بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة

بوصلة لا تشير الى القدس مشبوهة
مدونة الفكر القومي التقدمي

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 26 نوفمبر 2016

هزيمة الجيش الرابع الامريكى / د.عصمت سيف الدولة .


هزيمة الجيش الرابع الامريكى .
د.عصمت سيف الدولة .
يحيا الارهاب : 

1 - فى الساعة التاسعة من صباح يوم الجمعة 3 يناير 1986 هاجم أربعة من المقاتلين العرب مجموعة من المتجمعين فى مطار روما في انتظار النداء على بدء رحلة طائرة ”العال” الصهيونية لتقلهم الى فلسطين المحتلة ، في الوقت ذاته هاجم ثلاثة من المقاتلين العرب مجموعة من المتجمعين في مطار فيينا فى انتظار النداء على بدء الرحلة رقم 364 لطائرة العال الصهيونية لتقلهم الى فلسطين المحتلة . وأسفر الهجومان وماصاحبه من اشتباك واشتراك رجال الأمن في المطارين عن مقتل ثمانية اشخاص واصابة 121 آخرين .
من كان طرفا المعركة ؟.
طبقا لمخلفات المعركة ، كانت بين مقاتلين من أجل تحرير فلسطين والصهاينة . اذ عثر رجال الأمن فى مطار فيينا على رسالة موجهة الى ” الصهاينة ” وموقعة من ” شهداء فلسطين ” . وطبقا لما أسفرت عنه من قتلى ومصابين كانت بين المقاتلين العرب والصهاينة . فقد استشهد أربعة من المقاتلين العرب . ولم يقتل أو يصب من غير الصهاينة الا خمسة من الامريكيين وثلاثة يونانيين ومكسيكيان وعربي من الجزائر . أما الباقون فجميعهم من الصهاينة . وطبقا للسلطات الايطالية والنمساوية تمت العمليتان ضمن نطاق الحرب المستمرة بين العرب والصهاينة … وطبقا لما أعلنه آفي بازنر المتحدث باسم وزارة الخارجية في المؤسسة الصهيونية المسماة ” اسرائيل ” ان ماتم فى روما وفيينا هو هجوم ضدهم وسيردون عليه “ في أي وقت في أي مكان “..
في أي مكان ؟
.. نعم . فطبقا للواقع الذي فرضته الصهيونية على العرب ، تتم المواجهة بينهما في أي مكان . في الأرض المحتلة فلسطين وهذا مفهوم . وخارج الارض المحتلة  لأن الصهاينة قد طردوا الشعب العربي من وطنه فهو مشرد ” في أي مكان ” (الالتزام بعدم قتال المغتصبين  الا في داخل الأرض المغتصبة هو تأمين للصهاينة ضد العقاب على التشريد وتأمين للمشردين ضد مسئولية الاشتراك في القتال) . ولأن الصهيونية منظمة عالمية منتشرة “ في أي مكان “(الالتزام بعدم مقاتلة الصهاينة حيث يوجدون من الارض هو تأمين لنشاطهم في دعم دولتهم في الأرض المغتصبة) ولأن هيئة الامم المتحدة وصفت الصهيونية بأنها حركة عنصرية ودعت العالم كله لمحاربة الحركات الصهيونية ” في أي مكان ” ، ولأن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة أقرت للشعوب المحتلة والمضطهدة بحقها في أن تقاتل من أجل تحرير أوطانها ” في أي مكان “…
بأية وسيلة من وسائل القتال ؟
نعم .
الجمعية العامة لهيئة الامم المتحدة خولت المقاتلين من أجل التحرر الوطنى ضد الاستعمار والعنصرية حق استعمال ” كافة الوسائل المتاحة لهم ” ( هذا هو التعبير الذي استعملته الهيئة في قراراتها حرفيا ) وبالتالي أصبح مشروعا دوليا أن يهاجم المقاتلون من أجل تحرير فلسطين ، المغتصبين الصهاينة بأية وسيلة من أول الكلمات الى آخر الرشاشات ..
وما ذنب الأبرياء ؟…
كل الاسئلة يمكن الرد عليها بهدوء الا هذا السؤال . انه ليس سؤالا استفزازيا فقط بل هو مجرد من أي صلة بالاخلاق . انه سؤال يثير الاشمئزاز الى حد الرغبة البيولوجية في القئ . سؤال مقرف لأنه جبان ومنافق . أباد الامريكيون مئات الألوف من الشيوخ والرجال والنساء والأطفال والكائنات الحية جميعا ” حرقا ” في هيروشيما ونجازاكي في لحظة واحدة . فمن ذا الذي يتحدث عن البراءة والأبرياء . دمر الأوربيون والامريكيون في حربهم البشعة عام 1939- 1945 آلاف المدن بسكانها ، والمصانع بعمالها ، وأبادوا مائة مليون من الشيوخ والرجال والنساء والأطفال فمن ذا الذي يتحدث عن البراءة والأبرياء . ويبدّدون جزءا كبيرا من ثروات شعوبهم ليخزنوا أسلحة تكفي لافناء البشرية عدة مرات فمن ذا الذي يتحدث عن البراءة والأبرياء . ويتفننون في اختراع الأسلحة الكيماوية والميكروبية والسموم المهلكة لمخلوقات في البر والبحر والجو بما فيها الانسان فمن ذا الذي يتحدث عن البراءة والأبرياء . واغتصبوا فلسطين عنوة . وقتلوا الشيوخ والرجال والنساء والأطفال ومزقوا الأجنة في الأرحام فمن ذا الذي يتحدث عن البراءة والابرياء . وقتلوا الشيوخ والرجال وهتكوا الأعراض ومزقوا جثث الأطفال  في صبرا وشاتيلا فمن ذا الذي يتحدث عن البراءة والابرياء . لقد علمتنا حضارتنا الحرب النبيلة  التي لا تصيب الا المحاربين ، وعلمتنا حضارتهم القذرة التي تهلك الملايين فمن ذا الذي يتحدث عن البراءة والأبرياء . الا الجبناء المنافقون الأذلاء يتشدقون بأطهر الكلمات وأكثرها براءة وهم يواجهون في كل مكان وفي كل يوم حرب ابادة البشر التي تشنها أكثر الدول نجاسة واجراما ؟..
كفى جبنا ونفاقا . ما زلنا نجتنب القتال الوحشي حتى قتلوا آباءنا وأمهاتنا وأطفالنا وأقاموا على جثثهم دولة المجرمين . كفى جبنا ونفاقا فقد قتلهم الصهاينة وجلدوا قادتهم فاعترفوا لهم بدولة على أرض اغتصبوها بالاجرام واعترفوا للمجرمين الصهاينة بأنهم حكام دولة ويستقبلونهم استقبال الذين “يخافون ولا يختشون ” . ان المسكنة لن تجديكم شيئا ، وان تقبلوا أن تكونوا مستضعفين في الأرض فقد وعدكم الله نار جهنم . فلنقاتل في كل مكان وبكل سلاح حتى نطهر الارض ممن حولوا الحروب العسكرية الى مجازر بشرية .
والى المعتدين نعيد ما جاء فى رسالة فيينا :
” كما أنكم اغتصبتم وطننا ، وانتهكتم شرفنا ، وطردتم شعبنا فاننا سندمر كل شئ حتى اطفالكم لتذوقوا احزان أطفالنا . ستدفعون مقابل ما سفحتم من دموعنا . لقد بدأت الحرب “.
أما للمنافقين فنقول : ان كنتم تحسبون أن وصفكم القتال من أجل تحرير فلسطين بأنه ” إرهاب ” سيرهب المقاتلين فينكصون عن قتال الذين قاتلوهم وأخرجوهم من ديارهم فها نحن فى مواجهتكم نهتف ، اذن ، ” فليحيا الأرهاب ”..
ثم نقول لكم : العبوا غيرها ولا تقرفونا ..
انها الحرب الثالثة .
2 - ومع ذلك فليس ثمة ارهاب من جانب ولا ارهاب متبادل بل هي الحرب الثالثة باسلوب عصرها . قد تسمى في التاريخ المقبل انها كانت ” حرب الارهاب ” كما يقال “حرب البسوس “، و”حرب المائة عام ” الا أن حقيقتها أنها حرب اعلنت على المستوى العالمي منذ عامين . فلقد كانت الحرب العالمية الثالثة متوقعة من نهاية الحرب العالمية الثانية . كان متوقعا أن تكون حربا  ذرية الى أن تعادلت القوة الذرية أو تفوقت على ما تملكه الولايات المتحدة الامريكية فحال التوازن الذري دون أن تكون الذرة سلاحها فتأجلت . وعادت الولايات المتحدة الامريكية الى الحروب التقليدية التي لم تنقطع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية واستطاعت في ظلها أن تفرض هيمنتها على أغلب دول العالم بالقوة المسلحة وبقوة الاقتصاد الذي تغذيه المتاجرة في الأسلحة وبسلاح أكثر فتكا من أي سلاح هو عجز الشعوب المقهورة عن المقاومة بالقوة نتيجة عجزها عن تحمل تكلفة اعداد الجيوش المتكافئة تسليحا . وهكذا تعيش كل الشعوب والأمم فى كل أنحاء الأرض ـ منذ الحرب العالمية الثانية ـ كمواطنين من الدرجة الثانية أو دونها حتى في أوطانهم ، بينما يحظى بحق المواطنة الكاملة شعبان أو ثلاثة ، هم اعضاء نادي السادة لأنهم أصحاب القوة القاهرة .
وماكان يمكن أن يستمر هذا الاذلال العالمي لأغلبية الأمم والشعوب . كان لابد من اعادة المساواة بين البشر بتجريد المتسلطين من قوة القهر.
هذا هو السبب الموضوعى الذي جعل الحرب العالمية الثالثة متوقعة . الشئ الذي كان مجهولا هو متى وكيف ومن الذي يشعلها أولا . وفي سبيل الأجابة على هذه الاسئلة لم تكف الدول القادرة ، القاهرة وعلى رأسها  الولايات المتحدة الامريكية عن ابتكار الاسلحة ، وشن حروب يقال لها محدودة لمجرد اختبار فاعليتها ، وتحولت الأرض الى كوكب مسلح برا وجوا وبحرا ، ليلا ونهارا ، وأصبح التجسس علنيا بواسطة الاقمار الصناعية وأدوات الاستشعار والتصنت بعيدة المدى .. الخ .. ولم تقم الحرب العالمية الثالثة التي تتوقعها وتعد لها كل القوى في العالم .
الى أن حدث في بيروت أن شابين عربيين مجهولين ، لا يملك كل منهم الا قضيته وشجاعته وسيارة ملغومة . يدخلان معركة قصيرة ضد القوات الامريكية البرية والبحرية والجوية فى لبنان ، فيهزمان تلك القوات وتضطر الى الانسحاب . فيلتفت العالم كله . وعلى رأسه الدولة المهزومة في موقعة بيروت الى القوة العائدة من الماضى . قوة الفرسان والفروسية ، قوة الأفراد المسلح كل منهم بقضية  وشجاعة وأبسط أدوات التدمير . ويتذكرون  تلك المعارك التي دارت بهذا الاسلوب منذ بضع سنين في الطائرات والسيارات والمنازل  التي هزم فيها أفراد لا يملكون الا قضية وشجاعة أعتى الدول وأجبروها على أن تنفذ إرادتهم . فتجمعت  كل هذه الخبرة لتسقط القنابل الذرية والطائرات والدبابات والمدافع والجيوش من حلبات الحرب القادمة : الحرب العالمية الثالثة .
وكان أول من أدرك هذا وأعلن هذه الحرب الولايات المتحدة الامريكية .
3 - فقد نشرت الصحف يوم 16 ابريل 1984 خبرا يقول ان الرئيس الامريكى رونالد ريجان قد أصدر تعليمات بشن غارات انتقامية ضد الجماعات الأرهابية في خارج الولايات المتحدة الأمريكية وتوجيه ضربات وقائية اليها باستخدام القوة قبل أن تقع أية أحداث وأن هذه التعليمات قد جاءت كرد فعل للهجوم الانتحاري الذي تعرضت له قيادة قوات مشاة الاسطول الامريكي في بيروت في اكتوبر الماضي . وقالت الصحف ان تلك التعليمات تتضمن تشكيل وتدريب فصائل شبه عسكرية تابعة لوكالة المخابرات المركزية ( سي . أي . ايه) ولمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي ( مباحث أمن الدولة ) ووحدات كوماندوز تابعة لوزارة الدفاع الامريكية ( قوات مسلحة ) وستزود بقائمة  بمواقع الارهابيين في العالم من أجل التحرك بسرعة لتوجيه ضربات اجهاض اليها أو شن هجمات انتقامية ضدها .
4 - هذا هو الخبر الذي أعلن يومئذ ، ليس تعبيرا عن نوايا  تهديدية ، ولكن اعلانا عن بدء تنفيذ مخططات سبقت دراستها وتجهيزها للتنفيذ . ذلك لأن رؤساء الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الامريكية لايصدرون أوامر لدراسة امكانية تنفيذها ، بل يصدرونها للتنفيذ بعد أن تكون كل عناصر التحضير لها قد انتهت وأصبحت قابلة للتنفيذ الفعلى .
اذن فان الولايات المتحدة الأمريكية قد انتهت منذ أوائل عام 1984 من تكوين قوات خاصة أو ” جيشا رابعا ” بالاضافة الى الجيوش البرية والبحرية والجوية تتوافر لها عناصر الخفاء والسرية والتمويه على طريقة المخابرات المركزية الامريكية . والكفاءة القتالية على أعلى مستوى في القوات المسلحة الأمريكية . وأصدرت اليها الأوامر بأن تغادر الولايات المتحدة الأمريكية الى خارجها بدون أن تسمي جهة معينة الى ” أي مكان ” في الأرض في أية دولة لتوجيه ضربات وقائية باستخدام القوة الخفية .
اما الضربات الوقائية للاجهاض فتعني تصفية القوى المعادية قبل بدء تنفيذ أي نشاط هجومي . ومعنى ذلك أن الهوية ” الإرهابية ” لجماعة ما لن تتحدد طبقا لممارسة فعلية أيا كان قدرها ، بل تشمل الجماعات التي تدين بمبادئ أو تتبنى سياسات أو تروج أفكارا أو تلتقي في أحزاب أو منظمات تعتبرها الولايات المتحدة الامريكية مبادئ وسياسات وأفكارا ارهابية أو تؤدي الى الارهاب قياسا على مبادئ وسياسة وأفكار الحكومة الامريكية ذاتها . وبالتالي فان الجماعات المستهدفة ليست معينة على سبيل الحصر جغرافيا فقد تكون في أية دولة وقد تنتشر افرادا في أكثر من دولة ، وليست معينة على سبيل الحصر زمنيا فهي ما تعتبرها الحكومة الامريكية ذاتها ارهابية الآن أو ما تعتبرها ارهابية في المستقبل قياسا على ما يحدث من تغيير مبادئ وسياسة وافكار الحكومة الامريكية ذاتها في المستقبل .
صحيح أن الخبر المنشور يشير الى قوى الثورة الوطنية في لبنان العربي ، وصحيح أن الولايات المتحدة لم تكف منذ سنين عن وصف مقاتلي وكوادر وقادة الثورة الفلسطينية بأنهم ارهابيون وهو ما يعني أن الحرب التي أعلنتها أمريكا قد اعلنت ضد العرب أولا ولكن هذا لا يعني أننا نحن المستهدفون وحدنا في مكاننا من وطننا العربي بل سيضاف الينا أو قد اضيف فعلا ، كل الأحرار وكل الثوار في العالم كله. الذين ترشحهم افكارهم وأهدافهم ليكونوا ارهابيين في المستقبل طبقا لمقاييس امريكا . وسيضاف الى هؤلاء أو قد اضيف اليهم ، كل الفلاسفة والكتاب والفنانين والصحفيين والطلاب الذين يؤيدون ثورات التحرر الوطني ويعادون المبادئ والسياسات والافكار الامريكية لانهم قياسا على تلك المبادئ والسياسات والأفكار شركاء بالتحريض والمساعدة مع الارهابيين . وما لم تجهض أفكارهم من الآن ستولد ارهابيين في المستقبل . ولا تجهض أفكارهم الا بقتلهم .
ولست أشك لحظة واحدة فى أن كل الحكومات الجادة في دول العالم قد بدأت منذ 16 ايريل 1984 تدرس على أعلى مستوى قيادي مدني وعسكري وتضع خططا قتالية معقدة وتنشئ مراكز تدريب سرية  ، وتجند افرادا مختارين طبقا لمقاييس خاصة  للدفاع عن حرمة أوطانها واستقلالها الخارجي وأمنها الداخلي ، ضد القوات الامريكية الغازية خفية ، التي ستعبر الحدود فى شكل طلبة وسائحين وفنانين وأدباء ورجال اعمال وأصحاب أموال بجوازات سفر مزورة الى اوكار أعدت خفية تحت لافتات بريئة براءة مراكز البحوث العلمية وجمعيات الدفاع عن حقوق الانسان والتدريس والجامعات حيث يجد كل واحد سلاحه الذي سبق تهريبه وأوامر صريحة بأن يقتل ويدمر .. هذا “الفلان” أو ذلك ” المكان ” لاجهاض مخططات الارهابيين .. لاشك في هذا لأنه لا توجد حكومة جادة في دولة مستقلة تقبل بأن تغزوها جيوش القتل والتدمير الأمريكية بحجة أن الولايات المتحدة تريد اجهاض نشاط الارهابيين على أرضها بدلا من تتلقي من أمريكا اخطارا بأن لديها معلومات بأن على أرضها ارهابيين ثم تترك لها ممارسة سيادتها على أرضها احتراما لهذه السيادة .
وهكذا ستبدأ كل حكومة جادة في دولة مستقلة ، أوقد بدأت فعلا تكوين جيشها ” الرابع ” لحماية الوطن واستقلاله وأمنه ضد غزو جيش القتلة والمدمرين الأمريكي . وكما أن كل مواطن أو مقيم في أية دولة قد يكون في نظر الحكومة الامريكية وطبقا لمقايسها الخفية ارهابيا الان أو مرشحا طبقا لافكاره أن يكون ارهابيا في المستقبل وبالتالي هو هدف  للانتقام أو للاجهاض فان كل دولة ستعتبر كل أمريكي من ذكر أو انثى يعبر حدودها مشتبها في أن يكون جنديا في الجيش الرابع الأمريكي وسيتعرض لما يتعرض له المشتبه فيهم والخطرون على الأمن من رقابة مستترة وتفتيش خفي واجراءات وقائية ضد نشاطه المحتمل .
كما أنني لا أشك لحظة في أن كل الاحرار وكل الثوار وكل الوطنيين في العالم قد أصبحوا على يقين من أنهم افرادا وجماعات قد اصبحوا أهدافا للقتل الامريكى ، أو قد يصبحون أهدافا يجب قتلهم طبقا لمقاييس  أمريكية خفية وقوائم سرية ، وأنه قد يكون من بين جند الجيش الرابع الأمريكى المكلفين بقتلهم أينما كانوا اولئك الزملاء في المعاهد والملاعب والمشاة في الطرقات ورفاق السفر في القطارات أو قد يكون من بينهم تلكم الصديقات اللعوبات الفاتنات أو أولئك الاساتذة الوقورون .
باختصار لقد أصبح من حقهم أن يشكوا في كل أمريكي ، أو في كل عميل نصير لأمريكا ، خوفا من أن يكون هو الذي تلقى أوامر الرئيس الامريكي بتنفيذ عملية ” الأجهاض ” القاتل . وقد يبلغ بهم الشك حد المبادرة الى اجهاض الأجهاض .
وهكذا أعلن الرئيس الامريكى يوم 16 ابريل بدء حرب الاشباح حيث يطارد مجهولين في أماكن مجهولة في أوقات مجهولة . حيث سيكون السلاح الخنق بالايدي أو التسمم في الطعام أو الطعن بالخناجر أو الدهس بالسيارات  أو تفجير القطارات أو اشعال النار في المنازل  أو الغابات حيث سيلجأ كل واحد  الى وقاية نفسه ضد ( الضربة الوقائية الأمريكية ) بأن يحرز السلاح ويتدرب عليه ويتعلم بنفسه أو يعلمه غيره أن الهجوم خير وسائل الدفاع فينقل المعركة الخفية الى قلب الولايات المتحدة الامريكية حتى تبقى دائرة هناك ولا تنتقل الى خارجها.  وهناك ستهزم الولايات المتحدة الأمريكية لأنها قد اختارت ـ بغباء تاريخى ـ أن تخوض حربا لا تجدي فيها القنابل الذرية ولا الطائرات ولا الدبابات ولا الأساطيل ، اختارت أن تعلن حربا ينتصر فيها الوطنيون أصحاب العقائد التحريرية والثورية ويطيقون من تكلفتها مايكفي لثمن تذكرة سفر وشراء مسدس أو حتى خنجر أو ما هو أقل من ذلك ثمنا .
كل البشر ، في كل مكان ، لن يلبثوا حتى يجدوا أنفسهم أما قاتلين أو مقتولين في المخادع والمنازل والطرقات والشوارع ودور اللهو ومعاهد العلم . لن يتم هذا دفعة واحدة ولكنه قد بدأ . وعلى مدى سنين ستمتد هذه الحرب من خلال أفعال وردود أفعال الى أن تشمل البشر جميعا . واني لأرجو مخلصا أن تلتفت البشرية الى مخاطر الحرب التي أعلنها رئيس الولايات المتحدة الامريكية ، وألا يكون الجهل بمبرراتها أو قواتها أو أسلحتها  وساحاتها أو ضحاياها مبرر التجاهل أنها هي هي الحرب العالمية الثالثة التي طال انتظارها .
ومن يعتقد أن ما نقوله خيالا عليه أن يفكر في أيهما أكثر واقعية . أن تكون الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بأسلوب فرضته الظروف الأجتماعية والأقتصادية والسياسية التي سادت العالم منذ الحرب العالمية الثانية ، أم أن تعلن دولة كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية أنها قد أعدت قوات مقاتلة وأمرتها بانتهاك حرمة كل الأوطان خفية . وقتل من تريد قتلهم ، بدون اقامة وزن لحرمة الأوطان واستقلال الدول وسيادة الشعوب وأحكام القانون . ان أي انسان يعيش فكره في النصف الثاني من القرن العشرين يدرك أن ما أعلنه الرئيس الامريكي وما تمارسه الولايات المتحدة الامريكية يصل الى مستوى الجنون . فليكن ريجان مجنونا . المهم هو التعامل مع الأمر الواقع كما هو ، والواقع أن الرئيس الامريكي قد أعلن الحرب العالمية الثالثة ، وعلى الشعوب والأمم في أنحاء الأرض جميعا أن تعد نفسها لمواجهة حرب الاشباح التي ستدوم سنين طويلة من الرعب الشامل يموت خلالها الناس فرادى وجماعات اغتيالا أو خوفا من الأغتيال فيتمنى الأحياء منهم لو كانت حربا ذرية .
….
هزيمة الجيش الرابع .
5 - مابين اعلان الولايات المتحدة الأمريكية الحرب الثالثة فى 16 أبريل 1984 ، وهجومها المسلح بالأسلحة التقليدية (الأساطيل والطائرات والصواريخ) على ليبيا يوم 16 ابريل 1986 ، مضى عامان ، خلال العامين وما قبلهما كانت الولايات المتحدة الأمريكية مشغولة بتنفيذ قرار وزير خارجيتها الكسندرهيج الذي أعلنته في 25 مايو 1981 ونصه ” أن القذافي سرطان يجب استئصاله “. صدر القرار الذي ادعى أن معركتي روما وفيينا سببا لتنفيذه قبل معركتي روما وفيينا بخمس سنوات ، وقبل أن يبلغ أحد المقاتلين العرب فيها سن العاشرة . كان لا بد من التمهيد للاستئصال بتحديد ما هو الجسم الذي يسبب له القذافي كل تلك الآلام المروعة  التي لا تزول الا بالاستئصال . وقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية بوسائل شتى أن تستأجر بعض الحكام والقادة العرب ، في مقابل وعود وهمية ، واعانات مالية ، وحماية عسكرية ، ليحاولوا اقناع الشعب العربي بأن القذافي ورم مؤلم في جسم الوطن العربي . حتى اذا ما ظنوا أنهم قد أفلحوا تداولوا مع حكومة مصر ” الشقيقة ” في كيفية اجراء العملية ، ولم تقبل مصر المشاركة واكتفت بالتجاهل الى حد اعلانها أن ليس  لديها معلومات عن الاعتداء على ليبيا الذي عرض عليها الاشتراك فيه ثلاث مرات .
 وفي 18 يونيو 1984 نشرت جريدة الواشنطن بوست أن المخابرات المركزية الأمريكية قد اعدت خطة لاغتيال القذافي ، وأن ريجان وافق عليها . ثم جاءت المفاجأة فاذا الهجوم بالأسلحة التقليدية .. لاغتيال القذافي شخصيا بدون انكار أين اذن الجيش الرابع الخفي الرهيب الذي أعلن ريجان عن تمام اعداده فى 16 ابريل 1984 . ولماذا تتكلف الولايات المتحدة الأمريكية آلاف الملايين من الدولارات وتحشد كل تلك الأساطيل والطائرات وتثير استنكار العالم كله لمجرد عملية اغتيال يقوم به فرد لا يملك الا قضية عادلة وشجاعة الانسان المقاتل ؟.
 لأن الجيش الأمريكى الرابع المكلف باغتيال القذافي منذ عامين قد انهزم . لأن المجندين فيه لا يدافعون عن قضية عادلة ولا تتوفر لهم شجاعة الانسان المقاتل . أين ، ومتى ، وكيف حدث هذا ؟ الأجوبة مؤجلة الى أن تنتهي الحرب الثالثة . كل ما يمكن قوله الآن هو تحية تقدير للمقاتلين العرب ، الأفراد ، أصحاب القضية ، الشجعان ، الذين يخوضون الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وجيشها الرابع في المدن والقرى والشوارع والطرقات والسيارات والطائرات في كل مكان ، في كل القارات . وهكذا ثبت ما قلناه من قبل ونشر يوم 25 ابريل 1984 فى جريدة ” الاهالي ” أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اختارت نوع الحرب التي ستنهزم فيها على الأيدى العربية .
   ان كل الظروف باتت مهيأة لمطاردة الجيش الرابع الأمريكي ونقل الحرب الى الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها . وهناك ستكون المعارك حاسمة .
أما القذافي :
6 - أما القذافي والشعب العربي فى ليبيا فلا نهنئه ولا نعزيه . لقد بدأت الحرب كما قال مقاتل فيينا ، ولا سبيل الى التراجع أو التوقف دون النصر . وبعد النصر تكون التهنئة ويكون العزاء . أما الآن فالحذر من ترك الولايات المتحدة تهرب من ساحة المعركة التي نحن أقدر على هزيمتها فيها. حرب الفر سان والفروسية . حرب الشجعان وأصحاب القضية . حرب الأفراد الخفية . ولن يتحقق لنا هذا الا اذا طلبنا من الاخوة الحكام العرب أن يرفعوا أيديهم ولا يتدخلوا في المعركة . لا مؤتمرات دولية ، ولا جامعة بيزنطية ، ولا وزراء خارجية ، ولا دول عربية .. فأولئك هم الذين مكنوا الصهاينة من اغتصاب فلسطين أولا ، ويمكنون الولايات المتحدة من اغتصاب ما تبقى لنا من وطن وشعب وثروة وشرف .. أو يحاولون .
والسلام على الشهداء ..
23/4/1986 .

                            ذهاب الى صفحة عصمت سيف الدولة







الخميس، 24 نوفمبر 2016

حوار فكري شامل مع د. عصمت سيف الدولة / رياض الصيداوي .


حوار فكري شامل مع  د. عصمت سيف الدولة .

رياض الصيداوي .

*  الصيغة الناصرية في المنهج والنظرية والأسلوب ليست مهمة فرد .

* اجتهاداتي الفكرية لم تكن أبداً " نظرية " .

* لا يمكن للدولة أن تكون إقليمية وديمقراطية في نفس الوقت.

* ميشال عفلق صالح ما بين القومية والإسلام .

* عندما تطاول بعض الأصوليين على العروبة مارست هواية الكتابة .  

* دعوت رموز الإسلاميين إلى التصحيح أو المناظرة .



مع المفكر الكبير الدكتور عصمت سيف الدولة في قرية البلاح  في شهر أغسطس1991 .



في الساعة الحادية عشرة صباحاً كنت أبحث عن شاليه الدكتور عصمت سيف الدولة في قرية "البلاح" الساحلية الجميلة الهادئة والملتحمة بالبحر، حتى وجدته . وكان في استقبالنا أنا ومرافقي الصحفي المصري ، وعلى عكس ما عرف عنه من جدية ، فقد كان بشوشاً هادئاً .. ومنذ اللحظات الأولى ، وقبل أن ننهي شرب قهوتنا الأولى ، دخلنا في حوار متشعب طويل ، هو مزيج من الجدل والنقاش والاختلاف حيناً والاتفاق أحياناً ..
قبل أن نسجل أو نكتب شيئاً ، انطلق الدكتور في حديث طويل عن ذكرياته مع معمر القذافي ومع ليبيا في بداية الثورة ، وعن ذكرياته مع وزير الداخلية المصري السابق ، المرحوم شعراوي جمعة ، وعن علاقاته بالعراق والعراقيين وبحزب البعث والخصومة بين سوريا والعراق ..
كان حديثاً طويلاً متشعباً ، غلبت عليه نزعة الماضي وأحداث أصبحت في عداد التاريخ .. حتى وصلنا موضوع الحوار ، وقدمت مجموعة من الأسئلة بلغت حوالي الثمانية عشر سؤالاً ، تخص أغلبها المسألة الناصرية . ولقد رفض الدكتور الإجابة على حوالي خمسة عشر سؤال منها ، وشرح أسباب رفضه في مقدمة الحديث الذي أدلى به ، وحتى تتضح المسألة أكثر ، وتبرز كل جوانب هذا الحوار ـ الجدل ـ كان لا بد أن نقدم بعض نماذج من هذه الأسئلة التي لم يجب عنها ، وقبل ذلك لا بد من التنويه بكرم الدكتور وحسن استقباله وضيافته .. وهذه بعض الأسئلة :
* تعتبر أن منهج جمال عبد الناصر هو منهج التجربة ـ الخطأ ـ فالتصحيح ، ولم يكن له منهجاً علمياً ، في حين أن الأسلوب الذي اتخذه عبد الناصر كان علمياً ، وأهم سماته : إنشاء المؤسسات ومراكز الأبحاث والاستعانة بأهم الخبراء والأدمغة ، واستخدامه التخطيط .. ولقد أنجزت أطروحات في هذا المجال بينت كيف كان عبد الناصر يتخذ القرار السياسي ، إضافة إلى أن مسألة الخطأ هي ظاهرة إنسانية وليست منهجاً مختاراً . ولقد اكتشفت منهج جدل الإنسان سنة 1965، ورغم ذلك لم ينتبه له عبد الناصر ، فلو اطلع عليه مثلاً هل كان يمكن أن يتفادى هزيمة  1967 ؟  
* الأحزاب الناصرية في الوطن العربي لم تأخذ بنظرية الثورة العربية ، رغم قولك أن منَ لم يتبعها منطلقاً وأسلوباً وغاية ، ليس بالناصري ، حتى لو جاءني بورقة موقعة من عبد الناصر نفسه ؟
* الشباب القومي آخرون . عليه كثرة النظريات والمناهج ، فالدكتور عصمت سيف الدولة يطرح " نظرية الثورة العربية " والدكتور نديم البيطار يطرح " النظرية الوحدوية العلمية الجامعة " والدكتور عبد الله الريماوي يطرح "الحركية الحياتية.." وكتاب ومفكرون آخرون .. فأين الصحيح في كل هذه الاختزالات الشخصية ؟  
* "النظرية" تأتي كتطور طبيعي للفكر ، بينما نظرية الثورة العربية جاءت بطلب من قيادات سياسية عربية ، أفلا ترى نوعاً من رد الفعل أكثر من الفعل المباشر ؟

وهذه إجابات الدكتور:

أشكر الأخ رياض الصيداوي على زيارته واهتمامه بأن ينقل عني إجابات على 18 سؤالاً . وأريد أن أعتذر عن عدم الإجابة على كثير منها لأسباب مختلفة .  
فمثلاً السؤال الأول عن المنهج ، لا يصلح حديث عابر للإجابة عليه ، إضافة إلى أن الإجابة الوافية مطروحة في كتبي ، وبشكل خاص ، في الصيغة النهائية للمنهج كما جاء في كتاب " نظرية الثورة العربية " .
وكمثل ثان الأسئلة المتصلة بوقائع تاريخية خاصة مثل : السؤال الخاص بكيف جاءت فكرة النظرية ، ومع من دار الحوار، حيث لا أعتقد أن هذا له أهمية . بالإضافة إلى أني تعرضت إليه في آخر ما كتبت "حديث عن الناصريين وإليهم". وأخيراً وأهم الأسئلة التي اعتذر عن الإجابة عليها هو ما يتعلق بالناصرية والناصريين .
وأرجو أن يؤجل الشباب العربي الناصري محاولة الإجابة على هذه الأسئلة إجابة نهائية إلى أن يتوحدوا فيتحولوا من ناصريين إلى قوة ناصرية منظمة تجيب على كل الأسئلة الخاصة بالتراث الفكري ، والاجتهادات الفكرية اجتهادات العلاقة مع الناصريين ، عندئذ ستكون إجابة القوى الناصرية الموحدة هي الجواب الصحيح الملزم للناصريين المميز لهم عن القوى الأخرى أو الأفراد الآخرين حتى لو ادعوا أنهم ناصريون . ذلك لأنني لاحظت من خبرتي واتصالاتي الواسعة بالشباب الناصري ، أن التركيز على المضامين أو الصيغ الفكرية للناصريين بقصد الوصول إلى تحديد لها ، كان من أسباب الخلاف بينهم وما يزال ، ولا يوجد ناصري شاب ممن قابلتهم ، وهم كثيرون ، لم يسمع قولي بأن الصيغة الناصرية في المنهج والنظرية والأسلوب ليست مهمة فرد ولا مجموعة أفراد ، ولكنها مهمة التنظيم الناصري الموحد ، لهذا فإن إجاباتي على هذه الأسئلة قد تعمق خلافات موجودة . وأعتقد أن لا أحد من المفكرين ولا أحد من الناصريين قادر على ذلك . ومع أن أحداً لم يسأل الفلاحين والعمال والفقراء والمقهورين عن ما هي الناصرية فكراً ، فإن الناصرية التي ينتمي إليها هؤلاء الذين أسميهم جماهير عبد الناصر هي الناصرية الحقيقية ولا ينقصهم إلا مؤسسة تجمع كل أولئك الذين عرفوا عبد الناصر وآمنوا بالناصرية وما يزالون يتطلعون إليها نتيجة مكاسب عينية ، وليس نتيجة حوارات فكرية ، أقول جميعهم في مؤسسة منظمة يعبرون فيها عن إجاباتهم عن السؤال ما هي الناصرية ؟ ليتولى المثقفون في الحزب صياغتها ، إذن هي الناصرية في الواقع وليست في أذهان المثقفين . ولعل الناصريين يركزون على الوحدة التنظيمية ولو من أجل اكتشاف الناصرية في أذهان جماهير عبد الناصر. وأنا واثق تماماً أنه عندما يحدث هذا سأكون أول من يتبنى نظرية الناصريين ، ومنهجها أيضاً وأسلوبها وغايتها ، والاعتراف بأنها هي فعلاً الناصرية ، وبصرف النظر عما اجتهدت في أن أصوغه في كتب وكتابات قبل ذلك ، وذلك لأنه الواقع بالنسبة لاجتهاداتي الفكرية أيضاً لم تكن أبداً نظرية بل كانت محاولة لصياغة ما أعتقد أنه آلام وآمال الشعب العربي وكذلك يجب على كل من يزعم أنه قومي أن يتلقى من الشعب العربي ، لا من الدول ولا من مفكريها ولا من جامعاتها ولا حتى من مثقفيها الذين يحاولون صياغة أفكارهم بعيداً عن الناس ومعاناتهم الحقيقية ، وإذا كان لا بد من مزيد التحديد ، ولأدلل على أن  الاجتهادات الفكرية من الناصريين كثيراً ما تكون هروباً من متاعب إكمال حوار عبد الناصر .. وإنني لم أكف أبداً عن اقتراح أن يبدأ الناصريون وحدتهم التنظيمية على أساس وثيقة جيدة الصياغة عميقة المضمون متقدمة فكرياً ، وضعها عبد الناصر شخصياً ، وأعني الميثاق ، وأن يكمل التنظيم من خلال الممارسة ما قد يكون في الميثاق من قصور .
والميثاق لم يغط مرحلتين تاريخيتين خطرتين لم يتوقعهما ، أولهما : مرحلة هزيمة 1967 وثانيهما مرحلة الردة الساداتية . وما زلت أتمنى التوحد الناصري بدءاً من الميثاق ، وتولي التنظيم بنفسه ما كان عبد الناصر قد وعد بتغييبه حسبما جاء في الميثاق للتطبيق .
وقد يكون من الإنصاف ، وليس من التباهي أن أقول أنه عندما اتفق أقطاب الناصريين معي بعد وفاة عبد الناصر أن أصيغ مشروعاً وأن أضع ثلاثة خطوط تحت مشروع وثيقة فكرية للبدء في تأسيس الحركة العربية الواحدة في أوائل سنة 1971 . وكان الميثاق خاصة في أبوابه الفكرية الأولى هو النواة التي استنبت لها جذوراً سميتها المنهج، وأصولاً سميتها المنطلقات وفروعاً سميتها الأسلوب وثماراً أسميتها الغايات .
ويستطيع آخرون على سبيل القطع أن ينموا الميثاق ويستنبتوا منه غير ما استنبت . ولا تثريب ولا خطأ في هذا ما دام الميثاق قد أدى وظيفته التي كان يريدها ناصر ، وهي أن تتوحد عليه القوى الناصرية . 
أما الأسئلة التي من الممكن أن أجيب عليها فهي :  
* هل يحتاج القوميون إلى نظرية في المعرفة لتوحيد الوطن العربي؟

**
نظرية المعرفة أو المنهج لازمة لوحدة المعرفة بمعنى أنه عندما تكون ثمة نظرية أياً كان موضوعها يعتنقها آخرون ، سيواجهون دائماً بسؤال : كيف عرفتم أن هذه النظرية صحيحة ، عندئذ يصبح المنهج لازماً للإجابة على هذا السؤال . وهذا ينطبق على كل النظريات وكل الأفكار، والبديل عنه نظرية المعرفة . وهو يأخذ عدة أشكال مثل : التجربة ، الخطأ ، البراغماتية ، الحدسية .. ولكن منهج المعرفة أكثر إحكاماً من التوحيد النظري ، ولا ننسى أيضاً أن له مخاطره ، فقد يتوحد الناس على نظريات محكمة قائمة على منهج محكم الصياغة ثم يضعون الحياة طولاً وعرضاً تطبيقاً لنظريتهم وإذا بهم يكتشفون في فترة النهاية حقيقة أن كل شيء انهار، ثم يتساءلون هل الخطأ منهم أم الخطأ من النظرية أم الخطأ من المنهج ؟
والجواب أن الملتزمين بنظرية يطبقونها لا ينسب إليهم خطأ ، فيكون الخطأ في النظرية ، فإن كانت نظرية قائمة على خطأ منهجي فلا بد أن يكون الخطأ في المنهج والمثل التاريخي الصارخ على هذا هو ما حدث للماركسية في أوروبا الشرقية ، فالنظرية الماركسية نظرية محكمة وقد طبقوها 70 عاماً ثم اكتشفوا أنها فشلت في التطبيق في موضوع الديمقراطية ، وموضوع القومية ، فانهار البناء كله ، ومرد ذلك إلى أن منهج المعرفة الماركسي الذي هو المادية الجدلية لا يعترف للإنسان بأنه قائد التطور في نطاق تأثيره وتأثره بالواقع المادي ، فلم تلتفت النظرية ولا التطبيق لدور ما هو إنساني في التطور إلى الاشتراكية فتجاهلوا حرية الإنسان ، وما يتبعها من ديمقراطية ، وأنكروا واستنكروا الانتماء الإنساني إلى مجموعة من البشر التي هي القومية ، إلى أن تبينوا أن البناء الاشتراكي والصناعي والثقافي والأدبي غير مكتمل الأسس ينقصه الإنسان ، ولما جاءت أول فرصة ليواجه الإنسان المنهج الذي تجاهل وجوده ، انهار المعسكر الاشتراكي ، وطبيعي أنه كان يمكن ألا ينهار لو أن هناك قوى معادية أصلاً للاشتراكية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية لتقطع على الدول الاشتراكية الطريق إلى مسألة تصحيح المنهج ثم النظرية ثم النظام وتصل إلى منهج جدل إنساني ، نظرية قومية في إطار التوحيد ونظرية اشتراكية . وهذه أحد مخاطر المنهج أردنا أن ننبه إليها حتى لا نتصور أنه مجرد فهم تصوغه عقول فوق المكاتب . لكن حتى هذا المنهج ، وهو تأصيل النظرية ، يمكن استخلاصه حتى لو لم يكن مصاغاً من النظرية الناتجة عن مجرد التجربة والخطأ والتصحيح ، ومن هنا استطعت بدون تردد أن أجد العلاقة بين منهج جدل الإنسان وكل ما هو إيجابي في الممارسة الناصرية خطأ وتصحيحاً .
كل هذا لا علاقة مباشرة له بوحدة الوطن العربي ، وحدة الوطن العربي غاية، الغاية طبقاً لمنهج جدل الإنسان لا تأتي تلقائياً ، بل يحققها البشر . فالمنهج وضع لنا التنظيم القومي أسلوباً وحيداً لتحقيق الوحدة العربية ، وعندما توصلنا في فترة من الفترات إلى نوع من الوحدة الجزئية نتيجة التجربة والخطأ بدا كما لو كانت أن الوحدة قد تحققت بدون منهج . ولكن توقف الوحدة عند القطرين مصر وسوريا ، وعدم قبول وحدة العراق ثم ما بعدها من أقطار، بما قيل حينئذ أن التوحيد المتسرع مع العراق خطأ ، قد أثبت أن المنهج الإنساني الذي يعترف بالقومية كانتماء فيحدد الوحدة كهدف لا يقبل التصالح مع الإقليمية المعادية للقومية .
وهكذا نرى أن منهج المعرفة أيضاً ضروري بالرغم من وحدة النظرية في تحديد الأسلوب الأمثل لتحقيق الغايات .
* في مسألة الأسلوب ، رصدنا ظهور أحزاب ناصرية في الوطن العربي ، ساهمت سياسياً في العمل والتفاعل مع التعددية وهامش الديمقراطية المتاح في أوطانها ، فكيف تقيم هذه الأحزاب ومشاركاتها ؟
 ** مع إصراري على عدم التعرض الآن على الأقل للسمات الناصرية للأفكار والحركات ، لا يمكن أن أتجاهل الإشارة إلى التناقض الذي تضمنه السؤال .
فتعدد الأحزاب الناصرية في الوطن العربي يعني في نظري أنه إما أن يكون من بينها حزب ناصري قومي واحد ، أو ألا تكون كلها ناصرية ، لأن التعدد ينفي الوحدة على المستوى النظري بصرف النظر عن المستوى المنهجي والأحزاب المتعددة في الوطن العربي حتى ولو كانت وحدوية لا يمكن أن تكون قومية . القومية لا تقسم الأمة إلى وحدات اجتماعية مستقلة بعضها عن بعض ، تمثلها قوى مستقلة بعضها عن بعض . وعندما يكون هذا التعدد والاستقلال تابعاً للتقسيم الإقليمي للوطن العربي ، فإنها لا تكون غير قومية فقط، بل تكون إقليمية ، أن يجسد كل حزب فيها إقليما يمثل شعبه ويطمح إلى حكمه وإن نجح يتحول هو ذاته إلى دولة إقليمية كما حدث لحزب البعث في سوريا والعراق واليمن الجنوبي وفي أي مكان . وستكون وظيفة أي حزب في هذا الوقت أو من ضمن وظائفه ، الوظائف التي قام بها "البعث" العراقي والسوري ، والتي انتهت إلى عداء إقليمي لا يقيم وزناً لانتماء الشعب في القطرين وإنما يتنازعون على الحكم فيه .
وطبيعي أن ليس هناك في الوطن العربي الآن حزب ناصري قومي يستطيع وحده ، وليس أحد غيره، أن ينكر ادعاء أي حزب آخر أنه ناصري . ولكن عندما يقوم هذا الحزب يستطيع أن يجرد 99.99% من الأحزاب التي تقول أنها ناصرية من هذا الادعاء ، إذ يكون هو مرجع الاعتراف بمن هو الناصري وغير الناصري .
أما عما جاء في السؤال حول مشاركتهم في لعبة الديمقراطية فلا أستطيع أن أحكم على سلوك كل واحد منهم لأني غير محيط بنشاط هذه الأحزاب . ولكني أقول قد ينطبق عليهم تعميم تقييمي وهو أن ما يجري في الوطن العربي الآن ليس لعبة ديمقراطية وإنما هو لعب بالديمقراطية . فالقومي المنتمي أصلاً إلى الجماهير، وليس إلى الدول ، المتسلح بالنظرية القومية ، ومنهج جدل الإنسان لا يمكن أن يتجاهل الجدل الاجتماعي الذي هو وحدة قانون التطور، والذي يسمونه الديمقراطية .
فالديمقراطية لازمة كضرورة قومية لتطور الأمة العربية من التجزئة إلى الوحدة ، ومن الاستعمار إلى التحرر، ومن فوضى الاقتصاد الذي يسمونه رأسمالية إلى الاشتراكية . ولكن لا نفهم الديمقراطية في الوطن العربي في محاولة تسخير الناس في تبرير اغتصاب الأرض العربية والاحتلال ، ولو أخذت صيغة ما يقبله الفلسطينيون نقبله نحن ، ولو أخذت صيغ أممية أخرى ، إذن تنحصر قضية الديمقراطية قومياً كالآتي :  
أولاً ، لا ديمقراطية بالنسبة للإنسان العربي دون أن تقود خطاه إلى عمل قومي ، والتي نسميها دائماً التنظيم القومي ، إن أهمية الديمقراطية طبقاً لمنهج المعرفة القومي جدل الإنسان وتطبيقه . أعني الجدل الاجتماعي تحتم ، أقول تحتم ، لأن لا بديل عما سأقول أن ينشأ التنظيم القومي ديمقراطيا . تنشئه القاعدة الجماهيرية وتنظمه داخلياً وتختار قيادته وتفصلها وأن يبقى دائماً ديمقراطياً في الداخل وأن يكون دوره بالنسبة للشعب العربي في كل قطر ، الدفاع عن حرية الشعب العربي وديمقراطيته في مواجهة الدولة الإقليمية المستبدة . ولا أقول استبداد الدولة الإقليمية إن كل دولة إقليمية من حيث هي سجن كبير أو صغير لجزء من الأمة العربية تفصله عن بقية الشعب وتمارس عليه التحكم مرجعها بمرجع استبدادي ويصبح من العبث توقع أن تكون دولة إقليمية وديمقراطية في نفس الوقت.
* تواجد التنظيمات القطرية ـ القومية ألا يدفع في هذه المرحلة بالعمل القومي إيجاباً ؟
** هذا السؤال يواجهه كل الشباب القومي في الوطن العربي ، كيف يكونوا منتظمين في قطر ومطهرين من الإقليمية وغير متناقضين .
وأنا أعرف على مدى 30 سنة الماضية مجموعات شباب في بعض الأقطار نشأت متطلعة إلى أن تلتحق بالتنظيم القومي ، حتى طال الوقت ولم تجد التنظيم ، فمارست العمل السياسي قطرياً فتحولت إلى مجموعات قطرية ولا أقول إقليمية، والإجابة على هذا السؤال تطول وإن كانت رؤية فردية أياً كانت الدراسات التي وراءها . أريد أن أقول باختصار أن ما توصلت إليه حلاً يتلخص في التنظيم القومي الديمقراطي الذي ينشأ من القاعدة لا بد أن يمر بمرحلتين تاريخيتين .
المرحلة الأولى تتم بالتجهيز والإعداد لتأسيسه . وفي هذه المرحلة لا يملك الشباب العربي في كل قطر إلا أن يعدّوا أنفسهم فكرياً ، نضالياً ، تنظيمياً في حدود القطر الذي هم فيه ولهذا شروط تبقى على سماتهم القومية ولا تخرج بهم إلى المصير الإقليمي وهي :
أن لا يكون التنظيم مغلقاً دون أي عربي يقيم في كل قطر . فكل تنظيم مهما قيل أنه قومي ، تقوم عضويته على تصور إقليمي ، إذا كانت عضويته غير مباحة للعرب الذي يتواجدون في قطره بصرف النظر أنه مشروع قومي ينمو ليصبح قومياً .  
أما المستوى الفكري فهو ألا يقبل الاهتزاز أو الشك أو التردد في الموقف القومي من مشكلات الحياة في القطر، مهمة الحزب القطري أنه يدرب نفسه على كراهية وعداء كل ما هو إقليمي .. فمهمته الكبرى هي تسهيل عملية الوحدة عندما يأتي أوانها، وعليهم إذابته . أما الشرط الثالث الخاص بالتنظيم فهو أن يكون على علاقة منظمة بالقوى القومية التي تنشط في نطاق المرحلة التاريخية الأولى ، مرحلة الإعداد حتى تنطبق هذه المرحلة في أكثر من قطر معاً ، إنما بمثابة الإعداد تحت الالتزام وخاتم مرحلتها هو اللقاء في مؤتمر تأسيسي للتنظيم القومي تمثل فيه القوى التي مرت بهذه المرحلة ، ولكن ليس بالضرورة أن يكونوا ممثلين من جميع الأقطار، لأن التمثيل القطري هو تمثيل إقليمي، فلا يقبل المؤتمر التأسيسي صياغة نهائية للفكر القومي على ضوء كل ما طرح وكل ما هو مطروح . ثم أهم من هذا أن يبدع ويبتكر الأطر الداخلية للتنظيم التي تحقق ثلاثة أمور:
ـ الأول : أن تبقي قواعد التنظيم القومي فوق قيادة التنظيم ، ولهذا من الممكن أن تكون القيادة محدودة في فترة زمنية وهذه هي الديمقراطية الداخلية .
ـ الثاني : الرجوع إلى القواعد في تطبيق الأفكار والتزامهم باستراتيجية لقيادة التنظيم ، مع ترك النشاط التكتيكي في الأقطار لكل قطر.
ـ الثالث : وهذا قد يبدو شكلياً ولكن منتهى الضرورة أن يطبق هذا داخل الأقطار نفسها ، يمكن أن يقوم فرع للتنظيم في كل محافظة في كل قطر. ولكن لا يجوز أن يكون حزباً موحداً في كل قطر، فمثلاً فرع الحزب في سوريا يشمل اللاذقية ولبنان ، فرع آخر يشمل الصحراء الغربية وبنغازي حتى لا نترك لأي فرع فرصة التمرد عليه للاستيلاء على السلطة في قطر إقليميا من قبل .
إذا استطاع الشباب القومي أن يتحمل الصعوبات والمعاناة وقوة إلزام أنفسهم لكل هذا ، فسيكون لدينا تنظيم قومي . أما إذا لم يستطيعوا فإن الشعب العربي لا يكون مؤهلاً موضوعياً لموضوع الوحدة فينتظم في قطره ، فتفقده الحركة القومية كما فقدت الكثير من الشباب القومي .
* هناك صراع فكري جذري بين التيار الأصولي الديني من جهة والتيار القومي العربي من جهة أخرى ، وأكثر النقاط في هذا الصراع هي مسألة العروبة والإسلام، ولقد كان لك في هذا الموضوع كتاب حمل عنوان "عن العروبة والإسلام" فكيف تقارب أبعاد هذا الصراع ؟
** هناك صراع فكري ، وفي بعض الأوقات نشيط بين التيار القومي والتيار الإسلامي في الوطن العربي ، أسبابه الفكرية أن التيار الإسلامي وريث لمن يسمون الأصوليين ، وهي مرحلة لم تنته في القرن الماضي .
فمنذ الرسالة إلى سقوط وحدة الدولة العثمانية ، كانت الأصولية على المستوى السياسي تمثل وحدة الأمة العربية لا في الدين فقط ، وإنما في الدولة ، والغاية السياسية للتيار الإسلامي هي وحدة الأمة الإسلامية التي تشمل كل الدول الإسلامية. ثم نشأ الفكر القومي ، متأثراً بالطغيان التركي. واستئثار حركة الاتحاد والترقي بالدولة العثمانية التي كانت مشتركة بين شعوب كثيرة .. لقد حولتها الحركة إلى دولة الأتراك . وبدأت في ممارسة القهر الاستعماري . فكان رد الفعل نشوء حركة قومية عربية .
.. إن العلاقة بين القومية والإسلام من التيار الإسلامي في التدليل على التناقض والصدام بين المفهومين ، وعجز القومي قبل حزب البعث على أن يجد علاقة بين القومية والإسلام ، فلما جاء "البعث" خاصة مع ميشال عفلق صالح ما بين القومية والإسلام واتخذ من رسول الإسلام رمزاً للإشادة بهذه العلاقة ، وكان هذا موقفاً فكرياً ناقصاً لأنه ذو طابع شخصي ، إعجاب أشخاص بالرسول وصحبه وهم أشخاص .. وبقيت هذه المسألة الصغيرة ، فينفذ منها التيار الإسلامي للطعن في موقف القومية من الإسلام ، وقد اقتضى غلق هذه الثغرة مجهوداً دراسياً استمر أكثر من ربع قرن .. وأزعم ـ ومن حقي أن أزعم ـ أنني أول من التفت إلى هذه القضية ، وأراد أن يحدد موقفاً فيها لا بخصوص إنشاء لقاء بين الإسلام والقومية ، إذ لم يكن ثمة تناقض بينهما ، ولم أكن مستعداً لتفضيل القومية على الإسلام بحكم أنني مسلم ، ولكن الحل جاء في سياق دراسة الأمة ، فقد كانت كل الأسئلة ، ما هي مواصفات الأمة ومميزاتها ، وكانت الإشكالية قد طرحت سؤالاً ، لماذا تكونت الأمة ، وكان الماركسيون يقولون بسبب النظام البرجوازي . وقد تذكر كتابي الأول كان معركة مع الفكر الماركسي ، فالتفتت إلى خطورة وجدية السؤال الذي طرحه لينين وأيد صحة مقولة ستالين حول أن السوق الاقتصادي الموحد يشكل الأمة ، ورفض هذه الفكرة لسبب بسيط هو أن الوحدة البرجوازية تمت في كل أمة على حدة بما يعني أن وجود الأمة سابق .
لقد طرحت هذا السؤال (كيف توحدت الأمة) على نفسي بالنسبة للأمة العربية ، فبدأنا سنين طويلة في دراسة الجنس السامي ثم العربي وأصل تطوره إلى أن انتهينا إلى الهجرة إلى المدينة ، وأصبحت لنا وجهة نظر في لماذا تتطور المجتمعات من الأسر إلى العشائر إلى الشعوب إلى الأمم .. إن جوهر التطور يتم من أجل حياة أفضل ولو من خلال الصراع.. وتطبيق هذا على الأمة العربية يؤدي بنا إلى أنه قبل الهجرة ، كان العرب في شمال الجزيرة أو جنوبها ، مجتمعات قبلية ، حتى جاءت الرسالة الإسلامية ووحدت بين المسلمين فكرياً وانتماءاً إلى الدين ، ولكنها في مرحلتها الأولى المكية ، لم تدخل عنصر الوطن الواحد كعامل انتماء للمسلمين لدرجة أن الرسول طلب من المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة ، ثم جاءت الهجرة ، فما أن ذهب المسلمون إلى المدينة حتى وضعوا بينهم وبين اليهود والنصارى دستوراً يحكم المدينة اسمه "الصحيفة" ومن المدينة انطلق الفتح العربي في جميع الأقطار، وأصبحت دار الإسلام أي دخلت الأرض المشتركة عنصراً في الإسلام بالتفاعل ما بين البشر في نظام مشترك (الإسلام) مع أرض محددة ..
فنشأت الحضارة العربية مصاغة طبقاً للصفة الإسلامية ، عندئذ اكتملت الأمة العربية تكويناً من بشر معينين وأرض محددة ، تفاعلاً بينهما .. وبعد عشرين سنة من كتابة هذا الكلام لم أكف ولم أتوقف عندما تطاول بعض الأصوليين على العروبة ، فمارست هواية الكتابة ، وهواية الكتابة عندي هي الإسهام بالكلمة في معركة قائمة ، وليس قبل ذلك ، فأخرجت كتابي "عن العروبة والإسلام" وطرحت فيه ما سبق أن كتب وهاجمت فيه من يتخذون من الإسلام حجة لتأييد معاداتهم للقومية ، وحاورتهم على أسس إسلامية وتجرأت ، فقلت أن الأمة العربية ، هي أمة الإسلام ، لأنها لم تكن أمة قبل الإسلام . وهاجمت العلمانية ، لأن العلمانية حركة فكرية غريبة ، وأن أصولها واردة في الإنجيل ، لأنها وزعت السلطة بين رجال الدين والدولة .. ولقد ووجه هذا الكتاب بالتعتيم الذي أحيط به ، مع أنني قبل أن أقدمه للمطبعة ، أرسلت ستين نسخة إلى رموز التيار الإسلامي في مصر، ودعوت من يريد التصحيح أو المناظرة ، فنشرته . وكما هي العادة، لم أتتبع ما أنشره ، وأستطيع أن أقول أنه منذ سنة 1952، وهذا الكتاب يصحح بهدوء الأفكار الأصولية فيما يتعلق بموقفها من القومية .. وأعتقد أنه في العقد القادم   ستتغير وجهة النظر الإسلامية في هذه المسألة ، أو سيستوعبون أن توحيد الأمة العربية خطوة أولى وسابقة على توحيد الأمة الإسلامية ..
البلاح ـ الاسكندرية ـ يوليو ـ (جويلية) 1991.
رحم الله الدكتور عصمت سيف الدولة .

                       ذهاب الى صفحة عصمت سيف الدولة




الأحد، 20 نوفمبر 2016

دفاع عن الشعب . دفاع عصمت سيف الدولة عن انتفاضة يناير 1977.


دفاع عن الشعب .
دفاع عصمت سيف الدولة عن انتفاضة يناير 1977.



محمد سيف الدولة .






***


فى عام 1977 قدّمت النيابة بناء على تحريات جهاز مباحث امن الدولة 176 متهما الى المحاكمة بعد ان قبضت عليهم ووجهت اليهم حوالى 15 اتهاما يمكن تصنيفها الى تهمتين رئيستين: الاولى هى انشاء منظمات غير شرعية تهدف الى قلب نظام الحكم بالقوة، والثانية هى تحريض الجماهير يومى 18 و19 يناير على التظاهر والتجمهر بهدف اسقاط النظام  .
تصدى عدد من كبار المحامين للدفاع عن المتهمين وكلفوا الدكتور عصمت سيف الدولة بالقيام بمسئولية الدفاع الموحد العام فى الشق التحريضى من القضية . وقدم سيف الدولة دفاعه وحكمت المحكمة ببراءة كل المتهمين  .
عن هذا الدفاع والمنشور فى كتاب بعنوان ” دفاع عن الشعب ” أقدم فيما يلى لمحات عن بعض محاوره  : 

اولا ـ الانقلاب  :

اتهم الدفاع الحكومة بالقيام بانقلاب دستورى والخروج عن الشرعية وذلك فيما اتخذته من سياسات على امتداد الفترة من اوائل 1974 وحتى تاريخ الاحداث وحدد هذه السياسات فى الاتى  :
·         سياسة الانفتاح الاقتصادى المحددة باصدار القانون رقم 43 لسنة 1974 المعروف باسم ” قانون نظام استثمار راس المال العربى والاجنبى والمناطق الحرة ” وذلك فى مخالفتها للمقومات الاقتصادية للدولة الواردة فى الدستور والمعبر عنها بالمواد ارقام 1 و 2 و3 و 5 و23  و24 و26 و29 و 30 و32 و34 و 35و 36و56 و73 و179 و180 . و كذلك ما اسفر عنه هذا القانون من سيطرة الطبقة الراسمالية على الدولة مما يمثل جريمة منصوص عليها فى المادة (98 أ) من قانون العقوبات التى تفرض عقوبة الاشغال الشاقة على اى هيئة ” ترمى الى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات او القضاء على طبقة اجتماعية او قلب نظم الدولة الاساسية الاجتماعية والسياسية…”و كذلك ما ادى اليه من تبعية اقتصادية الى الولايات المتحدة الامريكية والخضوع لشروط صندوق النقد الدولى .
·         وكذلك ما قامت به الحكومة من توقيع لاتفاقية فض الاشتباك الثانى مع العدو الصهيونى فى اول سبتمبر 1975 الذى جاءت ايضا مخالفة للشرعية الدستورية اذ تنص المادة الاولى منها على انه قد وافقت حكومة مصر العربية وحكومة اسرائيل على ان ” النزاع بينهما فى الشرق الاوسط لا يتم حله بالقوة وانما بالوسائل السلمية ” وتنص المادة الثانيةعلى ان ” يتعهد الطرفان بعد استخدام القوة او التهديد بها او الحصار العسكرى فى مواجهة الطرف الآخر” . وهو ما يمثل مخالفة للدستور الاتحادى بين مصر وسوريا وليبيا ، فيما جاء فى مرفقاته من الاتى ” قرر الرؤساء الثلاثة بالاجماع ما يلى (1) ان تحرير الارض العربية المحتلة هو الهدف الذى ينبغى ان تسخر فى سبيله الامكانات والطاقات (2) انه لاصلح ولا تفاوض ولا تنازل عن اى شبر من الارض العربية (3) انه لاتفريط فى القضية الفلسطينية ولا مساومة عليها  .
وهو الدستور الذى طرح وهو ومرفقاته على الاستفتاء الشعبى فى مصر بتاريخ 17 ابريل 1971 وتمت الموافقة الشعبية عليه ومن يومها اصبح وثيقة ملزمة دستوريا وشرعيا  .
·         ثم الخروج الثالث عن الشرعية باصدار القرارات الاقتصادية برفع الاسعار فى 17 يناير 1977 والذى خرجت باطلة من حيث مخالفتها للموازنة الموافق عليها من مجلس الشعب حيث نص الدستور فى مادته رقم 115 انه “ يجب عرض مشروع الموازنة على مجلس الشعب … ولا تعتبر نافذة الا بموافقته.
وبالتالى فانه يترتب على هذا الخروج عن الشرعية من قبل الحكومة انه حتى اذا ثبتت التهم المسندة الى المتهمين بانهم قادوا الجماهير من اجل اسقاط سياسة الانفتاح الاقتصادى واسقاط اتفاقية فض الاشتباك ورفض غلاء الاسعار واسقاط القائمين على الحكم الذين اتخذوا هذه السياسات فانهم لا يكونون بذلك قد خالفوا الشرعية  .

***

ثانيا ـ المؤامرة  :

اكد الدفاع انه رغم ان الانتفاضة كانت تعبيرا شعبيا عفويا عن الغضب من القرارات الاقتصادية ، الا ان جهاز مباحث امن الدولة استخدمها كذريعة لتصفية القوى الوطنية المعارضة للحكومة والنظام والذى كان يتابع ويترصد حركتها منذ منتصف عام 1973  فقام بضم عدد 7 قضايا مختلفة فى الاعوام 1974 و1975 و1976 وهى قضايا سبق ان قبض فيها على المتهمين وحققت معهم النيابة و افرج عنهم الا انها بقيت فى الصندوق تنتظر اللحظة المناسبة والظرف الملاءم فلما قامت انتفاضة يناير وجدها امن الدولة فرصة لتصفية هؤلاء فطلب من النيابة ضم القضايا القديمة الى القضية الاساسية الحاملة رقم 100 لسنة 1977. مما ظهر جليا فى اضطراب التهم وعدم ارتباطها ببعضها البعض ناهيك عن انفصام اى صلة بين معظمها وبين وقائع ما حدث يومى 18 و 19 يناير  .

***

ثالثا ـ امن الدولة  :

قدم الدفاع للمحكمة احصائية تفصيلية عن نسبة الخطأ او الكذب فى تحريات امن الدولة فى 10 قضايا تم نظرها فى الفترة من 1974 وحتى 1977 . وكان معيار التقييم هو النسبة بين عدد الذين شملتهم بلاغات امن الدولة الى نسبة الذين قدمتهم النيابة فعلا الى المحاكمة . وكانت نسبة الخطأ او الكذب 78 % . وبناء عليه اكد “سيف الدولة” ان ” هذا الجهاز حين يتلقى المعلومات من المصادر ، وحين يدخلها فى التعميمات ، وحين يضيف اليها او يحذف  منها ، وحين يدونها فى السجلات ، وحين يختار منها مايبلغ عنه ، وحين يقدم عن بلاغاته مذكرات ، وحين يبدى ضباطه الاقوال امام المحققين او امام المحاكم ، يكون خاضعا لاوامر سياسية تأتيه من خارجه ولايكون الحرص على الشكل القانونى الا محاولة لستر الاستبداد بقشرة من الاجراءات القانونية ” وهو ما يجعل هذا الجهاز وادلته غير جديرين بثقة القضاء .

***

رابعا ـ  نفى الادلة  :

·         الشاهد الوحيد :

طلب الدفاع عدم الاعتداد بكل البلاغات المقدمة الى النيابة والتى تبدأ بعبارة واحدة هى “دلت التحريات ومصادر المعلومات” والتى تعتمد على شهادة شهود مجهولين ومحجوبين عن المحكمة . واستند فى ذلك على شروط الشهادة المقبولة شرعا ، كما استند الى حكم سابق لمحكمة امن الدولة العليا جاء فيه ” ان المحكمة لا ترى ان تعرف ضابط واحد بمفرده على اى من المتهمين دليل مقنع على اثبات الاتهام ضده . ولا يبقى بعد ذلك الا التحريات مجهولة المصدر وهى فى مثل ظروف الدعوى لا تستقيم حتى كقرينة قبل اى من المتهمين  “.

الاوراق الخطية : 

·         طالب الدفاع باستبعادها كدليل ادانة لعدد من الاسباب ابرزها هو انها غير معدة ” للتوزيع بغير تمييز ” وهو شرط التجريم الذى تنص عليه المادتين 171 و 174 من قانون العقوبات .
·         كما طالب باستبعاد الصور الضوئية لاى اوراق مقدمة كدليل ادانة وذلك طبقا لما نص عليه القانون المدنى من انها لا تصلح دليلا على مطابقتها للاصل اذا جحدها من تنسب اليه .

·         اما عن الكتب المضبوطة فان الدفاع طلب استبعادها على اساس انه لا يوجد نص فى القانون يجرم حائزيها حتى اذا كانت كتبا ممنوعة وانما يقع التجريم فى هذه الحالة على المؤلف و المستورد والطابع والبائع والموزع .

·         اما عن الاوراق المطبوعة المنسوبة الى احزاب غير مشروعة فان ضرورة استبعادها تتأتى من ضرورة اثبات وجود هذه الاحزاب اصلا ، واثبات انتماء المتهم لها ، واثبات انه شريك فى اصدار هذه الاوراق على وجه التحديد . هذا بالاضافة الى ان المباحث قدمتها الى المحققين بعد بداية التحقيق ولم تعرض مع المتهم مما يلقى شبهة التلاعب بها او دسها على المتهم على غير الحقيقة وهو ما نظمه قانون الاجراءات الجنائية .

الصور الفوتغرافية والتسجيلات :

وجه الدفاع ضربة قوية الى هذا النوع من الادلة فنجح فى تحقيق نتيجة ايجابية وهامة ، وهي استبعادها من القضية وكل القضايا المماثلة حيث تحققت سابقة قضائية وهي عدم الاعتداد منذ ذلك الحين باي صور او تسجيلات لسهولة التلاعب بها . وكان ما فعله د. سيف الدولة انه قدم للمحكمة صورا للهيئة القضائية مستبدلا فيها وجه اعضاء المحكمة بوجهه هو شخصيا . اما عن التسجيلات فقام باعداد وتقديم تسجيل صوتى للعقيد منير محيسن احد شهود القضية بعد ان اعاد تركيب شهادته بحيث تظهر وكانه شاهد نفي وليس شاهد اثبات  .

·         واختتم  د/ سيف الدولة مرافعته بالدفاع عن حق المقاومة الشعبية مستندا الى نصوص من الدستور وقانون العقوبات والشريعة الاسلامية والشريعة المسيحية والمبادىء القانونية  .

***

وأصدرت المحكمة حكمها المتقدم ببراءة الجميع .


*****