مقياس الخطر من الوجود الاجنبي في الوطن العربي ..
الدكتور عصمت سيف الدولة .
يتساءلون ، أين نحن من الاتحاد
السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية ، ويقولون ان الامر كان واضحا حين كنا
منحازين الى الشرق . حين اقتصرنا على اسلحته وخبرائه . حين فوضناه في أن يتحدث
باسمنا . حين عرضنا عليه الدفاع عن وطننا . حين بذلنا فوق ما نطيق مالا وبشرا في
العراك مع الولايات المتحدة الامريكية واصدقائها . حين اخترنا الاشتراكية . ولقد
كان الامر واضحا لان حدود الانتماء ـ كما يقولون ـ كانت واضحة . فلقد كان العالم
منقسما انقساما حادا الى قوتين متصارعتين ، الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد
السوفيتي والكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية . في تلك الظروف كان
من الممكن أن نجد للانحياز مبررا . ولقد حاولنا وحاول غيرنا ان نبني كتلة عدم
الانحياز من دول العالم الثالث ، ولكنا ـ وا قعيا ـ كنا منحازين . المهم ان الظروف
قد تغيرت . وان المتغيرات الدو لية قد اصابت علاقات كل الدول بالتغيير . وحل
الوفاق محل الصراع بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية . انهم
يتعايشون معا ويتفقون معا ويعقدونالصفقات طويلة الامد . وان هذه لفرصة تاريخية لنعود
الى استقلالنا ونتعامل مع كل الدول بدون تمييز ولا نزج بانفسنا في معتركات السياسة
الدولية . وان اخشى ما نخشاه من خطر على قضيتنا أن نقع فريسة الاستقطاب مرة أخرى ،
واخشى ما نخشاه من خطر على حريتتا أن نفقد المقدرة على اتخاذ قراراتنا طبقا لما
يتفق مع مصالحنا .. الخ .
يثير هذا الذي يقال ،
ثلاثة مواقف متميزة في الوطن العربي .
الموقف الاول ، يعيد التذكير بتاريخ علاقتنا بالاتحاد السوفيتي . لم يكن
الاتحاد السوفيتي هو الذي تقدم فدس أنفه في شؤوننا الداخلية . كانت البداية منا .
نحن الذين تقدمنا اليه ننشىء معه علاقات اقتصادية ومالية وثقافية وعسكرية فرحب
وقبل . ولم نتقدم اليه مختارين . تقدمنا اليه بعد أن استنفذنا كل الوسائل في
محاولات استغرقت سنين طويلة أردنا بها أن ننمي علاقاتنا الاقتصادية والمالية
والثقافية والعسكرية مع المعسكر الغربي والولايات المتحدة الامريكية بالذات .
وكانت للولايات المتحدة الامريكية شروط لا تنسى لانها شروط تمس استقلالنا وحريتنا
” ولما رفضناها ضرب علينا الحصار الاقتصادي ، وجمدت أرصدتنا المالية في الولايات
المتحدة الامريكية ، وتوقفت الاعانات ، وسحب عرض بناء السد العالي ، وغزت اسرائيل
أرضنا تحت مظلة حلف الاطلنطي . كان المطلوب منا لكي نحتفظ وننمي علاقاتنا مع
الولايات المتحدة الامريكية أن نكف أنفسنا عن الاهتمام أو التدخل في شؤون العالم
العربي ، أن نصطلح ونعترف باسرائيل ، لأن نقبل رقابة مالية على خزانتنا ، الا نقيم
مشروعا اقتصاديا الا بعد الاذن من البنك الدولي . باختصار كانت تبعيتنا الى
الولايات المتحدة الامريكية هي ثمن أية علاقة اقتصادية أو مالية أو ثقافية
أوعسكرية . والمرحوم دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة . هو الذي قال لنا
: اما معنا واما ضدنا لان موقف عدم الانحياز موقف غير اخلاقي …
ولقد لجأنا الى الاتحاد السوفيتي فتعامل معنا في الحدود التي ارتضيناها وقبل
شروطا لا تتفق حتى مع مبادئه العقائدية . صفقة الاسلحة تمت سنة 1955 بينما كان كل
الشيوعيين في السجون . وبينما كان خبراء الروس ينفذون مشروع السد العالي ، ويخططون
لمجمع الحديد والصلب ، ويوردون الاسلحة ، كان الشيوعيون أيضا في المعتقلات في
الواحات ، وعندما هزمنا في عام 1967 قدم لنا الاتحاد السوفيتي تعويضا عن اسلحتنا
مكننا من استئناف القتال في حرب الاستنزاف . وعندما بدأت غارات العمق ذهبنا ، نحن
الذين ذهبنا، لطلب الاسلحة المتطورة ، ونطلب الخبراء ، ونطلب ، نحن الذين طلبنا أن
يتولى طيارون من السوفيت حماية اجوائنا الداخلية الى أن يتم تدريب طيارينا .
وعندما قلنا تعالوا نتفق على انهاء مهمة الخبراء قال السوفيت ليس هذا من شأننا
لنتفق عليه ، انه من شأنكم انتم فان اردتم فانهوا وجودهم في بلدكم . فلما طلبنا
مغادرتهم في موعد ، حددناه نحن ، غادروا هم قبل الموعد الذي حددناه . فلماذا نخشى
التعامل مع الاتحاد السوفيتي وهذه خبرتنا معهم ..
الموقف الثاني يقول ان هذا ليس الا جانبا واحدا من المشكلة . جانبها الثاني هو
اننا عندما نقتصر في تعاملنا الاقتصادي أو المالي أو الثقافي أو العسكري على
الاتحاد السوفيتي فاننا نكون قد اصبحنا تابعين له سواء اردنا او لم نرد . ان
الاتحاد السوفيتي لم يعطنا كل ما أعطانا حبا فينا أو استجابة لمبادئه ونظرياته .
ولو كان يتبع في سياسته الخارجية مبادئه النظرية ما تخلى عن الماركسيين . ولو كان
يتبع في تعاونه الدولي مبادئه لما عرض اقتصادالصين الشعبية وهي دولة ماركسية
للخراب عندما سحب خبراءه فجأة في وقت كانت الصين في أشد الحاجة اليهم . انما هو
يبحث منذ قرون عن سبيل الى المياه الدافئة ، ولقد فتحنا له مياهنا فاصبح له وجود
عسكري قوي في المتوسط ، وفي محيطات الجنوب ونقل بذلك صراعه مع الولايات المتحدة
الامريكية الى ارضنا . وفي هذا الصراع لا يمكن الحياد . فهو يسعى باساليبه الخاصة
لاحتوائنا وهو يستعمل في سبيل هذا امضى اسلحته وهو السلاح الفكري . ما بين عام
1964 وعام 1967 لم تمض الا ثلاث سنوات قضاها الماركسيون خارج السجون فبلشفوا
العقول و سمموا افكار الجيل الجديد من الشباب، واشاعوا الفساد والالحاد .. وفي
الاوقات العصيبة لم يتردد الاتحاد السوفيتي في الضغط علينا بما يملك تحت يديه من
ادوات اقتصادية ومالية وعسكرية . حبس عنا قطع الغيار . وهو يرفض جدولة الديون .
وهو يرفض ان يعوضنا خسائرنا في الحرب كما فعل مع سورية وكما تفعل الولايات المتحدة
الامريكية مع اسرائيل . ثم بماذا يفيدنا الاتحاد السوفييتي ؟ ان ازمتنا اقتصادية .
ولقد أصبحنا افقر الدول بعد أن كنا اغناها. ما نريد الان هو ان نوقف الاستنزاف
الدائم لمواردنا الاقتصادية والبشرية بالكف عن الحرب . على اسرائيل اذن أن تترك
أرضنا بدون قتال ولا يستطيع أن يحملها أحد على هذا الا الولايات المتحدة
الامريكية. ثم ان الولايات المتحدة الامريكية هي وحدها التي تستطيع ان تقيلنا من
عثرتنا الاقتصادية لانها اقوى قوة اقتصادية في الارض . ألم يلجأ اليها حتى السوفيت
ليحلوا ازماتهم الاقتصادية المستعصية . لقد ارهقنا الفقر والحرمان سنين طويلة ولا
نريد الا وضع حد لهذا الفقر والحرمان ، فلنفتح أبوابنا للولايات المتحدة الامريكية
. لن يأتي الينا الاسطول الامريكي فانه لا يفتقد القواعد . ولن يأتي الينا الجيش
الامريكي فقد انسحب حتى من جنوب شرقي اسيا . انما ستأتي اليناالاموال الغزيرة ،
والتكنولوجيا المتقدمة ، ومشروعات الا ستثمار المدروسة . فتتحول بلدنا الى جنة كما
تستحق بدون أن نفقد حريتنا .
الموقف الثالث يقول : اننا ، فوق كل شيء وقبل كل شيء ، يجب أن نحافظ على
استقلالنا فلا نقع في شباك التبعية لا للاتحاد السوفيتي ولا للولايات المتحدة
الامريكية . وبناء عليه يجب أن نتعامل معهما معا ، لا نعادي أيهما ولا ننحاز الى
أيهما وبالتالي نفلت من كليهما ونستفيد من علاقاتنا بالجميع . على هذا الوجه يجب
أن يكون التزامنا الاسترا تيجي ، أما المواقف التكتيكية فتتنوع وتتغير تبعأ للظروف
المتنوعة المتغيرة . ولكن المقطوع به أننا لن نسمح في أي حال بوجود سوفيتي أو وجود
أمريكي في أرضنا العربية .. فلا قواعد عسكرية . ولا احتكار للسلاح . ولا تعامل
منفرد إقتصاديأ ، ولا رأسمالية ، ولا شيوعية ، بل انفتاح على كل الدول وكل المذاهب
وكل النظم .
ومعارك الكلمات وما تخفيه ، ما تزال مستمرة .
ونحن نريد بهذا الحديث أن نقيم حدا بين المواقف . اذ لن يضيرأمتنا أبدا أن
تفرز القوى من خلال مواقف محدودة بحيث يعرف كل واحد الى أين ينتمي . ان هذا الفرز
مقدمة صحيحة وصحية للحل الصحيح . انما تضار أمتنا حقا ، اعني جماهير أمتنا العربية
، عندما تختلط في اذهانها المواقف فلا تعرف كيف تختار موقفها هي .. ولاختلاط
المواقف سبب غير خفي فان جميع المتعاركين يدخلون الى موا قفهم المتناقضة
مدخلا واحدا : الوطنية . الحرية . الاستقلال وعدم التبعية … الى آخره . وهو مدخل
الجماهير أيضا . فلا أحد يستطيع أن يقنع أحدا في الوطن العربي بخيانتة وطنه أو بيع
حريته أو التنازل عن استقلاله . ومع ذلك فان المواقف التي اختلطت في مدخل واحد ،
مدخل الوطنية ، مواقف متناقضة فلا بد لها من أن تفرز حتى تعرف جماهير أمتنا أي
موقف تختار لنفسها.
ليس غاية هذا الحديث اذن
، تحقيق ادعاءات الاطراف المعنية او محاكمة مواقفها ، بل غايته أن يضع بين أيدي
الجماهير العربية مقياسا للخطر، مفترضا ان الموقع الاستراتيجي لوطننا العربي وما
فيه من ثروات يرشحه لمطامع كل الذين يحتاجون إلى” وجود ” سواء كان وجودا عسكريا أو
اقتصادياً ، ولن نعقد مقارنة بين كل الدول والقوى لنقول من منها الذي يحتاج إلى ”
الوجود ” في الوطن العربي . انما نقصر الحديث على بيان كيف تتواجد القوى والدول
خارج حدودها .
والمقارنة للايضاح ، بين
الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية.
ان الولايات المتحدة الامريكية هي التي هددت صراحة بغزو الوطن العربي وهي التي
تتواجد عسكرياً في اسرائيل وهي التي تملك القواعد في بعض الاقطار العربية . يقول
أصحاب الموقف الثاني أن الولايات المتحدة هددت ولكنها لم تنفذ مع انها قادرة على
التنفيذ . وهي ليست قوة عسكرية موجودة في اسرائيل بل هي حليفة تبيع لاسرائيل
السلاح كما تبيع للاردن وللمغرب ، وهذا يجري به العرف الدولي . أما قواعدها في بعض
الاقطار العربية فقد أقيمت على أرض مؤجرة من تلك الاقطار وما تزال لها قاعدة
في كوبا لم تستخدمها في اسقاط كاسترو رغم محاولاتها اسقاطه بطرق أخرى . ولقد
استطاعت ليبيا ان تنهي هذا الوجود بمجرد طلب انهائه وأخلت أمريكا قاعدتها هناك .
ليكن . منعا للجدال . لنستبعد اذن المقياس العسكري ولنقل أن أياً من الاتحاد
السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية لن يجسد وجوده خارج حدوده عنوة بالقوة
المسلحة والاحتلال . انه الاستعمار “القديم ” الذي انقضى عصره . كيف يتجسد وجود
الدولة خارج حدودها إذن ؟
كل بالاسلوب الذي يتفق مع نظامه الداخلي .
الاتحاد السوفيتي دولة اشتراكية خالية تماما من المؤسسات الفردية . الدولة هي
التي تنتج السلاح وهي التي تبيعه . الدولة هي التي تملك ” ادوات الانتاج وتتعامل ـ
خارجيا ـ في المنتجات الصناعية والزراعية وغيرها . وكل الناس في الاتحاد السوفيتي
عاملون في الدولة ، ولا يستطيع أي واحد منها أن يؤجر قوة عمله الى غير دولته
ولكنها تملك تشغيله في خارج الدولة تنفيذا للاتفاقات التي تعقدها الدولة مع الدول .
والدولة هي التي تملك الصحف والاذاعة وتطبع الكتب وتنشرها وتوزعها داخل الاتحاد
السوفيتي وخارجه .
وهكذا يكون الوجود السوفيتي خارج حدوده وجودا ظاهرا ومحددا ومعروفا لانه يتم
من خلال الدولة وفي نطاق علاقاتها بالدول الاخرى . الوجود الاقتصادي يتم في شكل
مكاتب متخصصة ترفع العلم السوفيتي علناً . في شكل عقود يبرمها مندوبون مفوضون من
الاتحاد السوفيتي رسميأ. في شكل مصانع وأدوات صناعية وأسلحة وذخائر تسلّم من
الاتحاد السوفيتي الى الدولة المعنية طبقأ لاتفاقات معروفة. في شكل خبراء معروفة
أسماؤهم وأسماء أسرهم وأعدادهم ومحال إقامتهم وأرقام هوياتهم لدى سلطات الدولة
التي يوجدون فيها . والوجود الثقافي في شكل مكاتب ثقافية ومكتبات وصحف وكتب
تحمل كل منها شعار واسم الاتحاد السوفيتي . وفي شكل وفود زائرة معروفة العدد
والاسماء ومدد الاقامة والغرض من زيارتها ووفود مدعوة بالاسم او بالصفة لمدد
معلومة تقدم دعوتها الى الدول التابعة لها . لا شيء يجري في الخفاء، ولا شيء يمكن
أن يضلل أحدا في ” الوجود ” السوفييتي عندما يريد الاتحاد السوفيتى أن يكون له وجود
خارج حدوده ..
ان هذا الوجود العلني ، والذي لا يمكن الا ان يكون علنيآ هو الذي سمح ويسمح
بحملات التشهير بالوجود السوفيتي . ففي كل دولة يستطيع رجل الشارع العادي ان يعرف
ما اذا كان للاتحاد السوفييتي وجود في دولة ام لا . وما شكل هذا الوجود . وما حجمه
وبالتالي يستطيع ان يقدر ما اذا كان هذا الوجود يمثل خطرا على استقلاله او لا يمثل
.. فالمشهّـرون بالوجود السوفيتي لا يحتاجون الى معلومات . كلها متاحة وغير منكورة
فيبقى لهم ان يفسروا ويأولوا ويستنتجوا ما يريدون من وجود لا ينكره احد .
على أي حال ، فان أي ” وطني ” يحرص على استقلال بلاده لن يخطىء ابدا في معرفة
بدء وشكل ومضمون وحجم الوجود السوفيتي في بلاده . وسيكون عليه هو ان يقدر مدى
اتفاق او عدم اتفاق هذا الوجود مع استقلاله الوطني ، وان يحد منه او ينهيه ولن
يكلفه هذا شيئا سوى مراجعة او تعديل او انهاء العقود والاتفاقات التي ابرمها مع
دولة الاتحاد السوفييتي .
نأتي الى الطرف الآخر.
الولايات المتحدة الامريكية دولة رأسمالية اقتصاديا ليبرالية سياسيا . الدولة
هنا لا تتدخل بشكل عام الا في شكل القوة المسلحة التي استبعدناه . لان الدولة في
الولايات المتحدة الامريكية ذات وظيفة محددة : حماية مصالح رعاياها واشخاصهم فقط
لا غير . اما العلاقات الاقتصادية او المالية او الثقافية بالدول الاخرى فيقوم بها
الافراد والمؤسسات الخاصة . حتى الاسلحة تنتجها وتبيعها مؤسسات خاصة تلك المؤسسات
الخاصة قد تقيم علاقاتها مع دولة او مع مؤسسات خاصة ا يضا في الدول . وغاية كل هذا
النشاط الذي يقوم به الافراد والمؤسسات الخاصة من الامريكيين خارج الولايات
المتحدة الامريكية هو الحصول على الارباح . اكبر قدر من الارباح ، وهكذا يتبع
الوجود الامريكي مصادر المواد الخام والعمالة الرخيصة والعرض الاستهلاكي أينما كان
متاحا بشروط افضل .. ولا تحتاج دولة الولايات المتحدة الى الظهور كطرف في علاقات
رعاياها بالدول او المؤسسات او الافراد خارج حدودها . كل ما تحتاجه هو اكبر عدد من
العيون والرقباء والعملاء الذين ينشطون خفية للتحقق من أن ” الظروف ” الداخلية في
أية دولة لا تهدد مصالح رعاياها اما بتقييد نشاطهم أو بمحاولة الحد من الارباح
التي يغرفونها فتظهر حينئذ في شكل قوة عسكرية . وقلة من هؤلاء من يلحقون بسفاراتها
كموظفين . الكثرة يتواجدون ايضا تحت شعار النشاط الاقتصادي أو المالي أو الثقافي .
وليس مطلوبا من أي وطني حريص على استقلال بلاده ان يكشف حقيقة كل هؤلاء الامريكيين
الذين يفدون الى بلاده ، يحملون وعود الرخاء ودعوات السلام . هذا فوق طاقة اي وطنى .
كيف يمكن اذن ان يعرف أي وطني حريص على استقلال بلاده بدء وشكل ومضمون وحجم
الوجود الامريكى في بلاده ؟ بمراقبه ودراسة تتبع النشاط الاقتصادي والمالي
والثقافي في بلاده ذاتها عندما يبدأ دخول رؤوس الأموال الخاصة في بلده يكون قد بدأ
الوجود الأمريكي سواء جاءت رؤوس الأموال تلك من الولايات المتحدة أو من المانيا الغربية
أو من اليابان أو من أي طرف من أطراف الأرض لأن الولايات المتحدة الأمريكية هي ”
امبراطورة ” الرأسمالية العالمية كل ثغرة تفتح لتتسرب منها مضاربات السوق
الرأسمالي إلى الداخل يدخل معها السوق الأمريكي في شكل مضاربين على احتياجات الشعب
في السوق الحرة . كل صفقة دولية تعقدها مؤسسة خاصة “وطنية” هي اسلوب خاص للوجود
الأمريكي في الوطن . كل فرع بنك أجنبي هو تجسيد للوجود الأمريكي . كل سلعة
استهلاكية لا يحتاج إليها الشعب هي جزء من الوجود الأمريكي . كل مشروع امريكي
اقتصادي أو مالي أو ثقافي ، هو وجود أمريكي .. كل دعوة ليبرالية هي دعوة إلى
أمريكا لتتواجد . كل نظام رأسمالي هو في التحليل الأخير وجود أمريكي في شكل نظام .
وفوق طاقة الجماهير العربية العادية أن تراقب وتتبع هذا الوجود منذ بدايته إلى
أن يسلبها استقلالها الوطني . فماذا تفعل لمنع مخاطر الوجود الأمريكي في بلادها ؟
هل تقاطع أمريكا ؟
لا ..
ألاّ تتعامل مع أمريكا ورعاياها من
المؤسسات والأفراد إلاّ عن طريق دولتها .
أن تكون الدولة هي المتعاملة المتعاقدة المتاجرة المبادلة ، مالياً واقتصادياً
وثقافياً ، مع أمريكا وكل النظم الرأسمالية . أن تكون الدولة هي صاحبة الصلاحية
وحدها ، فيما يدخل أو لا يدخل حدودها من أموال أو بضائع أو ثقافة ، وتكون هي الطرف
الوحيد في كل مشروع طرفه الآخر مؤسسة رأسمالية . ان الانفتاح على المؤسسات
الأمريكية هو استدعاء للوجود الأجنبي في أرض الوطن .
مقال نشر في جريدة السفير يوم 28/7/1975
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق