بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 28 سبتمبر 2014

الرجوع الى الماضي ..



لا يخلو مجتمع من المجتمعات القومية من تعدد المكوّنات العرقـية والدينية فيه .. اذ أن كل الأمم تنشأ بطبيعـتها من تفاعل تلك المكونات المختلفة وتحوّلها من مرحلة التعدد والعـزلة والصراع ، الى مرحلة التعايش والانصهار والوحدة  ..
وقد كان هذا التنوّع والاختلاف يمثل ظاهرة انسانية وتاريخية غير خاصة بمجتمع أو شعب أو ديانة .. حيث تتعدد الطوائف والمذاهب في الدين الواحد ، كما تتعدد   الأعراق والأديان في المجتمع الواحد دون أن يكون ذلك  سببا في الانقسام والتطاحن بين تلك المكوّنات ، وخاصة بعد أن عرفت المجتماعت حقوق الانسان وحقوق الاقليات واختارت التعايش على اساس التساوي بين الناس حيث لا يميزهم اللون أو الجنس أو العرق أو الدين ، انما يتنافسون  داخل المجتمع من أجل العمل والعلم والمعـرفة والابداع للاسهام في اسعاد الآخرين من ابناء جلدتهم ..
لذلك نرى ان الصراعات في المجتمعات المتقدمة قد انحصرت اليوم في اطار الصراع الاجتماعي الذي يدور حول المضامين الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بتوزيع الثروة والشغل لتحقيق التقدم والرخاء لجميع الناس في المجتمع .. بل ان الأمر قد تعدى ذلك فعلا الى رعاية حقوق الحيوانات والعناية بالبيئة والمحيط والنباتات ، وقد قامت الجمعيات واللجان المتخصصة في مجالس الشعب من أجل الدفاع عن تلك الحقوق وسن القوانين والتشريعات  التي تجرّم الاعتداء على تلك المكونات التي اصبحت عناصر مهمة في حياة الانسان ، فضلا عن حقها في العيش ككائنات حية ، لحياتها كل الحرمة والقداسة شأنها شأن الانسان  ..
ولعل من أكبر المصائب التي ابتليت بها أمتنا في هذه المرحلة من تاريخها هو افتعال التناقض بين هويتها الدينية والقومية بعد أن قامت وحدتها فعلا في اطار الدولة الاسلامية نفسها عندما كانت هذه الدولة امبراطورية ، ثم انقسمت مثل غيرها الى أمم حينما انتهى عصر الامبراطوريات ، فتفككت جميعا وانحسرت لتتحول بعد ذلك الى دول قومية ملأت الأرض ، مثلما انحسرت الامبراطورية الفارسية لتقـتصر على ايران الحالية ، وانحسرت الامبراطورية الرومانية لتنحصر في ايطاليا ، وانحسرت الامبراطورية البيزنطية أو اندثرت بعد فتح القسطنطينية على يد العثمانيين لتبقى ممثلة في تركيا بعد تفكك الامبراطورية العثمانية .. كما انحسرت امبراطوريات حديثة الآن لتقتصر جغرافيا على فرنسا بالنسبة للامبراطورية الفرنسية  وبريطانيا بالنسبة للامبراطورية البريطانية كما هو الشأن ايضا بالنبة للنمسا واسبانيا والمانيا وروسيا .. وهكذا فاننا مهما عدنا بأفكارنا الى الوراء فان التاريخ لا يعود أبدا ...  


 ( نشرية القدس العدد 143 ) .

الأحد، 21 سبتمبر 2014

أزمة فكر أم أزمة هوية ..؟



لا شك أن الاختلاف العرقي والمذهبي والديني حقيقة واقعة وملموسة في جميع المجتمعات الأروبية والآسوية ، وفي مشارق الأرض ومغاربها .. فهي ليست ظاهـرة خاصة بالمجتمع العربي في مثل هذه المرحلة التاريخية الحساسة التي اقترن فيها وجوده بالاستغلال والتجزئة والأنظمة الاقليمية المستبدّة .. بل ان ما يحدث فيه من صراعات دامية يقع أغلبه بسبب ما يعيشه مجتمعنا من حيف اجتماعي وظلم وديكتاتورية وتدخل خارجي وجهل .. ولا علاقة لكل ذلك في الاصل بمظاهر التنوّع والاختلاف التي استقرعليها المجتمع العربي حتى أصبح التعايش والتسامح بين مكوّناته العرقية والدينية سمة من سمات الحياة التي تربت عليها أجيال متعاقبة على مدى قرون طويلة لم تعـرف فيها الاقتـتال الداخلي على تلك المضامين التي نراها اليوم ، والتي اصبحت تسعى من خلالها بعض الاطراف الى الرجوع بالمجتمع الى ما قبل الاسلام حينما تعمل على استنساخ تجارب هي في الغالب مبنية على اعتقاد خاطئ وغير مؤكدة عن السلف الذي لم يكن يفعل ما فعله بوحي من السماء .. أو حينما تسعى لفرض أنماط من التفكير والسلوك واللباس تتناقض كلها مع متطلبات البيئة والزمان والحريات الشخصية ..
ألم تكن ملاحم المواجهة للحملات الصليبية والغـزو المغولي كافية لحسم مسالة الهوية منذ قرون  معـبّـرة عن اكتمال الوحدة القومية للأمة العربية .. ؟؟ 
ألم تتجلى  الوحدة  في اتحاد كل مكوّناتها الدينية والعـرقية صفا واحدا لمقاومة العدوان الخارجي محققة تلك الأنتصارات التي تعـزز بها شأن العـروبة والأسلام معا .. ؟
بلى ... 
ان هذه الأزمة التي تعيشها أمتنا  عاشتها مجتمعات أخرى في عصور سابقة حينما حاولت أطراف دينية في أوروبا أن تسيطر على المجتمع باسم الكنيسة لتجعل منه آداة طيعة  تمكـنها من تحقيق مصالحها مستغلة الشعور الديني للمسيجيين المنتشرين  في أغلب بقاع الارض  في تلك الفترة  .. ورغم ان التاريخ لا يعـيد نفسه ، ورغم الاختلاف في المنطلقات الدينية كما يبدو بين المتكلمين باسم المسيحية خلال تلك الحقبة ، وبين المتكلمين باسم الاسلام اليوم ، الا أن المضامين الفكرية القائمة على النظرة الأحادية الدغمائية والعدمية هي نفسها ، قد يضاف اليها في عصرنا تلاعب الأطراف الخارجية بأصحاب تلك الأفكار المستـنسخة من الماضي ، فضلا عن تحالفهم  مع الرجعـية التي وجدت فيهم آداة للتلاعب بمصير الأمة كما تشاء  .. 


 ( نشرية القدس العدد 142 ) .

الأحد، 14 سبتمبر 2014

من وراء الكارثة ..؟



قد لا يختلف اثنان أن كل مصائبنا ومعاناتنا كانت ولا تزال بسبب الأنظمة الرجعـية المستبدة ، التي نهبت ثروات الأمة ، ومكنت منها أعداءها ، ثم فرّطت في حقوقها التاريخية ، واستبدّت في النهاية بشعوبها .. ولعل ما زاد الأمر تعقـيدا ، هو تدخل أطراف دولية  متعددة الأهداف والمصالح عن طريق تلك الأنظمة ، للتأثير في صنع المستقبل العربي وفق ما يخدم مصالح الأنظمة والقوى الاستعمارية معا  ، ليكون المواطن العربي هو الضحية ..
ولما أصبحت تلك اللعـبة مكشوفة على نطاق واسع بين الجماهير العربية التي عانت الويلات من كلا الطرفين ، قامت بتحطيم قيودها منطلقة من تونس ، ثم من مصر ، وكادت أن تعمّ موجات غضبها جميع الأقطار العربية واحدا واحدا خلال تلك السنة ، غير أن القوى المستهدفة في الداخل والخارج لم تكن غاقفلة عما يحدث ، فبادرت بدورها  بالتصدي لتلك الموجة الكاسحة من الثورات ، جاعلة منها فوضى وعبثا واقتتالا داخليا كما هو حاصل الآن في العديد من الأقطار ..
وقد أثارت تلك اللعـبة شهـية العديد من الأطراف و القوى الساعية لتحقيق مصالحها ، حيث وجد البعض في تلك الفوضى وسيلة للوصول الى السلطة وكانت حركات الاسلام السياسي المدعومة من أطراف عربية ودولية هي المعـنية بالدرجة الأولى بتلك اللعـبة ، فدخلتها من بابها الواسع ، مستحـلــّـة كل المحرمات وعلى رأسها وسائل العنف بجميع أنواعها ، ثم اللجوء الى أي طرف يدعم أهدافها حتى ولو كانت اسرائيل .. ! وهكذا تحوّلت تلك الحركات الى شيطان يجلب الكارثة للأوطان في كل المواقع التي دخلتـها .. ولم تسلم من ذلك حتى الأقطار التي دخلتها سلميا من خلال الانتخابات مثل تونس ومصر بسبب سعـيها للاستحواذ على السلطة ، واقصاء كل الاطراف المخالفة لها ، ثم الارتماء في أحضان القوى الرجعـية الداعمة لمشروعها ، واسترضاء القوى الاستعمارية الساعية الى استجلابها  كبديل للفصائل المتشدّدة  ..
لقد اصبح واضحا الآن بعد أربع سنوات من قيام الثورة في تونس بأن تلك القوى  بحميع أطيافها هي التي أدخلت الأمة في دوّامة لم يكن نهج الثورة الحقيقية يقبلها لولا اتجاهها لتحقيق مصالحها الحزبية بعيدا عن أي تقدير للمصالح الوطنية والقومية في مثل هذه المرحلة الدقية متسبّبة في الكارثة عندما عملت على تحويل الصراع من مضمونه الاجتماعي ، الى مضامين متعلقة بالدين والهوية لتعود بالمجتمع الى مراحل سابقة عن التكوين القومي بعد أن استقـر على ما هو عليه  منذ قـرون ..





 ( نشرية القدس العدد  141 ) .