بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 مايو 2013

مقاصد الشريعة ..

                                مقاصد الشريعة ..

أجمل ما في الاسلام مقاصده .. لذلك فان جميع الاوامر والـنـواهي الواردة في ديـنـنا تقوم على تحـقـيـق المصلحة العامة ولم تكـن غاية في حد ذاتها  .
ففي مجال النواهي والمحرمات نجد تحريم الخمر مثلا للحفاظ على سلامة العـقل وحماية المجتمع .. وتحريم الزنا للمحافظة على الانساب ، وتحريم السرقة للمحافظة على الاموال والممتلكات الخاصة والعامة .. وتحريم القتل للحفاظ على النفس البشرية ، وتحريم الربا لحماية الضعفاء ومنع استغلال الانسان للانسان ، الخ ...
أما في مجال الاوامر والمندوبات مما فـرضه الاسلام أو شجع عليه نجد الصلاة عبادة لله وآداة للنهي عن الفحشاء والمنكر اللذان تتحقق بهما  منافع كثير للمجتمع ، والصوم  للعبادة والتحسيس بمعاناة الآخرين .. والتقوى لخشية الله واتباع سبيله القويم تحقيقا للمصلحة العامة ..  كما نجد التأكيد سواء في القرآن او في السنة النبوية على طاعة الابويـن وحسن معاملة الجار والاقارب ( صلة الرحم ) ، وحسن الظن بالناس وتقديم المساعدة لهم ، والكف عـن اذايتهم أو التجسّس عليهم أو قذفهم أو التعدي على حرماتهم  وأعـراضهم وأموالهم ، كما حثـنا على حسن الآداب ونبل الاخلاق والإيثار والتسامح والعـفو عـند المقدرة الخ ... وكل تلك المقاصد ليست من أجل الديـن بل تحقـيقا للمصلحة العامة .. فالله غـني عـن العالمين .. ولعل بتلك الصورة التي تحددت بها مقاصد الشريعة يكون الجزاء على الاعمال عـند الله  ...  والله أعلم .

 ( القدس عدد 73 ) .

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (2) .

                بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (2) .

لقد ميّز الله الجماعة المسلمة كما ميّز العديد من الجماعات الأخرى سواء من ذوي الرسالات السابقة أو حتى من غـير الكائنات العاقلة وأطلق عليها جميعا كلمة أمة متى توفـّر لها عامل التميّز ...ميّـز المسلمين بإسلامهم وقال : إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعـبدون " ( الأنبياء / 92 ) .
و ميّـز الدواب بتـنوّعها فقال : " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم " (الأنعام 38) . وبعد أن جمع الله أصحاب الرسالات في امة واحدة اذ قال : " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون " ( المؤمنون  / 51 – 52 ) ، ميّـز الأمم برسلها المختلفة فقال : " ولقد بعـثـنا في كل أمة رسولا أن اعـبدوا الله " (النحل 36 ) .
وأمة الإسلام بهذه المعاني القرآنية هي أمة قائمة الذات يتميّـز أبناؤها بانتمائهم إلى الإسلام كدين ، فيصبح أي إنسان جزءا منها متى نطق الشهادتين و مهمى كان جنسه أو لونه أو لغـته .. و قد كان مثل هذا الوضع سائدا منذ زمن الرسالة ، حيث لم يخطر ببال احد ـ في ذلك العصر ـ  أن يسأل كم يضاف إلى الأمة الإسلامية من المسلمين طالما أن الانتماء قائم بالدرجة الأولى على الإيمان  ... أما العروبة فهي تعبر عن وضع تاريخي متأخر على الاقل الف عام  ..
إذا كانت هذه المعاني والمفاهيم واضحة وغـير منكورة ، فان إثارة التناقض بين العـروبة والإسلام ، يصبح بالدرجة الأولى مناقضا للدين .. إذ كيف نقـبل بأن الجماعة أمة متى توفّـرت لها عوامل الاختلاف والتميّز حـتى وإن كانت  جماعة من الطير أو من الجن كما ورد في القرآن الكريم ، ولا نقبل بذلك  للجماعة البشرية المتميّـزة بلغـتها وتاريخها وحضارتها وأرضها كالأمة العـربية أو الفرنسية أو الإيرانية ..  ؟ 
لقد كانت العـروبة ببساطة علاقة انتماء قـبلـية عـنـدما كانت البشرية جمعاء شعـوبا وقـبائل ، وهي اليوم علاقة انـتـماء قومية الى امة واحدة   في هذا العصر ، عصر القوميات ..

( القدس عدد 73 ) .

الاثنين، 20 مايو 2013

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (1) .

 بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (1) .

قال تعالى :"  إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون  " ( سورة الأنبياء 90 ) . واتفاقا مع هذا المعـنى العميق جاء الإسلام للناس كافة . قال تعالى :  وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا "  (سبأ 28 ) . كل من يدخل في الإسلام يصبح فردا من الأمة الإسلامية في مشارق الأرض و مغاربها ..
سبحان الله  !فهل كان المقصود عـند نزول الوحي أن يكون انتماء المسلمين إلى الأمة الإسلامية مقـتـرنا بانتمائهم إلى دولة واحدة كما يروّج البعض  .. ؟
أبدا فقد بادر الرسول صلى الله عليه و سلم بإرسال رسله إلى القادة الكبار في عصره ، وعلى رأسهم هرقل إمبراطور الروم  ، وكسرى إمبراطور الفرس يعرض عليهم الدخول في الإسلام .. كما بعث البعثات إلى النجاشي في الحبشة والى المقوقس حاكم مصر .. فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد إن تلحق تلك الدول الأربعة  بدولة المدينة الناشئة ؟ فلماذا لم يهيئ نفسه لمثل هذه التحولات الكبرى ؟
لم يحدث هذا بأي شكل كان ، سواء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عهد الخلفاء من بعده .. ومعناه أن الاسلام كان منذ البداية يميّز بين اطار الدعوة الموجّه لعامة الناس في اي مكان ، وبين اطار الحكم والدولة التي تحدّدها الظروف والأوضاع الاجتماعية لتكون وعاء لكل المضامين التي  جاء بها هذا الدين ، فتـكوّن مجتمعا مسلما ..
فاذا حصل ذلك في عصر المجتمعات القبلية يكون مجتمعا قبليا مسلما ، واذا حصل ذلك في عصر الامبراطوريات ، تكون امبراطورية مسلمة ، واذا حصل ذلك في زمن القوميات يكون مجتمعا قوميا مسلما ، دون أن يُحدث ذلك الوضع أي تناقض او تعارض بين الوضع الديني والوضع الاجتماعي الذي يعاصره ..
والواقع فان شبهات الخلط  لدى البعض مبنية على عدة تأويلات  للآيات القرآنية منها ما هو متعلق بمفهوم الأمة  ،  كقوله تعالى : " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون  " ( الأنبياء ـ 92 ) وهي وان كانت تنص على أن الامة الاسلامية أمة واحدة ـ وهذا صحيح ـ غير ان هذا الاقرار لا يترتب عنه بالضرورة جمع المسلمين المكوّنين لتلك الأمة  في مشارق الارض ومغاربها في دولة واحدة .. بل  ياتي في اطار التمييز للجماعة المسلمة التي تميّزت بالإسلام ، مثلما وقع تمييز جماعات أخرى بانتمائها الى رسالات سابقة كقوله تعالى : " ولقد ارسلنا الى أمم من قبلك " ( الأنعام ـ  42 ) ، وقوله : " ولكلّ أمة رسول " ( يونس 47  )  ... 
واضافة الى ذلك فان  لفظ الأمة في القرآن الكريم لم يكن خاصا بالمسلمين كما  هو واضح في الأمثلة السابقة ، ولا هو خاص بالانسان وحده كما يظهر في العديد من الآيات التي تخص الجماعة من الطير والجماعة من الانس والجماعة من الجن الخ .. ليصبح مفهوم الأمة في لغة القرآن ، مجـرد  تمييز للجماعة ، ولا علاقة له بالنظم  ، أو بتكوين الدول ..
وفي هذا السياق  فان الرّبط بين الانتماء الديني والنظام السياسي لم يسبق أن طُرح إلا عـند اليهود ، الذين لا يزالون ينادون بالدولة اليهودية في فلسطين لكسب شرعـية الاحتلال من خلال التسليم بالعلاقة بين الأرض والديانة اليهودية .. كما انه لم يسبق طرح الدولة الدينية في الاسلام حتى في عهد الرسول  صلى الله عليه و سلم ، الذي أسس أول دولة مدنية بمن فـيها من سكان المدينة ، كما نصّت على ذلك الصحيفة التي كتبها الرسول بنفسه ولم يؤسس ـ ابدا ـ  دولة خاصة بالمسلمين ..


( الفدس عدد 72 ) . 

قيمة الجدل والحوار في السلام ..

قيمة الجدل والحوار في السلام ..

يُظهر بعض المسلمين في أيامنا الكثير من الغلو والتشدد بسبب فهمهم القاصر لجوهر الديـن الذي لا يتنافى مع حرية المعتقد ، و التعايش بين الناس على اختلاف  مشاربهم  .. فتراهم ينزعون نحو الاقصاء ، و فرض آرائهم الخاصة بالقوة والعنف ، ويعـتـبـرونها صوابا كلها لا يرقى اليها الشك .. متـناسين اولا ان قاعدة التعامل المشترك تقتضي احترام الرأي المخالف حتى وان كانت آراؤنا صائبة . و متناسين ثانيا ان الدين  يجمع  الناس على ما فيه من ثوابت  ..  فيؤلف بين قلوبهم  ، ثم يدعوهم للتعامل فيما بينهم على قاعدة المساواة  وحسن ظن بعضهم ببعض .. ولذلك فان جميع أوامره و نواهيه و قوانينه وحدوده تقوم على تحقـيق المصلحة العامة ورفع الظـلم على المظـلومين وتحقـيق العدل بيـن الناس ..  فلا يُأخذ أحد بجريـرة غيره كما قال تعالى : " ولا تزر وازرة وزر أخرى " ( الاسراء 15 ) ،  أو كما قال سبحانه : " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فـتصبحوا على ما فعلتم نادمين " (الحجرات 6 ) ..  وهو ما يدل على ان الامـر قائم على النسبية والاجتهاد في مجالات تقوم فـيها الشبهة  فلا يجـب اتخاذ الاحكام المطلقة والتسرع  فيها .. وهذا النهج اذا كان  مطلوبا في المسائل الخاصة والمحدودة ، فهو  في المسائل العامة المتعلقة بمصير الناس التي تثور حولها الشبهات والشكوك والخلاف في تأويل الحالات والاحكام الخاصة بها ، يكون أكثر تأكيدا  .. اما في المجالات الواضحة المحكمة فلا خلاف ولا اختلاف  .. قال تعالى : " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخـر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفـتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " ( آل عمران / 7 ) .  وتماشيا مع هذه المسائل النسبية ، قد امر الله  رسوله بحسن الجدل ، قال تعالى : " وجادلهم بالتي هي احسن "  و الجدل معناه أخذ وعطاء أي راي و رأي مخالف . يقول بن كثير في تفسيره : ( وقوله : وجادلهم بالتي هي أحسن ) أي : من احتاج منهم إلى مناظـرة وجدال ، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب ، كما قال  : "  ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم  " ( العنكبوت : 46 ) . فأمره تعالى بلين الجانب ، كما أمـر موسى وهارون - عليهما السلام - حين بعثهما إلى فرعون فقال :  " فقولا له قولا لينا لعله يتذكـر أو يخشى " ( طه : 44  ) .. ) ( انتهى ) .
هذه اوامر الله و نواهيه لا لبس فيها يامر فيها عباده المؤمنين باتخاذ حسن الجدل سبيلا للتفاهم  و مخاطبة بعضهم البعض حتى يجتنـبوا الفرقة التي حذرهم منها جميعا و نهاهم عن الوقوع فيها . قال تعالى : " و أطيعوا الله و رسوله ولا تنازعوا فـتـفشلوا وتذهب ريحكم واصبـروا ان الله مع الصابرين " ( الانفال / 46 ) . فالصبر عـند الاختلاف ضروري للحفاض على الوحدة واجـتـناب الفتن ولعل من اول شروطها حسن الظن بالآخر ، سماع رأيه ، والتجاوز عن هفواته ،  وتوجـيه النصح له حـتى يعـود الى الصواب ان اخطا ، قال تعالى : " يا ايها الذين آمنوا اجتـنبـوا كـثيرا من الظـن ان بعـض الظـن اثـم  ( الحجرات / 12 ) . وذكـر الطبري في تـفـسيـره لهذه الآية ما رواه بن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إن ظـن المؤمن الشر لا الخير إثم " . وقال تعالى : " واعـتـصموا بحـبـل الله جميعا ولا تفـرّقوا  واذكـروا نعـمة الله عليكم اذ كـنتم اعداء فألف بين قـلوبكم فاصبحـتم بنعـمته أخوانا و كـنتم على شفى حفـرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون " ( آل عمران / 103 ) .

فسبحان الله . ان الجدل والحوار في ديننا اسلوبا للوحدة والتطور والتقدم بالمجتمع . فكيف لا نهتدي الى هذا ..؟؟ والله اعلم . 

 ( القدس عدد 72 ) .

الثلاثاء، 14 مايو 2013

دين الحق ، و الرفق ، و العقل ..

  دين الحق ، والرفق ، والعقل ..

يواجه الكثير من المسلمين هذه الايام ،هجمات عـنيفة ، متشدّدة ، لا علاقة لها بالاسلام .. لانها رافضة للاختلاف ، وحرية  الراي.. فهي غـريبة عن روحه السمحة ، ومبادئه الانسانية العظيمة التي جاءت لتضع حدا لاعتداء الانسان على اخيه الانسان ، فحرّمت استغلاله واضطهاده أواحتقاره ، بسبب الدين أو العرق أو الجنس .. كما دعت هذه المبادئ الى المساواة بين الناس .. ثم امرتهم بالتعايش والتعاون في نطاق القيم الروحية النبيلة التي ارساها بينهم .. ولعل الآيات التي وردت فيها هذه المعاني ، الى جانب الاحاديث النبوية الصحيحة تغـني عن كل تعليق ..
 ففي مجال المعاملة قال تعالى : "لَا تَسْتَوِي الحسنة  ولا السيئة  ادفع بالتي هي  أحسن  فاذا الَّذِي بينك وبينه  عداوة  كأنه وَلِيٌّ حَمِيمٌ "( فصلت 34 )  . وقال تعالى :وَالْكَاظِمِينَ الغـيـظ  وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين " ( آل عمران 134 ) . و في مجال التكليف قال سبحانه : "  يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ " ( البقرة / 185 ) . و قال تعالى : " لا يكلّف الله نفسا الا وسعها " ( البقرة 286 ) . وقال : " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " ( الحج / 78) . وقال  " و ما  أرسلناك  إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " ( الأنبياء/107 ) ....  
كما قال صلى الله عليه و سلم : اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم . ( رواه مسلم ) . و قال أيضا : " من أعطى حظه من الرفق ؛ فقد أعطى حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق ؛ فقد حرم حظه من الخير" رواه الترمذي " . 
  اما في مجال الدعوة و التبليغ فان السبيل ما امر به الله رسوله الكريم ، قال تعالى : "{ فَـبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ  فظا  غليظ  القلب  لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك } (آل عمران  159 ) . و قال تعالى : ". قـل هذه سـبـيلي أدعو إلى الله عـلى بصيرة أنا ومن اتبعـني (  108يوسف ) . وقال تعالى مخاطبا نبيه موسى وأخاه هارون اللذان بعـثهما الى الطاغـية فـرعون : { اذهبا  إِلَى  فرعون  إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّـيِّنًـا لَّعَـلَّهُ  يتذكر  أَوْ يَخْـشَى }   ( طه 43 – 44 ) . ثم ما أمر به الرسول أصحابه ومن ورائهم عامة المسلمين ، عـن أنس رضي الله عـنه ، عـن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يسّروا ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا  " ..  
عندما نذكـر هذه الآيات البينات التي يوجه فـيها سبحانه خطابا على هذا النحو لرسله و انبيائه المنزّهين المعـروفين بنبلهم و أخلاقهم السامية وعدلهم واحسانهم  .. حيث قال سبحانه مخاطبا رسوله الكريم : " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " .  ( القلم/4 ) ... وتلك الاحاديث التي يوصي فيها صلى الله عليه و سلم بالرفق واللين واليسر ..  ثم عـندما نستمع الى بعض الخطابات الدينية على المنابر من طرف الكثير من الايمّة المتهافـتـيـن على مساجدنا بعد الثورة ، ندرك مدى جهلهم وعدم اهليتهم للوقوف عليها .. حيث لا نكاد نسمع منهم  - ونحـن المسلمون الجالسون معهم في المساجد - الا الخطابات التي توحي للسامعـين بان عدد الكفار بين صفوف الحاضرين أكثر من المؤمنين ..  والواقع فان الكثير من هؤلاء قد سجـنوا انفسهم وسط مرجعـيات لا تعـترف بالعقل ، فعطلت ملكات التفكير والاجتهاد ، وارتهنت دور رجال الدين في التقليد والنقل على الرجال من ذوي الرأي السابقين ، و ممن وقع رفعهم الى محل التقديس ، حتى وان كان بعض ما اجتهدوا فـيه لا يناسب زماننا .. ثم لا يكتفون بذلك بل يزيدونه التشدّد وانكار الراي المخالف ، حتى ينتهون به الى التكفير .. في حين فهم اسلافـنا جوهـر الاسلام وتعاملوا معه وفق النهج الالهي الذي سطّره الله وارتضاه طريقا لنشر دينه الحنيف  ، حيث اللين والموعظة الحسنة والصبر .. والحجج العقلية والاقناع الخ .. ولما كان اسلافنا أكثر فهما واكثر صفاء ونقاء منا عرفوا كيف يبلّغـوا دين الله متبعـيـن خطى نبـيهم الكريم صلى الله عليه وسلم وخطى الانبياء الذين سبقوه . حتى انتشر الاسلام في مشارق الارض ومغاربها .. وحتى صار أكثر انتشارا في الاماكن التي لم تطأها اقدام الفاتحين .. وحين نقرا سيرة الايمة الكبار الذين كانوا اقرب عهدا منا بعهد رسول الله نجد في سيرتهم ما عُـرف به أغـلبهم في طريقة التبليغ والدعـوة والترغـيب في الدين على غـرار عظماء الاسلام الاوائل .. قال الهيثم بن جميل " شهدت مالك بن أنس سُـئـل عـن ثمان وأربعـين مسألة ، فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري  ".. وقال أبو بكر الأثرم " سمعت أحمد بن حنبل يُـستـفـتى فيكثر أن يقول : لا أدري " .  كما ذُكر لأبي حنيفة قول من قال " لا أدري نصف العلم " قال " فليقل مرتين لا أدري حتى يستكمل العلم  " ...
و تلك أخلاق العلماء و نهجهم الذي ساروا عليه بكل تواضع ودون رياء .. / والله اعلم .

 ( القدس عدد 71 ) .

الاثنين، 13 مايو 2013

حق العودة حق تاريخي مقدس .

حق العودة حق تاريخي مقدس .

حق العودة حق غير قابل للتصرف ، مستمد من القانون الدولي المعـترف به عالمياً.. و هو مكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 10 ديسمبر1948 .. وفي اليوم التالي لصدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان أي في 11 ديسمبر 1948 صدر القرار الشهيـر رقم 194 من الجمعـية العام للأمم المتحدة الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض ( وليس : أو التعويض كما يروّجون ) ..  
ومن المعلوم أن حق العودة لا يسقط بالتقادم ، أي بمرور الزمن ، مهما طالت المدة التي حُـرم فيها الفلسطـينـيون من العـودة إلى ديارهم ، لانه حق شخصي ،  لا يسقط أبداً ، إلا إذا وقــّـع كل شخص بنفسه وبملء أرادته على إسقاط هذا الحق عن نفسه فقط  ووقتها سيكون ذلك جريمة وطنية ،  لأن حق العودة  هو حق جماعي يهم الأجيال الحالية و اللاحقة  باجتماع الحقوق الشخصية الفردية وبالاعتماد على حق تقرير المصير الذي أكدته الأمم المتحدة لكل الشعوب عام  1946، وخصت به الفلسطينيين عام 1969 وجعلته حقاً غـير قابل للتصرف  في قرار 3236 عام 1974 . 
وعليه فان كل اتفاق على إسقاط  حق غير قابل للتصرّف  باطل قانوناً ..  وتنص المادة الثانية من معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 على أن أي اتفاق بين القوة المحـتلة والشعـب المحتل أو ممثليه باطلة قانوناً، إذا أسقطت حقوقه . 
 ان التمسك بحق العودة هو في الحقيقة تمسك اللاجئين بحقهم في أرضهم أو ارض آبائهم و أجدادهم ان كانوا من الاجيال اللاحقة .. و هو شكل راق  من أشكال الصمود والاستمرار في المقاومة حتى استرداد كامل الحقوق التاريخية بتحرير فلسطين كاملة من الصهاينة الذين قدموا غزاة و هجّـروا أكثـر من ثلثي الشعب الفلسطيني ليجعلوا منه اكبر مأساة في العصر الحديث .. و بما ان تلك الحقوق هي حقوق تاريخية ثابتة فانها لا تسقط بالقدم كما لا تستطيع اي سلطة أو اي جهة مهما كانت ان تتنازل عن حقوق اللاجئين عن ارضهم  حتى و ان  وقــّـع جيل باكمله على وثيقة تنازل للعدو ، لان أرض فلسطين هي ملكية تاريخية للاجيال المتعاقبة فليس من حق اي جيل ان يتنازل عـنها .. و لذلك فان التمسك  بحق العودة يبقى رمزا للتمسك بالارض والوطن بأكمله ... ورفضا لمشاريع التسوية والاعتراف بالعدو ...

 ( القدس عدد 71 ) . 

في ذكرى النكبة : صراع الوجود ..

في ذكرى النكبة : صراع الوجود  ..

 صراع وجود وليس صراع حدود ، هي تلك المقولة الخالدة التي تختزل جوهر الصراع  والمعانات مع الكيان الصهيوني منذ قيام الدولة العبرية في 15 ماي 1948 .
والواقع فان هذا الجانب المهم كان واضحا لدى المواطن العـربي منذ نشاة الصراع العـربي الصهـيوني ، حيث استقـر في الوعي الشعـبي عدة قـناعات ومفاهـيم بسيطة وواضحة هي التي ساهمت في تواصل المقاومة واتساع رقعـتها رغم التضليل والتآمر والخيانات .. ومن جملة هذه القناعات قومية المعركة ، وصراع الوجود ..

غير ان القوى المعادية للامة التي مانفكت تلعب على التناقضات والمصالح داخل مكونات الامة من انظمة عميلة واحزاب رجعية وقوى مستغلة ارتبطت مصالحها بمصالح المستعمر ، جعلت القوى الوطنية والقومية تضعف في مرحلة من المراحل لعدة عوامل منها ضعف الامكانيات ، ووتغـوّل الاستبداد ، وتحالف القوى المعادية الخ .. حتى ظن البعض ان تلك الشعارات التي ظهرت في الخمسينات والستينات قد ولى زمانها وانتهى .. فبدأنا نسمع شعارات موازية من نوع : "الواقعية " و" سلام الشجعان " والسلام المشرّف " ، و اذا بنا ننتقل من الخطوة المنفردة التي قادها السادات سنة 79 الى الهرولة الجماعـية الى صف الاعداء والاستسلام المجاني للولايات المتحدة والصهيونية ، مما دفع هؤلاء الى تشديد الحصار على الانظمة الممانعة وضربها الواحدة تلو الاخرى من العراق الى ليبيا وأخيرا شدوا الرحال الى سوريا .. ولعـل الادهـى والامـر أن نسمع تصريح الارهابي بنيامين نتنياهو لوسائل الاعلام قائلا " ان أصل النزاع  ليس على الأراض بل على وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية " في حين تقف الرجعـية العربية والاحزاب الاخوانية في الصف المعادي للامة ، فـتـشـنّ حـربا قـذرة على سوريا ، وتكـفّ الاذى عـن الصهاينة   وتمنحهم الامن والطمانينة ..

 ( القدس عدد 71 ) .

الثلاثاء، 7 مايو 2013

من تونس الى سوريا : معركة واحدة ..

من تونس الى سوريا : معركة واحدة ..

لم يعد شيئا خافيا من الصراع ، بعد ان دخل الجيش الصهيوني على الخط لضرب مواقع السلاح  ومراكز البحث العلمي في دمشق بعدما رجح الجيش العربي السوري الكفة لصالحه بتكبيد الارهابيين خسائر فادحة جعـلتهم يفقدون العديد من المواقع التي ظنوا انهم تحصنوا بها ، حتى وصل بهم التفائل الى حد الاعلان عن امارة مستقلة ، كما وصل بهم الطمع الى التفكير في السيطـرة على مواقع حسساسة مثل المطار وثكنات الجيش ... ولعل اهم انقلاب في موازين القوى هو التفاف الشعـب السوري حول الجيش ومؤسسات الدولة وانخراطه فعليا في الدفاع عن سوريا مما جعل الجيش ينجح في استرداد المواقع الحدودية الاستراتيجية لمنع  وصول الامدادات وتضييق الحصار على الارهابيين ، فضلا عـن استفاقة قاعدة عريضة من الراي العام العربي الذين فهموا أبعاد هذه المؤامرة التي لا تخدم الا اسرائيل ..
ان هذه المستجدّات الهامة جعلت الدوائر الاستعمارية بزعامة فرنسا وبريطانيا ، تشعــر بخيـبة المسعى ، فعادت تبحث من جديد عن تفعـيل مطلبها داخل الاتحاد الاروبي  برفع الحذر عـن الاسلحة للمعارضة الموالية لها .. غيران تزامن هذه التطورات مع الغارة الصهيونية التي تستهدف مواقع حساسة في سوريا ، يُـبّـيـن بما لا يترك مجالا للشك ، بان المعارك اصبح يديرها مباشرة جنرالات الجيش الصهيوني بترتيبات مشتركة مع الادارة الامريكية .. كما لا يخفى الدور الذي تلعـبه مختلف القوى الاقليمية والدولية المرتبطة مصالحها بالقوى المعادية للامة العربية ، وعلى راسها الانظمة العربية العميلة التي ساهمت منذ البداية في دعم الارهابيين ومنها النظام في تونس ، الذي ترك الحبل على الغارب ، متبعا سياسة النعامة مع المجموعات المحلية ، رغم ظهورها مبكرا في مواجهات مع الامن والجيش ، كما تم ضبط كميات مهولة من الاسلحة بحوزة انصارها ، لكن الجهات المسؤولة ظلت تهوّن من أمرها ، حتى فوجئ بها الجميع في الاحداث الاخيرة بجبل الشعانبي ، وهي ليست الا فصلا آخـر من فصول المؤامـرة الكبرى  التي تحاك ضد الامة العربية لكي تقع  في دوّامة من العنف والفوضى خدمة لامن اسرائيل .. وهكذا  فأن أطماع الحركات الدينية  وولاءاتها الحزبية الضيقة جعلتها تستغل هذه الظروف المتداخلة ، ظنا منها انها تستطيع توظيفها لصالحها ، وهي في الواقع تغرق أكثر قأكثر في شراك العمالة والتبعـية ...


 ( القدس عدد 70 ) .


الاثنين، 6 مايو 2013

خطر..! قف !

خطر..! قف !

الحديث عـن الارهاب ، والتـفجـيـرات واعلان الحـرب على المجتمع ، لم يعد مجرّد تخمينات ، وتأويلات ، او اتهامات وادعاءات ، بل ان ذلك قد اصبح حقيقة ماثلة أمام أعيننا ، بسبب ما شهدته تونس خلال الاسبوع الفارط من انفجارات للالغام المزروعة  بعناية في مسالك  جبل الشعانبي الذي باتت تأويه مجموعات ارهابية تتخذه ملجأ آمنا للتدريب وتهريب السلاح ..
والواقع فان الحكـومة والاحزاب الحاكمة ورئيس الدولة والمجلس التاسيسي وكل المؤسسات الرسمية للدولة  تتحمل كامل المسؤولية  في تخاذلها وتهاونها عندما لم تأخذ المسألة مأخذ الجد منذ احداث الروحية وبئـرعلي بن خليفة واحداث القصرين .. الى جانب اكتشاف مخازن الاسلحة في الجنوب التونسي وفي منطقة دوار هـيشر .. كما تهاونت هذه الاطراف في فـتح المنابر الدينية داخل دور العبادة لنشاط المجموعات الارهابية التي استغلت المشاعـر الدينية لشبابنا ، وجعلت منهم أدوات طيعة لخدمة اهدافهم وأهداف القوى الدولية التي تقف وراءهم وتستعملهم بدورها في مآمرات أكبر وأكثر تعـقيدا باعتبار انها ترتبط بالدوائر الاستعمارية التي تحاول من خلالها خلط الاوراق في الوطن العربي لتجعل منه منطقة فوضى بعد ان كان منطقة ثورات ..
وبالتالي فان ما جرى ليس مجرد أحداث عابرة ، بل هو ايذان بدخول مرحلة جديدة مجهولة العواقب تستحق الوقوف والتأمّل  بكل جدية ..

 ( القدس عدد 70 ) .