مواقع القرار والفعل والمنفعة ، سوف لن تبق مكتوفة الأيدى وهي ترى نفسها تخسر كل تلك الامتيازات دفعة واحدة .. لذلك ما كان يلزم كل هذا الوقت ، وكل هذه التضحيات ، وكل هذه المعانات والخسائر في الارواح ، والدماء التي سالت حتى أصبحت تونس على فوهة بركان ، لكي نقبل بتلك الحقيقة الواضحة منذ البداية : التوافق للخروج من المرحلة الانتقالية الحسّاسة الى بر الأمان .. 
والواقع فان ذلك كان مردّه الى الاعتقاد السائد لدى الاطراف الحاكمة بأن ما تحقق لهم بسبب الفوز في الانتخابات قد أصبح يمثل صكا على بياض يمنحهم الحق المطلق في الذهاب بالوطن الى حيث يشاؤون ، تحت غطاء من الشرعـية الزائفة التي لا تستقـيم قاعدتها - كما بيّـنت التجـربة - الا بقدر ما تستجـيب لطموحات الناس الذين كانت الثورة تعـبـيـرا صادقا عن حاجتهم للتغـيـيـر الذي يمكّـنهم من تحسين أوضاعهم .. لذلك كانت الشرعـية منحة جماهيرية باعتبارها حاجة ملحة لتحقـيق تلك المطالب التي قامت الثورة من أجلها  وليس العكس .. وتلك حصيلة أولى للتجـربة كانت كافية لاقناع الطرف الفاعل في الحكومة والمجلس التاسيسي بالقبول في النهاية بمبدأ التوافق ولو على مضض لحفظ ماء الوجه .. وقد يكون ذلك أفضل طريق للوصول الى انهاء الدستور ، وتحقيق الاستقرار ، من الحديث عن الشرعـيـة الفارغة ، لو ثبت فعلا أنه تم بارادة وطنية صرفـة ، ودون املاءات خارجـيـة .. !!  

 ( نشرية القدس العدد 108 ) .

الأحد، 19 يناير 2014

ذكرى لها تاريخ ..



ذكرى لها تاريخ ..        

 قد تكون ذكرى ميلاد عبد الناصر في 15 / 1 / 1918 مناسبة عادية بالنظر الى الحدث .. لكنها حينما تكون متصلة بحياة قائد غيّر مجرى التاريخ العربي الحديث وساهم في يقضة الوعي القومي في زمن الركود والاستعمار والهيمنة والتجزئة وسيطرة القوى الرجعية ، فان الأمر يختلف كثيرا .. لأن هذا الرجل هو مفجّر ثورة يوليو 1952 التي بدأت منذ قيامها في مواجهة العملاء من الأنظمة والقوى الاستعمارية المتواجدة على الارض العـربية .. فهي اما مساهمة ميدانيا في معارك التحرير بمشاركة قواتها المسلحة كما حدث في اليمن لتخليصه من حكم الامامة المتخلف والاستعمار ، أو مساهمة بالمال والسلاح في مساندة  الثورات العـربية كما فعلت مع الثورة الجزائرية والثورة الفلسطينية .. وهي التي تمكنت أيضا منتصف الخمسينات من اسقاط الحلف الاستعمار الرجعي المعادي للارادة الوطنية والقومية في التحرر والوحدة متمثلا في حلف بغداد ...
والواقع فان ثورة يوليو كانت تخوض معارك الامة بأكملها بامكانيات دولتها الاقليمية .. مما تسبب أحيانا في وقوع الفشل بسبب تلك الظروف .. حيث لم يكن أمام مصر الا طريقين : اما ان تخوض معارك الدفاع عن أمتها الى جانب معارك البناء والتنمية في الداخل ، واما ان تفعل ما فعلته بقية الانظمة في خضوعها واستسلامها للاجنبي .. لذلك رفض قائدها أن يتخلى عن مبادئه القومية ، ولم يقبل مسايرة الاوضاع " بالحكمة " التي ظلت تروّج لها الأنظمة العميلة ، وهي تعني الاستسلام للامر الواقع وقبول الهيمنة ، ونهب ثرواتها وعـزلها بتلك الحكمة الخدّاعة عن قضايا أمتها ..
ولما كان جمال عبد الناصر قائدا ثوريا ، وزعيما وطنيا وقوميا ، فانه رفض مقولات " الحكماء " ، وصمّم على تحقيق ما تصبو الدول الكبرى الى تحقيقه .. وأولها التحرّر من التبعـية ، واسترجاع المقدّرات المنهوبة ، لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية .. فوقفت ثورة يوليو وقفة حقيقية في وجه المخططات والمؤامرات ، وأطلقت يد البناء التي حققت ما استطاعت تحقيه بالامكانيات الاقليمية المحدودة ، في حين كان ما تتطلع اليه يستوجب حشد كل الامكانيات القومية .. وهو الجانب العـظـيم فعلا في شخصية عبد الناصر ، الذي يُـبـقـيه دوما في الذاكـرة الشعـبـيـة .. ولذلك لا يمكن أن تمرّ ذكرى ميلاده دون وقـفـة مع التاريخ ..

 ( نشرية القدس العدد 107 ) .

الأحد، 12 يناير 2014

سقط الحاكم ..واستمرّ النظام ..







سقط الحاكم  ..واستمرّ النظام ..

لقد سميت الثورة بثورة الكرامة ، وثورة الحرية ، وثورة الفقراء والمهمشين ، وثورة الشباب  .. وقد كان ذلك تعبيرا صادقا عن هوية الثورة وآداتها وأهدافها .. حيث كانت الظروف التي عاشتها تونس منذ مطلع الثمانينات  تنذر من فترة الى أخرى بحدوث التغيير المنشود .. لذلك عرفت البلاد هزات قوية كادت أن تعصف برأس النظام في عدة انتفاضات شعبية سنة 1978 و1980 و1984 و 2008 .. وصولا الى سنة 2010 التي شهدت انتفاضة الفلاحين بسيدي بوزيد خلال شهر ماي ، وانتفاضة بنقردان في شهر أوت ، ثم انتهت بثورة عارمة انطلقت في 17 ديسمبر ولم تتوقف الا بفرار الطاغية في 14 جانفي 2011 ..وقد كان وقود هذه الثورة جموع الشباب الذين اضطهدهم بن علي وهمّشهم وحاول تغـيـيـبهم بالكامل عن الواقع ، بتغـيـيـب وعـيهم  وصرف اهتمامهم كليا عن الانشغال بالشأن العام ، من خلال سياسة ممنهجة تستهدف وعي الانسان وشخصيته منذ الطفولة وسنّ الشباب حتى الخروج من الجامعة ، وهي فـترة حساسة ومهمة في تشكل شخصية الانسان ، يقع خلالها توظيف كل الوسائل ،التي تبدأ بالتعليم والثقافة والدعاية والاعلام ، والفن والرياضة والترفيه ، ولا  تنتهي الا بوسائل الترغيب والترهيب والابتزاز ..
ورغم تلك المحاولات الجاهلة فان الاجيال التي حملت الوعي ، وراكمت الاحتقان باساليـبها النضالية من فـتـرة الى أخرى ، قد وجدت الارضية المناسبة التي مهّدها بن علي نفسه حين قضى نهائيا على الطبقة الفقيرة وأنهك الطبقة الوسطى ، وحاصر الجميع في أرزاقهم وسلبهم حرياتهم .. فكانت تلك الحادثة يوم 17 ديسمبر بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس .. والتي التقطها المثقفون بدورهم وحوّلوها الى حدث تاريخي حينما أصروا على التصعيد ، وعملوا على توسيع رقعة الانتفاضة لتشمل بقية الجهات حتى تخرج من دائرة السيطرة والحصار .. وفعلا كان النجاح حليف المناضلين بفضل تنقلاتهم بين الجهات ، لضخ دماء جديدة في الحراك الثوري حتى أفلت نهائيا من امكانيات الاجهاض..عند ذلك أدرك رأس النظام خطورة الموقف ودخل بدوره في التصعيد .. ليحصل منعـرجا جديدا في الفعل والشعارات .. وقد كان الفعل العفوي كافيا لاسقاط الحاكم ، لكنه لم يكن كافيا لاسقاط  النظام  ..


  ( نشرية القدس العدد 105 ) .

الاثنين، 6 يناير 2014

سقـوط الاقـنـعـة .

سقـوط الاقـنـعـة .

الكل يتذكر الحملة الانتخابية لحركة النهضة سنة 2011 ، وما رافقها من دعاية حول البرنامج الانتخابي "الثري" الذي ساهم في اعداده الخبراء والسياسيون الذين عادوا محملين بتجارب تلك الدول التي اقاموا فـيها ، كما قال عبد اللطيف المكي في أحد اللقاءات الدعائية التي تكثفت في تلك الفترة .
ويتذكر الجميع كذلك تلك الشعارات التي رُفعت حول الاسلام الذي هو هوية الحركة وأحد أهم ثوابتها .. ! وحول التشغـيل الذي سيكون في مقدمة اهتماماتها .. ! وحول العـروبة التي هي ركن من اركان قـناعاتها .. ! الى درجة أن الحركة من خلال مبالغـتها في الحديث عن اليوسفيين أحيانا ، وعن عروبة تونس أحيانا أخرى ، وترويجها للخطاب القومي المتصنـّع ، ظهرت للبعص وكأنها تعمل على سحب البساط من تحت أقدام الحركة القومية .. ! حتى تبين بعد فترة قصيرة من الممارسة والمسؤولية أن كل شيئ كان تلاعبا بالمشاعـر ، واستغلالا رخيصا لحضور الحس القومي المقترن بالاسلام  لدى عامة الشعـب ..  ورغم أن حركة النهضة قد رفعت العديد من الشعارات طوال سنتي 2012 و 2013 مثل تجريم التطبيع والمحاسبة و تحصين الثورة .. الا أنها أظهرت أن ذلك لم يتعدّى حدود المتاجرة والمزايدة حيث سقطت من الدستور كل الشعارات واختفت كل مشاريع القوانين التي رددها أنصار النهضة في الاعلام والمسيرات ،  وحتى التي تضمنها البيان الختامي لمؤتر الحركة صيف 2012 .
ولذلك تـبـيّـن ان حبل الكذب قصير فعلا .. وأن العثرات لا تلبث  دائما أن تـُسقط الأقـنعة .. وهاهي الممارسة خير محك لاظهار الحقيقة .. حيث ظهر في أقل من سنتين زيف تلك المقولات حين تكون بلا سند واقعي .. فاذا بمقاصد الاسلام  في آخر اهتمامات الحركة ، حيث لا تلتفت حكومتها لأي نوع من أنواع الفساد المنهي عنه في الاسلام . بل أنه قد أصبح أضعاف ما كان عليه زمن النظام المخلوع .. كما اتضح أن الحركة هي آخر من يدافع عن القضايا العربية ، من خلال اصطفافها وراء الداعمين لمشاريع تفتيت الأمة .. وتزعمها داخل المجلس التأسيسي للكتل المناهضة لتجريم التطبيع مع العدو الصهيوني ، ورفضها  حتى لمجرد اعتباره كيانا عنصريا  ..
كما سقطت كل الاقـنعة في التخلي عن المحاسبة وفي الخيارات الاقتصادية الفاشلة المعادية للشعب التي ظهرت في ميزانية 2014 ، وهي التي ستحوّل الاستغلال والنهب الى نشاط مشروع تحميه الدولة من خلال التشريعات الجبائية والأتاوات المفروضة على الشعب ..

( القدس عدد 105 ) .