بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 مارس 2019

التاريخ يكتبه المنتصرون .. !!


التاريخ يكتبه المنتصرون .. !!

نعم للحديث عن الاستقلال .. لكن الاستقلال الحقيقي في جميع الأعراف وبالنسبة لكل الشعوب المستقلة هو سيادة وطنية ، وقرار وطني مستقل ، وسيادة على الثروات ، وارادة سياسية حرة ، ومشاركة شعبية حقيقية ، وتخطيط للمستقبل ، وفك ارتباط بالدوائر العالمية المهيمنة ، ورأس مرفوعة .. أما الحديث عن تاريخ الاستقلال كل 20 مارس ، ثم اختزاله في شخص الحبيب بورقيبة ، دون تجاوز لهاذ المربع على جميع أوجه الموضوع ، فهو مواصلة للتضليل الذي استمر منذ ذلك التاريخ الى الآن ..
فماذا يعني تخصيص ليلة كاملة هذا العام للحديث عن بورقيبة وبطولاته الوهمية دون اشارة الى المقاومة الحقيقية التي فرضت الاستقلال التام فرضا وبقوة السلاح على المستعمر والتي كافأها بورقيبة بالتهجير والمحاكمات والاعدامات والتصفيات الجسدية والتنكيل الذي بقي يتابع عائلاتهم واتباعهم طوال فترات حكمه ، والتركيز على نجاحته المحدودة في مجالات التنمية دون اي موضوعية باعتبار الفشل الذي قاد تونس الى الازمات التي عاشتها طوال فترة حكم بورقيبة ثم استمرت وتفاقمت مع فترة بن علي ..؟ فهل نسينا حصار المثقفين والطلبة ومحاكماتهم ورجيم معتوق والاحتقان الشعبي والمسيرات والانتفاضات الشعبية بسبب الغبن والتهميش للجهات الداخلية والتنكر للقضايا العربية وجر تونس للتبعية والتفريط في السيادة الوطنية الذي بقينا نعاني منه الى الآن في مجال التدخل الخارجي واستغلال الثروات والتبعية الثقافية والتخلف السياسي الذي بقي عليه شعب تونس بسبب الاستبداد والرئاسة مدى الحياة والصراعات بين أجنحة السلطة ..؟
طبعا على القناة الوطنية كل شيء ممكن ، فقد شاهدنا كل التناقضات منذ فترة بن علي الى الآن في التعاطي مع حدث الاستقلال في 20 مارس من كل سنة حيث عشنا طوال فترة الاستبداد الثانية مرحلة طمس وتغييب كامل لتاريخ بورقيبة على عكس ما كان يحدث في عهده . فقد تنكر الدساترة لتاريخ زعيمهم واصبح ملهمهم وصانع تحولهم حامي حمى الوطن والدين رئيسهم المخلوع ، وابتلعوا السنتهم أمام كل الاهانات التي تعرض لها شخص الحبيب بورقيبة وهو في الاقامة الجبرية ، فلم يعد زعيما ولا مجاهدا أكبر ولا هم يحزنون .. ثم بعد 14 جانفي لاحظنا المسايرة الانتهازية لما حدث من حراك ثوري باعادة الاعتبار للحركة الوطنية الحقيقية فاصبحنا نسمع التقارير عن التعذيب وبعض خفايا الصراعات التي عاشتها تونس حول العديد من المضامين على راسها النقطة الرئيسية في الخلاف الذي فجر الصراع بين البورقيبيين واليوسفيين متمثلة في استسلام بورقيبة واكتفائه بالاستقلال الداخلي الذي يمنح تونس الاستقلال الشكلي ويسلب سيادتها ويجعلها تحت الوصاية الفرنسية ، وقد انتهى هذا بتغلب الشق المسنود من قوى الاحتلال واستغلاله للحدث التاريخي الذي افتكه اليوسفيون غصبا بالمقاومة المسلحة ، ثم استغلاله للقوة التي منحتها له شرعية الدولة ، واتجاهه دون هوادة وبكل الوسائل لتصفية الحسابات مع المقاومين ، من المحاكمات والاعدامات الى الاغتيالات كما حدث مع الزعيم صالح بن يوسف سنة 1961 وحتى الحرمان من ابسط الحقوق .. أما الآن وبعد التوافقات المغشوشة التي فرضها لقاء باريس بين الشيخين والتي ادت الى فك الارتباط نهائيا مع مسار 17 ديسمبر والعودة الى السياسات السابقة فلا غرابة ان نعود الى نفس المربع ، أو أن نعيش اعلاميا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا اجواءا اتعس مما عاشتها تونس خلال العهدين السابقين .. ولكن لا تفرحوا كثيرا بمقولة " التاريخ يكتبه المنتصرون " ..

( القدس ) .

الاثنين، 18 مارس 2019

المثقّف العربي .. وسؤال ما العمل ..! د.صبحي غندور .



المثقّف العربي .. وسؤال ما العمل ..!

د.صبحي غندور .

يتأزّم الإنسان ، وكذلك الأمم والشعوب ، حين يصل الفرد أو الجماعة ، في مواجهة مشكلةٍ ما ، إلى حالٍ من العجز عن الإجابة على سؤال : ما العمل الآن ؟
وعلى الرغم من التحدّيات والمخاطر الكبرى التي تتعرّض لها الأوطان العربية ، متفرّقةً أو مجتمعة، فإنَّ الإجابة عن سؤال : "ما العمل" ما زالت متعثّرة على المستويين الوطني الداخلي، والعربي العام المشترك.
ربّما المشكلة في السؤال نفسه ، وليست بالإجابة عنه. فسؤال : "ما العمل"، داخل الوطن أو الأمّة ، يقتضي أولاً الاتفاق على فهمٍ مشترَك للمشكلة والواقع ، ومن ثمّ تحديد الهدف المراد الوصول إليه.
المشكلة الآن على المستويين الداخلي والعربي العام هي في غياب الرؤية المشتركة التي منها تنبثق برامج "العمل" ومراحله التنفيذية. أيضاً ، هذا السؤال يتطلّب معرفة من هم المعنيّون بتنفيذ "العمل" وبالقائمين عليه.. فهل هناك إجابات واضحة عن هذه القضايا ؟
أجواء الانقسامات والصراعات الداخلية تحوم في أكثر من بلدٍ عربي، والمنطقة العربية تؤكل أراضيها وسيادتها بعدما أُكِلت ثرواتها وخيراتها لعقودٍ طويلة ..
صحيحٌ أنّ للأطراف الخارجية، الدولية والإقليمية، أدواراً مؤثّرة في تأجيج الانقسامات ، لكن ماذا عن مسؤولية الذات العربية عن ما حدث ويحدث من شرخٍ كبير داخل المجتمعات العربية ؟
إنّ أسوأ ما في الواقع العربيّ الراهن أنّه لا يحمل في سياق سلبياته المتراكمة ما هو مبعث أمل ، ولو بعد حين. فالتداعيات الجارية في أكثر من بلدٍ عربي تحمل مخاطر وهواجس أكثر ممّا هي انطلاقة واضحة نحو مستقبلٍ أفضل. ولو أمكن استطلاع رأي المواطنين العرب في أيِّ مكان عن واقعهم وعن رؤيتهم للمستقبل لكان الجواب مزيجاً من رفضٍ للواقع وخوفٍ من المستقبل. وخطورة هذا الأمر أنّه يفرز العرب بين تيّارين : تيّار اليأس والإحباط وفقدان الثقة بنتيجة أيّ فكر أو أيّ عمل، وآخر انفعالي متهوّر يرى في الانتحار طريقه لبناء حياةٍ أفضل !
ولعلّ أسوأ ما في الواقع العربي الرّاهن هو حال التمزّق على المستويات كلّها بما فيها القضايا التي لا يجوز الفصل بينها أصلاً. فشعار الديمقراطية أصبح نقيضاً لشعار التحرّر الوطني ، أو بالعكس ! والولاء الوطني أصبح يعني تنكّراً للعروبة وللعمل العربي المشترك ! والاهتمامات الدينيّة أصبحت خطراً على الوحدة الوطنية!.
ويرافق هذا الحال من التمزّق في القضايا والأهداف ، رؤى خاطئة عن "المثقّفين العرب" من حيث تعريفهم أو تحديد دورهم. فهذه الرؤى تفترض أنّ "المثقّفين العرب" هم جماعة واحدة ذات رؤية موحّدة ، بينما هم في حقيقة الأمر جماعاتٌ متعدّدة برؤى فكرية وسياسية مختلفة قد تبلغ أحياناً حدّ التعارض والتناقض. وتوزيع دور هذه الجماعات لا يصحّ على أساس جغرافي أو إقليمي، فالتنوّع حاصلٌ على معايير فكرية وسياسية.
صحيح أنّ "المثقّفين" هم الجهة المعنية بالردّ على سؤال: "ما العمل"، وما يسبقه من أسئلة تمهيدية تحقّق جدارة طرحه ، لكن الانطلاق من فرضية أنّهم كتلة عربية واحدة تعيش واقعاً واحداً وتحمل فكراً مشتركاً، هي فرضية خاطئة وتزيد من مشاعر الإحباط والعجز.
إنّ "المثقّف" هو وصفٌ لحالة فردية وليس تعبيراً عن جماعة مشتركة في الأهداف أو العمل. قد يكون "المثقّف" منتمياً لتيّار فكري أو سياسي يناقض من هو مثقّف في الموقع المضاد لهذا التيّار، وكلاهما يحملان صفة "المثقّف".
ومن الأخطاء الشائعة أيضاً، تعريف المثقّف بأنَّه "المتعلّم" أو من حملة لقب "الدكتور"، أو بأنَّه "المعارض" أو "الثائر"... الخ، بينما حقيقة الأمر أنَّ "المثقّف" ليس هو فقط الباحث أو الكاتب أو المتعلّم ، وليس فقط الرجل دون المرأة، وليس هو دائماً في موقع الرّافض أو المعارض أو "الوطني". فلا أحد ينكر على سبيل المثال، أنَّ الدكتور فؤاد عجمي كان مثقّفاً مهمّاً من أصل عربي لبناني مقيم في أميركا ، تماماً كما كان المرحوم الدكتور كلوفيس مقصود، لكن اشتراكهما في صفة "المثقّف" أو "الأصل العربي اللبناني" لا يضعهما في حالةٍ متساوية أبداً، لا من حيث الفكر أو الدور أو العمل المخلص للقضايا العربية.
لكن من المواصفات العامّة لتعريف "المثقّف الملتزم بقضايا وطنه أو أمّته"، هي الجمع لديه بين هموم نفسه وهموم الناس من حوله ، كما الجمع عنده بين العلم أو الكفاءة، وبين الوعي والمعرفة بمشاكل المجتمع حولهأي هو طليعة قد تنتمي إلى أي فئة أو طبقة من المجتمع ، لكن تحاول الارتقاء بالمجتمع ككل إلى وضعٍ أفضل ممّا هو عليه.
وهناك عددٌ لا بأس به من المثقّفين في المنطقة العربية الذين يرفضون الاعتراف بالانتماء إلى هويّة عربية، بل هم يناهضونها فكراً وعملاً، ومن دعاة هُويّات أخرى تتنكّر للعروبة ، ورغم ذلك تجري تسميتهم ب"المثقّفين العرب" !  لذلك من الأجدى دائماً وضع تعريف فكري وسياسي برفقة صفة "المثقّف"، وليس اعتماد  الحالة الجغرافية كدلالة على المشترك بين المثقّفين.
وما ينطبق على "المثقّفين العرب" يصحّ أيضاً على المثقّفين داخل كل بلدٍ عربي. فالحديث عن المثقّفين اللبنانيين أو المصريين لا يعني وجود توافق فكري أو سياسي بينهم يستوجب منهم عملاً مشتركاً.  
إذن، إنَّ سؤال : "ما العمل" على المستوى العربي المشترك، يتطلّب للإجابة عنه وجود مثقّفين يعتقدون أولاً بمفاهيم فكرية مشتركة حول الانتماء والهويّة، وحول توصيف الواقع وأسباب مشاكله، ثمَّ سعيهم لوضع رؤية فكرية مشتركة لمستقبلٍ عربيٍّ أفضل. عند ذلك يمكن لهذه الفئة من "المثقّفين العرب" أن تضع الإجابة السليمة عن سؤال: "ما العمل" .
أمّا الحديث بالمطلق عن "المثقّفين العرب" والتساؤلات عن غياب دورهم ، فهذا غير صحيح وغير واقعي.
لكن المشكلة قائمة كذلك بحالة الضعف الحاصل حالياً في ظروف وإمكانات فئة "المثقّفين" المعتقدين فعلاً بالهويّة العربية، والرافضين فكرياً وعملياً للفصل بين أهداف تحتاجها الأمّة العربية كلّها. الضعف هو أيضاً في غياب التنسيق والعمل المشترك بين من هم فكريّاً في موقعٍ واحد لكنّهم عمليّاً وحركيّاً في شتات بل تنافس أحياناً!.
ولأنّ الحركة السليمة هي التي تنبع من فكرٍ سليم... ولأنّ الفكر السليم هو الذي يستلهم نفسه من الواقع ليكون حلاً لمشاكله، فإنّ سؤال: "ما العمل" لتغيير الواقع العربي الراهن ولبناء نهضة عربية يتطلّب النهوض أوّلاً بدور المفكّرين والمثقّفين العرب الملتزمين بقضايا أوطانهم وأمّتهم العربية.
إنّ شعوب الأوطان العربية عانت وتعاني الكثير من جرّاء خلافات على ما حدث في التاريخين العربي والإسلامي من صراعاتٍ داخلية ومن أدوار أجنبية مختلفة ، وهي مسائل جرت في الماضي ولا يمكن الآن تغييرها أو إعادة تصحيح أخطائها، بينما تقدر هذه الشعوب والطلائع المثقّفة فيها على تصحيح واقعها الراهن وحاضرها الممزّق فكرياً وعملياً، سياسياً وجغرافياً. فشرط نهضة العرب الآن هو تجاوز ما حدث في التاريخ ، وتصحيح ما هو واقعٌ من انقسام وتمزّق في الجغرافيا العربية.
وما أحوج الأمّة العربية الآن إلى مؤسّساتٍ مدنية ومرجعياتٍ شعبية ترفض الواقع وتسعى إلى تغييره على أن يتمّ ذلك في إطار منظومة فكرية ، تقوم على التلازم بين حسم الانتماء لوحدة الهويّة العربية وبين ضرورة التعدّدية الفكرية والسياسية في المجتمعات العربية. أي على أسس فكرية معاكسة لواقع الحال القائم الآن حيث تتصارع الهويات ضمن الدائرة العربية المشتركة بينما تنعدم الأطر السليمة لتعدّد الاتجاهات الفكرية والسياسية!.
الأمّة العربية تحتاج إلى مؤسّسات وحركات شعبية ترفض الواقع، لكن ترفض أيضاً تغييره بواسطة العنف والإكراه. الأمّة العربية بحاجة إلى تيّارات فكرية وسياسية تصحّح الصورة السيئة والمشوّهة عن العروبة والإسلام ، فلا التطرّف باسم الدين هو الإسلام ، ولا الديكتاتورية باسم القومية هي العروبة. الأمّة بحاجة إلى حركة عروبية ديمقراطية لا طائفية ، تُخلِص لأوطانها وتعمل لوحدة مجتمعاتها ، وذلك أساس ومعيار عملها لصالح الأمّة ككل.