بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 أغسطس 2013

من يقف وراء الفـتـنـة ؟

من يقف وراء الفـتـنـة ؟

ان المتأمل لتصاعد وتيرة العنف في لبنان من خلال الاعتداءات المتكررة ومحاولات الاغـتيال ثم التفجيرات التي ضربت بقوة في الضاحية الجنوبية وفي طرابلس أمام المساجد التي يذكـر فيها اسم الله ، انما يدرك أبعاد المخطط الذي يهدف الى ارباك الوضع الامني ، وتأجـيج الصراع الطائفي الذي اكـتوى به الـلبـنانيـون على مدى عقود  ، و لم يعد أحد قادرا على الايقاع بهم في مثل هذا المنـزلق الخطيـر الذي يدرك الجميع انه لا يخدم الا العدو الصهيوني أولا وأخيرا .
كما ان المتأمل لتعاضم وتـيـرة التفجيرات الفضيعة في العراق يدرك مدى اتساق الاساليب مع وحدة الهدف ، والحال ان تلك الاعمال الاجرامية التي أودت بحياة المئات من الابرياء كان أجدر بمن يقدم عليها  ان يوجّهها الى الاحتلال الامريكي الذي بات في مأمن من هؤلاء ..
ولعل الامر في الفترة الاخيرة لم يقف عند لبنان والعراق بل اننا شاهدنا دائرة الاعمال الاجرامية تتسع أكثر فأكثر من خلال التفجيرات المتكررة في سوريا ، والاعتداءات الشنيعة على الجـنود المصريين في سيناء ، وفي جبل الشعانبي بتونس .. مما يجعل مخطط الارهاب واضحا وضوح الشمس : احداث الفوضى والفـتن التي تؤدي بالضرورة الى انهيار الدولة ، وانعدام الامن مما يسهّل على تلك المجموعات الارهابية  ممارسة هوايـتها بالقتل والترهيب والتفجير لفرض مخططاتها ، وبسط سيطرتها على المجتمع .. وقد أصبح هذا المخطط معلولما للعام والخاص .. غير أن المشكل لا يقف عند معـرفة تلك الخلفية .. بل يتعداه الى الحديث عن الاطراف التي تدعم الحركات الارهابية المنظمة التي تريد التسلل الى كل موقع آمن لتثـيـر فيه الفوضى  .. والواقع فان القوى التي تبدو متخفـية في دعمها للارهابـيـين في لبنان وفي العـراق وفي عدة مواقع اخرى هي نفسها تلك القوى الظاهرة التي تحتضن مؤتمرات دعم الارهابيين في سوريا سواء من القوى الغربية والصهيونية أو من الدول العربية الراعـية للارهاب وعلى راسها قطر والمملكة العـربية السعودية ..
ولعل من مفارقات الزمن ، ان نجد النظام السعودي الذي عمل طوال سنـتيـن على دعم الارهابيين  في سوريا والذي يعمل الآن على توسيع رقعة الارهاب في لبنان لالهاء حززب الله عن التدخل في الساحة السورية ، نجده في نفس الوقت يتظاهر بدعم التحولات في مصر وهو ما يستحق الوقوف والتأمل بجدية .. !!


( القدس عدد 86 ) . 

فـي ذكـرى وفاة ناجـي العـلـي : مات مناضـل أفـكـاره لا تـمـوت ..

         فـي ذكـرى وفاة ناجـي العـلـي : مات مناضـل أفـكـاره لا تـمـوت ..

ناجي العلي الفنان الشهيد المبدع ، رمز الفكرة الثورية الصامتة.. ورمز النهج المقاوم لكل أشكال الذل والهوان والاستسلام للعدو.. رحل عـنا غدرا وهو في أوج عطائه يوم  29 يوليو 1987 ، وترك لنا ارادة لا تلين ، و أفكارا  لا تموت عن القضية والواقع والحلم الجميل .. لقد كان ناجي العلي يدرك جسامة المعركة ، فعـبّـر عن المصير الذي ينتظـر كل من يحمل هم القضية قائلا : " اللي بدو يكتب لفلسطين ، واللي بدو يرسم لفلسطين ، بدو يعـرف حالو: ميت " .
لكنه رغم ذلك وقف بكل جرأة معبرا عـن عدم تراجعه ، وتحمله للمسؤولية حتى اصبحت القضية ملحه وطعامه وخبزه اليومي الذي جعله يقول متحديا : " أن نكون أو لا نكون ، التحدي قائم والمسؤولية تاريخـية " .  وقد ظل ناجي العلي صامدا طوال حياته ، مقاوما ، لا يعـرف الاّ  شكلا واحدا  للصراع ، عبر عنه بقوله : " هكذا أفهم الصراع : أن نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعـب "..
ورغم ادراك الشهيد لطول المشوار طويل المحفوف بالمخاطر ، الا أنه لم ير غير الثورة والمقاومة طريقا للحل وهو الذي عـبر عن ذلك الموقف بكل وضوح عندما قال : " الطريق إلى فلسطين ليست بالبعـيدة ولا بالقريبة ، إنها بمسافة الثورة " .  
لم يمت ناجي العلي . أجل .... لانه ترك نهجا وفكرا لا يموت .. وسيبقى رمز المقاومة العـربية على مر العصور ..
ترك بيننا حـنضلة الثائر ، وفاطمة ، تلك المرأة العـربية  المقاومة ، وذلك الرجل العـربي النحيف الشهم ..  شخصيات رمزية ساخـرة تتحدث عن هموم الوطن وتهزأ بالانظمة العميلة ، و تقاوم العدوان ولا تستسلم ، رغم الموت والدمار  واليأس ، الا أنها تحمل بذور الامل ، وتحرّض على المقاومة و الثورة ..       وقد عـرّف ناجي العـلي أحـد أبرز شخصياته قائلا : » ولد حـنـظلة في العاشرة من عمره وسيظـل دائما في العاشـرة من عمـره .. ففي تلـك السن غادر فلسطـيـن  وحـين يعــود حـنـظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة  ثم يبدأ في الكبر ، فقوانين الطبـيعة لا تنطبق عـليه لأنه استـثـناء ، كما هو فـقـدان الوطـن استـثـناء « . واما عن سبب تكتـيف يديه فيقول ناجي العلي : » كتـفـته بعـد حرب أكتوبر 1973  لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة ، وهـنا كان تكـتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكـية في المنطقة ، فهو ثائر وليس مطـبّع « .
ورحم الله الشهـيد ناجي العـلي ، الفنان المبدع  الثائـر ..

لماذا فــشــلـــــوا ..؟

لماذا فــشــلـــــوا ..؟

منذ وقت مبكر ، وفي مناخ ثوري كالذي مرت به تونس حيث منح الشعب الحرية للجميع ، وحيث لا يستطيع اي طرف ان يحتكر الثورة لنفسه .. كان يفترض ان يكون التوافق سيد الموقف في كل كبيرة وصغيرة حتى بعد الانتخابات .. غير أن القوى المتعطشة للسلطة والانتهازيين الذين ظهروا على حقيقـتهم منذ ما قبل الاعلان عـن نتائج الانتخابات ، بدؤوا في المحاصصة الحزبية واقـتسام المناصب ودخلوا في لعـبة التجاذبات وتقسيم الادوار في الداخل ، ثم انتقـلوا الى افـتكاك المواقع في الخارج ، داخل السفارات والقـنصليات .. ثم انتقـلوا  الى لعـبة القوى الخارجـية ، من قطر والسعودية  الى امريكا واوروبا ، واللعبة هو مسار الثورة من خلال الوعود الكاذبة حول الاستـثمارات الضخمة والودائع الثمينة ، وبات مستقـبل تونس رهينة في يد هؤلاء وهؤلاء .. وبات حاضرنا رهن ما يطبخ من طبخات في الداخل والخارج  لم ينل منها التونسيون شيئا .. بل ان الاحداث قد كشفت لهم بعد ذلك انها طبخات بلا طعم ولا رائحة ’ وحـتى الحلول المعـلبة التي استخرجوها من " فـريقوات " العهد البائد اثناء وضعهم للميزانية ، كانت أغـلبها منتهـية الصلوحـية ..  
لقد كانت تلك المرحلة تحمل بوادر أخطاء قاتـلة : أولها الولاء للحزب . ثم المنطـلقات الاصلاحـية . 
اما مؤشرات ذلك فقد كانت تبدو واضحة اثر الانتخابات مباشرة ، من خلال قراءتهم القاصرة وتصوراتهم العقـيمة لقوانين اللعـبة .. التي برهـنت أكثر فأكثر عن الولاء الحزبي ، والنكوص المبكر عن مواصلة المسار الثوري .. فبدأوا منذ الايام الاولى يتحدثون عن جماعة الصفر فاصل .. ظـنا منهم بان الانتخابات قد حسمت المسألة .. وقد كان تغـيـيـب التوافق بسبب هذا الاعـتقاد سببا اضافيا في الانحراف بمضمون الصراع الذي لم يعد حول من مع الثورة و من ضدها .. وهو ما ترتب عـنه تقسيم المجتمع على غـير تلك الاسس السليمة التي تتماشى مع تحقيق اهداف الثورة .. وكان ذلك سببا مباشرا في خلط الاوراق .. وانقسام المجتمع على اساس تلك الفكرة التي روج لها الاعلام كثيرا لانها تخدم فـئة واحدة تخـتـفي وراء كل تلك المنابر الاعلامية أدت الى ظهور ما يسمى :  سلطة ومعارضة .. فكان ذلك فخا منصوبا لدخول التجمعـييـن الى صف المعارضة من خلال المساهمة في افشال الحكومة باي شكل ..
وقد كان الانجرار وراء هذا النهج منذ الايام الاولى عـقـب الانتخابات أخطر شيئ على الثورة ومستقبلها ، وعلى الحكومة الغـبـية ومستقبلها أيضا .. ولعل مردّ  ذلك هو طبيعة الحكومة نفسها التي لا يؤمن اعضاؤها المنحدرين من أحزاب الترويكا بالثورة .. لذلك هم لا يقيسون الامور بمقياسها .. اذ هم بالاساس احزاب اصلاحية .. جاءت أغلبها من ساحات المنافسة مع النظام المخلوع نفسه ، بعد أن وقعـت معه على الميثاق الوطني ،  وشاركت بشكل متفاوت في دورات انتخابية .. اي بعد ان حاولت جميعا ان تلعـب معه لعـبته الديمقراطية فـفشلت في مسعاها .. وحتى عندما كانت خارج اللعـبة ، أو حتى عندما كان الكثيرون من منتسبي تلك الاحزاب في المنافي أو في السجون ، لم تكن تفكر يوما في الثورة مثلما حققها الثوريون ، ولا نجد لهم حديثا أو تصريحا يذكر الثورة .. بل ان اقصى ما كانوا بطمحون اليه هو تغـييـر يطرأ على هـرم السلطة ليُحدث فجـوة ما ، يمكن أن يدخلوا من خلالها الى اللعـب من جديد .. لذلك لم يكن لهم مساهمة مباشرة في حيثيات الثورة ، سوى مسايرتها مثل العديد من التونسيين الذين استبشروا بها ودعموها املا في تغـييـر الاوضاع بعد ان يئس الجميع من الوضع المتردي في عهد النظام السابق .. 
وهكذا فان الحكم على الاشياء لا بد ان يكون من جـنسها . فلا نتوقع مثلا من التمساح ان يطـيـر .. او من الحلـزون ان يحمل أثـقـالا .. وهكذا في الواقع ، فان من كان طبعه الاصلاح والترقـيع في الظروف العادية ، لا يقدر على تحقيق المعجزات في الظروف التي أفرزتها الثورة  .. ليس لان هناك أطراف أخرى تستطيع تحقيقها ، بل لانها تفتقد المنطلقات والآليات التي يمكن ان تقودها الى تحقيق الاستقرار المطلوب بغير العقـلية الاصلاحية .. وهي في الواقع مسألة معـقـدة سيبقى مجتمعـنا يعاني منها طالما أن القوى الثورية لا تزال عاجـزة عن جني ثمار الفعـل الذي تفعـله في الواقع ...
وقد كان الامر مضحكا ومثيرا للشفقة في نفس الوقت ، أمام سذاجة المسؤولين الذين كـنّا نراهم يظهرون متوسلين أحيانا ، معاتـبيـن الجماهير الغاضبة أحيانا أخرى .. وهم يُجهدون أنفسهم لاقـناعهم بالكف عن الاحتجاجات لانهم - حسب رايهم - يتسببون في صد المستثمرين .. وهو أمر مضحك لانهم يعـتـقدون بان المستثمرين ضاقت بهم الدنيا ولم يبق لهم الا تونس التي لا يوجد فـيها أمن ولا حكومة و لا دولة ، ولا اي نوع من المقومات التي تشجع على الاستثمار .. ثم هو أمر مثير للشفقة لانه يأكد محدودية تفكيرهم وقصور مرجعـياتهم التي تخفي عـنهم حقيقة ان المستثمرين الاجانب لا يعـنيهم من قريب ولا من بعـيد مشاكل تونس ، وأن رأس المال جبان بطبعه ، و ان صاحب راس المال لا يهمه الا ضمانات الربح التي تفتقدها تونس بعد الثورة .. لذلك لا يجب التعويل عليهم أكثر من اللازم ، فلا يـنـبـغي لسلطة حاكمة على اثر ثورة شعـبية ، أن تبيع الاوهام للشعـب الذي سيكتشف ولو بعد حين زيف ما تقول ..
ورغم ان مضامين العمل الثوري قد تبدو غير مفهومة ، بحيث يمكن لاي طرف ان يدّعـيه . الا ان الامر في الواقع ليس كذلك . لان تلك المضامين قد أصبحت محددة موضوعيا  من خلال احتياجات  الناس في المجتمع كما عبروا عنها تلقائيا بالشعارات التي رفعوها جميعا منذ  17 ديسمبر .. و هو ما أصبح معروفا بتحقيق أهداف الثورة ، المتمثلة في تلك المطالب الاجتماعية الملحة ، مع المحافظة على وحدة المجتمع وتماسكه واستقلاله .. 
لذلك فان الحركات الثورية عـندما تصل الى السلطة تدرك أنها مطالبة قبل كل شيئ بتأمين مسار الثورة ، الذي هو مسؤولية كل القوى الوطنية التي ساهمت فيها ..                                                             
وبناء على هذا الوعي والادراك ، فان القوى الثورية الحقيقية  تعمل منذ البداية على وضع الضمانت اللازمة لانجاح المسار الثوري ، بالتعـويل على قدرات الشعـب والوطن قاطبة ولا تتوقف عند قدراتها الذاتية وحدها .. فـتعـمل أولا على تجميع القوى المؤمنة بالثورة ، ثم تتجه الى اعادة ترميم العلاقات الاجتماعـية التي اصابها الخلل طوال فترات الاستبداد .. وتــكون مهمتها الاولى الانحياز للضعفاء والمقهورين والمهمّشين ، ومحاصرة الفساد الذي راحت ضحيته أغلب فئات الشعب .. التي ستـنحاز وقـتـها انحيازا كليا للثورة وتكون سندا لها وآداة في نفس الوقت  لمقاومة الفاسدين .. فيتحقق اول مطلب تحتاجه السلطة الحاكمة وهو الامن والاستقرار بالتفاف الشعب حولها ..                                                                                 
ان الثوريين يفعـلون ذلك تلقائيا ، لانهم يؤمنون بطبيعـتهم بان هناك أهداف سامية قامت من اجلها الثورة لا بد ان يضعوا لها المستلزمات ، ويزيحوا من طريقها العـقـبات لتتحقق .. وهي لا تتحقق بالاوامر أو باصدار المراسيم ، بل بالمشاركة الشعبية الواسعة التي تمثل في نظرها راسمالها البشري في المجتمع الذي لا يمكن ان يتطور الا اذا تطور كل الناس فيه .. وهي تستمـرّ في الفعل حـتى وهي تخطأ لكـنها تعـود الى المكاشفة والتصحيح .. وهكذا هي تؤمن دائما بان العمل الثوري هو مسيرة طويلة من الانجازات والتغـييـر المتواصل والمهام التي لا بد لها لكي تـنجح  ان يُسهم فيها كل من يريد المشاركة للنهوض بالمجتمع .. لان غايتها وقتها هي النهوض بالانسان نفسه .. فلا تتردد في منحه الثقة من خلال المساهمة في البناء .. وهو بذلك سيشعـر ان تلك الثورة ملكه ، وسيعـمل وحده على حمايتها تلقائيا بعد أن يكتشف أنه صاحب المصلحة الاولى والاخيرة في استمرارها ..
 كما ان الحركات الثورية التي تؤمن بتواصل العمل الثوري لا تـتوقف عـند  ما  تـنجززه من انتصارات عرضية وسهلة في بعض الاحيان ، بحكم حاجة المجتمع لاي جهد  ، بل انها تبحث على ارساء الاسس الدائمة التي تقطع الطريق أمام عودة الاستبداد والاستغلال معا ، من خلال سعيها الدؤوب لارساء دولة القانون و المئسسات ...
ثم أن القوى الثورية التي تتخذ الانسان منطلقا وغاية ، تعلم مسبقا بانه كيان مادي وروحي تمتـزج فيه الحاجيات المادية بالروحية - الوجدانية .. لذلك فهي تسعى دون تردد  لتـلبـيتها جميعا من خلال فسح المجال للتفاعل بين الانسان وتراثه الحضاري وقيمه الدينية والانسانية ، التي ستعـيد بالضرورة للمجتمع تماسكه وتوازنه ، كشروط لازمة لنموّه وتطوره بعد ان عانى طويلا من سياسات التغريب والتخريب ..                                                                                                        
كما ان القوى الثورية التحررية تعلم ان المجتمعات بما فيها من تنوع واختلاف ، لم تتكوّن عبثا . بل أنها قد تكوّنت خلال فترات طويلة من الصراع حول مضامين متعددة منها المادية والروحـية ، حتى بلغـت درجة مهمة من الوعي واليقين بضرورة قـبـول التعايش السلمي بين جميع تلك المكوّنات التي اصبحت مجتمعاتنا لا تساوي شيئا بدونها جميعا .. لذلك فان الثوريين عندما يكونون في السلطة يركّـزون جهودهم بالضرورة على تلك القواسم المشتركة التي تدعم وحدة المجتمع .. لذلك يحاربون كل الدعـوات الرامية لاثارة الـنعـرات الطائفية والمذهبية والعـرقـية التي تقود الى تفكك المجتمع  وتصدّعه ..                                                                                               
اما الحركات الاصلاحية فهي بمجرد وصولها الى هرم السلطة ، تركن للاسترخاء ، وتسكن الابراج العاجية ، وتبدأ تدريجيا في العـزلة عن الجماهير.. ثم وبحكم طبيعـتها تلك ، لا تهتدي للمهام الثورية التي تستطيع أن تحل بها جزءا من المشاكل المطروحة ، لانها تؤمن فقط بمسايرة الظروف ، فلا تعمل على تغييرها تغييرا جذريا .. وحيث لا تقدر اي سلطة على حلها في ظل العلاقات القديمة السائدة .. لذلك فهي لا تجد الا الالتجاء للخارج ، لطلب المعونات ، والقروض ، والبحث عن الصفقات .. فـتـقـع في فخ التــبعـية والهيمنة ، بقـبول شروط الدول التي لا تعطي شيئا مجانا ، ولا تتوقف عـند حدود معـينة.. حتى توقـف نهائيا ما يسمى بالمسار الثوري ولذلك فانها سرعان ما تتحول الى سلطة تقـليدية رجعـية لا علاقة لها بالثورة .. وهذا تقريبا ما فعـلته تلك السلطة " الشرعية " بعد الانتخابات في تونس .. المتكونة من مجلس تأسيسي يعمل بعـقـلـية القبيلة.. وحكومة تتعامل مع السلطة من موقع الغـنيمة .. لذلك كانت ولازالت كل مشاريعها مرتبطة اولا واخيرا بمصالحها الضيقة ، الفردية  والحزبية .. 
عندما نفهم الفرق بين المنطلق الثوري ، والمنطلق الاصلاحي نفهم لماذا توقفت الامور كليا عن تحقيق اهداف الثورة التي لم يتحقق منها اي شئ .. ولعل ما حدث داخل المجلس التاسيسي نفسه من صراعات ومهازل ، خير شاهد على الفشل وأسبابه الحقيقية العميقة .. 
وعندما نفهم ايضا الواجبات المطلوبة ، والمهام المطروحة على أي سلطة  تأتي بعد الثورة ، نفهم ما هي الشرعية الحقيقية من وجهة نظر ثورية  .. فنفهم انه لا شرعية بمعـزل عن تلك الاهداف التي تحددت من خلال شعارات الثورة .. ثم نفهم لماذا تطالب القوى الثورية السلطة الحاكمة بعدم التوقف عن تحقيق مطالب الشعـب الذي قدّم ابناؤه ارواحهم فداء لها : وهي الخـبـز والحرية والتشغـيل والكرامة الوطنية .. فـنفهم وقـتها انه لا مكان للقوى الاصلاحية في واقع ثوري ، وأن أهداف الثورة لا يمكن ان يحققها الا الثوريون .. وبذلك نفهم سر الصدام الذي يقع بين القوى الاصلاحية الموجودة في السلطة – أي سلطة - والقوى الثورية خارجها ،  وهي تنظر للعجز الذي يتحول من خلال مساومة القوى المضادة ، والاستـنجاد بالقوى الخارجـية ، الى عملية سطو على الثورة والانحراف بها  بعـيدا عن اهدافها وأولها استـقـلالية القرار الوطني وتطهـيـر الوطن من الفساد ، وحل مشاكله التـنـموية ..                                                                           كما يمكن ان نفهم اننا لسنا في واقع يسوده السلم الاجتماعي الذي يوفـر قدرا من العلاقات العادلة والفرص المتكافئة ، لنقارن الشرعـية عـندنا بالشرعـية في المجتمعات التي شهدت الاستقرار منذ قـرون كالمجتمعات الاوروبية التي اصبحت تحكمها مؤسساسات تتوفـر فيها كل مقومات الحياد والشفافية والاستقلالية عن السلطة الحاكمة .. ونفهم عـندها اننا في مراحل انتقالية تفرض عـلينا تحقـيق المطالب المستعجلة أولا .. ثم العمل ثانيا على اعادة التوازن داخل المجتمع الذي لا يتحقق الا بترميم العلاقات السائدة والتي اصابها ما اصابها من الخلل ، لكي تنتقل وقـتها للعـبة التداول السلمي على السلطة .. والتي لا بد لكي نصل اليها ان نبني لها اسس متينة  تضمن قيام فرص متكافئة للجميع للمشاركة فـيها ..                                                                                                                                 

باختصار ان الطريق الثوري هو الطريق الوحيد للشرعـية .. وما الانتخابات في هذه المرحلة الا آلية من آليات الفرز التي ستـلفظ  حتما كل الاصلاحيين بعد ان يظهر عجزهم ، وفشلهم للناخبين ..

( نشرية القدس عدد 86 ) .

تخاريف الشيوخ ..

تخاريف الشيوخ ..

عـندما تتـكرر الخرافات في خطاب الدعاة وبعض القادة السياسيين لحركة مثل حركة الاخوان المسلمين سواء في مصر أو في تونس معـناه أن هؤلاء قوم مفلسون يتصورون انهم أكثر ذكاء من عامة الناس ، فـيعـمدون للاستخفاف بعـقـولهم ، ويستغـلّون الدين لخدمة أغـراضهم السياسية .. ولعل ابسط مثال على ذلك ما نطق به لسان راشد الغـنوشي في تونس العديد من المرات للتأثيرعلى السامعـين حينما وصف ما يجري ، في مصر بأنه معـركة أخرى من معارك الإسلام ، وانتقد الذين أيّـدوا عـزل الرئيس محمد مُرسي . فقال في خطاب إنه : " في مصر حُسمت المعارك الكبرى في التاريخ ، المعركة مع الصليبيين حُسمت في مصر، والمعـركة مع التـتـار وهي معارك فاصلة في تاريخ الإسلام حُسمت أيضاً في مصر "  
كما قال في كلمة بين انصاره في تونس الذين احتشدوا للرد على الاعتصامات التي أقـيمت أمام المجلس التاسيسي : أن " هذا الحشد العظيم يؤكد على سلمية ثورتـنا التونسية ، وأن هذا الحشد العظيم يذكرنا بحشد فـتـح مكّة على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان فـتحا سلميا  "..  كما واصل الغـنـوشي في نفس السياق قائلا : "أتذكـر كـيف اجتمعـنا منذ أربعـين عاماً في مسجد سيدي يوسف ، وكـنا ستة أنفار أغـلبهم من طلاب الثانوية ، من تلك النواة الصغـيرة انطلـقـنا كما انطلق الإسلام من غار حراء" ..  
 والواقع فان قادة الاخوان المسلمين ذكروا العديد من الروايات عن الكرامات التي يتمتعون بها والتي قد تصل بهم الى مرتبة الانبياء على غـرار ما ذكروه  في ميدان رابعة العدوية خلال المسيرات المؤيدة لمرسي والتي تعمل على غـسل الأدمغة وتوجيه البسطاء من أتباعهم بواسطة شحن العاطفة الدينية .. وليس غريبا والحالة هذه أن يتسلل نمط التفكير الخرافي إلى الشعارات والهتافات التي تسود ذلك المكان . كأن يتداول المتجمهـرون – دون تفكير -  حكاية لقاء الرئيس المعـزول بالنبي محمد (ص) ورغبة النبي في أن يؤم مرسي المؤمنين في الصلاة وهو من بينهم ، حيث ادعى أحد الشيوخ وهو يخطب بين الناس انه رآي  جبريل عليه السلام ينزل من السماء ويصلي معهم في المسجد .. وبعد نهاية الصلاة وصّي جبريل الشيخ بأن يقفوا جميعا مع الرئيس مرسي ويأيدوه ... ثم  ادعى انه راى في المنام الرسول صلي الله عليه وسلم في مجلس مع الرئيس مرسي وحان وقت الصلاة فقدم الحضور الرسول صلى الله عليه وسلم ليصلي بالناس ولكن الرسول اعـتـذر وقدّم محمد مرسي لامامه الناس والصلاة بهم ...                                                

هذه نماذج مما يقولون لكـنها في الواقع  سـخـافـات لا تستحق أي تعلـيق ..   

( نشرية القدس عدد86 ) .


الأحد، 18 أغسطس 2013

اللطخة السوداء ...

اللطخة السوداء .. !

أخذت الطفلة البريءة لوازم الرسم ، وجلست ترسم بكل جوارحها ما تجـود به قـريحـتها المشدودة في تلك الفترة الى الفطرة .. لذلك اختارت رسم قطتها الجميلة .. استجابة لطلب المعلمة ، بانجاز رسم حر في المنزل ..
ولما فـرغت بعد جهد ومكابدة بين الرسم والمحو والتلوين ، وجدت أمامها لوحة رائعة لا تستطيع أن تفصل فيها بين الحقيقة والخيال ، فكان تعـلقها بلوحتها بقدر تعلقها بقطتها .. وهي بالتأكيد لا تستطيع أن تفرط فيها  الا لمعـلمتها ، وهي في قمة سعادتها ..
غير ان الرياح  تجري  بما لا تشتهي السفن .. فكان ما لم يكن في الحسبان .. اذ سقطت فجأة لطخة سوداء على الرسم  شوّهت نقاءه و بهاءه .. !! فانكبت البنية على المائدة ، وأغـرقت في البكاء والعويل ..
 وفي الوقت المناسب  جاء أبوها واقـتـرح عليها أن تجعل تلك اللطخة اللعـينة جزءا من الرسم مع بعض الاضافات والتعديلات .. وفعلا قد كانت الفكرة رائعة لانها أعادت للوحة بريقها وجمالها ..
ورغم ان ذلك الاقتراح قد غـيّر من ملامح قطتها التي أرادت لها أن تكون خالصة ، فلا تختلف عن الحقيقية ، الا أن  للضرورة أحكام .. فـتعلمت البنية أن ما لا يدرك كله لا يترك كله . و ان عليها ان لا تستسلم لقدرها ، قالاقدار يصنعها أصحاب العـزم والايمان الذين يضربون الاقدار بالاقدار فـيصنعون منها المستحـيل .. وقديما سأل أحد الصحابة عمر بن الخطاب الذي أمر جنوده بان يغـيروا  وجهتهم بعد أن علموا بان في طريقهم يضرب الطاعون ، فقال السائل : هل نهرب من قدر الله يا امير المؤمنين ؟ فأجاب رضي الله عـنه : اننا نهرب من قدر الله الى قدر الله " . وأعطى بذلك صورة رائعة عـن الانسان الذي امتلا قلبه بالايمان الحقيقي فعرف دوره في الحياة في ظل ايمانه بالقضاء والقدر.. فهو يختار ما يشاء دون قيود في اطار الالتزام بسنن الله التي لا تتبدل ، أما تلك القوانين ذاتها فهي تحت تصرفه ليستفيد منها ويصنع بها حياته ومستقبله وأمنه واستقراره .. وبهذا الفهم  يبدو أن االخليفة عمر بن الخطاب متقدم فعلا بما يساوي عدد السنين التي تفصله عن العديد من الذين يعـيشون معـنا في هذا القرن ، وهم لا يميّزون بين الجبر والاختيار ..
يخلق من الشبه اربعـين .. !!
ذكرتـني هذه القصة الطريفة بما يظهر في اعتصام الرحيل .. و في كل حراك شعـبي لاسترجاع الثورة المغـدورة التي افنينا أعمارنا من أجل الظفـر بها ، فحمدنا الله الذي منحنا فرصة الحياة لننعم ولو ببضعة أيام نتـنفس فيها عطـر هواءها بعد ان عشنا العمر كله تخـنـقـنا روائح الاستبداد الكريهة .. حتى خلنا في غمرة الفرح والانتشاء بالنصر المبـين ان ايام القهـر والعـبـودية واستباحة كرامة الانسان قد ولت الى غـيـر رجعة .. فـتـبـيّـنا بعد حين .. انها كانت كذبة ..
الثورة كذبة ..
والحديث عن اللذين " يخافوا ربي " كذبة ..
واليسار الثوري كذبة ..
يا للصدفة .. !! لوحات فـنية رائعة في الشوارع تشوّهها  لطخة سوداء فـتـزيل نقاءها وبريقها .. !!
وليس هذا من وحي الخيال .. اذ كنا نخرج في تلك الفترة الى المدينتة  للمساهمة في الحراك الشعـبي الذي لا يخلو بدوره من تلك اللطخة اللعـينة .. حتى وجدت نفسي ذات ليلة أصطنع الحكمة في وجه من يصطنع الثورية العرجاء من هؤلاء .. وهو هائج كالثور في ميادين مصارعة الثيران ، يحاول أن يخلع باب المعتمدية .. فـتـراجعـت الى الوراء بعد أن أفلحت في التهدئة من روعه .. ثم انسحبت بعد أن بات الموقف هزيلا ، ثقيلا ، مائعا .. وأنا أتساءل وأردّد : يا لسخرية الاقدار .. من جعل هؤلاء ثوار ..؟
أليس بلاهة و غباوة الاخوان ؟
بلا ... هم الذين اشاعوا السلبية كما كان يفعل بن علي باقصاء الجميع حتى لا  يفكر للمستقبل غيره ..
الغاء التفكير كارثة حقيقية .. وجريمة كبرى !!..
وهكذا اصبح تحريف الشرعية مدخلا ومبررا للاقصاء والتفرّد بالسلطة ، فتحوّلوا الى مستبدّين .. فالمستبد يكون دائما متعاليا لانه شرعي .. وهو يرى نفسه فوق الجميع لانه شرعي .. ولا يرى في الوطن الا نفسه لانه شرعي .. كما لا يرى في الوطن الا ساحة للفعل يكون فيها وحده الفاعل لانه شرعي ..   فلا يهمه الابقاء على عـزلة الشعـب و سلبيته و تعطيل ملكاته و ابداعه .. وبذلك يغـيب عن وعـيه و ادراكه مفهوم الثورة .. واهداف الثورة .. وتتحول السلطة فعلا الى مرض عضال يسمى  الاستبداد ..
الا يستحقون الاعتصامات ..؟
بلا . وقد كان اعتصام الرحيل لوحة فـنية رائعة لولا تلك اللطخة السوداء المقيتة .. !!
انها البقعة التي شوهت ذلك المشهد الرائع في جميع الميادين حين اصبح صانعي خريف تونس الطويل يساهمون بكل وقاحة في صنع ربيعها .. وحين صار جلادوا الامس يلبسون جلباب الثورة  الموشح بدماء الشهداء الزكية ، وهم يبغون شراءها بأبخس الاثمان : " كره النهضة " وكفى المؤمنين القتال ..
يا للمصيبة .. !!  بل أكثر من ذلك حقا .. فخلط الاوراق وسرقة الثورة بهذه الصورة جريمة نكراء ..
ولم تكن النهضة وحدها مدانة بسرقة الثورة ، أيها السادة .. بل لعل الكثيرين ممن هانت عليهم ، فراحوا يستجلبون من الحرس القديم حراسا ، و يصنعون من الجوقة القديمة مطربين .. بعضهم استتابوا على أيديهم في معبد الحقد على النهضة وهم الحاقدون أصلا على تونس .. وأكثرهم مندسين بين عامة المؤمنين !!  
لكن للايمان الوطني كما للايمان الديني ، درجات ، وانك لا تقدر أصلا ان تحتكر الايمان بالوطن وحدك  .. هكذا يقولون تضليلا ..
ياللكارثة .. !!
لقد اختلط الحابل بالنابل .. !!
فمن ينظر الى الصورة الآن ، يجد الترويكا الفاشلة لا تصلح حتى للنظـر .
ومن ينظر الى اليمين سيجد يسارا أثبت انه طفوليا حقا ، لانه بات يلهو كالاطفال وهو يحاول عابثا  تجميل لوحات الثورة بتلك اللطخة السوداء اللعـينة ..
قد يكون جهلا بطبيعة الاشياء ..
الا أن الجهل يكون احيانا اصل البلاء ..
اذ ان هذه اللطخة ليست من جنس اللوحة .. وهي بالتالي لا يمكن أن تقود الى نفس النتيجة التي تحصلت عليها الطفلة .. بل ان محاولات التجميل التي نراها في الواقع ، لا تزيد اللوحة الا قـبحا .. ولا يجـني منها اليسار العابث في هذه الحالة الا الطفولة بلا براءة ..  ووقـتها سنقول عـبثا يفعـلون ..
لان قوانين المادة لا تنطبق على الانسان .. المادة تتفاعل وتتغـيـر وتتحول من حالة الى حالة ولا تتطور .. الا ان الانسان يتطور بالجدل ..
تلك لوحة تحكمها قوانين الالوان المادية المعروفة .. وهذه لوحة بشرية تحكمها قوانين تطور المجتمعات التي لا يمكن ان نوهم فـيها الناس بان من كان لهم جلادا سيكون لهم منقذا .. وان من ثاروا عليه بالامس سيكونون اليوم في صف الثورة ..
لان الكثيرين من هؤلاء الذين يكوّنون اللطخة السوداء الآن .. هم من المافيا القديمة ، بعضهم  ملطخة ايديهم بالدماء ، وبعضهم مارسوا  نفوذهم على البسطاء ، أو اعـتدوا على المظلومين ، او احتالوا على الشعـب ، أو زيّفوا واقعه وضحكوا عليه ، او افـتـكوا منه حقا أو فـرصة في الحياة ، او سجـنوه ، أو اعـتـدوا على عـرضه او على ماله ، أو استغـلوه ، أو استغـفـلوه ، او قـبضوا على روحة بالحياة حتى صار يتكلم مع نفسه ، أو جـرحوه في مشاعـره عـندما كانوا لا يعرفون المشاعـر الانسانية ..  وهم طبعا  لم يُحاسبوا الى الآن .. ولم نعـرف المجرم منهم  من الـبـريء ..
انها ليست دعوات الى الحقد والثارات .. لكن خلط الاوراق ليس عدلا وانصافا ..
فكيف نتجاوز اذن ؟ وما هي الارضية التي سنقف عليها معهم ؟  
قولوا لنا اذن . كيف يلتقي السمسار مع الثائر ؟ الا تتحدثون عن الثورة ؟ أي صراع طبقي هذا ؟
مؤكد انه لن يشعـر أحد بالندم  الآن ممن  رفضوا – ولو في آخر لحظة -  المجازفة بالدخول الى جـبهة مفخخة ..
خسارة .. !! يسار سقط يمينا فاتحا ذراعـيه لمافيا متوحشة متذيلة ، تزاحم الجماهير وتطل برأسها في الساحات لكن جذورها في عواصم اخرى ..
 صدق مظفـر النواب الخبير  بأسرار اليسار.. فها قد صار اليسار كما قال .. وها قد صار كل اليسار كما كان بعضه ..
يسار صار طباخا لبقايا سلطة ميتة تسكـنها الارواح الشريـرة المنبعـثة من العصور الجليدية التي جمّدت كل شيئ .. فكيف ستمثـل الآن أملا في الحياة ..
حقا هذا اليسار حالته " متعـبة " جدا .. !!  لانه بات ينفخ في قربة مثقوبة ، ويرمّم بقايا أكواخ مهجورة ، عسى أن يصنع  شيئا يصلح ، من شيئ لا يصلح .. !!
يا للمهزلة !! من كان يسمى يسارا صار الآن يمينا  .. فهل يمكن أن يلتقي اليسار مع اليمين ؟
كلا . الا اذا أصبحوا جميعا انتهازيين ، يمين انتهازي ويسار انتهازي ايضا .. بلا مبادئ  .. ولا أخلاق .. ولا هم يحزنون .. 
 وهكذا نحن الآن أمام حقيقة واحدة ، ومبدأ واحد سائد بين هؤلاء وهؤلاء  : الغاية تبرّرالوسيلة .. وقد جمعـتهم مصالحهم اكثر مما جمعـتهم مصلحة الوطن .. أما الثورة فحكمها مؤجل الى أن يستـفـيق الثوريون الحقـيقـيـون  ..

 ( نشرية القدس العدد 85 ) .