بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 مارس 2016

حقيقة البورقيبية العائدة ..!!

حقيقة البورقيبية العائدة ..!!

بادئ ذي بدء لا بد أن نؤكد على أن بورقيبة كان منسيا بالفعل طوال فترة التسعينات عندما كان محاصرا في مدينته الام : مدينة المنستير ، بين أهله ومقرّبيه ، وكان تقريبا سجينا وليس رئيسا سابقا أو زعيما ومجاهدا أكبر في تونس .. بل كان وضعه يثير الشفقة والعطف ، بسبب العزلة التامة المفروضة عليه وهو في تلك السن ، فلا يسمح له بالتواصل  من قريب او من بعيد مع اصدقائه ، ورفاقه الذين عاش بينهم وقتا طويلا زمن الحكم ، وكان يُحرم بالفعل من أي مقابلة مع السياسيين والاعلاميين ، والدستوريين الذين تعوّد بتصفيقهم ونفاقهم .. بل الأكثر من ذلك ان بورقيبة قد تعرّض الى المحو من الذاكرة الرسمية ، فلم يعد يذكر طوال تلك الفترة  ، ولم يعد له حضورا سوى في مناسبة أو مناسبتين هما عيدي الاستقلال والشهداء ، وحتى بقية المناسبات  التي كان يذكر فيها  كثيرا مثل عيد النصر وعيد الميلاد وعيد الجلاء ، قد وقع تهميشها او الغاؤها تماما من رزنامة المناسبات والاعياد الوطنية .. ثم تم محو صوره ، وحضوره المكثف في الكتب المدرسية والبرامج  التعليمية لمادتي التاريخ والتربية الوطنيية ، كما تم ازالة تماثيله ورمزيته  التي لم يبق منها سوى اسماء الشوارع التي لا تميزه في الواقع باي ميزة خاصة وبعضها يحمل اسماء العواصم و الزعماء والشخصيات العادية ، وحتى اسماء الزهور والنباتات في بعض المدن الخ .. وهكذا لم يعد تاريخ تونس طوال تلك الفترة مرتبطا بنجم الزعيم الآفل ، بل بزعيمها الجديد الصاعد الذي غير كل شئ ،  فقبل البورقيبيون هذا الأمر ، وساندوه ، واطلقوا عليه اسما مناسبا هو صانع التغيير ..
لماذا يعود بورقيبة اذن في هذا الوقت ..؟؟
لا بد أن نؤكد هنا ايضا أن المسألة ليست وفاء لبورقيبة .. ولا هي مسألة استنهاض جديدة يحتاجها المجتمع في البورقيبية الميتة منذ  23 عاما  ..
فتونس قد شهدت أزمات عديدة خانقة طوال فترة الحكم  البورقيبي ، لم تعرف خلالها الاستقرار والتنمية الحقيقية ولا المساواة والمشاركة السياسية ، فلم يكن مستغربا ـ بعد المحاكمات الجائرة ومصادرة الحريات والأزمات الاقتصادية ـ أن تشهد الانتفاضات السلمية والمسلحة  التي حدثت في 62 و78 و 80 و84 ، ولم يكن مستغربا ايضا ان تشهد تغييرا ما سواء من خارج الحكم أو من داخله .. وهو ما حدث فعلا بانقلاب ابيض سنة 1987 ، ليؤكد أن البورقيبية قد ماتت مرتين .. المرة الأولى حين قادتها أزماتها وفشلها الى مطلب التغيير الشعبي ، فاستغله الانتهازيون .. والمرة الثانية حينما دفنها أصحابها قبل أن يموت بورقيبة سنة 2000 ، فلم يلتفت أحد الى الوراء من الذين يتحدثون كثيرا عنها اليوم .. !!  
بعد هذا لا بد من طرح الاسئلة التالية :  
لماذا يستحضر " الندائيون " البورقيبية ..؟؟ ولماذا يُجند الاعلاميون ، فتأخذ القنوات التلفزية حيزا هاما من برامجها للحديث عن بورقيبة وتاريخه ، وانجازاته .. ومآثره .. ؟؟
ولماذا يصرف رجال الأعمال المليارات لتغيير ملامح الشوارع الرئيسية في المدن ، فتنصب تماثيل بورقيبة من جديد ..؟؟ واذا كانت الدولة جادة في استحضار تاريخ تونس وأمجادها كما يقولون لماذا يقتصر الأمر على بورقيبة وحده ..؟؟ ألا يوجد زعماء آخرون قدّموا ارواحهم شهداء في سبيل الاستقلال ، وفي سبيل الحرية ، يستحقون عليها نصيبا من التكريم .. ؟؟
  لماذا لا تقام التماثيل لعلي بنعذاهم والدغباجي وفرحات حشاد ومصباح الجربوع  وصالح بن يوسف والكثير الكثير من الابطال المجاهدين الذين ماتوا في سبيل الوطن وتركوا الحكم لبورقيبة ومن معه ..؟؟ هل الوطنية درجات ..؟؟ فهؤلاء على الاقل لم يتعرضوا لما تعرض له بورقيبة من سخت شعبي واضح في تلك الأحداث الدامية التي عاشتها تونس في العديد من المناسبات والتي ذهب فيها العديد من الضحايا الاموات منهم والاحياء .. !!
المسألة  لا تتعلق  بالماضي ، بل تتعلق بالمستقبل على وجه الخصوص .. فهؤلاء يستحضرون ماضي بورقيبة ، للتحكم في  مستقبل تونس وتوجيهه وجهة محدّدة ..
فلو كان هذا من أجل انصاف أو اعتراف أو تثمين لتضحيات بورقيبة  لكان الامر مطروحا منذ تنحيته عن السلطة ، لكن هذا لم يحدث .. ولو كان الامر يتعلق  باستلهام قيم يحتاجها المجتمع لكانت مطلوبة منذ عقدين قبل وفاته ، فكل الشعوب تحتاج الى رموز ، وشخصيات تاريخية مهمّة ، تستلهم منها روح الماضي .. فهي تحتاج الى ملهم ، والى قدوة يختزل بعض القيم في الذاكرة الوطنية .. وكل هذا مهم في حياة الشعوب .. لكن هذا أيضا لم يحدث .. بل على العكس من ذلك ، فان بورقيبة الذي تعرض الى التهميش والتحقير في حياته وهو محاصر في الاقامة الجبرية ، قد تعرض ايضا الى ما هو اشد قسوة ومرارة ، وهو النسيان والشطب من الذاكرة الشعبية .. فبورقيبة لم يكن ابدا ذلك الرمز الذي يذكر في المناسبات بمثل ما يذكر به الزعماء ، ولم يكن حاضرا في الاحتجاجات ، والمسيرات والانتفاضات بمثل ما يذكر به أي زعيم في وطنه وأمته .. وبورقيبة لم تنشأ باسمه أحزابا سياسية او جمعيات ، ولم تُقم له الندوات داخل الفضاءات الثقافية لتناقش افكاره وبرامجه ومشاريعه .. ولم يتم تكريمه رسميا بأي نوع من أنواع الاعتراف سواء في حياته او بعد مماته ، لم يقع شئ من هذا على الاطلاق .. فكل ما كان له من ألقاب وامتيازات وقيمة رمزية كان ينقص ولا يزيد حتى مات .. ولم يشهد الاضافة طوال تلك الفترة ، وحتى الشوارع الرئيسية في المدن كانت تحمل اسمه حينما كان في السلطة .. فأي بورقيبية يقصدون اذن .. ؟؟ ولماذا نعود اليها الآن .. ؟؟ فاذا كانت الدعوة الى البورقيبية صادقة ، لماذ لا نرى توجها صادقا على الارض يلامس جوانب ايجابية من تجربته ..؟؟  لماذ لا نرى توجها الى مجانية الصحة أو الى مجانية التعليم ..؟؟ فهما أهم مكسبين عُرف بهما بورقيبة حتى أواخر السبعينات الى جانب مدنية الدولة وبعض المكاسب للمرأة ..
ان الامر ليس كما يصوّر للناس في وسائل الاعلام  والمنابر الحوارية ، بل هو أكثر تعقيدا وأكثر عمقا وأهمية من ذلك .. هم يستحضرون البورقيبية  في شكلها الهلامي الأسطوري لتوجيه الراي العام الى النهج البورقيبي العلماني الانفصامي في علاقته بالهوية ، الليبرالي في قيمه الفردية ، والراسمالي في علاقاته الاقتصادية ، والتغريبي الذي يؤمن بان باريس اقرب من القاهرة في رؤيته الحضارية .. هم يستحضرون  البورقيبية اذن  لضرب المشاريع الأخرى وفي المقدمة منها أي مشروع حضاري يربط تونس بمحيطها العربي الاسلامي .. هي اذن بورقيبية مفخخة تُستحضر لتضخيم الوطنية الفارغة من اي مضمون ، وهي تسعى  فقط  لاقصاء العروبة .. ولكن أي وطنية  دون وضع اليد على الفساد ، ودون اعلان النفير حتى استئصال ذلك الداء واقتلاعه من جذوره .. ؟ وأي وطنية دون تطهير للمؤسسات من السلبية والتواكل  والمحسوبية .. ودون  محاربة  المافيا والعصابات وقنوات التهريب ..؟؟

هي عودة فاشلة  لتثبيت جملة من  القيم التي زعزعتها الثورة ، يبحث لها اصحابها عن آليات لاستمرارها وفرضها في المجتمع : قيم التغريب ، والتبعية ، واقتصاد السوق .. وانفصام الشخصية الحضارية ..

 ( القدس عدد 221 ) . 




القدس عدد 221 .

تحميل العدد 221 .


             حقيقة البورقيبية العائدة .. !! 


بادئ ذي بدء لا بد أن نؤكد على أن بورقيبة كان منسيا بالفعل طوال فترة التسعينات عندما كان محاصرا في مدينته الام : مدينة المنستير ، بين أهله ومقرّبيه ، وكان تقريبا سجينا وليس رئيسا سابقا أو زعيما ومجاهدا أكبر في تونس .. بل كان وضعه يثير الشفقة والعطف ، بسبب العزلة التامة المفروضة عليه وهو في تلك السن ، فلا يسمح له بالتواصل  من قريب او من بعيد مع اصدقائه ، ورفاقه الذين عاش بينهم وقتا طويلا زمن الحكم ، وكان يُحرم بالفعل من أي مقابلة مع السياسيين والاعلاميين ، والدستوريين الذين تعوّد بتصفيقهم ونفاقهم .. بل الأكثر من ذلك ان بورقيبة قد تعرّض الى المحو من الذاكرة الرسمية ، فلم يعد يذكر طوال تلك الفترة  ، ولم يعد له حضورا سوى في مناسبة أو مناسبتين هما عيدي الاستقلال والشهداء ، وحتى بقية المناسبات  التي كان يذكر فيها  كثيرا مثل عيد النصر وعيد الميلاد وعيد الجلاء ، قد وقع تهميشها او الغاؤها تماما من رزنامة المناسبات والاعياد الوطنية .. ثم تم محو صوره ، وحضوره المكثف في الكتب المدرسية والبرامج  التعليمية لمادتي التاريخ والتربية الوطنيية ، كما تم ازالة تماثيله ورمزيته  التي لم يبق منها سوى اسماء الشوارع التي لا تميزه في الواقع باي ميزة خاصة وبعضها يحمل اسماء العواصم و الزعماء والشخصيات العادية ، وحتى اسماء الزهور والنباتات في بعض المدن الخ .. وهكذا لم يعد تاريخ تونس طوال تلك الفترة مرتبطا بنجم الزعيم الآفل ، بل بزعيمها الجديد الصاعد الذي غير كل شئ ،  فقبل البورقيبيون هذا الأمر ، وساندوه ، واطلقوا عليه اسما مناسبا هو صانع التغيير ..
لماذا يعود بورقيبة اذن في هذا الوقت ..؟؟
لا بد أن نؤكد هنا ايضا أن المسألة ليست وفاء لبورقيبة .. ولا هي مسألة استنهاض جديدة يحتاجها المجتمع في البورقيبية الميتة منذ  23 عاما  ..
فتونس قد شهدت أزمات عديدة خانقة طوال فترة الحكم  البورقيبي ، لم تعرف خلالها الاستقرار والتنمية الحقيقية ولا المساواة والمشاركة السياسية ، فلم يكن مستغربا ـ بعد المحاكمات الجائرة ومصادرة الحريات والأزمات الاقتصادية ـ أن تشهد الانتفاضات السلمية والمسلحة  التي حدثت في 62 و78 و 80 و84 ، ولم يكن مستغربا ايضا ان تشهد تغييرا ما سواء من خارج الحكم أو من داخله .. وهو ما حدث فعلا بانقلاب ابيض سنة 1987 ، ليؤكد أن البورقيبية قد ماتت مرتين .. المرة الأولى حين قادتها أزماتها وفشلها الى مطلب التغيير الشعبي ، فاستغله الانتهازيون .. والمرة الثانية حينما دفنها أصحابها قبل أن يموت بورقيبة سنة 2000 ، فلم يلتفت أحد الى الوراء من الذين يتحدثون كثيرا عنها اليوم .. !!  
بعد هذا لا بد من طرح الاسئلة التالية :  
لماذا يستحضر " الندائيون " البورقيبية ..؟؟ ولماذا يُجند الاعلاميون ، فتأخذ القنوات التلفزية حيزا هاما من برامجها للحديث عن بورقيبة وتاريخه ، وانجازاته .. ومآثره .. ؟؟
ولماذا يصرف رجال الأعمال المليارات لتغيير ملامح الشوارع الرئيسية في المدن ، فتنصب تماثيل بورقيبة من جديد ..؟؟ واذا كانت الدولة جادة في استحضار تاريخ تونس وأمجادها كما يقولون لماذا يقتصر الأمر على بورقيبة وحده ..؟؟ ألا يوجد زعماء آخرون قدّموا ارواحهم شهداء في سبيل الاستقلال ، وفي سبيل الحرية ، يستحقون عليها نصيبا من التكريم .. ؟؟
  لماذا لا تقام التماثيل لعلي بنعذاهم والدغباجي وفرحات حشاد ومصباح الجربوع  وصالح بن يوسف والكثير الكثير من الابطال المجاهدين الذين ماتوا في سبيل الوطن وتركوا الحكم لبورقيبة ومن معه ..؟؟ هل الوطنية درجات ..؟؟ فهؤلاء على الاقل لم يتعرضوا لما تعرض له بورقيبة من سخت شعبي واضح في تلك الأحداث الدامية التي عاشتها تونس في العديد من المناسبات والتي ذهب فيها العديد من الضحايا الاموات منهم والاحياء .. !!
المسألة لا تتعلق  بالماضي ، بل تتعلق بالمستقبل على وجه الخصوص .. فهؤلاء يستحضرون ماضي بورقيبة ، للتحكم في  مستقبل تونس وتوجيهه وجهة محدّدة ..
فلو كان هذا من أجل انصاف أو اعتراف أو تثمين لتضحيات بورقيبة  لكان الامر مطروحا منذ تنحيته عن السلطة ، لكن هذا لم يحدث .. ولو كان الامر يتعلق  باستلهام قيم يحتاجها المجتمع لكانت مطلوبة منذ عقدين قبل وفاته ، فكل الشعوب تحتاج الى رموز ، وشخصيات تاريخية مهمّة ، تستلهم منها روح الماضي .. فهي تحتاج الى ملهم ، والى قدوة يختزل بعض القيم في الذاكرة الوطنية .. وكل هذا مهم في حياة الشعوب .. لكن هذا أيضا لم يحدث .. بل على العكس من ذلك ، فان بورقيبة الذي تعرض الى التهميش والتحقير في حياته وهو محاصر في الاقامة الجبرية ، قد تعرض ايضا الى ما هو اشد قسوة ومرارة ، وهو النسيان والشطب من الذاكرة الشعبية .. فبورقيبة لم يكن ابدا ذلك الرمز الذي يذكر في المناسبات بمثل ما يذكر به الزعماء ، ولم يكن حاضرا في الاحتجاجات ، والمسيرات والانتفاضات بمثل ما يذكر به أي زعيم في وطنه وأمته .. وبورقيبة لم تنشأ باسمه أحزابا سياسية او جمعيات ، ولم تُقم له الندوات داخل الفضاءات الثقافية لتناقش افكاره وبرامجه ومشاريعه .. ولم يتم تكريمه رسميا بأي نوع من أنواع الاعتراف سواء في حياته او بعد مماته ، لم يقع شئ من هذا على الاطلاق .. فكل ما كان له من ألقاب وامتيازات وقيمة رمزية كان ينقص ولا يزيد حتى مات .. ولم يشهد الاضافة طوال تلك الفترة ، وحتى الشوارع الرئيسية في المدن كانت تحمل اسمه حينما كان في السلطة .. فأي بورقيبية يقصدون اذن .. ؟؟ ولماذا نعود اليها الآن .. ؟؟ فاذا كانت الدعوة الى البورقيبية صادقة ، لماذ لا نرى توجها صادقا على الارض يلامس جوانب ايجابية من تجربته ..؟؟  لماذ لا نرى توجها الى مجانية الصحة أو الى مجانية التعليم ..؟؟ فهما أهم مكسبين عُرف بهما بورقيبة حتى أواخر السبعينات الى جانب مدنية الدولة وبعض المكاسب للمرأة ..
ان الامر ليس كما يصوّر للناس في وسائل الاعلام  والمنابر الحوارية ، بل هو أكثر تعقيدا وأكثر عمقا وأهمية من ذلك .. هم يستحضرون البورقيبية  في شكلها الهلامي الأسطوري لتوجيه الراي العام الى النهج البورقيبي العلماني الانفصامي في علاقته بالهوية ، الليبرالي في قيمه الفردية ، والراسمالي في علاقاته الاقتصادية ، والتغريبي الذي يؤمن بان باريس اقرب من القاهرة في رؤيته الحضارية .. هم يستحضرون  البورقيبية اذن  لضرب المشاريع الأخرى وفي المقدمة منها أي مشروع حضاري يربط تونس بمحيطها العربي الاسلامي .. هي اذن بورقيبية مفخخة تُستحضر لتضخيم الوطنية الفارغة من اي مضمون ، وهي تسعى  فقط  لاقصاء العروبة .. ولكن أي وطنية  دون وضع اليد على الفساد ، ودون اعلان النفير حتى استئصال ذلك الداء واقتلاعه من جذوره .. ؟ وأي وطنية دون تطهير للمؤسسات من السلبية والتواكل  والمحسوبية .. ودون  محاربة  المافيا والعصابات وقنوات التهريب ..؟؟

هي عودة فاشلة  لتثبيت جملة من  القيم التي زعزعتها الثورة ، يبحث لها اصحابها عن آليات لاستمرارها وفرضها في المجتمع : قيم التغريب ، والتبعية ، واقتصاد السوق .. وانفصام الشخصية الحضارية ..

( القدس ) .  
* من أقبح أنواع الاستبتداد ، استبداد الجهل على العلم ، واستبداد النفس على العقل ( عبد الرحمان الكواكبي ).
* نحن نسعى لأن نتجنب الألم أكثر من سعيينا لأن نجد السعادة . ( سيغموند  فرويد ) .
* عزة النفس تشعرنا دائما بالاكتفاء رغم الحاجة . ( حكمة ) .
***
أنا المعنّى ، وظل الموت يهتف بي
يا ذا الشريد بأرض العرب ما العجب ؟ !
خرائط الآه من بغداد تهصرني
حتى الرباط ، وقيد القيد يلتهب
لا الليل يرحل ، لا الراكب اعتبرته رؤى
ولا السراة اهتدوا لما هوت شهب
ياساحل الروح لم تقفز شواطئنا
وذي مراكبنا أزرى بها الصحب
                                                        
                                                          ( عبد الجليل عوّاسي )


تعتبر الأرض الفلسطينية الركيزة الأولى لإنجاح المشروع الصهيوني كما أشارت الأدبيات الصهيونية وخاصة الصادرة عن المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897م ، ومنذ نشوئه دأب الكيان العنصري الصهيوني على ممارسة سياسة تهويد الأرض العربية واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم التي انغرسوا فيها منذ أن وجدت الأرض العربية ، وذلك عبر ارتكاب المجازر المروّعة بحق الفلسطينيين ، ولم تكتف سلطات الاحتلال الصهيوني بمصادرة أراضي الفلسطينيين الذين أُبعدوا عن أرضهم ، بل عملت تباعاً على مصادرة ما تبقى من الأرض التي بقيت بحوزة من ظلوا في أرضهم  .

خطة تهويد الجليل :                   

احتفظت منطقة الجليل رغم كل المؤامرات الصهيونية بأغلبيتها العربية مع أنها المكان الذي أمعن فيه الصهاينة في تطبيق سياسة التهويد، فأعلنت السلطات الصهيونية في أوائل عام 1975 عن خطة لتهويد الجليل تحت عنوان: مشروع " تطوير الجليل " ، وهي الخطة التي تعد من أخطر ما خططت له حكومة الكيان الصهيوني ؛ إذ اشتمل على تشييد ثمان مدن صناعية في الجليل. مما يتطلب مصادرة 20 ألف دونم من الأراضي العربية ذلك أن نظرية الاستيطان والتوسع توصي بألا تُقام مظاهر التطوير فوق الأراضي المطورة ، وإنما فوق الأراضي البور والمهملة، وهي التسميات التي تُطلق على الأراضي التي يملكها العرب .
وقد شكّلت عملية تهويد الجليل ـ وما تزال ـ هدفاً من أهداف الحركة الصهيونية وهاجسها ، فقد حدد بن غوريون هذا الهدف بقوله : " الاستيطان نفسه هو الذي يُقرر إذا كان علينا أن نُدافع عن الجليل أم لا " .
يوم الأرض :          
في يوم السبت الثلاثين من شهر آذار من العام 1976، وبعد ثمانية وعشرين عاماً في ظل أحكام حظر التجول والتنقل، وإجراءات القمع والإرهاب والتمييز العنصري والإفقار وعمليات اغتصاب الأراضي وهدم القرى والحرمان من أي فرصة للتعبير أو التنظيم ، هبّ الشعب الفلسطيني في جميع المدن والقرى والتجمعات العربية في الأراضي المحتلة عام 1948 ضد الاحتلال الصهيوني، واتخذت الهبة شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية عارمة ، أعملت خلالها قوات الاحتلال قتلاً وإرهاباً بالفلسطينيين ، حيث فتحت النارعلى المتظاهرين مما أدى إلى استشهاد ستة.. فلسطينيين هم : الشهيدة خديجة شواهنة والشهيد رجا أبوريا والشهيد خضر خلايلة من أهالي سخنين، والشهيد خير أحمد ياسين من قرية عرَّابة والشهيد محسن طه من قرية كفركنا والشهيد رأفت علي زهدي من قرية نور شمس واستُشهد في قرية الطيبة ، هذا إضافة لعشرات الجرحى والمصابين، وبلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الصهيوني أكثر من 300 فلسطينيي .
كان السبب المباشر لهبّة يوم الأرض هو قيام السلطات الصهيونية بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي عرّابة وسخنين ودير حنّا وعرب السواعد وغيرها لتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سياق مخطّط تهويد الجليل ، ويشار هنا إلى أن السلطات الصهيونية قد صادرت خلال الأعوام ما بين عام 1948 ـ 1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث ، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي التي استولت عليها السلطات الصهيونية بعد سلسلة المجازر المروّعة التي ارتكبها جيش الاحتلال وعمليات الإبعاد القسّري التي مارسها بحق الفلسطينيين عام 1948 .
فهبّة يوم الأرض لم تكن وليدة صدفة بل كانت وليدة مجمل الوضع الذي يعانيه الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة منذ قيام الكيان الصهيوني .
وقد شارك الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967م ، وأصبح يوم الأرض مناسبة وطنية وعربية للتعلق بالأرض رمز الوجود والهوية القومية ..
                                                                                  ( شبكة فلسطين للحوار ) .


..
.
كأنّنا عشرون مستحيل 
في اللّد،والرملة، والجليل 
هنا.. على صدوركم، باقون كالجدار 
وفي حلوقكم ، 
كقطعةالزجاج،كالصَبّار 
وفي عيونكم، 
زوبعةً من نار. 
هنا.. على صدوركم، باقون كالجدار 
ننظّف الصحون في الحانات 
ونملأ الكؤوس للسادات 
ونمسحُ البلاط في المطابخ السوداء 
حتى نسلّ لقمة الصغار 
من بين أنيابكم الزرقاء 
هنا على صدوركم باقون، كالجدار 
نجوعُ.. نعرى.. نتحدّى.. 
نُنشدُ الأشعار 
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات 
ونملأ السجون كبرياء 
ونصنع الأطفال .. جيلاً ثائراً ..وراء جيل 
كأنّنا عشرون مستحيل 
في اللّد، والرملة، والجليل.. 
إنّاهنا باقون 
فلتشربوا البحرا.. 
نحرسُ ظلّ التين والزيتون 
ونزرع الأفكار ، كالخمير في العجين 
برودةُ الجليد في أعصابنا 
وفي قلوبهم جهنّم حمرا 
إذا عطشنا نعصر الصخرا 
ونأكل التراب إن جعنا .. ولا نرحل!!.. 
وبالدم الزكيّ لانبخلُ .. لا نبخلُ .. لا نبخلْ.. 
هنا .. لنا ماضٍ .. وحاضرٌ.. ومستقبلْ.. 
كأنّناعشرون مستحيل 
في اللّد ، والرملة ، والجليل.. 
يا جذرنا الحيّ تشبّث 
واضربي في القاع يا أصول 
أفضلُ أن يراجع المضطهد الحساب 
                 من قبل أن ينفتل الدولاب                      
                                  لكل فعل رد فعل ...                                  
 اقرأوا ما جاء في الكتاب ..
تجربة الوحدة الألمانية في العصر الحديث
درس التاريخ والمستقبل .. (7) .
د.صفوت حاتم .
أنفاق الحرية  !!  :
20  -  ولعلها أول مرة في التاريخ المعاصر يبتدع المحاصرون على الحدود فكرة الآنفاق .. فمع تشديد السلطات الألمانية الشرقية الحراسة حول السور .. بدأت محاولات الهروب عبر حفر الانفاق التي تمر تحت السور في أعماق الأرض .. وقد تمكنت مجموعة  من أبناء برلين الشرقية من حفر أطول نفق للأعداد لأضخم هروب جماعي  ..

وكان  طول ذلك النفق 145 مترا .. ويقع على  عمق 12 مترا .. وكان مدخله يبدأ من مرحاض عمومي يقع في فناء تحيط به عمارات كثيرة .. أما مخرجه فكان في بدروم مخبز مهجور في شارع " برناور " .. وقد تم إستئجار هذا المخبز بمبلغ الف مارك في الشهر لهذا العرض .. كان إرتفاع النفق من الداخل لا يزيد عن 70 سنتيمتر .. وكانت المشكلة الرئيسية هي التخلص من الرمال الناتجة عن الحفر .. والتي كان يتم ارسالها من داخل النفق على عربة يدوية " تروللي " ثم يتم توزيعه على عربات يدوية صغيرة .. ثم تقوم محموعات أخرى من المشاركين في الحفر بنثر الرمال في أماكن مختلفة  حتى لا يثيروا الشبهات .. وقد اشترك 36 شابا وشابة .. معظمهم من الطلبة في مهمة الحفر .. ومع أنهم لم يكونوا من الهاربين عبر السور .. لكنهم كانوا يشعرون بالسعادة لأنهم يساعدون اصدقائهم وعائلتهم في الفرار والوصول الى الحرية.. .
وبعد ستة اشهر من العمل الشاق .. تمكن 57 شخصا من الهروب عبر النفق .. وكان بينهم رجل يعاني من مرض القلب .. فاصيب بالبرودة الشديدة وأزرق لون شفتيه من جراء الزحف داخل النفق لمسافة طويلة .. أما اصغر الهاربين فقد كان طفل صغير حمله أحد الرجال عبر النفق  ..
21   لم يكن الهروب عبر الأنفاق عملية مأمونة تماما .. فقد كان على من يقبل الهرب عبر الأنفاق أن يتحمل كل أنواع المخاطر .. فقد كان رجال شرطة برلين الشرقية لا يتورعون عن القاء قنابل الغاز السام أو القنابل اليديوية داخل النفق والناس داخله  .. ولكن هذا لم يمنع 1500 شاب  خلال السنوات القليلة من بناء السور من مساعدة الراغبين في الهروب والفرار من برلين الشرقية .. وكان من بينهم أعداد كبيرة من النساء يعملن كحاملات رسائل .. وكان بعضهم من الطلبة الذين اصبحوا علماء أو أطباء أو رجال أعمال اثرياء   ..
وربما لم يشهد التاريخ محاولات هروب كتلك التي حدثت عبر سور برلين منذ إنشائه وحتى هدمه , فقد بلغ عدد الأشخاص الذين تم القبض عليهم لمحاولتهم الهروب عبر السور الى برلين الغربية حوالي 70 ألف شخص  ..وكان كل من يلقى القبض عليه وهو يحاول الهرب يقدم للمحاكمة .. وكان متوسط الاحكام التي صدرت بحق هؤلاء الهاربين تصل الى 16 شهرا في السجن .. لكن الغريب .. ان الذين كانوا يقدمون المساعدة للهاربين كانت تصدر بحقهم أحكاما أكثر قسوة .. تصل احيانا الى السجن اربع سنوات  .. بل والى السجن مدى الحياة في بعض الأحيان  .. 
ورغم تحسن العلاقات بين المانيا الشرقية وألمانيا الغربية في بداية حقبة الثمانينات .. إلا أن الإحصائيات تبين ان عدد الهاربين من برلين الشرقية الى ألمانيا الغربية بلغ حوالي 500 شخص في السنة .. ولم تقتصر محاولات الهروب عبر السور الى ألمانيا الغربية .. فقد كان كثير من الألمان يهربون الى دول أخرى .. غالبا تشيكوسلوفاكيا أو المجر او بولندا .. رغم كل الأموال التي انفقتها ألمانيا الشرقية على تجهيزات حدودها مع هذه الدول  ..
إنهيار سور برلين :

لم يكن انهيار جمهورية المانيا الشرقية وتوحيد المانيا عام 1990 ممكنا دون التحولات السياسية الجذرية في الاتحاد السوفيتي السابق والتي اخذت بوادرها تظهر منذ منتصف الثمانينيات . فمن اجل انقاذ الامبراطورية السوفيتية من التفتت والإنهيار شرع ميخائيل غورباتشوف ، الرئيس السوفيتي الجديد وزعيم الحزب الشيوعي الحاكم آنذاك باجراء اصلاحات سياسية شاملة في البلاد. ومن اهم التغيرات الايدولوجية في هذه المرحلة هو تخلي الاتحاد السوفيتي عن موقع السيد الآمر والناهي في حلف وارسو واتجاهه نحو اقامة علاقات طيبة وتعاون اقتصادي اقوى مع اعداء الامس في حلف شمال الاطلسي ... بهذه السياسة يكون الزعيم الجديد للكرملين قد مهد الطريق تدريجيا امام ارساء مبادئ واسس الديمقراطية في دول اوروبا الشرقية. وكانت كل من هنغاريا وبولندا سباقة في الإنفتاح على الغرب ، ففي أيار/ مايو 1989 اخذت هنغاريا باحداث ثقب في الستار الحديدي الذي فرضه الاتحاد السوفيتي وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني فتحت هنغاريا حدودها بالكامل مع الغرب مما مكن عددا كبيرا من الالمان الشرقيين في صيف عام 1989 من الهرب عبرها واللجوء الى المانيا الغربية .
. مظاهرات لا يبزغ الشهيرة :









                          جدار برلين : الارادة تنتصر ..

وفي الوقت الذي زادت فيه اعداد الهاربين من المانيا الشرقية الى الغربية نمت حركة معارضة منظمة داخل المانيا الشرقية. فلأول مرة يخرج الناشطون في مجال حقوق الانسان الى الشارع  ويعلنوا عن مطالبهم الاصلاحية على الملأ كما كان الحال في مظاهرات الإثنين الشهيرة في مدينة لايبزغ التي خرجت تحت شعار "نحن الشعب".وقد أوضحت المظاهرات الضخمة ضد النظام الشيوعي في الفترة التي كان يحتفل فيها هذا النظام بالذكرى الأربعين لتأسيس المانيا الشرقية رفض الالمان الشرقيين لهذا الحزب ولسياساته وان الوحدة مع الجزء الغربي اصبحت امر لا يمكن التنازل عنه . وقد اضطرت هذه التطورات ايريش هونيكر الامين العام للحزب الحاكم ورئيس الدولة لتقديم استقالته في 18 أكتوبر/ تشرين الأول، ممهدا الطريق امام تفتت الحزب وانحسار قدرته على ضبط الامور، الا ان خليفته على سدة الحكم ايغون كرينتس حاول ضبط الامور واعادة هيبة الحزب وسلطته وتأثيره، ولكنه سرعان ما ايقن بانه يجذف عكس التيار مما اضطر المكتب السياسي للحزب الى تقديم استقالة جماعية في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 .. ( يتبع ) .

نحو نزعة إنسانية إسلامية  (3) .
د.صبري محمد خليل .

الأسس  الفكرية للنزعة الانسانيه الغربية : واهم الأسس الفكرية المشتركة بين المذاهب المتعددة للنزعة الانسانيه الغربية هي : الاعتقاد بان الإنسان خير بطبعه ، والاعتقاد بقابليه الإنسان للكمال وإمكانية حدوث التقدم المستمر، تأكيد الفردية الإنسانية  والدفاع عن حرية الفرد ، التأكيد على سبب الشرور ليس الخطيئة كما تقرر الكنيسة ، وإنما كان سببها النظام الاجتماعي السيئ . الانحياز لحكم الفرد الخاص ورفض سلطة الكنيسة … القول بإمكانية مجيء العصر السعيد والفردوس الأرضي . وان ذلك  يكون بالرخاء الاقتصادي . وتحقيق ذلك يكون بتبديد الخرافات والأوهام ونشر التربية العملية  
تقويم :  ومن العرض السابق يتضح لنا أن النزعة الانسانيه الغربية هدفت إلى تأكيد الوجود الإنساني ، ولكنها تطرفت في هذا التأكيد ، فحولت هذا الوجود من وجود محدود تكوينيا “ بالسنن الالهيه ” وتكليفيا “ بالوحي ” ، إلى وجود مطلق  “ قائم بذاته ومستـقـل عن غيره ”  ، وبالتالي جعلت العلاقة بينه وبين الوجود الالهى علاقة تناقض وإلغاء وليست علاقة تحديد وتكامل  .
ثالثا :   النزعة الانسانيه الاسلامية  :
تعريف النزعة الانسانيه الاسلامية : مضمون النزعة الانسانية الاسلامية هو تأكيد الإسلام - على مستوى أصوله النصية الثابتة ، وفروعه الاجتهادية المتغيرة ـ لقيمه الوجود الانسانى ، وإثباته لهذا الوجود بأبعاده المتعددة ، كوجود محدود تكليفيا بالسنن الالهيه ” الكلية والنوعية “ ، التي تضبط حركه الوجود ” الشهادى “ الشامل للوجود الطبيعي ” المسخر ، والانسانى “ المستخلف ” ، اتساقا مع هذا فإنها تجعل العلاقة بين الوجود الالهى والوجود الانسانى بأبعاده المتعددة علاقة تحديد وتكامل ، وليست علاقة إلغاء وتناقض ” كما في النزعة الانسانيه الغربية ” أى أن الوجود الالهى يحدد الوجود الانسانى ، فيكمله ويغـنيه ولكن لا يلغيه .  وبناء على هذا التعريف فان النزعه الانسانيه الاسلاميه ليست مذهب أو مجموعه من المذاهب ، المتغيرة بتغير الزمان والمكان ، بل هي خصصيه مميزه للإسلام كدين وكحضارة يقول الدكتور محمد راتب النابلسي (  إنّ الإنسانية إحدى خصائص الإسلام الكبرى ، إنها تشغل حيزاً كبيراً في منطلقاته النظرية  ،  وفي تطبـيقاته  العملية ، وقد ربطت بعقائده وشعائره ومنهجه وآدابه ربطاً محكماً ) ( النزعة الإنسانية في الإسلام / خطبة إذاعيه / 1999- 10- 15 ) .
أسس النزعه الانسانيه الاسلاميه  :  وتستند النزعه الانسانيه الاسلاميه إلى ثلاثة مفاهيم قرآنية كلية هي :
مفهوم التوحيد لله :  ومضمونه إفراد الربوبية والالوهيه لله تعالى ، ومضمون توحيد الربوبية أن الله تعالى ينفرد بكونه الفاعل المطلق ..
مفهوم التسخير :  ومضمونه أن الأشياء والكائنات التي لها درجه التسخير تظهر صفات ربوبية والوهيه الله تعالى ، على وجه الإجبار ، فهي دائما آيات داله على وجوده المطلق يقول ابن القيم ( فالكون كما هو محل الخلق والأمر مظهر الأسماء والصفات فهو بجميعه شواهد وأدله وآيات دعا الله سبحانه عباده إلى النظر فيها ) . ويترتب على مفهوم التسخير قاعدتان هما :
أولا :  الموضوعية :  وتنقسم إلى قسمين هما : الموضوعية التكوينية ( تتمثل في الوجود الموضوعي للكون)، والموضوعية التكلفية (وتتمثل في الوحي كوضع الهي مطلق ) ، وقسما الموضوعية يترتب عليهما تقرير أن الوجود الانسانى غير منفصل عن العالم الطبيعي وقوانينه ، أو الوحي ومفاهيمه وقيمه وقواعده  الكلية .

ثانيا : السببية :  وطبقا لها فان مضمون السنن الالهيه “ الكلية والنوعية “ التي تضبط حركه الوجود الشهادى ، هو تحقق المسبب بتوافر السبب وتخلفه بتخلف السبب .. ويترتب على قاعدة السببية تقرير أن الضرورة ( ممثلة في انضباط حركة الوجود الشهادي بسنن إلهية لا تتبدل ) هي شرط  ـ  وليس إلغاء ـ  للوجود الانسانى ، أي أن تحقق الوجود الإنساني يتوقف على معرفة والتزام حتمية هذه السنن الإلهية.

مفهوم الاستخلاف  : ومضمونه إظهار الإنسان لربوبية وألوهية  الله تعالى في الأرض ، على المستوى الصفاتي ، على وجه الاختيار، وهو ما يكون بالعبودية والعبادة  .. ومضمون العبادة كل فعل الغاية المطلقة منه الله تعالى يقول الإمام ابن تيميه ( العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ) (رسالة العبودية ص 38) ، والعبادة ـ طبقا لهذا التعريف ـ هي ضمان موضوعي مطلق لتحقيق البعد الايجابي للوجود الانسانى (على المستوى الذاتي ) ، لأن اتخاذ الله تعالى غاية مطلقة ،  يمد الذات بإمكانيات غير محدودة للترقي” الروحي.. (يتبع ) .


هل كان صاحب أعمدة الحكمة السبعة
أمينا مع أصدقائه العرب ؟ (1) .

محمد القصبي .

شتات من المشاعر مابين حنين أنستولوجي لعقد الستينيات حيث الأحاسيس العروبية مع أجواء الصحوة القومية .. والشعور بالمرارة وأنا أشاهد فيلم " لورنس العرب " مع زملاء الدراسة بالمدرسة الإعدادية في دار السينما بالمدينة الصغيرة التي تبتعد عن قريتي بضعة كيلومترات .. كان ذلك ـ إن لم تخني الذاكرة في إحدى أمسيات صيف 1964 .. وهو الفيلم الذي أخرجه المخرج البريطاني ديفيد لين وشارك في بطولته ممثلنا الكبير عمر الشريف .. والممثل العالمي أنطوني كوين .. كنا ندرك أن لورنس هذا كان يخدع أصدقاءه العرب حين أوهمهم بأنه يعمل من أجل تحقيق طموحاتهم في الاستقلال عن الامبراطورية العثمانية .. وهو في حقيقته عميل سري في المخابرات البريطانية .. مهمته بالفعل مساعدة العرب على إلحاق الهزيمة بالعثمانيين .. ليس من أجل استقلالهم .. بل لافساح الطريق أمام سيطرة بريطانية ـ فرنسية على المشرق العربي ! وهو المخطط الذي فضحه البلاشفة الروس عقب الاطاحة بالقياصرة واستيلائهم على السلطة في أكتوبر 1917 .. حين كشفوا النقاب عن اتفاقية سايكس ـ بيكو !
ولأننا أخيرا رددنا الصاع صاعين للاستعمار مع استقلال غالبية الأقطار العربية .. كان يتملكني أيضا وأنا أشاهد الفيلم في تلك الأمسية البعيدة الشعور بالشماتة في لورنس الجاسوس الاستعماري .. والقصة طويلة .. لم يكن ماحدث خلال الحرب العالمية الأولى في المشرق العربي .. والسنوات التالية لانتهاء الحرب .. سوى فصل من المسرحية الممتدة منذ أواخر القرن الحادي عشر الميلادي .. حين جيش البابا أوريان أوروبا عام 1096 م في حملة ضخمة شقت طريقها إلى المشرق لتخليص مدينة القدس من أيدي “ الكفار ” العرب !.. وحتى المؤرخون الأوربيون .. لم يغفلوا أبدا المذابح التي ارتكبها الصليبيون في مدينة السلام .. حين استباحوا كل ما هو عربي ومسلم في المدينة .. بل أنهم اقتحموا المسجد الأقصى وذبحوا ألاف المسلمين الذين  لاذوا  به !.
وعودة إلى الذكريات المؤلمة التي أثارها موت الفنان الأيرلندي بيتر أوتول الذي ارتبط اسمه وشهرته بعميل المخابرات البريطانية الضابط الإنجليزي توماس إدوارد لورانس حين جسد شخصيته في الفيلم الشهير “ لورانس العرب ..
فخلال الحرب العالمية الثانية تحالفت تركيا مع ألمانيا .. ومثل هذا التحالف تهديدا قويا للحلفاء خاصة بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية خاصة في منطقة الشرق الأوسط .. والتقت مصالح الدول الثلاث على ضرورة توجيه ضربة قوية للأتراك في المشرق العربي من خلال حث العرب على إشعال الثورة ضد الأتراك .. وبدا على السطح التقاء مصالح القوى الثلاث مع طموحات العرب الذين يسعون إلى الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية التي أذاقتهم مرار التخلف والفقر والقهر ومحاولة طمس هويتهم من خلال فرض اللغة التركية .. كان الحلفاء وخاصة الإنجليز يعزفون خلال محادثاتهم مع الشريف حسين بن علي شريف مكة على أنه آن الأوان لأن تعود الخلافة إلى البيت العربي .. فالعرب هم أولى بقيادة دولة الخلافة من بيت آل عثمان !.
وقد عرفت المراسلات التي تمت بين الإنجليز وشريف مكة بمراسلات حسين ـ مكماهون .. حيث تبودلت العديد من الرسائل بين حسين بن علي (شريف مكة) وهنري مكماهون حامل لقب سير الممثل الأعلى لبريطانيا في مصر مابين عامي 1915 و1916 .. وكان موضوع الرسائل يدور حول المستقبل السياسي للأراضي العربية في الشرق الأوسط .. حيث وعد مكماهون حسين بن علي باعتراف بريطانيا بآسيا العربية كاملة دولة عربية مستقلة إذا شارك العرب في الحرب ضدالدولة العثمانية .. وهذا ما تم خلال.. ولأن النزعة القومية لدى شرائح عديدة من النخبويين العرب كانت متأججة في تلك الفترة بسبب ما لحق بالعرب من قهر وجور بسبب التبعية للامبراطورية العثمانية.. فقد رأى القوميون العرب وعود مكماهون في رسائله على أنها عهد بالاستقلال الفوري للعرب … فأشعلوا ثورتهم بدعم وتوجيه من الضابط الإنجليزي توماس إدوارد لورنس ..
وكانت المجازر التي ارتكبها الضابط العثماني جمال باشا السفاح ضد القوميين العرب في الشام دافعا لقادة حركة استقلال العرب لممارسة الضغوط على الشريف حسين لإعلان الثورة .. وقد استجاب شريف مكة .. وانطلقت شرارة الثورة في 10 يونيو 1916 .. حيث اندلعت المعارك في جدة يوم 13 يونيو واندحرت الحامية التركية .. وحرر العرب مكة في 9 يوليو  1916 .. وتوالى سقوط المدن والثغور على البحر الأحمر في أيدي الثوار العرب.. إلى أن سقط ميبناء العقبة في أيديهم في يوليو 1917 .. وانشق الكثير من الضباط العرب عن الجيش العثماني وانضموا للجيش العربي الذي انطلق في ربوع الشام ليحرر بيروت وحلب وحماة وطرابلس وصيدا وصور وحمص. وفي أكتوبر تم تأليف الحكومة العربية الأولى في بيروت ، ورفع العلم على سرايا بيروت .
تمكنت الثورة من طرد القوات التركية من الحجاز، ومن مناطق في شرق الأردن ، وساعدت المجهود الحربي البريطاني عسكريا وسياسيا في المشرق العربي .. وعاش العرب الحلم الجميل .. تأسيس الدولة العربية الكبرى ..
ولم يكونوا على دراية بما يخطط لهم في الخفاء .. فإذا كان الهدف الأول للتحالف الثلاثي “ بريطانيا ـ  فرنسا ـ روسيا ” توجيه ضربة موجعة للأتراك حلفاء ألمانيا .. إلا أن هذا الهدف سرعان ماتطور ليصبح تقويض الدولة العثمانية .. وتوزيع الميراث في المشرق العربي على الدول الثلاث.. لكن هذا الهدف الذي ترجم إلى اتفاقية تفصيلية عرفت باتفاقية سايكس بيكو لم يكن للعرب علم به .. ومعاهدة سايكس ـ بيكو .. والتي وقعت في مايو 1916 هي الجزء الخاص التنفيذي لمعاهدة بطرسبرح التى عقدت بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية خلال مارس سنة 1916 م .. وقضت الدول الثلاث فيها بتقسيم أملاك الامبراطورية العثمانية التركية بحيث تمنح روسيا الولايات التركية الشمالية والشرقية كما تمنح بريطانيا وفرنسا الولايات العربية في الامبراطورية التركية مع تدويل الاماكن المقدسة في فلسطين وتأمين حرية الحج اليها وتسهيل سائر السبل اللازمة للوصول إليها وحماية الحجاج من كل اعتداء .. وكان هذا تمهيدا لإعلان وعد بلفور والذي صدر بالفعل في الثاني من نوفمبر 1917م ، والذي منح اليهود حق إقامة وطن قومي لهم في فلسطين .. وهو ما عبر عنه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في رسالته للرئيس الأميركي جون كيندي عام  1960 ″ بقوله : لقد منح من لايملك حقا لمن لايستحق !!.   ( يتبع .. ) .

                  30  آذار ـ مارس ... ذكرى يوم الأرض العربية ..      
  هنا باقون ..
                                       وليرحل العابرون ..
   

في ذكرى رحيل الدكتور عصمت سيف الدولة :


الاستاذ طارق البشرى .



الجامعة الوطنية والجامعة المدنية  لدى د.عصمت سيف الدولة .  (1) .



د/ عصمت سيف الدولة له دين لدينا كبير، لدى كل من عرفه ومن قرأ له . وظنى انه ما من وطنى ، عربي ناشط  بهذه الصفة إلا وفى رقبته للدكتور عصمت منه .

هو فى كلمة مختصرة ، يمثل فى ظنى أهم استجابة فكرية مصرية ، وأقوى استجابة من أرض النيل ، لدعوة العروبة . وقد غذى هذه الفكرية بماء حياة جديرة أن تصدر من مصر . وأبرأ ذمة الفكر الناشئ فى مصر من دين عليه للجامعة العربية العامة . وقد كان قويا وسخيا وعطاء ، فأوفى الدين عن غيره من بنى قطره ، ممن يدينون بفكرة العروبة ويسعون إلي  تحقيق وحدتها السياسية في إطار النقلة الكبرى التى انتقلت بها مصر لسياسة الوعى والإدراك  إلي العروبة ، كان عصمت سيف الدولة هو المفكر الذى قدمته مصر ليعكس هذه النقلة ، فقد كانت العروبة قضية حياته ـ يرحمه الله  ويجزل له العطاء  ـ وقد كان من سعة الاطلاع وعمق المعارف وسخاء العطاء الفكري مما جعله يضع بصمة خاصة جدا على هذا الفكر السياسي عليه ، مما جعل فكره جديرا بأن يبقى وأن يولد من المعاني ما يبقى نفعه .

وعصمت جعل العروبة قضية حياته ، وعايشها بكل تضاريسها وعقدها ومشاكلها جميعا ، وما أكثر هذه العقد والمشاكل ، حتى أنه فى واحدة من كتاباته ، أوقف القلم ثم كتب " يا الهى ما أكثر المشاكل " . وهو آل على نفسه أن يخدم هذه القضية من أعم تكوين فلسفى مجرد لها ، حتى أخص تشكل عينى ملموس لحركتها .

كان مستقل الفكر وقادر على الهضم والتمثل  ، وجمع بين الفلسفة بتحليقاتها المجردة  وبين التطبيق بحركته الواقعية . وكان يتكلم على طول ما بين هذين الحالين وعرضهما ، وكانت كتاباته النظرية المجردة ذات حس علمى  وتطبيقي دائما ، كما أن تعليقاته التطبيقية، وتصدياته للواقع  كانت دائما ذات عمق نظرى وخلفية فلسفية . 


وجمع بين دراسة القانون وممارسة قضاياه وتطبيقاته وبين دراسة الفكر السياسى وممارسة حركتها وبين دراسة علوم الاجتماع وتجارب الأمم ، وأورثته الممارسة القانونية المدربة، الرؤية  التى تجعله دائما وهو يتعامل مع النظريات المختلفة ، لا تغيب عنه بتاتا  المضادات التطبيقية لأى من مفاهيمها فى السياق المرئي والملموس ، وهو أيضا يستخدم " النظر " لترجيح المضادات الملموسة . وكان فى سجاياه الشخصية اعتداد بالنفس وذا شموخ وأنفه .  ومع ضخامة هذه السجية ، فهى لم تكن تصل عنده أبدا الى " الكبر " ، لأنه كان دائما ما كان يستخدم اعتداده وشموخه وأنفته . فى الدفاع عن ضعيف مظلوم ذى حق ، والدفاع عن موقف سياسى واجتماعي يراه ويراه الناس معه موقفا نبيلا . وقد كان عاتيا ولكنه لم يكن يعتد  " إلا على من عتا  "كما يقول الشاعر المتنبى فى مديح نفسه .

 والصورة المقابلة لذلك ، أنه كان يذوب حنوا على من يصادقهم ويؤاخيهم ، وكذلك على الضعفاء . وأنا لم أعرف أحدا أراد أن يكتب مذكراته الشخصية عن آخر عمره ، وأصدر فيها كتابين صدر ثانيهما بعد انتقاله الى رحمة الله ، ولم أعرف أحدا  بكتب مذكراته فلا يشير الى نفسه ، إنما يكتب عن قريته وعن أبيه وعن أهل قريته ، بشعور غامر من المحبة والود ينسى فيه نفسه وذاته ، وقد قرأتها عقب وفاته ، وكنت استصحب الشعور بأنه حى يحكى وأنا أقرأه ، وكان يتجاذبنى الشعور بالشغف الى متابعة القراءة والشعور بالدهشة من الاقتراب الى نهاية الكتاب . لأنه كان عملا رائعا لشخصية يندر أن تعرف مثيلا لها ، ولعالم يفكر بنبل أغنى قومه ولا يزال يغنيهم .




في ردّه عن سؤال : " هل السلام سيحل مشاكل الأمة " قال الدكتور عصمت سيف الدولة :


السلام سيحل مشاكل الامة ، نعم .  نعم أيضا أن الاستسلام سيفاقم مشكلات الأمة . وما يدعوننا اليه ، وما قبِله من قبِله منا هو استسلام ، لأنه تفريط وتنازل عن الأرض العربية فلسطين ، التي هي جزء من الوطن العربي . والوطن العربي ملكية تاريخية مشتركة للأمة العربية وأجيالها المتعاقبة ، فلا يملك اي جيل عربي التفريط فيها ، وبشكل خاص لا يملك سكانها الفلسطينيون التنازل عنها ، أو عن جزء منها للغير " صهاينة أو غير صهاينة " ولو تم التنازل بالاجماع .. ان ذلك لن يؤدي الا الى مزيد من القتل والقتال والحروب يشنها القوميون لاسترداد فلسطين ولو على مائة عام كما فعلوا مع الصليبيين وسيكون الصهاينة هم المسؤولون عن اهدار دمائهم ودماء القوميين معا .."
                                         
                                               حوار أجرته مجلة " فلسطين الثورة " بتاريخ 1/1/1985 .