بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 فبراير 2014

الوحدة أساس النصر ..




           
الوحدة أساس النصر ..


في الثاني والعشرين من  فيفري 1958 قامت أول وحدة اندماجية في التاريخ العـربي المعاصر .. وقد كان ذلك الانجاز حدثا تاريخـيا مهمّا بالنظـر الى الهجمة الشرسة من قـبـل القوى الاستعمارية والصهـيونية على الامة العربية وقواها الثورية التحررية الوحدوية  .. اذ لم تكد مصر ترفع هامتها متحدية العدوان الثلاثي المسلح والحصار المضروب عليها بسبب تعـنـّـتها و تحدّيها للقوى المعـتدية سنة 1956 ، حتى وجدت نفسها مُجـبـرة أكـثـر من ذي قـبـل على المقاومة ، بحكم الطوق المضروب عليها ، الى جانب محاولات  اختطاف سوريا وضمّها الى تلك الاحلاف المشبوهة التي أنشأتها الدول الاستعمارية نفسها ..

وقد بدأ الصراع على سوريا مبكّـرا منذ انشاء حلف بغداد في شهر فيفري 1955 بـزعامة بريطانية - امريكية وبعضوية كل من العـراق وباكستان وايران وتركـيا ، حـيـث كان ردّ مصر العـملي على هذا الحلف هو توقـيع اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر وسوريا في 22  أكتوبر 1955 والتي بموجـبها بعـثت مصر بقواتها الى شمال سوريا أواخر سنة 1957 لمواجهة الحشود العسكرية التـركـية .. 

وفي ظل تلك الظروف بدأت فكرة الوحدة تبرز كضرورة موضوعـية لانقاذ مصر وسوريا من المخططات التي تستهدف كل منهما ، والتي ستؤدي لبناء دولة عصرية قوية قادرة على مواجهة التحديات التى تواجهها .. فكان أول قرار من مجلس وزراء سوريا بالدخول في مفاوضات مع مصر من أجل الوحدة يصدر في شهر جويلية عام 1956 .. ثم ، وبنفس السرعة التي تسيـر بها الأحداث صدر قرار مجلس الشعـب السوري ومجلس الامة المصري بتوحـيـد مصر وسوريا في نوفمبـر 1957 ، ليتم اخـتـتام المفاوضات نهائيا والاعلان عن القارار التاريخي بقيام الجمهورية العـربية المتحدة في 22 فيفـري 1958 ..   وهو القرار الذي مكّـن من كسر نظرية الاحباط التي عـملت القوى الرجعـية على اشاعـتها بين صفوف الجماهير ، معـتبـرة  أن الوحدة حلما بعـيدا لا يمكن تحقيقه .. كما مكّـن من كسب الرهان في التعـويل على مشروع المقاومة ورفض الخضوع والاستسلام للهـيمنة الاجـنـبـية بجميع أنواعها .. 
باختصار ، ستبقى  الوحدة الهدف الممكـن والوحـيدا  للـنـّـصر والـنـّـهـوض بالعـرب ، يخرجهم ممّا هم متردّين فـيه الى ما يتطـلـّـعـون الـيـه .. 

 ( نشرية القدس العدد 112 ) .

الاثنين، 17 فبراير 2014

بين الثورة .. والانقـلاب ..




بين الثورة .. والانقـلاب ..


 حين قامت ثورة 23 يوليو قـبل ستة عقود لم تـنـتـظـر طويلا حتى يخرج الناس غاضبين مطالبين بحقوقهم ، لكي تعمل على تغـيـيـر واقعهم ، ولم تستسلم للقيود التي كانت تكبّل مصر في الخمسينات ، في ظل الحكم الملكي الفاسد والاستعمار البريطاني الجاثم ، بل بادرت بعد حوالي شهـر ونصف ، وبالتحديد في 9 سبتمبر 1952 ، باصدار قوانين الاصلاح الزراعي ، معـلـنة عن تخفيض الملكية الزراعـية للاقطاعـيين من آلاف الفدادين الى مئاتيْ فدان ...
و في الأثناء ، ومنذ وقت مبكّـر أيضا ، تحديدا في 18 أكتوبـر 1952 وقع الشروع - بناءًَ على قرار مجلس قيادة الثورة -  في دراسة مشروع السّد العالي من قـبـل وزارة الأشغـال العمومية وسلاح المهندسين بالجيش ومجموعة منتـقاة من أساتذة الجامعات ، حيث استـقـرّ الرأي على أن المشروع قادر على توفـيـر احتياجات مصر المائية ...
وبعد فتـرة قصيرة ، وفي اطار هذا التوجّه الذي اتـّبعـته الثورة بدأ التفكـيـر في امكانية ربط مشروع السّد العالي - الذي يتطلب أموالا طائلة - بمداخـيل قـنـاة السّويس اذا ما وقع استرجاعها لصالح مصر .. وقد انطلقت دراسة مشروع تأميم قناة السويس فعـليا منذ سنة 1954 حين قام عبد الناصر بانشاء ادارة التعـبئة لمتابعة المشروع ، أي قـبـل سنتـيـن من اعلان التاميم  في 26 يوليو سنة 1956 بعد أن أعلن البنك الدولي عن سحب تمويله للسّد العالي  في 19 يوليو من نفس السنة ..
تلك اذن ثلاث مشاريع عملاقة شرعت الثورة في انجازها منذ الاشهر الأولى ، اضافة الى التمسّـك بالجلاء التام للقوات البريطانية التي ظلت جاثمة على أرض مصر طوال 73 سنة ، فكان ذلك تعبيرا صادقا عن حجم الارادة السياسية القادرة على مجابهة الصعوبات والانتصار لطموحات الشعـب ، الذي هـبّ بدوره للذود عـنها والالتفاف حولها وحمايتها ، ابان العدوان الثلاثي سنة 1956.. 
وهكذا حدث في تاريخـنا انقلاب من بين عشرات الانقلابات ، لكنّه سرعان ما تحوّل الى ثورة حقيقية غـيـّرت وجه الحياة ليس في مصر وحدها ، بل وعلى المستوى القومي والعالمي بفضل تلك الارادة الثورية المتوهّجة .. 
في حين أن ثورات  حقيقـية وقعـت في كل من تونس ومصر سنة 2011 ، ولكن سرعان ما حوّلها الانتهازيون الى مجّرد انقلبات في موازين القوى ، حين أخذوها بعيدا عن تلك المضامين الثورية التي قامت من أجلها .. وصدق الـزعـيم الراحل جمال عـبد الناصرعـندما قال : " ان الجـبـناء لا يصنعـون التاريخ "..

 ( نشرية القدس العدد 111 ) .

الأحد، 2 فبراير 2014

الاسلام و واقع المسلمين .. (1) .



لقد كانت السلطة حدا فاصلا بين الكلام والفعـل . والاخوان الذين ظلوا أكثر من نصف قرن يعِـدُون الناس بالجنة التي سيـبسطونها أمامهم ، اصبحوا  أكثر من غيرهم اقـتـناعا بعجـزهم عن تحقيق ما وعدوا به ..  كما عرف العام والخاص في ظرف وجيز ( سنة في مصر وسنتين في تونس ) ان الورع والتقوى وطول اللحية  والحديث عن الحل الاسلامي  دون توفير الحد الادنى لضمان الحياة الكريمة التي تليق بالبشرفي ظل المساواة والتوزيع العادل للثروات ، يكون عبثا و تلاعبا بمشاعر الناس ، والهاءا لهم عن مشاكلهم الحقيقية التي عبّروا عنها بالمضامين الاجتماعية الصرفة للشعارات التي رفعوها خلال ثورتي تونس ومصر ..
وفوق هذا فان من يدّعي تمثيله للاسلام باعتباره الأكثر قدرة على فهمه وتطبيقه ، لا بد أن يكون قادرا على احداث الاضافة والتغـيـيـر المطلوب الى الأفضل وليس العكس .. !!
فالاسلام - كما هو معـروف - هو دين الرّحمة والمحبّة والأمن والاستقرار والعدل والمساواة والتكافل بين الناس والتعاون والايثار والحرية والكرامة وصيانة النفس والمال ورفض العنف وتحريم الاستغلال وتجريم الاعتداء على الاعراض ...                                                   
فاي تطبيق للاسلام هذا الذي يؤدّي الى زيادة الفقر بين الناس والنهب والسرقات والاحتيال والمضاربة والاحتكار والتهريب وغلاء الاسعار وتدهور القدرة الشرائية وانتشار الاوبئة والامراض وعجـز الناس عن التداوي والحصول على ضروريات الحياة ، مع زيادة البطالة والتسوّل ، والتمييز بين أبناء الوطن الواحد والاستـئـثـار بالمنافع وتبجيل الأتباع والموالين ، فضلا عن التبعـية والاستكانة والموالاة .... ؟
وأين نحن من تلك المقاصد السامية في الشريعة السمحاء ؟
 وهل النهج الذي اتبعه الاخوان حينما وصلوا الى السلطة هو التطبيق الفعلي للاسلام ؟ 
وهل أن الدين الحنيف غامض الى الحد الذي يمكن أن يكون فيه الاختلاف واسعا وعميقا فيسبب الاقتتال بين تلك الفصائل التي تتدعي تمثيلها للاسلام ، أو الى الاغتيالات و قتل الابراياء من المسلمين في كل مكان  ؟ 
الم يتـّـضح للمسلمين منذ قرون ما يتصل بأمور دينهم  و دنياهم ؟
بلى.
 ففي أمور الدين قد قال سبحانه : " فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولـّوا فإنما عليك البلاغ والله بصيـرٌ بالعـباد " ( آل عمران : 20) .. هذا أمر موجّه للرسول صلى الله عليه وسلم ، ومعـناه أوّلا أن التبليغ خاص به وحده ، المكلف بالرسالة المـنتهـية بوفاته .. ومعناه ثانيا أن بقية المسلمين سواسية في علاقـتهم بخالقهم وفي علاقـتهم ببعضهم ، فلا يملك أحدهم حجة على غيره في أمور الدين لأن ما يحق لأحدهم يحق لسواه في حدود امكانياته .. ومعناه ثالثا أن كل ما يقال في أمرالدين والدنيا بعد انتهاء الوحي والتبليغ - اذا استثنينا ما هو ثابت بالتواتر في فرائض الاسلام - هو اجتهاد بشري غير مقدس يحق للمسلمين أن يعملوا به كما يحق لهم تركه..  
 أما في أمور الدنيا فقد قال تعالى : " ان الله يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل " . ( النساء 58 ) . هذا أمر من الله واضح الدلالة لا لبس فيه ، غير أن مفهوم العدل وسبل تحقيقه  هو ما يجب البحث فيه .. وبالتالي فهو أمر موكول لاجتهاد المجتهدين في كل زمان ومكان لتحقيق تلك الفريضة التي لا يستقيم فيها الحكم الشرعي الا به ، ومعناه أن ما هو مطلوب لتحقيق العدل هو عمل بشري نابع من الاجتهادات البشرية مهما حاول المجتهد  تأصيلها بالأدلة والبرهان ، باعتبار أن عملية الاستدلال ذاتها هي نتاج لنشاط  ذهني يمارسه الانسان خلال تأويله للنصوص ، وسعـيه لتفسيرها من خلال جمع السند اللازم لها من الأحاديث والسيرة النبوية وأقوال الصحابة وآراء المجتهدين السابقين الخ ..
وهذا وحده يكفي للقول بأن الفشل الذي يمكن أن يلحق بالبعض وهم ينسبون أفكارهم وأعمالهم للاسلام ، يقدم دليلا قاطعا على بطلان دعواهم ، كما يؤكد أن محاولة احتكارالحديث باسم المقدّس الذي هو ملك للجميع ، هو بمثابة من يسعى للاستحواذ على ما هو مشاع بين الناس حتى يكون له وحده وهو على هذا الوجه بالذات يعدّ أبشع صورة من صور الاستغـلال .. 

 ( نشرية القدس العدد 109 ) .

الثـورة المـزعـومة ..

الثـورة المـزعـومة ..

الثورة باختصار فعل ايجابي  يتحقق من خلاله التغيير الى الافضل . والفعل الثوري يقاس بمدى ما يحققه في الواقع من تقدم نحو غايته . لذلك فان الثوار الحقيقيين في أي مكان يحرصون خلال سعـيهم لانجاح مهامهم الثورية ، وتحقيق أهدافهم على تجنيب أوطانهم وشعـوبهم الوقوع في الخسائر والضحايا والفوضى  والدمار .. 
 فأين نحن ممّا يحدث في سوريا ؟ وأي ثورة  يكون فيها المواطن هوالضحـية الأولى ، والمجتمع هو المهدّد بالزوال ؟ أي ثورة كل ما يُـقـتـرف باسمها يؤدّي الى الهدم والتخـريب وتهديد الوجود بأكمله ؟
لا يشك عاقل اذن ولا يخطأ في وصف ما يحدث  بالعدوان البيّن والصريح  والواضح  ليس على سوريا وحدها ، بل على الامة العربية قاطبة .. ومهما وعدت قطـر والسعودية وأمريكا وجميع ثوار الناتو بالديمقراطية ومقاومة الاستبداد ، فلن يصدّقهم غير المغفلين .. لأنهم جميعا اعداء تلك المبادئ الانسانية النبيلة ، لا يفهمونها ولا يعـرفونها ، ولا يعملون اطلاقا على تحقيقها .. ورغم أن الثورة الحقيقية التي تحقق العدل والمساواة والحرية والديمقراطية أمر مشروع ، فان ما يؤدّي الى التبعـية وخراب المجتمعات لا يمكن أن يكون ثورة ، ولا يمكن للثوار أن يكونوا آداة بيد الأعداء ، كما لا يمكن للثورة أبدا أن  تستهدف  المقاومة في الامة مهما اختلفت معها .. ولا تقايض الحرية في الداخل - اذا كان لها مشروعا تحرّريا - بالعبودية الى الخارج ، ولا ترضى أبدا بتخريب وطنها وتشريد شعـبها حتى وان تراجعت عن فعلها الثوري الى حين ..
لا يختـلط الامر الا على السّذج .. الذين يتكلمون كلاما كبيرا عن الثورة والحرية والديمقراطية ولا يقولون كيف تتحقق كل هذه المطالب في ظل الفوضى التي تـُـحدثها المليشيات وهي ترفع نفس الشعارات .. لا يصدّق الوعود الخارجة من أفواه القتـلة والمجرمين والعملاء ، الا المخدوعـين والمثاليين والأغبياء .. فهذه سوريا التي يقولون ان نظامها ديكتاتوري وسفاح و مجرم حرب ، فكيف ستـتحرّر من قبضته على يد من هم أكثر منه شرا ودموية وطائفية متعـفـنة  ؟؟
وكيف ستتحقق الديمقراطية على يد من يقولون ان الديمقراطية كفر ؟ أو على يد جلبي سوريا وكرزايها ؟ اذا  كان في سوريا ثوار حقيقيون فعلا ، فعليهم أن يفضحوا العملاء ، ويكشفوا مخططات الرجعـية العـربية ، ويعملوا على تخليص بلدهم من مستـنـقع العنف والطائفية بطرد المليشيات المأجورة ، المتكوّنة من آلاف الارهابيين الغرباء القادمين من كل صوب لتدمير سوريا ، بقطع النظر عن مزاعمهم ودوافعهم وأفكارهم ومعتقداتهم وأهدافعهم المعـلـنة ، لأن العـبـرة  - كما يقولون - بالنتائج ، وبما يجري على الارض ، حيث اتخذت الاحداث منعرجا خطيرا منذ أن خرج الفعـل العفـوي الذي انطلق في البداية  على مساره الصحيح ، فاستغـل تجار الحروب المحترفون ، من القوى الرجعـية والاستعمارية والصهيونية تلك الاحداث ليجعـلوا منها مستـنـقعا تغـرق فـيه سوريا والمنطقة العـربية بأكملها .. وها قد أصبح شبح الفوضى يتجاوز اطاره الاقليمي ليشمل الامة بأكملها مستهدفا وجودها ذاته من خلال زعـزعة استقـرارها ، وهدم  الاسس التي تقوم عليها وحدتها منذ أربعة عشر قرنا .. وها قد أصبح امتداد تلك الفوضى  حقيقة تهدد الأمن في لبنان ومصر وليبيا وتونس .. فعـن أي ثورة يتحدّثون ..؟؟

 (  نشرية القدس العدد 109 ) .