بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 يونيو 2013

الاختلاف ، درجة من درجات التكريم ..

                      الاختلاف ، درجة عالية  من درجات التكريم ..

لقد خلق الله  بن آدم ( الانسان ) وفضله على كثير مما خلقه تفضيلا ..  يقول تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً  ( الإسراء/ 70 ) . 
مطلق التفضيل الذي يقصده الله وخص به عباده لا يعلمه الا هو ،  لكن عندما نتأمل في أسرار هذا الانسان المفضل عند الله على بقية خلقه ، نجد  ترجمة حقيقية لهذا التفضيل تتمثل في ملكة التفكير التي منحها له الله .. اذ الانسان كائن عاقل .. مفكر .. متذكر .. متصور .. فاهم  للواقع  والظروف .. مبدع للحلول .. منفذ لها بالعمل على مسؤوليته .. وبقدر اجتهاده اما فاشل في مسعاه .. او ناجح .. فمغـيـر لما حوله وما بنفسه ﴿ ان الله لا يغـير ما بقوم حتى يغـيـروا ما بأنفسهم ) (الرعد / 11) ..
باختصار : الانسان كائن  حر، متطور بفضل تلك القدرات التي وهبها الله له .. ولذلك هو افضل الكائنات .. والموجودات جميعا ،  فقضى سبحانه ان يكون البشـر مختلفين  بسبب تلك الملكات التي منحهم اياها ، وهي ارقى درجات التكريم ، لانهم لو لم يكونوا كذلك لاصبحوا كالقطعان ، لا يتميّز أحدهم عن الآخـر الا بألوانهم  وأصواتهم ، أو بسمينهم وضعيفهم الخ ... ووقتها ستفقد الحياة الدنيا أي معـنى، وكذلك الآخـرة ...  بينما صار الانسان  ـ بهذه الصفات  ـ مسؤولا عـن اعماله .. فتطابقت عظمة الله في خلقه مع حكمة الله  وعدله :  حين خلق انسانا حرا في اعماله ، عاقلا مفكرا ،  ثم زاد سبحانه بان اتى لعباده بالبرهان ، فاقام عليهم الحجة  حين بعث الرسل وبيّن لهم وفصّل ، ورهّب و رغّب ، وهو الغني  عـنهم جميعا ،  قال تعالى :﴿ وان تكفروا فان لله  ما في السماوات وما في الارض  وكان الله غـنيا حميدا ﴾ ( النساء / 131 ) .. وقال : ( وما كنا معذبيـن حتى نبعث رسولا ) ( الاسراء / 15 ) .. ثم تركهم يختارون مصيرهم ، وبذلك استحق  كل انسان ان يحاسب على ما كسبت يداه .. على غـرار ما جاء في العديد من آيات الذكر الحكيم :
( واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون ) ( البقرة / 281 ) .
﴿ فكيف اذا جمعـناهم ليوم لا ريب فـيه ووفيت كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون ) ( آل عمران / 25 ) .
﴿ لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( ابراهيم / 51 ) .
﴿ ان الساعة آتية أكاد أخفـيها لتجزى كل نفس بما تسعى )  ( طه / 15 ) .
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ  ( المدثر / 38 ) .
﴿ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء ) (آل عمران / 30 ) .
﴿ ووجدوا ما عملوا محضرا و لا يظلم ربك أحدا ) ( الكهف 49 ) .
﴿ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليه ما اكتسبت ﴾ ( البقرة / 286 ) .                                     

صدق الله العظيم .
ولله في خلقه شؤون ..

( القدس عدد 77) .

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (6) .

                 بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (6) .


العروبة هي ذلك الوضع الذي انتهى اليه تطور مجتمعـنا العـربي بعد 14 قـرنا من التفاعل الحـرّ بين جميع مكوناته العـرقـية والاثـنية ، القبلية والشعوبية التي تكونت على مر العصور ، وعلى امتداد الوطن العربي بين المحيط والخليج .. فهو مجتمع يضم كل من عاش في ربوعه واسهم مع غـيره في صنع نسيجه الحضاري في ظل الاسلام الذي اسهم بدوره في توحيد كل المكوّنات الموجودة عند دحول الفاتحين .. وقد مثلت اللغة العـربية التي جاء بها القرآن ، وسيلة  للتواصل والتفاعل حتى صاروا على مدى تلك الحقب الطويلة امة واحدة ، لها ماض وحاضر ومستقبل ، وآمال مثل غيرها من الامم ...
أما الاسلام فهو دين ذلك المجتمع الذي بدأ جـنـيـنيا في دولة المدينة منذ ان بناها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وجعل لها دستورا ينظم الحياة بين جميع مكونات تلك الدولة الناشئة التي أرسى اسسها على الانتماء للوطن .. معـبرا في نفس الوقت عن تعدّد المنـتـمـيـن دينيا وعـرقـيا ، فكان ذلك ايذانا بقـبول الاسلام  للتعايش والاختلاف ممهّـدا الطريق للوحدة التي قامت على ذلك الاساس لاحقا عـندما تمدّدت دولة الاسلام وشملت شعوبا كـثـيـرة ، وقـبائل تفاعلت في ظل المحبّة والاخوّة الدينية التي زرع  بذورها بـيـنهم ، ومنحهم  لغة القرآن للتواصل حتى صاروا أمة مسلمة ..
هكذا عاش اجدادنا على مدى قرون طويلة يدافعون عن العـروبة في ظل الاسلام ، كما يدافعـون عن الاسلام  في ظل العـروبة ، لان شخصيتهم الحضارية السوية التي لم تـتشوّه بالشوائب التي عرفتها المدنية الحديثة .. و لم تتسرب اليها تلك المفاهيم المشوّهة لتاريخ الشعوب والأديان ، انما تكونت لدى العامة على اساس شعورهم الطبيعي بالانتماء الى الوطن والدين ..
فمن المعروف أن الوطن العربي قد شهد حملات متتالية على مدى قرن كامل من الزمن أولها الحملات الصليبية ، ثم حملات التتار .. التي تصدى لها كلها قادة عظام أدركوا مفهوم الامن القومي ، ودور الوحدة في صنع النصر ، فلم يتردّدوا في تحقيق شروطه ، وأولهم صلاح الدين الايوبي قاهر الصليبيين الذي واجه اعداءه بعد أن سعى لتوحيد أقطار الامة المتفرقة ، حين قام بضم جيوش الشام الى مصر واليمن ، للخروج بها تحت قيادة واحدة .. ورغم دحـر الغـزاة بعد ذلك في آخر المعارك سنة 1291م في عكا بلبنان ، فان الغـرب لم يكفوا عن التفكير في الرجوع للسيطرة على الوطن العربي ، لعل أهمها حملات نابليون بونابرت على مصر وبلاد الشام سنة 1798م ، والتي تبعـتها موجات استعمارية جديدة انتهت في مطلع القرن التاسع عشر الى تقسيم الوطن العربي الى دويلات ضعـيفة ، لا تـقـدر الواحدة منها عـلى البقاء الا محتمية بمظلة المستـعـمـر ... وطوال تلك الأحداث لم نرى انقساما  في صفوف  العرب حول مفاهيم تتعلق بالدين والوطن الا بعد ظهور حركات الاسلام السياسي خلال النصف الاول من القرن العشرين ..  حيث كان المجاهدون يدافعون عن العروبة والاسلام ككل متكامل لا يتجزأ .. فهو دفاع عـن الاسلام حينما يشعـرون بالعدوان على الدين ، وهو دفاع عن العـروبة حينما يرون خطرا على وحدة الامة واستهدافا للغـتها وتاريخها وتراثها وحضارتها بشكل عام .. وهؤلاء  لا يعـرفون أنصاف الحلول .. ولا يعرفون ولاءا  لغـيـر الله والوطـن ..
اولائك نذكرهم فـنتذكر مواقفهم العظيمة وأقوالهم الخالدة ..
نذكر على سبيل الذكرالمجاهد عمر المختار ومقولته الشهيرة " نحن لا نستسلم ، ننتصر أو نموت " .. ونذكر  مقولة الشيخ بن باديس وهو يجاهد ضد المستعمر الفرنسي في الجزائر" والله لو قالت لي فرنسا قل لا اله الا الله ما قلتها " ..
ونذكر ايضا عزالدين القسام الذي رفض  منصب القضاء في سوريا تحت مضلة المحتلل الفرنسي ، والذي قاد اول مسيرة احتجاج ومساندة لليبيا ضد الاحتلال الايطالي وهو القائل " إن كنتم مؤمنين فلا يقعدنّ أحد منكم بلا سلاح وجهاد"..
كما نذكـر من هؤلاء الرجال الاشدّاء  : الشيخ عبد القادر الحسيني القائد الذي استشهد وهو يقاوم العصابات الصهيونية في معارك غـير متكافـئة لمدة ثمانية ايام ، والذي عاش يقاوم جميع انواع المستعمرين  في سوريا وفلسطين والعراق ومصر ..
ونذكر كذلك عبد العزيز الثعالبي ومواقفه القومية وهو الذي طاف كل أنحاء الامة مدافعا عن قضياها ، فكان تنقله بين المغرب والمشرق خير دليل منه على ايمانه بوحدة قضاياها ومصيرها  ..
وهؤلاء جميعا هم انصار العـروبة والاسلام ..
اما في أيامنا ، فان الجهلة ابتدعوا بدعة جديدة لم يعرفها الاولون ، وهي معادات العـروبة بالاسلام ، وهم في الواقع لا يفعلون سوى تـفـتـيـت الامة باثارة صراعات وهمية بين مكوناتها التي تمثـل مرتكزات اساسية يقوم عـليها توازنها ، بعد أن استقر عليها وجودها واكتمل ، فصارت بها مجتمعة امة عربية مسلمة .. 
 ( القدس عدد 77 ) .

قانون تحصين الثورة : تسمع جعجعة ولا ترى طحينا ..

          قانون تحصين الثورة : تسمع جعجعة ولا ترى طحينا ..

بعد كل هذه المدة من عمر الثورة والانتخابات و الحكومة من بعدها ، و القرارات لم تتجاوز الشعارات ، وهوما يعـبر عن أزمة حقيقية في غياب الحلول القادرة على احداث تغيير فعلي بعـيدا عن المزايدات ، و البروبقاندا السياسية الفارغة من أي محتوى .. حيث انحصرت أهداف الثورة عـند الائتلاف الحاكم في عـزل انتقائي يجزأ المراحل والادوار ، فـيكيّـف قانون التحصين للمنفعة قبل كل شيئ على غرار ما جاء في الفصل الثاني باعتبار الثاني من أفريل 1989 كنقطة انطلاق لتاريخ العـزل ..  أي بعد حوالي سنتين من حكم الرئيس المخلوع في محاولة مكشوفة لمسح الفترة التي شاركت فـيها حركة النهضة في الانتخابات ، بعد ان وقّعت على الميثاق الوطني في قصر قرطاج .. كما شهد القانون العديد من الثغـرات على غرار استثناء  رؤساء الشعـب والمسؤولين في مجلس المستشارين و منهم محافظ البنك المركزي الذي وقعت تزكيته من طرف الحكومة و نوابها في المجلس التأسيسي وسط انتقادات شديدة السنة الماضية ..
و لعل اختصارمحاسبة التجمعـيـيـن الى حد الآن في اصدار قانون تحصين الثورة بصورته الحالية الى جانب امكانية مقايضته بالاعتذار كما عـبر عن ذلك قادة أحزاب الترويكا ، و في ظل هيمنة حزبية و غياب كلي لدولة المؤسسات التي تضع حدا لتدخل الافراد و أهوائهم ، فاننا نسير بالفعل في طريق انتاج نفس المنظومة الاستبدادية التي لا تتغـير فيها منظومة الحكم بقدر ما تـنـتقـل فـيها الهـيمنة من حزب الى آخـر.. وهـنا يمكن طرح عدة اسئلة على الحكومة و المجلس التاسيسي الموالي لها ، فضلا عن أنصارهم المتحمسين لهذا القانون :
 - هل يقتصر تحصين الثورة على اقصاء بعض التجمعـييـن من الحياة السياسية أو بمجـرد تقديم اعتذار للشعـب ؟ 
 - الى متى يتواصل تغييب العدالة الانتقالية ، فيستمر غلق ملفات الفساد ، ويفلت المذنبون الى حد الآن من المحاسبة ؟  - هل سنحصّن الثورة بمساومة رجال الاعمال الفاسدين الذين تضاءل عددهم من عددة مئات الى بضع عشرات فقط .. ؟ - أين التنمية و العدالة الاجتماعية بين الافراد و الجهات ؟ اين المشاريع ؟ أين التشغـيل ؟ أين حقوق المواطن في الصحة و التعليم ؟
أين الفصل بين السلطات ؟ أين الهيئات الضامنة لاستقلالية المؤسسات و الحريات ؟
أين الضمانات الحقيقية لنجاح الانتخابات في المستقبل و وضع حد للاستبداد .. ؟

الا يعـني غياب كل هذه الاهداف المستحقة أن أنصار قانون تحصين الثورة يعملون وفق المثل القائل : تسمع جعجعة    ولا ترى طحـيـنا ..؟ 

 ( القدس عدد 77 ) . 

الاثنين، 17 يونيو 2013

من مصر عاصمة الوحدة : عملاء الامة يتآمرون على سوريا.

        من مصر عاصمة الوحدة : عملاء الامة يتآمرون على سوريا..


ارتكب الصهاينة عشرات المجازر الوحشية في لبنان وفلسطيين ، وقـتـلوا الابرياء ، وشّـردوا السكان الآمنين ، واستعـملوا ضدهم جميع انواع الاسلحة التي شوّهت اجسادهم ، وهدموا البيوت على الاطفال والشيوخ .. وعاثت امريكا فسادا في افغانستان ، وتم حرق المسلمين أحياء في بورما ، ولم يجتمع شيوخ الفـتـنـة كما اجتمعـوا اليوم ضد سوريا العـربـيـة المسلمة .. كما ضربت امريكا العـراق برا وبحرا وجوا بالقـنايل العـنقـودية والاسلحة الفـتاكة ، وهُجّـر اهله ، واُنـتُـهكت أعـراضهم ثم احـتـلوه في وضح النهار وجثموا على صدور ابنائه بعد ان دمّروه ونهبوا تراثه الحضاري ، وثرواته .. فاين كان هؤلاء الشيوخ ؟ ولماذا لم تستيقظ ضمائرهم ليعـلـنـوا النفـيـر و الجهاد كما اعـلنـوه اليوم ....؟  
ألم يكن الكثيرون منهم يقيمون في الدول التي تحتضن القواعد العسكرية التي ينطلق منها العـدوان ؟ ألم تمتلئ اراضي العرب والمسلمين  في الخليج  العربي بالغـزاة حتى صار عدد جـنود المارينـز في بعض الجزر العـربية أكثر من السكان الاصليين .. ؟  ثم لماذا يتحرك هؤلاء الشيوخ تحت مظلة الانظمة الرجعـية التي تتعامل مع العدو الصهيون وتقيم معه العلاقات الاقتصادية والمعاهدات سواء من انظمة الخليج أو الاردن ومصر وتركيا .. ؟ ولماذا يأتي التصعيد باطلاق الفتاوي الداعية للجهاد  من ناحية واعلان مصر لقطع العلاقات مع سوريا وغلق السفارات ، و السماح لمواطنيها بالذهاب الى سوريا  من ناحية ثانية ، متزامنا مع اعلان الولايات المتحدة عن استعدادها لتسليح المعارضة واقامة منطقة حضر جوي على الحدود مع الاردن وتركيا ؟ 
انها تساؤلات وجـيهة لا شك ان كل اجابة عـنها تؤدي الى فضح هذا الحلف الرجعي الذي اصبح يبني كل مواقفه و تصرفاته على الاكاذيب على غرار ما يردّدونه الى الآن  بأن النظام يرتكب المجازر ضد الشعب  وهي اكبر كذبة يروجون لها للتستر وتضليل الناس حيث لم تعد اي وسيلة من وسائل الاعلام تنقل الحراك الشعبي في سوريا منذ أشهر عديدة ما عدى وسائل الاعلام القطرية والسعودية .. لان ما يحدث في المدن هو صراع مسلح بين الجماعات الارهابية المدعومة من الخارج  والجيش ، في غياب المواطنين الذين اكتووا بالمآمرة أولا فانقـلبوا على المشروع الكاذب للارهابيين ، وهو ما يفسر نجاح النظام في التغلب على الحركات المسلحة بعد ان تفرغ لمقاومتها عـندما كف المواطنون عن الاحتجاج .. ثم هُجّـروا بالكامل بعد ان اصبحت حياتهم لا تطاق في مناطق القتال .. وهي فوضى كان السبب الاول والاخير فـيها هؤلاء الارهابيون الذين حوّلوا الحراك السلمي الى عـنف و فوضى ظنا منهم انهم يستطـيعون تكرار ما حدث في ليبيا للوصول الى السلطة ...
أما المغالطة الثانية التي تلقـفـوها جميعا تعميما للفـتـنة الطائفية هي تشديدهم على عدم شرعية تدخل حزب الله في الصراع الدائر في سوريا .. متـناسين أنهم يتدخلون منذ بداية الصراع بجمبع الوسائل .. فهم الذين جلبوا الجماعات المسلحة ونظموا شبكات تهريب المتطوعين حتى صاروا بالآلاف و توزعوا على أكثر من ثلاثين جنسية .. ووظفوا الدعاة لأقناع البسطاء "بالجهاد " ثم سمحوا لهم بالتسلل عـبر حدودهم ، اضافة الى دعمهم بجميع الوسائل وأولها المال والسلاح  ، لتحقيق مشروع تفتيت سوريا الذي كان يطبخ في الخارج ولا يزال ، حتى ينام الصهاينة آمنـيـن ... !! 



 ( القدس عدد 76 ) .

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (5) .

                     بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (5) .


كثير من الناس في مجتمعـنا من الذين يناهضون العـروبة بالاسلام  يجهلون تاريخ الشعـوب ، ولا يعـرفون سنن الخلق وقوانين تطوّر المجتمعات .. كما نجد الكثيرين منهم يرفضون مجرّد الاطلاع على ما انتجه العقل البشري من أفكار في العديد من فروع المعرفة كالفلسفة وعلم الاجتماع  والمنطق بدعوى انها تقود الى الكفر والالحاد .. وهي نفس المدرسة التي قامت بتكفير بن رشد ونفيه وحـرق كـتبه خلال القرن الثاني عشر الميلادي ، كمؤشر على صعود ذلك التيار الرجعي الذي نجح في القضاء على دور العقل ، وتجفيف منابع التفكير ، وهو ما أدّى في النهاية الى تردّي الأمة في عصور الانحطاط ...
وقد لا يختلف الامر كثيرا في عصرنا ، اذ أن الذين يرفضون الاعـتـراف بالواقع القومي  ، هم كثيرا ما يعودون لترديد نفس الخطاب الجاهلي التكفيري رغم ما تمثله هذه الظاهـرة الانسانية العظيمة من دلالات لا تخلو من اعجاز ..
ففي مجال الفكر عامة يقول اين عثيمين في مجموع الرسائل والفتاوي : " الفلسفة بحث يوناني مستقل يتعمق فيه أصحابه حتى يؤول بهم إلى تحكيم العقل ، وردّ ما جاء في الكتاب والسنة ، والفلسفة على هذا الوجه منكرة لا يجوز الخوض فيها .. "
وبعد هذا النفي والرفض للفلسفة نجده يعود لتسطيح مفهوم الحكمة : " وأما الفلسفة بمعنى الحكمة فهذه موجودة في الشريعة الإسلامية والشريعة الإسلامية كلها مبنية على الحكمة .. لكنه لا ينبغي أن نقول عن الحكمة الشرعية أنها فلسفة ؛ لأن هذه الكلمة يونانية ، بل نقول عن الحكمة الشرعية :  ما من شيء في الشرع إلا معلل ، لكن من الحكمة ما نعلمه ، ومنها ما لا نعلمه ؛ لأن عقولنا قاصرة .."
أما بالنسبة للفكر القومي ، فيقول ابن باز في فتاويه : " من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة ، وخطأ عظيم ، ومنكر ظاهر ، وجاهلية نكراء ، وكيد للإسلام وأهله " .. ويضيف : " هذه دعوة جاهلية ، لا يجوز الانتساب إليها ، ولا تشجيع القائمين بها ، بل يجب القضاء عليها  " ..
لماذا .. هل الانتساب الى قوم يكون بمحض ارادتنا ..؟؟
فكيف نفهم اذن  قوله تعالى : "  وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " ( الزخرف 44 ) ..؟؟  
يقول الطبري في تفسيره لهذه الآية : " ان هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك .... وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه ، وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه ، وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه .. ؟.
ان المتعمق في دلالة هذه الآية ، ووفقا للتفسير الذي جاء فيها يدرك أمرين مهمين :
الأمر الأول اختياري ، ويتعلق بالايمان ، ثم بالعمل بكل ما جاء من تعاليم في هذا الدين ..  لذلك سيحاسب كل انسان على هذا الاختيار ..
الامر الثاني ليس للانسان اختيار فيه  ، لذلك كان في التكليف بالرسالة تشريف للرسول صلى الله عليه  ولقومه ، دون أي تناقض لهذا الجانب مع الآخر ..
وعل هذا الاساس نفهم الواقع المسلــّــم به منذ نزول الوحي ، حيث كان الانتماء إلى الإسلام ولا يزال اختياريا بالدرجة الأولى . قال تعالى : " قل الحق من ربك فمن شاء فـليـؤمن و من شاء فـليكـفـر " . ( الكهف / 29 ) .
أما الانتماء إلى العـروبة أو إلى غـيرها من الانتماءات القومية أو القبلية ، فلا يكون خاضعا لأي اختيار . لذلك اعـترف القرآن مبكرا بهذا الوضع الذي بدأ بتـعـدّد  الأسر حـتـى وصل إلى تعـدّد الأقوام والأمم .. قال تعالى : " و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " . ( إبراهيم / 4) .. وهو ما يؤكد كذب  كل من يدعي بان الاعتقاد في الانتماء القومي أو الحديث عنه " كفر " أو " منكر " لان الكفر خاص بمسائل ايمانية اختيارية ، وليس بمسائل خارجة عن ارادة الناس ، فمن منا اختار انتماءه الى اسرة ، أوالى قبيلة ،  أوالى قوم ..؟؟
إن العـروبة بهذه المعاني البسيطة هي علاقة انتماء إلى وضع تاريخي ، نشأ في ظـروف معـينة كان الإسلام أحد العناصر الفاعلة فيها ، وانتهى خلال حقب طويلة من التفاعل والتطور ، إلى ظهور مجتمع متميز في كل شئ وليس ممتازا في أي شئ عـن بقية المجتمعات الأخرى : الأوروبية والإفريقية والآسيوية ، التي تطورت بدورها في ظروف خاصة لتتحوّل إلى أمم شتى ، أخبرنا الله أن أكرمها عـند الله أتقاها .. وهذا ينطبق حتى على المجتمعات التي كانت منضوية يوما ما تحت سقف دولة واحدة هي دولة الخلافة ، مثل ايران وتركيا واسبانيا ..
أما الإسلام فهو علاقة انتماء إلى وضع الهي ، غـير خاص بالعـرب وحدهم  ، وغـيـر محدود في الزمان والمكان .. وهو دين موجه للناس كافة ، في جميع العصور ، يستطيع من يشاء من عباد الله ان يختاره دينا  فيصبح فردا من المسلمين .. وكما يمكن ان يكون العربي مسلما ، يمكن أن يكون المسلم منتميا إلى أي مجتمع من المجتمعات التي تملأ الأرض ، دون أن يكون هناك تناقض بين الانتماء الى الدين والانتماء إلى الوطن ..

 ( القدس عدد 76 ) . 

الاثنين، 10 يونيو 2013

اجتياح لبنان .. وجع في الذاكرة ...

                         اجتياح لبنان .. وجع في الذاكرة ...

سنة 1969 نجحت ثورة يوليو في جمع ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية و ممثلين عن لبنان لتوقيع ما سمي في ذلك الوقت " باتفاق القاهـرة " الذي منح الفلسطينيين حق التواجد في لبنان و حق امتلاك السلاح للدفاع عن النفس ، الى جانب حقهم في الدفاع عن فلسطين ... 
و بعد عشر سنوات و بالتحديد في سنة 1979 ، أبرمت مصر معاهدة السلام المشؤومة مع الصهاينة ، معـلنة بذلك ليس مجرد الخروج من دائرة الصراع العـربي الصهيوني ، بل وانحيازها للعدو بعد ان كانت تقود معارك الامة على مدى عقدين كاملين ..
وفي الواقع فان تخلي مصر عـن دورها الريادي كان انتكاسة كبيرة و نكسة حقيقية فاقت خطورتها و انعكاساتها ما نتج عن نكسة 5 جوان 1967 التي تمكـنت مصر بعدها من محو آثارها و تجاوزها عـندما خاضت ضد عدوّها حربا طويلة تمثلت في حرب الاستـنـزاف ، ثم انتصرت علـيه في حرب أكتوبر سنة 1973 ... ولعل من تداعـيات تلك المعاهدة شعور  العدو الصهـيوني بالامان من جهة مصر ، فأقدم على اجتياح لبنان في 6 جوان سنة 1982 في غفلة من العالم الذي كان منشغلا بمتابعة تصفيات كأس العالم باسبانيا ..
لقد كان غـزو لبنان عملا عسكريا بربريا  ذهب ضحيته آلاف الشهداء و المشردين ، واستهدف تصفية المقاومة الفلسطينية التي تم اخراجها من بيروت الى العواصم العـربية .. كما تم  تدمير لبنان بأكمله و اشعال نيران  الصراعات الطائفية التي لم تخمد على مدى عقود ...

( القدس عدد 75 ) .

استرجاع القصير وأحداث تركيا : اثنان في واحد ..

              استرجاع القصير وأحداث تركيا : اثنان في واحد ..

لم يكن يخطـر ببال أحد من المراقبين سواء داخل تركيا أو خارجها أن تحدث تلك الهبّة الشعـبـية العارمة العـفوية وما رافقها من مواجهات دامية على مدى أسبوع .. كما لا يستطيع أحد أن يتكهّن بتطوّرات الاحداث وانعكاساتها ليس على تركيا وحدها ، بل على المنـطـقة بأكملها .. ولعل أولى الانعـكاسات السيئة ستـكـون على مستـقـبل أردغان " الحكيم "  وحلفائه الذين لم يدّخـروا جهدا في تزيـيف الواقع لاظـهاه بمظهـر أسطوري ، و بالخصوص في وسائل الاعـلام القطـرية و السعـودية التي اصطفت وراءها أحزاب تعـيش على وهم " النموذج التركي " للحاكم " العادل " الذي لا تشوبه شائبة .. وهي تـتسابق اليه لتـقـديم الولاء ، حـتى جاء التـكـذيب من الشعـب التركي الذي لا يقـدر أحد على اتهامه بالخـيانة أو بالغـباء .. و الواقع فان حلفاء أردغان من الاخوان المسلمين و أنظمة الخلـيج ، و كثيـر من الدول الغربـية ، هم في وضع لا يحسدون عـليه بسبب مواقـفهم المساندة  للارهاب في سوريا بدعوى رفضهم  للدكتاتورية ، في حـيـن يجدون حليفهم  يتعـرض لرفض شعـبي  يطالب باسقاط  حكومته ، و يندّد بخياراته الفاشلة ، وهو يردّ باستعمال القوة ضد شعـبه كما فعـل غـيـره من الحكام المغـضوب عليهم .. مما أدى الى سقوط الشهداء من بين المحتجين ، فضلا عـن مئات المصابين والموقوفـيـن  ..
هكذا كان يمكن ان تكون أحداث تركيا أبرز حدث في المنطقة لولا التطوّرات في سوريا ، واهميتها القصوى متمثلة في استـرجاع مديـنة القـصيـر الاستراتـيجـية بالنسبة  لمستـقـبل الصراع في سوريا .. والتي يمكـن ان تجعل بعض الدول العـظـمى تغـيـر مواقـفها التكـتـيـكـية في ظـرف وجـيـز ، و تقـبل بالشروط الروسية  الداعـية لحضور كل من سوريا و ايران في مؤتمـر جينيف 2 الشهـر القادم ، بعد أن كانت هذه الدول تدعـو لتسليح الارهابيين ، و ترفض أي حل يكون النظام طرفا فيه .. 

 ( القدس عدد 75 ) .

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (4) .

                      بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (4) .


بعد مراحل طويلة من الصراع الاجتماعي والتفاعل والاستقرار في ظل دولة الخلافة شهد التاريخ مولد الامة العربية وأصبحت  حقيقة وجسد حي لا ينكره إلا جاهل بالتاريخ البشري ، والسنن الكونية .. 
بل أن بعض الناس يعـتـرفون بالوجود القومي لكل الامم التي استطاعت ان تحافظ على وحدتها ، ولا ينكرون ذلك الا على الامة العـربـيـة التي صارت مجزئة بعد وحدة دامت قرونا عديدة .. 
فهل أن كل ما حدث على مدى آلاف السنـين من تفاعل وتحوّلات داخل المجـتـماعات البشرية كان مجرّد صدفة ؟ أم أن الاسلام قد جاء ليضع حدّا لهذا التطوّر الصاعد ..؟
أبدا .. فأبسط الطلاب في المعاهد الثانوية والجامعات يعـرفون - اليوم - القوانين التي تحكم حركة الظواهر في هذا الكون ، حيث لا يحدث شيئا صدفة ودون قانون ، من أصغـر الذرّات الى أكـبـر المجرّات .. وهو ما ينطبق أيضا على حركة المجتمعات التي تخضع بدورها للسنن الكونية ، حيث كان تطوّرها يسير في كل أنحاء المعمورة على وتيرة واحدة .. قال تعالى :  " إنا خلقـناكم من ذكر وأنثى وجعلـناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكـرمكم عـند الله أتقاكم " ( الحجرات / 133 ) .
فمنذ أن وجد الإنسان على وجه البسيطة اقـتـضت حكمة الله ، ومشيئته ان تكون نشأته داخل الأسرة . فكانت العلاقات الدموية هي الرابطة الأولى بين الناس .. وبتـعـدّد الأفراد والاسر نشأت العشيرة ثم القـبـيلة  واتسعـت الروابط الدموية لتكون اساس العلاقات داخل تلك المجتمعات ..  وهكذا كان لا بد للعصبية إن تظهـر داخل الأسرة أوّلا ثم داخل العشائر والقبائل كـنوع من الإحساس بالانـتماء البدائي لا يزال موجودا إلى الآن داخل كل الجماعات ..
والعصبـية كما عـرّفها بن خلدون غـير التـعصّـب ، بل هي نوع من التعـبيـر الإنساني الطـبيعي عـن الولاء للجماعة ، كانت ولا تزال عاملا للوحـدة التي بها يتحـقـق الأمن والحماية في مواجهة الخطـر الخارجي ، حيث شهد المجـتـمع الإنساني مراحل طويلة من الصراع والغـزو ، يبدأ بالسيطـرة المادية على موارد الحـياة مثل الكلأ والماء ، وينـتهي بالسيطـرة المعـنوية على الشعوب المغلوبة  ..
كما أسهمت في إحلال الـتعـاون والتضامن بين أفراد العصـبـية الواحدة بدل التـنافـر والصراع .. وهي عموما غـير مذمومة ما لم تتحول إلى تعصّب .. ولعلّنا نتعـلم من تاريخ الشعوب أن تلك العصـبـية والحميّة لم تمنع من التعايش والتحالف بين المجتمعات القبلية حيث جعلتها الأخطار التي تـتهدّدها والعجـز على مواجـتها منفردة ، تشعـر جميعا بالرغـبة في التعاون لمواجهة عـدو مشترك يهدّد أمنها واستـقـرارها ، فكان الخطر الخارجي ـ في كثير من الاحيان ـ عاملا للتوحـيـد ، والانـتـقـال  تدريجـيا إلى مرحلة التـكوين القومي من خلال التحول في مرحلة أولى إلى شعـب تـنصهـر فيه  تلك المكونات ، ثم إلى أمة يخـتص شعـبها  بأرض معـينة و يستقـرّ فوقها ، ويتفاعل مع محيطه ليضيف إلى حضارته القبلية الخاصة ، حضارة قومية جديدة يساهم في تكوينها كل مكونات المجتمع القومي الجديد ..  
وقد كان كل هذا يحدث فعلا في جميع المجتمعات ويقودها الى التطور الذي تنتقل به من مراحل دنيا الى مراحل أكثر غنى ، وتحررا وتقدما خلال مسيرتها التي لا تتوقف بفضل النمو والاضافة داخل الفضاء الانساني الرحب .. 

 ( القدس عدد 75 ) .

الاثنين، 3 يونيو 2013

بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (3) .

            بعض الكلام عن العـروبة والإسلام .. (3) .


قبل الأديان السماوية كان الناس أسرا وعشائر وقبائل ،  ولم يكن ذلك اختيارا بشريا محضا ،  بل كان وضعا الهـيا بمشيئة الهية ، قال تعالى : " إنا خلقـناكم من ذكر وأنثى وجعلـناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكـرمكم عـند الله أتقاكم " ( الحجرات / 133 ) .. و لما شاء الله أن يهدي عباده بعـث لهم رسلا من أنـفـسهـم يدعـون جمـيعـا إلى الـتـوحـيـد والعـمل الصالح ، فـكانـت الأديان مسايـرة لمـراحل التـطوّر الإنساني .. لذلك كان الخطاب الديني خطابا خاصا بكل قوم . قال تعالى : " انا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم "( نوح / 1) . وقال : " وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عـليكم " ( البقرة 54 ) . و قال :"ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود " التوبة / 70 ) . وقال تعالى : " و الى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله " ( الأعراف 65 ) . وقال : " والى مدين أخاهم شعيب قال يا قوم اعبدوا الله " ( الأعراف 85 ) . وقال : " كذّبت قوم لوط بالنذر " ( القمر 33 ) ...
ولما مر على الناس حين من الدهـر ، و أصبحوا قادرين على تطويع الطبيعة دون ترحال ، بدأت البشرية تشهد الاستقرار، و تتحوّل تدريجـيا من المراحل القبلية إلى المراحل الشعوبية ، فانتقلت الديانات من الخطاب الضيق الخاص بالقوم ( القبيلة ) إلى الخطاب الواسع الموجه إلى الأقوام المجاورة .. و قد بدأ ذلك مع موسى عـليه السلام المبعوث لبني إسرائيل ، والذي  كلفه الله بالذهاب الى فـرعون صحبة أخيه هارون فقال : " اذهبا إلى فرعون انه طغى " ( طه 33 ) . كتمهـيد لخـروج الدعوة من إطارها القـبلي إلى الإطار الإنساني .. و قد تأكد مثل هذا النهج مع عـيسى عـليه السلام الذي شرع في جمع الإتباع وراح يطوف حيثما تقوده قدماه ، غير مكتـف بنشر دعوته بل كان مبشرا بنبي يأتي من بعـده ..
باختصار لقد كان تطور الأديان مسايرا لتطور المجتمعات ..   والمؤكد أنه لم تكن - حتى ظهور الإسلام - أي من المجتمعات التي عاشت بين المحيط والخليج قد دخلت مرحلة التكوين القومي ، لكـنها بدأت تشهد الاستقرار الذي كان من الممكن أن تتحوّل به  إلى أمم متعدّدة ، لو لم تداهمها جميعا موجات الفتح الإسلامي الذي وحدها ، وأعطاها لغة القـرآن لتصبح لغـتها القومية ، و منحها أرضا مشتركة تتفاعل فوقها تفاعلا حرا فـتبني ـ بعد قـرون طويلة ـ تاريخها وحضارتها القومية .. فصارت به أمة عـربـية مسلـمة ، وجـزءا لا يتـجـزأ من أمة الإسلام  ...

 ( القدس عدد 74 ) . 

في ذكرى النكسة : من الهزيمة الى النصر ، الحقيقة الغائبة ..

في ذكرى النكسة : من الهزيمة الى النصر ، الحقيقة الغائبة ..

حدثت هـزيمة عسكرية نكراء يوم 5 يونيو حزيران 1967 بعد هجوم مباغـت شنته طائرات العدو الصهيوني على المطارات والثكنات العسكرية في مصر حيث وقع تدمير القدرة القـتالية لجيش مصر الذي كان يمثل الامل المنشود  لدى جماهـيـر الامة من المحيط الى الخليج ، في مواجهة العدو، والثأر للشهداء والمهجـرين والمشردين .. كما زاد الامـر سوءا عـندما حصلت نفس النتـائج تقريبا على الجبهات الاخرى لثلاث جيوش عربية دخلت في المواجهة هي سوريا والاردن والعراق .. وقد كانت الهزيمة العسكرية مدخلا لفرض أمر واقع جديد تمثل في احتلال أراضي جديدة الخ ...                                                                   
والواقع فان  حصول تلك الخسائر لأربع دول عربية مخـتـلفة في توجهاتها وأنظمها يعـتبـر أكبر دليل على أن ماحدث يعـود بالاساس الى تفوق العدو بالدرجة الاولى بسبب ما يلقاه من دعم أمريكي وغـربي ومن المنظمة الصهيونية العالمية مما جعـل المعارك غـير متكافـئة ، الى جانب انشغال تلك الدول بالصراعات الداخلية التي ساهمت في اضعاف مؤسسات الدولة وهو جانب تـتحمل فيه القوى المعارضة قدرا كبيرا من المسؤولية خاصة في مصر نظرا لما كانت تشهده من  تغيير جذري وبناء حقيقي وتـنمية وتصنيع عسكري ومدني وانجاز مشاريع ضخمة لا تقدر على انجازها الا الدول الكبرى وتاميم شركات وبنوك أجنبية ومحلية ونهضة واسعة في جميع مجالات الحياة .. وفي نفس الوقت كانت تتعـرّض لمؤامرات خارجـية وعدوان مستمر منذ قيام الثورة ..
ورغم ذلك فان الهزيمة لا تعود فقط الى تلك المؤامرات بأنواعها ، بل لأسباب موضوعـية أيضا أولها صراع مراكـز القوى الموجودة في المؤسسة العسكرية وغـيرها من مؤسسات الدولة ، والتي تذمّر منها جمال عبد الناصر نفسه لكـنه لم يستطع تفكـيكها قـبل الهزيمة .. ولقد كان عـبد الناصر صادقا مع نفسه ومع شعـبه عـندما اتخذ قراره بالـتـنحي عـن منصبه  كرئيس لاكبـر دولة عـربـية ـ وبقطع النظر عـن اسباب الهزيمة ـ معـربا بذلك عـن تحمله للمسؤولية ، معـبّرا عـن استعداده التام للمحاسبة .. الا ان العالم قد فوجئ بالمسيرات المليونية العارمة أيام 9 و 10 يونيو ، ليس في مصر وحدها بل في جميع العواصم العـربية مطالبة عـبد الناصر بالـتراجع عـن موقـفه .. وهو ما أجـبـره فعـلا عـن التراجع ، والعودة الى تحمل المسؤولية بما يشبه الاستفتاء العام من الشعب .. لذلك بدأ بمحاربة الفساد وتطهـيـر الدولة من البيـروقراطـية واعادة هـيكلة المؤسسة العسكرية والامنية وجهاز المخابرات وجميع المؤسسات الحسّاسة  ...

  ورغم ما حدث وما أحس به المواطـن العربي من مرارة في تـلك الايام العصـيـبة ، الا ان الحياة قد دبت من جديد ، وعاد الامل للنـفوس عـندما أقدمت القيادة السياسية على محاربة الفساد ومحاسبة المذنبين ، ثم صمّمت على  مواصلة الاشتباك مع العدو منذ الاسابيع الاولى في معـركة راس العش يوم 1 يوليو – جويلية 1967 ، التي كانت شرارتها مدخلا  لحرب الاستنزاف التي استمرّت سنوات .. وقد شهدت تلك الفترة الحساسة تخطيطا محكما للمعـركة القادمة ، وعملا دؤوبا على جميع المستويات وعلى رأسها التنمية الاقتصادية والنهوض بالقطاع العام الذي أمّن جميع النفقات الحربية ومكّـن  من اعادة التسليح ، ووفّـر كل الضمانات للنصرالذي تحقق فعلا يوم 6 اكتوبر 1973 .. وهي الحرب التي تأجلت بعد ان كانت مقررة لسنة 1971  بسبب رحيل عـبد الناصر المفاجئ سنة 1970 .. وهذا يؤكد ان ثورة يوليو قد أنهت مسيرتها بنصر تاريخي عظيم وليس العـكس كما يروّج المغـرضون ..

 ( القدس عدد 74 ) .