بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 17 ديسمبر 2021

بين تونس والجزائر ، أي دور يريده الاشقاء؟

 بين تونس والجزائر ، أي دور يريده الاشقاء؟
على هامش زيارة الرئيس الجزائري لتونس كثرت المنابر التلفزية وتنوع الحديث حول آفاق العلاقات بين تونس والجزائر ، وطفحت خلالها  كل انواع الحديث المفقودة والممنوعة احيانا عن التاريخ المشترك ووحدة المصير .. وهكذا هي طبيعة الأمور ، حيث تلهب مثل هذه المناسبات واللقاءات مشاعر الاخوة الدفينة في اعماق الشعوب وتفتح ابواب الحديث عما هو كائن وعما يجب ان يكون ..   وقد اثرى الحاضرون في مختلف المنابر هذه النقاشات بالكثير من المعلومات والتصورات في مجالات عديدة ذات العلاقة التاريخية منها والاستراتيجية ، وقد كان من بين الحاضرين في مختلف " البلاتوات " المحلل ، والخبير الاقتصادي ، والخبير القانوني الدولي ، والسفراء .. وهو ما يجعلك تستمتع وتستفيد بجملة الافكار والاجتهادات في الارقام وفي القراءات المقارنة ، لتتفطن في النهاية الى حجم الجرم الذي يرتكبه السياسيون حينما يتعاملون مع الدولة خارج المصلحة الوطنيية سواء بالاصطفاف او بالتبعية او بالتفويت فيها للريع والفساد خاصة في علاقته بالخارج .. وقد كان الحوار خير مثال لما يسميه الدكتور عصمت سيف الدولة في علاقات الدول بالدور الجغرافي ، الذي تسعى من خلاله الدولة - اية دولة في العالم - للبحث عن مصالحها التي تبدأ اوليا وبشكل طبيعي بالمحددات الجغرافية لما له من تأثيرات مباشرة على امنها ومصالحها  ، وهو ما يعني بالنسبة لتونس ان تكون امتن علاقاتها مع جيرانها واولها الجزائر وليبيا ، الشيء الذي لا نجده بالقدر المطلوب خاصة مع الجزائر على مدى كل الفترات التي عاشتها تونس منذ الاستقلال الى الآن حيث يمكن ان نذكر مقولة بورقيبة الشهيرة حينما قال باريس أقرب لنا من القاهرة ، وطبعا هذا ليس من باب الحسابات الجغرافية لانه لم يقل الجزائر او ليبيا اقرب لنا من باريس ، ولكنه يكشف لنا الى حد كبير المحدد الفاعل في علاقات تونس منذ ذلك الوقت الى اليوم وهو " التبعية " ، وقد وجدنا هذا المحدد يتجسد من جديد في علاقات جديدة بعد 2011  مع الحليف التركي حين تغير الفاعلون السياسيون على راس الدولة ..
المشكل بالنسبة للدول العربية كدول اقليمية ان المحدد الجغرافي يصبح محددا اقليما ايضا بالنسبة لمحيطها القومي ، حيث لا توجد خصوصية التجزئة في اية امة تقريبا في الوقت الحاضر فيصبح الدور الجغرافي - بالنسبة لأي دولة عربية -  دورا اقليما تحدد من خلاله علاقاتها بالدول العربية الاخرى من منطلق مصلحتها الوطنية الاقليمية ، وهذا الدور الاقليمي يصدق فيه القول بالنسبة لأي قطر عربي ما يصدق على الآخر ، حيث من منطلق تلك العلاقة والمصلحة يكون السعي لبناء العلاقات بين قطرين عربين هو تحقيق المصلحة المتبادلة التي يمكن ان تكون فيها مشاعر الحس القومي عاملا اضافيا لتحفيز العلاقات وتقويتها اضافة الى العامل الجغرافي مما يعطي البعد الاكبر والاشمل للعلاقة بين تونس والجزائر في هذه المرحلة من خلال تفعيل كل قطر منهما لدوره الجغرافي والاقليمي سعيا لتحقيق المصالح على جميع المستويات بين الشعبين الشقيقين كما يقولون ..
الى هذا الحد قد يكون الحديث عن الدور التاريخي القومي بالنسبة لتونس او للجزائر كدولة اقليمية حديثا سابقا لاوانه في ظل الظروف الحالية ، وقد تكون الجزائر اقدر عليه لو ارادت ، حيث يتطلب هذا الدور تضحيات جسيمة خدمة للقضايا القومية ، ويبقى من الادوار البعيدة ، الدور الوحدوي الذي يتحول من خلاله القطر - اي قطر عربي مؤهل لذلك - الى اقليم قاعدة ثم الى دولة نواة مع قطر آخر او اكثر وصولا للوحدة الشاملة كحل وحيد للقضاء على التخلف العربي بجميع مظاهره .. فهل تنجح الدولتان على الاقل في تفعيل الدور الجغرافي الاقليمي بين " الاشقاء " كما يقول الرئيسان كحد ادنى على الاقل لحل جزء من الازمات الحالية ؟؟

( القدس ) .

الأحد، 3 أكتوبر 2021

عودة الى حزب الضرورة ..

 عودة الى حزب الضرورة ..

 

في ظل اكراهات الواقع الإقليمي العربي الغارق في مشاريع التصفية للوجود القومي ، برز للوجود ما يسمّى في قاموس القوى الوحدوية في الوطن العربي  بـ " حزب الضرورة " .. حيث لا بد لكل مرحلة من ضرورات .. ولا بد لكل مشكلات من حلول ضرورية .. عملا بمقولة " من الممكن الى ما يجب أن يكون " ..

هناك ضرورة لحزب قومي ، لا خلاف في هذا ، وقاعدتها ما رشح من تجارب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الوحدوية وهو ما دعاه بداية الستينات لتحريض الجماهير العربية على بناء الحركة العربية الواحدة ، ثم ما جاء في كتابات عصمت سيف الدولة - بعد دراسة علمية معمقة - من بيان للأسس والمهام العملية للتنظيم القومي كآداة وحيدة كفيلة بحل مشاكل التنمية والتخلف في الوطن العربي ، حينما قال محوصلا ما جاء في أطروحاته حول مشروع دولة الوحدة : " لقد كان كل ما سبق من حديث بياناً لنظرية الثورة العربية من اجل تحقيق دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية . وقد حددت لنا النظرية دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية غاية نثور من اجل تحقيقها لحل مشكلة التخلف : عجز الشعب العربي عن توظيف كل الإمكانيات المتاحة في أمته العربية من اجل إشباع حاجاته الثقافية والمادية المتجددة أبدا . ولكن ذات النظرية قد ألزمتنا غايات أخرى نعيدها هنا ليتصل آخر النظرية بأولها فتكون بناء فكرياً واحداً متماسكاً ، يقبل كله او يرفض كله .. إن حل مشكلات التنمية هو الأصل لأن التطور هو الأصل في حركة المجتمعات بحكم حتمية القوانين الموضوعية التي تضبط حركتها من الماضي الى المستقبل . فهي مشكلات مستمرة ومتجددة ومن حلولها المستمرة المتجددة تنمو المجتمعات وتتقدم . اما مشكلات التخلف فطارئة وبالتالي مؤقته وهي تعوق التطور ولكنها عندما تحل تطرد حركة التطور التقدمي من خلال الحلول الجدلية لمشكلات التنمية . ومن هنا فإن وجود التناقضات التي تثير مشكلات التخلف في المجتمع لا تلغي نهائياً حركة التطور الحتمية إنما تضعفها . ففي ظل مشكلات التخلف تظل مشكلات التنمية قائمة ومتجددة يحلها الناس ولكن بما هو متاح في مجتمعهم  ( فقرة 36 / كتاب الغايات ) . و هنا وهناك على امتداد الوطن العربي ، في مواقع العمل أو في مواقع البطالة توجد ملايين المشكلات الاجتماعية التي يثيرها التناقض بين الواقع الاجتماعي وما يريده الشعب العربي . وهي كلها مشكلات تقدم وتنمية . فيها يحاول العاملون من أبناء الأمة العربية ان يغيروا بالإنتاج واقعهم ليشبعوا حاجات الشعب العربي المتغيرة المتنوعة المتجددة أبدا . في ظل الاستعمار وفي ظل الحرية ، في ظل الإقليمية وفي ظل الوحدة ، في ظل الاستغلال وفي ظل الاشتراكية ، لا تتوقف محاولة التطور ولا يكف الإنسان العربي عن محاولة حل مشكلاته عن طريق تغيير واقعه ليشبع حاجاته  . ليحقق إرادته . ليتطور . ليبني . ليضيف . ليتقدم … فلنعش مع الشعب العربي في مواقع العمل أو في مواقع البطالة ولنعرف ما هي مشكلاته ولنكتشف حلولها الصحيحة ثم نحولها الى خطط انتاج يومي ننفذها في الواقع … ( فقرة 37  )  .

تلك هي الغاية الأصيلة للحزب القومي التقدمي الديمقراطي الاشتراكي . وذلك هو الميدان الأصيل الذي يعبر به عن ولائه لأمته العربية عن طريق معايشته الشعب العربي وحل مشكلاته اليومية .

ولكننا عندما نحاول انجازها في ظل الاحتلال او الاستعمار او التجزئة او الاستقلال سنكتشف ان ثمة في الواقع العربي ما يحول بين إرادتنا التقدم وبين التقدم . ما يحول بين إرادتنا التطور وبين الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة في امتنا العربية … ( فقرة 37  . عندئذ لن ينسى الحزب القومي الديمقراطي الاشتراكي لماذا يثور من اجل دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية ، وتصبح معاناته اليومية لحل مشكلات الشعب العربي غذاء يومياً لمقدرته الثورية . ومهما تعقدت المشكلات واختلطت الأمور فإن المدخل الى الموقف الصحيح : حتم على الإنسان أن يستهدف دائماً حريته " ..

كل هذا يندرج ضمن الضرورات الملحة لقيام تنظيم " الضرورة القومي " . أي حل مشكلات التنمية والتخلف معا والتي لن تكتمل حلولها الصحيحة الا بتحقيق دولة الوحدة الديمقراطية الاشتراكية في اطار استراتيجيتها المتكاملة منطلقا وغاية واسلوبا . 

أما في غياب هذا التنظيم ـ الضرورة ، فان سعي الناس لتلبية احتياجاتها لن يتوقف أبدا ، لأن مشكلات التنمية مشكلات متجددة بشكل مستمر دائم .. لأن الإنسان العربي ـ كأي إنسان في العالم ـ لن يستطيع أن يكف نفسه " عن محاولة حل مشكلاته عن طريق تغيير واقعه ليشبع حاجاته  . ليحقق إرادته . ليتطور . ليبني . ليضيف . ليتقدم ".. فمهما  " تعقدت المشكلات واختلطت الأمور" لن يتغير من الحقيقة شيئا : " حتم على الإنسان أن يستهدف دائما حريته .. " .. وهكذا ، على امتداد كل المراحل السابقة على وجود التنظيم القومي يقوم " مبرر ـ ضرورة " يسمح بقيام حزب الضرورة الإقليمي ، ليس كبديل عن التنظيم القومي ، وإنما من أجل حل مشكلات التنمية في الأقطار العربية والمساهمة الجدية في تصفية القوى الإقليمية الرجعية التي تقف في وجه المشروع القومي ..

أجل تصفية الاقليمية ، وقد لا يكون بمنطق تصفيتها على طريقة التنظيم القومي التي حدثنا عنها الدكتور عصمت سيف الدولة حين قال : " وإن بعض هذا ، وليس كله لقمين بأن يحدد للشعب العربي اعداءه بأسمائهم ودولهم ونظمهم ، وبأن يحفزه ويحرضه على سحقهم سحقاً ، إذ أن سحقهم سحقا هو الطريق الوحيد المفتوح إلى التحرر والوحدة والتقدم ثم الرخاء  " ..

لكن بمنطق عصمت سيف الدولة نفسه حينما يكون الوضع في جزء من الوطن العربي شبيها بوضع ما قبل ثورة يوليو 52 التي حدثنا عنه محرضا على قيام تنظيم ناصري في مصر يقوم بنفس المهام التي قامت من أجلها الثورة حين قال في كتابه عن الناصريين واليهم :" ارتد أنور السادات بمصر الدولة عن الاتجاه القومي لثورة يوليو الناصرية . أصبح إيقاف الردة وإنقاذ مصر من التردي الإقليمي بعد أن كانت مركز قيادة الحركة القومية ، أصبح هدفاً قومياً وأصبحت به مصر القضية المركزية للنضال القومي . هذا قلناه . ما لم نقله ، أن تحقيق هذا الهدف أصبح متوقفاً على حجم وتنظيم ونشاط القوى الجماهيرية التي تناضل من أجل تحقيقه . وقد استطاع فعلاً أن يستقطب الى ساحته قوى شعبية كثيرة ومتنوعة وإن لم تكن منظمة . كما استطاع ان يكسب مواقف بعض الأحزاب الرسمية . ولم يكن ذلك كافياً لإيقاف اندفاع دولة السادات الى الهاوية الفرعونية . كانت أعرض القوى وأكثرها مقدرة على التأثير فيما لو التحمت تنظيمياً . فناضلت هي القوى الناصرية ..".  

أو حينما يكون الوضع في الكل والاجزاء مهيأ للثورة العربية التي توفرت شروطها الموضوعية ولم تتوفر شروطها الذاتية مثلما بين لمحاوره في جريدة الرأي التونسية منتصف الثمانينات : " إن  الشروط الموضوعية للثورة العربية كما عرضتها في نظرية الثورة العربية متوفرة في الوطن العربي وفي مصر باعتبارها جزء من الوطن العربي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية . والواقع أن انتباه كثير من الكتاب والمفكرين والقادة العرب الى محاولة الإجابة على كيفية وشروط نجاح الثورة العربية منذ نحو ثلاثين عاما ، كان يعني وعيا بأن الظروف الموضوعية للثورة متحققة .. وأعني بالظروف الموضوعية تحول الواقع الى عقبة في سبيل التقدم الاجتماعي في الوطن العربي .. كان  واضحا  للكافة بأن تطور الحياة في الوطن العربي تطورا متكافئا مع الإمكانيات المتاحة فيه  للشعب  العربي أمر غير ممكن بفعل الاستعمار الخارجي والتجزئة الإقليمية والاستبداد  والقهر  الاقتصادي  والسياسي داخليا . ولم يكن أحد يناقش في انه لا بد من ثورة عربية أولا ، بل كان الحوار دائرا حول كيف تقوم الثورة العربية وتنجح ..؟ وقد بلغ نضج الظروف الموضوعية حدا حمل المؤرخ الانجليزي " تونبي " على إبداء دهشته البالغة من أن الأمة العربية لم تتوحد رغم ضرورة هذه الوحدة ، وأنها ممكنة .. بل بلغ نضج الظروف للثورة العربية أن القوى التي كانت مرشحة لتقوم الثورة ضدها لتصفيتها تبنت هي شعارات الثورة وتصدرت بأساليبها التحقيق السياسي لمطلب ثوري.  وأعني بتلك القوى الدول العربية ذاتها .. اذ هي المستهدفة  كعقبة من الثورة العربية الوحدوية .. وقد كان كل ما كتبته منذ عشرين عاما يستهدف حل إشكالية كيف الثورة ..؟  وقد انتهيت في هذا الى أن ما يعوق الثورة العربية هو غياب الشروط الذاتية وليس الموضوعية لقيامها .. بمعنى فشل القوى المرشحة موضوعيا لإشعال الثورة العربية الشاملة وقيادتها في القيام بهذا الدور التاريخي .. أول عناصر الفشل الذاتي ، أن الثوار العرب أي المرشحين موضوعيا لقيادة الثورة لم يفرزوا أنفسهم فرزا واضحا من القوى المعادية موضوعيا للثورة والتي ترفع شعاراتها في نفس الوقت ، فتحول بوعي أو بدون وعي دون قيامها ..". 

وكذلك حينما يكون الوضع امام القوميين شبيها بأوضاع الهزيمة سنة 67 لازالة آثار العدوان التي جعلت موقف عصمت سيف الدولة ينتقل فورا من الدعوة "لأنصار الطليعة" الاعدادي الى الدعوة "لكتائب الانصار" المقاومة حين قال في رسالته الى الشباب العربي : " حذار من المثالية . إن تصفية الإقليمية واجب قومي حتى لا تجر أمتنا مرة أخرى للهزيمة والقتل والتدمير والألم والحزن والعار ، ولكن ليس الآن وقت تصفية الإقليمية . ليس هذا أوان البحث عما يجب أن يكون والتخلي عن الممكن المتاح ، إنما هو أوان استعمال الممكن الى أقصى حدود إمكانياتنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه . إن المعركة عامل ضغط قوي لتتخلى الإقليمية عن وجودهـا المحتضر ، وعودة الجمهورية العربية المتحدة بالذات عامل حاسم في قلب موازين المعركة ، ويمكن للشباب العربي أن يحقق من هذا وذاك ما تتطلبه إزالة آثار العدوان ، ورد الثقة إلى الجماهـير العربية في مقدرتها على تحقيق النصر من قلب الهزيمة . ولكنه على أي حال ليس أوان الانقضاض علي الإقليمية وسحقها أو إسقاطها بما يتطلبه هذا من صراع في الجبهة العربية . كما أنه ليس وقت تلفيق وحدة عربية بمنطق الإقليمية والإقليميين تحت ضغط الخطر القائم لتنفصل بعد زواله . وغدا أو بعد غد ، طال الزمان أو قصر ، سيصفي الشباب العربي حسابه مع الإقليمية المدمّرة . أما الآن فلتكن الدول الإقليمية أدوات في أيدي الشباب العربي لتكون لهم المقدرة بعد تصفية آثار العدوان على تحطيمها . إن الدول الإقليمية ـ الآن ـ هي الأدوات المتاحة في معركة لا تزال محتدمة ، فلتبق  أدوات ولكن لتكن الإرادة للشباب العربي . إرادة الصمود . إرادة الاستمرار في المعركة . إرادة إزالة آثار العدوان . وليفرض الشباب العربي هذه الإرادة على الأعداء والمتآمرين والمتخاذلين والمنهزمين جميعا . إن هذا يقتضي أن تتحول أيديهم المتعددة إلى قبضة ضاربة واحدة ، وأن تتجسد إرادتهم العديدة في أداة مريدة وان تتكامل جهـودهم في تنظيم قومي ثوري واحد يمثل إرادتهم ويفرضها . فما العمل ؟

 مرة أخرى ـ ودائما ـ من الممكن إلى ما يجب أن يكون . من الواقع إلى المستقبل . إن التخلي عن الاشتباك مع العدو في المعركة التي تدور الآن لمحاولة خلق تنظيم قومي يحقق الوحدة ليتدارك ما فات مثالية عقيمة . إن كثيرين من الانهزاميين سيفرّون من المعركة بحجة التحضير للجولة القادمة . إن هـذا هروب لأن الجولة القائمة لم تنته بعد والمعركة لا تزال مستعرة . وكل ما يتمناه أعداؤكم الآن أن تتخلوا عن الاشتباك معهم ولو عدتم إلى ما استنفدتم فيه وقتا غالياً وبددتم فيه جهدا ثمينا : الحوار مع الإقليمية دولا وأحزابا وأفكارا حول كيفية تجسيد وحدة الثوريين العرب في تنظيم قومي واحد . لقد كان على الشباب العربي ـ دائما ـ أن يكفّوا عن وهم الوصول إلى اتفاق مع الإقليميين من خلال الحوار . كان عليهم دائما أن يعرفوا أن أحدا من أعداء الأمة العربية  لن يسمح لهم غالباً بأن يوحدوا إرادتهم في تنظيم قومي واحد  ليوحدوا وطنهم في دولة عربية واحدة . لقد كان ذلك وهما قبل المعركة ، أما الآن فهو هروب من المعركة .. أيها الشباب العربي ، لا تهربوا من مسؤولياتكم وراء التساؤل الكبير . إن القادرين على النصر مسؤولون عن الهزيمة فأنتم المسؤولون . وأن تخذلوا أمتكم بدلا من أن تنصروها فلن يجديكم شيئاً أن تتهموا العاجزين عن النصر أو المخربين . إنكم لستم أول أمة خاضت معارك التحرير . إن وحدة العدو، ووحدة الساحة ، ووحدة المرحلة تفرض عليكم أن تكونوا جبهة واحدة مع كل الذين يقاتلون . والذين يقاتلون فعلا فئتان مفرزتان عقيدة وغاية فلا تختلطان . أنتم القوى القومية التي تخوض في الأرض المحتلة معركة التحرر العربي في سبيل الوحدة . والقوى الإقليمية التي تخوض المعركة من أجل إزالة آثار العدوان أو من أجل تحرير فلسطين ثم لا يزيدون . أولئك حلفاء المرحلة رضيتم أم أبيتم وإن أبيتم فإنكم لا تخذلون سوى أمتكم ولا تعزلون  سوى قوتكم و لن تجديكم عزلتكم فتيلا . والحلف غير الوحدة فلا يجديكم في المعركة شيئاً أن تطلبوا وحدة المقاومة مضمونا وتنظيما . تلك وحدة تنطوي على أسباب الفرقة فلن تلبث حتى تمزق الصفوف كرة أخرى . إنما هي الجبهة العربية الموحدة بين القوى القومية والقوى الفلسطينية المقاتلة . كذلك فعل كل الذين أحرزوا من قبل النصر في معارك التحرير .."  .

 ثم ، ومن زاوية نظر المرحوم عصمت سيف الدولة دائما ، حيث تستطيع القوى القومية - وهي في السلطة - من تحويل دور الدولة الاقليمية من لعب دورها الجغرافي الاقليمي في المحيط العربي الى لعب دورها التاريخي القومي من خلال اضعاف جبهة الاقليميين ، وربط سياساتها واهتماماتها بالقضايا القومية  وهو على قدر كبير من الاهمية في الظروف التي تشهدها الامة العربية بعد الارتداد عن الدور القومي لثورة يوليو ..

حتم على الانسان ان يستهدف دوما حريته  .. وكل افتعال لمعركة في غير وقتها هروب من معركة حقيقية .. لذلك لكل مرحلة ضروراتها بشرط أن لا تكون أدوات المواجهة الاقليمية المفروضة بديلا للوسائل القومية الغائبة أو على حسابها ..

) القدس ) .

الأربعاء، 21 يوليو 2021

عن التعويضات واجهاض العدالة الانتقالبة في تونس .

 عن التعويضات واجهاض العدالة الانتقالبة في تونس .

د.سالم لبيض .

يبدو أن خطبة رئيس مجلس شورى حركة النهضة (التونسية)، عبد الكريم الهاروني، مطلع شهر يوليو/ تموز الجاري، في رهط من الإسلاميين الغاضبين المتجمهرين في ساحة القصبة الحكومية في العاصمة، ودعا فيها رئيس الحكومة، هشام المشيشي، بلغة مشحونة بالتهديد والوعيد، إلى تفعيل صندوق الكرامة الذي أقرّته حكومة يوسف الشاهد قبل خمس سنوات، تنفيذاً لما ورد بقانون العدالة الانتقالية عدد 53 لسنة 2013، وذلك قبل يوم 25 يوليو/ تموز الجاري، المتزامن مع ذكرى عيد الجمهورية، يبدو أن تلك الخطبة أنتجت حركة احتجاجيةافتراضية حادّة وعامة من مختلف الشرائح الاجتماعية والنخبوية، ضدّ حركة النهضة، الإسلامية، بلغت حدّ الدعوة إلى اعتماد ذلك التاريخ موعداً للنزول إلى الشوارع، وإسقاط الحزب الإسلامي من الحكم، وتغيير النظام السياسي برمّته.

وقد أسند ذلك الفعل الاحتجاجي بيانات الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية من حلفاء "النهضة" في الحكم ومعارضيها، وردود أفعالهم الرافضة والمندّدة بدعوة الهاروني تفعيل صندوق الكرامة الذي سيمكّن نشطاء الحركة الإسلامية من مبالغ مالية، أشيع لدى الرأي العام بأنها ستكون في حدود ثلاثة آلاف مليون دينار، بناء على طريقة احتساب محدّدة، لجبر أضرار 29950 من الضحايا، أغلبهم من الإسلاميين، وفق التقرير الختامي الشامل لهيئة الحقيقة والكرامة.

ومن أسباب انتشار خطبة الهاروني، وهو الرجل الثاني في حركة النهضة بعد راشد الغنوشي، في فيسبوك ويوتيوب، والتداول في شأنها ونقاش مضامينها في الوسائل الإعلامية المحلية والمنتديات الشعبية على نطاق واسع، طابعها الاستفزازي ومنزع التحدّي والصلف تجاه الحكومة ورئيسها، ومحاولة ابتزازه لخدمة شأنٍ حزبيٍّ صرف. ولم يتردّد الهاروني في مخاطبة المتجمهرين المعتصمين في ساحة القصبة بأنه "واحد منهم" وفق قوله، مؤكّدا على انتمائهم الحزبي الإسلامي النهضاوي، ونافياً عنهم البعد الوطني الشامل المتعدّد الانتماءات، إذ لم يشارك في هذا التحرّك ضحايا آخرون للاستبداد من أنصار تيارات سياسية يسارية وقومية عربية وليبرالية ونشطاء منظمات نقابية كبرى، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، وحقوقية على غرار الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، ممن تعرّضوا للقمع والاضطهاد والتعذيب والانتهاك والقتل والتصفية على خلفية الهوية السياسية، والموقف المعارض لنظامي الرئيسين الراحلين، الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. فضلاً عن أن الفصل 11 من قانون العدالة الانتقالية عدد 53 لسنة 2013 ينصّ على أن "جبر ضرر ضحايا الانتهاكات حق يكفله القانون، والدولة مسؤولة عن توفير أشكال الجبر الكافي والفعال بما يتناسب مع جسامة الانتهاك ووضعية كل ضحية، على أن يؤخذ بعين الاعتبار الإمكانات المتوفرة لدى الدولة عند التنفيذ"، الأمر الذي تجاهلته حركة النهضة بإصرارها على تفعيل صندوق الكرامة في هذا الظرف المالي الصعب الذي تمرّ به الدولة التونسية.

وتحتاج "النهضة"، وهي الحركة الإسلامية الكبرى في تونس، ونخبها القيادية التي انطلقت في حملة اتصالية وإعلامية موازية ومضادّة، إلى جهد كاسح واستثنائي لإقناع المواطن التونسي بأن مطلب الهاروني لا يمثل دعوة غنائمية نهمة، في واقعٍ يشعر فيه هذا المواطن بالغُبن والقهر والهزيمة أمام وباء كورونا المتفشّي في مختلف أرياف تونس وقراها ومدنها وحواضرها وأحيائها وشوارعها وأزقتها ومستشفياتها التي تفوح منها رائحة الموت والمآتم. وتعيش الدولة أزمة مالية غير مسبوقة، قد تؤدي إلى عجزٍ في خلاص الديون المتفاقمة وسداد الأجور، ما دفع دولاً كثيرة إلى اعتبار تونس دولة منكوبة وبائياً، تحتاج إلى التدخلات الإنسانية والمساعدات السريعة.

وتعترض جهود النهضاويين من أجل تنقية صورتهم مما علق بها من شوائب غنائمية صعوباتٌ لا يمكن تخطّيها بسهولة، فيردّد تونسيون أنهم استفادوا أيما استفادة من الثورة التونسية، وورثوا نظام بن علي وحزبه التجمع الدستوري الديمقراطي في المجالات كافة، سيما الاقتصادية والمالية منها. كتب المؤرخ الهادي التيمومي في الجزء الثاني من كتابه موسوعة الربيع العربي في تونس 2010-2020 (منشورات دار محمد علي)، قائلاً "استقال يوم 27 جويلية 2012 وزير المالية، حسين الديماسي، لأسبابٍ تخصّ إسراف الحكومة في النفقات وخاصة التعويضات لمناضلي حركة النهضة، وهي تعويضات مكلفة جداً لميزانية الدولة". وفي السياق ذاته، صرّح أبو يعرب المرزوقي، أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية والنائب السابق عن حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي ومستشار رئيس الحكومة الأسبق حمّادي الجبالي، يوم 7 مارس/ آذار 2013، لصحيفة الشروق التونسية، عشية تقديم استقالته، قائلاً "الحكم زمن الترويكا تحوّل إلى توزيع مغانم على الأقارب والأصحاب والأحباب من دون اعتبار لمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب"، مؤكّداً ما ذكره القيادي النهضاوي، عبد الفتاح مورو، يوم 24 فبراير/ شباط 2012 لصحيفة حقائق، أن "من بين وزراء حمادي الجبالي أشخاصٌ قدراتهم محدودة وقع اختيارهم فقط للولاء، ومنهم من دخل للعمل لأول مرة، وذلك في منصب وزير وهناك من لم يعمل في حياته، ولو يوماً واحداً وأول مرّة يعمل في حياته يتولى منصب وزير".

سابق الإسلاميون في تونس الزمن منذ سنة 2011، من خلال أغلبيتهم القارّة في المجالس التشريعية وتوليهم الحكومات أو المشاركة فيها أو إسنادها، بسن قوانين العدالة الانتقالية ومختلف نصوصها الترتيبية، ويستثنى من ذلك المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المتعلق بالعفو العام الذي وقّعه الوزير الأول الأسبق محمد الغنوشي. ومن أهم تلك التشريعات القانون عدد 4 لسنة 2012 المتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي، والأمر عدد 833 لسنة 2012 في كيفية تطبيق أحكام ذلك القانون، والأمر عدد 3256 لسنة 2012 المتعلق بضبط إجراءات العودة إلى العمل وتسوية الوضعية الإدارية للأعوان العموميين المنتفعين بالعفو العام. لقد مكّنت تلك النصوص كل الإسلاميين النهضاويين والسلفيين، بمن في ذلك من شارك في عملية سليمان الإرهابية سنة 2007، من التمتع بالعفو العام ومبدأي العودة إلى العمل أو الانتداب المباشر في الوظيفة العمومية. وتمتع العائدون بما يسمى إعادة بناء المسار المهني، أي الحصول على كل الرتب والترقيات المهنية خلال فترة طردهم التي دامت في أغلبها 20 سنة 1991-2011، وأن تتولى الدولة مساهمتهم في صناديق التقاعد والحيطة الاجتماعية، ما مكّنهم من أجور في مستوى بقية زملائهم المباشرين، والحصول على منحة تقاعد بالمستوى نفسه.

بالتوازي مع هذا المسار الذي اعتمدته حركة النهضة في حلّ مشكلات مناضليها وأنصارها بإدماجهم في مؤسسات الدولة التونسية، وتمكينهم من مواقع قيادية حساسة، كانت لها كلفتها المالية العالية، فتحت الحركة الإسلامية قنوات حوار مع رجال النظام القديم، متجاهلة مبدأي الاعتراف والاعتذار، وفي مقدمتهم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي التقى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بباريس صيف سنة 2013، واتفقا على تقاسم السلطة على أرضية عدم تصويت النهضة لقانون تحصين الثورة وعدم إدراج بند في الدستور يحدّ من سن رئيس الجمهورية. والحال أن السبسي هو من أبرز المشمولين بالعدالة الانتقالية لتوليه إدارة الأمن الوطني 1963-1965 ثم وزارة الداخلية 1965 - 1969. وقد عرفت تلك الفترة انتهاكات كبيرة شملت شرائح سياسية يوسفية ويسارية وقومية عربية وطلابية ونقابية، ولترأسه البرلمان التونسي سنة 1991 تحت سلطة بن علي المشمولة بدورها بالعدالة الانتقالية. ثم صوّت النهضاويون في البرلمان سنة 2017 لصالح قانون المصالحة الإدارية الذي اقترحته رئاسة الجمهورية، ومكّن رجالاً كثيرين من المنظومة القديمة المعنيين بالعدالة الانتقالية ممن علقت بهم تهم فساد ونهب المال العام وتجاوزات السلطة من عفو تمنحه المحاكم التونسية التي كانت أدانتهم في وقت سابق. وكذلك كان الأمر مع آخر أمين عام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي، محمد الغرياني، قبل حله بحكم قضائي سنة 2011، الذي انتدبه رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، مستشاراً خاصّاً لديه. ولقد كانت حركة النهضة تعلم أن حلفاءها الدستوريين الذين ساعدتهم على العودة إلى الحياة السياسية، وتقاسمت معهم الحكم منذ سنة 2015، لم يعترفوا بجرائم حزبهم الدستوري الاشتراكي أو التجمعي، ولم يقرّوا بالانتهاكات التي مورست زمن حكمهم، ولم يعتذروا على ذلك، مرسّخة الفكرة السائدة بأن مسار العدالة الانتقالية انتهى غنيمةً نهضوية لا أكثر. أما العدالة الانتقالية، بما هي اعتراف واعتذار وإصلاح وإدماج ورد اعتبار وإنصاف لكل من مورس ضده الانتهاك، فرداً كان أم جماعة أم جهة، وحُرم من الحياة الكريمة، فإن ذلك كله قد تحوّل إلى مجرّد شعار، وإلى تقرير ضخم أصدرته هيئة الحقيقة والكرامة بانتهاء أشغالها سنة 2018 لينشر في موقع الرائد الرسمي التونسي، يحتاج هو بدوره إلى التصويب التاريخي الذي سيتولاه مؤرّخو الجامعة التونسية النزهاء بعد أن تبيّنت في كثير من تفاصيله رؤى الإسلام السياسي وتمثّلاته غيرالمحايدة.