بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 أغسطس 2012

لا يصحّ الا الصّحيح ..

لا يصحّ الا الصّحيح ..


منذ ان خلق الله الانسان على وجه الارض وُجدت الانتهازية ، و الانانية ، و بدأ الصراع بين الخير والشر و قد كان ابليس - منذ تلك اللحظة - زعيما  للاشرار .. وهو لا يكتفي باغواء الناس و ايقاعهم في الخطيئة وارتكاب المحرّمات و الكبائر بل انه يعـمل على تجنيدهم لنشر الفساد .. قال تعالى :  "  فـَكُـبْكِـبُـواُ  فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ، وَجُـنُـودُ إِبْلِـيسَ أَجْمَعُـونَ  " ( الشعراء / 94 و 95 ) . وقد كان اوّل الخلق ، آدم عليه السلام  ، اوّل من ارتكب خطيئة بسسب ابليس الـلـّــعين ثم تاب عـنها ، وهو اوّل ضحية من ضحاياه ..  كما كان  قابيل احد ذرية آدم ، اوّل مجـنّد و اوّل جـندي من جـنود ابليس عـندما ارتكب جريمة قـتـل اخـيه هابيل بسبب غـبائه وانانيته ووقوعه في فخ  الغواية فكان من اصحاب النار ، قال تعالى و هو يخبرنا عن قصتهما :"  لـَئِن بَسَطـتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَـقــْتُــلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيـْكَ لَأَقْــتُــلـَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَـبـُوءَ بِإِثْـمِي وَإِثْـمِكَ فَـتَـكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الـنَّارِ وَذَلِكَ جَـزَاء الظَّـالِمِينَ "( المائدة  / 28 و 29  )   . 
هكذا كان مصيـر الانسان منذ البداية مرتبطا مباشـرة باختياره و بارادته الحـرّة ، كما كانت سنـّـة  الحياة  منذ الفجـر الاوّل للبشرية تعـلــّــمنا ان نجاحنا و فلاحنا في الدنيا و الآخـرة رهـيـن  حسـن الاختيار  .. قال تعالى : " قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ  " ( الانعام / 104 ) . و قال تعالى : " وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ  " ( الشورى / 30 ) . 
واننا لو تأملنا صراع الخير مع الشر لادركنا أولا ان هذا الصراع لا يكون منسوبا الا الى البشر .. ويترتب عن ذلك انه حيثما يكون وعي الناس متجها  تتجه الكفــّــة الى احدهما ، فيعمّ الخير او الشر، ويكون ذلك دائما باختيار الناس و طـبقا لوعـيهم السائد في زمانهم .. وعـليه فان الباطل يمكن ان يسود في مرحلة ما لكنه لا يلبث ان يـُـكشف في النهاية و يصبح عاريا  فينـتصر الحق ولو بعد حين .. قال تعال : " وَقـُلْ جَاء الْحَـقُّ وَزَهَـقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِـلَ كَانَ زَهُـوقاً "  ( الاسراء / 81 ) ، و قد حدث هذا فعلا حتى في زمن الرسالات التي يقودها رسل و انبياء ، وفي كثير من الاحيان كان فشل بعض الانبياء في اقناع الناس  يتطلب تدخل الخالق لحسم الامر ، حيث كان الله ينصر انبياءه في البداية عن طريق المعجزات ثم  يتم الحسم النهائي  بتنزيل العقاب على مـُـستحقيه كما حصل لكثير من الاقوام الذين رفضوا رسالات ربـهم  وعـصـوا امـره عـنـدما أعـرضـوا عن دعـوة الانـبـياء الذيـن بعـثـهم الله .. فـكان لهـم عـقـاب شديد في الدنـيا (الطوفان ، الريح ، الغرق ، ... ) و في الآخـرة لهم نار جهنم  حتى يكونوا عبرة لمن يعـتبـر .. ولعلّ فكرة العقاب سواء بالاسلوب  العاجل الجماعي الذي اختاره الله  ضد كثير من الاقوام ، الذين لم ينجُ  منهم الا المؤمنين ، او بتاجيله  ليوم الحساب  بالنسبة للبقية ، يبيـّـن باكثر قدر من الوضوح مسؤولية الانسان في عملية الاختيار .. وقد عـبّـر سبحانه عن ذلك  بما لا يدع مجالا للشك . قال تعالى : " وان كان كبر عليك اعراضهم فان استطعت ان تبتغي نفقا في الارض او سلــّــما في السماء فتاتيهم بآية ولو شاء الله لجعلهم على الهدى فلا تكوننّ من الجاهلين  " ( المائدة / 36 ) ... يضاف الى هذا كله الحكمة من بعث الرسل ، التي قال عنها سبحانه :" وما كنّا معذّبين حتى نبعث رسولا " ، ثم الانتقال التدريجي للاديان السماوية و هي تخرج  من اطار القوم الى الانسانية جـمعاء في مستوى مخاطبة الناس ، ثم التقـدم البطـيئ الذي شهدته جميع الاديان السابقة على الاسلام في مستوى الانتشار و كل ذلك يؤكد دائما مبدأ الاقناع و حرية الاختيار الذي تكرّر الحسم فيه في العديد من الآيات القرآنية المحكمة ، قال تعالى :  ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين "   ( يونس / 99) . وقال ايضا : " أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا " الفرقان / 43 )  .  
لو كان هذا صحيحا لاستطعـنا ان نعـمّم ثم نستـنـتج بان فكـرة الجزاء على الاعمال بشكل عام  و التوبة و المغـفـرة .. كلها مرطبة باختيار الفرد ، بل و ليس لها اي معـنى من دون حرية الاختيار الذي يمكن ان يكون صائبا  ( حسن اختيار ) ،  او غير صائب ( سوء اختيار ) ،   ويترتــّــب عن  ذلك حتما ان الاختيار بنوعـيه لا يمكن ان يــُـطبخ الا على نار هادئة خاصة اذا كان الامر متعلــّــقا بمسائل مصيرية ، اي ان الانسان لا بد ان يعيش مرحلة اخذ وعطاء بينه و بين نفسه ( صراع ) حتى يختار .. وهذا معناه ان ذلك لا يتم الا داخل كل انسان .. ومعـناه ايضا ان ذلك الصراع الذي لا يكون في البداية بين الناس بل داخل كل واحد منهم  ، سيتحول  لاحقا الى قيم و مواقف و آراء متداولة بينهم .. كتعبير عن انتـقال الجدل من جدل فردي ( جدل الانسان ) الى جدل جماعي في المجتمع  ( الجدل الاجتماعي )  .. وما معاقبة الناس بشكل جماعي الا لان كل واحد مـنهم قد اختار بارادته نفـس الاخـتيار الذي اختاره الآخرون مكوّنين رأياواحدا فيما بينهم من خلال الجدل .. فاهـلـكهم الله حتى  و ان كان من بينهم بعض اقارب الانبياء ، لكن المؤمنين منهم كانوا دائما من الناجين حتى و ان كانوا من اقارب المشركين ..  
اذا كان هذا بعـض ما حدث في تاريخ الاديان السماوية المقدّسة التي يقف وراءها الله سبحانه و الانبياء المكلــّــفين برسالته منذ الفجر الاول للبشرية ،  فماذا يمكن ان يحدث للمواقف والآراء والافكار البشرية اذن ؟  
 لا شيئ جديد .. بل صراع داخلي و جدل متجدد أبدا  .. لا يتوقـف ،  يعيشه الانسان من خلال بحثه عن حلول لمشاكله .. لان مشاكله لا تنتهي بسبب تجدد حاجاته .. و بقدر فهمه للظروف  و وعيه وادراكه للعلاقات التي تربط تلك المشكلات  بعضها بعض يستنبط الأفكار والحلول التي يعتبرها مناسبة وصحيحة فيختارها عن قناعة و يكون ذلك الاختيار نتاجا او نتيجة للمعاناة التي عاشها قبل ان يختار .. وبما ان الانسان لا يعيش وحده في مجتمع فان ما يختاره يمكن ان يختاره غيره .. فيـُـكـوّنان معا رايا جماعـيا بعد ان كان رايه فرديا  .. و هكذا بتعدد الناس تتعدد كـُـتـل الآراء و تكبر في آن واحد حتى تبرز كتلة اغلبية .. قد تكون صائبة أو خاطـئة و تبقى اغـلبية حتى و لو كانت غير قادرة على تقديم حلول جذرية للواقع .. غير ان الناس وقـتها لا يمكن ان يستمروا في اختيارهم بحكم استحالة قدرتهم على التقدم في ظل تلك الآراء  والمواقف التي ستـصـبح  عائـقا امام تطـوّرهم ..  وعـندها سـيعـود الناس من جـديد لدراسة واقـعـهم .. فـيعـيشون  فـرادى او جماعات  معاناة جديدة و صراعا جديدا  وحيـرة جديدة .. تطول او تقصر ،  لكنهم سيصلون في النهاية الى اكتشاف ما كان خافيا عنهم .. قد يكون ثمن التاخير والتجريب باهضا في حياة الشعوب .. لكنه و في النهاية لا يصح دائما الا الصحيح ... 

( القدس ) . 



الأحد، 19 أغسطس 2012

حصاد الثورة ..

حصاد الثورة . .

منذ وقت مبكّر وبالتحديد في اليوم الثاني للثورة الموافق لـ  15 جانفي 2010 راجت اخبار مفادها ان الموسوعة الحرة ويكيبيديا ادرجت ثورة تونس ضمن  تعريفاتها ، فاكـتشف كل من تابعها بانها تطلق عـليها ثورة الياسمسن .. و قد كانت  الجهات الفرنسية أوّل من تحدثت عن ثورة تونس ووصفتها بهذه الصفات ، التي تلقــّــفتها العديد من المنابر الاعـلامية  في تونس و العالم ، كما ظهـر في نفس الوقت  رفـض واسع لتـلـك التسمية  .. حيث كان الراي السائد - منذ البداية  - يرى بان ترويج مثل هذه  المسميات  و الصاقها بالثورة لم يكن بريءا .. و ان الحديث عن ثورة الياسمين في ذلك الوقت لم يكن مجـرد وصف للحدث ، بقدر ما كان توجـيها مقصودا و تاثيـرا على مستقـبل الثورة و مجرى الاحداث .. كما كان انتقاصا من شانها قـبل ان يكون تمجـيدا لها  .. اذ ان المعـنى كان يوحي بانها ثورة ناعمة الى ابعد الحدود ، و ليس لها اي نوع من الاظافـر والمخالب او الانياب  ..  وانها ايضا  ثورة بدون دماء . او كأنهم يريدون القول بان  بضع مئات من الشهداء ليس كافيا لتصبح ثورة " بالفم المليان "... او كأن متطلبات الثورة  كما حدث في جميع الثورات و كما يجب ان يحدث في ثورة تونس غير وارد و غير مطروح على الثوريين ..  ثم ماذا يعـني القول بان ثورة ما .. هي ثورة ياسمـين ، هل يعـني مثـلا انها ثورة بـدون ثوارحـقـيقـييـن ؟ ام انها بدون تـلك الحالة الدمـوية والانتـقام  والفوضى التي يمكن ان تتواصل سنوات و ربما عـقودا كاملة حتى تهدأ العاصفة وتـتـضح الرؤية ، لا تعتبر  ثورة مثل بقية الثورات ..؟
في الواقع ان  استعمال مثل هذه الالفاظ  و الاوصاف حتى و ان اسـتـُــعـمل للتــّــقـليل من شأن العمل الثوري ، يُـعتبر امر طبيعي و ليس هو المشكلة  . و في اقصى الحالات وحتى عندما يكون ذلك لا يخدم مسار الثورة ، فانه يــُــحسب - دون عناء كبير - على الثورة المضادة و على الجـهات التي تعمل جاهـدة للانحـراف بمسارها وكفى .. 
اما المشكل الحقيقي فعلا هو ان تظهر اطراف افرزتها الثورة نفسها ، و هي تعـمل بوعي تام على تحويل الثورة الفعـلية الى ثورة فارغة تماما من اي محتوى .. و تسعى بملء ارادتها  لـتحويلها الى ثورة ناعـمة الى ابعـد الحدود و بالخصوص تجاه اعدائها الحقـيين ..  فيصبح المسؤولون الذين اعطاهم الشعب ثـقــته  متورّطون ليس فقط  في تجاهل محاسبة من ثار عليهم  ،  بل ايضا في تـــعــيـيــنهم في  مناصب  حسّساسة للدولة ، او قـبول استمرارهم في مناصب تركهم فيها راس النظام الفاسد ..      
ان الثورة لا تتحوّل من ثورة حقيقية الى شبه ثورة من خلال ما يقال عنها في الخارج ، بل انها تصبح كذلك بـيد ابنائها عندما يقـبلون بها  - بعد مدة وجيزة - كـثورة انجـزت مهامها ..  فيعتبـرون مثلا ان الزخم الثوري انـتهى بمجرد انتخاب ممثـلين لصياغة الدستور الجديد ، و تكوين حكومة سـُـمـّـيت حكومة شرعـية ، ثم تعيين  رئيس بلا صلاحيات قـيل انه رئيس شرعي .. و كفى المؤمنين شر القتال  ...  
ان الثورات الحـقـيقية لا تـنـتهي بانتخاب ، بل تستمر اجـيالا بعد اجـيال .. و تـظل  عبر مسيرتها منتصرة للمضلومين و المحـرومين الذين قامت الـثـورة من اجلهم لتـنـصفهم  و تستعيد  لهم حـقـوقهم و كرامـتهم  المسلوبة بكل اسلوب متاح او ممكن .. لذلك فهي لا تهادن المـفـسدين و المستغلــّـين و لا تتحالف معهم ، كما تعمل على ان توفـّـر للضعفاء مستلزمات الحياة الاساسية بالدرجة الاولى ، مثل الصحة و التعليم و الغذاء ،، وصولا الى تحريرهم نهائيا من القهر المادي و المعـنوي الذي عاشوه على مدى عقود طويلة .. 
ثم ان الثورة لا تـنكـفئ على نفـسها بل تـنـفـتح على محـيـطها  فـتـقوده الى الافـضل و ليس الى الهاوية .. وهي تتحالـف مع القوى التـقـدمية و التحـررية وليس مع الـرجـعـية و الاستعـمار ... 
واخيرا و ليس آخرا فان النجاح الحقيقي لاي ثورة في المجتمعات المتخلفة يــُــقاس أولا بمدى ما يتحـقق للضعـفاء و المهمّـشيـن الذين يمثـلون أغـلبية الشعـب عـندما يشعـر كل فـرد منهم بان هناك تغييرا ايجابيا في حياته ، فيصبح قادرا على تـلبـية حاجاته الضرورية  دون عـناء ... ثم يقاس نجاحها ثانيا بقدر بعدها عن الجهات المشبوهة و الاعداء بكل انواعهم ، اعداء الله و الوطن و الامة جمعاء ..  هكذا يكون حصاد الثورات الناجحة ، فاين نحن من هذا الحصاد  ؟   


 ( نشرية القدس عدد 33 ) .  

الأحد، 12 أغسطس 2012

نـداء الثـّــعـالـب ...



نـداء الثـّــعـالـب ...

قال صلى الله عليه وسلم : " لا يّـلـدغ المـؤمـن من جحـر مرّتـين "  - صدق رسول الله ..
لـقـد قـامـت ثـورة 17 ديـسـمـبـر بارادة ابـنـاء الـشعـب الفـقـراء والمحرومين والمهـمّـشـين في جـميع انحاء تـونـس للقـضاء على الفـساد الذي زرعـه بـن عـلي وعصابتـه التجـمـّعـية على مـدى 23 عاما .. لكـنّ فـشل الحكـومة الحالية و تهاونها في اقـصاء هـؤلاء جـعـلهـم يفـكــّــرون فـي الـرّجـوع تحـت لافـتات ومسـمّـيات جـديـدة ، وهم يخـدعـون الشعب مثـلـما خـدعـوه في السـابـق عـنـدما انـقـلبـوا على بـورقـيبـة ، وتنكروا له بيـن عـشـيـة وضـحاها حين وُضع في الاقامـة الجـبـرية ، ثم مُنـعت عـنه حـتى الـزيارت الــى ان مـات ، فـلـم يجـرأ تجـمّـعي واحـد – طـوال محـنتـه - على قـول كـلمة في حـقـه ليـدافـع عـنه ..
وانهـم اليـوم اذ يظهـرون للناس باسـم بورقـيبـة ، فـهـم لا يفـعـلون ذلك حبا وانصافـا لـه ، بل نفـاقـا  لـنيـل رضاهم ، حـتى يقـبلوا بهـم حـكاما لهم من جـديـد ، و هـم الـذيـن غـيّـروا جـلـودهـم سابقا في اسرع وقت ، كما تـفـعـل الحـشـرات والـزواحف ، وانـخرطـوا في النـّـفـاق والـتـطـبـيـل والـتـزمـيـر لتـحـقـيـق مصالحـهـم ومآربـهـم عـلـى حـساب مصالح الـشـعـب ،  فحـّـولـوا البـلاد الى غـنيـمـة والعـبـاد الى عـبيـد ، و بـثــّــوا فـيـها الفـسـاد والـزيـف والابـتـذال ، ثـم أكـلـوا خيراتها ونهبوا ثـرواتـها ، ونـشـروا بيـن النـاس الفـقـر والجـهـــل والـمـرض .. و هاهم الـيـوم يـغـيّـرون جلـودهـم من جـديـد ويخـرجون من جـحـورهم تحـت عـبـاءة مـنقـذهـم العـجـوز ، قائـد حـملات التـطهـيـر في السـتـيـنـات والسـبـعـينات ، ومهـندس الثـورة الـنـاعـمة بـوحـي من عـبارات " الزعيم الملهم " الـذي كان اول مـن خـذلـه ، فلم يـر مآثـره الا  فـي زمـن الازمـة الـشـديـدة  للـتجـمّـعـيـيـن ، مـردّدا عبارة من عباراته : " الصّـدق فـي القـول والاخـلاص فـي الـعـمـل " ..!! فاي صـدق وأي اخـلاص يُنتظر من نـداء السـّـبـسـي ؟  وأيـن كـان صـدقـه واخـلاصـه  طـوال هـذه السّـنيـن العـجاف ؟ و هـل شعـبنا الـذي اكـتوى خـمسـين عـاما ، ثم ثار عـلى الـظـلم والقـهـر والـزيـف مـغـفـّـل الـى هـذه الـدرجـة حـتى يقـال لـه مـثـل هـذا الكـلام ..؟ 
قد يكون .. !! 
إلا أن القوى التي لم تنخدع في " تغيير السابع " سابقا ، لا تنخدع الآن في نداء الثعالب ..؟؟  

 ( نشرية القدس عدد 32 ) .

الأحد، 5 أغسطس 2012

صبرا جميلا يا تونس الخضراء !!

صبرا جميلا يا تونس الخضراء !!

لا احد يشك في وجود تركة ثقيلة تركها النظام السابق على جميع الاصعدة ، تفاقمت مع قدوم حكومة الباجي قائد السبسي الذي تفنـّـن في التلاعب بمصير البلاد قبل تسليم الحكم للحكومة المنبثقة عن انتخابات المجلس التاسيسي .. وليس ادلّ على ذلك الا محاولاته المتكررة لاغراق البلاد بالديون حتى ترتهـن نهائيا للخارج  . الى جانـب قـيامه بترقـية المسؤولـين التجـمعيين  في جـميع الادارات .. زيادة على التهاون في مسالة الـتلاعب بالارشـيـف الذي يدين كل المـتورّطـين في الفـساد الاداري والــمالي .. كـــما اتــّــبع سـياسة لي الـــذراع فيما يخــص ملــف الامن طـوال الفترة التي قادها ، حيث جعـل مقولة " السكوت مقابل الامن " هي السائدة .... 
كل هــذا واقع مـرّ وصعـب عاشته البلاد خلال الفترة الانـتـقـالية ، لكـنه وضع لا يعـقـل ان يستمرّ .   فالحكومة المنبثقة عن انتخابات المجلس التاسيسي لها قدر من " الشرعـية " الانتخابية ، وعليها ان تـتــخذ كل الاجراءات اللازمة لمعالجة اي خـلل في وقـته ، وبالاسلوب المناسب دون تأخــير او تردّد .  غير أن المتابع لسياسة واسلوب الحكومة خلال  الاشهر التسعة المنقضية ، يلاحظ  لخبطة وتردد كبيرين في التعاطي مع الاحداث .. فهي من حيث التخطيط  لم تصرّح باي خطة لمعالجة العديد من القضايا العالقة : الامنية والاجتماعية والتنموية وغيرها ..  وهي لم تصرّح على الاقل بسياسة واضحة في مجال التنمية المستقبلية لكي يصبـر الناس عليها وهم مطمئـنون على مستقبلهم ، بل على العكس فقد جاءت كــل الاشارات للسياسة الاقـتصادية المقـبلة اكثـر احباطا  ، حين اعلنت الحكومة عن خيارها الليبرالي الواضح المبني على  " المبادرات الفردية " والخصخصة ، والتعويل على الخارج ، وهي السياسة التي  لا تخـتـلف في جوهـرها عن الخيارات السابقة بما ألحـقــته من  افـقـار وتهميش لجميع فئات الشعب ... وحتى عندما كشفت عن خطــتها التي طـالما تحدثت عنها في مشروع الميزانية التـكمـيـلية اكـتشف الناس بكل مراة وخـيـبة امل انها ليست اكثر من مشاريع التجمّع للسنوات المنقضية مع بعض التعديلات المتعلقة بنصيـب الجيهات الداخلية ... وهو ما جعــل مختــلف فئات الشعب الذين  بقــوا فـــترة طــويلة ينتظـرون تلك المشاريع ، يعـبـّـرون عن سخطهم بالتضاهـر والاحتجاج  في كل مكان بسبب انعدام الرؤية الواضحة ، وانسداد الافق ، والقلق على المستقبل ... 
امّا من حـيث الممارسة الميدانية  فهـناك غـياب كلي للفاعـلية التي يُـفـترض ان تــكون حاضـرة  لـتـدلّ على سـبـق الاحـداث والتأثــير فـيها وتوجـيهـها الى الافــضل بـدل الاكـتـفاء بمسايـرتها ، والتـعـامـل معها بالحــلول الترقيعية الغير مجدية والغير مدروسة ...
كما ظهرت الطرق البافــلــوفية في التعامل مع الكـثـيـر من الاحــداث باتـــباع الفعــل ورد الفعـــل دون دراسة للعواقب ، ودون ترجـيح للمصلحة الوطنية ، وخاصة في القضايا الخلافية على غرار عملية   طرد السفيــر السوري في بداية تولـــي الحكومة لمهامها  ، حيث دخلت بقــوّة في لعــبة التجاذبات بين الدول الكــبرى باحـتـضانها لما سمّـي بـ " مؤتمـر اصدقـاء سوريا " .. مرورا بسكوتها التام عن ملف الفساد في الداخل والخارج  ، ومنها سكوت رئيس الحكومة عن المطالبة باعادة الرئيس المخلوع خـــلال زيارته للسعـودية ، وسكوت رئيس الدولة عن المطالـبة بعصابة الــفـساد المـــوجـــودة في قــطـر تحــت الحماية الامــيـرية خلال زيارته للـدوحة ... وصـولا الى المـلـفـات الساخـنة والـتجاذبات بين الرئاسات الـثلاث سواء في ملف البغـدادي المحمودي ، او محافـظ البنــك المركـزي الاول والـثاني وما صاحبهما من مهازل داخل المجــلس التاسيسي وفي الاعلام  الخ ....
لقد كانت المـرحـلة السابقة مرحلة تحديات فعلا كان يـــُــفتـرض على الحكومة ان تواجهها بالحــزم والاجــراءات الثورية المطلوبة في جميع المجالات  غير انها قد تخلــّــت بكل وضوح عن اهداف الثورة خاصة عندما اصبحت تخـتار علانـية رموز العهــد السابق لقـيادة البلاد ، ثم انحازت انحــيازا كاملا لرؤوس الاموال المتورطين في الفساد ... كما راحـت في الجانب الثاني تكيل الاتهامات لهذا الطرف او ذاك وتلقي بفشلها  على الآخرين ،  وهو ما زاد في حالة الـتـوتّــر بين جـميع الاطـراف بسبب انعــدام الـثــقة ، حتى خـرجـت الامور على السيطرة واصبحت تــنذر بالفوضى بسبب الانـفلات والتـسيّب ...  وحتى لو سلمنا بوجهة نظــر الحكومة بان هناك اطراف  تسعى لزعزعة الاوضاع  قصد  تعجـيز الحكومة  واسقاطها .. فهل كان ممكنا لها ان تتــوقع غــير ذلـك من اعــداء الثورة  ؟ ثم من هم أعداء الثورة الذين تـتــّــهمهم الحكومة بشتى الاتهامات ؟
فان كان اعداء الثورة هم التجمعيون لماذا لم تعجل الحكومة ـ وهي صاحبة الاغــلبـية في المجلس التاسيسي ـ على عزلهم بعدما عزلهم الشعب ؟ الم يكن ممكنا  اصدار القـوانـين الـرّادعة لاقصائهم وقد كان ذلك شعارا من شعارات الثورة ؟  وهل كان السـّـكوت عـنهم خوفا  وجبنا ، ام كان رغبة في مساومتهم ؟  
 مهما كان القصد من وراء التجاهل والسكوت عن اعـداء الثورة الذين رايناهم ينكـفـؤون ويدخلــون جحـورهـم في الاشهـر الاولـى للـثــورة ، فان ذلك التراخي كان سببا مباشرا في عودتهم وتنظيم صفوفهم ، معتمدين على ما بحوزتهم من اسلحة مادية وسيطرة على مفاصل الدولة ، وقدرة على التجكم في الاقتصاد عن طريق المضاربة والاحــتكار والتهريب من خلال شبكة الفساد التي بحوزتهم .. وهكذا اصبح الفساد منتشرا في كل مكان  .. وأصبح رموزه يـؤسّـسون الاحزاب والجمعيات ، ليقع بعد ذلك استدعائهم من قبل المسؤولــين المحلــيين بصفــتهم تلك  للمشاركة في كل الانشـطة المحلية ، وعلى راسها لجان التنمية المحلية ، واللجان الاستشارية .. 
ان أخطر ما يُخشى في المستقـبـل هو احساس المواطن بالغـياب الكـلي للدولة في الشارع والمؤسسات والاسـواق وفي كثير من جوانب الحياة وخاصة ما يتعلق منها بالاسعار .. حيـث اصبح  مــروّجــو الخــضـر والغــلال ومواد البــناء وباعــة التــبغ والـلـحــوم  والبنــزين ... وكل المواد التي يتحــكم فيها مضاربـون وسمسارة ومهرّبون ومحتكـرون ...  بمثابة عصابات جديدة تعبث بمصير الناس ، بينما الحكومة باهـتة ، تلوك الكـلمات ، وتبيع الأوهام والوعود والمسكـّنات لابناء الشعب الذين اكتـووا بنيران الغــلاء ، واصبحوا مهدّديــن في قوتهم وقوت ابنائهم .. فـلم يعد احدا يقـدر لـــيس عــلى الـلـّحم الذي نسي الجــميع  رائـــحـته ولونه وطــعـمه ، بل حــتى عــــلى "الـــسلاطة " الخـضــراء  ..!!  فصبـرا جميلا يا تونس الخـضراء  ..!!  

 ( نشرية القدس عدد 31 ) .