بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 24 فبراير 2013

في ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة : تبقى الوحدة هي الحلّ .



في ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة :
تبقى الوحدة هي الحلّ .

تمرّ عـلينا ذكرى الوحدة كل عام ، فـيحـتـفل بها من يحتفـل ، ويتألم لغيابها من يتألم ، بينما لا يتفطـّـن لمرورها غالبية الناس المنشغـلين بهمومهم اليومية ومشاكلهم رغم أنهم أصحاب المصلحة في تحقيقها .. 
ولعل من غرائب الاقدار في واقعـنا العربي اليوم ، الذي يشهد أزمات ومخاطر تكاد تعصف بوجوده ، مثلما يحدث في سوريا والعديد من الاقطار الأخرى ، أن يصبح  الموقف القومي مدافعا عن الاقليمية والقطرية ، بسبب ما يتهدد تلك الأقطار   من مخاطر التقسيم  والتفتيت والزوال ، بعد أن كان المشروع الوحدوي يحرّض على زوالها انتصارا للوحدة .. 
هكذا اذن ، لم يعد في الأمر خيارات كثيرة .. فـالفتـنة والتدمير والتحريض على القـتـل أكبر دليل على المخاطـر التي باتت تعصف بالوجود العربي من خلال استهداف مكوّناته العرقية و الدينية التي تكوّنت على مدى قرون وأسهمت في وحدته و استقراره ، اذ هي التي أسهمت في السابق في انجاز اول وحدة في التاريخ العـربي سنة  1958 ، ودعـت اليها ثم دافعـت عـنها عـندما داهما الانفصاليون بانقلابهم المشؤوم سنة 1961 ..
ليس امامنا في مثل هذه الظروف الا ان ندافع بكل ما نملك عن وحدة سوريا التي يحاول  أعداؤها اليوم تحقيق ما فشل فيه الغـزاة السّابقون بداية بالغزو المغـولي والصليبي ، ثم الاروبي الحديث ، غير أن رجالا اشداء أنجبتهم سوريا والأمة العربية على مر العصور تمكنوا من افشال تلك المخططات .. وهو ما يعطينا الامل في النصر مرة اخرى ، خاصة وأن تلك  اللعـبة القذرة باتت مكشوفة للجميع  ..
لم يعد خافيا على أحد اليوم ، بعد ثلاث سنوات من الصراع الدموي ، الذي تتسبب فيه أطراف غريبة عن سوريا تضخ المال  والسلاح وترسل الارهابيين ، لاحداث المزيد من الفوضى ، والدمار ، والفتن ..  وهو ما يجعل مطلب الحفاظ على الدولة الاقليمية  مكسبا قوميا في مثل هذه الظروف لا بد من الدفاع عنه .. وسواء كانت الدعوة الى الوحدة القومية أو القطرية ، فانها شرف للوحدويين على أي حال ..

 ( نشرية القدس العدد 60 )  .

سوريا من المشروع الوحدوي .. الى مشروع التـفـتيت .



سوريا من المشروع الوحدوي .. الى مشروع التـفـتيت .

يصادف نهاية الاسبوع الماضي ذكرى الوحدة  بين مصر وسوريا في الثاني والعشرين من فيفري / شباط 1958 ، حيث تمرّ هذه الذكرى المجـيدة في ظروف عصـيـبة يمرّ بها الاقـليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة كما كانت تسمّى سوريا ، و كما كانت تسمّى دولة الوحدة ..
لقد وقع ذلك الانجاز العظيم للجماهير العربية في مصر وسوريا عندما التقت ارادتها الحرة مع  الارادة السياسية للقائد الذي فجر ثورتها ذات مساء في 23 يوليو سنة 1952 ، ثم عـمل على تفجير طاقاتها عندما آمن بقدراتها الخارقة على الاقلاع والنهوض وكسر القيود وهو القائل : " إني أؤمن إيمانا قاطعاً أنه سيخرج من صفوف هذا الشعب أبطال مجهولون يشعـرون بالحرية ويقدسون العـزة ويؤمنون بالكرامة" و فـعلا لم يطل الامد كثيرا حتى تمكن الشعبان من تحقيق الوحدة ..
لقد كانت سوريا في تلك الحقـبة بالذات واقعة تحت التهديد الاجنبي على عدة جبهات ..
- كانت في الشمال تواجه التهديد التركي الذي لم يكتف بما منحته اياه فرنسا عـندما اقـتطعـت لواء الاسكندرون  من سوريا ، ليصبح تابعا لها ارضا وبشرا  منذ سنة 1939 الى الآن  ..  
- وفي الجـنوب كانت تواجه التهديد الصهيوني الذي يخطط للتوسع والاستيلاء على منابع المياه والمواقع الاستراتيجية كما فعل لاحقا بالجولان والاراضي اللبناينة ..
- كما كانت سوريا تواجه المخططات الاستعمارية التي تريد الحاقها بأحد الاحلاف الرجعـية لتكون تحت سيطـرة الدول الكبرى فتحـيد بذلك عـن الاحلاف التي بنـتها مصر  وجعلت لها قاعدة عريضة  في جميع انحاء العالم تضـم الهـنـد ويـوغـسلافــيا والعـديد من دول افـريـقـا وامريكا اللاتـنية ..
في مثل تلك الظروف السياسية والتجاذبات  هبّ الشعـب العربي السوري هـبّة رجل واحد لصدّ جميع المحاولات ، فالتحمت جماهير سوريا الابية بقائدها جمال عـبد الناصر طالبة الوحدة بأي ثمن ... و كان لها ما تريد .. فكانت الوحدة  ردا عـلميا وموضوعـيا لدرئ الاخطار التي كانت تحدق بوحدة سوريا في ذلك الوقت ..
فأين نحن الآن من مشاريع الوحدة أمام ما يحاك ضدها من مشاريع التفـتـيـت ..؟

( نشرية القدس العدد 60 ) .

التوبة رحمة من الله بالعـباد ..



التوبة رحمة من الله بالعـباد ..

ان المتامّل في آيات التوبة والمغـفـرة التي لا يقل عددها في القرآن الكريم عن ثمانين آية ، يدرك جسامة خطا التكـفـيـر . وهذه بعـض الآيات التي تبيّن ان الله يغـفـر الذنوب جميعا ، وأوّلها الشرك ما دام الانسان حيّا في هذه الدنيا لكنه سبحانه لا يغـفـر ذلك في الآخـرة لمن مات على شركه .. قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْـفـِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْـفِـرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [ النساء / 48  ] .  وقال : { قُــلْ يَا عِـبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْـفُسِهِمْ لا تَقْـنَـطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْـفـِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُـوَ الْغَـفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر / 53  ] .   
يقول بن تيميمة في تفسيره : " والله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغـفـره لمن تاب بل يغـفـرالشرك وغـيره للتائبين " ( مجموع الفتاوي / 358 ) ..  بل ان الله سبحانه يبدّل سيئات الاعمال جميعا حسنات لمن يتوب توبة نصوحا ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُـونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَـرَ وَلا يَقـْتُـلُونَ النَّفْـسَ الَّتِي حَـرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَـقِّ وَلا يَزْنُـونَ وَمَنْ يَفْـعَـلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَـفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيـَامَةِ وَيَخْـلُدْ فـِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَنْ تَـابَ وَآمَنَ وَعَـمِلَ عَـمَلاً صَالِحاً فَأُولَـئـِكَ يُـبـَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَـفُـوراً رَحِـيماً } [الفرقان / 68 –70 ]  .  
كما تبين آيات اخرى ان مسالة الحكم على الايمان أمر يرجع الى الله وحده ، و لا يـجب  لأحد أن يتدخل فـيه حتى لو كان الرسول صلى الله عليه و سلم ، قال تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ  } [آل عمران / 128 ] . يقول بن كثيرا مفسرا هذا الجزء من الآية :"  ثم اعـترض  بجملة دلــّـت على أن الحكم في الدنيا والآخـرة له وحده لا شريك له ، فقال تعالى: { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَىْءٌ } أي: بل الأمـر كله إليّ ، كما قال تعالى: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ} [ الرعد: 40] وقال :  { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ } [ البقرة: 272] وقال : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ  } [  القصص: 56 ] " . والله أعلم ..

 ( نشرية القدس العدد 60 ) .

الأحد، 17 فبراير 2013

بين الاسلام .. والنظام الاسلامي ..




بين الاسلام .. والنظام الاسلامي ..

الدين الاسلامي الحنيف يشمل كل ما جاء في كتاب الله منذ اول يوم للوحي الى آخر يوم  منه ، و ما ثبت عـن الرسول صلى الله عليه و سلم  في سنـته المؤكدة ، الصحيحة ، منذ أن بدأت الرسالة الى آخـر يوم في حياته .. هذا هو دين الله ..  ومنه نفهم ان كل التطبيقات التي رأيناها في واقعـنا وتاريخنا الاسلامي بعد وفاة الرسول وعلى المدى الطويل خلال خمسة عشـر قرنا ، لا تمثل الدين الاسلامي ذاته بل تمثل التطـبـيـق البشري للاسلام ..
والدين كما هو معـلوم يشتمل على جانب عـقائدي مرتبط بالعـبادات ، وجانب آخـر مرتبط بالمعاملات ،  كلاهما لا ينـفـصلان ، لان العـبادات نفسها تربط الفرد بالمجموعة ... لذلك فان أول اجـتهاد  بشـري ينطـلق من النص الاصلي لـينتج  فكـرة او موقفا او مشروعا او قوانين وضعـية وغيرها .. يجعـل ذلك الاجتهاد عـملا بشريا محضا  يمكن ان يمثل مشروعا للنظام الاسلامي ، لكـنه لا يمثل الاسلام في حد ذاته . وهذا ينطـبق على كل المجـتهديـن دون استـثـناء بما فـيهم عـلماء الدين الذيـن فضّلهم الله عـن غـيرهم بعـلمهم ، ولكنهم  لا يخرجون جميعا عـن كونهم بشرا غـير معـصوميـن يحـتمل قولهم الصحة والخطا  .. فان اصاب أحدهم في اجتهاده ونال مشروعه النجاح في التطـبيق استفاد منه البشر ، ونال هو ثواب ما نفع به .. وان أخـفـق مجتهد فيما اجتهد فـيه ، فلا يُحسب فشله اطلاقا على الاسلام ، ويظل اجتهادا بشريا تقع مسؤولية اختياره على المسلمين الذين قـبلوه  نظاما لهم  ...                                        
ان هذا التمييز بين الاسلام  كما هو مبـيـّـن في كتاب الله ، وبين النظام الاسلامي كما يعـبّر عـنه المسلمون من خلال فهم كل منهم للدين ، يمثل خطـوة مهمّة في فهم اسس العلاقة بينهم ، فيترتـب عـن ذلك  اقرار واعـتراف لازمـيـْن  بامكانية الوقوع في الصواب والخطأ .. ويجعل المسلمين يقبلون بالاختلاف  ، فـيسعـون للتوافـق على ما هو جامع بينهم ، متجاوزين ما اخـتـلـفوا فيه .. حيث نجد ان الدّين الاسلامي  يقوم على ضوابط وثوابت صالحة لكل زمان ومكان ، لذلك فان الله  قد ترك امر الاجتهاد للبشر ليختاروا في اطار تلك الضوابط والثوابت ما يصلح لحياتهم المتغـيّـرة والمتبدّلة على الدوام .. ثم ليكون اختـيارهم  يستحق فعلا اما الثواب او العـقاب .. اذ انه سبحانه لو اراد ان يـُحكم كل شئ لوضعه لنا مفصلا واضحا حتى لا نختـلف فيه ، لكـنه ترك لنا في الامـر سعة ، وجعـل مسألة الاخـتلاف في المتـشابهات أمر جائـز لا يجعـل الناس يصنـّـفون بعـضهم بعـضا الى كفار ومؤمنين .. قال تعالى : "  هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَـلـَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُـنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَـرُ مُـتَـشَابِهَاتٌ " ( آل عمران  7)  . ومن هذه الآية الكـريمة نتعـلم ان في الاصل عـند بناء مشروع النظام الاسلامي البشري، يجـب التركيز على الآيات المحكمات التي لا يقع حولها اختلاف شديد ، وهي كما قال تعالى تمثل ام الكتاب ، أي انها تضمن الحد الادنى ليكون النظام الاسلامي اسلاميا حقا ، او اقرب ما يكون الى الاسلام ، الذي لا يعـلم افضل طريقة لتطـبـيقه في زمان معـين ومكان معـين الا الله .. في حـيـن يجـب ان يقع التوافـق بين الناس في ما يخص الآيات المتشابهات التي تقبل التاويل المتعـدّد ، فـتـؤدي حـتما الى الاختلاف .. بل ان الذي يفعـل عكس ذلك ويعـمل عـلى تغـليب امر الآيات المتشابهات ، يكون قد وقع في دائرة الذين في قـلوبهم زيغ كما وصفهم الله في نفس الآية عـندما قال :" فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُـلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَـيَـتَّـبـِعُـونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِـتْـنَةِ وَابْـتِـغَـاءَ تَأْوِيـلِهِ وَمَا يَعْـلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعـِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِـندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ " .. ويقول صلى الله عـليه وسلم في هؤلاء : " إذا رَأَيْت الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ منه فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى الله فَاحْذَرُوهُمْ " (البخاري ( 4273 ) ومسلم ( 266) ) .
على تلك الاسس فان دين الله واضح لكل المسلمين الذين اتـبعـوه على امتداد  خمسة عـشـر قرنا كاملة منذ ان قدم الصحابة الاوائل رضوان الله عـليهم الى هذه الرّبوع .. فلا يحتاج مجـتمعـنا اليوم الى اعادة بناء المفاهـيم وتشكيك الناس في ثوابتهم التي استقـرّت في وجدانهم ، وأنتجوا من خلالها علاقات اجتماعـية معـقـّدة ، لا يجوز ان نطلب منهم تغـييـرها بالقوة او بالتكـفـيـر أو جملة وتـفصيلا ، أو دفعة واحدة كما تـنادي بذلك بعض الحركات الوافـدة على مجتـمعـنا .. وخاصة اذا كان الامر لا يتعـلق بجوهـر الديـن بل كما نرى بمسائل شكلية هي نفسها متغـيـرة وغـيـر ثابتة وغير يقينية  .. و لعـل السؤال الجوهـري المطـروح في هذا الجانب ، هو كيف ان الاسلام جعـل مسألة الكـفـر والايمان تخضع للاختيار الحر من خلال قوله تعالى : " وقل الحق من ربكم فمن شاء فـليؤمن ومن شاء فـليكـفـر " ثم يفرض على الناس مسائل ثانوية متغـيـرة ومتبدّلة مثل طول اللحية ونوع اللباس أو أي نوع من الطقوس التي يتخذونها حدا فاصلا في الانتساب للدين .. !!
باختصار ، ان الفرق بين الدين الاسلامي والنظام الاسلامي هو نفس الفرق بين الوحي والاجتهاد .. فالاوّل الهي مُـلزم في اطار الاقـتـناع ، والثاني بشري غـيـر ملزم من اي ناحية وعلى اي وجه كان  .. والله أعلم ..


 ( نشرية القدس العدد 59 ) .