بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 ديسمبر 2015

الوطنية الزائفة ..



الوطنية الزائفة ..

(1)

قبل الانتخابات كانت القنوات الخاصة تعج بالسياسيين وهم يتكلمون عن الوطنية بحماس وبأصوات عالية ، ويطرحون المشاكل ، ويتفننون في شرحها  .. وعندما جاء موعد الترشحات  وجدنا الكثيرين منهم على رؤوس القائمات  ، ثم رايناهم يخرجون الى الناس لطرح البرامج ، والوعود .. فيتحدثون كثيرا عن الشغل ،  والمعيشة ، وقفة المواطن ، وكرامته ، وحقوقه .. وفي الاثناء يفسحون المجال  للمال السياسي الذي بحوزتهم ليقنع من لم يقتنع ، ومن لم يفهم ، ومن لا يهتم كثيرا بالقول دون العمل .. لينتهي الامر في النهاية الى ما كان منتظرا قبل الانتخابات : سيطرة من كان بيده المال والاعلام على المشهد السياسي .. وجني ثمار الديمقراطية المعطوبة التي تعود عليهم وحدهم بالحرية والمنفعة والمكاسب والمناصب وغيرها .. فكان لا بد ان يحين الوقت لكي نقرأ التقارير المشبوهة التي تنصح  بالمزيد من اللجوء الى الخوصصة  وتحرير الاقتصاد ورفع الدعم  ، واعفاء الدولة من أعباء مواطنيها .. !!  وكان لا بد ان نسمع ـ سواء دالخل البرلمان أو خارجه ـ من ينادي بالاعفاء الجبائي باسم التشجيع على الاستثمار ، والمساهمة في حل الازمة الاقتصادية .. وكان لا بد أن نرى ـ سواء في الحكومة أو داخل البرلمان وكواليسه ـ من يريد تمرير القوانين المخاتلة للشعب ، والتي تنادي باعفاء اللصوص والعصابات من المحاسبة والعقاب على الجرم الذي اقترفوه في التلاعب بالمال العام  الذي يقول عنه المسؤولون اليوم أنه مال حلال من عرق الجبين  .. !!   
أما الواقع الحالي بكل ما فيه من فوضى اقتصادية ، وتهريب ، وتهديد  مباشر للأمن والاستقرار في المجتمع ، فلا أحد يقدر على حل اللغز ، ولا أحد يفكر في المواجهة الجدية لهذا الوضع ، وهو ما يثير الشبهة الفعلية  حول تورط السياسيين الذين يتكلمون عن الداء ، ولا يفعلون شيئا سوى معاقبة الضحايا انفسهم حينما يظهرون في الصورة اثر حملات التفتيش الخاطفة ، ولا تظهر فيها أبدا تلك الحيتان الكبيرة المتخفية عن الأنظار .. !!   
وحتى موضوع الارهاب نفسه ، لا يقدر أحد في تونس  أو خارجها أن يشكك في علاقته بالمافيا الاقتصادية التي تديرها وتحركها لوبيات الفساد المالي على نطاق واسع .. لأننا ببساطة ، حينما نتتبع خيوط اللعبة  ، ونبدأ بتأمل الجوانب الظاهرة منها ، نجد أن حجم البضاعات التي يقع ترويجها في الاسواق الداخلية في كل قرية وفي كل حي من الشمال الى الجنوب يفوق طاقة أي انسان عادي على جلبها ، ويكفي أن ننظر الى البضاعات المحجوزة في بعض المناسبات ، والتي تقدر أحيانا بمئات الملايين من الدينارات ، لنعرف فعلا ان المتورط في هذه الاعمال ليس المواطن المنتفع من الترويج ، بل هم اولئك الأباطرة الذين يعملون في الخفاء معتمدين على ما لديهم من علاقات في الداخل والخارج ، وعلى ما بحوزتهم من امكانيات مادية ضخمة لا يقدر على توظيفها انسان بسيط ، وهم الذين لا يتردّدون  في المتاجرة بكل شئ ، بحثا عن الرّبح ، ثم المزيد من الرّبح .. !!

فالمسألة تقتضي سيولة مادية ضخمة بالعملة الصعبة تقدّر احيانا بالمليارات ، وتحتاج الى علاقات على مستوى رفيع لادارة الصفقات في الخارج ، وتحتاج أيضا الى شبكات رهيبة من المهربين في الداخل من ذوي الخبرة بالتخفي ، ومعرفة المسالك ودفع العمولات والرشاوي والتهديد والمجازفة بالعنف اذا لزم الامر .. ثم الى وسائل النقل ، والمخازن الضخمة ، والعلاقات التي تؤدي في النهاية الى الترويج .. ويبقى السؤال المحير مطروحا دائما : لماذا  لا تقدر الدولة على قطع الطريق أمام هؤلاء في اي مرحلة مهمة من هذه المراحل .. ولا يظهر حزمها وشدتها ، ووطنيتها ، الا في المرحلة الاخيرة التي يكون فيها المواطن البسيط  ضحية وكبش فداء  .. !!

 (2) .

 الساكت عن الحق شيطان أخرس ، هكذا تقول الحكمة  ، وحينما نرى السّاسة يسكتون عن النهب والسرقات والتهريب والفساد المتفشي في المجتمع ولا يحرّكون ساكنا ، نشك في ولائهم وفي وطنيتهم  .. فالوطنيون حينما يكونون في السلطة لا تنام لهم جفونا ما دام هناك مفسدون يسرحون ويمرحون بلا حسيب ولا رقيب ، ويعبثون بمصير الناس فيضيّقون عليهم رزقهم ومعيشتهم ، وهم يزدادون كل يوم نهما ووحشية بما توفره لهم الدولة من غطاء قانوني حينما لا يتردد ممثلوها في مجلس النواب ووزرائها في التضليل والتحايل على الدستور من خلال  المطالبة باعفائهم من المحاسبة عن الجرائم والسرقات التي اقترفوها بدعوى المصالحة من اجل المصلحة الوطنية .. !!
واننا لو تأملنا مجالات التهريب والتجارة الموازية وحدها لعرفنا حجم الفساد والجرم الذي يرتكبه الكثير من رجال المال والأعمال والسياسيين المنخرطين في هذه اللعبة حين يعمدون الى تبييض الاموال الفاسدة عن طريق الصفقات التجارية التي تمكنهم من استرجاع تلك الاموال في الداخل من خلال البضاعة التي يجلبونها .. اضافة الى ما تكدّسه في جيوبهم من ارباح طائلة دون خضوع للضرائب ودون ان تنتفع منهم خزينة الدولة بمليم واحد سوى ما يقدمونه عمولات ورشاوي تزيد في نهم المرتشين وتحوّل رجال الدولة الى رجال فاسدين ، ومؤسساتها الى مؤسسات فاشلة .. ولكن الاخطر من هذا كله ، هو ما ينعكس على الوضع الاقتصادي من ركود وتفاقم للبطالة ، وفوضى اقتصادية عارمة لا تؤدي في النهاية الا الى وضع يسود فيه قانون الغاب الذي تتحكم فيه العصابات ، مقابل تفشي الانحراف والجريمة ، وانخراط الشباب اليائس في الارهاب ، وافلاس المؤسسات الانتاجية في الداخل بسبب خسائرها وعجزها عن منافسة البضائع القادمة من اليابان وتايوان وسنغفورة وغيرها ، نتيجة لارتفاع التكلفة الصناعية المحلية .. وهكذا تبقى عديد الاسئلة مطروحة دائما : اين المسؤولين والاقتصاديين من رجال الدولة ، واين القانون ، واين الوعود الانتخابية واين الوطنية ..؟؟ وكيف تغفل الدولة على مثل هذا الوضع أو تقبل به لو لم يكن فيها  منتفعون ..؟؟
فهل هم عاجزون أم جاهلون أم لا يفهمون ما يحدث ؟؟
ما يحدث فعلا منذ البداية هو تهريب العملة التي يحتاجها المهربون لابرام الصفقات ، وهو ما ينعكس سلبا على خزينة الدولة حين تفقد السيولة التي  تحتاجها في ميزانها التجاري ومعاملاتها الدولية ، فيضاف لها ـ بذلك ـ عجزا اقتصاديا واعباء جديدة على اعبائها .. اليس هذا جرما حقيقيا في حق الوطن ؟؟  ولكن ماذا يحدث بعد ذلك ..؟؟
ما يحدث لاحقا هو أن كل مهرب وكل منخرط في ميدان التجارة الموازية ، يضخ الأموال الطائلة التي تقدّر بالمليارات على مدار السنة ، في جيوب الآلاف من المنتجين والحرفيين التايوانيين واليبانيين الذين تزدهر صناعتهم ، وتجارتهم من خلال تلك الصفقات التي تأتيهم من وراء البحار ، ثم ينخرط من وراء ذلك كل ابناء الشعب في تنشيط اقتصاديات تلك الدول من خلال الاستهلاك المحلي المفروض عليهم  بأيادي رؤوس الاموال المحليين  ، في حين تكسد الصناعات الوطنية وتفلس المؤسسات ، ولا يجد المنتجون والحرفيون المحليون مجالا للمنافسة فيصيبهم الشلل التام والخسائر الفادحة والعجز ..
فهل هناك من يقدر ـ الآن ـ أن يحدثنا عن الوطنية .. !!  


( القدس ) .

نشرية القفدس عدد 208 .

الأحد، 27 ديسمبر 2015

الوطنية الزائفة .. (2) .

الوطنية الزائفة .. (2) .



 الساكت عن الحق شيطان أخرس ، هكذا تقول الحكمة  ، وحينما نرى السّاسة يسكتون عن النهب والسرقات والتهريب والفساد المتفشي في المجتمع ولا يحرّكون ساكنا ، نشك في ولائهم وفي وطنيتهم  .. فالوطنيون حينما يكونون في السلطة لا تنام لهم جفونا ما دام هناك مفسدون يسرحون ويمرحون بلا حسيب ولا رقيب ، ويعبثون بمصير الناس فيضيّقون عليهم رزقهم ومعيشتهم ، وهم يزدادون كل يوم نهما ووحشية بما توفره لهم الدولة من غطاء قانوني حينما لا يتردد ممثلوها في مجلس النواب ووزرائها في التضليل والتحايل على الدستور من خلال  المطالبة باعفائهم من المحاسبة عن الجرائم والسرقات التي اقترفوها بدعوى المصالحة من اجل المصلحة الوطنية .. !!
واننا لو تأملنا مجالات التهريب والتجارة الموازية وحدها لعرفنا حجم الفساد والجرم الذي يرتكبه الكثير من رجال المال والأعمال والسياسيين المنخرطين في هذه اللعبة حين يعمدون الى تبييض الاموال الفاسدة عن طريق الصفقات التجارية التي تمكنهم من استرجاع تلك الاموال في الداخل من خلال البضاعة التي يجلبونها .. اضافة الى ما تكدّسه في جيوبهم من ارباح طائلة دون خضوع للضرائب ودون ان تنتفع منهم خزينة الدولة بمليم واحد سوى ما يقدمونه عمولات ورشاوي تزيد في نهم المرتشين وتحوّل رجال الدولة الى رجال فاسدين ، ومؤسساتها الى مؤسسات فاشلة .. ولكن الاخطر من هذا كله ، هو ما ينعكس على الوضع الاقتصادي من ركود وتفاقم للبطالة ، وفوضى اقتصادية عارمة لا تؤدي في النهاية الا الى وضع يسود فيه قانون الغاب الذي تتحكم فيه العصابات ، مقابل تفشي الانحراف والجريمة ، وانخراط الشباب اليائس في الارهاب ، وافلاس المؤسسات الانتاجية في الداخل بسبب خسائرها وعجزها عن منافسة البضائع القادمة من اليابان وتايوان وسنغفورة وغيرها ، نتيجة لارتفاع التكلفة الصناعية المحلية .. وهكذا تبقى عديد الاسئلة مطروحة دائما : اين المسؤولين والاقتصاديين من رجال الدولة ، واين القانون ، واين الوعود الانتخابية واين الوطنية ..؟؟ وكيف تغفل الدولة على مثل هذا الوضع أو تقبل به لو لم يكن فيها  منتفعون ..؟؟
فهل هم عاجزون أم جاهلون أم لا يفهمون ما يحدث ؟؟
ما يحدث فعلا منذ البداية هو تهريب العملة التي يحتاجها المهربون لابرام الصفقات ، وهو ما ينعكس سلبا على خزينة الدولة حين تفقد السيولة التي  تحتاجها في ميزانها التجاري ومعاملاتها الدولية ، فيضاف لها ـ بذلك ـ عجزا اقتصاديا واعباء جديدة على اعبائها .. اليس هذا جرما حقيقيا في حق الوطن ؟؟  ولكن ماذا يحدث بعد ذلك ..؟؟
  ما يحدث لاحقا هو أن كل مهرب وكل منخرط في ميدان التجارة الموازية ، يضخ الأموال الطائلة التي تقدّر بالمليارات على مدار السنة ، في جيوب الآلاف من المنتجين والحرفيين التايوانيين واليبانيين الذين تزدهر صناعتهم ، وتجارتهم من خلال تلك الصفقات التي تأتيهم من وراء البحار ، ثم ينخرط من وراء ذلك كل ابناء الشعب في تنشيط اقتصاديات تلك الدول من خلال الاستهلاك المحلي المفروض عليهم  بأيادي رؤوس الاموال المحليين  ، في حين تكسد الصناعات الوطنية وتفلس المؤسسات ، ولا يجد المنتجون والحرفيون المحليون مجالا للمنافسة فيصيبهم الشلل التام والخسائر الفادحة والعجز ..
فهل هناك من يقدر ـ الآن ـ أن يحدثنا عن الوطنية .. !!  



( نشرية القدس عدد 208 ) .

الأحد، 20 ديسمبر 2015

الثورة العرجاء ..

الثورة العرجاء ..

حينما يمر علينا تاريخ 17 ديسمبر ، نستحضر مباشرة تلك الاحداث التي بدأت فجأة بحادثة أليمة ، سرعان ما تلتها احتجاجات محلية  تصاعدت وتيرتها أولا داخل سيدي بوزيد  ، ثم امتدت الى بعض الجهات المجاورة مثل بوزيان ، وبن عون ، والمزونة والمكناسي وغيرها من اطراف سيدي بوزيد .. ثم بدأت دائرة التململ والاحتجاجات تتسع تدريجيا ،  لتشمل مدنا عديدة مثل الكاف والقصرين وصفاقس وسوسة ومدن الجنوب ، حتى وصلت الى العاصمة  .. وفي هذا السياق فاننا لا يمكن ان نتذكر هذا الشريط التفصيلي للأحداث ، دون ان نذكر أهم الشعارات المدوية التي انطلقت من سيدي بوزيد لتتحول بعد ذلك الى شعارات تختزل أهداف الثورة  بأكملها : " يسقط حزب الدستور ، يسقط جلاد الشعب " ، و" التشغيل استحقاق يا عصابة السراق ".. بل لعل تلك الشعارات هي التي كانت ولا تزال الى اليوم  المقياس الوحيد للشرعية والوطنية في نفس الوقت ، سواء بعد الانتخابات الاولى أو الثانية  .. حيث لا شرعية ولا وطنية بعد الثورة ـ منطقيا ـ الا بتحقيق أهدافها .. فأين نحن من كل هذا ..؟؟
عمليا اتجهت الأمور الى التخلي تدريجيا عن اهداف الثورة حينما تم اسقاط الشعار الأول من شعاراتها برفع العزل السياسي عن التجمعيين فعادوا بعد فترة قصيرة الى السلطة من الباب الكبير .. وها هي تتجه حاليا الى اسقاط الشعار الثاني   بالعفو عن رجال الاعمال ورجال الدولة  الفاسدين الذين تلاعبوا بالمال العام وتسببوا في افلاس البنوك والصناديق الاجتماعية ، واشاعوا  الفساد في كل مكان وفي كل مجال ، وذلك في اطار ما يسمى بقانون المصالحة ، الذي سيؤدي عمليا الى اسقاط كل الدعاوي الموجهة ضد رموز الفساد ومنها الاموال المهربة والمنهوبة من طرف العصابة الحاكمة قبل الثورة .. !!
نحن اذن امام سناريو يعود بالمجتمع الى ما قبل 17 ديسمبر ، او أشد من ذلك بكثير ، من حيث طبيعة المشاكل وتفاقم الازمات الاجتماعية المختلطة بالارهاب ، وغياب الحلول ، مع النزعة الجارفة لدى المسؤولين بالعودة الى الماضي من خلال خياراته وسياساته ، وشيوخه ، ورموزه تحت يافطة الكفاءات .. !!

صحيح ان الثورة منحت كل فئات المجتمع  فائضا من الحرية ، وغيرت كثيرا من المفاهيم المتعلقة باسس التعامل داخل المؤسسات وفي وسائل الاعلام من خلال الترفيع من منسوب المواطنة لدى كل فرد ، وطغيان عدة مفاهيم رسختها الثورة حتى لدى عامة الناس تتعلق بالحريات والمساواة ، نراها احيانا تختزل في عبارات مثل " ثورة الكرامة " ، و" ثورة الحرية " .. الا أن غياب البعد الاجتماعي للثورة في توفير الشغل والقضاء على الفساد ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، يجعلها ثورة عرجاء ، محمولة على الشعارات التي استفاد منها أعداء الثورة  أكثر من ابنائها ، وهو ما يحوّل كل الحريات المزعومة ،  الى مكاسب حقيقية بيد الاقوياء .. 

( نشرية القدس عدد 207 ) .

نشرية القدس عدد 207 .

الأحد، 13 ديسمبر 2015

الوطنية الزائفة .. (1) .

                            الوطنية الزائفة .. (1)                

قبل الانتخابات كانت القنوات الخاصة تعج بالسياسيين وهم يتكلمون عن الوطنية بحماس وبأصوات عالية ، ويطرحون المشاكل ، ويتفننون في شرحها  .. وعندما جاء موعد الترشحات  وجدنا الكثيرين منهم على رؤوس القائمات  ، ثم رايناهم يخرجون الى الناس لطرح البرامج ، والوعود .. فيتحدثون كثيرا عن الشغل ،  والمعيشة ، وقفة المواطن ، وكرامته ، وحقوقه .. وفي الاثناء يفسحون المجال  للمال السياسي الذي بحوزتهم ليقنع من لم يقتنع ، ومن لم يفهم ، ومن لا يهتم كثيرا بالقول دون العمل .. لينتهي الامر في النهاية الى ما كان منتظرا قبل الانتخابات : سيطرة من كان بيده المال والاعلام على المشهد السياسي .. وجني ثمار الديمقراطية المعطوبة التي تعود عليهم وحدهم بالحرية والمنفعة والمكاسب والمناصب وغيرها .. فكان لا بد ان يحين الوقت لكي نقرأ التقارير المشبوهة التي تنصح  بالمزيد من اللجوء الى الخوصصة  وتحرير الاقتصاد ورفع الدعم  ، واعفاء الدولة من أعباء مواطنيها .. !!  وكان لا بد ان نسمع ـ سواء دالخل البرلمان أو خارجه ـ من ينادي بالاعفاء الجبائي باسم التشجيع على الاستثمار ، والمساهمة في حل الازمة الاقتصادية .. وكان لا بد أن نرى ـ سواء في الحكومة أو داخل البرلمان وكواليسه ـ من يريد تمرير القوانين المخاتلة للشعب ، والتي تنادي باعفاء اللصوص والعصابات من المحاسبة والعقاب على الجرم الذي اقترفوه في التلاعب بالمال العام  الذي يقول عنه المسؤولون اليوم أنه مال حلال من عرق الجبين  .. !!  
أما الواقع الحالي بكل ما فيه من فوضى اقتصادية ، وتهريب ، وتهديد  مباشر للأمن والاستقرار في المجتمع ، فلا أحد يقدر على حل اللغز ، ولا أحد يفكر في المواجهة الجدية لهذا الوضع ، وهو ما يثير الشبهة الفعلية  حول تورط السياسيين الذين يتكلمون عن الداء ، ولا يفعلون شيئا سوى معاقبة الضحايا انفسهم حينما يظهرون في الصورة اثر حملات التفتيش الخاطفة ، ولا تظهر فيها أبدا تلك الحيتان الكبيرة المتخفية عن الأنظار .. !!   
وحتى موضوع الارهاب نفسه ، لا يقدر أحد في تونس  أو خارجها أن يشكك في علاقته بالمافيا الاقتصادية التي تديرها وتحركها لوبيات الفساد المالي على نطاق واسع .. لأننا ببساطة ، حينما نتتبع خيوط اللعبة  ، ونبدأ بتأمل الجوانب الظاهرة منها ، نجد أن حجم البضاعات التي يقع ترويجها في الاسواق الداخلية في كل قرية وفي كل حي من الشمال الى الجنوب يفوق طاقة أي انسان عادي على جلبها ، ويكفي أن ننظر الى البضاعات المحجوزة في بعض المناسبات ، والتي تقدر أحيانا بمئات الملايين من الدينارات ، لنعرف فعلا ان المتورط في هذه الاعمال ليس المواطن المنتفع من الترويج ، بل هم اولئك الأباطرة الذين يعملون في الخفاء معتمدين على ما لديهم من علاقات في الداخل والخارج ، وعلى ما بحوزتهم من امكانيات مادية ضخمة لا يقدر على توظيفها انسان بسيط وهم الذين لا يتردّدون  في المتاجرة بكل شئ ، بحثا عن الرّبح ، ثم المزيد من الرّبح .. !!
فالمسألة تقتضي سيولة مادية ضخمة بالعملة الصعبة تقدّر احيانا بالمليارات ، وتحتاج الى علاقات على مستوى رفيع لادارة الصفقات في الخارج ، وتحتاج أيضا الى شبكات رهيبة من المهربين في الداخل من ذوي الخبرة بالتخفي ، ومعرفة المسالك ودفع العمولات والرشاوي والتهديد والمجازفة بالعنف اذا لزم الامر .. ثم الى وسائل النقل ، والمخازن الضخمة ، والعلاقات التي تؤدي في النهاية الى الترويج .. ويبقى السؤال المحير مطروحا دائما : لماذا  لا تقدر الدولة على قطع الطريق أمام هؤلاء في اي مرحلة مهمة من هذه المراحل .. ولا يظهر حزمها وشدتها ، ووطنيتها ، الا في المرحلة الاخيرة التي يكون فيها المواطن البسيط  ضحية وكبش فداء  .. !!


( نشرية القدس عدد 206 ) .

الأحد، 6 ديسمبر 2015

هل يمكن الهروب من الحل القومي ... ؟

هل يمكن الهروب من الحل القومي ... ؟

نحن الآن في وضع لا نحسد عليه : تنتصب هنا وهناك على امتداد الوطن العربي ، دول كرتونية ضعيفة  يتضاعف عدد متساكنيها من سنة الى اخرى .. وفي المقابل  ، تقل الامكانيات  والموارد داخلها  كل يوم .. فاذا كان وضعها الاقليمي عاجزا تماما عن تقديم أي حلول للمستقبل ، فهل ستكون مشاريع التفتيت حلولا بديلة ..؟؟
لا يقبل أحد ـ بالتأكيد ـ الاجابة بنعم ..  لذلك ، لا يبدو ممكنا في الوطن العربي على المدى المنظور الا المشروع القومي ، لأن كل المشاريع المطروحة الأخرى أفضلها في الوقت الراهن هو الاقليمي الذي يسعى الى الحفاظ على الكيانات الموجودة ، أما المشاريع الفوضوية ، والطائفية والقبلية والشعوبية  ، التي تسعى الى تفتيت المفتت فهي لن تنجح ابدا في تحقيق غايتها على المدى البعيد .. لأن اي تجزئة جديدة للكيانت القطرية الموجودة ، تعني بالضرورة  عملية تجزئة وتفتيت جديدة للامكانيات المادية والبشرية المتاحة  ، وهي العاجزة اصلا في ظل الوضع الاقليمي الراهن عن صنع التقدم ، والاستمرار في الحياة نظرا لما تشهده أغلب الاقطار العربية من انحسار تام للثروة ، واستنزاف لامكانياتها ، التي لم تعد قادرة على الايفاء بالحاجة في ظل الزيادة المهولة للسكان ، وانتشار العمران .. وهو ما يزيد في خنق تلك الكيانات من سنة الى أخرى بسبب مشاكلها المتراكمة ، ومواردها المتراجعة .. ولعل ما يزيد في ازمتها ، هو ان نخبها الحالية ، لم تدرك بعد البعد القومي للمشاكل القطرية ، سواء بالنسبة للأمن أو بالنسبة للتنمية .. أما القوى الرجعية الصاعدة الى السلطة في بعض الأقطار مثل تونس او مصر ، فهي لا تقل عجزا عن سابقاتها ، بسبب رهاناتها على القطرية المفلسة من ناحية ، مما يجعلها تعتمد على المعونات والهبات الخارجية التي تجعل منها كيانات ضعيفة تابعة ، تتنفس اصطناعيا من أجل البقاء .. وبسبب اعتمادها على مؤسسات فاسدة في الدولة وعجزها عن تطهيرها من ناحية ثانية بحكم طبيعتها الرجعية تلك  .. لذلك يستحيل الخروج من الازمة في الوقت الرّاهن بأيادي مرتعشة ،  وبعقلية انتهازية ، نفعية ، هدفها الوحيد المصلحة الخاصة ، والربح السريع ..

 وحتى المشاريع التي تقوم على دعوات أممية ( ما فوق قومية ) سواء كانت اسلامية او شيوعية فهي مشاريع لن تكون ممكنة الا بين كيانات قومية مستقرة ، وديمقراطية ، تسمح بالتفاعل الحر التدريجي للانصهار في كيانات جديدة  تحقق مصلحة  مشتركة لها جميعا على المدى القريب والبعيد ، على غرار الاتحاد الاوروبي حاليا .. وهو ما يعني انها مستحيلة في واقعنا العربي الرّاهن لغياب تلك الشروط الموضوعية  .. 



 ( القدس عدد 205 ) .

الأحد، 29 نوفمبر 2015

معايير الحرب و السياسة ..

في الوطن العربي أو في غيره من الأوطان في العالم ، يمثل التدخل الخارجي للقوى الكبرى ، اعتداء على السيادة الوطنية والقومية ، وهو عادة لا يكون تدخلا مجانيا ، ودون  مطامع اقتصادية وسياسية وسيادية احيانا .. ولعل من أكثر التدخلات الدولية المرفوضة في الوطن العربي ، التدخل الامريكي المعروف لدى العام والخاص بانحيازه للعدو التاريخي للامة العربية ، ومساندته اللامشروطة لكل مخطاته وسياساته وعدوانه منذ نشأته الى الآن .. والمعروف أيضا بأهدافه في فرض السيطرة والهيمنة والتبعية وغيرها .. 
وهكذا شاهدنا موجة الانتقادات ، والحملات الاعلامية الساخنة ضد التدخل الروسي الاخير في سوريا ، فمن قائل بانه تدخل استعماري مرفوض ، وأنه يهدف لانقاذ النظام .. الى قائل بأنه تدخل  نظام شيوعي ضد الاسلام ، او أنه معادي لثورة الشعب السوري الخ ..   !!
كما نجد في الجانب الآخر قوى متحفضة أو متذبذبة ، أو غير مهتمّة ، وصولا الى القوى المبتهجة والمؤيدة باعتبار ما سيحدثه مثل هذا التدخل من تغيير جذري في موازين القوى ، ثم في نتائج الصراع التي يرجى تحقيقها  .. فكيف يمكن التعامل موضوعيا مع هذه المعادلة ، ووفق أي معايير يمكن الحكم على الاحداث الجارية ..؟؟ 
في البداية لا بد أن نذكّر بتلك المعايير الثابتة في الحرب أو في السلم ، التي تقود التحالفات والعلاقات الدولية ، وهي المصلحة الوطنية والقومية العليا ، بكل ما تعنيه ، من محافظة على كرامة الشعب  واستقلال الوطن وسيادة الدولة على مياهها وثرواتها وقرارها الوطني ، وفي هذا لا نلوم الا أنفسنا اذا كنا نتبع ما يضر بهذه المصالح ، ولا نلوم القوى الدولية على ما تفعله من أجل جرنا للوقوع تحت هيمنتها .. غير أنه من الضروري القول ايضا بانه ليس كل تعامل بين الدول ، او تعاون أو تحالف ، يؤدي بالضرورة الى التبعـية ، والاخلال بتلك المصالح .. وهذا يمكن ان نحكم عليه من خلال عدة معايير ثابتة ايضا في العلاقات الدولية ، وهي المبرّرات الموضوعية التي تؤكد حاجة الدولة والشعب لمثل تلك العلاقة ، والضوابط القانونية التي تحدد مجالات  التعامل ، وبنود الاتفاقيات بما فيها من أهداف وآليات وسقف زمني ، وصولا الى النتائج الحاصلة على الارض  ، والمصالح المتحققة للدولة والشعب والوطن من وراء تلك العلاقات ، وهذا فضلا عما يجب أن يتوفر من شروط  لتحقيق العلاقات المتوازنة لتكون في خدمة المصالح المشتركة ، دون أن تؤدي الى سيطرة طرف على الآخر  فيفقد هيبته ، او قراره السيادي الذي يهدّد استقلاله الوطني ومصالحه ومستقبله الخ ..  وفي خصوص التدخل الروسي في سوريا  لا بد من النظر الى وجهي المعادلة ، حيث يُظهر الوجه الاول الطرف الروسي وهو لاشك يدافع عن مصالحه مثل اي متدخل آخر في الحرب ، حيث لا يعقل ان تعرّض اي جهة مصالحها ، أو معداتها ، و جنودها ، الى الخسائر والمخاطر دون مقابل ، سواء على المدى القريب أو البعيد ، وهو عمل مشروع  تسعى كل الدول الى تحقيقه ، اذا كان  يؤدي فعلا الى التعاون و تبادل المصالح .. أما الوجه الثاني فهو المتعلق بمن يقبل التدخل ـ اي النظام السوري ـ الذي يحق له كما يحق لغيره أن يقدر المصلحة الوطنية في مثل تلك الظروف ليعمل على تحقيقها باي طريقة يراها مناسبة .. غير أن ما يهمنا في هذا الجانب هو مدى مطابقة هذه التقديرات لتلك المصلحة الوطنية والقومية التي حدّدناها ، وانعكاسات هذا التدخل على سيادة سوريا واستقلالها ، وهو المعيار الذي يجب أن تخضع له أيضا كل  المواقف الرافضة والمؤيدة  في نفس الوقت ، وليس الى اي معيار ذاتي ، أو عاطفي ، أو حزبي ، لأي جهة كانت  ..
بالنسبة للظروف والملابسات ـ  وبقطع النظر عن الموقف من النظام ـ  فيبدو أنه النظام العربي الوحيد الذي لم يقبل الى حد الآن أي تنازل من اي نوع ، ولأي طرف ، رغم الحصار والابتزاز الذي ظل يتعرض له  خلال حرب الخليج وما بعدها ، من طرف الولايات المتحدة .. في حين تتنازل باستمرار كل الانظمة والاحزاب اليمينية والدينية ـ التي تنتقد التدخل الروسي وتقبل بالتدخل الامريكي بكل ما يفرضه عليها من تبعية وخضوع للولايات المتحدة ، ولا تتعامل معها على اساس الصديق والحليف والشريك  فحسب ، بل على اساس السيد الذي يأمر وينهى وهي تنفذ ..       
أما بالنسبة للتدخل في حد ذاته ، فيمكن ان يقاس على الوضع الذي أدّى اليه .. هل حدث مثلا في ظرف السلم ، طلبه النظام عمالة ورغبة في الخضوع لروسيا كما تفعل عادة كثير من الدول عمالة وخضوعا وتنازلا عن السيادة  للولايات المتحدة الامركية  .. ؟؟ وهل هو مفروض بالقوة على النظام مثلما يحدث في حالات الغزو ، أو الهيمنة التي تخضع لها الدول تحت الضغط والمساومة والتهديد  ، كما هو جاري بالفعل في دول عربية مغلوبة على أمرها ..؟
 والجواب بلا ، دون شك .. لأن هذا التدخل يكفيه في الجوانب القانونية الغطاء الدولي الذي فرضته الولايات المتحدة " لما يسمى الحرب على داعش " وتظاهرت بالمشاركة فيه أطراف اروبية وعربية  متورطة في دعم الارهاب ..   
ومن الناحية الزمنية والظرفية ، فان التدخل الروسي ليس هو الوحيد ، وليس هو الأول ولا الاخير في هذه الحرب الضارية التي خاضها الجيش العربي السوري ، ضد العصابات التكفيرية المدعومة من أطراف تسمح لنفسها بالتدخل الذي يؤدي الى انتهاك السيادة السورية ، وتنادي بالمزيد من التدخل لاسقاط النظام ، ثم تنتقد التدخل الروسي ، ومثل هذه المواقف الانتهازية واللاأخلاقية تمثلها تركيا وبعض الدول العربية الرجعية العميلة ، التي تفوق النظام السوري عشرات المرات تخلفا واستبدادا  ..  ثم من ناحية الحاجة والظرورة والمصلحة ، فان سوريا يحق لها  بناء التحالفات التي تراها مناسبة دفاعا عن وجودها وسيادتها ومصالحها وهي التي تتعرض منذ خمس سنوات الى حرب ابادة وعدوان همجي لم تشهد البشرية مثله من قبل ، تنفذه عصابات قادمة من جميع انحاء العالم لا علاقة لها بسوريا ، ولا بمشاكلها ، أو بمستقبلها وثورتها .. بل ترتبط فقط بالمخططات الدولية والاقليمية ذات المصلحة في ضرب الثورات الحقيقية وليس العكس ..
 أما من ناحية النتائج ، فان الحكم عليها  يبدو سابقا لأوانه ، وهو يتوقف بالاساس على الأجوبة التي نحتاجها لمثل هذه الأسئلة  :  
هل سيؤدي هذا التدخل الى سيطرة روسية على الشؤون الداخلية لسوريا ؟ وهل هذه الدولة التي يقع تدخلها محل شبهة ، تملي سياساتها وخياراتها على النظام السوري ؟ وهل سينتهي تدخلها بقواعد عسكرية مثلا ، أو باحتلال ، او بتبعية وعمالة للسوفيات الخ ..

الواقع لا يحمل اي مؤشرات دالة على ذلك  .. 


( نشرية القدس 204 ) .