المقاومة من وجهة نظر قومية .
د.عصمت سيف الدولة .
كان الحديث عن " المقاومة من وجهة نظر قومية " موجها الى جمع من الشباب العربي التقوا على موعد محدود في نادي " الوافدين " بالقاهرة مساء يوم 2 نوفمبر 1969 . وبدأ الحوار بعد الحديث حتى انقضت حدود الموعد . ثم لم تنقطع ساعات طويلة على مدى ايام عدة ، وشارك فيه شباب جاد في البحث عن اجابات لأسئلة محددة . وآخرون يثيرون الاسئلة لاختبار اجاباتهم المعدة . وغير هؤلاء وهؤلاء في مواقع عدة بصيغ متعددة . ولقد اثارت الاسئلة التي طرحت تساؤلات لم يطرحها أحد . وثبت من كل هذا أن " المقاومة " أكبر أثرا ، وأعمق محتوى ، من أن يكفي حديث قصير للاجابة عن كل ما تفجره من قضايا في اذهان الشباب العربي . فقد ذهبت الاسئلة والتساؤلات التي تثيرها " المقاومة " الى حد تناول كل القضايا الفكرية والحركية التي تتصل بالوجود القومي ومستقبل الحياة فيه ، أو أغلبها ، ولما ينقطع الحوار بعد . عندئذ أصبح من حق المقاتلين في المقاومة ، وقياداتهم ، والشباب العربي في كل مكان ، أن يشاركوا في الحوار الذي بدأ حديثا ، وعدم التشهير بأي من القوى والمنظمات التي تقف في مواجهة العدو المشترك . وصياغتها مرتبة على وجه يتفق مع تسلسل نقاط الحديث ذاته . دعوة الى مزيد من الحوار البناء حول اسلوب الوفاء بمسؤولياتنا القومية .
عصمت سيف الدولة .
***
1) الحديث :
مدخل :
ان الحديث عن " المقاومة " حديث شائك لأسباب عدة . اولها اننا اذ نتحدث عن " المقاومة " لسنا على الحياد من معركتها البطولية ضد الغزو الصهيويني ، بل نحن مع " المقاومة " . ان هذا يعني اننا ملتزمون بحدود المعركة فلا نقول اذ نقول الا ما يدعم مقدرة " المقاومة " على النصر . والحديث عن المقاومة ، حتى فيما يدعم مقدرتها ، ليس سهلا في كل وقت . ذلك لأن ثبات " المقاومة " في المعركة وتصاعد مقدرتها بعد هذا ، والبطولات الرائعة التي يقوم بها مقاتلو " المقاومة " قد أضفى على " المقاومة " هالة من القدسية لا تقبل من الحديث الا ما يشبه الصلاة والتمجيد . ومع هذا فقد تعلمنا من تاريخنا القريب ، ومن هزيمة يونيو 1967 ذاتها ان الصمت ، حتى لا نمس مشاعر بعض الجماهير فيما تأمل فيه وتقدسه ، قد أسهم في الهزيمة . فتراكمت السلبيات خفية حتى انهارت القوى التي ما كان يظن أحد انها قابلة للانهيار . لهذا قد اخترنا الحديث الشائك عن " المقاومة " . السبب الثاني ، اننا اذ نتحدث عن " المقاومة " نتحدث عن أبطال بواجهون الموت كل يوم ، أو يموتون . ونحن نتحدث عنهم من مقاعدنا المريحة في القاهرة على وجه يبدو كما لو كنا ننتمي الى عالمين مختلفين منعزلين . هناك من يرون ـ ويرددون ـ أن وراء هذه العزلة تاريخا من صنع المثقفين العرب انفسهم ، اذ انهم أهدروا سنين طويلة في أحاديث لم تنقطع الا عندما اكتشفوا انهم بينما كانوا مشغولين بتنميق الكلمات ورصها جملا وسطورا والقائها جدلا صاخبا ، كان العدو يعد في صمت قوته المقاتلة التي أوقعت بدولهم الهزيمة فكشفت عن عقم الحوار الذي أضاعوا فيه أعمارهم وأن فلسفة " السلاح " هي الصحيحة ، أما سلاح " الفلسفة " فهو عبث لا يطاق . ولا شك أن وراء هذا الاتهام قدرا محدودا من الحقيقة وان كان غير كاف لتغطية نوايا المغامرين . ومع هذا فقد تعلمنا من تاريخنا القريب ، ومن تاريخ الثورات في العالم ، انه اذا كان الفكر المجرد من السلاح عبثا فارغا ، فان السلاح المجرد من الفكر مغامرة جاهلة . وتعلمنا من قائد ثورة أكتوبر ، لينين العظيم ، أنه " لا ثورة بدون نظرية " . من أجل هذا اخترنا الحديث الشائك عن " المقاومة " من وجهة نظر " قومية " يقينا منا بأنا ما نزال نفتقد من الفكر المحرك أكثر مما نفتقد من السلاح الفعال .
وحديثنا بعد ، ليس استعراضا فكريا بدون غاية . ان غايته أن يسهم في تحقيق قدر من الوحدة الفكرية بين الشباب العربي كمقدمة لازمة لوحدة ثورية يحقق بها هؤلاء الشباب النصر على أعداء المصير التقدمي الذي يتطلعون اليه . وليس أكثر تعويقا للوحدة الفكرية ، وبالتالي تكريسا للفرقة الثورية ، من عدم تحديد مضامين الالفاظ التي نستعملها في الحوار ، عندما نتكلم لغة واحدة ، بينما يعني بها كل واحد منا معنى مختلفا ، فنختلف . لهذا ستكون بداية حديثنا تحديدا لما نعنيه " بالمقاومة " ثم ما نعنيه بالنظرة الى " المقاومة " ، لعل هذا التحديد أن يساعد على ألا يفهم أحد ما يقال على أساس من أفكاره الخاصة . فاذا انتهينا من هذا التحديد الذي يستغرق أكثر حديثنا سيكون سهلا علينا أن ندرك بدون حاجة الى حديث طويل ـ النظرة القومية " للمقاومة " .
مع التسليم مقدما بان كل هذا اجتهاد قد تختلف فيه الآراء .
ماذا تعني " المقاومة " ؟
عندما نتحدث عن " المقاومة " نعني أسلوب القتال المسلح الجماهيري لتحرير الأرض العربية من الغزو الصهيوني . فالمقاومة تعنينا ـ في نطاق هذا الحديث ـ من حيث هي " أسلوب " للنضال ، اسلوب قتال " مسلح " متميز عن النضال الديبلوماسي أو الدعائي أو الفكري . وهي " أسلوب " قتال مسلح " جماهيري " متميز عن الأسلوب الدولي واسلوب الحرب النظامية ، ان هذا لا يعني أن المقاومة مجرد عصابات مسلحة مقطوعة الصلة بالصراع الديبلوماسي ، أو الدعائي ، أو الفكري ، وبالدول وسياساتها وجيوشها ، أبدا ، انما يعني أن المقاومة اذ تلجأ الى واحد أو أكثر من تلك الاساليب ، انما تفعل هذا كدعم ومساندة لأسلوبها المتميز : القتال الجماهيري المسلح .
ونحن نعلم أن " المقاومة " ضد الغزو الصهيوني ليست مجرد مقاومة دفاعية بل تتضمن نوايا هجومية تذهب الى حد تحرير فلسطين ، ومع ذلك نسميها " مقاومة " . ونعلم أن المقاومة مجسدة في عديد المنظمات المتميزة من حيث منطلقاتها الفكرية ، أو تركيبها البشري ، أو غاياتها الاستراتيجية ، أو مقدرتها القتالية ، أو حتى بقادتها دون أي مميز موضوعي آخر . وكلها عندنا ـ في نطاق هذا الحديث ـ مقاومة . كما نعلم أن تلك المنظمات " الجماهيرية " المتعددة ليست على قدر موحد من الاستقلال أو التبعية بالنسبة الى بعض الدول العربية . ومع ذلك نعنيها جميعا عندما نتحدث عن المقاومة . ذلك لأن ما يهمنا من " المقاومة " في هذا الحديث هو تلك السمة المشتركة بين كل المنظمات وهي : أسلوب القتال الجماهيري المسلح .
ماذا تعني " القومية " ؟
ان كان هذا واضحا وبسيطا فلعله مما يثير الدهشة أن يكون مفهوم " القومية " أقل وضوحا وأكثر تعقيدا . يرجع هذا فيما نعتقد الى عوامل متعددة ومتفاعلة أهمها :
أولا ـ ان مواجهة المد القومي التي بدأت في سنة 1955 قد جذبت اليها بعضا من المثقفين الذين فهموا القومية على أنها انتماء سلبي يحقق لهم نصيبا في عائد انتصاراتها بدون أن ينتبهوا الى حدها الايجابي من حيث هي التزام من أجل تحقيق مضامين حية . لهذا كثر الحديث عن القومية حديثا فارغا كتفاخر فقراء الريف بانحدارهم من عائلات عريقة ، منقرضة . وتلقف أعداء القومية تلك الأحاديث فأضافوها ـ بسوء نية ـ الى حساب الفكر القومي .
ثانيا ـ ان الحركات القومية المعاصرة للصعود الرأسمالي في اوروبا قد أسقطت على القومية كل مثالب الراسمالية ، وأدينت القومية بما جنت أيدي الراسماليين ادانة تحتاج مراجعتها الى جهد علمي لا يقدر عليه الكثيرون أو لا يرغبون فيه . فأصبح رفض القومية ملجأ مريحا للعاجزين عن فهم حركة التاريخ وما يجري تحت أنوفهم في القرن العشرين .
ومنها وأخطرها ـ ثالثا ـ أن الحركة القومية العربية قد صاحبت محاولات التحرر من الاستعمار التركي والاوروبي ، وبهذا سبقت التحول الاشتراكي الذي بدأ بعد التحرر . فلما طرحت قضايا التحول الاشتراكي حاولت الرجعية العربية أن تغلف موقفها الرجعي بما تبقى لديها من تراث النضال القومي ، فأفرغت القومية من مضمونها التقدمي وانقلبت القومية على أيديها الى مجرد رابطة عرقية متعصبة ورجعية .
وغير هذا أسباب كثيرة .
وهكذا أصبح الحديث عن القومية مباحا لعديد من التيارات المتناقضة ، كل منها يدعيها ، وكل منها له في الأحداث " وجهة نظر قومية " .
من أجل هذا ، لا بد من أن نصبر على طول الحديث عن " القومية " ليكون مفهومها الذي نعنيه ، ونلتزمه ، ونرى " المقاومة " على ضوئه ، محددا الى أقصى درجة من التحديد ممكنة .
الوجود القومي :
الذي لا شك فيه أن الوجود القومي ( الأمة ) ، كأي معطى موضوعي ، قابل للمعرفة وان كان غير متوقف وجودا وعدما على تلك المعرفة . بمعنى أننا اذا عرفناه فذلك اكتشاف لحقيقة موضوعية . واذا لم نعرفه فالحقيقة قائمة وان كنا لا نعرفها . وقد وصل الكثيرون الى اكتشاف الحقيقة القومية عن طريق البحث العلمي باستعمال مناهج مختلفة . وأصبح مسلما بأن ثمة وجودا اجتماعيا ذا خصائص متميزة يسمى " الأمة " . ولكنا اليوم نريد أن نحاول اكتشاف تلك الحقيقة من منطلق جديد : المنطلق الاشتراكي . نريد أن نبدأ كاشتراكيين لنرى معا ما اذا كان ذلك سيصل بنا الى أن نكون قوميين .
لماذا ؟
ان أزمة المستقبل العربي كما نراها من الآن هي أن القوى الاشتراكية منقسمة الى قوميين ولا قوميين . لأن وحدة القوى الاشتراكية في الوطن العربي كما نطلبها في الوطن العربي ضرورة قومية . لأن المقاومة كما نعرفها لن تنتصر نهائيا الا ان أصبحت مقاومة قومية اشتراكية . ولن يغنينا عن هذا مليون فوهة بندقية .
فلنبدأ من البداية .
والبداية هي البحث عن اجابة عن ذلك السؤال الحيوي الذي لا بد أن قد طرحه كل منا على نفسه وهو : كيف أحقق لنفسي حياة أفضل ماديا ومعنويا ؟ .. منفردا ؟ .. هذا غير ممكن فلكل منا أسرة ينتمي اليها ولا يستطيع أن يحقق لنفسه حياة أفضل بمعزل عنها . فلتكن غايته اذن ، أن يحقق الحياة الأفضل لنفسه واسرته معا ؟ .. منفردين ؟ .. هذا غير ممكن ، فاسرة كل منا جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي ينتمي اليه تؤثر فيه وتتأثر به سواء أرادت هذا أم لم ترده .
اذن ، فالحياة الأفضل ، بدون اختلاس ، لا يمكن أن تتحقق لأي منا واسرته الا في داخل مجتمع تسمح امكانياته وعلاقاته بالحياة الأفضل التي نريدها لأنفسنا .
ومن هنا يصبح دور كل منا ، وهو يسعى الى حياة أفضل له ولأسرته ، أن يعمل ايجابيا لتطوير " المجتمع الذي ينتمي اليه " الى حيث تتحقق امكانيات وعلاقات الحياة الأفضل . هذا الدور الايجابي يتضمن أمرين أساسيين .
الأول : أن لكل عامل ايجابيا الحق في أن يتطور المجتمع الذي ينتمي اليه ما دام هذا شرطا لازما موضوعيا لتطوير حياته الخاصة . ان هذا الحق ينصب على كل من الامكانيات والعلاقات : حق استرداد الامكانيات من مغتصبيها والمستاثرين بها ، وحق تنظيم العلاقات الاجتماعية بحيث يحصل كل واحد من عائد التقدم الاجتماعي على نصيب خاص متكافئ مع ما قدمه من عمل ايجابي ، مساهمة في ذلك التقدم .
الأمر الثاني : التزام كل عامل أيجابيا في مواجهة المجتمع الذي ينتمي اليه بأن يسهم في تطوير المجتمع الى حيث يتحقق له ، ولغيره ، الامكانيات والعلاقات التي تسمح بحياة أفضل . هذا الالتزام ليس التزاما منفردا ، بل التزام في مواجهة المجتمع . والمجتمع جماهير حية مريدة وقادرة على استيفاء حقوقها . وهذا يعني الا يقوم الالتزام بالنضال من أجل التقدم الا خلالض علاقة جماعية منظمة تضع كل مناضل في مواجهة ، وتحت رقابة ، جماهير محددة هي جماعير " المجتمع الذي ينتمي اليه " .
الى هنا لا يثور خلاف بين الاشتراكيين .
فحق كل عامل في امكانيات المجتمع الذي ينتمي اليه ، أو رفض الاغتصاب والاستئثار ، هو ترجمة للملكية الاجتماعية لمصادر الانتاج وأدواته . وحق كل عامل في أن يحصل من عائد التقدم الاجتماعي على نصيب متكافئ مع ما قدمه من عمل ، هو ترجمة لشعار " لكل حسب عمله " . والتزام كل عامل ايجابيا في مواجهة المجتمع الذي ينتمي اليه هو ترجمة " للديمقراطية الشعبية " . والعمل الجماعي المنظم هو الصيغة التي تجسد تلك الديمقراطية .
عند هذا الحد كلنا اشتراكيون ، مناضلون في سبيل تقدم " المجتمع الذي ننتمي اليه " .
ثم يرد السؤال المهم :
ما هو ذلك " المجتمع الذي ننتمي اليه " ، ويرتبط مصيرنا بمصيره ، والذي لنا حق في كل امكانياته ، وحق في صياغة علاقاته ، وعلينا التزام أمام جماهيره بأن نطوره ونحقق فيه الحياة الاشتراكية الأفضل ؟ ..
ان طرح هذا السؤال ليس تفلسفا ولا تعسفا . بل ان الاجابة عليه شرط جوهري لنجاح أي نضال اشتراكي . اذ على ضوئه نعرف نقطة انطلاقنا ، وامكانياتنا المادية والبشرية ، وقوانا ، والقوى الحليفة لنا ، والقوى المضادة لغايتنا ، وحلفاءها وساحة معاركنا المقبلة . وعلى اساسه نضع استراتيجيتنا ، وفي واقعه ندير معاركنا التكتيكية ، ثم نقدم الحساب لجماهيره المحددة التي التزمنا أمامها بأن نحقق لها المستقبل الاشتراكي .
هذا اذا كنا جادين فيما ندعيه من تقدمية ، وما نعلنه من استعداد للنضال من أجل حياة أفضل .
ونحن جادون .
فما هو المجتمع الذي ننتمي اليه ؟
اسهل الاجابات وأقربها الى الذهن هي أن المجتمع الذي ننتمي اليه يتحدد " بالدولة " التي نحن رعاياها . فلكل " دولة " وطن وشعب ، وفيها حكومة ، ولها امكانيات ، وعلاقات ، ومقدرة على التقدم . ذلك هو الأمر الواقع . وليس من المنكر أن الأمر الواقع هو بداية الطريق النضالي أيا كانت غاية هذا الطريق . وان تجاهل الأمر الواقع أو القفز من فوقه الى غيره مثالية تبدد الطاقات ولا تغير من أمر الواقع شيئا . ولكن اذا كانت الدولة أمرا واقعا فان التخلف أمر واقع ، والاستغلال أمر واقع ، والاحتلال أمر واقع ، واسرائيل أمر واقع ، والهزيمة أمر واقع فلماذا لا نقبل كل هذه الأمور الواقعة ؟ لأن الاشتراكيين تقدميين فهم يعرفون أن كل ما يبدو أمرا واقعا هو في حركة وتغير دائمين . وأن ثمة في كل يوم جديدا تحت الشمس . وأن مهمتهم على وجه التحديد هي تغيير الأمر الواقع الى الأمر الأفضل . اذن ، فكون الدولة أمرا واقعا يحدد لنا مجتمعا معينا ليس بالضرورة أنها أفضل تحديد للمجتمع الذي ننتمي اليه . ويكون علينا أن نبحث عن الحقيقة الموضوعية لهذا المجتمع لنرى بعد هذا ما اذا كانت الدولة تتفق مع تلك الحقيقة أو لا تتفق . وعندما لا تكون الدولة متفقة مع تلك الحقيقة الموضوعية يجب أن تزول الدولة المصطنعة لتقوم بدلا منها الدولة التي تتفق مع حقيقة المجتمع الذي ننتمي اليه .
فكيف يمكن أن نكتشف تلك الحقيقة اللازمة لتحديد مدى التزامنا النضالي من أجل الاشتراكية ؟
يقول القوميون أن الوجود القومي ( الأمة ) مسلمة علمية وذات خصائص يسهل معها تحديد نطاق الانتماء ، ويقدمون في التدليل على هذا عديدا من النظريات ، التي أسهم بعض الاشتراكيين في وضعها عن خصائص الأمة : وحدة اللغة ، وحدة الأرض ، وحدة المصالح ، وحدة الشعور النفسي ، وحدة الارادة ..الى آخر النظريات التي قيلت في خصائص الأمة . وينتهي القوميون من هذا الحوار الى أن الأمم هي " المجتمعات" التي ينتمي اليها الناس ، وأن لكل انسان أمة متكونة أو في طور التكوين ينتمي اليها . وان التزامه النضالي يمتد الى أن يشمل كل أمته وطنا وبشرا ، وان حقه في حياة كريمة أفضل يمتد ليشمل كل امكانيات أمته وعلاقاتها . ثم يضيف العرب القوميون : ونحن أبناء أمة عربية واحدة ، فهي مجتمعنا الذي ننتمي اليه ، وامكانياتها حقنا ، والتزامنا قائم أمام جماهيرها كافة برغم التجزئة الطارئة عليها .
والى عهد قريب جدا كانت كل الدراسات القومية في الوطن العربي تدور حول هذه الفكرة وتقف عندها .
ولم يكن هذا كافيا .
لم يكن كافيا لاذابة الجمود الفكري لدى بعض الاشتراكيين . ولم يكن كافيا لاقناع بعضا آخر من الاشتراكيين بمضاعفة التزاماتهم النضالية والتصدي لسحق الدول الاقليمية وتغيير الحياة في الوطن العربي كله بدلا من المهمة السهلة نسبيا وهي تغيير الحياة في جزء منه . وقد استفز هذا الرفض كثيرا من الاشتراكيين العرب فاحتدمت المعركة بين صفوف الاشتراكيين . وطبيعي أن الرجعية كانت المستفيدة الأولى من هذا الخلاف . والواقع ما وصل اليه الفكر القومي من بيان لخصائص الأمة لم يكن كافيا ، ولا يمكن أن يكون كافيا لاقناع أي مناضل من أجل الاشتراكية بأن يمد التزامه النضالي الى خارج دولته ، بما يتضمنه هذا من أعباء ثورية مضاعفة ، لمجرد أن يقال له أن اولائك المقهورين خارج الحدود اخوتك أبناء أمتك لأنك تتكلم لغتهم ، وتعيش معهم على رقعة جغرافية واحدة ، ولك معهم مصالح مشتركة .. الخ . ومن باب أولى لم يكن كافيا ، ولا يمكن أن يكون كافيا ، لأي اشتراكي أن يستجيب لدعوة عصبية قومية غير ذات مضمون فيهدر جهده من أجل معان مجردة غير قابلة لأن تتحول الى حياة أفضل خاصة اذا جاءت الدعوة من صفوف القوى الرجعية . ذلك لأن الغاية النهائية للنضال الاشتراكي هو أن يحقق حياة أفضل .
ولم يكن ثمة أمل في وحدة القوى العربية التقدمية الا باكتشاف العلاقة بين القومية والتقدمية . ومع أن الثبات النسبي للرابطة القومية ، وانعكاساتها على البناء الاشتراكي في المجتمعات التي سبقت الى بناء الاشتراكية ، وصمودها كاطار للتقدم في تلك المجتمعات بالرغم من ادانتها كان يشير الى أن هناك علاقة موضوعية بين القومية والاشتراكية ، فان القومية كانت قابلة للاضعاف كرابطة والذبول كفكرة والفشل كحركة ، في عصر الصعود الاشتراكي ، ما لم يثبت أنها بذاتها رابطة تقدمية أو على الأقل أنها ليست عائقا في سبيل الاشتراكية .
وقد قدم الاشتراكيون العرب ، تحت الحاح رغبتهم في وحدة القوى العربية التقدمية ، ووفاء منهم بمسؤولياتهم القومية أمام الجماهير العربية ، عديدا من الدراسات التي استهدفت الكشف عن علاقة القومية والاشتراكية ، من جميع الزوايا الفكرية أو التطبيقية التي تهم الاشتراكيين في حوار مفتوح مع القوى التقدمية . وكان ذلك هو الجانب الجاد من الحوار الذي استنفد سنين غالية من حياتنا على أمل لقاء كل التقدميين في وحدة ثورية . حتى فوجئنا بالعدو الصهيوني الامبريالي المشترك يعصف بأحلام الطامعين في بناء الحياة الاشتراكية الأفضل في جزء من الوطن العربي وتبينوا في اسوأ الظروف تلك الوحدة الموضوعية والتفاعل المتبادل بين كل المشكلات التي طرحها واقع الامة العربية ، وتذكروا تلك الكلمة التي قيلت لهم فصفقوا لها ثم نسوها أو تناسوها أو أخفوها " ان التقدم العربي لا يمكن أن يقوم على أساس التجزئة " .
ونحن نفترض أن الدرس القاسي قد أثمر فنعيد الحوار بدون استغلال لمرارة الهزيمة ونعود بهم الى حيث توقفنا : العلاقة بين القومية والتقدمية . هل القومية رابطة تقدمية ؟ هل تقف عقبة في سبيل الاشتراكية ؟
ان الاجابة على هذه الأسئلة ستكون آخر الحوار . والرفض المتعنت لها يضع ادعياء الاشتراكية في الوطن العربي موضع اتهام جاد وصريح يتناول ولاءهم للجماهير العربية واشتراكيتهم ذاتها ، فان الوقت العصيب الذي تمر به أمتنا لم يعد يسمح بمزيد من تدليل المتمردين على أمتهم ولو رفعوا شعارات الاشتراكية .
لماذا تكونت الأمم :
قلنا من قبل ، ونقول الآن ، لكل الاشتراكيين الذين يتنكرون لالتزاماتهم القومية ، ويقصرون ولاءهم على جماهير أقاليمهم بحجة أن القومية غير ذات علاقة بالتقدمية ، أو بأن الحركة القومية رجعية :
أيها الاخوة ،
ان مسألة الأمة كظاهرة اجتماعية غير منكورة ، فالأمم تملأ الارض وهي تطرح اسئلة ثلاثة :
الأول : ما هي الأمة ؟ وفي الاجابة على هذا نظريات عديدة تعرفونها ولا تعنينا في هذا الحديث .
الثاني : كيف تتكون الأمة ؟ والمتفق عليه أنها تكوين تاريخي يتم على مدى حقبة طويلة من الزمان خلال المشاركة في أحداث تاريخية نعرفها من تاريخ كل أمة على حدة .
الثالث : الذي يعنينا الآن هو :
لماذا تكونت الأمم ؟ لماذا لم تظل الاسر أسرا ، والعشائر عشائر ، والقبائل قبائل ؟ لماذا تجاوزت المجتمعات تلك الأطوار البدائية حتى وصلت الى طور التكوين القومي ؟ لا يمكن أن يكون قد تم هذا كله اعتباطا . فالاشتراكيون خاصة يعرفون من منهجهم العلمي ألا شيء يتم اعتباطا أو مصادفة ، وأن كل شيء حتى حركة المجتمعات من الماضي الى المستقبل محكومة بقوانين تضبط حركتها واتجاهها . كما يعرفون من منهجهم الجدلي أن التطور تقدم صاعد أبدا ، وأنه لا يكرر نفسه ، بل ينمو من خلال الاضافة نموا جدليا .
اذن لماذا تكونت الأمم ؟
يقول الاشتراكيون العرب أن المجتمعات البشرية قد تطورت من حيث النمو من الأسرة الى العشيرة الى القبيلة الى الشعب المستقر على أرض الى أمة خلال البحث عن حياة أفضل . تلك الغاية التي لا تزال تحرك الانسان في أي مكان مهما اختلف مضمون الحياة الأفضل . فالطور العشائري كان تحقيقا لحياة أفضل عجزت الأسر منفردة عن تحقيقها . والطور القبلي كان تحقيقا لحياة أفضل عجزت العشائر منفردة عن تحقيقها . والطور القومي كان تحقيقا لحياة أفضل عجزت المجتمعات القبلية والشعوبية منفردة عن تحقيقها . وقد تم كل هذا خلال أحداث ومراحل تاريخية مليئة بالصراع والهجرات والحروب بين القوى داخل المجتمعات ومع المجتمعات الأخرى المتماثلة بحثا عن الحياة الأفضل ، استنفذ فيها كل طور مختلف أقصى طاقاته ، على التقدم ، فلما أن عجز عن مزيد من التقدم ، وكان لا بد له بحكم قوانين التاريخ أن يتقدم انتقل الى طور أكثر تقدما . أكثر تقدما من حيث أنه يقدم له امكانيات للتقدم لم تكن متاحة له في طوره السابق .
وهكذا ، اذا كنا نحن الآن في الطور القومي ، واذا كنا ننتمي الى أمة عربية تكونت تاريخيا ، فان هذا يعني أن تاريخنا قد استنفذ كل مقدرة العشائر والقبائل والأقاليم العربية على التقدم قبل أن تتكون أمتنا ، وأنها عندما تكونت كانت دليلا تاريخيا لا ينقض على عجز المجتمعات الأولى التي تكونت منها على التقدم الاجتماعي منفردة . وأنها هي الرابطة التقدمية التي تتيح لكل جماهير المجتمعات الاولى التقدم الذي لم تكن متوافرة لها .
هل هي آخر طور ؟
هكذا يتساءل " الامميون " فنقول لا . فقياسا على حركة التاريخ الجدلية الصاعدة لا يمكن أن يكون الطور القومي آخر مراحل النمو الاجتماعي . بل نعتقد أنه عندما يتم التكوين القومي لكل الأمم التي لا تزال في طور التكوين ، ثم تستنفذ كل الامم أقصى طاقاتها على التقدم سيتم تكوين أو تكوينات اجتماعية جديدة أكثر مقدرة على التقدم . كل ما في الأمر أننا لا نعرف من الآن كيف يكون التكوين الجديد كما لم تكن تعرف القبائل أن مصيرها الى الوحدة القومية . فقد يكون التكوين الجديد جغرافيا ، وقد يكون قاريا ، وقد يكون انسانيا عالميا . ثم اننا لا نعرف متى سيتم هذا على أي من تلك المستويات . ولكننا نستطيع أن نقول أنه قياسا على ما استنفذته المجتمعات القبلية لتصبح أمما ومع ادراك لزيادة سرعة التطور الحضاري فان بين البشرية وبين تجاوز الطور القومي بضعة آلاف من السنين تخرج ذلك الطور الاجتماعي المقبل عن الموضوع الذي يشغلنا وهو ـ حتى نتذكر ـ تحديد المجتمع الذي نلتزم في مواجهته جماهيره بالنضال الاشتراكي ونتحمل أمامها مسؤولية تطويره وتحقيق الحياة الاشتراكية الأفضل فيه .
الأمة العربية هي اذن مجتمعنا الذي ننتمي اليه ، والقومية هي الرابطة التقدمية التي تجمعنا ، لا مبرر للجمود ولا للخوف ، فان النصر معقود لأية حركة تتناسب مع المعطيات الموضوعية لساحة نضالها . والقومية هي الضمان للنصر الاشتراكي . وان كان ثمة من يرضيهم أن يضيفوا الى التزامهم القومي التزاما أمميا نحو الوحدة المأمولة للمجتمع الانساني ، فلا تثريب عليهم ، ولكن نقول لهم دعونا أولا نوف بمسؤولياتنا القومية نحو الجماهير التي نعرفها ويرتبط مصيرنا بمصيرها الى آلاف السنين ، وان عشتم بعد هذا فافعلوا ما تريدون . وحتى قبل ذلك الحين فان قبولكم حقيقة الوجود القومي هو قبول للوجود القومي للأمم الاخرى ، والتزام بالتعايش السلمي معها , والتحالف مع حركاتها التقدمية ضد الرجعية العالمية المتحالفة . ذلك لأن مجرد القبول بحقيقة الوجود القومي للأمم جميعا لا يعني أن أمتنا ليست جزءا مؤثرا ومتأثرا بالتطور البشري كافة ، لأننا أيضا أمة من البشر .
تلك هي القومية .
النظرية القومية :
عند هذا الحد ، حد اكتشاف المضمون التقدمي للقومية تصبح نظرية القومية ذات المضمون الاشتراكي عقيدة ( ايديولوجيا ) كافية لتقييم الواقع العربي وتحديد استراتيجية تغييره ، وتعبئة قواه وقيادة المعارك فيه وتحقيق النصر لجماهيره . أي تكون كافية للتحول الى حركة قومية ثورية ذات منطلقات فكرية واستراتيجية حركية .
أما المنطلقات الفكرية فيمكن تلخيصها في جانبيها السلبي والايجابي في أمرين :
1 ـ بما أن المجتمع العربي لا يتطور تطورا متكافئا مع امكانياته الا بحشد كافة امكانياته لتطويره ككل ، فان الاقليمية تجسيد التجزئة فكرا وتنظيما هي حركة رجعية فاشلة : رجعية لأنها تعوق التطور الاجتماعي في الوطن العربي وفي أي جزء منه تطورا متكافئا مع الامكانيات العربية المتاحة ، وفاشلة لأنها محاولة لاعادة الأمة الى طور متخلف عن الطور القومي وهو مستحيل بحكم حتمية التقدم الصاعد في حركة المجتمعات .
2 ـ انه بحكم الوحدة الموضوعية للمشكلات القومية فان أية مشكلة في أي مكان من الوطن العربي هي مشكلة قومية غير قابلة لأن تحل حلا تقدميا متكافئا مع الامكانيات العربية الا من منطلق قومي بأداة قومية في اطار التقدم الاجتماعي لجماهير الأمة العربية ككل . وبالتالي فان الحل التقدمي النهائي لكل مشكلات التقدم في الوطن العربي لا يتم الا في ظل دولة الوحدة العربية الاشتراكية والديمقراطية .
ان هذا لا يعني أن كل جزء من الأمة العربية عاجز تماما عن تحقيق بعض التقدم لجماهيره ، ولكن يعني تماما أن ما يتحقق في كل دولة اقليمية أقل بكثير مما يمكن أن يتحقق للشعب فيها في ظل الوحدة الاشتراكية والديمقراطية .
وأما عن الاستراتيجية فهي على اساس تلك المنطلقات الفكرية . تبدأ بالواقع وتنتهي الى غايتها العظيمة " اقامة دولة الوحدة الاشتراكية والديمقراطية " . وبدءا بالواقع العربي يمكن تقسيم استراتيجية الحركة العربية التقدمية الى خمس مراحل :
المرحلة الأولى : الاعداد الفكري والبشري لقيام اداة الثورة العربية .
المرحلة الثانية : اقامة اداة الثورة العربية تنظيما قوميا اشتراكيا ثوريا .
المرحلة الثالثة : اشتعال الثورة العربية التحررية الوحدوية الاشتراكية .
المرحلة الرابعة : اقامة دولة الوحدة النواة العربية الثورية .
المرحلة الخامسة : تصفية الاقليمية واقامة دولة الوحدة الشاملة الاشتراكية الديمقراطية .
وطبيعي أن كل مرحلة من هذه تنطوي على مراحل تكتيكية لا داعي لحصرها الأن ولا يمكن التنبؤ بها مستقبلا . المهم أن نعرف أن الحركة العربية التقدمية تعيش الآن في مرحلتها الاستراتيجية الأولى : مرحلة الاعداد الفكري والبشري لقيام الثورة العربية . وانها من موقفها في هذه المرحلة تنظر وتقيم وتتخذ موقفا من أي حدث دولي أو عربي أو اقليمي ، ومن كل القوى ، والصراعات والحروب . وعلى ضوء مقتضيات هذه المرحلة تنظر وتقيم وتتخذ موقفا من الغزو الصهيوني ومن المقاومة .
فلننظر من هذه الزاوية ولنقدر الموقف العربي من الغزو الصهيوني بما فيه " المقاومة " .
حقيقة الموقف :
ان حقيقة الموقف من وجهة نظر قومية تتلخص فيما يلي :
أولا : أن هناك غزوا صهيونيا لجزء من الوطن العربي يستهدف توطين اليهود عليه في دولة تمتد من الفرات الى النيل . بدأ الغزو الصهيوني تسللا قبل سنة 1948 ، ثم مسلحا في ذلك العام ، ثم ما تلاه من توسع حتى سنة 1967 ، وهو غزو في ظل دعم وتأييد الامبريالية العالمية وعلى راسها الولايات المتحدة الأمريكية .
ثانيا : ان هذا الغزو موجه ضد الأمة العربية بقصد الاستيلاء على جزء من الوطن العربي ، وأنه قد بدأ واتسع ونجح حتى الآن في غيبة أي قوة قومية . ذلك لأن التجزئة التي أقامها ذات الاستعمار المؤيد للصيونية ، والتي تجسدها الدول العربية الاقليمية ، قد حالت ، وتحول بين القوى المعتدية وبين القوى القومية المعتدى عليها بأن حرمت على الجماهير العربية أن تتصدى للدفاع عن وطنها باداة قومية سياسية ( دولة الوحدة ) أو باداة جماهيرية ( التنظيم القومي الثوري ) ، وان الدول الاقليمية على هذا الوجه قد اسهمت وتسهم بقدر في تغطية الغزو الصهيوني للوطن العربي .
ثالثا : انه في غيبة القوى القومية تصدت الدول الاقليمية لهذا الغزو في حروب دفاعية ثلاث على مدى عشرين عاما ، وانهزمت في كل مرة بالرغم من تفوق امكانياتها المتاحة وان المرجع الاساسي لفشلها هو انها دخلت معركة قومية ـ أو ادخلت فيها ـ بذهنية اقليمية ، من منطلقات اقليمية ، بأدوات اقليمية ، كانت غايتها أن تدحر خطرا يهدد سلامتها الاقليمية ولم تكن لدى أية دولة عربية في أي يوم من الأيام ارادة تحرير الأرض العربية في فلسطين .
رابعا : ان معركة 1967 قد اسفرت عن غزو الصهيونية لأجزاء من أقاليم بعض الدول العربية . وبذلك تغيرت طبيعة المعركة بالنسبة الى هذه الدول فأصبحت طرفا أصيلا في المعركة ، فلم تقبل الهزيمة كما قبلتها في أرض فلسطين ، ولم تقبل المفاوضة كما فاوضت على أرض فلسطين . وصمدت كما لم تصمد من قبل ، وهي تعد العدة لحرب هجومية لأول مرة في تاريخها .. كل هذا وهي تعلن وتكرر اعلانها بأن حدود معركتها هي ازالة آثار العدوان ، أي تحرير أرضها وليس تحرير الأرض العربية في فلسطين .
خامسا : الحقيقة الخامسة من حقائق الموقف ان قد اسفرت جولة يونيو سنة 1967 من دخول الجماهير العربية طرفا في القتال المسلح ضد الصهيونية في شكل منظمات فدائية ، صمدت للقتال بينما القوى جميعا منهارة ، وتصاعدت مقدرتها حتى فرضت وجودها على الأطراف التقليديين للمعارك السابقة : الصهيونية من ناحية والدول العربية من ناحية اخرى . تلك هي المقاومة احدى حقائق الموقف الراهن في الصراع ضد الصهيوينة .
المقاومة من وجهة نظر قومية :
قلنا أن الحركة العربية التقدمية تمر الآن بمرحلتها الاستراتيجية الأولى وهي الاعداد لبناء اداة الثورة العربية تنظيما قوميا تقدميا ثوريا ، وانها من هذا الموقع تقيم وتحدد موقفها من الأحداث والقوى جميعا . وعلى ضوء ما أوردناه في نقاط خمس من حقائق الموقف في الوطن العربي يمكن تلخيص النظرة القومية على الوجه الآتي :
أولا : بالنسبة للغزو الصهيوني والامبريالي فانه يتناقض تناقض الحياة والموت مع الحركة القومية لأنه يستهدف الاستيلاء على ذات الارض التي تستهدف اقامة دولة الوحدة العربية عليها ، والقضاء على اي أمل في قيام حياة افضل على الأرض العربية ، وبالتالي فان سحق اسرائيل وتصفية الصهيونية العالمية هي القضية الأولى والاساسية للنضال العربي .
ثانيا : انه اذا كان ذلك الغزو قد بدأ واتسع ونجح في غيبة القوى القومية ـ الطرف الأصيل في المعركة ـ فانه قابل للاتساع والنجاح طالما كانت القوى القومية بعيدة عن ساحة القتال ، وان التنظيم الثوري القومي الجماهيري والسياسي هو الاداة القادرة على سحق اسرائيل وتصفية الصهيونية .
ثالثا : ان الدول العربية ، كانت ، وما تزال ، وستظل ، منفردة أو متحالفة غير قادرة على تحرير فلسطين لسبب بسيط هو أن تحرير فلسطين يقع خارج نطاق أهدافها كدول اقليمية ، وبالتالي فان أي مخطط لتحرير فلسطين يجب أن يقوم بعيدا عن أية تبعية لأية دولة عربية سواء كانت تبعية سياسية أو تنظيمية أو مالية أو ادارية .
رابعا : غير أن الدول العربية التي فقدت أجزاء من أقاليمها في حرب يونيو 1967 قد أصبحت طرفا أصيلا في المعركة الى أن تزول آثار العدوان ، ولهذا فان الموقف القومي يتطلب دعم مقدرتها على الصمود وتنمية مقدرتها على القتال ودفعها الى المعركة والحيلولة دون انسحابها منها أو استسلامها ، ومع التحوط ضد ما تعلنه من أن حدود معركتها تقف عند حدود 4 يونيو 1967 .
خامسا : أما عن المقاومة كأسلوب فذلك هو المدخل التاريخي لانجاز المرحلة الاستراتيجية الأولى من مراحل الثورة العربية . فقد كانت الحركة العربية التقدمية تواجه صعوبات جسيمة تحول دون بناء تنظيمها القومي . وكانت في حاجة الى مكان في الوطن العربي لا تمتد اليه قوانين وشرطة ومحاكم وسجون الدول الاقليمية . وكانت في حاجة الى ساحة نضال تعبئ فيها قواها وتربي كوادرها وتخوض معاركها بعيدا عن رقابة أو وصاية أو تخريب الدول الاقليمية ، وكانت في حاجة الى تكوين جماهيري ثوري يتم ويقوم ويكتسب شرعية من مقدرته الذاتية على الوجود بعيدا عن جهود الدول الاقليمية . وكانت في حاجة الى الوجود المنظم الذي يمثل الجماهير العربية ككل ، ويحقق وحدتها القومية في ذاته ، بدون اعتداد بالانتماء السياسي لاية دولة عربية .
كانت ـ باختصار ـ في حاجة الى ممارسة اسلوب القتال الجماهيري المسلح الذي يكون السمة المشتركة بين منظمات المقاومة القائمة في الساحة الآن . الساحة التي هي مكان من الوطن العربي بعيد ـ فعليا ـ أو يمكن أن يكون بعيدا عن قوانين الدول الاقليمية وشرطتها ومحاكمها وسجونها .
فكأن المقاومة من وجهة نظر قومية تمثل أفضل الامكانيات المتاحة مرحليا لبناء اداة الثورة العربية .
دعوة الى القوى العربية التقدمية :
هل ينطبق هذا على كل منظمات المقاومة ؟
لا يمكن الهروب من الاجابة عن هذا السؤال الدقيق . فلنحاول الاجابة عنه في اطار ثلاثة حدود لا نتخطاها .
اولها : أننا ندعم المقاومة ككل ضد العدو الرئيسي لأمتنا العربية .
ثانيها : أننا لا نعرف كثيرا عن حقيقة المنظمات في الساحة .
ثالثها : ان المقاومة بكل منظماتها لم تتبلور بعد ـ نهائيا ـ لا فكرا ولا تنظيما ، فهي قابلة للتطوير والتطور .
في هذه الحدود نرى أن ثمة ثلاثة اتجاهات في المقاومة .
1 ـ اتجاه اقليمي مرتبط ببعض الدول العربية تنظيميا أو ماليا أو سياسيا .
2 ـ اتجاه اقليمي فلسطيني يشكل الجانب الأكبر من المقاومة يمثل شعب فلسطين ويقاتل من أجل تحرير فلسطين لاقامة دولة فلسطينية .
3 ـ اتجاه قومي غير متبلور وغير مفرز تماما ومتناثر بين منظمات محدودة الحجم أو في قواعد كل المنظمات تقريبا .
وكل الاتجاهات تقاتل اليوم معركتها المشتركة ضد الصهيونية ، فهي في وضع يفرض عليها التحالف والتنسيق بين قواها . ولكنا نستطيع بسهولة أن نرى أن الاتجاه الأول سيخرج من المعركة بمجرد انقضاء مرحلة ازالة آثار العدوان ، أي بخروج الدول العربية المرتبط بها من المعركة بعد استرداد ما ضاع من اقاليمها في يونيو 1967 .
أما الاتجاه الثاني الذي يجسد الاقليمية الفلسطينية فانه سيقاتل الى أن تتحرر فلسطين ، لأن غايته أن يحررها وأن يقيم فيها دولته . وهنا قد يبدو أن الاقليمية لا تساوي الفشل . والواقع انه الى أن تزول آثار العدوان قد لا تكون الاقليمية الفلسطينية سببا في اضعاف مقدرة المنظمات التي تجسدها . ولكن لننظر ماذا بعد ازالة آثار العدوان ؟ عندما ينفض حلفاء المرحلة ويعود حراس الحدود الى الحدود ، وتطرح قضايا الأمن الداخلي والالتزامات الدولية ، عندئذ ستكون تلك المنظمات أمام اختبار دقيق . اما أن تصفي قواعدها أو تقبل تصفيتها ، واما أن تستولي على قواعد في الدول العربية ذاتها . ولن تكون حجتها في هذا الا ان لها حقا في الأرض العربية خارج فلسطين ، أي الا اذا لاذت بالمنطق القومي ، عندئذ ستتبين كم أخطأت عندما اختارت الملاذ الاقليمي . ولن تكون لها فرصة كسب المعركة الا اذا قبلت أن تكون للجماهير العربية حقا فيها وفي فلسطين لأن ذلك هو المبرر لالتزام تلك الجماهير بتمكينها من النصر في قلب الأرض العربية خارج فلسطين ، وعندئذ ستتبين أن الاقليمية تساوي الفشل ولو بعد حين . فان قبلت فقد تحولت الى قوة قومية ، ولا بد أن تقبل . نقول لا بد لان الحقيقة الموضوعية لمعركة تحرير فلسطين أنها معركة قومية ، لا تنتصر فيها الا القوى القومية . وبرغم كل قصر النظر ، وكل حسن النية أيضا ، فان المنظمات الاقليمية الفلسطينية ستجد نفسها في وقت ليس ببعيد أنها اما أن تصبح قومية واما أن تهزم . لن يهزمها الاسرائيليون بل ستهزمها الاقليمية ، الاقليمية فيها والاقليمية خارجها . ان ما تواجهه في لبنان نموذج وانذار لما ستواجهه فيما بعد في دول عربية تقف معها الآن ضد الاقليمية البنانية .
انه مما يحير الفهم الا يرى الشباب الذين بلغت ثوريتهم حد الفداء المأزق القريب الذي هم مساقون اليه . ان كل ما سمعناه تأييدا لشعار " مسؤولية شعب فلسطين عن تحرير فلسطين " هو أن عزل الشعب الفلسطيني عن قضيته طوال عشرين عاما وتصدي الدول العربية للغزو الصهيوني هو الذي أضاع فلسطين . ولا شك في أن عزل الشعب العربي من فلسطين عن معركة تحرير فلسطين وحبسه في مخيمات اللاجئين أحد الأسباب التي مكنت للغزو الصهيوني من أن يستقر فترات طويلة بدون مقاومة . ولا شك في أن تصدي الدول العربية للغزو الصهيوني هو الذي أضاع فلسطين . ولكن الا نتبين بوضوح أنه اذا كانت الدول العربية قد عزلت الشعب الفلسطيني من فلسطين في مخيمات اللاجئين وحالت بينه وبين القتال لتحرير الارض المحتلة فانها في ذات الوقت كانت قد حبست الجماهير العربية في حدودها الاقليمية وحالت بينها وبين القتال لتحرير الارض المحتلة . وقالوا : لقد انقضى عشرون عاما ونحن مشردون ضائعون بلا وطن وبلا هوية ، فنحن نقاتل من أجل تحرير فلسطين ليكون لنا فيها ما نفتقده من وطن وهوية . وهذا صحيح ، ولكن ألا نتبين بوضوح أن الاقليمية العربية هي التي حالت دون أن يكون لكم وطن وتكون لكم هوية يوم أن اعتبرتكم ، أنتم الذين تلقيتم منها الضربة الموجهة الى الامة العربية كلها ، أجانب غرباء في بلادها ؟ الا نتبين بوضوح أن الاقليمية هي التي حاولت وتحاول دون أن يكون لكم في دولة الوحدة وطن وهوية ؟ فلماذا لا تقاتلون في سبيل ما هو اسمى وأشمل ، وتحاكمون القومية بما جنت أيدي الاقليمية ؟ لماذا تصاغ المقاومة صيغة اقليمية فتصطنع بينها وبين الجماهير العربية حدودا بدون أرض وهوية ، بدون دولة ، وتمييزا بدون موضوع ، لكسب الرأي العام العالمي من خلال فكرة " الدولة الفلسطينية الديمقراطية " ؟ ..
هذا حوار افضل ، ولكن هل جربتم كسبه من خلال فكرة " دولة الوحدة الديمقراطية " ؟ الحق انكم لا تكسبونه الا بمقدرتكم على النصر . ومع ذلك فانما نسعى الى كسب الحلفاء والمؤيدين " للقضية " التي نكافح من أجلها والتي نعتقد أنها حق وعادلة . ولكننا لا نغير قضايانا من أجل كسب الحلفاء والمؤيدين . أفلا تعتقدون أن قضية " دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية " أكثر حقا وعدلا من " قضية فلسطين الديمقراطية " ؟ .
ان الجماهير العربية تعتقد أنها أكثر حقا وعدلا وأولى بأن تكسب تأييد كل القوى التحررية التقدمية في العالم ولو بعد حين .
اننا نستطيع أن نستطرد الى ما لا نهاية ، ولكن الالتزام القومي يفرض علينا أن نؤيد وندعم المقاومة ككل ، ونؤيد وندعم المقاومة الفلسطينية بوجه خاص . لأننا نتحدث ونحن مشتبكون في المعركة فلا يمكن أن نخذل المقاومة عموما . ولاننا نعرف انه عندما تنسحب القوى العربية الاقليمية من ساحة القتال على اثر ازالة اثار العدوان ، لن تبقى في الساحة الا المقاومة الفلسطينية التي ستقاتل الى ان تحرر فلسطين ، فهي حليف طويل الامد نسبيا ، للقوى القومية تلك التي يمثلها الاتجاه الثالث .
هذا الاتجاه الثالث لم يتبلور بعد ، وتتوقف بلورته على التعجيل باقامة التنظيم القومي الثوري الذي تكون منظمته المقاتلة في ساحة المقاومة هي قوته الضاربة ، وتتحرك تحت قيادته طبقا لاستراتيجيته وفي حماية قواعده المنظمة على المستوى القومي .
كيف يتم هذا ؟
اننا نعرف ان شبابا عربيا في صفوف المقاومة يحلم احلاما غير واقعية ، وان شبح " جيفارا " العرب يعبث بمخيلة كثيرا من شبابنا العربي . وان " فلسفة النواة المسلحة " المعزولة عن الجماهير ، غير المبلورة عقائديا ، التي تبني استراتيجيتها عن طريق التراكم التكتيكي ، وتبني قاعدتها الجماهيرية من خلال المعارك ، وتكون عقيدتها الثورية بعد ان تنتصر ، هذه الفلسفة التي روج لها " ريجي دوبرييه " تتداول في صفوف المقاومة . وان اكثر من منظمة قد تعجلت فاختارت اسمها ، ورسمت شاراتعا ، ووضعت مواثيقها ، ورفعت شعاراتها القومية ، وهي تنتظر التحام الجماهير العربية حول قياداتها ، اعتقادا منها بان هكذا يكون التنظيم القومي التقدمي الثوري . اننا نشفق على هؤلاء الشباب من خيبة الامل المريرة التي سيعانونها ، عندما يجدون ان الجماهير العربية وان كانت تعطف عليهم ، لا تلتحم بهم ، ونخشى ان ينزلقوا حينئذ الى اتهام الجماهير بانها لم تستجب الى دعوتهم العجولة .
ويهمنا ان نقول الى كل المناضلين الذين يمثلون هذا الاتجاه ، ويتطلعون الى ان يكونوا القوة الضاربة لجماهير امتهم العربية ، ان عبقرية " جيفارا " البطل كانت على وجه التحديد في استجابته لواقع الثورة في كوبا واختياره الاسلوب المناسب لها بدون تقيد بالاساليب التقليدية ، وان محصلة الخبرة من تجربة كوبا الناجحة هي انها غير قابلة للتكرار بعيدا عن مثل الواقع الذي افرزها .
ان تحرير فلسطين احدى المهمات الاساسية للثورة العربية ، ولكنها جزء من معركة التحرر العربي . ومعركة التحرر العربي ليست سوى مقدمة لوحدة الوطن العربي . وحتى معركة الوحدة ليست الا جزءا مكملا لمعركة الاشتراكية . والنصر في كل تلك المعارك لازم لتحقيق الغاية النهائية : اقامة دولة الوحدة الاشتراكية والديمقراطية ، التي تقدم للجماهير العربية في كل مكان امكانيات الحياة الافضل . ان شروطها الخاصة لكي تقتحم المعركة ، أن الجانب الاساسي من بناء التنظيم القومي الثوري يقع على عاتق القوى العربية التقدمية وليس على جانب المقاومة . وان مسؤولية النصر في المعركة الدائرة ضد اسرائيل واقعة على عاتق تلك القوى . وهي اذ تتخلى عن مسؤولياتها لن تستحق الا هزيمة اخرى ، ولن يجديها حينئذ البكاء مرة اخرى كما بكت في يونيو 1967 .
ان كتائب " انصار " المعركة يجب ان تشكل في كل مكان من الوطن العربي لدعم المقاومة فكريا وماليا وبشريا وسياسيا وعسكريا تمهيدا للالتحام مع المقاتلين القوميين من خلال مؤتمر قومي ينبثق عنه التنظيم القومي الاشتراكي الثوري ، عندئذ ستتحول المقاومة الى اداة للثورة العربية قادرة على ان تستمر في المعركة حتى النصر .
تلك هي المقاومة من وجهة نظر قومية .
الموقف القومي من المقاومة :
" المقامة " من وجهة نظر قومية تعني المقاومة كما يجب ان تكون . اما الموقف القومي من " المقاومة " فيعني موقف القوى القومية التقدمية ( منظمة او غير منظمة ) من المنظمات الاخرى المشتبكة في القتال ضد الغزو الصهيوني للارض العربية . وهذا الموقف يتحدد بالموقف القومي من المعركة وقواها .
ونحن نرى بوضوح ان لمعركة تحرير فلسطين مرحلتين :
المرحلة الاولى :
1) الهدف : ازالة اثار العدوان ( استرداد الارض العربية المحتلة في يونيو 1967 ).
2) القوى الرئيسية : القوى القومية التقدمية المقاتلة والشعبية .
3) القوى الحليفة :
أ) المنظمات الاقليمية الجماهيرية المقاتلة .
ب) الدول العرلية .
ج) القوى الماركسية في الوطن العربي .
د) قوى المعسكر الاشتراكي ( دوليا ) .
ه-) قوى الحركة التحررية العالمية .
4) القوى المضادة :
أ) القوى السرائيلية ( الدولة ) .
ب) القوى الصهيونية ( المنظمة عالميا ) .
5) حلفاؤها :
أ) القوى الامبريالية ( الولايات المتحدة الامريكية والاستعمار )
ب) القوى العربية المرتبطة بالاستعمار والولايات المتحدة الامريكية .
ج) القوى الداعية الى المساومة او الاستسلام .
د) القوى العاملة على اضعاف المقدرة العربية على القتال .
المرحلة الثانية :
1 ) الهدف : تحرير فلسطين وتصفية الوجود الاسرائيلي .
2 ) القوى الرئيسبة : القوى القومية التقدمية المنظمة المقاتلة والشعبية .
3) القوى الحليفة : القوى الاقليمية " الفلسطينية " .
4) القوى المضادة :
أ) القوى الاسرائيلية ( الدولة ) .
ب) القوى الصهيونية ( المنظمة عالميا ) .
ج) الامبريالية العالمية بواسطة الولايات المتحدة الامريكية والاستعمار .
5) حلفاؤها : الرجعبة العربية العميلة للاستعمار والولايات المتحدة الامريكية .
6) قوى تنسحب من المعركة او التحالف :
أ) المنظمات العربية الاقليمية ( من غير فلسطين ) .
ب) الدول العربية الاقليمية .
ج) القوى الماركسية في الوطن العربي ( من غير فلسطين ربما ) .
د) قوى المعسكر الاشتراكي .
لقد وضعنا الاجابة بهذه الصيغة ليسهل علينا تحديد ضوابط المواقف التكتيكية للقوى العربية التقدمية على ضوء التفرقة الحاسمة بين قوى المعركة في كل من المرحلتين . ويمكن اجمال تلك الضوابط فيما يلي .
اولا : انه لا يجوز تحت اي ظرف اثارة معارك مع القوى الحليفة في كل مرحلة فلن يستفيد من هذا الا العدو المشترك . ان الوقوف موقفا عدائيا ، دعائيا ، او حركيا ، ضد اي قوة مقاتلة ، او مشتبكة ، او مجابهة ، عسكريا او فكريا او سياسيا ، لقوى اعدائنا وحلفائها ، خطأ تكتيكي مدمر في هذه المرحلة . ان اقصى ما يمكن الذهاب اليه هو اتخاذ موقف دفاعي ضد الحلفاء الذين يرتكبون هذا الخطأ ، بدون وعي ، او استغلالا لظروف المعركة قاصدين تحقيق النصر لحسابهم الخاص . على ان يبذل كل صبر ثوري ضد اي استفزاز ، وتبذل كل محاولة ممكنة لتنمية كل اسباب التعاون وتوثيق التحالف وتصفية اسباب الخلاف . نقول هذا مدركين تماما ان الساحة لا تخلو من تخطيط واع لتخريب العلاقة بين القوى التي تقف معنا لفض تحالفها او تحويلها عن هدفها المشترك . كما اننا ندرك تماما التخريب الذي قد ينتجه الجهل الذي يعربد تحت حماية السلاح ، او الانتهازية التي تبحث عن مكاسبها الخاصة . ولكنا مدركون في الوقت ذاته ان الاستجابة لكل هذا والمساهمة فيه عن طريق قبول الدخول في معارك جانبية بين القوى المتحالفة هو " موضوعيا " وبصرف النظر عن المبررات اضعاف للمقدرة العربية ومساعدة غير مباشرة للقوى المعادية " .
ثانيا : ان مواقع القوى ستتغير جذريا بعد انتهاء مرحلة ازالة اثار العدوان ، والدخول في مرحلة تحرير الارض المحتلة من فلسطين قبل سنة 1967 وتصفية الوجود الاسرائيلي . وان كثيرا من القوى المشاركة الان في القتال ، والحليفة ، ستنسحب من المعركة ثم تكتفي بالتاييد الادبي ، او تقف على الحياد ، او تنظم الى تحالف القوى المعادية . انها تلك القوى التي تقبل الوجود الاسرائيلي على الارض العربية او غير مستعدة للقتال حتى تصفية ذلك الوجود . تلك هي اخطر مرحلة سيواجهها النضال العربي ، وفيها ستقع مسؤواية استمرار المعركة على عاتق :
1) القوى القومية التي تقاتل من اجل تحرير فلسطين لانها جزء من الوطن العربي لتقيم دولة الوحدة .
2) القوى الاقليمية الفلسطينية التي تقاتل من اجل تحرير فلسطين لانها وطنها الخاص لتقيم فيه كما تقول " الدولة الفلسطينية المستقلة " .
ثالثا : على ضوء هذا فان ضابط الموقف القومي من المقاومة الان ، اي في مرحلة ازالة اثار العدوان تتلخص في امرين :
1) دعم المقاومة ككل في مواجهة القوى المعادية وحمايتها ، من محاولات الاضعاف او التصغية والوقوف معها ضد اي قيود تفرضها عليها الدول العربية .
2) نقد المقاومة في خصوصية " الاقليمية " عن طريق التركيز على ما تسلبه تلك الاقليمية ( فكرا ، وصيغة ، وعلاقات ) من اضعاف لمقدرتها على النصر .
***
2 - الحوار :
مدخل :
سؤال (1) :
يتبع ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق