بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 يونيو 2014

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام ... (11) .

                 بعض الكلام عن العـروبة والإسلام ... (11) .

ان من أكثر الدعاوي سببا في الفرقة والصراعات الدموية اليوم داخل الامة الواحدة ، صراعات ذات علاقة مباشرة بمفاهيم خاطئة عن القومية من ناحية ، والاسلام من ناحية ثانية .. وخاصة عند الذين يضعون الدعوة الى الوحدة القومية في عداد الدعوة المناهضة للاسلام .. بل ان الامر قد تطوّر بهم الى جعل الاسلام مرتبط بمفهوم واحد ثابت في الزمان ، هو اسلام الفرقة الناجية التي ترفض كل ما هو مختلف معها حتى في الفروع من دون الاصول .. في حين نجد ان الاختلاف في حد ذاته و في جميع مظاهره سنة الهية .. بل أن الاختلاف  قد يصبح  ـ في بعض مظاهره ـ آية من آيات الله ،  كما جاء في قوله تعالى : (ومن آياته خلق السماوات والارض واختلاف ألسنـتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالميـن ) ( الروم / 22 ) .
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو كيف يكون اختلاف الالسن والالوان آية أو معجزة من المعجزات ...؟؟
في الواقع ان المتأمل في هذه الآية  لا يجد فقط أنها قد دلت على ان اختـلاف الألسن والألوان يمثل آية فحسب ، بل يمثل آية تضاهي من حيث الاعجاز آية خلق السماوات والارض ، اذ  ورد  ذكـرهما مقـتـرنا بهما .. وقد تكـرّرت الاشارة الى الاعجاز في خلق السماوات والارض  في العديد من الآيات لما فـيهما من دليل على عظمة الله .. قال تعالى :  ﴿ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ﴾ (آل عمران / 189-190)   وقال : ﴿وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام  وكان عـرشه على الماء ليبلوكم أيكم احسن عملا   ( هود / 7 ) وقال :   ( الله الذي خـلـق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تـتـذكـرون)  ( يونس / 3 ) . وقال : ﴿ خلق السموات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين   (العـنكبوت / 44 ) وقال تعالى ( ومن آياته خلق السماوات والارض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم اذا يشاء قدير ) ( الشورى / 29 ) .. 
 فسبحان الله ... 
لماذا اعـتبـر الله اختلاف الالسن والالوان آية تضاهي آية خلق السماوات والارض  وهما  يمثـلان الكون باكمله ، وبكل ما فـيه من كواكب سيارة وافـلاك ومجرّات  واشياء  محكمة لا نعلم عـنها الا القـليل فـيعجـز عـن وصفها اللسان ، كما يعجـز عـن تصوّرها العـقـل ؟ .. لماذا كل هذه المنـزلة لاخـتـلاف الالسن والالوان ونحـن نعـرف ان خـلـق السماوات  والارض قـد اقـتـضى مدة لا تقـل عـن ستـتة ايايم كاملة كما اخبـرنا بذلك مالك الملك ، وهو القادر على أن يقول للشئ كن فيكون ؟
من المؤكد ان صدق الجواب ومطلق الاجابة علمهما عند الله ... لكن الاجتهاد يمكن ان يقودنا الى أشياء ملموسة ..
 فلو نظرنا  أولا الى اختـلاف الالوان بين الناس لوجدنا وراء ذلك عوامل معـقدة  قد لا يتوقف تأثيرها على الفرد بل يتعداه الى المجتمع بأكمله ، منها العوامل الوراثية التي يحملها الانسان منذ الولادة ، فـتحدّد ملامحه وصفاته  لكنها سرعان ما تنتشر بين الناس من خلال قوانين الوراثة التي تسري بمرور الوقت داخل المجتمع .. ومنها كذلك التفاعل  بين الناس  والمحيط  بكل ما فـيه من عناصر بيـئية مؤثـرة ، الى جانب سلوكهم وعاداتهم الغذائية الخ .. حيث ينشأ التفاعل صامتا بين ما يحمله الفرد ومحيطه ، وبين الناس جميعا من خلال ظاهـرة التكاثـر، مما يجعـل الصفات الوراثية تنتقـل في سكون تام ، ليكتمل التاثـيـر والتاثر بشكل بطـيئ بين مخـتـلف هذه العوامل التي لا يقـتصر تأثيرها على القـلـّـة فحسب ، بل يشمل جميع الافـراد في المجـتمع ، لتتحدّد قسماتهم وسماتهم من خلال لون البشرة ولون الشعـر وبعض الملامح العامة مثل طول القامة وغيرها ...
كما أدّى انتشار الناس واختلاف بيئـتهم ، إلى جانب القطيعة الوراثية الحاصلة بسبب الحواجـز الطبيعية  والامتداد الجغـرافي  وغـيرها من العـوامل .. الى اخـتـلاف الطباع والألوان .. 
ولعل في  تشابه الصفات والالوان داخل المنطقة الجغـرافية الواحدة ، واختلافها في نفس الوقت بين الجهات المتباعدة جغـرافيا ما يفسر خلوها التام من الصدفة .. بل يدل على انضباطها بقوانين هي بمثابة المعجـزة الحقـيقـية التي تتحكم في حـركـتها قوانين وسنن الهـية محكمة يعرفها أهل الاختصاص في علم الوراثة والبيئة والانـتـروبلوجـيا ...
ثم اننا لو نظرنا الى اختـلاف الالسن ، لوجدنا كذلك سببا واضحا لهذه المنـزلة العظيمة ، متمثلا في اثر ذلك الاختلاف على مسيرة الحياة الانسانية كافة ، حيث تـتـعدّد المجـتـمعات وتـتغـيّـر بنيـتها خلال مسيرتها التاريخية ، فـتـكون اللغة عاملا أساسيا في تطوّرها وتـنوّعها ، سواء عـبــر مراحلها المتعاقـبة من العشيـرة إلى القـبيلة إلى الأمة ... أو في كل مرحلة  من مراحل تطوّرها .. حيث جعل الله الحياة على تلك الصورة .. قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خـلـقـناكم من ذكـر وأنثى وجعـلناكم شعـوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقـاكم ) ( الحجرات / 13 ) .
ان موضوع الخلق ، الذي ذكـره الله في جميع الآيات السابقة ، الخاصة بالكون أو بالمخلوقات ، يمثل في حد ذاته دليلا واضحا على عظمة الخالق .. لكنه من ناحية أخرى ينـفي أي نوع للصدفة عن الظاهرة ، ويعطيها صيغة الحتمية ، بحكم ان كل ما أوجده الله متحرك وخال من السّكون ، مما يجعله يخضع في حركـته الى قوانين حتمية لا تتبدل وهو ما يُعـرف في تراثنا بالنواميس والسنن الالهـية ، المشار اليها في العديد من الآيات الواردة في القرآن الكريم . قال تعالى : ﴿ سنة الله في اللذين خلوا من قبلكم ولن تجد لسنة الله تبديلا  ( الاحزاب / 62) ، وقال : ﴿ سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله  تبديلا ﴾( الفتح /  23 ) ، وقال تعالى : ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا )  ( فاطر / 43 ) ...
ان حتمية السنن الكونية كما ارادها الله سبحانه هي اعظم حكمة للوثوق في المستـقـبل ، ومعـرفة اتجاهه .. بمعـنى اذا كانت الشروط الموضوعـية التي تتحكم في فعالية القوانين معـروفة ، قد تكون النتائج معـروفة ، وهذا يمنحنا الثقة في أنفسنا أولا ، كما يمنحنا ثانيا امكانية توجـيهها أو توقع حدوثها ..  أما اذ أخطأنا ، فيكون السبب راجعا إلينا ، إما لقصور في المعـرفة أو في التـنـفـيـذ ...  وقد دعانا سبحانه لإدراك هذا التنظيم المحكم بالعـقل عـندما أشار في العديد من الآيات التي تحيل العاقل الى عقـله للتـفـكّـر والتدبـر واليقين بقوله : ( لآيات للعالمين ، لآية للمؤمنين  ، لآيات لاولي الالباب ، افلا تتذكرون ، افلا تعقلون  ، أفلا يسمعون ، افلا يوقـنون ....) . ومنها نتعـلم ان  كل الظـواهـر الانسانية خاضعة لسنن الله بما في ذلك ما يظهـر من اخـتـلاف في الالسن  والالوان بين البشر ..
 ولعل ما يدل فعلا على ان المجـتمعات تخضع في تطوّرها الى قوانيـن علمية محكمة ، هو انتاج نفس الظاهـرة عـبـرالمسيـرة الانسانية الطويلة ، حيث انتـقـلت المجـتمعات البشرية بشكل مماثل من الاسرة الى العشيـرة الى القـبيلة الى الامة .. رغم النشأة المخـتـلفة ، والبيئة المختلفة والطباع المختلفة .. 
ان البحث في الاسباب التي قادت الانسان الى انتاج نفس الظاهرة يمكن أن يكون من خلال التأمل في مضمون النشاط  الانساني الذي نراه يتجه دوما للتحرّر من قيود الحاجة المتجددة ، مستغلا قدرته الجدلية على تصوّر الحلول  لتحقيق حياة افضل .. و لما كان الانسان الفرد غـيـر موجود أصلا بمعـزل عـن المجموعة ، و ان الظروف التي كان يواجهها أكبر من طاقـته ، فانه انصرف يبحث عن الاطـر التي تحميه وتضمن له البقاء على قيد الحياة أولا ، ثم تتيح له امكانيات التطوّر بشكل افضل  ثانية .. وقد كانت الروابط الاسرية والدموية هي الحل الأمثل الذي يتحقق به مزيدا من الحرية للإنسان .. لذلك استمرت تلك الأطر على المستوى الانساني عامة ، وأدّى التفاعل البشري داخلها  إلى إبداع اللغة ..
ان الحصيلة الهامة المترتبة على اختلاف الألسن ، اذا تأمّـلنـاها ، تجعـلنا  ندرك بوضوح بان وجه الإعجاز قد يكون مرجعه الى ما يترتب على تعدّد الألسن من تعدد للأمم التي تملا الأرض قاطبة . فهي تتكون نتيجة مراحل طويلة من التفاعل البشري ، تمثل اللغة  أحد ابرز أدواته . وهي بهذا المعـنى معجـزة حقيقية ، قد تبدأ بالتفاعل والتواصل - قبل ظهور اللغة - عن طريق ما يجري على اللسان من أصوات غـريبة متبوعة بالإشارات  ، إلى أن يكتمل الإبداع الإنساني باكتمال رموز اللغة وأدواتها  ليكونوا بها أقدر على العـيش المشترك والتفاهم . ثم ان الناس وهم يعـيشون واقعهم المشترك ويتواصلون بلسانهم الواحد ، يسهمون معا في صياغة شخصيتهم الحضارية التي تميّـزها عاداتهم وتقاليدهم وثقافـتهم الخاصة ..
 فكيف يحصل كل هذا في الواقع ؟    
خلال المرحلة القـبلية لا تختص القبائل المرتبطة بروابط الدم الحقـيـقـية أو الوهمية  بالأرض . فهي متنـقـلة ، متصارعة ، متقاتلة على مصادر العيش مثل الماء والكلأ  وغيرهما .. ثم مستقـرّة الى ان ينضب عيشها  او ينحصر ، فـتـنازع غـيرها على ما يملك .. واحيانا تترك بعض القبائل الارض دون قتال اذا نضب مورد رزقها او اذا وجدت ظروفا أفضل للعـيش .. وبمثل هذا تقريبا تميّز تاريخ  جميع القبائل التي كانت تملا الارض قبل المرحلة الشعوبية ، فكانت حياتها عبارة عن " صراع الوحدة في مواجهة الاختـلاف " أي وحدة القبيلة في مواجهة القبائل الاخرى .. وهو صراع طويل مرير  تطور بمرور الزمن الى " صراع الوحدة في ظل الاختـلاف " أي التنافس بين القبائل في اطار القبول بالتعايش والتعاون .. فكانت اضافة رائعة تخـرج من رحم المعاناة ، و تؤسّس لمراحل اكثر تقدما ورخاء ... فكانت المرحلة الشعوبية هي المرحلة الأكثر تطورا من المراحل السابقة لسببين . السبب الاول يتمثل في تجاوز التعدّد . اذ ان القبائل المتصارعة لا تلبث ان ينهكها الصراع جميعا  حيث تبدأ القبائل الضعـيفة في التحالف مع من مثلها لتواجه عدوا مشتركا  يهدّد وجودها باستمرار ، فتتحالف وتتعاون وتصوغ فيما بينها علاقات شبيهة بالوحدة ولو ظاهـريا بيـنما لا تزال  مختـلفة ومتمايـزة بما يميـز القبائل  بعضها عن بعض  .. غـيـر ان هذه المصلحة المشتركة تمنحهم المزيد من التفاعل والتقارب الذي سيؤدي الى الانصهار التدريجي ... من خلال التفاعل المستمر الذي سيظهر اثـره في حياتهم بمـرور الوقت  ليشمل كل جوانب الحياة ، من اختلاط رموز اللغة القبلية الى العادات والتقاليد الخ .. وقد يتّسع التعاون والتعايش ليشمل قبائل متعدّدة تعاني من نفس المشكل ، فـيصبح التفاعل بينها قاعدة لحياة جديدة ، لان الغـزو قد ياتي ايضا من اطراف اخرى بعيدة عـنهم فيهدّدهم خطرها جميعا ، فيتوحدون ضدها ، مُـفسحين المجال لنشوء روابط جديدة واسعة ، يتحوّلون من خلالها بشكل بطئ الى شعـب .. وهكذا بمرور الوقت يبرز السبب الثاني متمثلا في ارتباط هذه القبائل الموحّـدة بالارض واستقرارها عليها .. حيث يكون اختصاصها  بها عـنـصـرا جديدا ،  ومهمّا ، لم يكن يميز التشكيلات السابقة التي تمثل الارض بالنسبة لها مجرد عـنـصر استغلال يمكن التخلي عنه  في أي وقت اذا أصبح عائقا امام تطوّرها ، كظهور خطر يهدد وجودها ، أو الوصول الى الندرة التي لا تفي بالحاجة .. في حين اصبحت الارض في هذه المرحلة عـنصرا من عـناصر الوجود ذاته .. يتم الدفاع عـنها من طرف الجميع ، فيقاتلون وينتصرون ويصوغون ملاحم مشتركة وبطولات .. لتتحول  - بعد ذلك  - انتصراتهم الى فن وشعـر وتمجيد الخ .. وقد زاد تطوّر المعـرفة باستغلال الارض وتظافـرالجهـود في حل مشكلة الندرة وقـلة الانـتاج ، في تحقـيـق اضافة رائعة منحتهم مزيدا من الالتحام  بالارض ... معلنة عن تحوّل القبائل المستقرّة الى شعب .. فكانت تلك المرحلة الشعـوبية عبارة عن مرحلة انتقالية من طور محدود الامكانيات ( الطور القبلي ) الى طور أكثر تقدما وتحرّرا (الطور القومي ) ، لان الحياة السابقة قد استـنـفـذت كل طاقـتهم ولم تعد تـفي بالحاجيات المتجددة والمتـزايدة  للامن والغذاء .. وأصبح في قـناعة الجميع ، ولو من خلال الصراع ، ان الظـروف الجديدة افضل بكثير لحل كل المشكلات السابقة ... وتلك هي مراحل الانتقال التدريجي والبطئ لتشكل الامة واكـتمال تكوينها بشطريها وشرطـيها : الارض والشعـب . حيث يكون لسان القوم أو اللغة اضافة انسانية رائعة ، يسهل بها تفاعل الناس وتواصلهم ، فتساهم في صنع استقـرارهم النفسي وقبول الاختلاف والتعايش بينهم حتى يثمر تفاعلهم الطويل في تكوين  تاريخهم المشترك ، وحضارتهم الخاصة .. فيكوّنون أمة مختلفة عما سواها بما يميز الامم  بعضها عن بعض .. لغة وفـنا وعادات وتقاليد وحضارة وتاريخا .. وبذلك كان اختلاف الالسن معجـزة فعلا وآية عظيمة من آيات الله .. حيث تؤدي وحدة اللسان أو اللغة الواحدة الى وحدة المجتمع ، في حين يؤدي اخـتلافها وتعدّدها الى تعدّد المجـتـمعات والأمم .. ولله في خلقه شؤون .. 


( القدس ) . 


الأحد، 22 يونيو 2014

ما الذي يجبر السيسي على تقبيل الرؤوس ..؟



ظهر الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي وهو يستقبل الملك العجوز عبدالله بن عبد العزيز آل سعود داخل طائرته التي نزلت في مطار القاهرة اثناء عودته  من المغـرب .. ورغم أنه كان متوقعا أن يكون اللقاء وديا وحميميا على طريقة السيسي الذي يبالغ في اظهار المجاملة ، الا أنه لم يكن متوقعا على الاطلاق أن يظهر بتلك الصورة المقـزمة والذليلة أمام حكام آل سعود مهما كانت الخلفـية والحاجة الى ذلك ..
والواقع فان تلك الحركة المصطنعة والغـيـر مقبولة من طرف رئيس منتخب بنسبة تفوق الـ 96 % ـ  كما يزعمون ـ  وفي أكبر دولة عربية هي مصر .. التي تمكن فيها ذلك الرئيس من الوصول الى السلطة بعد أن شهدت ثورتين متتاليتين في أقل من سنتين  ، نتج عنهما اسقاط رئيسين يقبعان الآن في السجن .. فما الذي يجعل السيسي ينحنى بتلك الصورة المذلة ؟ وما الذي يجعل السعودية تقف الى جانبه لتسانده ؟ ..

قديما قالها الشاعر العربي عنترة بن شدّاد : لا تسقـنى ماء الحياة بذلة ... بل فاسقـنى بالعـز كأس الحـنظـل .. والسيـسي الذي كان يـراهـن منذ البداية على عـلاقـات مصر بالسعودية والكويت والامارات لا يبدو أنه سيحصل منها على ما يرغب فيه .. وهي تلك الدول المعـروفة في السنوات الأخيرة وحدها بوقوفها الى جانب أعداء الأمة العـربية وطـنا وشعـبا .. فهي التي عملت على تحويل ثوراتها الى فوضى ثم أوغلت في اجرامها لتدمير كل الأوطان  ، بمن فيها و من عليها .. وهي التي سهلت في السابق مهمة الاحتلال الامريكي للعـراق ، ومنحته اراضيها لينطلق منها لضرب  شعب عربي هو الشعب العراقي الذي تم وضعه تحت حكم سلطة عميلة  للاحتلال .. ثم زجوا به حاليا في أتون حرب طائفية قذرة لا يعـرف لها نهاية .. 
وواضح ان تلك الدول تحاول استغلال وضع مصر الذي يشهد صراعا داخليا بين أطراف سياسية متباينة ، لتدعم طرف ضد آخر ليس من أجل تحقيق مصلحة مصر ومساعدتها على تجاوز أزماتها  ، بل من أجل خدمة مصالحها ومصالح حلفائها .. لذلك لا بد أن تتساءل القوى الوطنية والقومية في مصر عن سبب سخاء هذه الدول في تقديم الهبات والقروض على غير عادتها .. فهل سيكون ذلك ثمنا لجرّ مصر الى مربع الرجعـية والتبعـية  من جديد .... ؟


( نشرية القدس العدد 129 ) .

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام ... (10) .

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام ... (10) .

من الواضح ان ظهور أربع أمم مختلفة ، مكتملة التكوين هي إيران وتركيا واسبانيا والأمة العربية بعد تفكك  الدولة الإسلامية ، يمثل دليلا قاطعا على أن الإسلام ـ كدين وعقيدة ـ لم يكن يتعارض مع سنن التطور التي أسهمت في تكوينها على تلك الصورة ، وبتلك الفوارق والاختلافات رغم أن شعوبها  عاشت قرونا طويلة في دولة واحدة ..  مما يعطي الأهمية للعنصر البشري المتمثل في الجماعات والوحدات المكوّنة لكل مجتمع ، لكي تكون المحدّد في تلك النشأة  ..
فالإسلام الذي طبع حضارات تلك الشعوب بطابعه الديني والأخلاقي والقيمي .. من خلال التشريعات التي منحها لها جميعا بنفس الدرجة .. لم يفرض عليها كيفية تفاعلها مع ظروفها المختلفة في إطار تلك المحدّدات العامة ، فكان التفاعل بين الناس وواقعهم هو المحدّد في اختلاف تلك الحضارات والأمم .. وهو ما يؤكّد وجود سنن و قوانين فاعلة قد نجد لها سندا في بعض الآيات القرآنية مثل قوله تعالى  في سورة الروم  : " ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " ..
ولعل تأثير تلك السنن التي جعلت التفاعل الإنساني يثمر اختلاف الألسن ( اللغات ) لا ينحصر في ذلك الجانب فحسب ، باعتبار إقرار الآية بأن اختلاف الألسن هو آية من آيات الله ( معجزة )، إنما يتجاوزه فعلا ليعـبـر عن نفسه بمضامين  أخرى متصلة بها  حتى تكون في حجم ذلك الإقرار ، وهي بلا شك تتمثل في تميّـز الشعوب بتاريخها وحضارتها وثقافـتها الخ   ..
ورغم ابتلاء امتنا بالصراعات والفرقة بعد التجزئة والاحتلال لأراضيها ، فان العارفين بتاريخها  يؤكدون بأن الأمة العربية  كانت مستقـرة على ما أفضى إليه تطوّرها قبل التجزئة الاستعمارية التي فرضت استقلال الأقطار عن بعضها بعد رسم حدودها الوهمية التي لا أساس لها في الواقع .. كما تؤكد الوقائع التاريخية بأن العروبة والإسلام لم يكونا أبدا مجال صراع أو تناحر بين المتنافسين والمتصارعين على السلطة ، بل كانت كل الصراعات التي شهدتها الأمة  تقع في إطار الصراع الاجتماعي داخلها ، حيث تبدأ عادة بالتمرّد في الأجزاء ، ثم تتواصل من أجل السيطرة على الكل .. وكل حسب قدرته ..
وتأكيدا لهذه الفكرة  نجد  الدكتور محمد صالح الهرماسي يوضح في دراسة له بعنوان : ( تونس .. عروبة متجذرة و دور متجدد ) :  كيفية انتشار الإسلام والتعـريب في المغـرب العـربي ، حيث قدم هذان العنصران معا وانتشارا معا ، ثم لم يقع  الرجوع إلى الوراء  بعد ذلك مطلقا .. فيقول :
" .. والعودة إلى التاريخ تؤكد لنا ان انتشار الإسلام كان شاملا وأسرع في بلدان المغرب العربي ، وقد سبق التعـريب زمنيا وخاصة في نطاق شموله . ولذلك فأهل تونس تأسلموا ، ثم تعـرّبوا.  فالإسلام الذي انطلق من مدينة القيراون لفتح بقية المناطق المغاربية وأسبانيا ، أعطى لأهل المغرب رسالة ، نشروها بين البدو في المناطق الصحراوية وعلى الطرق التجارية عبر الصحراءولما كانت لغة الإسلام هي العـربية ، وهي لم تكن لغة رسمية فقط  في الإدارة والدولة ، بل كانت لغة مقدّسة ، فكما يقول علماء الدين : ما لا يتم الفرض إلاّ به يصبح فرضا.
ومن هذا المنطلق ، وبسبب انتشار اللغة العربية كأداة للتخاطب أصبح التعريب شاملاً ، أي أنه تحوّل إلى رابطة لغوية وثقافية ..  وهكذا فالتعريب ارتبط بصورة وثيقة بالإسلام في تونس وباقي البلدان المغاربية ولم تقع البتة حركة ثقافية أو اجتماعية مناهضة للتعريب أو للإسلام بعد انتشاره .. " 
كما إننا لو تأمّلنا في تاريخنا الطويل لوجدنا  الكثير من الأعلام الذين ارتبطت أسماؤهم بمكافحة الغـزاة من أمثال الأمير عبد القادر الجزائري و ابن باديس وعمر المختار والشيخ عبد القادر الحسيني وعزالدين القسام  والشيخ عبد العزيز الثعالبي وغيرهم ..  الذين كانت العروبة والإسلام بالنسبة لهم بمثابة الروح للجسد ، فلا نجد لهم مقولة ، أو تصريحا ، يضع هذا العنصر في مواجهة الآخر ..
لذلك يمكن أن نلاحظ  بان الفرقة والصراع  بين مفهومي العـروبة والإسلام  قد بدأ  يظهر في الواقع مع ظهور حركات الإسلام السياسي التي عملت منذ نشأتها على احتكار الإسلام  لنفسها جاعلة منه مجالا من مجالات الصراع ...
وفي هذا الصدد  ،  نجد  نصا تاريخيا يذكـره الدكتور محمد صالح الهرماسي في نفس الدراسة  للشيخ عبد العـزيز الثعالبي وهو الشيخ الزيتوني المتشبّع بمبادئ الدين الإسلامي والعارف بعمق رسالته الإنسانية الخالدة ، يظهر فيه روحه الوطنية والقومية الخالصة التي لا تجعله يدخر أي جهد في أبرازها بحسب ما يمليه عليه تفاعله الايجابي مع واقعه في ذلك الوقت .. ودون أن يمثل ذلك أي تناقض أو تعارض مع الروح الإيمانية والعقائدية التي نجدها عند شيوخنا الأبرار في ذلك الزمن النقي الطاهر من كل الشوائب التي أصبحت تلوث واقعنا و عقيدتنا وحياتنا في هذا العصر بسبب تلك المفاهيم المغلوطة عن الدين و الدنيا في آن واحد  ...
يقول السيد الهرماسي :
.. ففي مقال له بعنوان « الوحدة العربية في طَوْرِ التحقيق » نشر الشيخ الثعالبي مقالا في صحيفة الإرادة التونسية بتاريخ 11/1/1939 يقول :
لَيْسَتِ الوَحْدَةُ العَرَبِيَّةُ أُمْنِيَةَ كَاتِبٍ مُتَهَوِّسٍ، وَلاَ حُلْمَ مُؤَرِّخٍ، أَوْ خَيَالَ شَاعِرٍ وَاهِمٍ، وَلاَ خَاطِرَةً مُتَرَدِّيَةً فِي ذِهْنِ مَكْدُودٍ، لَكِنَّهَا حَقِيقَةٌ وَاقِعِيَّةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، يُغَالِطُنَا فِي تَصْوِيِرهَا أُدَبَاءُ الفَلْسَفَةِ السُّفِسْطَائِيَّةِ الذِينَ يُكَابِرُونَ فِي الحَقَائِقِ العِلْمِيَّةِ لِغَرَضٍ يَرْمُونَ إِلَيْهِ. وَقَدْ أَفْضَى بِهِمُ الأَمْرُ إِلَى تَجَاهُلِ المَحْسُوسَاتِ التِي لَهَا أَعْيَانٌ وَمُشَخَّصَاتٌ تَحْمِلُ فِي ثَـنْـيَــيْــهَا أَقْـدَمَ تَارِيخٍ للْخَـلِيـقَةِ قَبْلَ أَنْ تَـنْـبُـتَ أُصُولُ الأُرُوبِّيِّينَ فِي ذُرَى البِلاَدِ الآرِيَــةِ                      .  
فالوحدةُ العربيّةُ كيانٌ عظيمٌ ثابتٌ غيرُ قابلٍ للتَّجْزئِةِ والانفصَالِ، يشْغَل قسماً كبيراً من رُقعةِ آسيةَ الغربية وشَطْراً من إفريقيا يَمْتَدَ رأسُهُ في الشرقِ منَ المحيطِ العربي ، ويسير مَغْـرِباً غَـرْباً إلى المحيط الأطلانـتـيكي، ويَضُمُّ في هذا الشطر بين لابَّـتـَيْـهِ نصفَ القارةِ الإفـريقـيـةِ.
العَـرَبُ بِقِسْمَيْهِمْ أُصُولاً وَفُرُوعاً الآهِـلـونَ لِهَذِهِ الأَقْطَارِ الشَّاسِعَةِ الفَاصِلَةِ بَيْنَ آسِيَةَ وَأُورُبَّة مَا زَالُوا حَرِيصِينَ عَلَى عُـرُوبَتِهِمْ وَيَتَفَاهَمُونَ بِلُغَةِ آبَائِهِمْ رَغْمَ كُلِّ مَجْهُودٍ خَارِقٍ بَذَلَتْهُ أُرُوبَّة لِصَرْفِهِمْ عَنْهَا.وَلاَ شُبْهَةَ فِي أَنَّ وَحْدَةَ الرُّقْعَةِ الجُغْرَافِيَّةِ وَاللُّغَةَ وَالدِّينَ وَالتَّهْذِيبَ وَالتَّارِيخَ هِيَ المَجَالُ الحَيَوِيُّ لِوَحْدَةِ الأَجْنَاسِ، إِذَنْ فَجَمِيعُ الظَّوَاهِرِ البَارِزَةِ التِي تُطَالِعُـنَا بِهَا تِلْكَ الأَقْطَارُ المُتَمَاسِكَةُ تَدُلُّنَا دَلاَلَةً قَاطِعَةً عَلَى ثُبُوتِ وَحْدَتِهَا العَـرَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ مُوَارَبَةٍ وَلاَ جِدَالٍ                            .   وَلَنْ نَكُونَ مُجَازِفِينَ إِذَا قُـلْـنَا إِنَّ الأُمَّةَ العَـرَبِيَّةَ آخِذَةٌ فِي الاِسْتِعْدَادِ لِلْقِيَامِ بِدَوْرِهَا التَّمْدِينِيِّ الذِي تَخـَلّـَفَتْ عَنْهُ بِضْعَةَ قُـرُونٍ تَحْتَ تَأْثِيرِ نِظْرَةٍ خَاطِئَةٍ كَانَتْ وَبَالاً عَلَيْهَا. وَلَيْسَ مِنَ الهَيِّنِ أَنْ تَظَلَّ أُمَّةٌ يَبْلُغُ تَعْدَادُهَا عَشَرَاتِ المَلاَيِينِ مُنْكَّسَةَ الرَّأْسِ إِلَى الأَبِدِ ، وَهيَ القَابِضَةُ بِيَدِهَا مَفَاتِيحَ خُطُوطِ المُوَاصَلاَتِ وَمَعَابِـرَ المَدَنِيَّاتِ وَلاَ يَنْـقُـصُهَا غَيْرُ قَلِيلٍ مِنَ الصَّلاَبَةِ وَالاِدِّكَار ..
 كما يذكر الدكتور الهرماسي تأكيد الدكتور سالم لبيض أستاذ علم الاجتماع في جامعة تونس على فكرة الهوية الشعبية السائدة في المجتمع وهي الهوية الجامعة للعروبة و الإسلام ، وبين هوية نخبوية مصطنعة ، لا شعبية ،  فلا هي عربية و لا هي إسلامية .. !!
يقول الدكتور سالم لبيض في هذا السياق : " أن الهوية في تونس عبر حقبات عديدة من تاريخها المعاصر، مثّلت معركة حقيقية بين نخبة الجماهير التي تتمثّل الهوية ، كما يتمثّلها عامة الناس ، عربية إسلامية ، ونخبة تعبر عن نفسها، وهي تشحن الهوية بالمضامين التي تبتغـيها ، فيمكن أن تكون فرنكفونية أو متوسطية أو إفريقية ، أو حتى رومانية أو قرطاجية قديمة . لكن لا ينبغي أن تكون عربية إسلامية " ..
واليوم ابتــُــليـنا بقوم يريدونها هوية إسلامية معادية للعـروبة مستنزفة لها ومفـرّقة للوحدة التي بناها المسلمون أنفسهم حينما خرجوا ينشرون الإسلام  ..
ويقول الدكتور الهرماسي في نفس الدّراسة متحدّثا عن العلاقة منذ البداية بين العـروبة و الإسلام في المغرب العربي :
" مع انتشار اللغة العربية بين القبائل البربرية ، توسعت دائرة القبائل المستعـربة ، فاختـرقت بذلك الفكرة الإسلامية التي تربط العـروبة باللغة إطار النظرة القبلية " ..
وقد ذهب الكاتب أكثر من ذلك معتبرا أن عروبة الإسلام هي التي أصبحت  متأكدة بعـروبة الدّاعي ولغة الدّعوة  كما قال ، لان الإسلام  ـ ببساطة ـ لم يشهد ذلك الانتشار إلا بالمجهود البشري الذي عمل على نشره بين الشعوب والقبائل السائدة  في ذلك العصر ..

( القدس ) .


الأحد، 15 يونيو 2014

الحقيقة الغائبة ..!



لا أحد يجزم الى حد الآن بتفاصيل ما حدث خلال الايام الأخيرة داخل العراق حين استفاق العالم بين عشية وضحاها على سيطرة تنظيم داعش المعـروف بالدولة الاسلامية في العراق والشام على أكبر المحافظات الواقعة في شمال وشرق العراق ، وتضم الموصل وكركوك وصلاح الدين وتكريت بالاظافة الى محافظة الأنمبار الموقع الاصلي للتنظيم .. أو هذا على الأقل ما كانت تروّجه بعض وسائل الاعلام في بداية الأحداث .. وهو ما أثار كثيرا من الاسئلة الجدية حول حقيقة الأخبار ، لعل أهمها المتعلق بانسحاب القوات النظامية من شرطة وجيش البالغ عددها في مدينة الموصل وحدها آلاف الأفراد دون أي مقاومة .. وفيما يخص العدد أيضا يتعلق الغموض بتنظيم داعش الذي قيل أنه قام بالسيطرة على تلك المناطق الشاسعة في حين أن عدد افراده لا يتجاوز المئات .. !!
ثم سرعان ما تواترت الأحداث حول مشاركة واسعة للجيش العراقي السابق المنتشر بالآلاف في جميع محافظات العـراق والذي ينظوي معظمه تحت تنظيم حزب البعث وبعض الفصائل الاخرى مثل جيش الطريقة النقشبندية .. ولهاذ السبب تتحدث هذه المصادرعن ثورة شعـبية مسلحة تقودها فصائل المقاومة العـراقـية  .. وتعـتمد على تصريحات عدد  من الرموز البعـثـييـن المعـروفـيـن من بينهم صلاح المختار القيادي في جبهة الجهاد والتحرير العـراقـية ، الذي أفاد في اتصال هاتفي بقـناة المستقلة ، أن ما يتم ترويجه حول تنظيم داعش لا علاقة له بالواقع ، نافيا أن يكون لهذا التنظيم الدور الاساسي فيما يجري من أحداث ، وأن الايام المقبلة حسب رأيه ستكشف الكثير من الحقائق ..
وبهـذا تكـون الأحداث مفـتـوحة على جميع الاحـتمالات وسيـبـقى الجميع في انتظار ما سيظهـر من تطوّرات ... 
 ( نشرية القدس العدد 128 ) .