الدولة الاقليمية بين حدود الممكن وافاق المستحيل ...
نعني بالحدود والافاق ، حدود التنمية الممكنة الضيقة والمحدودة في الدول العربية ( حل مشاكل البطالة والسكن والبنية التحتية في المؤسسات العمومية ، حل المشاكل المتراكمة في التعليم والصحة ، تجاوز الضعف المتزايد في المقدرة الشرائية والقضاء على الفساد الخ ... ) .. وافاق التقدم الحضاري المعرفي والتنكنولوجي المستحيل في ظل الاوضاع الحالية المتعلقة اساسا بطبيعة الدولة الاقليمية ككيان فاشل ذاتيا وموضوعيا في تجاوز هذه العقبات .. ونبدا بمقاربات السياسيين ...
حينما تشتد الازمات في الدول العربية وعلى راسها تونس يكثر الحديث في المنابر الاعلامية عن الفساد ، ويتجه الحديث بمجمله الى تشخيص المشاكل وحصرها في هذه الزاوية التي يشار اليها بالاجماع " ازمة الفساد " .. فتصبح كل الحلول التنموية متوقفة على مدى جدية الاطراف الحاكمة في محاربة هذه الظاهرة المتفشية فعلا في مؤسسات الدولة وفي المجتمع .. غير ان السؤال الذي يطرح نفسه في الدول العربية عامة وبقطع النظر عن النوايا والخلفيات التي تحرك الحاكمين ، لماذا يتفشى الفساد في مؤسساتها ؟ ولماذا تفشل الدولة في محاربته رغم جدية المحاولة احيانا ؟ هنا نتجاوز عن النوايا حتى لا نسقط في التخوين ونتخطى بعيدا عن موضوع الاحزاب والانظمة الحاكمة في الدول العربية لنحصر الحديث في اصل المشكل : فشل التنمية في الدول الاقليمية .. ثم نطرح السؤال بصيغة مختلفة : هل يعود الفشل في التنمية والتقدم في الوطن العربي الى الفساد وحده كما يروج السياسيون ؟ وهل تتوقف الطموحات في الدول العرببة على محاربة الفساد وحل مشكلات التنمية دون التقدم الحضاري والتصنيع والتطور العلمي والتكنولوجي ... ؟ .
صحيح أن الفساد يزيد في أزمات الدولة عندما يعبث بمواردها المحدودة ، ويخنق مواطنيها حينما يتحول المجتمع باسم الحريات المطلقة والمنافسة المنفلتة الى غابة يأكل فيها القوي الضعيف .. وصحيح أيضا أن الإصلاح ومقاومة الفساد يمكن أن يحسن من أوضاع الناس ، وهو لازم وضروري في كل الأحوال .. ولكن إمكانية ان يتحول أي قطر عربي الى دولة قوية آمنة ، ديمقراطية ، ذات سيادة كاملة وإرادة مستقلة ، متقدمة علميا وصناعيا ، مثلما يطمح الجميع ، امر مستحيل سواء في الأقطار النفطبة الغنية أو في الدول الفقيرة .. وستظل أي دولة منها في احسن الاحوال ، مجرد دولة نامية تصارع من أجل سيادتها للتخلص من التبعية ، ومن اجل خلق الموارد لتحقيق النمو اللازم للاستقرار وبناء ديمقراطية سليمة الخ .. لكنها - كما تبين التجارب في الواقع - لن تستطيع تحقيق الامال المطلوبة مهما توفرت الارادة والنوايا الصادقة ..
ففي الدول النفطية الصغيرة مثل دويلات الخليج ، ستظل الدولة الإقليمية تستنزف مواردها المادية دون أن تتحول الى دولة متقدمة قادرة على تنمية ثرواتها وتحويل تلك الموارد الى صناعات تحويلية كبرى تخلق النمو الاقصادي الحقيقي المنافس للاقتصاد العالمي ، وهو ما يجعلها تابعة بالضرورة بسبب عجزها عن اخراج مواطنيها الذين يعيشون حالة الرفاهية النفطية من المجال الاستهلاكي الحيوي للدول المصنعة الكبرى .. كما أنها وهي على هذه الصورة ( دولة غنية صغيرة وسلطة ضعيفة ) ستكون في أمس الحاجة للحماية الخارجبة فلا تكون الا دولة تابعة عميلة ... تابعة بسبب عجزها وعميلة بسبب ضعفها ..
أما في الدول النفطية الكبرى فاذا كانت تحت قيادة فاسدة مثل الدولة السعودية فمصيرها لن يكون اقل من مصير الدويلات السابقة : العمالة والتبعية والمذلة والفساد .. واذا كانت تحت قيادة وطنية قادرة على بناء قاعدة اقتصادية صلبة تخرج بها عن دائرة النفوذ العالمي مثل مصر والعراق سابقا ، فلا يمكن أن تكون الا مستهدفة ولو بالقوة الغاشمة والفوضى ..
أما في الدول الفقيرة فلا مجال للحديث عن الاستقلال والتنمية والاستقرار والديمقراطية في ظل الحاجة المستمرة للديون الخارجية والغذاء والمواد الأولية وغيرها من الاحتياجات ..
باختصار ، الدولة الإقليمية فاشلة بطبيعتها ، وفي ذاتها ، ولن تبلغ أبدا ما يطمح اليه مواطنوها : دولة منيعة ذات حظوة ومنزلة عالمية واعتبار ومراتب عليا وتقدم في جميع المجالات .. فهي اما أن تكون جسما مريضا معالجوه في الداخل عاجزون موضوعيا عن استئصال أمراضه ، ومعالجوه في الخارج لا يصفون له الا المسكنات التي تجعله في حالة مرضية دائمة حتى الموت البطئ .. واما ان تكون كيانا محاصرا لا يقوى على الصمود امام العواصف الخارجية العاتية التي تستهدف وجوده ، وتهدد كيانه ..
لذلك لا بد ان نقول بوضوح ان التنمية التي تحل مشكلات الناس في الدول الاقليمية لازمة وممكنة في حدودها الضيقة ، لكن افاق التقدم الذي يخرجون به نهائيا من تخلفهم مستحيل .. وهو لن يتحقق ابدا بالنسبة للعرب في ظل الاستهداف الموجه لهم جميعا الا في دولة قومية موحدة قادرة على مواجهة التحديات ..
( القدس ) .
نعني بالحدود والافاق ، حدود التنمية الممكنة الضيقة والمحدودة في الدول العربية ( حل مشاكل البطالة والسكن والبنية التحتية في المؤسسات العمومية ، حل المشاكل المتراكمة في التعليم والصحة ، تجاوز الضعف المتزايد في المقدرة الشرائية والقضاء على الفساد الخ ... ) .. وافاق التقدم الحضاري المعرفي والتنكنولوجي المستحيل في ظل الاوضاع الحالية المتعلقة اساسا بطبيعة الدولة الاقليمية ككيان فاشل ذاتيا وموضوعيا في تجاوز هذه العقبات .. ونبدا بمقاربات السياسيين ...
حينما تشتد الازمات في الدول العربية وعلى راسها تونس يكثر الحديث في المنابر الاعلامية عن الفساد ، ويتجه الحديث بمجمله الى تشخيص المشاكل وحصرها في هذه الزاوية التي يشار اليها بالاجماع " ازمة الفساد " .. فتصبح كل الحلول التنموية متوقفة على مدى جدية الاطراف الحاكمة في محاربة هذه الظاهرة المتفشية فعلا في مؤسسات الدولة وفي المجتمع .. غير ان السؤال الذي يطرح نفسه في الدول العربية عامة وبقطع النظر عن النوايا والخلفيات التي تحرك الحاكمين ، لماذا يتفشى الفساد في مؤسساتها ؟ ولماذا تفشل الدولة في محاربته رغم جدية المحاولة احيانا ؟ هنا نتجاوز عن النوايا حتى لا نسقط في التخوين ونتخطى بعيدا عن موضوع الاحزاب والانظمة الحاكمة في الدول العربية لنحصر الحديث في اصل المشكل : فشل التنمية في الدول الاقليمية .. ثم نطرح السؤال بصيغة مختلفة : هل يعود الفشل في التنمية والتقدم في الوطن العربي الى الفساد وحده كما يروج السياسيون ؟ وهل تتوقف الطموحات في الدول العرببة على محاربة الفساد وحل مشكلات التنمية دون التقدم الحضاري والتصنيع والتطور العلمي والتكنولوجي ... ؟ .
صحيح أن الفساد يزيد في أزمات الدولة عندما يعبث بمواردها المحدودة ، ويخنق مواطنيها حينما يتحول المجتمع باسم الحريات المطلقة والمنافسة المنفلتة الى غابة يأكل فيها القوي الضعيف .. وصحيح أيضا أن الإصلاح ومقاومة الفساد يمكن أن يحسن من أوضاع الناس ، وهو لازم وضروري في كل الأحوال .. ولكن إمكانية ان يتحول أي قطر عربي الى دولة قوية آمنة ، ديمقراطية ، ذات سيادة كاملة وإرادة مستقلة ، متقدمة علميا وصناعيا ، مثلما يطمح الجميع ، امر مستحيل سواء في الأقطار النفطبة الغنية أو في الدول الفقيرة .. وستظل أي دولة منها في احسن الاحوال ، مجرد دولة نامية تصارع من أجل سيادتها للتخلص من التبعية ، ومن اجل خلق الموارد لتحقيق النمو اللازم للاستقرار وبناء ديمقراطية سليمة الخ .. لكنها - كما تبين التجارب في الواقع - لن تستطيع تحقيق الامال المطلوبة مهما توفرت الارادة والنوايا الصادقة ..
ففي الدول النفطية الصغيرة مثل دويلات الخليج ، ستظل الدولة الإقليمية تستنزف مواردها المادية دون أن تتحول الى دولة متقدمة قادرة على تنمية ثرواتها وتحويل تلك الموارد الى صناعات تحويلية كبرى تخلق النمو الاقصادي الحقيقي المنافس للاقتصاد العالمي ، وهو ما يجعلها تابعة بالضرورة بسبب عجزها عن اخراج مواطنيها الذين يعيشون حالة الرفاهية النفطية من المجال الاستهلاكي الحيوي للدول المصنعة الكبرى .. كما أنها وهي على هذه الصورة ( دولة غنية صغيرة وسلطة ضعيفة ) ستكون في أمس الحاجة للحماية الخارجبة فلا تكون الا دولة تابعة عميلة ... تابعة بسبب عجزها وعميلة بسبب ضعفها ..
أما في الدول النفطية الكبرى فاذا كانت تحت قيادة فاسدة مثل الدولة السعودية فمصيرها لن يكون اقل من مصير الدويلات السابقة : العمالة والتبعية والمذلة والفساد .. واذا كانت تحت قيادة وطنية قادرة على بناء قاعدة اقتصادية صلبة تخرج بها عن دائرة النفوذ العالمي مثل مصر والعراق سابقا ، فلا يمكن أن تكون الا مستهدفة ولو بالقوة الغاشمة والفوضى ..
أما في الدول الفقيرة فلا مجال للحديث عن الاستقلال والتنمية والاستقرار والديمقراطية في ظل الحاجة المستمرة للديون الخارجية والغذاء والمواد الأولية وغيرها من الاحتياجات ..
باختصار ، الدولة الإقليمية فاشلة بطبيعتها ، وفي ذاتها ، ولن تبلغ أبدا ما يطمح اليه مواطنوها : دولة منيعة ذات حظوة ومنزلة عالمية واعتبار ومراتب عليا وتقدم في جميع المجالات .. فهي اما أن تكون جسما مريضا معالجوه في الداخل عاجزون موضوعيا عن استئصال أمراضه ، ومعالجوه في الخارج لا يصفون له الا المسكنات التي تجعله في حالة مرضية دائمة حتى الموت البطئ .. واما ان تكون كيانا محاصرا لا يقوى على الصمود امام العواصف الخارجية العاتية التي تستهدف وجوده ، وتهدد كيانه ..
لذلك لا بد ان نقول بوضوح ان التنمية التي تحل مشكلات الناس في الدول الاقليمية لازمة وممكنة في حدودها الضيقة ، لكن افاق التقدم الذي يخرجون به نهائيا من تخلفهم مستحيل .. وهو لن يتحقق ابدا بالنسبة للعرب في ظل الاستهداف الموجه لهم جميعا الا في دولة قومية موحدة قادرة على مواجهة التحديات ..
( القدس ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق