بين تونس والجزائر ، أي دور يريده الاشقاء؟
على هامش زيارة الرئيس الجزائري لتونس كثرت المنابر التلفزية وتنوع الحديث حول آفاق العلاقات بين تونس والجزائر ، وطفحت خلالها كل انواع الحديث المفقودة والممنوعة احيانا عن التاريخ المشترك ووحدة المصير .. وهكذا هي طبيعة الأمور ، حيث تلهب مثل هذه المناسبات واللقاءات مشاعر الاخوة الدفينة في اعماق الشعوب وتفتح ابواب الحديث عما هو كائن وعما يجب ان يكون .. وقد اثرى الحاضرون في مختلف المنابر هذه النقاشات بالكثير من المعلومات والتصورات في مجالات عديدة ذات العلاقة التاريخية منها والاستراتيجية ، وقد كان من بين الحاضرين في مختلف " البلاتوات " المحلل ، والخبير الاقتصادي ، والخبير القانوني الدولي ، والسفراء .. وهو ما يجعلك تستمتع وتستفيد بجملة الافكار والاجتهادات في الارقام وفي القراءات المقارنة ، لتتفطن في النهاية الى حجم الجرم الذي يرتكبه السياسيون حينما يتعاملون مع الدولة خارج المصلحة الوطنيية سواء بالاصطفاف او بالتبعية او بالتفويت فيها للريع والفساد خاصة في علاقته بالخارج .. وقد كان الحوار خير مثال لما يسميه الدكتور عصمت سيف الدولة في علاقات الدول بالدور الجغرافي ، الذي تسعى من خلاله الدولة - اية دولة في العالم - للبحث عن مصالحها التي تبدأ اوليا وبشكل طبيعي بالمحددات الجغرافية لما له من تأثيرات مباشرة على امنها ومصالحها ، وهو ما يعني بالنسبة لتونس ان تكون امتن علاقاتها مع جيرانها واولها الجزائر وليبيا ، الشيء الذي لا نجده بالقدر المطلوب خاصة مع الجزائر على مدى كل الفترات التي عاشتها تونس منذ الاستقلال الى الآن حيث يمكن ان نذكر مقولة بورقيبة الشهيرة حينما قال باريس أقرب لنا من القاهرة ، وطبعا هذا ليس من باب الحسابات الجغرافية لانه لم يقل الجزائر او ليبيا اقرب لنا من باريس ، ولكنه يكشف لنا الى حد كبير المحدد الفاعل في علاقات تونس منذ ذلك الوقت الى اليوم وهو " التبعية " ، وقد وجدنا هذا المحدد يتجسد من جديد في علاقات جديدة بعد 2011 مع الحليف التركي حين تغير الفاعلون السياسيون على راس الدولة ..
المشكل بالنسبة للدول العربية كدول اقليمية ان المحدد الجغرافي يصبح محددا اقليما ايضا بالنسبة لمحيطها القومي ، حيث لا توجد خصوصية التجزئة في اية امة تقريبا في الوقت الحاضر فيصبح الدور الجغرافي - بالنسبة لأي دولة عربية - دورا اقليما تحدد من خلاله علاقاتها بالدول العربية الاخرى من منطلق مصلحتها الوطنية الاقليمية ، وهذا الدور الاقليمي يصدق فيه القول بالنسبة لأي قطر عربي ما يصدق على الآخر ، حيث من منطلق تلك العلاقة والمصلحة يكون السعي لبناء العلاقات بين قطرين عربين هو تحقيق المصلحة المتبادلة التي يمكن ان تكون فيها مشاعر الحس القومي عاملا اضافيا لتحفيز العلاقات وتقويتها اضافة الى العامل الجغرافي مما يعطي البعد الاكبر والاشمل للعلاقة بين تونس والجزائر في هذه المرحلة من خلال تفعيل كل قطر منهما لدوره الجغرافي والاقليمي سعيا لتحقيق المصالح على جميع المستويات بين الشعبين الشقيقين كما يقولون ..
الى هذا الحد قد يكون الحديث عن الدور التاريخي القومي بالنسبة لتونس او للجزائر كدولة اقليمية حديثا سابقا لاوانه في ظل الظروف الحالية ، وقد تكون الجزائر اقدر عليه لو ارادت ، حيث يتطلب هذا الدور تضحيات جسيمة خدمة للقضايا القومية ، ويبقى من الادوار البعيدة ، الدور الوحدوي الذي يتحول من خلاله القطر - اي قطر عربي مؤهل لذلك - الى اقليم قاعدة ثم الى دولة نواة مع قطر آخر او اكثر وصولا للوحدة الشاملة كحل وحيد للقضاء على التخلف العربي بجميع مظاهره .. فهل تنجح الدولتان على الاقل في تفعيل الدور الجغرافي الاقليمي بين " الاشقاء " كما يقول الرئيسان كحد ادنى على الاقل لحل جزء من الازمات الحالية ؟؟
( القدس ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق