بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 31 أغسطس 2014

الانتخابات والناس (3) ..

الانتخابات والناس (3)  ..

لا شك أن الانتخابات القادمة بكل ما فيها من عيوب سواء كانت متصلة بالقوانين الانتخابية أو بالسلبيات والتجاوزات المتعلقة بالممارسة في مجتمع متخلف ديمقراطيا ، تمثل فرصة حقيقية بالنسبة لعامة الناس لتغـيير ظروفهم وتحسين أوضاعهم المتردية خاصة بعد الفشل الذي وقعت فيه أحزاب الترويكا منذ انتخابات 23 اكتوبر 2011 بعد أن كرست الانقسام الحاد داخل المجتمع على اساس الانتماء الحزبي على حساب الانتماء للوطن ، وهو ما افرز تلك الصراعات العـنيفة التي انتهت في آخر المطاف الى فرض التسوية بين الأحزاب المتكالبة على السلطة من جهة ومنظومة الفساد التي يقودها رموز النظام البائد ورؤوس الاموال التابعة له من جهة أخرى .. غير أن تحقق مثل هذه الفرصة سيظل رهن اهتداء الناخبين الى اختيار الأصلح اذا كان هناك انتخابات ديمقراطية فعلا ..
الا أن المتأمل في القوائم الانتخابية يدرك بسهولة مستقبل الخارطة السياسية  في الفترة القادمة ، والتي ستكون لصالح القوى المتنفذة سواء من المنتمين مباشرة لرأس المال الفاسد أو من الأطراف المدعومة بالمال السياسي المتدفق على أحزاب بعينها على رأسها الأحزاب التجمعـية وحركة النهضة .. ولعل مثل هذه الحقائق غير خافية على الكثيرين ، حيث يبدو أن نسبة هامة من المعطلين والمهمشين لا تمثل الانتخابات بالنسبة لهم شيئا ولا تحرك لهم ساكنا ، وهم الذين أصابهم اليأس والاحباط حينما تجاهلتهم الأحزاب الفائزة في الانتخابات السابقة ، فلم تفكر في مشاكلهم ، ولم تكن مؤهلة أصلا لفهمها ، فضلا عن حلها حلا صحيحا ينهي معاناتهم المستمرّة في ظل البطالة والصراع من أجل البقاء ..
لذلك فان الكثيرين من أبناء الشعب وشباب الثورة الذين علقوا آمالا كبيرة على الانتخابات السابقة ، فخذلتهم الاحزاب والنخب السياسية المتاجرة بقضاياهم ، يعتقدون انهم أكثر ذكاء وفطنة من هؤلاء حينما لا يثقون في اقوالهم ووعودهم وبرامجهم الوهمية ، فلا يذهب بعضهم الى التسجيل ، ثم يقاطعون الانتخابات مقاطعة حاسمة .. بينما يرى بعضهم الآخر أن الحل يكمن في تكوين قوائم مستقلة خاصة بهم مراهنين على اصوات الفئات الشبابية الغير متحمسة للقوائم الحزبية .. الا أن اسلوب المقاطعة ، واللجوء الى القوائم المستقلة ، لا يخدم  على ما يبدو الا الاحزاب الكبيرة التي لا تتأثر كثيرا بمقاطعة مثل هذه الفئات للانتخابات ، لأنها تملك قاعددتها الانتخابية الكافية التي ستمكنها من نيل ترشحها  ، في حين تبقى الاحزاب الصغيرة والقوائم المستقلة تتصارع على ما تبقـّى من الاصوات .. وهي معضلة حقيقية ستظل تلك الفئات المهمشة والاحزاب الرافضة للمال السياسي تعاني منها الى أجل غير محدود .. 

 ( نشرية القدس العدد 139 ) .

الأحد، 24 أغسطس 2014

الانتخابات والناس (2) ..



الانتخابات والناس (2)  ..

الانتخابات مححطة هامة من المحطات التي تتنتظرها قوى متعدّدة ، ذات غايات مختلفة و متباينة ..
فهي بالنسبة لعامة الناس فرصة للخروج من الواقع المتردّي من جميع جوانبه المتصلة بحياتهم ومستقبلهم ، لأن التغيير الحاصل في 14 جانفي 2011 وما تبعه من محطات لعل أهمها انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 ، لم تأت كلها بالجديد .. بل كانت على العكس من ذلك مناسبات فاشلة في تحقيق كل الأهداف االتي كان يطمح اليها الشعـب  ..
والانتخابات بالنسبة لهؤلاء الناس هي فرصة لتعويض ما فاتهم بعد أن خذلتهم تلك الأحزاب التي وضعوا فيها ثقتهم ، فكانت سببا في ضياع كل أحلامهم وطموحاتهم التي نسجتها الثورة في خيالهم ، حتى أصبحوا كالغـريق الذي يتعلق بالقشة للنجاة من الغـرق .. 
والانتخابات بالنسبة للأحزاب الفاشلة في الحكم هي مناسبة لا تعوّض للحد من تأثير نظرية الفشل التي أصبحت واقعا ليس في نظر المعارضة فحسب ، بل وحتى للناخبين الذين صوّتوا لتلك الأحزاب بينما لم يلمسوا فيها الا العجـز والافلاس .. لهذا نجدها تسعى بكل ما لديها  ومن مال ودهاء وقدرة على المناورة  للفوز ولو بالحد الأدنى الذي يحفظ لها ماء الوجه ..
والانتخابات بالنسبة لأحزاب " الصفر فاصل " هي بلا شك فرصة ذهبية لتأكيد جدارتها ، وتعويض خيبتها في الانتخابات السابقة .. وهي رغم اختلاف ظروفها وماضيها وقدراتها فان بعضها يحاول أحيانا أن يستفيد مما يملكه من رصيد نضالي ، وأحيانا أخرى من رصيد الفشل الذي تتخبط فيه أحزاب الترويكا ..
والانتخابات  بالنسبة للأحزاب التجمعـية هي فرصة لا تقدر بثمن بعد الكوابيس التي عاشتها وعاشها معها كل التجمعـيين في كل مكان ، حين أصبحوا بحكم الثورة هدفا للاقصاء والمحاسبة والمحاكمات بسبب ضلوعهم في الفساد والرشاوي وتزوير الانتخابات والتعذيب والتلاعب بالمال العام ومصادرة الاملاك على غير وجه حق واستغلال النفوذ والتعدي على أعراض الناس .. الى غير ذلك من الجرائم والتهم الموجّهة إليهم ، والتي بقيت مجالا للمدّ والجزر والمساومات السياسية والتجاذبات حتى انتهت  بتلك التسويات التي شهدتها تونس برعاية السفارات الاجنبية تحت لافتة الحوار الوطني الذي أفضى بدوره الى زواج المتعة بين حركة النهضة ونداء تونس .. وهو ما ظهر بوضوح في بعض القائمات الانتخابية لحركة النهضة التي يترأسها اليوم ويدعمها رؤوس الاموال التجمعـيون ، كأفضل تعـبيرعن شهر العسل  لهذا الزواج السعـيد .. !!

 ( نشرية القدس العدد 138 ) .

الأحد، 17 أغسطس 2014

الانتخابات والناس (1) ..



الانتخابات والناس (1)  ..

تأتي الانتخابات وتمرّ .. ثم تعود من جديد .. والناس هم الناس .. والأحزاب هي الأحزاب .. نفس الكلام ، ونفس الأساليب ونفس الغموض في عيون الناخبين .. ولعل أكبر دليل على ذلك هو ظاهرة العـزوف عن التسجيل للانتخابات التي جلبت أنظار الملاحظين خلال فترات التسجيل ، رغم التمديد في الآجال ، والدعاية في الاعلام ، ورغم كل ما بذلته اللجان الخاصة بالتسجيل عندما اعتمدت اسلوب الاتصال بالناس في بيوتهم وفي مواقع عملهم ، وفي الشوارع والمقاهي ، سعيا لرفع النسبة المحتشمة المسجلة حتى آخر مرحلة من الحملة ..
ورغم الضبابية المسجلة في المشهد الانتخابي لدى عامة الناس ، فيما يتعلق بالقوائم الانتخابية سواء المستقلة أو الحزبية .. فان الطريف هذه السنة هو ارتفاع عدد المترشحين للرئاسة الذين بلغ عددهم في آخر يوم لتقديم الترشحات السبعين مترشحا .. وهو ما فاق طرافة الانتخابات السابقة في كثرة الاحزاب المشاركة التي بلغ عددها 111 حزبا ، وكثـرة القائمات الانتخابية التي وصل عددها الى 1600 قائمة .. والواقع فان هذا العدد الهائل المسجل بعد الثورة ، سواء في عدد الاحزاب ، أو في عدد القوائم المترشحة لانتخابات المجلس التأسيسي ، كان علامة بارزة ودليلا قاطعا على الرغبة الجامحة في المشاركة السياسية بعد عقود طويلة من التصحر السياسي والاقصاء من ناحية .. وعلى حدة المشكلات الاجتماعية وشدة الانقسام في فهم الواقع بين المواطنين من ناحية ثانية ، باعتبار أن كل حزب يمثل رؤية خاصة مختلفة عن بقية الرؤى المطروحة رغم ان الواقع واحد ، وأن كل قائمة انتخابية لها تصوّرات وحلول هي بالأساس موجهة لنفس المشاكل الاجتماعية وهو ما يعني أن الحلول الممكنة واحدة    ..
وقد لا يختلف الأمر كثيرا هذه السنة خاصة بالنسبة للناخبين الذين وجدوا أنفسهم في حيـرة أكبر، أمام تفاقم المشاكل الاجتماعية في ظل الفشل الذريع الذي عرفته الأحزاب الحاكمة التي عجزت عن تقديم الحلول المطلوبة ، وأمام هيمنة الأحزاب التجمعـية اثر التسويات الانتخابية التي وقعت على امتداد مراحل الحوار الوطني وبعده ، ذهابا وإيابا إلى السفارات الأجنبية التي أصبحت قبلة ومزارا لنيل الثقة والرضى والتزكـية ، مقابل التخلي عن أهداف الثورة  ..
وقد يكون ارتفاع عدد المترشحين للرئاسة في هذه المرحلة ، بسبب تنافس الأحزاب والشخصيات التي تطمح للوصول الى القصر الرئاسي بكل ما فيه من اغراءات وحوافـز .. الا أن ارتفاع العدد بهذا الشكل المخالف لكل ما هو سائد في الدول الديمقراطية ، يحمل في حد ذاته نفس المؤشرات الدالة على تخلف الواقع بكل ما فيه من أحزاب وناخبين .. وهو ما يدعو فعلا الى المزيد من الممارسة الديمقراطية بدل العـزوف عنها ..   

( نشرية القدس العدد 137 ) .

الأحد، 10 أغسطس 2014

المعقـول واللاّمعقـول ..



المعقـول واللاّمعقـول ..

حينما بدأ العدوان الصهيوني الهمجي على غزة بداية شهر جويليا 2014 ، كان منتظرا أن تتخذ كل الانظمة العربية مواقف سلبية مثلما ما هو معـتاد .. لتكون مواقفها تلك تعـبيـرا صادقا عن طبيعـتها الاقليمية المتعـفـنة ، وتأكيدا عن خيانتها للقضايا القومية ودماء الشهداء الذين ماتوا في سبيل تحرير فلسطين منذ الحملات الصليبية الى الآن .. واظهارا للاستكانة والخضوع لأعداء الأمة من حلفاء الصهاينة في العواصم الغربية وهم لا يجدون حرجا في جعل المعتدي الذي يمتلك جيشا جرارا مدججا بكل أنواع الاسلحة الحديثة : ضحية ، والشعب الأعـزل الذي يتعرض للابادة الجماعية : ارهابيا .. والواقع فان الانظمة الـعـربية بسكوتها عن جرائم العدو تكون منحازة الى صفه لأن في صمتها  تعـبـيـر ضمني للعدو الغادر بأن ما يفعله لا يحرّك لها ساكنا ، ولا يستوجب تصرفا أو قرارا على أساس عدوانيته ، فلا يتطلب أي نوع من أنواع الاحتجاج الفعالة : لا سخطا ولا مقاطعة ولا مساءلة للدول الداعمة ولا استدعاء للسفراء في الدول الغـربية ، ولا دعما للمقاومة ، ولامحاصرة للعدو بكل الأشكال الممكنة في مجلس الأمن ، ولا شكاوي في المحاكم المعدة لجرائم الحرب .. كل ذلك غير وارد وغير مطروح .. لأن الأنظمة ليست في مستوى المسؤولية الوطنية والقومية حتى وان كانت منتخبة كما هو الحال في تونس ومصر .. فالمسألة لم تعد قائمة على شرعية الحكم كما كنا نسمع سابقا .. بل هي خاضعة بالأساس الى وجهة النظر القائلة بأن فاقد الشئ لا يعطيه ..
واذا كان كل ذلك مفهوما ومقبولا ، فان ردود الفعل المحتشمة للقوى الاقليمية على امتداد الوطن العربي من أحزاب ليبرالية ، ويسارية ، وأحزاب تقليدية متعدّدة الاسماء وغير مختلفة الهوية ، تبدو مفهومة ومعقولة ايضا .. لانها تتصرف في الواقع على اساس نفس القاعدة التي تحكم مواقف الأنظمة الاقليمية ، التي تعـتبـر أن قضية فلسطين هي قضية خاصة بشعب فلسطين ، فلا يجوز التدخل في شؤون الفلسطينيين ، وان شعب فلسطين عليه أن يقرر مصيره بنفسه .. أما اذا كان غير قادر على استرداد حقوقه بحكم ظروفه الصعبة وضعفه وتشرده ، أو بسبب الحصار المضروب عليه ، أو بسبب قوة العدو ، أو لكل تك الاسباب مجتمعة  ، فما عليه الا ان يقبل بالأمر الواقع ، ويعـتـرف بالعدو  لتنتهي  معاناته .. !!  كل هذه الاحزاب تتصرف على اساس تلك الخلفية الاقليمية .. وهم في أحسن الحالات يتعاطفون مع الفلسطينيين من منطلق انساني .. وبالتالي فان أقصى ما يستطيعون فعله هو ما يمكن أن يفعله أي انسان في العالم من دعم ومساندة  .. لذلك هم حينما يصلون  الى السلطة يتحوّلون الى حكام صامتين مستسلمين لا حول ولا قوة لهم مثل غيرهم .. !!
ألم نر ذلك من  الحكومات المنـتخـبـة  في تونس ومصر ، وهي التي جاءت بعد تغيير ثوري أطاح بالحكام الذين كانوا يوصفون بأنهم  جبناء وعملاء .. !! فماذا نسمي تلك الحكومات الحالية اذن ؟؟    
ان المسألة بالتأكيد ليست مسألة جبن أو شجاعة ، بل هي مسألة منطلقات فكرية ، ومبدأ ، وعقيدة نضالية تقوم بالاساس على الاعتقاد بأن فلسطين جزء لا يتجزء من الوطن العربي ، وأن ما يتعرض له شعب فلسطين منذ بداية الاحتلال الى الآن هو عدوان على الامة العربية بأكملها ، وان مسؤولية رد العدوان بما هو ممكن في أي مكان ، وبالنسبة لأي مواطن عربي هي مسؤولية قومية أولا وأخيرا ..    وحتى ردود الفعل المحتشمة لقوى الاسلام السياسي بدت معقولة ايضا الى ابعد الحدود ، بعد ان انكشفت طبيعـتها الرجعـية والاقليمية ونواياها الفئوية الضيقة االتي تتصرف على أساسها ، فتجعلها مستعدة لأن تفعل أكثر مما تفعله الشياطين من أجل تحقيق أغراضها .. وهو ما صرنا نعيشه مع الجزء المتطرف منها الذي أدخل الأمة في دوامة من العنف الوحشي وهو يجرها الى معارك طاحنة ، بدت فلسطبن في المدة الأخيرة في أمس الحاجة اليها .. وهي بلا شك معارك مغلوطة أخذت الأمة بعيدا  كل البعد عن قضاياها المصيرية .. مستنزفة ما لديها من طاقات مادية وبشرية بما تثيره من فوضى ودمار في كل مكان .. في حين بقي الجزء الآخر غير بعـيد  بطبيعـته ومواقفه الرجعـية عن أي نظام اقليمي في الوطن العربي .. مثلما كان يتصرف الاخوان المسلمون في كل من تونس ومصر  ، وهم يقفون حيث ما يقف  أي نظام عربي ، ويتصرفون مثلما يتصرف هذا النظام أو ذاك ، سواء في العلاقات الخارجية حيث االاصطفاف وراء أكبر الأنظمة الرجعـية المرتبطة  بالاستعمار والصهيونية ، كما ظهر بوضوح  في مواقفهم  مما جرى في ليبيا وسوريا  .. أو في مواجهة المشاكل الداخلية بالمماطلة ، والمحاباة ، وتقديم ذوي القربى .. فضلا عن  رضوخهم التام للارادة الخارجية في مهادنة  قوى الثورة المضادة  .. أما عن قضية فلسطين التي يتظاهرون بمساندتها خلال العدوان على غزة فهم أول من خانها حينما وقف نواب الاخوان في تونس سدّا منيعا داخل المجلس التأسيسي أمام التصويت على الفصل 127 الذي ينص على تجريم التطبيع مع العدو ، حتى أسقطوه .. !!  وحتى مبادرة النظام المصري الحالية التي ينتقدونها ، ودوره في الوساطة ، فانها في الواقع لا تختلف كثيرا عن مبادرة مرسي  ودوره خلال عدوان 2012 ..
كل ذلك  يبدو واضحا ومعقولا بالنظر الى طبيعة القوى ، وخلفياتها ومصالحها .. غير أن الأمر الغريب فعلا هو وقوف كثير من الشخصيات المعـروفة بهويتها القومية ، على نفس المسافة من إعلام مبارك وإعلام السادات مردّدين ما يقوله السيسي بأن دور مصر في هذه المرحلة يقف عند المحافظة على أمنها الداخلي ..!!  
 ( نشرية القدس العدد 136 ) .